ورغم الأهمية البالغة لدراسة موقف الدولة العبرية من الثورة السورية بشكلٍ شاملٍ ومنهجي، غير أن مثل هذه الدراسات تبدو شحيحةً إلى درجةٍ تبعث على الاستغراب. من هنا، يأتي البحث التالي للدكتورة معالي محمد لطفي محمود سالم "الإدارة الإسرائيلية للأزمة السورية" مشاركةً بالغة الأهمية في فتح هذا الملف المعقد والحساس.
وإذ تستعمل الباحثة مصطلح "الأزمة" فإنها تؤكد الحرص على منهجية البحث منذ البداية لأن ما كان "ثورةً" بالنسبة للسوريين كان "أزمةً" بالنسبة لإسرائيل، ولم يكن ثمة إمكانيةٌ بعد ذلك لوضعها في مقام "إدارة الثورة السورية".
تبدأ الباحثة الورقة بعرض الحسابات التي قام بها فريقان من الساسة الإسرائيليين بخصوص الموقف من الثورة السورية. وتشرح كيف أنه كان هناك ثمة اتفاقٌ ضمني على خطر انتصار الثورة وزوال نظام الأسد، لكن الخلاف كان على المسائل التكتيكية التي يمكن من خلالها ضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد، كما يقولون.
فمن ناحية، تجري محاولة الاستغلال الدعائي لجهة إظهار وحشية الأسد البالغة إقليمياً وعالمياً تجاه شعبه، في مقابل ممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، التي كانت تبدو (ملائكيةً) بالمقارنة، في ذلك الزمن على أقل الأحوال.
ومن ناحية ثانية، يتم إنشاء علاقات مدروسة ووظيفية مع بعض شرائح المعارضة السورية المسلحة، أيضاً بهدف الدعاية من جانب، وبهدف السيطرة الكاملة على قراراتها وحركتها وممارساتها، وبما يضمن إخفاقها في تحقيق هدف إسقاط النظام من جانبٍ آخر.
إضافةً إلى الأمرين أعلاه، كان إضعاف الجيش السوري والاقتصاد السوري والبنية التحتية لسوريا هدفاً استراتيجياً ثميناً صاغت إسرائيل مجمل قراراتها وأفعالها لتحقيقه. ليس بالضرورة خوفاً من النظام السوري الذي أمَّن لها الحدود على مدى عقود، وإنما خوفاً من سقوط هذا النظام، وإمكانية استفادة الثوار في المستقبل من إمكانيات سوريا العسكرية والاقتصادية.
وفي هذا السياق، قامت الباحثة بتحليل علاقة إسرائيل مع كلٍ من روسيا والولايات المتحدة، بما يضمن تحقيق كل المصالح المشتركة، وبتوازنات دقيقة تضمن مصلحة جميع الأطراف، فيما عدى الشعب السوري الثائر.
ومرةً أخرى، تتأكد أهمية هذه الورقة، فوق قيمتها الذاتية، من كونها مدخلاً لفتح مسارٍ بحثي في غاية الأهمية لحاضر ومستقبل الثورة السورية، ولتكون عنصراً رئيساً من عناصر (ملف المراجعات)، على أملٍ بأن يلتقط الإشارة باحثون آخرون سوريون وعرب، فيبنوا على معطيات هذا البحث، ويساهموا في تشكيل "تراكمٍ معرفي" يليق بأهميته وخصوصيته البالغة.
منذ اندلاع الأزمة في سوريا منتصف مارس 2011، اتجهت الأنظار نحو طبيعة الموقف الإسرائيلي منها، انطلاقًا من أهمية هذا الموقف في قراءة مستقبل الأحداث في سوريا، خاصة في ضوء أهمية الحدود السورية الشمالية وموقعها من الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان دراسة الموقف الإسرائيلي والتعمق في فهمه.
أولاً. الموقف الإسرائيلي تجاه الأزمة السورية
شكلت التحولات السياسية التي انطلقت من تونس ثم انتقلت إلى مصر وليبيا وغيرها من الدول العربية حالة من عدم اليقين لدى الوسط السياسي الإسرائيلي الذي بدأ يراقب الأحداث في المنطقة العربية بترقب، فمع اندلاع ثورات الربيع العربي، وجدت إسرائيل - بحسب تصريح رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو- نفسها أمام "هزة أرضية تتطلب منها تعزيز أمنها القومي"[1].
بدأت إسرائيل بمعارضة التحولات السياسية في تونس ومصر، ورفض المطالبة بإسقاط أنظمتها الحاكمة، كما عملت على دعم هذه الأنظمة العربية التي اعتبرتها ضمن محور الاعتدال، لأن انهيار تلك الأنظمة يسهم في خسارة إسرائيل للبيئة الإقليمية الآمنة ويؤدي إلى تضررها سياسياً وأمنياً خاصة بعد أن خسرت علاقاتها مع إيران وتركيا سابقاً [2].
ولكن منذ بداية تحول الأحداث السياسية إلى سوريا أبدت إسرائيل اهتماماً كبيراً بتطور أحداثها وإمكانية نجاحها، لما لسوريا من مكانة مركزية في حسابات إسرائيل باعتبارها دولة مجاورة لها ولا ترتبط معها بمعاهدة سلام كما هو الحال مع مصر[3]، علاوة على ذلك فإن سوريا دولة محورية في المشرق العربي، وتمتلك القدرة على التأثير في تطور الأوضاع في المنطقة [4]
وبالرغم من ذلك فقد خيمت على إسرائيل حالة من الصمت والغموض خلال السنة الأولى من الأزمة السورية، وقد بدأ موقف النخب السياسية، والعسكرية، والإعلامية، والأكاديمية الإسرائيلية يتسم بالتباين تجاه الأزمة السورية المعقّدة وفقاً للعديد من العوامل والمتغيرات، حيث فضَّلت بعض النخب الإسرائيلية العسكرية بقاء النظام الذي لعب دوراً في الحفاظ على استقرار الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل نحو أربعين عاماً، محافظاً على وقف إطلاق النار في هضبة الجولان وفق اتفاق فض الاشتباك لعام 1974. وقد فضلت تلك النخب بقاء النظام خوفاً من البدائل كسيطرة التيارات الإسلامية على سوريا، مما يسهم في انتشار فوضى السلاح وانهيار الهدوء في الجولان، الأمر الذي قد يهدد أمن إسرائيل، كما أنها فضلت بقاء النظام السوري خشيةً من إقامة نظام ديمقراطي في سوريا يعزز قدراتها ومكانتها ودورها في المنطقة، مما يزيد من إمكانياتها في مواجهة إسرائيل والتصدي لسياساتها في المنطقة[5].
وقد دعم تلك الرؤية العديد من الساسة والكتاب الإسرائيليين أمثال، عنار شيلو الذي رأى "أن جهاز الأمن يسوده الذعر من إمكانية أن ينجح النضال من أجل الحرية، وأن يسقط النظام في سوريا"، كما أضاف أنه: "يمكن أن نقرأ بين السطور أن إسرائيل غير متحمسة لسقوط الأسد فهي تعاضد الأسد من غير أن يرى أحد، وتدعو في الخفاء أن يصمد النظام لأن ذلك يعنى هدوء في الجولان وإسرائيل". [6]
بالمقابل، فضلت بعض النخب السياسية إزالة النظام، وذلك بسبب العقيدة العدائية المُعلنة لدى المؤسسة السياسية السورية تجاه إسرائيل، وبسبب تمسك النظام السوري بموقفه الرافض للشروط الإسرائيلية الخاصة بعملية السلام، ولأنه يمثل القاعدة الخلفية الداعمة لحزب الله[7]. ولأن إسرائيل خشيت أن تسهم الأزمة السورية في إكساب حزب الله المزيد من أسباب البقاء والتسلح والحصول على الدعم اللوجيستي الذي يمكنه من مواجهة إسرائيل على نطاق يمكن أن يخل بالتفوق الاستراتيجي على جبهتها الشمالية. [8]
ولأن سوريا تُعد من أهم دول "الممانعة" المتحالفة مع إيران والمناهضة للسياسة الأمريكية في المنطقة، فقد رأت هذه النخب أن سقوط النظام يُسهم في إعطاء إسرائيل حرية الحركة في توجيه الضربات الاستباقية، واستنزاف خصومها بضربات عسكرية موضعية في الأماكن التي ترى فيها ضرورة لتوجيه تلك الضربات دون أن تلزم نفسها باللجوء إلى حروب شاملة. وكذلك توجيه ضربة إلى المحور "الراديكالي" في إطار المواجهة مع إيران من خلال إبعاد سوريا وتحييدها في أي مواجهة عسكرية معها، مع تفكيك علاقات سوريا المحلية والإقليمية في لبنان وفلسطين، الأمر الذي يسهم في إعادة تكوين خارطة جديدة لمنظومة النظام الإقليمي. وقد عبر عن هذا الرأي العديد من السياسيين الإسرائيليين، مثل وزير الحرب" إيهود باراك" الذي أكد أن "سقوط هذا النظام يُشكل ضربة قوية للجبهة الراديكالية برمتها وفى مركزها إيران وحزب الله". [9]
ومع استمرار موقفها الرسمي الصامت والمبهم، أصدر المستوى المهني ضمن وزارة الخارجية الإسرائيلية، في فبراير 2012، توصية بشأن المسار السياسي الذي يمكن أن تتبعه إسرائيل حيال ما يجري في سوريا. ودعت هذه التوصية إلى ضرورة وضع حد لسياسة الغموض الإسرائيلي إزاء الأحداث في سوريا، والنظر في اتباع سياسات تنسجم مع مواقف الولايات المتحدة وأوروبا، الداعية إلى استقالة الرئيس السوري بشار الأسد من رئاسة سوريا.[10]
وحينما تبنى وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك، أفيغدور ليبرمان، التوصية المطروحة، وأخذ بها إلى طاولة اجتماعات الحكومة الإسرائيلية في سبيل تبنيها، عارض الاقتراح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى عدد آخر من الوزراء، مرشحين الاستمرار على الموقف ذاته دون تغييره.[11] ويبدو أن الإعلان الصريح عن الرغبة في سقوط نظام بشار الأسد من قِبَل نتنياهو ومَن معه كان يبدو مناقضاً بشكلٍ جذريٍ صارخ مع ما يعرفونه فيما يخص حجم الخدمات الاستراتيجية التي قدمها نظام الأسد (الأب والابن) لإسرائيل على مدى أكثر من أربعة عقود، الأمر الذي سيجعل مثل هذا الإعلان موقفاً لا يصب في مصلحة إسرائيل نهاية المطاف.
ولكن، فيما بقيت الحكومة الإسرائيلية على موقفها الغامض حيال الثورة السورية، رَغِبت في الاستفادة من حالة البطش الذي يلقاه الشعب السوري على يد النظام الحاكم، كدعاية سياسية بما يخدم الأجندة الإسرائيلية بوصفها دولةً ديمقراطية تتوسط منطقة مليئة بالأنظمة الاستبدادية من جهة، وتبرر مستوى قمعها للفلسطينيين من جهة أخرى مستغلةً الموضوع للدعاية، بحيث يظهر بأنه: "إنساني جداً" مقارنةً بمستوى قمع أنظمة دول المنطقة. وقد تجلى ذلك في تعليق نتنياهو على الأحداث في سوريا، في فبراير 2012، حين قال: «وصلتنا حديثًا بعض الأخبار التي ذكرتنا بنوعية المنطقة التي نعيش فيها، فقد رأينا الجيش السوري وهو يذبح شعبه دون رحمة»[12].
وبعد هذا التصريح، لبس الموقف الإسرائيلي ثوب التعاطف النسبي الاستعراضي مع الشعب السوري، متجهًا عبر تصريحات مسئوليه إلى إدانة الجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحق شعبه. وفي إطار ذلك، أصدر نتنياهو في 27 مايو 2012، بيانًا حول مجزرة الحولة التي ارتكبها النظام السوري بحق المدنيين في مدينة حمص، لكن البيان جاء بنكهة الساعي إلى استغلال الأمر في دعايته السياسية، والرامي إلى الحفاظ على أمنه القومي، من خلال الإشارة إلى أن إيران وحزب الله يشاركان في هذه «الحرب السورية الداخلية»، ولذا «على العالم أن يتحرك ضدهما أيضًا[13].
وعلى هذا النحو، توالت تصريحات المسئولين الإسرائيليين حيال أحداث الثورة السورية، غير أنها كانت حريصةً دومًا على إبقاء موقفها غير واضح، حتى وإن شمل إدانةً لما يرتكبه النظام ضد المدنيين.
ويتضح من ذلك أن إسرائيل استغلت المجازر التي يرتكبها النظام بحق شعبه بهدف الترويج للمجتمع الدولي بأن إسرائيل دولة ديمقراطية، وأن عدم الاستقرار في المنطقة لا ينبع من الصراع العربي -الإسرائيلي بقدر ما ينبع من الخلافات الداخلية التي تعاني منها الدول العربية نتيجة التناقضات السياسية، والاقتصادية، والعرقية.
وبالتزامن مع الحديث عن دخول بعض عناصر حزب الله إلى سوريا مطلع عام 2012، خرج الموقف الإسرائيلي من حالة الصمت إلى حالة التحذير من "تغلغل الميليشيات الإيرانية في سوريا"، وإظهار حرص شديد على إبقاء مسار الأزمة السورية في إطار سيطرتها التي تحول دون ظهور خطر حقيقي على أمنها القومي[14].
فأخذت تتبع سياسة تقليم أظافر تجاه النظام السوري وحلفائه، من حزب الله وإيران أذرعها. وظهرت أول حالة انتقال في الموقف الإسرائيلي حيال الأزمة السورية من الصمت إلى التدخل الظرفي الجزئي في 30 يناير 2013، إذ ضربت بصواريخ أرض-جو موقعاW عسكرياً قرب دمشق، ادعت احتواءه على مواد كيميائية، وضلوعه في نقل أسلحة من سوريا إلى حزب الله[15]، واستهدفت مراكز في العمق السوري بهدف منع انتقال الأسلحة إلى حزب الله، وتأكيد على مساهماتها في رسم المشهد الإقليمي، كما قررت إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وفى المناطق المحاذية لهضبة الجولان لحماية أمنها[16]. وخشيت إسرائيل من عدم مقدرة النظام السوري على الاستمرار في السيطرة على مخزون الأسلحة الاستراتيجية الكيماوية والبيولوجية ووقوعها بيد المعارضة والمنظمات الإرهابية في الداخل، أو انتقالها إلى قوى ومنظمات مسلحة معادية لإسرائيل كحزب الله، مما يشكل تحدياً وتهديداً للنظام الأمني الإسرائيلي، وهي الخشية التي انتقلت إلى الدول الغربية الحليفة لإسرائيل وأصبحت من محددات موقفها تجاه الأزمة[17].
ومن هنا ترى الدراسة أن إسرائيل استفادت بشكل كبير من تلك الأزمة، حيث بدأ الجيش السوري بالتراجع والتفكك كما فقد الكثير من قوته، وكذلك استغلت الفرصة لإضعاف الدولة السورية عبر إخضاع ترسانتها العسكرية خاصة الأسلحة الكيماوية تحت الضغط الدولي وتفكيكها، تحسباً لأي تغييرٍ ممكن في النظام، وبما يسمح بإعطاء إسرائيل هامشاً من المناورة أياً كانت تطورات الوضع في سوريا. وفي ظل نزع السلاح الكيماوي رأت إسرائيل أن مصلحتها تكمن في بقاء نظام الأسد، وقد عبر عن تلك النظرة الوزير الإسرائيلي يعكوف بيري فقال: "بحسب المنطق الإسرائيلي فإن وجود رئيس ضعيف مكروه في دمشق يقاتل من أجل بقائه يمكن أن يحقق مصلحة إسرائيلية واضحة وهي منع سقوط مخازن السلاح السوري[18].
ثانياً. اتجاهات السياسة الإسرائيلية في سوريا
لقد ترجمت اتجاهات السياسة الإسرائيلية في سوريا وفقاً لتحركات عدة، يمكن توضيحها على النحو التالي:
التحرك السياسي والدبلوماسي:
ترجم التحرك الإسرائيلي السياسي والدبلوماسي من خلال
1- التعاون مع روسيا
كانت إسرائيل تحظى بحرية التصرف فيما يخص سوريا، قبل التدخل الروسي الجوي المباشر في نهاية سبتمبر 2015، لكن بعد هذا التدخل، وبعد اتجاه الأمور نحو تولي روسيا مسار حل الأزمة السورية، وجدت إسرائيل ضرورة في بدء تنسيق دبلوماسي وعسكري وطيد مع روسيا، من أجل تجنب وقوع أي اشتباك غير مقصود بين قواتها والقوة العسكرية الروسية التي تعمل في سوريا. وقد بدأ التنسيق بزيارة وفد عسكري روسي بقيادة النائب الأول لرئيس هيئة الأركان العامة في القوات المسلحة الروسية، نيقولاي بوغدنوفسكي، تل أبيب، في 6 أكتوبر 2015.[19]
وتجدر الإشارة إلى أن الطرف الروسي قد نسق مع إسرائيل قبل بدء تدخله المباشر في سوريا، فقد زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، برفقة رئيس هيئة الأركان غادي أيزنكوت، موسكو، وذلك في 21 سبتمبر 2015، أي قبل بدء التدخل الروسي المباشر بتسعة أيام، إذ أسس جهاز ميداني مشترك بين الجانبين، مهمته عدم وقوع عمليات احتكاك بينهما، يقي الجنود الروس من أي استهداف إسرائيلي، ويشمل إعلام روسيا بالهجمات المراد تنفيذها[20]. وقد أطلق على هذا التنسيق آلية منع التصادم[21]، إذ يشمل التنسيق "الكهرومغناطيسي" موافقة كل طرف على عدم اعتراض الاتصالات اللاسلكية أو أنظمة التتبع بالرادارات الخاصة بالطرف الآخر[22]. وقد أقرت روسيا بحق إسرائيل في استهداف المخاطر التي تقع ضمن خطوطها الحمراء المعلنة[23].
ولقد تجلى التنسيق الحثيث بين الطرفين، بزيارة نتنياهو موسكو عدة مرات، وتأكيد الطرفين على متانة العلاقات التي تربطهما على جميع الأصعدة، بما فيها تلك المتعلقة بالشأن السوري. وقد بدا ذلك واضحاً من خلال إلحاق هذه التصريحات بتنسيق أمني أطلق يد إسرائيل في ضرب كل ما ترى أنه يهدد أمنها، دون اعتراض روسي واضح، وهو ما أكده نائب السفير الروسي في إسرائيل، أليكسي دروبنين، في تصريحات سابقة عن وجود تنسيق حيوي بين وزارتي الخارجية والدفاع لبلاده ونظيرتيهما الإسرائيليتين[24].
ولعل توصل الطرفين إلى تفاهمات مشتركة قضت بانسحاب الميليشيات التابعة لإيران مسافة 85 كيلومتراً عن منطقة الحدود السورية-الإسرائيلية، والإبقاء على اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، أكبر دليل واضح على التنسيق رفيع المستوى بين الطرفين[25].
وانطلاقاً من علم روسي على الأرجح بأهمية أمن إسرائيل للقطب الغربي، وخاصة الولايات المتحدة، لم يتأثر التنسيق بينها وبين إسرائيل، على الرغم من إخلال الأخيرة بالاتفاق في 9 أبريل 2018، من خلال استهداف مطار (T-4) الخاضع لسيطرة النظام شرقي حمص، ومن ثم استهداف مواقع للنظام في مدينة اللاذقية[26].
وهو ما جعل موسكو لأول مرة تصف الضربة الإسرائيلية بالعدوان، وقامت على إثر ذلك بمنح النظام السوري منظومة إس 300، في إطار تعبيرها عن الانزعاج من استهداف إسرائيل لمنطقة اللاذقية غير المتوقع استهدافها، ومن دون إبلاغ روسيا عن ذلك ضمن مدة زمنية معقولة، وهو ما يعبر عن رغبة روسية في تغيير فحوى الاتفاق القائم بينها وبين إسرائيل، بما يشمل تخفيف هذه العمليات قدر الإمكان، والتنسيق مع موسكو على نحو أفضل[27].
إن عدم القدرة على توقع منع موسكو لإسرائيل من استهداف الأهداف التي تهدد أمنها القومي بشكل كامل، ينبع من تخوفها من التصعيد مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى استمرار رغبتها -على الأرجح- في تقليم المزيد من النفوذ الإيراني في سوريا. وهذا ما يأخذ إلى القول إن نشر موسكو لمنظومة إس 300، يأتي في إطار سعيها إلى كسب ثقة النظام السوري، والحفاظ على هيبتها على الساحة الدولية، بعد أن استهدفت إسرائيل اللاذقية التي تحتضن قاعدة "حيميم"، الأمر الذي أحرج بوتين داخلياً ودولياً.
وإذا كانت إسرائيل تحفظت على مسألة التدخل العلني المباشر إلى جانب أحد أطراف الصراع في سوريا، فإنها تدخلت بشكل غير مباشر تكتيكياً، وفعلت ذلك بشكلٍ انتقائي في بعض الأحيان وفق حساباتها، إلى جانب الجماعات المسلحة السورية، لتحقيق هدفين هما إدامة النزاع واضعاف الجيش السوري. وقد أثبتت العديد من التقارير الدعم الإسرائيلي لتلك الجماعات، فعلى سبيل المثال: ذكرت صحيفة جيروازليم بوست في ديسمبر 2014أنه "كشفت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك UNDOF أن إسرائيل تعمل عن قرب مع المتمردين السوريين في الجولان، وظلت على علاقات وثيقة معهم خلال الـ13 شهراً الماضية".[28] لقد سعت إسرائيل للتعاون مع جبهة النصرة لتكون بمثابة درع لها يحمي الجبهة الشمالية الإسرائيلية وهضبة الجولان المحتل من أي تمدد للنفوذ الإيراني أو عودة الجيش السوري مجدداً إلى هذه المناطق، وذلك بعد نجاح جبهة النصرة في التمدد ابتداء من ريف درعا إلى القنيطرة بالموازاة مع الجولان.
فمنذ مارس2013 التقى على الحدود ضباط من الجيش الإسرائيلي ومقاتلون من المعارضة السورية لاسيما جبهة النصرة، تطورت الأمور بينهما إلى استقبال جرحى المسلحين للعلاج في مستشفيات إسرائيل الميدانية في الجولان. كما ن قِل بعض المسلحين إلى مستشفيات صفد ونهاريا. وكانت إسرائيل تقصف عند الحاجة مواقع للجيش السوري.[29]
في عام 2013 تم تأسيس جهاز دولي مخابراتي يُعرف بـ"غرفة الموك" يعمل بالقرب من الحدود السورية، هذا الجهاز تقوده مخابرات دول كبرى (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا)، ومهمته الأساسية هي حفظ التوازن بين قدرات الجماعات المسلحة والقوات السورية، وتقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي لتلك الجماعات، وإعطائهم الأوامر بإمكانية البدء بنزاع ما من عدمه. كان الهدف الرئيسي لتلك الغرفة يتمثل في ضبط عمل فصائل المعارضة المسلحة بما يُحقق أهداف القوى الدولية، وبغض النظر عن أهداف الثورة السورية نفسها. ثم وضعت تلك الغرفة بعض الخطوط الحمراء من أجل عدم إشراك إسرائيل في المعارك والاضطرابات الحالية، وكانت أهم تلك الخطوط الحمراء: منع الاقتراب أو تهديد الحدود الإسرائيلية بأي شكل، تأمين الحدود عند مرتفعات الجولان السورية بهدف منع أي تسلل.[30]
2- الاعتماد على الولايات المتحدة
إلى جانب تنسيقها مع موسكو، جنحت إسرائيل إلى توكيل الولايات المتحدة في تولي الأمر بما يخدم المصالح المشتركة بينهما، إذ ثمة تقاطع كبير بين الاستراتيجيات الإسرائيلية والأمريكية، فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن التأثير الكبير الذي تحظى به إسرائيل في مراكز صنع القرار السياسي والأمني الأمريكي.
ويلامس توكيل إسرائيل للولايات المتحدة ملف أمنها القومي، ومصالحها في سوريا، من خلال ترؤس واشنطن لغرفتي عمليات “الموك” في عمان، و”الموم” في أنقرة. "الموك" أو "الموم" على حد سواء، تعني غرفة العمليات المشتركة التي ترأستها الولايات المتحدة حتى إغلاقها في 30 ديسمبر 2017، بالتعاون مع دول (أصدقاء الشعب السوري)، كبريطانيا، وفرنسا، وبعض الدول العربية، والتي كان أبرزها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، لدعم فصائل الجيش الحر في الجبهتين الشمالية والجنوبية[31].
وكما ذكرنا أعلاه، كان الهدف الرئيس لتلك الغرف يتمثل في ضبط عمل فصائل المعارضة المسلحة بما يُحقق أهداف القوى الدولية، وبغض النظر عن أهداف الثورة السورية نفسها. وعلى الرغم من عدم انضمام “إسرائيل” إلى هذه الغرف، فإنها قد حققت من خلال الولايات المتحدة ما ترنو إليه، ففي نهاية المطاف، لم تضم الأسلحة المدعومة من “الموك” أو "الموم" أسلحة ثقيلة تغير المعادلة في مسار الثورة السورية، ولم يسمح للمعارضة بإجراء عمليات عسكرية شاملة من شأنها إسقاط النظام.
وقد استكملت الولايات المتحدة دورها في عقد اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري الأول، 9 يوليو 2017، ربما لم تشارك إسرائيل في محادثات الاتفاق وغيرها من التحركات الدبلوماسية، وقد يكون ذلك كمحاولة منها للتملص من أي مسئولية قانونية قد تحد من ضرباتها العسكرية ضد الميليشيات والمصالح الإيرانية، بالإضافة إلى عدم موافقة الاتفاق طموحها في الحيلولة دون تقدم الميليشيات الإيرانية صوب حدودها، وفقًا للمسافة التي تطمح إليها.
وأكملت واشنطن دورها الرئيسى في تحقيق طموح إسرائيل من خلال قمة هلسنكي التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، وتبعتها تسريبات صحفية حول توصل الطرفين إلى صفقة تقضي بتسليم الجنوب السوري، مقابل بدء التفاوض فيما يتعلق بمصير النفوذ الأمريكي الذي يتمركز في شمال شرقي سوريا[32]. وقد تأكدت صحة هذه التسريبات بعد سير إسرائيل على مرجعية هذه القمة، وإتمامها اتفاقاً مع روسيا بخصوص سيطرة النظام السوري على كامل الجنوب السوري، بالإضافة إلى انطلاق التفاوض فعلًا بين دمشق ومجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، المنبثق عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أمريكياً.
وقد قدمت الولايات المتحدة الدعم الإعلامي والدبلوماسي الدائم لإسرائيل، من خلال تأييد ضرباتها في سوريا، إذ أشارت إلى أنها تأتي في إطار استهداف معامل لتطوير الأسلحة الكيميائية، وقوافل نقل أسلحة لمنظمات إرهابية[33].
3- التحرك العسكري:
تُرجم التحرك العسكري الإسرائيلي تجاه الأزمة السورية عبر تكتيكين:
التدخل المباشر:
يتخذ التدخل العسكري الإسرائيلي المباشر في سوريا، الغارات الجوية والقصف بصواريخ أرض/ أرض كأداة تنفيذية شبه وحيدة، ويستهدف هذا التدخل كبح وتقليص اي تهديدات ناتجة عن متغيرات الوضع السوري، ويتمسك بأهداف عسكرية وعملياتية تتمثل في:
منع نشوء تهديد جديد على الحدود الشمالية:
تشدد إسرائيل على رفض اقتراب الميليشيات الشيعية أو غير الشيعية الموالية لإيران من حدودها لمسافة 85 كيلومترًا[34].
وكذلك الحال بالنسبة لأي تشكيلات مسلحة أخرى لا تضمن ولاءها، وهو ما عملت على منعه بالنيران المباشرة في حالات متعددة، حاول فيها النظام أو الميليشيات المتحالفة معه السيطرة على بلدات متاخمة للحدود مع الجولان السوري المحتل، وكذلك من خلال غارات جوية استهدفت كوادر عسكرية مسئولة عن التأسيس والتخطيط لبنى عسكرية معادية لإسرائيل في الجولان المحتل أو على تخومه.
وترى إسرائيل أن تنامي وجود حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى في سوريا، خط أحمر، يؤسس لقواعد اشتباك تسمح لها باستهدافه. إذ ترى أن هذا الوجود يفتح أمامها جبهة جديدة من الصراع، من خلال بناء قواعد تدريبية وعسكرية تمكينية لحزب الله، بالقرب من القصير المحاذية للحدود اللبنانية على وجه التحديد[35].
منع نقل السلاح لحزب الله:
ترى إسرائيل في وجود القوات الايرانية والميليشيات المتحالفة معها بأنه: ”محاولة إيرانية لتأسيس خط بري لنقل الأسلحة منها إلى حزب الله في لبنان بسهولة[36].
هذا الخط الذي يوازي الخط الإسلامي الذي تحاول إيران بواسطته نقل غازها الطبيعي إلى العراق، ومنه إلى سوريا، وصولًا إلى لبنان، ومن ثم إلى الدول الأوروبية مستقبلًا، يمكن أن يؤمن من قبل ميليشيات محلية، مما يسهل على إيران نقل أسلحتها إلى حزب الله.
استهداف القدرة التقنية للجيش السوري:
أحد الأسباب الأساسية لاندفاع إسرائيل نحو استهداف عدد من المناطق في سوريا، هو الترسانة العسكرية، لا سيما تلك المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، التي تحاول إيران إنتاجها وتطويرها بالتعاون مع النظام السوري[37]، وبالأخص في منطقة مصياف (حماة) التي تحتضن معامل إنتاج الأسلحة الكيميائية[38].
ويلاحظ أن الغارات الإسرائيلية قد زادت بعد اتفاق إسرائيل مع موسكو على تأسيس آلية فاعلة للتنسيق المشترك. وإلى جانب هذه الغارات، اتجهت إسرائيل إلى استخدام طائرات “الدرون” -أحيانًا- في سبيل استهداف عناصر (داعش) وقادته في المناطق القريبة من حدودها[39].
حرب الوكالة (العمل الاستخباري):
إلى جانب تحركها العسكري المباشر، قدمت إسرائيل دعمًا لفصائل سورية مسلحة، للاستفادة منها في تأمين حدودها من خطر الميليشيات الإيرانية[40]. وكان لواء فرسان الجولان أبرز فصيل سوري معارض أقر بالدعم الإسرائيلي، ذلك الدعم الذي شمل المواد الغذائية والعلاج وسلاحًا وراتبًا شهرياً بلغ5 آلاف دولار. وقد تنوعت الأسلحة المقدمة إلا أنها بقيت خفيفة، إذ لم تتجاوز البنادق الهجومية والرشاشات وقاذفات الهاون الخفيفة[41].
وعلى الرغم من نفيها المستمر لهذا الدعم، الذي تزامن مع سيطرة المعارضة السورية على أراضٍ قريبة من الجولان عام 2012، فإن إسرائيل بدأت منذ منتصف يونيو 2017، بالاعتراف حول تقديم دعمها لبعض الفصائل والقرى السورية المحاذية لحدودها[42].
وبحسب ادعاء صحيفة تايمز البريطانية، فإن الدعم الإسرائيلي شمل عددًا من عناصر جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام في الوقت الحالي)، فقد تلقى عدد منهم العلاج في المستشفيات الإسرائيلية[43]
ويشار إلى أن الدعم العسكري والمالي الإسرائيلي المقدم لبعض الفصائل السورية المعارضة، زادت وتيرته في عام 2013، ليشمل 12 فصيلًا، منهم لواء فرسان الجولان الذي كان يتمركز في بلدة جباتا الخشب في القنيطرة، ويُعد الوسيط الأساسي بين إسرائيل وبقية الفصائل، و(لواء عمر بن الخطاب) الذي تمركز في بلدة بيت جن القريبة من جبل الشيخ. وقد توقف الدعم المذكور في يوليو 2018، إذ جرى التوصل إلى اتفاق مع موسكو[44].
وحول مصير قادة وعناصر وكلاء إسرائيل، فقد لجأ بعضهم إلى إسرائيل، والبعض إلى الأردن، والبعض الآخر إلى تركيا، أما قسم كبير منهم فقد قبل المصالحة مع النظام السوري[45].
التحرك الإنساني:
في إطار سعيها إلى مواصلة الاستفادة من حالة البطش الذي يلقاه الشعب السوري على يد النظام الحاكم، بصفتها دعايةً سياسية تلمع صورتها الإنسانية أمام العالم، مالت إسرائيل إلى تقديم الدعم الإنساني المحدود، الذي شمل عددًا من القرى السورية القريبة من حدودها.
وانطلاقًا من سعيها إلى إقناع المواطن العربي على وجه الخصوص بإنسانيتها، مقارنةً بأنظمة المنطقة وعلى رأسها إيران، مع تصوير ذاتها على أنها حليف للعربي وليست عدواً، نشرت إسرائيل عبر حساب الناطق باسم جيشها باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، تحت مسمى “حسن الجوار”، أن المساعدات الإسرائيلية تصل إلى 80 قريةً في الجنوب السوري، بما يشمل 200 ألف مواطن سوري، مشيرًا إلى أن إسرائيل قدمت خدمات طبية لـ 3000 جريح سوري في مستشفياتها، مع العمل على إنشاء مراكز صحية في القنيطرة[46]. ولعل نشر أدرعي عددًا من الصور للجرحى السوريين، واستقباله لمعارضين سوريين زاروا هؤلاء الجرحى في المستشفيات الإسرائيلية، خير دليل على سعيها إلى الاستفادة من الحالة في صنع دعاية سياسية[47].
وكان برنامج “حسن الجوار”، الذي كشف عنه للمرة الأولى في بيان أصدره جيش الاحتلال في 19 يوليو 2017، قد بدأ العمل عليه بصورة سرية منذ فبراير 2014، واستمر حتى يونيو 2016، إذ أسست مديرية “حسن الجوار” على نحو تابع لقيادة الجبهة الشمالية في جيش الاحتلال[48].
ويعرف جيش الاحتلال مشروع “حسن الجوار” بأنه ”برنامج يهدف إلى خلق علاقات طيبة مع السوريين القاطنين على الحدود لدواعٍ أمنية، وتشكيل بيئة غير عدائية لإسرائيل، عن طريق تقديم مساعدات إغاثية وعلاج للجرحى"، وفقًا لما جاء على الموقع الرسمي لجيش الاحتلال.
أيضًا، تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل قد قدمت هذه الخدمات كوسيلة تسعى بها إلى تأسيس حاجز عسكري ومدني لتقدم الميليشيات الإيرانية نحوها. ويدل على ذلك محدودية هذه الخدمات وإيقافها بالكامل، مع رفضها لاستقبال لاجئين سوريين أرادوا الانتقال إلى داخل أراضيها، وتخليها عن تقديم أي دعم عسكري للفصائل التي قدمت لها الدعم، عقب إجرائها اتفاقًا مع موسكو يتضمن عدم اقتراب الميليشيات الإيرانية من حدودها.
خاتمة:
من كل هذا يمكننا الاستنتاج بأن التدخل الاسرائيلي في سوريا كان يرمي لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية وهي:
1. الترسانة الكيماوية تسعى إسرائيل لاستغلال الظروف الحالية للنظام السوري لتدمير الترسانة الكيماوية الموجودة لدى النظام، ولمنع انتقال تكنولوجياتها أو مكوناتها إلى يد فاعلين آخرين كحزب الله أو تنظيم داعش أو المعارضة السورية. وكان موقع جمرايا، الذي يضم مركز البحوث العلمية المتخصص في الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، أول موقع تم استهدافه في عام 2013.
2. الترسانة الصاروخية يمثل تدمير الصواريخ بعيدة المدى ومنظومات الصواريخ المضادة للطائرات التي يمتلكها الجيش السوري هدفاً مهماً للجيش الإسرائيلي، وهي ثاني ترسانة عسكرية خطيرةٌ على "إسرائيل"، سواء وقعت في يد المعارضة أو أي قوة فاعلة في المنطقة المجاورة لسوريا. وقد ركزت معظم الغارات الجوية الإسرائيلية في سوريا منذ عام 2013 على استهداف هذه الترسانة بالتحديد، لا سيما صواريخ سكود روسية الصنع، حيث استغلت إسرائيل عدم استعداد نظام الأسد لدخول حرب معها وتشتيت معاركه في الحرب السورية.
3. التعامل مع التنظيمات والمليشيات الإرهابية تسعى إسرائيل إلى إبعاد خطر التنظيمات "الإرهابية" بكل تصنيفاتها عن التمكن من استهداف "إسرائيل" أو إلحاق الضرر بها سواء على المدى القريب أو البعيد، بما في ذلك المليشيات التابعة لإيران. ولذلك فقد استهدف جزء من الغارات أسلحة بعيدة المدى أثناء أو قبيل نقلها إلى لبنان، كما استهدفت مجموعات وخلايا مشتركة بينها ضباط في الحرس الثوري الإيراني. وقد اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن هذا الهدف هو الهدف الرئيسي لكل الضربات الإسرائيلية في سوريا.
وبالجملة، رأت إسرائيل أن الحرب السورية يجب أن تخدم مصالحها العليا وأمنها القومي؛ فالحرب السورية تضعف سوريا كدولة، وتضعف نظام الأسد، مما ييسر لها استكمال السيطرة على الجولان السوري المحتل، خاصة أن نظام الأسد قد حافظ على حدودها مع سوريا هادئة وآمنة.
ورأت في انتصار المعارضة المشرذمة، التي سيطرت عليها الصبغة الإسلامية، خطراً يهدد أمنها القومي، فاستعملت نفوذها لدى الإدارة الأمريكية للحفاظ على النظام.
وبقي الشاغل الأساسي لإسرائيل هو منع التموضع الإيراني على حدودها الشمالية في الجولان المحتل، وعدم استقرار الطريق بين طهران – بغداد – دمشق – بيروت.
وبهذا، حققت الحرب لإسرائيل وضعاً إقليمياً يخدم تموضعها الجيو – سياسي في المنطقة، خاصة قضية عدم انسحابها من الجولان المحتل، بل سعيها للاعتراف بسيادتها عليه، وتحسن علاقاتها مع عدد من البلدان العربية. كما استثمرت إسرائيل الصراع في سوريا، لاستنزاف القوى الإقليمية التي تنافسها في الشرق الأوسط وإضعافها، خاصة إيران وتركيا.
الهوامش:
[2] محمد محمود السيد، الرؤية الإسرائيلية لمستقبل الأزمة السورية ...وطبيعة تفاعلها مع ديناميات الأزمة، ميدل آيست ،19مارس 2014، للمزيد الرابط.
[4] عزمي بشارة، سوريا درب الآلام نحو الحرية محاولة في التاريخ الراهن، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط 2013، ص 567
[5] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، الموقف الإسرائيلي من الثورة السورية ومستجداته، وحدة تحليل السياسات، الدوحة،26يونية2012 على الرابط.
[6] المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ، الموقف الإسرائيلي من الأحداث في سوريا، الدوحة،31يناير2012، على الرابط.
[10] نتنياهو يعارض ليبرلمان، الغد، 16/2/2012. الرابط
[11] نتنياهو يعارض ليبرلمان، الغد، 16/2/2012.
[13] وإسرائيل تستنكر مذبحة (الحولة)، البيان، 30/5/2012. الرابط
[15] تسلسل زمني للغارات الإسرائيلية على سوريا، الجزيرة نت، تاريخ النشر: 21/8/2015. الرابط
[16] أمجد جبريل ، السياسة الاسرائيلية تجاه الثورات العربية: سوريا نموذجا، مجلة شئون عربية، العدد154، 2013، ص127.
[17] نير بومس، هازاني أساف وآخرون، معضلات إسرائيل بسبب الأزمة السورية: اختيار عدم الاختيار، ترجمة عبد الرحمن الحسيني، صحيفة الغد، الأردن ،2014.
[18] صالح النعامى، الاتفاق الروسي الأمريكي لنزع السلاح الكيماوي السوري في ضوء خريطة المصالح الإسرائيلية، مجلة سياسات عربية، العدد5، نوفمبر 2013، ص8.
[19] تل أبيب.. بدء مشاورات روسية-إسرائيلية حول التنسيق العسكري بشأن سوريا، روسيا اليوم، 16/10/2015. الرابط
[20] تل أبيب.. بدء مشاورات روسية-إسرائيلية حول التنسيق العسكري بشأن سوريا، روسيا اليوم، 16/10/2015. الرابط
[21] التنسيق بين “إسرائيل” وروسيا في سوريا “على المحك”، المصدر الأساسي: يديعوت أحرونوت، ترجمة وتحرير: تلفزيون سوريا، 11/4/2018. الرابط
[25] عدنان أبو عامر، تنسيق إسرائيلي روسي لتأمين الحدود السورية وإخراج إيران، عربي 21، 21/5/2018. الرابط
[26] إسرائيل تتحدث عن تعزيز التنسيق مع روسيا لشن هجمات جديدة في سوريا، أورينت نيوز، 21/9/2018. الرابط
[27] ( Seth j Frantazman, Despite Syria, Israel –Russian relations are the warmest in history, Foreign Affairs,March 25,2017, p.35-38
[28] -Maya Shwayder, New UN report reveals collaboration between Israel and Syrian rebels, The Jerusalem Post, December 7, .4102
[29] محمد السعيد إدريس،” خيارات إسرائيل الجديدة بعد اتفاق إيران النووي“، إيران أخيراً.. دولة نووية سلمية، مجلة معلومات، دار السفير، بيروت، العدد 142، سبتمبر2015 ، ص48 .
[31] مهند الحوراني، “الموك” غرفة العمليات الدولية المشتركة التي تقدم الدعم للمعارضة المسلحة المعتدلة، القدس العربي، 27/10/2014. الرابط
[33] موسكو تعلن عن مباحثات بين بوتين وترامب بخصوص سوريا وتعلق على تسريبات حول المنطقة الجنوبية، السورية، تاريخ النشر: 29/6/2018. الرابط
[36] علي الأمين، حين تفرض إسرائيل نهاية مهمة ميليشيات إيران في سوريا، أورينت نيوز، 26/6/2018. الرابط
[39] تسلسل زمني للغارات الإسرائيلية على سوريا، مرجع سبق ذكره الهجمات الجوية على سوريا، بي بي سي عربي، 24/7/2019. الرابط هجوم اللاذقية.. صمت إسرائيلي ونفي سوري، الجزيرة نت، 14/7/2013. الرابط
[40] باسل درويش، فورين بوليس: هذه قصة برنامج إسرائيل السري لدعم فصائل سورية، عربي 21، 7/9/2018. الرابط
[41] Amos Harel, To Push Iran Back, Israel Ramps Up Support for Syrian Rebels, Arming 7 Different Groups, 21/2/2018. Link
[43] Richard Spencer, Gregg Carlstrom, Israel Arms Golan Heights Rebels in Syrian War, The Times, 1/6/2017. Link
[47] أمانى هانى عبد عطا الله ، السياسة الإسرائيلية تجاه الصراع في سوريا ، القدس : دار الجندى للنشر والتوزيع ، ط1 ، 2016 ، ص27 .
"الآراء الواردة في المواد المنشورة في موقع معهد العالم للدراسات تُعبِّرُ عن رأي أصحابها، ولا تُعبِّرُ بالضرورة عن آراء المعهد والقائمين عليه"