تنشر هذه الورقة لأول مرة على موقع معهد العالم للدراسات، وقد أرسلت كاتبة الورقة د. مهجة قحف (أستاذة الأدب المقارن في جامعة أركنساس، الولايات المتحدة الأميركية) النص باللغة الانكليزية، وقمنا في المعهد بترجمتها.
النص :
شكر وتقدير: إنني ممتنة لابنتي، طالبة الدكتوراه بانة الغضبان، لبحثها الذي ساهم في هذه المقالة؛ ولريما دالي لمنح وقتها تحت وطأة ضغط لا يصدّق، و لرؤى جعفر و الفرد من عائلتها الذي تحدث معي عبر السكايب بينما كانت رؤى مسجونة، فضلاً عن كندة و لبنى زاعور، لكل شيء ساهمت فيه هذه النساء الشجاعات لمنفعة الشعب السوري.
خلاصة: "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية" حملتان ضد العنف بدأتهما نساء سوريات تنتمين لأقليات. واجهت كلا الحملتين تحديات هائلة في محاولتها لإحياء المقاومة السلمية في سوريا في عام 2012، بعد أن انهار الإجماع الشعبي الأولي على السلمية تحت ضغط العسكرة داخل الثورة السورية و بروز الميليشيات المتطرفة الإسلامية، وهي التطورات التي همّشت النساء والأقليات الدينية في الثورة السورية. وللحظةٍ قصيرة ولكن رغم ذلك مهمة، أعادت هاتان الحملتان النساء إلى طليعة العصيان المدني، أربكت النظام، وأنعشت قيم حركة الاحتجاج الأصلية في سوريا: تغيير سلمي، مساندة حقوق إنسان متساوية لجميع السوريين؛ وكالة ثورية محلية في ثورتهم؛ ورؤية شاملة، لاطائفية لوحدة مدنية.
من بين النشاطات التي استهلّتها النساء في الثورة السورية لدينا حملة "أوقفوا القتل" في عام 2012 واعتصام "عرائس الحرية" في 21 تشرين الثاني عام 2012. ولتقييم أهمية ومغزى هاتين الحملتين المعززتين للمقاومة السلمية، من المهم فهمُ سياقهما ضمن مرحلة محددة في الثورة السورية. إذ بينما كان الاحتجاج السلمي هو المعيار في عام 2011، فإن الإجماع على السلمية كان قد تداعى بين المتظاهرين الشعبيين في الثورة السورية بحلول عام 2012.
فقد ترك النزاع المسلح مساحةً صغيرة للاحتجاج السلمي. وحرفياً، أصبحت الشوارع التي شهدت احتجاجات سلمية مناطق نزاع. علاوةً على ذلك، بينما نُظّم المحتجون في البداية على أسس وحدةٍ مدنية عبر الأديان و الطوائف، إلا أنه بحلول بدايات عام 2012 شهدت الثورة السورية صعود الإسلاميين المتطرفين. وقد همّشت كلا من العسكرة و التطرف الإسلامي الناشطات. وزادت هذه التطورات أيضاً من تأثير القوى الخارجية في الثورة، مما فاقم من تهميش النشاط السوري. وقد عملت حملتا "أوقفوا القتل" و "عرائس الحرية" بجهد لإعادة تنشيط الدور المركزي للنساء، وتعزيز المشاركة المحلية، و إعادة تأكيد التمثيل السوري في الثورة. كما أعادت هاتان الحملتان، وبقيادة نساء من الأقليات الدينية، تأكيد الوحدة المدنية اللاطائفية لحركة الاحتجاج الأوليّة. أنعشت حملتا "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية"، للحظةٍ وجيزة و لكن مهمة، قيم وأساليب الحركة الاحتجاجية الأوليّة التي بدأت في سوريا عام 2011.
أوقفوا القتل
بدأت حملة "أوقفوا القتل" بوقفة امرأة واحدة، هي المحامية ابنة الـ32 عاماً ريما دالي(1) مرتديةً معطفاً مطرياً أحمر، وممسكةً لافتة حمراء كبيرة على تقاطع طرق قرب مبنى البرلمان في دمشق. يقول النقش بالأبيض على لافتتها: "أوقفوا القتل، نريد أن نبني وطناً لكل السوريين". عنصر الأمن الذي استجوب ريما سألها: "في أي جانبٍ أنتِ؟" رفضت ريما أن تجيب بشيء، عدا عن القول: "أنا سوريّة" (بانة الغضبان 2014).
(ريما دالي)
اجتاح سوريا، بين نيسان و تموز من عام 2012(2)، ستة وعشرون حدثاً من حملة "أوقفوا القتل"، حُشد من قبل ناشطين داعمين لوقفة ريما الأوليّة. لقد نشر هؤلاء الناشطون الحملة عبر شبكة سريّة من مجموعات مقاومة مدنية شعبية تشكلت في الأشهر الأولى من الثورة السورية. وعلى الرغم من اعتقالات ومدافع النظام، فقد استمرت العديد من مجموعات المقاومة المدنية هذه بالتواجد وبالتواصل فيما بينها. جرت العديد من اجتماعات تخطيط "أوقفوا القتل" على السكايب، بما فيها ذاك الذي سُمح للمؤلفة أن تحضره. حلّقت رموز "أوقفوا القتل" في ربيع و صيف عام 2012 في حلب(3)، وتجمعات كردية(4) في شمال سورية، والسويداء(5) في الجنوب، منطقة الدروز التاريخية(6)، كما في التل(7) ودوما(8). حيث نظم ناشطون مسرح شارع "أوقفوا القتل" في شام سنتر في كفرسوسة حيث تمدد رجلان وامرأتان على الأرض ممثلين مدنيين قُتلوا بنيران النظام الفتاكة على المحتجين السلميين، عمليات القتل هذه التي أصبحت حدثاً منتظماً في سوريا منذ آذار من عام 2011.
عرائس الحرية
في اعتصام "عرائس الحرية"، دخلت أربع نساء مرتديات فساتين عرس إلى سوق مدحت باشا في دمشق في منتصف نهار 21 تشرين الثاني من عام 2012(9).
أظهرت "العرائس" بصمتٍ لافتات حمراء بكلمات بيضاء. أمسكت امرأتان اللافتة الكبيرة الوسطى، التي تقول: "لأجل الإنسان السوري، المجتمع المدني يعلن: وقف جميع العمليات العسكرية في سورية. سوري 100%". أما اللافتات على اليسار واليمين، فقد حملت كل واحدةٍ منها امرأة، تقرأ على التوالي: "تعبتوا وتعبنا، بدنا نعيش، حل تاني... سوري100%"، و "سورية إلنا كلنا.. سوري 100%"(10). مع مساعد يصور خلسةً، تم اعتقال "العرائس" الأربع سريعاً من قبل أفراد الأمن(11). لقد سجنّ لمدة 49 يوما، حتى 9 كانون الثاني من عام 2013(12)، وتعرضن لظروف لا تليق بالبشر، نموذجية في نظام الاعتقال السوري. حمّلت فيديوهات اعتصامهم مباشرة على قناة اليوتيوب (أيام الحرية)، وهي تجمّع حركات مقاومة مدنية تشكّلت في أيلول من عام 2011(13). من هناك، نُشرت هذه الفيديوهات إلى العديد من صفحات الوسائط الاجتماعية للثورة السورية. وكانت هذه الكاتبة من بين هؤلاء الذين استلموا روابط للفيديوهات من مدير أيام الحرية آنذاك، دكتور علاء ظاظا، خلال ساعتين بعد الاعتصام، مع طلب نشرها على نطاق واسع.
استراتيجيات، تشابهات، و تحديات
تُظهر حملتا "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية" إبداع مقاومة النساء السلمية. إذ يحوّل مسرح شوارع الحملتين، المتفرجين السلبيين إلى شاهدين فعالين. مستدعياً "مسرح المقهورين"، كما تخيله أوغستو بوال Augusto Boal (2000)، فقد خلقت كلا الحملتين أوضاعاً درامية إذ "يعرف المرء كيف ستبدأ هذه التجارب لكن ليس كيف ستنتهي، لأن المتفرج يتحرر من قيوده، في النهاية يمثل، ويتحول لبطل المسرحية"(2007،472). جازف المشاركون بالتعرض للاعتقال، إذ أن التجمع العلني والبيانات السياسية التي لا توافق عليها الدولة؛ جرائم يعاقب عليها في سوريا.
يبرهن اللونان الأبيض والأحمر المستخدمان في حملتا "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية" تخطيطاً حيادياً ليجذب كل الحضور. لقد كان استخدام علم الثورة السورية ذو القمة الخضراء محظوراً في هذه الأمسيات؛ كما مُنعت دعوات تغيير النظام والسخرية من الأسد. وكان ضبط النفس هذا مفتاح استراتيجيات كلا الحملتين. أي جُرّدت دعوة وقف العنف من أي رسالة أخرى قد تسمح للنظام بقولبة الأمسية لتناسب سرديته عن الإنتفاضة. وهذا الحياد هو ما أربك ضابط الأمن الذي اعتقل ريما أمام مبنى البرلمان، و تُظهر لحظة تردده أقوى مافي هذه الحملات. لقد شوشوا الروتين المألوف لهتاف المتظاهرين، وإطلاق نار الجيش. فلديهم القوة لإنتاج لحظة الارتباك تلك على وجه السلطة الاستبدادية، لحظة يمكن للناس المنظمة أن تنتفع منها.
واجهت حملة "أوقفوا القتل" واعتصام "عرائس الحرية" تحديات. أولاً، كان أفرادها سلميين في مرحلة كانت فيها الثورة السورية قد أصبحت مسلحة. إذ إن بزوغ الخطاب العسكري داخل حركة اجتماعية يفضي إلى مواقف متعالية تجاه المقاومة السلمية.
ثانياً، قادت النساء كلا الحملتين في فترة كانت فيها النساء مهمشات في النضال، بسبب العسكرة. وهي عسكرة تعزز أوضاع النساء كضحايا بدلاً من فاعلات اجتماعيات قادرات على مقاومة الدولة. تأتي العسكرة مع سرديات ذكورية عن الدفاع عن النفس، والشرف، وحماية النساء والأطفال، بدلاً عن تضمين النساء في المقاومة (وهذا غريب على اعتبار أن الثورة السورية قد اندلعت من قِبل أطفال ونساء درعا(14)). عندما تُعسكَرُ حركةٌ اجتماعية، فهي تعتمد على منطقٍ أبوي يستنسخ أنظمةً قمعية من خلال العنف، وتعابير جندرية للسلطة. ولذلك عندما تقاوم النساء بطرق جنسانية (محددة الجنس) وإبداعية، فهي تهدّم ديناميكات سلطة أبوية داخل الحركة (Kuumba 2011).
ثالثاً، شُرع بكلا الحملتين من قبل أفراد من أقليات دينية في فترة كان فيها كلٌ من النظام والثوار المسلحين يُصعّدون الانقسامات الطائفية بين السوريين، بالإضافة لثوار إسلاميين متطرفين يجندون السوريين إلى "جهاد" سني. ريما دالي، المنظمة الرئيسة لـ "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية"، تنحدر من عائلةٍ علوية من اللاذقية. الأفراد الثلاثة الآخرون من عرائس الحرية هنَّ أيضاً من طوائف الأقليات: "العروس" الصغرى، رؤى جعفر، هي من السلمية، وهي مدينة بديموغرافية شيعيةٍ اسماعيلية كبيرة، والأخوات الزاعور، لبنى وكندة، هن درزيات. شهادة كندة زاعور عن السجن، والتي نشرتها على صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي بعد إطلاق سراحها، تشير إلى تهديدها خلال الاستجواب هي وأختها بالطرد من الطائفة الدرزية. ومن العلويين في أمسيات "أوقفوا القتل" ميس مبارك وشقيقها سامر (سُجن كل منهما شهرين للمشاركة)(15)؛ أما سفانة بقلة التي سجنت لفعالية "أوقفوا القتل" في كفرسوسة، فهي مسيحية(16). اشتركت في "أوقفوا القتل"، المدن التي تحوي كثافة سكانية علوية ومسيحية كبيرة كمصياف(17)، كما فعلت حركات المقاومة المدنية التي بدأتها الأقليات كأطياف(18) ونبض(19). وقد واجه ناشطو الأقلية تحديات متعددة الأوجه، بما في ذلك من هؤلاء المنخرطين في الثورة السورية والذين يقبلونهم شكلياً. وبشكلٍ متزامن، واجه ناشطو الأقلية سخط النظام لدحضهم علانية ادعائه بأن الأسد يحظى بتأييد مجتمعات الأقليات الدينية. كما واجه الناشطون العلويون أعمالاً انتقامية مريرة بشكلٍ خاص من قبل النظام، كما هو موثق من قبل سمر يزبك في كل مذكراتها: تقاطع نيران: يوميات من الانتفاضة السورية.
قارعت كلا الحملتين، بقيادة النساء، الاستقطاب الجندري المتزايد الذي ميّز هذه المرحلة من الثورة السورية. على كل حال، فقد اختلفت حملة "أوقفوا القتل" عن "عرائس الحرية" فيما يتصل بحشد الجندر. تظهر المقاومة حسب نوع الجنس (الجنسانية) عندما تخلق النساء استراتيجيات عصيان مدني مستخدمةً أنشطة مؤنثة تعبر عن معارضة اجتماعية، لكنها عادة غير مقدّرة حق تقديرها في ديناميكيات حركةٍ أكبر(Kuumba 2001)). حملة "أوقفوا القتل" لم تكن جنسانية(متصلة بنوع الجنس) في استراتيجيتها البلاغية. اعتصام "عرائس الحرية"(20)، على العكس، حشد بشكل هدّام الدور الجنساني (المتعلق بنوع الجنس) للعروس. إذ استهوى زي العروس النساء والرجال في كل الطوائف والإثنيات. في نفس الوقت، صادفت "العرائس" استخفافاً متحيزاً جنسياً بسبب استخدامهم رموز مؤنثة (فساتين زفاف). غرّد مراقب ذكر بازدراء، "الطبخ للاجئين (على سبيل المثال) كان ليعود بفائدة أكبر" من اعتصام "العرائس"، مقصياً النساء إلى أدوار مساعدة مؤنثة تقليدياً. وفي حين أن هذه الأدوار لا يجب أن تخفّض قيمتُها أيضاً، فإن التعليق يفوّت تقويض "العرائس" للمنطق الأبوي(21).
وعلى الرغم من مشاركة الرجال، فقد نُظر إلى حملة "أوقفوا القتل" من قبل الشريحة الثورية الأوسع كحملة "أنثوية"ــ ربما بسبب استخدامها المتكرر للورود، وإن كان المتظاهرون الذكور قد استخدموا الورود أيضاً في وقتٍ مبكر من الثورة السورية. في حين لم تحشد معظم أمسيات "أوقفوا القتل" الجندر استراتيجياً كما فعلت "عرائس الحرية"، إلا أنه يوجد استثناءات. فعند تقاطعٍ مزدحم في شارع الحمراء التجاري بدمشق، وزّعت أربع شابات ورود حمراء وبيضاء للمارة في 30 نيسان من عام 2012. وقد ربطت إلى كل وردة ملاحظة مكتوبة باليد تقول: "أوقفوا القتل؛ الوطن يتسع للجميع"، مرددين الملاحظات التي ربطت إلى ورود احتجاجية من قبل غياث مطر (قيادي معارض سلمي قتل تحت التعذيب في سجون النظام في أيلول من عام 2011). ارتدت النساء قمصان بدون أكمام وشورتات كابري، ليس بشكل شاذ بالنسبة للعديد من النساء الدمشقيات اللواتي لا ترتدين الحجاب. وقد كانت مظاهرهن مفيدة بينما كانت الشابات تتعثر حول الطريق كاسبات الاهتمام برسالتهم. لقد حيّوا رجال الشرطة المرتبكين واستمالوا أصحاب المحلات الدمشقيين اللامبالين وعمال البلدية (مثل عمال النظافة، الذين غالباً ما يُجنّدون كمخبرين للنظام).
هكذا غنج يهفِت في شارع الحمراء، ولكنه لم يكن ليسير بشكلٍ جيد في بلدة التل المحافظة. هناك، ارتدت النساء المحليات في أمسية "أوقفوا القتل" في 17 أيار أغطية رأس وفساتين طويلة نموذجية في البلدة. شاهرات لافتات وسط حركة المرور، ووجهت النساء فتيةً مراهقين ليستلقوا على الأرض في مشهدٍ يستحضر متظاهرين قتلوا في الشارع. ساعَدَتهم طريقة لبسهم على حشد أهل بلدتهم المهللين، باستخدام مُخطّط للجندر. لم يفرض ناشطو "أوقفوا القتل" نموذجاً موحداً، طالما بقيت الأمسيات ملتزمة بالدعوة إلى وقف العنف.
ميراث الحملتين
ميراث الحملتين ثلاثي. أولاً، أعادت التركيز على قيمةٍ هامة كانت بالبداية جزءاً من الحركة الشعبية ولكنها تدهورت: الإصرار على جوابٍ سوري محلي للأزمة، معبرين عن رفض الأجندات الخارجية بعبارة "100% سوري" على كل لافتةٍ من لافتات "عرائس الحرية". ثانياً، أعادت الحملتان تأكيد قيمة نشاط النساء على الرغم من تهميش النساء في تلك المرحلة من الثورة السورية.
ثالثاً، ألقى حضور الأقلية القوي في الحملتين الضوء مجدداً على وحدة مدنية، القيمة الجوهرية لحركة الاحتجاج الأولية. وفي الوقت الذي كانت فيه ميليشيات المتطرفين الإسلاميين ناشطة بشكلٍ متزايد في الثورة السورية، كان حضور الأقلية هذا هاماً. لقد قاوم نشطاء الأقلية في "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية" اضطهادات متقاطعة متعددة في آن واحد – التسليح المتزايد، التطرف الاسلامي، ألاعيب النظام الطائفية- مضحين بأي امتياز مفترض تمتعوا به في الأقلية-التي قادت نظاماً استبدادياً.
استحضرت دعوات الحملة من أجل إيقاف العنف بكافة أشكاله نقداً من داخل الثورة السورية. فقد نشر ناشطٌ معروف من نشطاء الثورة السورية صورته على الفيس بوك حاملاً لافتة تقول: "أوقفوا مسلسلات الصابون** التي تقوم بها فتيات أوقفوا القتل" وغرّدت امرأة: "قدم لنا *الجهاديون* أكثر مما قدمته فتاة تقف في ثوب عروس في سوق"(22). في ضوء استجابة النظام الوحشية على المتظاهرين السلميين طوال عام 2011، فقد أصبح في عام 2012 الدفاع عن الحق بالدفاع المسلح عن النفس الموقف الأكثر شعبية بين المشاركين بالثورة السورية. لم يرَ مؤيدو العسكرة، في تلك المرحلة، أن العسكرة قد تزيد الخطر على الضحايا المدنيين بدل أن تنقصه.
كلا الحملتان غالباً ما نُبذت باعتبارها عاجزة. وبالتأكيد فإن الحملة لم تسقط النظام، كما فشل النزاع المسلح، أيضاً، في إسقاط النظام. لكن التمرد المسلح أعطى النظام غطاءً ليصعّد رد فعله العنيف بشكلٍ كبير، بتكلفةٍ ضخمة للمدنيين الذين كان من المفترض أن يستفيدوا من "الدفاع عن النفس" من قبل كتائب الثوار. بعد بدأ ضربات النظام الجوية في كانون الثاني من عام 2012(23)، ارتفع عدد القتلى السوريين بنسبة 161%. بينما لم يقتل أحد في أمسيات "أوقفوا القتل" أو "عرائس الحرية"، ولم تنتج ضربات النظام الجوية على المدنيين من هذه النشاطات. كما سمحت إمكانية الوصول المخططة جيداً في الحملتين بمشاركةٍ شاملة وتعاونٍ مبدع عابر لخطوط الجندر، والتقسيمات الإقليمية، و لطوائف العرقية الدينية. لقد كان وصف الحملتين بأنها غير فعّالة يتجاهل الطريقة التحويلية التي تحركت بها خارج إطار المقاومة المسلحة لخلق أشكال جديدة من الاحتجاج.
لم تستعد حملتا "أوقفوا القتل" و "عرائس الحرية" الإجماع على السلمية، لكنها قدمت تذكيراً مذهلاً عن قوة السلمية عندما كانت تقريباً منسية. ولقد أجبروا النظام على العودة، وإن كان بشكل مؤقت، إلى الوضع الدفاعي الذي كان عليه خلال المرحلة السلمية للإنتفاضة. كما أعادوا احتلال الأرضية الأخلاقية العالية التي ملكتها الانتفاضة السلمية في البداية. فقد حُجِب عنف النظام خلف عنف المقاومة المسلحة. فقط من خلال الدعوة إلى نهاية العنف، والتعرض للاحتجاز كما شاهد الناس، ركّز هؤلاء الناشطون الدعاية على اضطهاد النظام.
يظن البعض أن أسلحةً أضخم فقط تستطيع حماية السوريين من هذا النظام الهمجي والميليشيات الإسلامية التي تكاثر عنفها. هذا وهم. فاستنساخ نفس هيكل العنف الذي يستخدمه النظام لإخضاع الناس لا يبني أساساً صلباً لمستقبل سوريا. إن المقاومة المدنية هي التي حطمت القاعدة الوجودية للنظام في المرحلة المبكرة، بينما المقاومة المسلحة هي التي فشلت. التغيير-التغيير الحقيقي-، لا يعني فقط الإطاحة بالنظام، لكن سوريا التي نريد، مع ديمقراطية تعددية، ومساءلة الحكومة، وحقوق متساوية للجميع، سلطة قضائية مستقلة، سيادة، سلامة جغرافية-تأتي من الداخل، "100% سوري". إنها تأتي بأقصى قوة من الأصوات التي على الهوامش-نساء، أقليات، نساء الأقليات- هؤلاء الذين وقعوا في مرمى القوات المضطهدة المتعددة من سلطوية النظام، التطرف الإسلامي، والقوى الأبوية في داخل الثورة، وجميعها تعمل لفصل عمل نشطائهم الأقوياء.
بعد تلاشي رومانسية التحرير المسلح -عملية تصعيد من قبل سلطوية الإسلاميين الذين أخذوا زمام المبادرة فيها- وبعد استخراج الناس من تحت أنقاض قصف النظام العشوائي، سوف تبقى الناس-طاقة المقاومة المدنية- هناك، متجددة باستمرار من القاعدة الشعبية. تواصل سلطة الشعب إنتاج مقاومة سلمية ضد السلطويات الاضطهادية في سوريا، وهي هذا النوع من المقاومة التي تنمذجها وتولّدها حملتا "أوقفوا القتل" و"عرائس الحرية".
الحواشي:
1 “اعتصام أمام مبنى مجلس الشعب في دمشق 8_4_2012.2" “I`tisam Amam Mabna Majlis al-Sha`b fi Dimashq 4-8-2012.” YouTube video,1:22, posted by "Syrian Rice," April 8, 2012.
2 “دمشق - اعتصام أوقفوا القتل عند وزارة الداخلية 16-07-2012" “Dimashq – I`tisam Awqifu al-Qatl ‘ind Wizarat al-Dakhiliya 7-16-2012.”YouTube video,0:54, posted by "AllforSyria," April 17, 2012.
3 “حلب-الجامعة||وقفة احتجاجية للحرائر(أوقفوا القتل)29-4-2012" “Halab – al-Jami’ah| Waqfah Ihtijajiyah lil Hara’er (Awqifu al-Qatl) 4-29-2012.” YouTube video, 0:44, posted by "AleppoRevo's channel," April 29, 2012.
4 Stop the Killing, we want to build a country for all Syrians (English) Facebook Page, “The Stop the Killing Campaign in Syria: A Year-End Retrospective,” Last modified May 4, 2012.
5"الأسبوع السوري - حملة اوقفوا القتل - محافظة السويداء" “Al-Usbu` al-Suri – Hamlat Awqifu al-Qatl – Muhafadhat al-Suwayda’.” YouTube video, 1:19, posted by "الأسبوع السوري" April 28, 2012.
6 Druze are a minority religious group in Syria. الدروز هم مجموعة أقلية دينية في سوريا
7 “"مشاهد حملة "أوقفوا القتل .." في مدينة التل “Mashahed Hamlat ‘Awqifu al-Qatl’ fi Madinat al-Tal.”YouTube video, 6:54, posted by أيام الحرية | Freedom Days, April 13, 2012.
8 "أحرار ثورة الكرامة: دوما:24حملة أوقفوا القتل" “Ahrar Thawrat al-Karama: Duma 24 Hamlat Awqifu al-Qatl.” YouTube video, 2:15, posted by "Freedom Dignity," May 24, 2012.
9"تقرير سكاي نيوز عن إعتقال عرائس الحرية | 21 نوفمبر,2012". “Taqrir Sky News `an I`tiqal `Ara’is al-Hurriyah | 21 November 2012” YouTube video, 0:16, posted by "SyriaUntold," February 22, 2013.
10 Stop the Killing, We Want to Build a Country for All Syrians Page (English-language support page for the campaign’s Arabic-language page) post, November 21, 2012, Facebook. Version with translation posted on the page on November 25, 2012.
11 "لحظة اعتقال اعتصام العرائس 21_11_2012 ج1." “Lahdhat I`tiqal I`tisam al-`Ara’is 21-11-2012 jiz’ 1.” YouTube video, 1:54, posted by أيام الحرية | Freedom Days, November 21, 2012.
12 "لحظة اعتقال اعتصام العرائس 21_11_2012 ج2" “Lahdhat I`tiqal I`tisam al-`Ara’is 21-11-2012 jiz’ 2.” YouTube video, 0:24, posted by "أيام الحرية | Freedom Days," November 21, 2012.
[1]3 أيام الحرية | Freedom Days Facebook Page, Last modified August 18, 2015.
[1]4 Sterling, Joe. “Daraa: The Spark That Lit the Syrian Flame.” CNN.com. March 1, 2012. Accessed September 3, 2015. http://www.cnn.com/2012/03/01/world/meast/syria-crisis-beginnings/
[1]5 "[264] Damascus- al-Baramkah: "stop killing" campaign in front of engineering faculty 22/4/201." YouTube video, 0:29, posted by "TheSyrianrev2011," May 3, 2012.
[1]6 "دمشق كفرسوسة شام سيتي سينتر وقفة صامتة لوقف القتل 11-4" “Dimashq Kafr Susa Sham City Center Waqfah Samitah li Waqf al-Qatl 4-11.” YouTube video, 0:19, posted by "KafarSousah Revolt," April 11, 2012.
[1]7 "شباب مصياف الثورة - الرجل البخاخ القدموس - أوقفوا القتل" “Shabab Misyaf al-Thawra al-Rajul al-Bakhkhakh al-Qadmus – Awqifu al-Qatl.” YouTube video, 0:43, posted by "شباب مصياف الثورة ," May 15, 2012.
[1]8 حركة اطياف و تجمع نبض- حملة اوقفو القتل" “Harakat Atyaf wa Tajammu` Nabd – Hamlat Awqifu al-Qatl.” YouTube video, 3:45, posted by "Salamiyahmedia," May 6, 2012.
[1]9 تجمع نبض للشباب المدني السوري Tajammu` Nabd al-Shabab al-Madani al-Suri.” Facebook Page, Last modified January 7, 2015.
20 Stop the Killing, we want to build a country for all Syrians (English) Facebook Page, "Solidarity for Syria's Brides of Freedom" photo album, Last modified November 27, 2012.
21 @FadiMqayed, Twitter. Dec. 10, 2012.
22 @Covert Politics_سمية, Twitter. Dec. 10, 2012.
23 The Violations Documentation Center in Syria. "Latest Martyrs."
قائمة المراجع:
Al-Shamy, Laila. “Syria: The Life and Work of Anarchist Omar Aziz, and His Impact on Self-organization in the Syrian Revolution.” Tahrir-ICN. August 23, 2013. Accessed September 4, 2015.
Bartkowski, Maciej, and Mohja Kahf. “The Syrian Resistance: A Tale of Two Struggles.” OpenDemocracy.net. 23 September 2013. Accessed September 4, 2015.
Boal, Augusto. Theater of the Oppressed. London: Pluto Press, 2000 (originally published in 1979). Print.
Daher, Joseph. “The Roots and Grassroots of the Syrian Revolution. Part 1 of 4.” OpenDemocracy.net. April 1, 2014. Accessed September 4, 2015.
Ghadbian, Banah and Janiene Thiong. "Rima's Red Raincoat." 21:42. YouTube video, 21:42. Posted by "RimasRedRaincoat," May 17, 2014.
Jalabi, Afra. “Anxiously Awaiting a New Dawn: Voices of Syrian Activists.” Nader Hashemi and Danny Postel, ed., The Syria Dilemma. Cambridge, Mass: MIT Press, 2013.
Kahf, Mohja. “Syria Then and Now: The Syrian Revolution to Date: A Young Nonviolent Resistance and the Ensuing Armed Struggle.” Friends for a NonViolent World Special Report. St. Paul, MN: Friends for a NonViolent World. 2-28-13, 1-35. Accessed September 4, 2015.
Kodmani, Bassma. “A Solution for Syria.” May 8, 2015. Norway: Norwegian Peacebuilding Resource Centre. Accessed September 4, 2015.
Kuumba, M. Bahati. Gender and Social Movements. Walnut Creek, CA: AltaMira Press, 2001.
Syria Deeply. Syria News. Accessed September 4, 2015.
Syria Untold. Syria Untold. Accessed September 4, 2015.
Violations Documentation Center in Syria. “Reports and Testimonies.” Douma, Syria: Violations Documentation Center. Accessed September 4, 2015.
Yazbek, Samar. A Woman in the Crossfire: Diaries of the Syrian Revolution. London: Haus Publishing, 2011.
هوامش المترجم:
**مسلسلات الصابون أو أوبرا الصابون Soap Opera: هي مسلسلات تجارية او إذاعية طويلة انتشرت بالولايات المتحدة الأميركية وأوربا، كانت تعرض بالفواصل الإعلانية العديد من إعلانات الصابون الطويلة، إذ كان جمهورها من ربات البيوت بغالبه.
ترجمة: يسرى مرعي
مترجمة من سوريا، تترجم عن اللغتين الإنجليزية والروسية. تركز في ترجماتها على الدراسات التي ترصد علاقة الحداثة بالعمارة في الشرق الأوسط. إضافة إلى الاهتمام بالدراسات حول الإسلام اليومي والاستشراق.
SaveSaveSave