فشل الحوكمة وصعود الطائفيّة في الشرق الأوسط المعاصر

08 كانون1/ديسمبر 2017
 
ترجمة: مصطفى الفقي.

البحث في طبيعة العنف الطائفي يقتضي الاشتباك مع السياقات السياسية الأوسع نطاقاً. ولكي نقوم بذلك، يجب علينا أن ننظر في مفهوم الدولة السيادية، الذي طالما استغرق فكر المنظرين السياسيين من ابن خلدون[1] إلى جورجيو أغامبين.[2] بعد 1400 سنة* من كتابات ابن خلدون، سيؤكد أغامبن أن "لغز السياسة" يمكن الكشف عنه عند مراعاة النظر في التفاعل بين مقومات الحكم، الدين والهياكل المصممة لتنظيم الحياة، ولفهم صعود العنف الطائفي في الشرق الأوسط يجب أن نفهم "لغز السياسة" في العالم العربي.
تختزل التحليلات الفقيرة الصراع المعاصر في كونه نتيجة الاختلاف الطائفي العنيف المتأصل بطبيعته، متجاهلةً أهمية الطبقة والأيديولوجيا والجغرافيا والانقسامات الإثنية والعشائرية[3]. وبينما تجلت الطائفية نفسها في السنوات الأخيرة في العنف، إلا أنه من المهم أيضا أن نفهم أبعادها السياسية.

وللقيام بذلك، وبينما نتحدث بشكل عام، يجب أن نموضع الاختلاف الطائفي في سياقاته السياسية الأوسع، لا سيما العلاقة بين النظام والمجتمع. وتجادل هذه الورقة أنه من خلال تناول السياسة من زاوية النظر هذه، يمكننا أن نفهم الفشل (المتعمَّد) لهياكل الحكم في الدولة، بما يؤدي إلى انتفاء الاحتياجات الأساسية في أنحاء الشرق الأوسط، جنبا إلى جنب مع الاستخدام الأداتي للخطاب الديني كآلية للسيطرة لضمان بقاء النظام. في هذا السياق، يمكننا أن نحدد ثلاثة أسباب لظهور السياسة الطائفية:

1 - انتفاء الاحتياجات الأساسية الناجم عن الإخفاقات المؤسسية يجبر الناس على النزوح إلى أماكن أخرى لضمان بقائهم أحياء.
2 - تفاقم ومأسسة الاختلاف الطائفي يؤدي إلى استفحال هذه القضايا، ويرسّخ الانقسامات داخل الهياكل الرسمية وغير الرسمية.
3 - تحت هذه الظروف، برز "عرّابو الطائفية" القادرون على الاستفادة من التوترات الاجتماعية من أجل فرض أجندات طائفية.

ومن أجل فهمٍ أفضل لـ"لغز السياسة"، يجب أن ننظر في السياق الذي تحدث فيه مثل هذه التطورات. وعلينا أيضا أن نفكر في طبيعة الهياكل السياسية، الرسمية وغير الرسمية، التي تحد من القدرة على العمل. في هذا السياق تحديدا يمكننا فهم كيفية صعود العنف الطائفي. وقد حاولت الدولة العربية المعاصرة إلى حد كبير الالتفاف على مسألة الاختلاف الطائفي الذي طالما شكل تحديا خطيرا للهوية الوطنية. وفي محاولة للاشتباك مع أسباب صعود الطائفية، يمكن لبيانات مؤشرات الرأي العربي، ومؤشرات الديمقراطية العربية، وتقارير التنمية البشرية العربية أن تساعد في تتبع تطور الرأي العام العربي فيما يتعلق بالهياكل المؤسسية. وعند القيام بذلك، يمكننا أن نبين مدى فشل المؤسسات جنبا إلى جنب مع بيان كيفية موضعة الناس لأنفسهم كجزء من المشاريع السياسية الأوسع نطاقا.



الدولة العربية وتشظي الحكم

الدول مشاريع اقصائية بطبيعتها، وغالبا ما تحدد الهوية الوطنية بالإحالة إلى الفهم الضيق للعرق أو الدين. وليس بالضرورة أن يكون هذا الإقصاء عنيفا، ولكنه غالبا ما يكون بنيويا، مما يؤدي إلى ظهور عدد من المساحات المحتملة للتمييز الطائفي. وعلى الرغم من ذلك، سعت الأنظمة غالبا (إن لم يكن دائما[4]) إلى ترك مساحة من التمكين السياسي لأفراد الطوائف المختلفة، بما يضمن وجود نوع من التمثيل السياسي الطائفي. ويسعى عدد من الأنظمة التي تبدو ديمقراطية إلى تأمين مشاركة جميع فئات المجتمع في الهياكل السياسية، ولكن هذا النهج يمأسس الخلاف داخل المجتمع، ويمكن أن يؤدي أيضا إلى الجمود السياسي .[5] في معظم دول الشرق الأوسط الأخرى، فإن السياسة بالأخير هي النضال من أجل بقاء النظام، بينما يدفع الشعب – المواطنون، والمهاجرون، واللاجئون الثمن.

ولفهم صعود العنف الطائفي، يجب علينا أن ننظر في تشرذم هياكل الدولة، الذي غالبا ما يجبر الشعوب على النزوح إلى أماكن أخرى بحثا عن احتياجاتهم الأساسية.[6] وكما أوضح بدقة تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2016، فإن "أحداث العام 2011 وتداعياتها هي نتيجة للسياسات العامة المتبعة على مدى عقود عديدة والتي أدت تدريجيا إلى إقصاء قطاعات كبيرة من السكان من الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية "[7].

التشرذم وتراجع قدرة المؤسسة على ممارسة استقلاليتها يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل، منها الصراع، والتغير في البُنى الاجتماعية والاقتصادية، والتغير في توفير حاجات المجتمع، وتغير العقد الاجتماعي. ويمكن لهذه التقلبات أن تُحدث تأثيرا جذريا ليس فقط على قدرة النظام، ولكن أيضا على التصورات المجتمعية والمشاركة في المؤسسات. وقد أسفرت الحرب في سوريا عن مقتل حوالي 500 ألف شخصا ونزوح 11 مليونا آخرين سواء داخل البلد أو خارجها. وفي لبنان، يوجد لاجئ من بين كل خمسة أفراد. وفي اليمن، مات 10 آلاف شخصا، ويقدَّر وجود 22.2 مليون شخصا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، بينما يبلغ هذا الرقم في العراق حوالي 10 ملايين. الفشل في التصدي لهذه التحديات على نحو ملائم يضعف شرعية النظام، مما يدفع الناس إلى الاصطفاف بجوار جماعات أخرى تبدو أكثر استعدادا للاستجابة لهذه الديناميات المتغيرة.

كما شهدت المنطقة أيضا تغيرا ديمغرافيا متسارعا فرض ضغوطا كبيرة على الأنظمة في جميع أنحاء المنطقة. فمع زيادة عدد السكان بنسبة 53٪ بين عامي 1991 و2010 [8]، لم تكن الأنظمة قادرة إلى حد كبير على توفير فرص العمل في القطاع العام، بينما كانت تكافح أيضا من أجل خلق قطاعات خاصة فعّالة. وتشير معدلات النمو المتنبأ بها إلى أنه بحلول العام 2020، يقدّر أن يكون هناك أكثر من 350 مليون نسمة يعيشون في البلدان "المعرَّضة للنزاع"، وهو عدد يُتوقع أن يتضاعف بحلول العام 2050. وتتفاقم هذه الظروف البنيوية المعقّدة بسبب النمو المتزايد للطبقة الوسطى الصاعدة[9]، مشكّلةُ ضغوطا ملحة على الدولة. في المملكة العربية السعودية، توظف الدولة 37٪ من القوى العاملة، في حين تصل هذه النسبة في العراق إلى 29٪. كما يوجد مستوى متدن من دعم المؤسسات الرسمية وانعدام ثقة على نطاق واسع في الهيئات التشريعية، لا سيما قدرتها على مسائلة السلطة التنفيذية، وحماية الحريات، والمساواة بين جميع الفئات المجتمعية. وبحلول العام 2015، رأى 25% فقط أن سيادة القانون تطبّق على نطاق عالمي. انطلاقا من كل هذه العوامل، كان لدى أكثر من 50% من الناس نظرة سلبية للوضع السياسي ولظروفهم الاقتصادية[10]. كان لمثل هذه العوامل تداعيات خطيرة على الثقة في البُنى السياسية.

في العام 2011، كان 41٪ من سكان المنطقة يعيشون "في فاقة" و 53٪ من الناس بحاجة إلى مساعدة مالية من جهات غير حكومية[11] (مثل الأسرة والأصدقاء وغيرهم) كشبكات غير رسمية لعبت دورا متزايد الأهمية. ومرةً أخرى في ذات العام، كان 41٪ من السكان بحاجة إلى دعم مالي إضافي، ورغم انخفاض هذه النسبة إلى 29٪ بحلول العام 2015، ظلت الحاجة إلى تلقي دعم غير رسميّ قائمة. إبّان ذلك، كان لدى 56٪ من الناس وجهة نظر سلبية للغاية في اقتصادهم الوطني. وقد زادت وجهات النظر السلبية بسبب استشراء الفساد، الذي يقدَّر بنحو تريليون دولار أمريكي في الخمسين عاما الماضية[12]. وعززت الظروف الاقتصادية المتدهورة مطالب أولئك الذين اعترضوا على الوضع الراهن حينئذ، وعرضوا تقديم حمايتهم للطوائف المهمشة.

ضبط الحياة هو وسيلة لممارسة الرقابة على السكان، إلا أن الحوكمة والهياكل القانونية تبيّن نمطا آخر للإقصاء، لا سيما فيما يتعلق بتطبيق قانون الطوارئ في أنحاء المنطقة. ورغم كونها مُعَدّة ظاهريا للسماح للسلطات التنفيذية بالاستجابة السريعة في أوقات الأزمات، إلا أن قوانين الطوارئ مكّنت النخب الحاكمة من سَنّ تشريعات ظالمة، كثيرا ما تقيّد الحريّات بحجة "الأمن" وتحد من القدرة على مباشرة الحراك السياسي. كما يمكن أن تساهم هذه القوانين أيضا في إذكاء الشعور بالتهميش والتمييز، وعلى الرغم من كونها مُعَدّة لحالات الاستثناء، إلا أنّ هذا الاستثناء صار القاعدة في كثير من الأحيان[13]. وفي مصر، ظلّ قانون الطوارئ رقم 162 لعام 1958 معمولا به حتى نهاية نظام مبارك. وبحلول العام 2011 ، طالبت الحشود من ميدان التحرير بإلغاء القانون رقم 162، على الرغم من أنّ نظام السيسي أعاد تثبيت القانون مرة أخرى. وعلاوة على ذلك، غالبا ما تُطبق الحوكمة والهياكل القانونية على الطوائف المحلية وليس على الأفراد، بما يرسّخ الهويات الجماعيّة ويكرّس حالة الاختلاف داخل الدول.

في هذا السياق من الإقصاء من هياكل الدولة، يمكن للهوية والفاعلين الدينيين أن يلعبا دورا بارزا. وعلى الرغم من أنّ عددا متزايدا من الشباب يتبنون الفصل بين الدين والسياسة[14]، إلا أنّ وجود جماعات طائفية قادرة على توفير حالة من اليقين وسط الفوضى القائمة عادةً ما يُنظر إليها إيجابيا، خاصة عندما تتعرض الطوائف للاضطهاد. لا توجد "مسارات" محددة للتطرف أو استخدام العنف بوجه عام، ولكن وجود مثل هذه الظروف -لا سيما عندما يكون هناك تمييز جوهري رسمي وغير رسمي على أساس الدين أو العرق أو اللغة أو الانتماء العرقي أو الجندري- يخلق حالة من الضعف تسهّل من رواج الحركات السياسية الطائفية.


صعود العنف الطائفي


نتيجةً للضغوط الداخلية، لم تكن هياكل الدولة قادرة على الاستجابة بشكل كافٍ لاحتياجات سكانها، مما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات، وزيادة العنف الطائفي في بعض الأحيان. كما أن العوامل الخارجية سيكون لها أيضا عواقب مماثلة. في العراق وليبيا، أدى التدخل العسكري الغربي إلى إسقاط الأنظمة القائمة هناك، محدثا بعد ذلك فراغا في السلطة.

وفي عراق ما بعد الغزو، سعى القراران رقم 1 و 2 اللذين أصدرتهما سلطة الائتلاف المؤقتة إلى محو جميع آثار حزب البعث، وأصبح مئات الآلاف من السنّة عاطلون عن العمل، بما في ذلك 300000 عنصرا من عناصر الجيش وحوالي 30000 إداريا.[15] في ليبيا، على الرغم من الإطاحة بنظام القذافي، إلا أنّ إرث الدولة العميقة ظل قائما، جنبا إلى جنب مع "ضعف، وأحيانا غياب، مؤسسات الدولة"، بما أدى إلى تصعيب المرحلة الانتقالية. وأدت هذه الأوضاع المفصلية أيضا إلى خلق عدد من الميليشيات المسلحة التي تتنافس على الوصول إلى السلطة وتحاول توفير الأمن للطوائف المحلية.[16]
في خضم الاحتجاجات واسعة النطاق التي سادت المنطقة، أصبح استخدام السرديات الطائفية الرئيسية وسيلة بارزة على نحو متزايد تسعى الأنظمة من خلالها إلى تأمين بقائها، مما أدى إلى تفاقم الاختلاف الطائفي. كان هذا هو الحال بشكل خاص في سوريا، حيث كانت رحى الحرب الأهلية تدور على نحو متزايد، ليس حصريا[17]، على أسس طائفية[18].

يسود اليمن ظروف مماثلة أيضا، إلى جانب وجود مخاوف حقيقية بشأن إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية في ظل تدمير البنية التحتية للدولة.[19] تفاقم هذا الوضع بسبب التدخل الخارجي في النزاع، بما أدى إلى وجود ادعاءات بانتهاكات حقوق الإنسان من قبل التحالف الذي تقوده السعودية[20]. وفي البحرين، تم اختلاق السرديات الطائفية الكبيرة كوسيلة لإحداث انقسامات داخل صفوف المعارضة والمجتمع عموما، من خلال تأطير الأحداث كنتيجة للمؤامرة الإيرانية[21]. وقد برزت التوترات الطائفية منذ فترة طويلة في الاضطرابات الداخلية في جميع أنحاء الجزيرة، وأدت انتفاضات 2011 إلى تصعيد هذه التوترات. وما أصبح سمةً بارزة للصراع في سوريا واليمن والبحرين والعراق هو المدى الذي حرَّكت فيه التدخلات الخارجية والأجندات الجيوسياسية[22] النزاعات، مما يعكس توازنات القوى في المنطقة، ومدى التلاعب بالهويات لتحقيق أهداف سياسية.[23]
وقد شكلت التغيرات البنيوية الناجمة عن التشرذم والاختراق الخارجي طبيعة الهياكل السياسية والقانونية والمؤسسية والمعيارية، كون العوامل الداخلية تتأثر بالجهات الفاعلة الخارجية. في العراق، على سبيل المثال، أصبحت الشرطة مُسيطَر عليها ليس من قبل وزارة الداخلية فحسب، ولكن من قبل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي/منظمة بدر[24] خاصة في كربلاء والديوانية والناصرية[25]. علاوة على ذلك، أدى استلاب البنية التحتية للدولة في العراق بعد الغزو إلى فقدان الكثير من السنّة لوظائفهم في ظل الزيادة الفوضوية لاستهدافهم من جانب الميليشيات الشيعية[26]. ويبدو أن هذا العنف المستهدِف للسنَة قد حدث إما بمأمن من الإفلات من العقاب أو بتواطؤ من بغداد[27]. في هذا المناخ من الخوف، ومع عدم تلبية الاحتياجات الأساسية، انضم عددٌ من السنّة من محافظة الأنبار إلى جماعات مثل داعش في محاولة لحمايتهم من كلٍ من حكومة بغداد والميليشيات التي استهدفتهم في جميع أنحاء الدولة[28]. وفي أوائل العام 2017، تم دمج الجماعات التي كانت تقاتل تحت راية قوات الحشد الشعبي في هياكل الدولة الرسمية، وفي الجيش[29].

حلّت أوضاع مماثلة بليبيا بعد رحيل القذافي، حيث عانت حكومة الوفاق الوطني من أجل ضمان تلبية الحاجات الأساسية في ظل مجموعة من التحديات الخطيرة[30]. وفي سياق مجابهة التطرف الإسلامي العنيف، قامت جماعات مثل الجيش الوطني الليبي -بقيادة اللواء خليفة حفتر[31]- بدعم تشظي النسيج المجتمعي، مما أدى إلى تشريد الآلاف وتمكين قوى الإقصاء العشائرية و"السلفية المتطرفة"[32]. ومع وجود ثلاث "حكومات" متحالفة مع طيف واسع من الجماعات العشائرية والدينية، صار المشهد السياسي في جميع أنحاء الدولة قاتما، والظروف التي يواجهها الناس أصبحت أليمة، وسط تقارير تتحدث عن "أسواق للرقيق" وسجون خاصة[33]. يعمّق تشظي الدولة من انفصام المجتمع ويؤدي إلى تعزيز الروابط الطائفية.

توصيات للاتحاد الأوروبي


يجب ألا ننسى أنه على الرغم من أن الهويات الطائفية لها أصل متجذّر في الاختلافات التيولوجية، إلا أنها تتطور من خلال القدرة على توظيفها لصالح أهداف سياسية. وفي سياق الدولة المتشظية التي تتضاءل قدرتها على تلبيات الحاجات الأساسية، تتآكل هياكل السلطة الرسمية. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، هناك عدد من المساحات ينبغي التعاطي معها. في حين يُنظر إلى الدولة على أنها توفر الحماية الأمنية للناس، إلا أن التحدي في العالم العربي في كثير من الأحيان يكمن في عمليات "الأمننة" كتكنيك أساسي للحكومة. والتراجع الذي يصاحب ذلك إلى الهويات المجتمعية أمر مُشكل يوجّه الحقوق إلى طوائف المجتمع بدلا من أفراده.

لا يوجد نهج "ملائم للجميع" من أجل محو التهديد الذي يشكله التطرف أو منع ظهور العنف الطائفي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، هناك عدد من الاستراتيجيات التي ينبغي أن تستخدمها الأنظمة في أنحاء المنطقة وبدعم من الاتحاد الأوروبي:
  1. 1. الدعوة إلى تسوية الصراعات سياسيا وإعادة بناء الهياكل الأساسية اللازمة لإنهاء المعاناة الإنسانية.
  2. 2. دعم سيادة القانون والحكم الرشيد الذي يحافظ على كلٍ من المجتمع المدني والفضاء السياسي.
  3. 3. دعم الجهود الرامية إلى استئصال الفساد.
  4. 4. التركيز على الحقوق الفردية بدلا عن حقوق الطائفة.
  5. 5. إدراك مدى تأثير العوامل الخارجية على الديناميات المحلية وما يترتب عليها من تداعيات على الأجندات الطائفية.
عند اتباع هذه المقترحات، ينبغي للأنظمة أن تبتعد عن تطوير شبكات المحسوبية على أسس طائفية أو غيرها، والتأكد من تطبيق سيادة القانون والحقوق. ومن شأن حماية الحقوق الفردية وضمان تلبية الاحتياجات الأساسية أن يسهلا من زيادة المشاركة السياسية. وعلى الرغم من أن هذا لن يمنع عرّابي الطائفية أو الأيديولوجيين الذين يعارضون الانخراط مع الطوائف والجماعات الأخرى من محاولة تنظيم أوضاعهم مرة أخرى، إلا أنه قد يجرّف الأرض الخصبة التي تساعد على نمو الميول الطائفية.



تعليق ختامي وتوصيات

توبي ماثيسن

أوضحت ورشة العمل والمساهمات المنشورة في هذه الورقة أنّه في حين أنَّ المثيرات التاريخية، والسرديات التي يتبنّاها "عرّابو الهوية الطائفية" تلقى صدىً كبيرا عند كثير من الناس، فقط في سياق فشل الأيديولوجيات الأخرى، ومؤسسات الدولة، فضلا عن عمليات الأمننة التي تتم من خلال التطييف والمنافسات الجيوسياسية التي تتم على أسس طائفية، تسلك الطائفية المنحنى الخطير الذي وصلت إليه اليوم.[34] وإذا ما أردنا تطوير استجابات سياسية أكثر فعالية، يجب فهم هذه الأسباب الجذرية جيدا.

إحدى مفارقات السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط هي أن العديد من حلفاء الغرب على المدى الطويل هم بالفعل محركو النزاع الطائفي. وللأسف، فإن المصالح الوطنية المتصوَّرة، مثل صادرات الأسلحة، والتدفقات المالية، والتحالفات الدبلوماسية أو العسكرية لبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة وآخرين، جعلت من الصعب إقناع الحكومات بتبنّي استراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل لمجابهة الجذور المسببة للطائفية، وإعاقة الدول الراعية عن استخدام الطائفية كاستراتيجية حاكمة أو كأداة للسياسة الخارجية. وهذه معضلة خطيرة الآن خاصة بالنسبة إلى أوروبا التي تواجه تداعيات الصراع في سوريا، وبالنسبة إلى الدول المجاورة أكثر من أي مكان آخر في العالم، سيما الولايات المتحدة. وقد أثر التدفق الكبير للمهاجرين القادمين من مناطق العالم المضطربة جراء الصراع السني-الشيعي على المجتمعات الموجودة مسبقا من هذه البلدان وغيرها من البلدان في أوروبا. فقد أدت الصراعات الطائفية الحاصلة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وخاصة في العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان، إلى استقطاب طائفي بين المسلمين في أوروبا، وهي مشكلة أثيرت في جلسة الأسئلة والأجوبة الخاصة بالورشة. على وجه الخصوص منذ العام 2011، ومع تدهور الوضع في العراق وسوريا، ظهرت صراعات أحيانا بين الجماعات السنية والشيعية في أوروبا. وبالتالي، فإن الوضع في الشرق الأوسط له تأثير مباشر على أوروبا.[35]
ولذلك، فإن الإتحاد الأوروبي مضطر إلى محاولة تطوير سياسات مستدامة تتعاطى مع الوضع في الشرق الأوسط. وهو أمر ذو أهمية خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي، بالنظر إلى كون الإتحاد الأوروبي أحد متصدري المفاوضات النووية مع إيران، وفي الوقت نفسه يستمر في التحالفات طويلة الأمد مع دول الخليج. وبما أن دول الخليج وإيران هما المحركان الرئيسيان للنزاع الطائفي، فإن هذه المسألة تستحق اهتماما أكبر. وبالنظر إلى أن المملكة المتحدة كانت أحد الحلفاء الرئيسيين لدول الخليج في الإتحاد الأوروبي (بالإضافة إلى فرنسا)، فإن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي قد يشكل في الواقع إمكانية أكثر استقلالية لموقف الإتحاد الأوروبي إزاء الصراعات في الشرق الأوسط. وينطبق ذلك أيضا على الصراعات القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي.

بعض التوصيات التي يحث الخبراء الحكومات و/أو الاتحاد الأوروبي على تبنيها:

  • تشجيع الحوار المباشر والبنّاء بين المملكة العربية السعودية وإيران. وقد يكون ذلك ممكنا من خلال دعم المبادرات الدبلوماسية التي تجمع بين مشاركين من البلدين لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل الإقتصاد، وبعض القضايا الإقليمية، أو القضايا البيئية.[36] وفي حين تبنّت بعض الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي الفكرة[37]، فإن البيئة السياسية الراهنة في الشرق الأوسط والاستقطاب الحاضر على الصعيد العالمي يشكلان عقبات كبرى أمام هذه المبادرات.
  • في سياق هذا التقرير، ينبغي لمثل هذه المبادرات الحوارية أن تشجع الطرفين في نهاية المطاف على وقف استخدام ورعاية خطاب الكراهية الطائفية والحركات السياسية والوكلاء المسلحين في بلدان مثل العراق وسوريا. كما ينبغي أن يكون إغلاق القنوات التلفزيونية الطائفية وتجريم خطاب الكراهية الطائفي أمور ذات أولوية.[38]
  • التأكيد على سيادة القانون، والقضاء على الفساد، والتركيز على الحقوق الفردية بدلا عن الحقوق الجماعية أو الطائفية. وقد أدى النهج الذي نظر إلى الشرق الأوسط على أنه يتكون من طوائف محلية وأقليات، وسعى إلى تكريس النظم السياسية القائمة على الحقوق الطائفية خلال الحقبة الكولونيالية (ومرة أخرى في العراق بعد الغزو) إلى مأسسة الخلاف الطائفي بدلا من المساعدة في التغلب عليه.
  • التركيز على إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية عبر القنوات الشرعية.
  • دعم إصلاح القطاع الأمني في العراق، بما في ذلك تنظيم قوات الحشد الشعبي والقوات العشائرية السنّية، وإدماجهم كأفراد وليس كمجموعات أو ميليشيات في جهاز الدولة.
  • الإعداد من أجل لجان/أنشطة تقصي الحقائق والمصالحة في سوريا.
  • دعم اللاجئين السوريين وغيرهم، سواء في أوروبا أو في المنطقة، خاصة في الدول المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا، من أجل منع التطرف وزيادة ترسيخ الكراهية الطائفية بين جيل جديد من السوريين.
  • لا تزال الأزمة السورية تشكّل أخطر ساحة للعنف الطائفي، وحاضنة الكراهية الطائفية في المنطقة. ورغم صعوبة ذلك، فإن "حل" الأزمة السورية يجب أن يكون أولوية. وبالنسبة إلى تأثير العنف الطائفي المنتشر في سوريا على دول الشرق الأوسط، ستتضرر آسيا الوسطى وجنوب آسيا لفترة طويلة قادمة. فبعد انتهاء الأزمة السورية، قد يعود هؤلاء المقاتلون إلى بلادهم ويزعزعوا استقرارها.

قراءات موصى بها
:

  • Gregory Gause III., ‘Beyond Sectarianism: The New Middle East Cold War’, Brookings Doha Center Analysis Paper, July 22, 2014.
  • Fanar Haddad, Sectarianism in Iraq: Antagonistic Visions of Unity (London: Hurst, 2011)
  • Nader Hashemi and Danny Postel (eds.), Sectarianization: Mapping the New Politics of the Middle East (London: Hurst & Co, 2017)
  • Brigitte Maréchal and Sami Zemni (eds.), The Dynamics of Sunni-Shia Relationships: Doctrine, Transnationalism, Intellectuals and the Media (London: Hurst, 2013)
  • Toby Matthiesen, Sectarian Gulf: Bahrain, Saudi Arabia, and the Arab Spring that Wasn’t (Stanford: Stanford University Press, 2013)
  • Lawrence G. Potter (ed.), Sectarian Politics in the Persian Gulf (London: Hurst, 2013)
*كذا في النسخة الإنجليزية. بينما ولد ابن خلدون في العام 1332م، وأغامبين في العام 1942م.
[1] Ibn Khaldun, The Muqaddimah: Book One of the Kitab al-'Ibar An Introduction to History (Princeton: Princeton University Press 2005).
[2] (Giorgio Agamben, The Kingdom and the Glory (Stanford: Stanford University Press, 2011
[3] (Christopher Phillips, ‘Sectarianism and conflict in Syria’, Third World Quarterly Vol 36:2 (2015
[4] خاصةً حالة الشيعة في المملكة العربية السعودية.
[5] الحالة اللبنانية مثال بارز هنا.
[6] انظر:
.(Simon Mabon, ‘Sovereignty, bare life and the Arab Uprisings’, Third World Quarterly (2017
[7] United Nations, Arab Human Development Report 2016: Youth and the Prospects for Human Development in a Changing Reality (New York, 2016), p. 17
[9] كانت نسب هذه الطبقة في سوريا 56.5% وفي مصر 55% وكانت في اليمن بنسبة 31.6 %، راجع:
United Nations, Arab Middle Class: Measurement and role in driving change (2014).
[10] انظر:
Arab Center for Research & Policy Studies, Arab Opinion Index, (Doha Institute, 2014) and Arab Center for Research & Policy Studies, Arab Opinion Index, (Doha Institute, 2015).
[11] راجع: Arab Opinion Index 2015, p. 1
[12] United Nations, 2016 Op. Cit., p. 19.
[13] خاصة في مصر، وسوريا، وليبيا مؤخرا.
[14] في عام 2011، تراوحت استجابات 43٪ على عبارة "سيكون من الأفضل لبلدي إذا ما انفصل الدين عن السياسة" بين موافق وموافق بشدّة، وفي عام 2015 ارتفعت هذه النسبة إلى 52٪. انظر مؤشر الرأي العربي 3025، ص 23.
[15] Charles Tripp, A History of Iraq (Cambridge: Cambridge University Press, 2007), p. 282.
[17] على المرء أن يكون حذرا في تعامله مع مثل هذه الادعاءات، بسبب تعقّد الأحداث على أرض الواقع، حيث دعمت الأسر السنية الموسرة والأكراد السنة والتركمان جميعا نظام الأسد لأسباب مختلفة. وعلاوة على ذلك، يتبوأ السنةعددا من المناصب العسكرية المرموقة. ما هو واضح هو أن نظام البعث قد وظف سرديات مختلفة لضمان بقائه.
[18] انظر:
The Day After, Syrian opinions and attitudes towards Sectarianism in Syria –Survey Study (22.02.16).).
[19] In Yemen, access to water can be a daily struggle (International Committee of the Red Cross, 08.09.16).
[21] انظر: توبي ماثيسن، الخليج الطائفي: البحرين، المملكة العربية السعودية، والربيع العربي الذي لم يحدث (ستانفورد: مطبعة جامعة ستانفورد، 2013).
[22] Simon Mabon, Saudi Arabia and Iran: Soft Power Rivalry in the Middle East (London: I.B. Tauris, 2013).
[23] المرجع السابق، سواء كانت هذه الهويات دينية أو عشائرية أو عرقية.
[24] حزب سياسي عراقي.
[25] البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي نشرها ويكيليكس:
January 27 2008, 08BAGHDAD239_a
[26] Simon Mabon and Stephen Royle, The Origins of ISIS: The Collapse of Nations and Revolution in the Middle East (London: I.B. Tauris, 2017).
[27] المصدر السابق. الصفحات 53-75.
[28] المصدر السابق. الصفحات 53-75 و 99-129
[30] Frederic Wehrey and Wolfram Lacher, Libya After ISIS: How Trump Can Prevent the Next War (Foreign Affairs, 22.02.17).
[31] بدعم خارجي من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا.
[32] Wehrey and Lacher, Op. Cit.
[33] Emma Graham-Harrison, Migrants from west Africa being ‘sold in Libyan slave markets’ (The Guardian, 10.04.17).
[34] للمزيد حول مفهوم عرّاب الهويّة الطائفية انظر:
Toby Matthiesen, "Sectarian Identity Entrepreneurs", Maydan, November 17, 2016.
[35] وأصبحت مشكلة خاصة في المملكة المتحدة وكذلك في الدول الاسكندنافية. انظر:
  • Elgot, "Shia and Sunni tensions in Syria threaten to split British Muslim community", The Huffington Post, 2013; Marius Linge, "Sunnite-Shiite Polemics in Norway" FLEKS-Scandinavian Journal of Intercultural Theory and Practice 3.1 (2011).
[36] عُقدت مثل هذه اللقاءات بالفعل في مدن أوروبية مختلفة وتم تنظيمها بواسطة معهد EastWest. للاطلاع على مزيد من المعلومات والتقارير متاحة هنا:
[37] Bundestag: Saudi Arabia/Iran
[38] الكويت واحدة من الدول القليلة التي تجرم خطاب الكراهية الطائفي إلى حد ما. وفي حين يعتبر ذلك تطورا إيجابيا من حيث المبدأ، إلا أنه يقترن ويتزامن مع فرض القيود الشديدة على حرية التعبير، وبعض الناس الذين حكم عليهم بالسجن تحديدا بسبب تغريدات على موقع تويتر، حكم عليهم بسبب انتقادهم للأمير ولجماعة دينية معينة على حد سواء. انظر، على سبيل المثال، هيومن رايتس ووتش: "اتجاه مقلق في الكويت: عقوبة الإساءة إلى الأمير على تويتر" (16 يوليو 2013).

مصطفى الفقي
كاتب ومترجم مصري.
سيمون مابون

محاضر في العلاقات الدولية في جامعة لانكستر ومدير معهد ريتشاردسون وباحث مشارك في مركز السياسات الخارجية. وهو مؤلف كتاب "المملكة العربية السعودية وإيران: صراع القوى الناعمة في الشرق الأوسط، وشارك في كتابة "حزب الله: من المقاومة الإسلامية إلى الحكومة" و "أصول تنظيم الدولة الإسلامية" و"السياسة الخارجية البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية"، وشارك في تحرير كتاب الإرهاب والعنف السياسي. وينشر على نطاق واسع في مجال تشظي علاقات النظام-المجتمع ويشارك في التعليق في وسائل الإعلام على الشؤون الدولية.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.