يظهر هذا واضحاً في أحد تجلياته باستحضار ثنائيةٍ يتحدث عنها الدكتور حسام الدين درويش، في ورقته عن مفهوم الإسلام السياسي يناقش فيها: "أطروحتين، تتضمن إحداهما القول بأن الإسلام السياسي هو قدر المجتمعات العربية، في حال أتيح لتلك المجتمعات فرصة التعبير السياسي عن نفسها واختيار الممثلين السياسيين لها" ربما تصل عند فريقٍ من السوريين إلى أن تكون "مستقبل الإنسانية" جمعاء“، أما "الأطروحة الثانية فتحذِّر من خطورة الإسلام السياسي، لوجود تعارضٍ ضروريٍّ بينه وبين مبادئ الديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان (الفردية)" لدى سوريين آخرين وإلى درجة يؤمل فيها أن تُؤدي التطورات إلى "نهايةٍ محتومةٍ للإسلام السياسي".
كان هذا، ولايزال فيما تُفرز الوقائع، منبثقاً من " حضور الأبعاد السلبية الأيديولوجية" ومعها " الرؤى الرغبوية المثنوية" في عملية استشراف "آفاق الإسلام السياسي" في سوريا، كما هو الحال في الدول التي شهدت موجات الربيع العربي بشكلٍ عام. وبخلفية الانطلاق من "الصيغ الأحادية أو المقاربات التنبؤية التي تأخذ شكل نبوءاتٍ تفتقر إلى أسسٍ معرفيةٍ ومعطياتٍ واقعيةٍ تسوغها".
جاء هذا في سياقٍ أكبر يطرحه الباحث بهذا التساؤل: "إذا سُلِّم بأن الإسلام (السياسي، أو غير السياسي) إسلاماتٌ، دائماً، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكننا تناول الإسلام السياسي عموماً، على الرغم من الاختلافات الكثيرة والكبيرة بين الحركات أو التنظيمات التي تجسده؟". وانطلق منه إلى عملية "تحليل مفهوم الإسلام السياسي وضبط معناه وتمييزه عن بعض المفاهيم المتصلة به، كالإسلام الجهادي، والإسلاموية والإسلام الدعوي".
وفي إطار تنزيل عملية التحليلِ تلك على الواقع العملي في البلاد العربية، وفي سوريا، يبينَ الباحث كيف أنه "لم يفضِ الربيع العربي إلى شرعنة وجود الإسلام السياسي، وتعزيز ذلك الوجود، في عددٍ من بلاد العالم العربي عمومًا فحسب، بل أفضى أيضًا إلى ضخ دماءٍ قويةٍ في شرايين الإسلام الجهادي، في المناطق التي واجهت فيها الأنظمة الحاكمة الحراك السلمي بالعنف الشديد، كما في سوريا وليبيا، على سبيل المثال. واختلط الإسلام السياسي بالإسلام الجهادي في تلك البلاد إلى درجت قدمت مشروعيةً، جزئيةً ونسبيةً، لإذابة الفروق بين المفهومين، في تلك الحالات".
بعد الحفر في الأطروحتين المذكورتين أعلاه، تنتقل الورقة للبحث في "علاقة الإسلام السياسي مع الآخر، بوصفها إحدى أهم العوامل المحددة لمستقبل الإسلام السياسي وآفاق حضوره في العالم العربي" مع التركيز على تجلِّيين لتلك العلاقة يتجسدان: "من ناحيةٍ أولى، في المجتمع والأطراف السياسية (و)الإسلامية/ الدينية الأخرى الموجودة في مجاله العام، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ، في السلطة والدولة (الوطنية/ المدنية)".
وفي مدار الورقة، يعمل الباحث بشكلٍ منهجيٍ دقيق على العلاقة بين الطروحات التي يناقشها وصولاً إلى رؤيةٍ يجدر البناء عليها في إطار أي مراجعاتٍ ممكنة، ويقول فيها: "يثير التركيز على إسلامية النظام السياسي، وإسلامية الدولة ذاتها، الكثير من المخاوف والتحفظات لدى الأفراد المنتمين إلى أقلياتٍ غير مسلمةٍ أو لدى غير المتدينين عمومًا. وعلى هذا الأساس، يبدو مفهومًا، جزئيًّا على الأقل، معارضة معظم هؤلاء الأفراد لوصول الإسلام السياسي إلى السلطة، لأنهم يرون أنه سيكون استبدادًا دينيًّا، إسلاميًّا. وانطلاقًا من الاعتقاد، المحق أو الزائف، بأن الإسلام السياسي هو البديل الأقوى، وربما الوحيد الممكن، للاستبداد غير الإسلامي، يرى كثيرون أنه إذا كان التخيير هو بين استبدادٍ دينيٍّ/ إسلاميٍّ واستبدادٍ غير دينيٍّ، فإن الاستبداد غير الديني أقل سوءًا على الأرجح. ويعتمد مستقبل الإسلام السياسي على مدى الاقتناع بزيف ذلك التخيير، وبأن بديل الاستبداد القائم لن يكون استبدادًا (دينيًّا)، ولن يكون أكثر سوءًا من الاستبداد القائم، وبأن وصول الإسلام السياسي إلى السلطة لا يعني ممارسة التسلط من طرفٍ يرى نفسه الطرف الأوحد الذي يحق له، ويجب عليه، أن يفرض هيمنته على كل الأطراف الأخرى، باسم أغلبيةٍ فعليةٍ أو مظنونة".
إن شمول التحليل، في هذه الورقة، فيما يتعلق بظاهرة الإسلام السياسي، وتحرير القول في عناصرها المُعقدة، إن لجهة مكوناتها العديدة، أو لجهة أثرها في تشكيل ثقافةٍ سياسية وطنية تتعلق بها، وفي السياسات المحلية والإقليمية والدولية تجاهها، يثير شعوراً قوياً بضرورة البناء عليها بشكلٍ عام، وبضرورة تنزيلها على الواقع السوري المعيّن، وحبذا من قِبل الباحث قبل غيره، الأمر الذي يساعد على تطوير حضورٍ للإسلام السياسي يكون إيجابياً في مجتمعات يبدو أنها محكومةٌ باستمراره ووجوده. وهذا حضورٌ يختم الباحث الورقة بالإشارة إليه حين يقول: "تكون علاقة الإسلام السياسي بالدولة والسياسة عمومًا إيجابيةً، حين يقر بمشروعية الدولة القائمة، بوصفها الكيان السياسي الذي يشتغل داخله، ويحترم حدوده وسيادته، من جهةٍ أولى؛ وحين ينتقل، في الحقل السياسي، من مفهوم "الأمة (الإسلامية)، وشعار "الإسلام هو الحل"، إلى مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على مبادئ المواطنة، وسيادة القانون، واحترام التعددية والحريات الفردية، من جهةٍ ثانيةٍ. في المقابل، تكون علاقة الدولة والنظام السياسي الحاكم فيها بالإسلام السياسي إيجابيةً، حين تقر بالمشروعية المبدئية للإسلام السياسي، بوصفه طرفًا سياسيًّا مقبولًا في العملية السياسية الديمقراطية الوطنية، وتتبنى توجهًا استيعابيًّا لا-إقصائيًّا تجاهه".
لم يفضِ الربيع العربي إلى شرعنة وجود الإسلام السياسي، وتعزيز ذلك الوجود، في عددٍ من بلاد العالم العربي عمومًا فحسب، بل أفضى أيضًا إلى ضخ دماءٍ قويةٍ في شرايين الإسلام الجهادي، في المناطق التي واجهت فيها الأنظمة الحاكمة الحراك السلمي بالعنف الشديد، كما في سوريا وليبيا، على سبيل المثال. واختلط الإسلام السياسي بالإسلام الجهادي في تلك البلاد إلى درجت قدمت مشروعيةً، جزئيةً ونسبيةً، لإذابة الفروق بين المفهومين، في تلك الحالات. ولم يكن التداخل بين المفهومين، أو الدمج بينهما، ناتجًا عن شرعنة الإسلاميين المذكورين عمومًا الجهاد العنيف ضد الدولة، فحسب، فمن "الطبيعي" غياب أو خفوت صوت السياسة ووسائلها السلمية، مع تعالي صوت قعقعة السلاح وزئير أصوات قصف المدافع والطائرات. وقد تحوَّل التداخل المذكور أحيانًا إلى ما يشبه التماهي، مع تردد الإسلاميين عمومًا في إظهار اختلافهم مع التنظيمات الجهادية المتطرفة وخطابها القريب من الخطاب الداعشي، وترافق ذلك مع إظهار دعمهم الصريح لهذه التنظيمات، بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرةٍ. وقد بدا ذلك واضحًا، على سبيل المثال، في مسارعة الكثير من الإسلاميين السوريين في توجيه التهنئة إلى حركة طالبان بعد عودتها إلى الحكم خلال الأيام الأخيرة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وإذا كان مفهومًا قيام "جبهة تحرير الشام" بهذه التهنئة، واحتفالاتها بالنصر الطالباني، فإن إصدار "حركة الإخوان المسلمون في سوريا" و"المجلس الإسلامي السوري" بياني "ترحيب ومباركة"، يثير شكوكًا جديةً في سياسية ووسطية الإخوان المسلمين ومناهضتهم للاستبداد من حيث المبدأ. فعلى الرغم من تاريخ طالبان الاستبدادي المناهض للديمقراطية بكل معانيها المعقولة الممكنة، فإن بيان الإخوان المسلمين يرى في "نصر أفغانستان" درسًا تتمسك به كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والاستبداد.([1]) كما أن بيان "المجلس الإسلامي السوري" الذي يضم 40 رابطةً وهيئةً شرعيةً، ويقدم نفسه بوصفه "هيئةً مرجعيةً شرعيةً وسطيةً سوريةً"، يثير شكوكًا جديةً في مدى تحليه بتلك الوسطية المزعومة.
إضافةً إلى اعتماد مستقبل الإسلام السياسي على القبول المتبادل بينه وبين الأطراف الإسلامية وغير الإسلامية الأخرى في المجال (السياسي) العام، فإن ذلك المستقبل مرهونٌ، أيضًا، بإعادة النظر في مفارقةٍ محايثةٍ، غالبًا، لخطابه عن المجتمع (المسلم) وضرورة تمثيله وتمثيل الدولة لهذا المجتمع. وتكمن المفارقة في خطابٍ يتبنى قضيتين، تتنافيان مع الديمقراطية، من جهةٍ، وتتناقضان فيما بينهما، من جهةٍ أخرى. القضية الأولى تتمثل في القول إن معظم أفراد المجتمع مسلمون، وإنه يجب على الدولة ومؤسساتها ونظامها السياسي التعبير عن إسلام (أفراد) هذا المجتمع.([2]) أما القضية الثانية فتتمثل في القول إن معظم الأفراد المسلمين في هذا المجتمع لا يلتزمون بتعاليم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، وإنه يجب العمل على إصلاح هذا المجتمع وهداية أفراده إلى الإسلام الصحيح، ومن هنا الحديث عن أسلمة لا السلطة والدولة فحسب، بل والمعرفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية والثقافة والمجتمع أيضَا.([3]) ويبدو واضحًا وجود تناقضٍ بين هاتين القضيتين من حيث كون أفراد المجتمع مسليون في القضية الأولى، وكون إسلامهم ليس صحيحًا، بل بحاجة إلى إصلاحٍ وهدايةٍ، في القضية الثانية. وإذا جمعنا بين القضيتين يبدو أن الحزب أو الطرف الذي يتبناهما يرى ضرورة تبني الدولة لإسلامه هو، تحديدًا، لكي يفرضه لاحقًا على المجتمع المسلم.
وإضافة إلى التناقض بين هاتين القضيتين، فإن كلاهما تتعارضان مع المنظور الديمقراطي، من حيث أن القضية الأولى تفترض أن الأغلبية الدينية هي، في الوقت نفسه، أغلبيةٌ سياسيةٌ بالضرورة، في حين أن القضية الثانية تتضمن القول إن المجتمع في وضعه الحالي لا يمتلك الثقافة المناسبة للتعبير عن نفسه ودينه وإنه يجب العمل على تغييره وإصلاح ثقافته. وبهذا ينبغي للمجتمع أن يعبر عن رؤيةٍ ما تمتلكها الدولة، وليس العكس. وهذه الرؤية الثقافوية التي لا ترى المجتمع جديرًا بالثقة وقادرًا على اختيار ما يناسبه في الانتخابات الديمقراطية، موجودةٌ، بالمنطق ذاته، لكن بمضمونٍ مختلف، عند بعض العلمانويين الذين يرون وجوب علمنة المجتمع أو تعليمه ضرورة العلمنة، لأنه بثقافته الحالية ليس مؤهلًا للعملية الديمقراطية وما تتضمنه من حريات وانتخاباتٍ. وباختصار، المقاربة العلمانية تريد تنوير المجتمع المتخلف، في حين أن المقاربة الإسلامية تريد هداية المجتمع المنحرف او الضال. وبدون الثقة في المجتمع، وفي أن لديه ما يكفي من الهداية و/ أو التنوير، لا معنىً (معرفيًّا، على الأقل) للحديث عن الديمقراطية.
يثير التركيز على إسلامية النظام السياسي، وإسلامية الدولة ذاتها، الكثير من المخاوف والتحفظات لدى الأفراد المنتمين إلى أقلياتٍ غير مسلمةٍ أو لدى غير المتدينين عمومًا. وعلى هذا الأساس، يبدو مفهومًا، جزئيًّا على الأقل، معارضة معظم هؤلاء الأفراد لوصول الإسلام السياسي إلى السلطة، لأنهم يرون أنه سيكون استبدادًا دينيًّا، إسلاميًّا. وانطلاقًا من الاعتقاد، المحق أو الزائف، بأن الإسلام السياسي هو البديل الأقوى، وربما الوحيد الممكن، للاستبداد غير الإسلامي، يرى كثيرون أنه إذا كان التخيير هو بين استبدادٍ دينيٍّ/ إسلاميٍّ واستبدادٍ غير دينيٍّ، فإن الاستبداد غير الديني أقل سوءًا على الأرجح. ويعتمد مستقبل الإسلام السياسي على مدى الاقتناع بزيف ذلك التخيير، وبأن بديل الاستبداد القائم لن يكون استبدادًا (دينيًّا)، ولن يكون أكثر سوءًا من الاستبداد القائم، وبأن وصول الإسلام السياسي إلى السلطة لا يعني ممارسة التسلط من طرفٍ يرى نفسه الطرف الأوحد الذي يحق له، ويجب عليه، أن يفرض هيمنته على كل الأطراف الأخرى، باسم أغلبيةٍ فعليةٍ أو مظنونةٍ.
5- الإسلام السياسي والسلطة/ الدولة (الوطنية/ المدنية)
أتاح الربيع العربي للإسلام السياسي فرصةً نادرةً وغير مسبوقةً، عمومًا، للوصول إلى الحكم/ السلطة ديمقراطيًّا، في العالم العربي. فقبل الربيع العربي، كان هناك بعض الحالات الخاصة التي استلم فيها الإسلاميون الحكم، لكن وصولهم للحكم كان عن طريق العنف والانقلاب العسكري، كالسودان، على سبيل المثال. وفي العراق ولبنان ثمة محاصصةٌ طائفيةٌ تمنع تداول السلطة، من حيث المبدأ، وفعليًّا. ولم تحظَ نماذج وصول الإسلاميين في العالم العربي، أو خارجه (إيران وأفغانستان، مثلًا)، بسمعةٍ حسنةٍ عمومًا. والاستثناءات الإيجابية نسبيًّا، في ماليزيا وإندونيسيا،([4]) خصوصًا، ليس لها حضورٌ أو صدىً أو تأثيرٌ قويٌّ في العالم العربي. وربما أمكن استثناء الحالة التركية، وتجربة حزب العدالة والتنمية التركي ذي الخلفية الإسلامية الذي يتولى السلطة منذ عقدين تقريبًا، حيث بدت تلك الحالة، في نظر كثيرٍ من الإسلاميين وغير الإسلاميين،([5]) بمنزلة الأنموذج الذي ينبغي للإسلام السياسي العربي اتباعه والاقتداء أو الاهتداء به. ولأسبابٍ عديدةٍ، معرفيةٍ وسياسيةٍ، تعرضت نموذجية تلك الحالة إلى هزاتٍ قويةٍ متتاليةٍ، في السنوات الأخيرة، واستعادت نغمة التشكيك في إمكانية وجود إسلامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ (بعض) قواها من جديد.([6])
إن وصول أي حزبٍ سياسيٍّ إلى السلطة يمثل فرصةً له لتطبيق أفكاره، وتنفيذ وعوده، وفرصةٍ لمؤيديه وللناخبين عمومًا لاختبار مدى قدرته على تحقيق الشعارات التي يرفعها. وقد اقتصر إسلاميو الإسلام السياسي، لفترةٍ طويلةٍ، على رفع الشعارات، وتبني أفكارٍ فضفاضةٍ ومبادئ عامةٍ، بدون أن يكون واضحًا ماهية السياسات التي سيتبعونها في حال وصولهم إلى السلطة، ومدى قدرتهم على تنفيذ تلك السياسات. وباستثناء بعض محاولات بسط النفوذ، وتنفيذ ما رآه البعض أسلمةً للدولة، لم يكن لدى الإسلاميين، في مصر على سبيل المثال برنامجٌ سياسيٌّ أو اقتصاديٌّ واضحٌ، حين فازوا بأغلبيةٍ برلمانيةٍ، ووصل ممثلهم إلى منصب الرئاسة. ويمكن تفسير ذلك، جزئيًّا، بانعدام الخبرة السياسية، وبأنهم كانوا غالبًا ملاحقون ومحظورون رسميًّا من العمل السياسي. وهذا هو حالهم في مصر وتونس وسوريا، على سبيل المثال.([7]) ففي تلك البلدان، وفي غيرها من البلدان العربية الإسلامية، كانت حركات الإسلام السياسي أشبه بجماعاتٍ دعويةٍ دينيةٍ، تمارس المعارضة السياسية، مع الافتقار إلى هيكلية الحزب السياسي، وتنظيمه، وآليات عمله، ومشروعية العمل السياسي.
بعد قيام الربيع العربي، سارعت جماعات الإسلام السياسي، في تونس ومصر واليمن وليبيا وغيرها، إلى تشكيل أحزابٍ سياسيةٍ حظيت بمشروعيةٍ قانونيةٍ وسياسيةٍ رسميةٍ. لكن صلة الأحزاب الوليدة بالجماعات التي انبثقت عنها بقيت موضع شكٍ وتشكيكٍ كبيرين. وعلى الرغم من إقرار جماعات أو حركات الإسلام السياسي بضرورة الفصل بين الدعوي والسياسي، إلا أن نجاحها في تحقيق ذلك الفصل تفاوت بين حالةٍ وأخرى. ففي حين أن ذلك الفصل بدا واضحًا في الحالة المغربية، وبدرجةٍ أقل في الحالة التونسية، فإنه لم يكن في نظر كثيرين، مقنعًا كثيرًا في الحالة المصرية، حيث بدا، في كثيرٍ من الأحيان، أن حزب الحرية والعدالة ليس إلا ذراعًا سياسيًّا تابعًا وخاضعًا لجماعة الإخوان المسلمين ومرشدها الأعلى، ولا يتمتع بأي استقلاليةٍ حقيقيةٍ وفعليةٍ عنها.([8]) والفصل المذكورٌ ضروريٌّ بقدر الاختلاف بين ماهية العمل الدعوي وماهية العمل السياسي، من حيث كون الأول خاضعًا لمصالح ومبادئ وغاياتٍ أخلاقية ودينية لجماعةٍ عضويةٍ ما، في حين أن الثاني خاضعٌ لإكراهات الواقع ومنطق التسويات وضرورة تقديم التنازلات والسعي إلى الحلول الوسط والمصالح الدنيوية لمختلف أفراد وجماعات ومكونات المجتمع والدولة.
والفصل بين الدعوي والسياسي لا يعني ولا يتطلَّب الفصل الكامل بين الديني والسياسي. فمن غير الواقعي ولا الضروري أن يتخلى الإسلام السياسي عن كل صلةٍ له بالدين، في تنظيره وممارساته السياسية. وليس واضحًا كيف يمكن له أن يحقق ذلك التخلي ويبقى إسلامًا سياسيًّا. لكن الصلة بين الحزب/ السياسة والدين يمكن أن تتخذ صيغًا عديدةً، بحيث تتراوح بين قطبين رئيسين: تبنّي معايير "norms" دينيةً، وتبنّي قيم "values" دينيةٍ.([9]) فالقطب الأول يتجسَّد في الاستناد إلى الدين استنادًا مباشرًا وقويًّا، وتبني معايير صارمةٍ عما يجب على الدولة والمجتمع والأفراد تبنيه وفعله. في المقابل، يمكن لاستناد الحزب الديني أن يتخذ شكل تبني قيمٍ دينيةٍ عامةٍ تعبِّر عن روح الدين ومبادئه أو مقاصده العامة، بدون أن يترافق ذلك مع تحديدٍ وفرضٍ واضحٍ لمضامين وأشكال السلوك التي ينبغي تبنيها وممارستها. فالمعايير تتخذ شكل الأوامر والنواهي المحددة، مع سعيٍ إلى إلزام الآخرين بها، وفرضها عليهم، ومراقبة مدى تقيدهم بها. وكانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية تجسِّد بوضوحٍ التبني الصارم للمعايير في الدولة، والعمل على فرض تطبيقها على "الجميع". فالمعايير قد تتخذ شكل منع الغناء ومعاقبة من يتخلف عن الصلاة أو من يخالف ما يراه أصحاب السلطة فرضًا دينيًّا، كالصيام والحجاب والزكاة ... إلخ. في المقابل، إن الاستناد إلى قيمٍ، لا إلى معايير، دينيةٍ يعني تبني قيمٍ مثل العدالة والمساوة والحرية والإنصاف، بوصفها تمثل روح الدين ومبادئه ومقاصده الأساسية، بدون ترجمة تلك الروح إلى جسدٍ من الأوامر والنواهي الصارمة، ومع إتاحة الفرصة للناس للاختلاف في أشكال تجسيدهم لتلك الروح وتحقيقهم لتلك المقاصد. ويمكن للدين، بقيمه ومبادئه وأسسه ومقاصده العامة، أن يكون منبعًا من منابع الأخلاق (الحميدة)، في السياسة والمجال العام عمومًا، بدون أن يتعارض ذلك، بالضرورة، مع الحداثة السياسية أو الديمقراطية والعلمانية. في المقابل، إن تحوُّل أو تحويل الدين إلى معايير وأوامر ونواهٍ صارمةٍ، والسعي إلى فرضها، في المجال العام، يتنافى على الأرجح، مع مبادئ الديمقراطية، وهو ما يثير مخاوف الكثيرين بأن الاستبداد الديني لن يقتصر على الحياة السياسية للمواطنين فحسب، بل سيطال، أيضًا وخصوصًا، حياتهم الاجتماعية والثقافية والخاصة. ويمكن لهذه المخاوف، ولاستثمارها في عمليات تخويفٍ مستمرةٍ، أن تؤثر في مدى مقبولية الإسلام السياسي وفي آفاق حضوره في العالم العربي.
إن وصول الإسلاميين إلى السلطة، في تونس ومصر خصوصًا، قد حرمهم من إمكانيات الاستمرار في خطابات التظلم وادعاء المظلومية. فلم تعد تلك الخطابات تتسم بالمعقولية أو المقبولية، بعد أن أصبحوا جزءًا من السلطة. وفي حين أن المظالم أو المظلومية المذكورة كانت جزءًا أساسيًّا من خطاباتهم، ومن أسس مشروعيتهم الشعبية، في الفترة التي كان فيها وجودهم محظورًا ومقموعًا وغير مشروعٍ، فإن شرعنة ذلك الوجود، ومنحه حرية القول والفعل والعمل السياسي و(إمكانية) الوصول إلى السلطة، أسهما في إحداث تغييرٍ في المعطيات التي ينبغي لخطاب الإسلام السياسي أن يتضمنها ويستند إليها، وفي الأسس التي تنبني عليها مشروعيته وشعبيته. فعلى العكس من الولاء الديني الثابت، أو التعاطف الثابت، نسبيًّا، مع "المظلوم"، فإن تأييد حزبٍ سياسيٍّ ما يرتبط، عمومًا بعوامل كثيرةٍ، يأتي في مقدمتها مدى قناعة الناخبين بتوافق سياسات تلك الحزب وخططه ووعوده الانتخابية مع تطلعاتهم ومصالحهم وقيمهم ...إلخ. وتكون مسؤولية الأحزاب السياسية في السلطة أكبر؛ لأنه من المفترض أن تتيح لها تلك السلطة فرصة تطبيق برامجها وشعاراتها والوفاء بوعودها (الانتخابية). وفي مثل هذا السياق، يكون أداء الأحزاب/ السلطة حيال المسائل المعيشية والاقتصادية والخدمية والتربوية وغيرها أحد أهم المعايير التي تسهم في تحديد مدى شعبيتها الانتخابية.
لم يكن أداء أحزاب الإسلام السياسي مبشِّرًا (جدًّا)، لعوامل ذاتيةٍ وموضوعيةٍ. فإلى جانب الأمور الذاتية المتعلقة عدم وجود برامج وخططٍ واضحةٍ، لدى أحزاب الإسلام السياسي، في هذا الخصوص، فإن أوضاع الفترة التي وصلت فيها إلى السلطة كانت صعبةً ومعقدةً، عمومًا. فانتفاضات الربيع العربي أثرت سلبًا في الأوضاع الاقتصادية عمومًا، بحيث ازدادت معدلات البطالة، وانخفضت قيمة عملات تلك البلدان، فارتفعت نسبة التضخم، وازدادت الأسعار، وانخفضت واردات الخزينة من السياحة وغيرها من القطاعات الحيوية ... إلخ. كما أن إمكانية الحصول على قروضٍ أو مساعداتٍ من البنك الدولي أو من الدول الغربية أو العربية (الخليجية) كانت مشروطةً بإجراءاتٍ اقتصاديةٍ قاسيةٍ أو بشروطٍ سياسيةٍ، بدت باهظة الثمن أو مستحيلةً، أحيانًا كثيرةً. وهكذا، ترافق وصول أحزاب الإسلام السياسي إلى السلطة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لشرائح واسعة من مواطني تلك البلدان.([10])
وانطلاقًا من الوعود الكبيرة والشعارات البراقة التي أطلقتها أو تبنتها أحزاب الإسلام السياسي، في العالم العربي، قبل أو قبيل وصولها إلى السلطة، وما خلقته من توقعاتٍ كبيرةٍ، فقد كانت النتائج اللاحقة صادمةً للكثيرين. ولعل النتائج الأخيرة لحزب العدالة والتنمية المغربي، في الانتخابات البرلمانية عام 2021، تبين، بصورةٍ نموذجيةٍ، كيف يمكن للناخبين معاقبة الحزب على ضعف أدائه في السلطة وعدم إيفائه ﺒ (بعض) الوعود الانتخابية التي أطلقها، وعلى اتضاح عدم قدرته على تطبيق (بعض) الشعارات "البراقة" التي رفعها، ﮐ "مكافحة الفساد والاستبداد"، و"تحقيق العدالة الاجتماعية"، على سبيل المثال.
مع أخذ ما سبق في الحسبان، من الضروري عدم تحميل أحزاب الإسلام السياسي المسؤولية الكاملة عن النتائج السلبية التي رافقت أو أعقبت وصولها للسلطة. فإلى جانب أنها كانت شريكةً في السلطة ولم تتفرد بها، ينبغي التشديد على أن امتلاكها للسلطة لم يترافق مع امتلاكها الكامل للقوة الموازية التي تسمح لها بتنفيذ أجندتها، وإجراء الكثير من التغييرات العميقة والجذرية. ومن الضروري أن نميِّز، في هذا السياق، مع حسن صعب([11]) ومحمد جمال باروت([12])، بين علاقات السلطة "Autorité/authority" وعلاقات القوة أو القدرة "Pouvoir/Power"، أو بين السلطات الفعلية والسلطات الإسمية. ففي سوريا، على سبيل المثال، ثمة العديد من السلطات الإسمية التي يبدون أنها تتمتع بصلاحياتٍ واسعةٍ (الحكومة/ مجلس الوزراء، البرلمان/ مجلس الشعب، حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته القطرية)، لكن السلطة الفعلية الأكبر والحاسمة تتركز في يدي الرئيس والمؤسسات الأمنية والعسكرية. «السلطة مطلقة ومشخصنة في الرئيس وهو فوق المؤسسات»([13])، وتتركز «القدرة السياسية لكافة مؤسسات الحزب والدولة العسكرية والأمنية في رئيس الجمهورية الذي يمثل حجر الزاوية في النظام السياسي كله»([14])، في ظلِّ هرميةٍ، يتربع الرئيس على قمتها، وتُفرض فيها القرارات من فوق، وما على اﻟ "تحت" إلا "السمع والطاعة". وانطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن الانتخابات والاستفتاءات لا تفضي إلى أي تغييرٍ كبيرٍ في موازين القوة، وإن اختلف توجهات الفائزين في الانتخابات الفعلية أو المفبركة. ويبدو واضحًا، في الدول الملكية على الأقل، أن القوة الفعلية ليست، عمومًا، موضع انتخابٍ وتداولٍ (ديمقراطيٍّ) أصلًا.
ويمكن المحاجة بأن الوضع، في (معظم) البلاد العربية، مشابهٌ، لدرجةٍ أو لأخرى، للوضع السوري من حيث هرمية السلطة وتركز القوة لدى قمة الهرم، بدون أن ينفي ذلك وجود اختلافات كثيرة وكبيرة بين البلدان المذكورة، في هذا الخصوص. وهذا ما يمكن استخلاصه من الدراسات التي يتضمنها كتاب "كيف يصنع القرار في الأنظمة العربية".([15]) ففي خصوص المغرب، على سبيل المثال، يبيِّن عبد الله عسَّاف «أولوية دور الملك، خصوصًا لجهة اعتباره أميرًا للمؤمنين، وبلاطه الذي يمثل دائرته الاستشارية الأولى، ويلعب دورًا مهمًّا في صياغة السياسات العامة والإشراف على سير النشاط الحكومي. وفي المقابل، تعد الحكومة جهازًا لتسيير الأعمال، لا لصنع القرارات، كونها تمارس دورها بناءً على تفويض المؤسسة الملكية لها في إدارة شؤون البلاد. كما يعد حضور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ضعيفًا في مجال صنع القرار»([16]). والوضع في الأنظمة الملكية الأخرى، كالسعودية والأردن، مماثلٌ، تقريبًا، للوضع المغربي (والسوري)، في هذا الخصوص. وكذلك هي الأوضاع في (معظم) البلاد ذات النظام الجمهوري، كالجزائر ومصر، حيث تكون الهيمنة لمؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية. وفي هذه الإطار لا يكون للانتخابات، وما تفضي إليه، أهميةٌ كبيرةٌ، لأن المؤسسات التي تمثل "الدولة العميقة" ليست موضع انتخابٍ. وقد بدا ذلك واضحًا في وضع مصر، بُعيد الربيع العربي. فعلى الرغم من فوز الإسلاميين في انتخابات السلطتين التشريعية والتنفيذية (البرلمان والرئاسة)، بدا الرئيس محمد مرسي، في كثيرٍ من الأحيان، معزولًا وعاجزًا وفاقد القدرة على السيطرة على وزارات الدولة والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، أو حتى التأثير (الكبير) فيها. ومن المفيد الإشارة، في هذا السياق، إلى الدور الحاسم الذي لعبته المؤسسة العسكرية الأمنية في نجاح أو إخفاق انتقاضات الربيع العربي.([17]) فعدم وقوف المؤسسة المذكورة مع الرئيس بن علي كان عاملًا حاسمًا في هروبه وانهيار (جزءٍ من) نظامه، كما أن وقوفها مع الرئيس قيس سعيد في "انقلابه الدستوري" الأخير، كان عاملًا بالغ الأهمية في نجاح ذلك الانقلاب. وفي مصر، أدى وقوف الجيش، في بداية ثورة يناير، على الحياد، وضغطه لاستقالة حسني مبارك، إلى نجاحٍ أوليٍّ كبيرٍ للثورة، لكن المؤسسة العسكرية، بوصفها جزءًا من مؤسسات "الدولة (العميقة)"([18])، بقيت تحظى بنفوذ وقوةٍ كبيرين، وسرعان ما استعادت السلطة والقوة كاملةً، في حركة 3 يوليو عام 2013.([19])
في مقابل "الدولة العميقة"، يمثل الإسلام السياسي، جزئيًّا ونسبيًّا، جزءًا أساسيًّا مما يمكن تسميته، مع بهجت قرني وآخرين، ﺒ "المجتمع العميق"([20]). ويمكن تفسير الحضور الجزئي والنسبي للإسلام السياسي في المجتمع العميق للدول العربية بعدة عوامل، تتفاوت قوة تأثيرها بين دولةٍ وأخرى، وبين زمنٍ وآخر: حرمان المجتمع من ممارسة السياسة عمومًا، وقمع أي نشاطات سياسيةٍ معارضةٍ، وما ينتج عنه من غياب وتغييب للأحزاب والأيديولوجيات المختلفة. وفي ظل هذا الحرمان والقمع والغياب والتغييب يمكن للأيديولوجيات الدينية أن تزدهر في مجتمعٍ ما زال حضور الدين فيه قويًّا. وتستثمر الأيديولوجيات الدينية هذا الحضور، وتحاول أن تؤثر في توجهاته وامتلاك حصرية تمثيله والتعبير عن قيمه ومعاناته وتطلعاته. كما أن الدور الدعوي لتلك الأيديولوجيات يترافق مع "أعمالٍ خيريةٍ" اقتصاديةٍ وتربويةٍ وصحيةٍ ... إلخ. وتزداد أهمية هذه الأعمال، لدى متلقيها أو المستفيدين منها، ويزداد تأثير الأيديولوجيات الدينية عن طريقها، بمقدار إهمال الدولة لشرائح واسعةٍ من المواطنين وازدياد عمليات الإفقار، في ظل الفساد الهائل في مؤسسات الدولة وتبنيها لسياسات نيوليبراليةٍ ذات نتائج اقتصاديةٍ كارثيةٍ على (معظم) أفراد الطبقات الفقيرة والوسطى. وفي ظل هذه السياقات، لا يكون الدين "أفيون الشعب" فحسب، بل يكون أيضًا "زفرة الإنسان المسحوق" و"روح عالمٍ لا قلب له"([21]). واستنادًا إلى العوامل السابقة، يمكن فهم لماذا يشكِّل "الإسلام السياسي"، من منظور كثيرين، البديل الواقعي الوحيد أو الأكثر حضورًا لمعظم أنظمة الحكم الاستبدادية في العالم العربي. فهو يواجه أنظمةً أو سلطاتٍ وقوىً غاشمةً يرى كثيرون غالبًا وجوب أو إيجابية التخلص منها أو تغييرها "بأي ثمنٍ"؛ لأنها لا تتسامح مع وجود أي معارضةٍ فعليةٍ لها. ويبقى الإسلام السياسي قادرًا على الوجود الكامن أو الفعلي، لدرجةٍ أو لأخرى، بسبب قدرته على توظيف الدين في السياسة. وتزداد سياسية الإسلام السياسي، بمقدار إفساح السلطة المجال لوجوده والسماح له بدرجةٍ ما من الممارسة السياسية. في المقابل تزداد إغراءات تبني الإسلام الجهادي/ العنيف، بمقدار الشعور بانسداد آفاق العمل السياسي، وبمقدار نجاح العمل الجهادي في الوصول إلى السلطة و/ أو تحقيق ما يصبو إليه الإسلاميون والإسلامويون، بدون أن ينفي ذلك إمكانية أن يتخذ الإسلاميون من فترة انسداد الآفاق فرصةً للقيام بمراجعاتٍ نقديةٍ ذاتيةٍ. وعلى هذا الأساس، نتبنى أطروحة أن علاقة الإسلام السياسي بالسلطة من حيث المبدأ، أو بالسلطة/ الدولة([22]) القائمة فعليًّا، أو بإمكانية وصوله إلى السلطة وممارسته لها، كل ذلك يمثل أحد أهم العوامل المحددة لحاضر الإسلام السياسي وآفاق حضوره المستقبلية، وأشكال ذلك الحضور، ومضامينه، في العالم العربي.
ويمكن معرفة ماهية العلاقة المتبادلة، النظرية والعملية، بين الإسلام السياسي والسلطة/ الدولة، بوصفها أحد أهم المحددات لماهية هذا الإسلام ومستقبله، ولمدى تمايزه عن الإسلام الجهادي، من خلال الإجابة عن أسئلة مثل: ما الموقف المتبادل بين حركات الإسلام السياسي والدولة التي توجد فيها؟ هل يعترف كل طرف بمشروعية وجود الطرف الآخر؟ أي، هل يعترف الإسلام السياسي بمفهوم الدولة الوطنية الحديثة، وبسيادتها، وبالعمل في إطار هذه السيادة، وتحت سقفها، ومن أجل المصالح الوطنية لتلك الدولة، أم يرى نفسه جزءًا من حركةٍ إسلاميةٍ أكبر، لا تكترث بالدولة الوطنية وسيادتها، وتسعى إلى إقامة أمةٍ إسلاميةٍ تتجاوز الحدود القائمة بين الدول؟ وما الموقف الذي تتخذه الدولة، بمؤسساتها المختلفة ونظامها السياسي القائم، من حركات الإسلام السياسي؟ هل تسمح بحضوره في إطار تعدديةٍ ديمقراطيةٍ، أم تعمل على قمعه ونفي أي مشروعيةٍ لوجوده، إلى درجة مماهاته بالإجرام والإرهاب؟ وتزداد إمكانية سياسية الإسلام السياسي وديمقراطيته بقدر ما تكون العلاقة القائمة بينه وبين الدولة التي يوجد فيها قائمةً على الاعتراف والقبول المتبادلين، في حين تزداد إمكانية تطرف ذلك الإسلام، وتحوله الجزئي أو الكلي إلى إسلامٍ جهاديٍّ، بمقدار تطرف الدولة الفعلية القائمة في قمعه، وإنكار كلٍّ منهما لمشروعية الآخر. وباختصار، يمكن لعنف كل طرف أن يكون عاملًا من العوامل التي تحث الطرف الآخر على (زيادة) ممارسة العنف، في حين أنه يمكن للانفتاح المتبادل أن يقلل احتمال اللجوء إلى العنف ويضعف مقبولية وشعبية هذا الاحتمال.
وغالبًا ما يكون دور الدولة هو الدور الأهم وربما الحاسم، في هذا المجال. فالدولة، من حيث المبدأ، ليست مجرد طرفٍ بين أطرافٍ مختلفةٍ بل هي الطرف الأهم، من حيث إنه يفترض بها أن تكون دولةً لجميع مواطنيها، بعيدًا عن عمليات الإقصاء الأيديولوجي، وأن تمارس حقها في احتكار العنف لحفظ أمن مواطنيها ومصلحتها ومصلحة المجتمع عمومًا، وليس لممارسة العنف ممارسةً أيديولوجيةً إقصائيةً تسمح بالتشكيك المشروع في مشروعية ذلك العنف، أو حتى في أحقية تلك الدولة/ السلطة بذلك الاحتكار للعنف. إضافةً إلى ذلك، يكون لدور الدولة أهمية أكبر، بقدر ما تكون بنية الدولة ومؤسساتها وقوانينها وسلطاتها هي المحدد الأساسي ﻟ "قواعد اللعبة (السياسية)" والقادرة على ممارسة تلك الوظيفة وضبط حدود العملية السياسية، بما يمنع خروجها عن القواعد المذكورة.
على العكس من الإسلام الجهادي، يتميَّز الإسلام السياسي ﺒ "وطنيته"، أي بممارسته للسياسة ضمن حدود "الدولة الوطنية" التي يوجد فيها وانطلاقًا من سيادة تلك الدولة، مع الالتزام بدستور تلك الدولة وقوانينها والسعي إلى مصالحها ومصالح شعبها تحديدًا. والوطنية المفترضة للإسلام السياسي لا تتعارض، بالضرورة، مع نزعةٍ أمميةٍ ساعيةٍ إلى التعاضد بين المسلمين أو الإسلاميين في البلاد الأخرى. لكن تلك الوطنية تقتضي ألا يتم ذلك التعاضد على حساب الوحدة السياسية التي تمثلها الدولة القائمة أو بالتضاد مع سيادتها وقوانينها ومصالحها. ولهذا السبب ولأسبابٍ أخرى، ينبغي التدقيق في مفهوم "الأمة/ الدولة الإسلامية/ الدينية" والبحث في مدى انسجامه مع مفهوم "الدولة (الوطنية) الحديثة". فتبني الإسلامي لمفهوم "الأمة/ الدولة الإسلامية/ الدينية" قد يتضمن سعيًا إلى كيانٍ سياسيٍّ مضادٍّ للدولة التي يقيم فيها، وإلى الاستهانة بها. وهذه الاستهانة هي إحدى العامل التي يمكن أن تسوِّغ القول: «الإسلام السياسي لم يستطع على الإطلاق استيعاب تراث الدولة بمفهومه السياسي الحداثي، وإن استخدم مفردات حداثية، لتبقى الدولة أسيرة ومشروطة بشرط إسلامي تراثي طويل، لا الإسلام مشروطًا بشرط الدولة الحديث. الإسلام السياسي وتراث الدولة الحديث بقيا دائمًا ضدين، وإلى يومنا هذا»([23]). وقد تصل تلك الاستهانة إلى الإهانة، كما تجلى في القول الشهير المنسوب إلى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمد مهدي عاكف: "طز في مصر"، و"طز في من لا يقبل الحكم الإسلامي في مصر".([24]) وفي إطار تبني مثل هذا الاتجاه، يتم تقسيم العالم إلى دارين أو فسطاطين "دار الإسلام" ودار الكفر"، بدون النظر إلى مفهوم الدولة (الوطنية) القائمة بالفعل، أو مع التقليل من أهمية تلك الدولة. كما يظهر، في ذلك السياق، مفهوم "الأمة الإسلامية" على حساب مفهوم "الدولة الوطنية" ومفهوم "تطبيق الشريعة" على حساب مفهوم "تطبيق القانون"، ومفهوم "الحاكمية الإلهية" على حساب مفهوم "حكم الشعب"، ومفهوم "أولي الأمر" على حساب مفهوم "المسؤولون (المنتخبون)" ومفهوم "الرعية" على حساب مفهوم "المواطنون"...إلخ.
وبعد قيام الربيع العربي وصعود حضور أو استحضار الإسلام السياسي، تصاعدت كثافة وحدة النقاشات حول مسألة ماهية العلاقة بين الدين والدولة، وانقسمت الآراء بين علمانيين/ علمانويين منادين ﺒ "الدولة العلمانية" وإسلاميين/ إسلامويين منادين ﺒ "الدولة الإسلامية"، مع التشديد على تمايزها عن "الدولة الدينية، من حيث إن الدولة الدينية يحكمها رجال الدين، مع زعمٍ بوجود تفويضٍ إلهيٍّ أو دينيٍّ لهم. وفي إطار المناقشات الأيديولوجية والمعرفية، في هذا الخصوص، ظهرت أطروحتان متناقضتان، تقول إحداهما باستحالة "الدولة الإسلامية" (وائل حلاق)([25])، وتشدد الأخرى على استحالة الدولة العلمانية (محمد فتحي الشنقيطي)([26]). وتتبنى الأطروحة الأولى مفهومًا أحاديًّا وماضويًّا ورومانسيًّا للدولة الإسلامية، وترى أنها أكثر أخلاقيةً من أن تنسجم مع متطلبات الدولة الحديثة والمعضلة الأخلاقية المحايثة لتلك الدولة. في المقابل، تتضمن الأطروحة الثانية رؤيةً جوهرانيةً ترى أن "الدين الإسلامي هو مفتاح الشخصية العربية"، وأن التخلص من "دولة الهوى" الاستبدادية القائمة يتضمن أنه ليس أمام "العلمانيين العرب" إلا خيارين إثنين لا ثالث لهما: إما "دولة الشرع"، أي الدولة الديمقراطية ذات المرجعية الأخلاقية والتشريعية الإسلامية، وإما "دولة العقل" الديمقراطية التي تسع الإسلامي والعلماني، وليست لها مرجعية إسلامية أو علمانية محددة سلفاً إلا ما يقرره شعبها.([27])
الإشكالية النظرية والمشكلة العملية المرتبطتان ﺒ "دولة العقل الديمقراطية" التي يتحدث عنها الشنقيطي، تتمثلان في الاعتقاد الشائع لدى كثيرٍ من الإسلاميين بإمكانية ومعقولية اختزال الديمقراطية في الانتخابات وحدها لا شريكًا لها. أما مفاهيم أو مبادئ المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات الأساسية واحترام الأقليات ومنع طغيان الأكثرية ... إلخ فلا مكان لها في هذا التصور الاختزالي للديمقراطية الذي يماهي بين مفهومي الأكثرية والأقلية الدينيتين والأكثرية والأقلية السياسيتين. وإن انتقاد قيام بعض الإسلاميين، أو غيرهم، باختزال الديمقراطية في عملية الانتخاب أو الاقتراع،([28]) لا ينكر مركزية ومحورية تلك العملية في الديمقراطية. ولعل هذه المركزية هي التي تدفع علمانيين كثر إلى الرفض الصريح او الضمني للديمقراطية، بسبب خوفهم من المجتمع، ونتيجةً لاعتقادهم أن إتاحة الفرصة لأفراد هذه المجتمعات لانتخاب من يمثلهم لن تفضي إلا إلى إنتاج استبدادٍ دينيٍّ محل الاستبداد غير الديني القائم. وعلى هذا الأساس، بدا، بعد قيام ثورات الربيع العربي، أن علمانويين كثر يفضلون "نار الاستبداد" على جنة تلك الديمقراطية (المزعومة)، ويرون وجوب حصول ثورة ثقافية، قبل القيام بثورةٍ سياسيةٍ.([29])
غالبًا ما تكون الديمقراطية هي الضحية الأولى في هذا الصراع الأيديولوجي بين العلمانيين/ العلمانويين والإسلاميين/ الإسلامويين.([30]) وقد ظهرت معالم ذلك الصراع ونتائجه السلبية في مصر وتونس وسوريا، على سبيل المثال والخصوص. وللخروج من مثنوية "الدولة الإسلامية (المستحيلة)" و"الدولة العلمانية (المستحيلة)"، برزت رؤيةٌ جديدةٌ تقول بضرورة التخلي عن هذين المفهومين، وتبني مفهوم "الدولة المدنية".([31]) وحظي هذا المفهوم برواجٍ ملحوظٍ، بعد قيام الربيع العربي، لدى عددٍ من حركات الإسلام السياسي في المغرب وتونس ومصر وسوريا والأردن واليمن، على سبيل المثال، ولدى عددٍ من أنصار "الدولة العلمانية"، أيضًا. وبالتأكيد، ليس هناك إجماعٌ على هذا المفهوم الإشكالي، حيث شكك كثيرون في مدى معقولية المفهوم أو في كونه مفهومًا أصلًا.([32]) لكن تلك التشكيكات المعرفية والأيديولوجية لم تمنع من تحول هذا المفهوم إلى مقولة قانونية ودستورية وفي (مشاريع) دساتير وفي خطاب الأحزاب السياسية في عددٍ من الدول العربية (تونس ومصر والمغرب واليمن وسوريا).
مفهوم الدولة المدنية مفهومٌ غامضٌ، وغير واضح المضمون، وضوحًا كاملًا، بالتأكيد. لكن، أليس هذا هو حال كل المفاهيم تقريبًا، عمومًا، ومفهومي "الدولة العلمانية" و"الدولة الدينية"، خصوصًا؟ الإقرار بهذا الغموض هو خطوةٌ أولى ضروريةٌ نحو تحديده، وليس سببًا يسوِّغ رفضه واستبعاده، بالضرورة. ولا يتم هذا التحديد من خلال البحث عن معنىً موجودٍ مسبقًا، وإنما من خلال سبر ممكنات المفهوم المعرفية المختلفة والتفاوض على اصطلاحٍ يتضمن ما هو مناسبٌ منها، في إطار حوارٍ معرفيٍّ وتفاوضٍ سياسيٍّ. ويتضمن مفهوم (الدولة) المدنية، بدايةً، نفيًا لحكم "العسكر" ولحكم "رجال الدين". وهذا النفي مهمٌّ، وينبغي عدم التقليل من أهميته، والأخذ في الحسبان أن التخييرات، المزعومة أو الفعلية، المطروحة تتمثل، أحيانًا، على الأقل، في ثنائية "استبداد العسكر" و"استبداد رجال الدين". كما أن مفهوم "المدنية" يرتبط عمومًا، في السياق العربي، بمعانٍ إيجابيةٍ عمومًا، كالحداثة والمعاصرة والرقي. وثمة ترابط مفهومي بين مفهوم الدولة المدنية ومفهوم الديمقراطية، لدى معظم من يتبنى مفهوم الدولة المدنية، من الإسلاميين والعلمانيين. ويسمح مفهوم الدولة المدنية بتجاوز فقر مفهومي "الدولة العلمانية" و"الدولة الإسلامية" اللذين يقتصران على التركيز على علاقة الدولة والسياسة بالدين. فمفهوم الدولة المدنية (يمكن أن) يتضمن حديثًا عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مثلًا وخصوصًا. ويبدو أن آفاق حضور الإسلام السياسي، في العالم العربي، مرهونٌ (أيضًا) بالخروج من زيف الصراع المثنوي مع العلمانوية، وبتبنيه الجدي للمدنية (الديمقراطية). وقد ظهر ذلك التبني واضحًا، بدرجاتٍ مختلفةٍ، في المغرب وتونس، مثلًا وخصوصًا.
6- خاتمة
ينوس مستقبل الإسلام السياسي المعاصر بين قطبين أساسيين، الإسلام الجهادي أو الإسلاموية، والإسلام السياسي الساعي إلى دولةٍ مدنيةٍ ديمقراطيةٍ. وأحد أهم العوامل التي يمكن أن تحدد مستقبل الإسلام السياسي، في العالم العربي، يتمثَّل في العلاقة المتبادلة بينه وبين مفهومي الدولة الوطنية والدولة المدنية عمومًا، والدولة الفعلية التي يوجد فيها، والنظام السياسي الحاكم في تلك الدولة، خصوصًا. ويمكن لتلك العلاقة المتبادلة أن تفضي إلى أن يصبح الإسلام السياسي جزءًا من التحول الديمقراطي أو العملية الديمقراطية في الدولة الوطنية، في حال كانت تلك العلاقة إيجابية. في المقابل يمكن للإسلام السياسي أن يتحول إلى إسلامٍ جهاديٍّ أو إسلامويةٍ متطرفةٍ، في حال كانت تلك العلاقة سلبيةً. وتكون علاقة الإسلام السياسي بالدولة والسياسة عمومًا إيجابيةً، حين يقر بمشروعية الدولة القائمة، بوصفها الكيان السياسي الذي يشتغل داخله، ويحترم حدوده وسيادته، من جهةٍ أولى؛ وحين ينتقل، في الحقل السياسي، من مفهوم "الأمة (الإسلامية)، وشعار "الإسلام هو الحل"، إلى مفهوم الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على مبادئ المواطنة، وسيادة القانون، واحترام التعددية والحريات الفردية، من جهةٍ ثانيةٍ. في المقابل، تكون علاقة الدولة والنظام السياسي الحاكم فيها بالإسلام السياسي إيجابيةً، حين تقر بالمشروعية المبدئية للإسلام السياسي، بوصفه طرفًا سياسيًّا مقبولًا في العملية السياسية الديمقراطية الوطنية، وتتبنى توجهًا استيعابيًّا لا-إقصائيًّا تجاهه.
الهوامش
([1])يمكن الاطلاع على البيانات المذكورة لجبهة تحرير الشام وجماعة الإخوان المسلمين والمجلس الإسلامي السوري، في: «سوريا: هيئات إسلامية وعسكرية تبارك "انتصار طالبان" في أفغانستان»، موقع سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 2 سبتمبر 2021.
([2])سبق وأشرنا إلى شيوع هذه الفكرة لدى كل الإسلاميين الذين يتبنون فكرة "الدولة الإسلامية". انظر مثلًا: محمد فتحي الشنقيطي، «قراءات فكرية: الدولة العلمانية المستحيلة». إسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، مايو 2017.
([3])انظر، على سبيل المثال: يوسف القرضاوي، الثقافة العربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة (القاهرة: مكتبة وهبة، ط3، 2009)، ص 150-151.
([4])في خصوص "آفاق ومستقبل الديمقراطية في إندونيسيا" و"نموذجيتها" و"الربيع العربي"، انظر: مصلح خضر الجبوري، جذور الاستبداد والربيع العربي (عمَّان: الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2013)، ص 131-216.
([5])انظر: صادق جلال العظم، "الدولة العلمانية والمسألة الدينية: تركيا نموذجًا"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 82، ربيع 2010.
([6])انظر، على سبيل المثال: طارق عزيزة، «إشكالية التوظيف السياسي للدين في المجتمع السوري خلال الحكم الأسدي (1970 – 2020)»، مجلة قلمون، التفاعل بين الدين والمجتمع في سورية 1920-2020، العددان 13-14، كانون الأول/ ديسمبر 2020، ص 263 – 279؛ «تركيا في عهد أردوغان: من الديمقراطية إلى الحكم المطلق»، موقع حفريات، 5 يناير، 2020.
([7])في كل الأحوال، هذه هي الحجة التي كان وما زال بعض متبني الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين، يقدمونها عندما يتعرضوا للانتقاد في هذا الخصوص. ففي عام 1987، سئل مرشد الإخوان، آنذاك، مأمون الهضيبي: «أنتم متهمون بأنكم لا تقدمون برنامجًا تفصيليًّا لحل المشكلات التي تواجهها البلاد، وتكتفون بالشعارات الفضفاضة والمبادئ العامة، فرد سيادة المستشار مأمون الهضيبي في مجلة لواء الإسلام بقوله: على أنني أقول لهؤلاء الذين يطالبون الإخوان ببرامج تفصيلية أقول لهم الأولى بكم أن تطالبوا السلطات بكف يدها عن الدعاة إلى الإسلام حتى يتاح المناخ الصالح للدراسات والأبحاث والابتكارات». فرج فودة وآخرون، مصر بين الدولة المدنية والدولة الدينية، أشهر مناظرات القرن العشرين (1)، إعداد محمد عمارة (القاهرة: مكتبة وهبة، 2011)، ص 59.
([8])كتبت الباحثة ثناء فؤاد عبد الله في هذا الخصوص: «لم تفصل الجماعة عمليًّا بين (جماعة الإخوان) بزعامة المرشد وحزب الحرية والعدالة الذي تولى رئيسه محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية، وهو ما كان يستلزم حدوث تحولات فكرية وسياسية وحركية في منطق عمل الإخوان المسلمين وسلوكهم ومنهجهم». ثناء فؤاد عبد الله، «الدستور المصري الجديد مرحلة التأسيس الديمقراطي: ملابسات المرحلة الانتقالية»، في جدل الدستور والمرحلة الانتقالية في مصر بين 25 يناير و30 يوليو (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2014)، ص 233.
([9]) Cf. Jürgen Habermas, Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy, trans., William Rehg, (Cambridge, Massachusetts: The MIT Press, 1996), 255.
([10])انظر: أحلام بوعزارة، «أثر ثورات الربيع العربي على أداء اقتصاديات الدول العربية»، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية – دراسات اقتصادية، المجلد 29، العدد الأول، ص 45-54.
([12])محمد جمال باروت، «الحالة السورية»، كيف يصنع القرار في الأنظمة العربية، تحرير وتنسيق نيفين مسعد (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2010)، ص 277-320.
([15])إضافةً إلى دراسة حالة سوريا، يتضمن الكتاب دراسات لحالة كل من الأردن والجزائر والسعودية والسودان والعراق والكويت ولبنان ومصر والمغرب واليمن.
([17])انظر: حمزة المصطفى، «الجيوش والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية»، في الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، تحرير محمد جمال باروت (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص 705-727.
([18])في خصوص مفهوم الدولة العميقة عمومًا، مع إحالةٍ على الحالة المصرية خصوصًا، انظر: يحيى اليحياوي، «منظومة الدولة العميقة في ظل الربيع العربي»، موقع الجزيرة، 14 نوفمبر، 2014.
([19])انظر، على سبيل المثال: محمود جمال، «الجيوش والانتقال السياسي: أبعاد تدخل الجيش المصري في العملية السياسية»، في الجيش والسياسة في مرحلة التحول الديمقراطي في الوطن العربي، ص 753-786.
([20])يكتب بهجت قرني في هذا الخصوص: «إذا كان الجيش والشرطة قد مثّلا "دولة عميقة" فإن الإسلاميين بمختلف أطيافهم شكلوا "مجتمعًا عميقًا"». بهجت قرني، «من السجن إلى السلطة وبالعكس: تجربة حكم الإخوان المسلمين في مصر»، في حركات الإسلام السياسي والسلطة في العالم العربي: الصعود والأفول، ص 278. انظر، أيضًا: عمار علي حسن، «المجتمع العميق للإخوان والسلفيين في مصر»، مراصد، كراسة 29، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، وحدة الدراسات المستقبلية، 2016.
([21]) Karl Marx, Early Writings, trans. R. Livingstone and G. Benton, (Harmondsworth: Penguin, 1975), 244.
([22])على الرغم من الاختلاف بين السلطة والدولة، إلا أننا نبحث علاقة الإسلام السياسي بهما في فقرةٍ واحدةٍ، لأن استبدادية الأنظمة السياسية في العالم العربي، واتسامها ببعدٍ شمولي في أحيانٍ كثيرةٍ، وهيمنتها لمدةٍ طويلةٍ على الدولة والمجتمع، كل ذلك وغيره، أفضى إلى أن تبتلع تلك الأنظمة الدولة وتتغول عليها أو تتماهى معها لدرجةٍ يصعب معها، في أحيانٍ كثيرةٍ، وجود تمايزٍ أو تمييزٍ بينهما.
([23])حمّود حمّود، «الدين والدولة وسؤال المأسسة: وزارة الأوقاف السورية أنموذجًا»، مجلة قلمون، التفاعل بين الدين والمجتمع في سورية 1920-2020، ص 352.
([25])وائل ب. حلاق، الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمرو عثمان، مراجعة ثائر ديب (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019).
([28])للاطلاع على نقد لمثل هذا الاختزال عمومًا، ولممارسته من قبل الإخوان المسلمين والرئيس مرسي في الحالة المصرية خصوصًا، انظر:
Mbaye Lo, Political Islam, Justice and Governance (New York: Palgrave Macmillan, 2019), 312-326.
([29])هذا الموقف نجده واضحًا، على سبيل المثال، عند أدونيس، قبل الربيع العربي وبعده. انظر: أدونيس، الكتاب الخطاب الحجاب (بيروت: دار الآداب، 2009).
Adonis. Violence et Islam. Entretien avec Houria Abdelouahed (Paris: Seuil, 2015); “Syrian Poet Adonis: There Can Be No Democracy in the Arab World under Present Circumstances.” Memri. August 11, 2017,.
([30])ترى ثناء فؤاد عبد الله أن السلوكيات الإخوانية في ممارسة السلطة أفضت إلى «"شق" الجماعة الوطنية المصرية إلى نصفين متواجهين (إسلامي وعلماني) بصورة غير مسبوقة». ثناء فؤاد عبد الله، «الدستور المصري الجديد مرحلة التأسيس الديمقراطي: ملابسات المرحلة الانتقالية»، ص 233.
([31])هناك العشرات وربما المئات من النصوص المنشورة عن الدولة المدنية في العقد الذي تلا قيام الربيع العربي. وسبق لنا تناول هذا المفهوم ومحاولة إظهار معقوليته النظرية والعملية، في: حسام الدين درويش، «في (عدم) التوافق بين الإسلام والتنوير/ الحداثة: (سوء) الفهم المتعلق بالمفاهيم المعيارية الكثيفة»، مجلة مونستر للدراسات الإسلامية واللاهوتية، العدد 1، تشرين الأول/ أكتوبر، 2021. انظر، أيضًا: سليم إبراهيم، نحو الدولة المدنية في العالم العربي: دراسة نقدية للنقاش بين المثقفين العرب حول العلمانية والدين والدولة (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2012).
([32])انظر، على سبيل المثال: جاد الكريم الجباعي، «بعد ثقافة العبيد تأتي ثقافة الحرية، حوار مع عمار المأمون»، صحيفة العرب الأسبوعي، الأحد 12 نيسان 2015؛ «"الدولة المدنية": تلفيق فكري وتلبيس سياسي»، سودارِس، نُشر في موقع حريات، في 23 تموز 2012.
"الآراء الواردة في المواد المنشورة في موقع معهد العالم للدراسات تُعبِّرُ عن رأي أصحابها، ولا تُعبِّرُ بالضرورة عن آراء المعهد والقائمين عليه"