مقارعة العلمانوية: العلمانوية والإسلام في أعمال طلال أسد

23 كانون1/ديسمبر 2017
 
ترجمة: طارق عثمان

ملخص

يتناول هذا البحث أعمال البروفيسور طلال أسد الأنثروبولوجية بالغة الأثر حول الإسلام والعلمانوية والعلماني. وأحاجج عن أن ثنائية "غربي-غير غربي" والتي هي ثنائية تأسيسية بالنسبة لأسد، والغياب النسبي للإثنوجرافيا في أعماله، والطبيعة المتمركزة حول الدولة لمقاربته للعلمانوية والعلماني، كل ذلك قد أدى إلى مأزق أنثروبولوجي، حيث غدت مفهمة اشتباك المسلمين الذين يعيشون في سياقات "غربية" علمانية وليبرالية مع العلماني أمرا عسيرا.
وأدافع، في المقابل، عن المفاهيم والتنظيرات المطروحة في أعمال أكاديمية وليدة، تتجاوز بعض هذه الثنائيات، وبالخصوص أعمال مارسدين وسوارس وأوتايك. وأحاجج، أيضا، عن نجاعة فحص العلماني ودراسته بوصفه ممارسة عاميّة.

العنوان الأصلي للبحث
*Bangstad, Sindre (2009). Contesting secularism/s: secularism and Islam in the work of Talal Asad. Anthropological theory. Vol. 9 (2): 188-208.

1- مقدمة

ازدهرت في السنوات الأخيرة، في حقول علمية شتى، أدبيات تأخذ على عاتقها سبر الجذور التاريخية والفلسفية والأنثروبولوجية للعلمانويات،[1] في كل من السياقات الأوروبية وغير الأوروبية.[2] وفيما يتعلق بحقل الأنثروبولوجيا، فليس ثمة أحد ممن كتبوا عن العلمانويات أشد تأثيرا من طلال أسد. فمساهماته الخلاقة في هذا المجال المطروحة في عدد من المقالات والكتب[3] قد كان لها أعمق الأثر على الكيفية التي يُمفهم[4] بها الأنثروبولجيون المعاصرون العلمانويات[5] في مستوى النظرية والممارسة. ومن آيات ذلك أنه قد غدا مألوفا في الدراسات الأنثروبولوجية المعاصرة أن يتم اعتبار الديني والعلماني بوصفهما مُضمّنين كل منهما في الآخر، وأن يتم التوكيد على أن العلمانوية تتعلق بالممارسات المُجسّدة بقدر ما تتعلق بالمذاهب السياسية، وأن يتم التوكيد على الطبيعة الإشكالية لذلك الطموح في الكونيّة المتأصل في أشكال العلمانويات الحديثة. وأن تُكتب مجلدات للحديث عن أثر أعمال أسد على هذا التخصص الأكاديمي. فلو أن الإقتباس من إدوارد سعيد قد غدا، كما يقول فاريسكو (2007: 9)، بمثابة بسملة[6] تُفتتح بها النصوص التي تدور حول الخطاب الكولونيالي، فإن الشيء نفسه يمكن أن يُقال عن أسد فيما يتعلق بالنصوص التي تدور حول العلمانوية أو حول أنثروبولوجيا الإسلام. هذا، وليس الأنثروبولوجيون وحدهم الذين صرفوا عنايتهم لأفكار أسد حول العلمانوية، فالإحالات على أسد تكثر في أعمال المؤرخين ومتخصصي الدراسات الدينية والفلاسفة وهلمّ جرّا. يُشكّل هذا البحث جزءًا من اشتباك شخصي، لا يزال جاريا، مع مجمل نتاج أسد. وقد كُتب إقرارا بالأهمية الهائلة للأسئلة التي يثيرها أسد حول الأشكال الحديثة للعلمانوية. ولا يُقصد منه أن يكون نقدا بقدر ما يُقصد منه أن يكون محاولة للتفكير في بعض الأشياء المسكوت عنها وبعض التضاربات في أعمال أسد حول العلمانوية، وذلك في سبيل المساهمة في النقاش الجاري داخل الدوائر الأنثروبولوجية حول دراسة العلمانوية. ويقينا، ثمة رهانات شخصية وسياسية عديدة قد استثمرت في النقاشات الدائرة حول العلمانوية في الأكاديميا المعاصرة (Bakhle, 2008: 256). ولكن بالرغم من ذلك، سوف أقاوم "إغراء أن يرى المرء أنه ملزم إما بـ"الدفاع عن العلمانوية" أو بـ"الهجوم على الدين المدني" (Asad, 2006b: 526). ولن أتورط في إصدار "تصريحات معممة حول العلمانوية بطريقة أو بأخرى" (Bakhle, 2008: 258). فباكّالي تذكرنا، مثلا، بأن نقاد العلمانوية لا يوجدون فقط بين أنصار اليسار وإنما موجودون، أيضا، وبكثرة، بين أنصار اليمين ]وليس بين اليساريين فقط كما يمكن للتصريح المعمم الدارج أن يقول[.[7]

وما أحاجج عنه هو أن بعض الأشياء المسكوت عنها وبعض التضاربات في أعمال أسد حول العلمانوية ترجع إلى المكانة التي تحظى بها ثنائية غير غربي –غربي في مجمل هذه الأعمال، وإلى غياب الإثنوجرافيا عنها. وأحاجج أيضا عن أن الطريق المسدود الذي وصلت إليه الدراسات الأنثروبولوجية الراهنة حول العلمانوية في السياقات الأوروبية يرجع بالتحديد إلى الصعوبات التي تعترض تجاوز هذه الثنائيات الأنطولوجية والإبستيمولوجية، وإلى غياب الدراسات الإثنوجرافية التي تصف بالتحديد الطرق التي تُعرّف بها العلمانويات وتُتبنى وتُعارَض من قِبل الفاعلين محل دراساتنا الأنثروبولوجية.



2- ما هي العلمانوية وما هو العلماني؟

"ليس للعلماني، من وجهه نظري، أصل واحد ولا هوية تاريخية ثابتة، ولكنه، بالرغم من ذلك، يتعامل مع سلسلة من متقابلات معينة"، يلاحظ أسد في تشكلات العلماني: المسيحية والإسلام والحداثة (2003: 25). "وليس "الديني" و"العلماني" مقولتين ثابتتين على نحو جوهري" يتابع أسد قائلا (ص 25). جنيالوجيا العلمانوية التي يطرحها أسد في هذا الكتاب وفي أعمال لاحقة تقليدية ومألوفة تماما في العديد من جوانبها. كالقول بأن "العلمانوية بوصفها مذهب سياسي قد بزغت في الغرب" (ص 1). فبالرغم من أنه قد تكون للعلمانوية "أصول عدّة"، إلا أنه بالنسبة لأسد، كما بالنسبة للفيلسوف تشارلز تايلور (1999)، القصة الأكثر "نفعا" للعلمانوية تبدأ بحروب القرن السادس عشر الدينية (Asad, 2006b: 497)، والتي على إثرها تبنى العالم المسيحي "مبدأ Cuius regio, eius religio" ]"الناس على دين ملوكهم"[،[8] كمحاولة لحل المشكلات السياسية للمجتمع المسيحي الغربي في صدر الحداثة (Asad, 2003: 2).[9] جنيالوجيا العلمانوية هذه، التى ترى العالم المسيحي بوصفه سلف ممهد للأشكال الحديثة للعلمانوية قد غدت أكثر شيوعا ومألوفية في السنين التي تلت نشر كتاب أسد. فكتاب تايلور الخلاّق عصر علماني (2007)، على سبيل المثال، قد استوفى الحديث عن دور التبني المسيحي للعلمانوية وإبرام الصلح معها في تطور العلمانوية، وفي المقابل أهمل إلى حد بعيد أهمية النزاع الداخلي حول مكانة العلماني ضمن المسيحية الأوروبية، وعتّم على الدور الذي لعبه المفكرين الأحرار غير – الدينين في تطورها. والحال، أن قراءة تايلور هذه للعلمانوية تدعم التقليد الذي أرساه مارسيل غوشيه (1997)، فكلاهما يعتبر المسيحية بوصفها Sine qua non ]الشرط الذي لا غنى عنه[ للعلمانوية. ومن ثمّ، فإن جهودا كجهود بلومينبيرج (1983) ولوفيث (1949) التي تسعى إلى "فصل العلمانوية عن المسيحية" (Viswanathan, 2008: 170) قد غدت الآن، وكنتيجة غير مباشرة ]لسيادة هذه الجنيالوجيا[، جهودا غير متصورة واقعيّا. يذكرنا أسد، ضرورة، بذلك عندما يقول "في العالم المسيحي الأوروبي، فقط تدريجيا وعبر نزاع مستمر رُفعت العديد من المظالم، وحلت سلطة علمانية في محل أخرى كنسية" (2008: 582)، وعندما يتساءل إذا ما "كنا نفهم أن الجذور الأيديولوجية للعلمانوية الحديثة تكمن في تربة الكونوية[10] المسيحية" (2006b: 516).

الحروب الدينية الأوروبية والإصلاح البروتستانتي والتنوير كلها أحداث تاريخية يُشار إليها عادة في الدراسات التي تتناول ظهور الأشكال الحديثة للعلمانوية. ولكن بالرغم من ذلك، يلاحظ أسد، وعلى النقيض من الافتراضات الرائجة، أن أمثلة على الفصل بين مؤسسات الحكم الدينية والعلمانية يمكن أن نجدها في العالم المسيحي القروسطي كما في الإمبراطوريات الإسلامية (Asad, 2003:1، وقارن أيضا بـAsad, 2006b: 499). ولكن الفصل بين الدين والسلطة ]وليس بين مؤسساتهما[هو لزاما، بالنسبة لأسد "معيار غربي حديث، ثمرة لتاريخ ما بعد- الإصلاح الفريد" (Asad, 1993a: 28). فوفقا لأسد، "العلماني" سابق مفهوميّا على مذهب العلمانوية (Asad, 2003: 16).[11] ويشير "العلماني" عنده إلى "تنويعة من التصورات والممارسات والحساسيات" التي تجمعت معا بمرور الوقت "لتشكل "العلماني"" (ص 16). ليس "العلماني، بالنسبة لأسد، "استمرارا للدين الذي يُفترض كونه سابقا عليه" ولا هو "مجرد قطع معه"؛ وإنما هو "مفهوم يجمع في أحشاءه سلوكيات ومعارف وحساسيات معينة موجودة في الحياة الحديثة" (ص 25). إن التغير في المفاهيم يعكس تغيرا في الممارسات (ص 25) والدين والعلماني مرتبطان على نحو وطيد فكريّا وفي طريقة ظهورهما تاريخيا (ص 22). بالنسبة لأسد، ثمة فرق واضح، إذن، بين العلماني بوصفه مقولة إبستيمولوجية والعلمانوية بوصفها مذهب سياسي (Asad, 2006a: 228).

لقد صُك مصطلح "علمانوية" على يد المفكر الحر النفعاوي جورج جاكوب هوليوك حوالي 1851. فالعلمانوية كمذهب سياسي وحوكمي قد نشأت في أوروبا القرن التاسع عشر الليبرالية، وقد استخدم هوليك وغيره من المفكرين الأحرار المصطلح بغرض تجنب الرمي بتهمة الإلحاد "في مجتمع لا يزال مسيحي على نحو كبير" (Asad, 2003: 23). وفقا لأسد، فإن العلمانوية "هي اشتراع بواسطته يُعيد توسط سياسي ما (وهو تمثيل المواطنة) تعريف ممارسات معينة ومتمايزة للذات مبنية على أساس الطبقة الاجتماعية والجندر والدين ويتعالى عليها" (Asad, 2003: 5، التشديد في الأصل).[12] وتفترض العلمانوية مسبقا تأويل بعينة للدين، تأويل مبني على الفهم المسيحي البروتستانتي للدين بوصفه إيمان فردي وغير مُجسدن[13] ]لا علاقة له بالممارسة[ (قارن بـAsad, 1993a: 45)، حالة جوانية عوضا عن ممارسة برانية، و توزيع معين للألم، تسعى العلمانوية إلى تغييره، في محاولة لكبح "التجاوزات اللاإنسانية لما تعينه على أنه "الدين"" (Asad, 2006b: 508). [14] ويختلف أسد بضراوة مع الرؤية الجمهوروية للفيلسوف الكندي تشارلز تايلور (في Taylor, 1999)، القائلة بأن العلمانوية قابلة للتطبيق في المجتمعات غير- المسيحية طالما غدت مجتمعات حديثة (Asad, 2003: 2). ويجوز وصف رؤية تايلور هذه بالجمهوروية لأنها مبنية على الاقتناع بأن المجتمع الديمقراطي الفعال يتطلب تعريفا لـ"الحياة الطيبة" معتمدا على نحو عام (قارن بـ Taylor, 1995: 181-2003 )، ويجوز وصفها بأنها حتموية لأنها تقول أن العلمانوية "لا مناص منها" بفضل كونها صادرة "عن طبيعة الدولة الحديثة" (Taylor, 1999: 38). وبالنسبة لتايلور، يمثل كل من "حياد" الدولة أي وضع نفسها على مسافة واحدة من الجميع ]متدينين بمختلف أديانهم وغير متدينين[ و"احتوائها" للجميع وتمثيلهم "جوهر" العلمانوية (ص 52). إن علمانوية مبنية على "الاجماع التقاطعي" الرولزي[15] المتفرع عن "استراتيجية الأرضية المشتركة"، "علمانوية بوصفها إتيقا مستقلة" (ص 33-36) "هي شكل العلمانوية الوحيد المتاح لنا في مجتمعات زمننا هذا التعددية" (ص 52، 53)، طبقا لتايلور. والحال، أن أسد لا يقبل بأي شيء من هذا. إن مفهمته[16] للدولة القومية الأوروبية ولعلمانويتها تختلف من البداية، على نحو ملحوظ، مع مفهمة تايلور لهما. "فالتسامح الديني قد كان" وفقا لأسد "وسيلة سياسية غرضها تقوية سلطة الدولة التي ولدت من رحم حروب القرنين السادس عشر والسابع عشر الطائفية، وليست محض هدية صادرة عن نية حسنة للدفاع عن التعددية" (Asad, 1993a: 206). فبالنسبة لأسد، وبالضد من تايلور، السمة المميزة للحاكميّة[17] الليبرالية الحديثة، والتي ترتبط بها العلمانوية "ليست هي الإكراه (القسر) ولا هي التفاوض (التراضي) وإنما هي فن الحكم الذي يتوسل بـ "الانضباط الذاتي" و"المشاركة " و"القانون" و"الاقتصاد" جاعلا منها مجرد عناصر في استراتيجية سياسية (Asad, 2003: 3، التشديد في الأصل).[18] "إن أصول الدولة الحديثة العلمانية مرتبطة بالاهتمام بتحقيق التوافق فيما بين أناس "عقلانيين"، ومن هنا خلقها لهامش إليه تقصي "الدين" (والأشكال الأخرى للمعتقدات الغامضة وغير اليقينية) وإليه سينتمي (Asad, 2004: 285). ففي المجتمعات العلمانية يُنظر إلى أساليب التعقل والحجاج العلمانية على أنها تجسيد لعقل كوني، ويُنتظر من المؤمنين أن يكونوا أكثر تساهلا بشأن معتقداتهم، أن يبدو أقل إيمانا مما هم عليه بالفعل (قارن بـAsad, 2006b: 515 ). ليست العلمانوية متعلقة، إذن، بالفصل بين المجالات الدينية والعلمانية، ولا بإرساء التسامح بقدر ما هي متعلقة بالسلطة السيادية للدولة القومية الحديثة (قارن بص 508). هنا نسمع أصداءً قوية لتأويل فوكو للـ "governmentality"[19] الحديثة. فالدولة القومية الحديثة تتطلب نمط بعينه من الذوات، ذوات قانونية، مهيأة للحياة الفردية الحديثة، ومتورطة تماما في اقتصاد السوق (Asad, 2003: 253). تتألف هوية هذه الذات من "طبقات من الانفعالات المُلقنة" (Asad, 2006b: 514).[20] إن الدولة العلمانية تصنع مواطنين علمانيين، ولا يُقصد بعلمانيين هنا، ويا للأسف، أنهم مُعادين للدين أو ملحدين بالضروة (ص 504).[21] إن العنف "مُضمن" في مفهوم الحرية[22] نفسه، مُضمن "في قلب المذهب الليبرالي"، وفي مجتمع علماني ليبرالي "يملك الفرد المتمتع باستقلالية أخلاقية الحق في اختيار نمط حياته الخاصة، وللدولة ذات السيادة أيضا الحق في استخدام العنف للدفاع عما تعينها على أنها الحياة الطيبة" (Asad, 2007: 59). إن أسد واعي تماما بميكانيزمات الإقصاء وببنى اللامساواة في الدول القومية الحديثة، ويرى أن طرح تايلور وغيره من الجمهوروين الذي يعتبر الأمة قائمة على مشاعر مشتركة[23] عوضا عن اعتبار الدولة قائمة على بنية قانونية طرحا إشكاليّا (Asad, 2006b: 495).[24] "إن دعوات "الوحدة" و"الاندماج" يُمكن أن تُرى بوصفها جزء من مشكلة التحكم المركزي للدولة" (ص 496).[25] والحال، أن أسد ليس وحده من قدم هذا النقد. إنه نقد وجيه وحقيق بالطرح، فلو كانت "وحدة" الأمة تُرى على أنها وحدة وجدانية، فلزاما أن يتم اعتبار أولئك الذين لا يشاركون هذه الرابطة الوجدانية غرباء عن الأمة (Chipkin, 2007: 210). ففي عالم "الانتمائات المتعددة" و"الحدود المسامية" المعاصر، العلمانوية بوصفها مذهب للدولة "موضوع بغرض التعامل مع مسألة وحدة الدولة" تواجه مشاكل فيما يتعلق بالإقرار بأن الناس قد يتوحدون عاطفيّا مع ضحايا في وطن آخر، تماما ويكأن معاناة هؤلاء الضحايا هي "معاناتهم الخاصة" (Asad, 2006b: 511). وبالطبع، الإسلام هو الذي قد غدا في أوروبا المعاصرة "الغريب الموجود بيننا" أو "آخر العلمانوية" (Hurd, 2008: 8). وبعبارة أخرى، بينما تمثل العلمانوية، بالنسبة لتايلور، الأثر الخيّر للإصلاحات التى جرت في العالم المسيحي اللاتيني ، تلك الإصلاحات التي يُعتبر المسيحيين والإنسانويين العلمانيين كليهما بمثابة أبناء لها (Taylor, 2007: 675)، وهي التي بوسعها أن توفر قاسما مشتركا بين المتدينين وغير المتدينين على حد السواء، تمثل العلمانوية، بالنسبة لأسد، جزءً من مشروع حديث يسعى إليه من يملكون زمام السلطة (Asad, 2003: 13)، وجزء من "الرغبة الأوروبية التاريخية في جعل العالم على صورتها الخاصة ]نسخة منها[" (Asad, 1993a: 12).[26] إن اللاتكافؤ في السلطة بين الدولة العلمانية وما تعيّنه على أنه "الدين"، هو تحديدا ما يبين، وفقا لأسد، وبوضوح عن السلطة السيادية للدولة (قارن بـ Asad, 2006b: 504-505).[27] ولقد لاحظ أسد أن "الدولة السيادية لا يمكنها (لا يمكنها أبدا) أن تستوعب كل ممارسات وعلاقات وولاءات مواطنيها" (Asad, 2003: 179). ولكن كازانوفا يزعم، بالرغم من ذلك، أن أسد يسند، وبكل سهولة، إلى الدولة سلطة تحديد النطاق الاجتماعي والسياسي الذي يمكن ضمنه وضمنه فقط للدين أن يكون له مفعول (Casanova, 2006: 21).

ولكن أسد، وبالرغم من كل ذلك، قد كان متوخيا للحذر حين أشار إلى أنه يعتبر أن العلمانوية في حاجة إلى "إعادة التشكيل، وليس المحو"،[28] وأنه يريد أن "يحافظ على فضائل العلمانوية من دون التشبث برزائلها" (Asad, 2001: 147). وبعبارة أخرى، ثمة حدود لمحاولة أسد لعدم التفكير ]في منافع[ العلمانوية والعلماني. ولكن ذلك يثير السؤال التالي: كيف يريد أسد بالتحديد أن يحافظ على فضائل العلمانوية عندما تبدو كل محاولات إيجاد مشتركات ونقاط تلاقي ممكنة بين التقاليد الإسلامية وغير الإسلامية، في أعماله، أنها تنتهي إلى التوكيد على الإختلاف الديني والهوياتي؟ (Brittain, 2005:154).

3- موقع أوروبا في أعمال أسد

معظم المادة الإمبريقية التي اعتمد عليها أسد في تحليله للعلمانوية مستقى، وباعترافه الشخصي، من التاريخ الأوروبي الغربي حصرا. فباستثناء دراسة واحدة حول "إعادة تشكيل القانون والإيتيقا في مصر الكولونيالية" منشورة ضمن تشكلات العلماني، كل مواد أسد المتعلقة بالعلمانوية والعلماني أوروبية على نحو حصري. وهو ما يجعل من انتقاد أسد لميشيل فوكو لكونه لم يصرف اهتمامه إلى "تاريخ العالم غير الغربي" وإلى "مواجهة الغرب مع هذا العالم غير المتجانس" (Asad بواسطة Mahmood, 1996: 3)، أمرا مفارقا بدرجة ما.[29] ويمكن للمرء أن يفكر في أسباب عدة لاعتماد أسد على التاريخ الأوروبي حصرا. فبالنسبة له، أوروبا أو امتدادها "أمريكا-الأوروبية" ]الولايات المتحدة وكندا تحديدا[ هي المحل الأوجه لسبر تجارب غير الغربيين مع العلمانوية. والسبب في ذلك، وبكلمات أسد، أن التاريخ الأوروبي قد كان له تبعات عميقة على الطرق التي تم بها "تلقي وتطبيق مذهب العلمانوية في بقية العالم الحديث" (Asad, 2003: 25). فكما لاحظ أسد في جنيالوجيات الدين أن "التاريخ العالمي ككل قد تشكل من خلال الماضي الأوروبي تحديدا" ومن ثمّ فإن غير الأوروبيين الذين "يبتغون فهم تواريخهم المحلية يلزمهم أن يدرسوا ماضي أوروبا" (Asad, 1993a: 200). إن السلطة الأيديولوجية والاقتصادية والسياسية الغربية "التي انفكت من عِقالها في أوروبا التنوير" "قد استمرت لتعيد تشكيل حيوات غير الأوروبيين، وغالبا ما فعلت ذلك بالوكالة على يد غير الغربيين أنفسهم" (ص 229). ثنائية "الغرب" و"غير الغرب" هذه هي، بالطبع، ثنائية مركزية في جُلّ التنظيرات ما بعد الكولونيالية، وأسد ليس استثناء في هذا الشأن. ففي المقدمة التي وضعها للكتاب الذي حرره الأنثروبولوجيا والمواجهة الكولونيالية (1975)، يشير أسد إلى "المواجهة غير المتكافئة القوى ]بين أوروبا والعالم الثالث[ والتي تعود إلى صعود أوروبا البورجوازية"، المواجهة التي "مكنت الغرب من الحصول على معلومات تاريخية وثقافية حول المجتمعات التي هيمن عليها على نحو مطرد، وهو الأمر الذي لم يُنتج ضرب من الفهم العالمي الشامل وفقط ]العالم كله منظورا اليه بعين الغرب وحده،[ وإنما أعاد أيضا تعزيز اللاتكافؤ في القدرة بين العالم الغربي وغير الغربي (وبالتبع بين النخب المغربنة والجماهير المتبعة لـ"التقليد" في العالم الثالث)" (ص، 16). إن المعرفة والسلطة، وبعبارة أخرى، مرتبطان على نحو حميم فيما يتعلق بهيمنة الشعوب الغربية على الشعوب غير الغربية ــ وهو حجاج يوضح الصلات العميقة بين أفكار كل من، على سبيل المثال، أسد وفرانز فانون وإدوارد سعيد وميشيل فوكو.[30] ولكن الجنيالوجيا التي يطرحها أسد للعلمانوية عُرضة لأن تُتهم، مع ذلك، بأنها ذات "تصور محدود عن السياق" (Das, 2006: 101)، وعن الطرق التي أثرت بها سياقات سياسية ومجتمعية مخصوصة على تشكيل العلمانوية على مستوى الممارسة في خضم المواجهة الكولونيالية. لقد عابت الأنثروبولوجية الإجتماعية فينا داس على أسد اعتماده ولو جزئيا في جنيالوجيته للعلمانوية على مدرسة تاريخ المفاهيم الألمانية[31] ذات التصور المحدود والضيق عن السياق ]سياق المفاهيم[ وهو ما أدى بأسد إلى تصوير العلماني بوصفه نسق موحد أو كلّ ناجز نظريا من القواعد القانونية.[32] تعاود خطاطة الثنائيات هذه، متضمنة ثنائيات الغرب/غير الغرب، العالم الأوربي/العالم غير الأوروبي، النخب المغربنة أو المؤروبة/الجماهير المتبعة للتقليد، الظهور بانتظام في أعمال أسد المتأخرة. ففي مقالة عن النقاش العمومي الإسلامي في السعودية العربية في تسعينيات القرن المنصرم، على سبيل المثال، يفحص أسد (1993a) هذا التقليد الخطابي[33]: النصيحة التي يقدمها العلماء السعوديين بانتظام للأسرة الحاكمة، ويميزه عن التقليد الخطابي التالي: نقد السلطات الدينية (والسياسية) ذلك التقليد المستمد من كانط ومن التنوير في أوروبا، ويميزه أيضا عن التقليد الذي يُمارسه "السعوديون المغربنون" (Asad, 1993a: 232). فـالنصيحة تستمد مشروعيتها في عين كل من الحكام والعلماء الذين يمارسونها من الادعاء بكونها مبنية صراحة على الشريعة التي يدعي كلا الجانبين أنهما ملتزمان بها. لو كان أسد، هنا، مكتفيا بالتوكيد على أن بعض الفهوم للتقاليد الخطابية الإسلامية يتم تقديرها أكثر من غيرها بفضل كونها محمولة من قبل أفراد وجماعات بعينها، لما أمكن انتقاده على ذلك (Eickelman, 1987: 20). ولكن مصطلح "مغربن" الذي يتوسل به أسد ليس مصطلحا محايدا في التقليد الفكري مابعد الكولونيالي وما بعد البنيوي الذي ينتمي إليه أسد. فهو يشير إلى أنه ثمة "داخل" و"خارج" لتقاليد معينة، وأن ما يتم تعينه، ولأغراض تحليلية، على أنه في الداخل يتمتع بقدر أكبر من "المشروعية" و/أو "الأصالة".[34] والحال، أن تعيين أسد هذا يبدو إشكاليّا بقدر ما يبدو أنه يفترض وجود سعوديين "أصيليين" وهم الذين يستمسكون بأشكال النقاش العمومي التي تتمتع بالمشروعية وفقا للتقاليد الخطابية "التقليدية" ، وسعوديين "مغربنيين" وهم الذين لا يفعلون ذلك. إنه لتحول مثير للدهشة من أنثروبولوجي قد انتقد في 1979 زملائه الأنثروبولوجيين على فشلهم في استشكال "مجمل الانشغال بالبحث عن المعنى الجوهري لخطاب مجتمع آخر ("ثقافته الأصيلة") وإعادة انتاجه" (Asad, 1979: 623). لكن المرء يرى أن السعوديين الذين لا يستمسكون بأسلوب النقاش العمومي التي يتطلبها تقليد النصيحة ليسوا، ولأغراض التنظير الأنثروبولوجي، بأقل "سعودية" من أولئك الذين يفعلون ذلك.[35] يتعزز الدفاع عن مثل هذه القراءة لأسد بالنظر إلى إشارته إلى المسلمين الفرنسيين الذين يؤيدون النسخة الفرنسية للعلمانوية (اللائكية) بوصفهم "مسلمين مُستوعَبين"[36] ]مفرنسين، مغربنين، تم استيعابهم وهضمهم تماما في الثقافة العلمانية[ (Asad, 2006b: 505). ولكي تكون لهذه الإستعارة معنى لزاما علينا أن نفترض مسبقا وجود قسمة ثنائية بين مسلمين "مستوعَبين" ومسلمين "غير مستوعَبين". فلو كان المسلم المستوعَب هو مسلم أوروبي مقتنع بـ"فضائل" العلمانوية، فسيبدو وجود مثل هؤلاء المسلمين خارج سياق هذا الإطار الثنائي أمرا إشكاليّا.[37] لأن شبح "المسلم الأصيل" كمقابل للمسلم المستوعَب ــ وبالرغم من أنه لم يُشر إليه أبدا صراحة ـــ متواري دوما في خلفية هذه الصياغات.

في نقد ضليع ولاذع لكتاب الناقد الماركسي الهندي إعجاز أحمد في النظرية (1992)، نُشر في عدد خاص من مجلة الدراسات ما بعد الكلونيالية الثقافة العمومية في 1993، حاجج أسد بأن "المقابلة المفهومية بين غرب وغير الغرب أساسية لفهم قصة التحولات العولمية" (Asad, 1993b). لقد كان كتاب أحمد بمثابة رد على كتاب الإستشراق (1978) لإدوارد سعيد من منظور ماركسي، ولقد تسبب في ما يشير إليه فاريسكو على أنه "توبيخ ما بعد كولونيالي لأحمد لتجرئه على انتقاد سعيد" (Varisco, 2007: 177). فأحمد قد حاجج فيه بقوة ضد ثنائية "الغرب"/"العالم الثالث" التي تسم كتاب سعيد. وبالنسبة لأسد، تعود المشاكل التي يُعاني منها كتاب أحمد، إلى تمسك أحمد بالمفاهيم الماركسية الكلاسيكية كـ"البنية التحتية" و"البنية الفوقية" في تفسيره للتغيرات التي جرت في النظريات الأدبية والثقافية منذ آواخر ستينيات القرن المنصرم. وضدا على مَفهمة أحمد الماركسية الكلاسيكية، يجادل أسد عن أن فهما جادّا لنمط الإنتاج الرأسمالي الحديث يتطلب "الإشارة وعلى نحو منهجي إلى كل من التشريع، المقاضاة، المحاسبة، التأمين، الدعاية، والنظام الضريبي ــ فكلها وبطرق شتى ممارسات دالّة[38]" (Asad, 1993b: 32). ويتابع أسد مؤكدا:

لا يتطلب المشروع الأوروبي[39] إنتاج ثقافة موحدة تعم العالم أجمع، وإنما يكفيه انتاج أنماط مشتركة بعينها من السلوك القانوني-الأخلاقي، ومن أشكال البنينة السياسية-القومية، ومن إيقاعات التاريخانية التقدمية. إنه يدعو الجميع إلى أن يغدو غربا أو يحاول إكراههم على فعل ذلك ــ ليعبروا عن خصوصياتهم من خلال "الغرب" بوصفه مقياس الكونية (Asad, 1993b: 36).

وبغض النظر عن الانتقادات العديدة الموجهة للقيمة التحليلية لمثل هذه الثنائيات الموجودة في معظم الأدبيات ما بعد الكولونيالية،[40] تحتل ثنائية "الغرب" و"غير الغرب" مكانة تأسيسية في أعمال أسد. لدرجة أن الناس الواقعيين الذين يعيشون حياة واقعية لم يُذكروا فيها غالبا إلا كأمثلة توضح القوة المستمرة لهذه الثنائية. فبغض النظر عن الالتباس الصريح فيما يتعلق بأصول العلمانوية في تشكلات العلماني (2003: 25)، تبدو العلمانوية في قراءة أسد جزءً من سيناريو تاريخي متعلق بالغرب، لدرجة أن تبنيها من قِبل "غير الغرب" يُنظر إليه بوصفه جزء من الهيمنة "الغربية" يتم عبر نخب "مغربنة" وبوصفه تكريس لسيناريو مكتوب على يد "غربيين". يمكن لفكرة "النخب المغربنة"، إذن، أن تفسر تطور النظريات والممارسات العلمانوية في تركيا الحديثة، على سبيل المثال.[41] فكما في معظم الأدبيات ما بعد الكولونيالية "تضمحل الفاعلية غير الغربية في حضرة السلطة الكولونيالية" (Chipkin, 2007: 37).[42]

هذا، وثمة (على الأقل) ثلاث تهم إضافية يمكن أن توجه للاستخدام التحليلي لهذه الثنائية. أولها، للمرء أن يشك في أن تكون الهيمنة الأوروبية بعد عقود من نهاية الاستعمار لا تزال محتفظة بقيمة تفسيرية عالية. وثانيها، للمرء أن يحاجج بأن نشأة ظاهرة ما في مكان ما لا تخبرنا، واقعيا، بأي شيء عن الكيفية التي يمكن أن تتبنى بها وتُطوّر وتُحَوّل في سياقات بعينها (Chipkin, 2007: 45). وثالثها، للمرء أن يتساءل إذا ما لم تكن العولمة التي خلقت عالما قد غدا، وباعتراف أسد نفسه (2007: 14)، مترابطا على نحو لم يسبق له مثيل من قبل، قد صيّرت بالفعل ثنائيات المستوى الكبروي[43] هذه فاشلة من وجه النظر التحليلية. بالطبع لا يعني ذلك الدفاع عن طبعنة[44] بنى اللامساواة المضمنة والمؤسسة في العولمة وعبرها (قارن بـ Ferguson, 2006: 47) ــ وإنما هي فقط دعوة إلى اجتراح مصطلحات تحليلية تصلح لعالم حيث السلطة ومفاعيلها أكثر تعقيدا مما قد تبدو عليه حال نظرنا إلى العالم من خلال عدسة الكولونيالية الأوروبية وما بعدها.

أيضا، ثمة مفارقة إضافية في استعمال أسد لهذه الثنائية. فأسد هو الذي انتقد زميله الأنثروبولوجي وخصمه الأيدولوجي سابقا في جامعة أكسفورد إرنست جيلنر، على كتابته نصوصا أنثروبولوجية تفتقر إلى فاعلين إسلاميين "يتكلمون ويفكرون عوضا أن يتصرفوا" (Asad, 1986: 8).[45] بينما باشر أسد آخر عمل ميداني إثنوجرافي له بين قبائل الكابابش في السودان في الأعوام 1961-1966 (Scott, 2006: 248، ونُشر هذا العمل كـ Asad, 1970)، ومن حينها صب تركيزه على النظرية الأنثروبولوجية عوضا عن الممارسة الإثنوجرافية. وبينما كان أسد محقا في ملاحظته أن المماهاة بين حرفة الأنثروبولوجيا وممارسة العمل الميداني أمرا إشكاليّا، وأن العمل الميداني الإثنوجرافي قد يكون "علما-زائفا" (Asad, 2003: 17)، إلا أن ذلك لا يمنع، يقينا، من المحاججة عن أن غياب البينات التي يتم جمعها عبر العمل الميداني الإثنوجرافي، قد خلق ثغرات في كتابات أسد. فلو كان الموقف الإثنوجرافي، يقتضي ضمنيا، وبكلمات شيري أورتنر، التزاما بـ"إنتاج الفهم من خلال الثراء والتركيب والتفصيل عوضا عن التقتير والتنقيح و... التبسيط"،[46] وهذا الموقف مطلوب لـ"معرفة العوالم المُعاشة التي يسكنها أولئك الذين يقاومون (أو لا يقاومون كما يمكن أن يكون الحال[47]) والتحدث عنها والكتابة عنها" (Ortner, 1995: 188، التشديد مني)، فسيبدو الوفاء بمتطلبات الإلتزام بمثل هذا الموقف متطلبا لانغماس أكثر واقعية في الحياة اليومية للـ"غربيين" و"غير الغربيين" من ذلك الانغماس المعروض في أعمال أسد. هذا لا يعني طبعا القول بأن "فهم موقع العلماني في زمننا هذا" لا "يحتاج لأكثر من عمل ميداني إثنوجرافي" (Asad, 2003: 206). وإنما ما أحاجج عنه هو أن "الدراسة المنهجية للمفاهيم الثقافية" (ص 17)، أو "التحليل الحاذق... للمفاهيم المتمايزة ثقافيا ولتمفصلاتها مع بعضها البعض" (ص 206) المقترَحيّن من قِبل أسد لدراسة العلماني ليسا بكافيين لإنجاز هذه المهمة. فلو كان الحال "أن المرء يجب عليه أن يعمل من خلال المفاهيم التي يستخدمها الناس المعنيين بالفعل" (Asad, 2007: 44)، فلن تكون دراسة النصوص التاريخية للإصلاحيين المسلمين كمحمد عبدة أو رشيد رضا (Asad, 2003)، أو نصوص السلفيين السعوديين كسفر الحوالي وسعد آل زعير (Asad, 1993a) موفية جوهريا بهذا الشرط، وذلك بما أنه من الواضح أن مصطلحاتهم ليست بالضرورة هي المصطلحات التي يستخدمها كل "الناس المعنيين". أولا، إن مجرد اختيار حالات الدراسة يعكس الافتراض المسبق بأن المرء يتعامل مع "مفاهيم متمايزة ثقافيا" للعلمانوية. وثانيا، حتى لو أبقى المرء على فكرة وجود "مفاهيم متمايزة ثقافيا للعلمانوية"، فسيكون مدفوعا للتساؤل عن أين، بالضبط، يبدأ التمايز الثقافي وأين ينتهي. فعلى سبيل المثال، كيف لنا أن نفهم "المفاهيم المتمايزة ثقافيا للعلمانوية" في حالة شابة مسلمة سعودية تلقت تعليمها في جامعات الولايات المتحدة، أو في حالة شاب مسلم أوروبي تلقى تعليمه في جامعة أوروبية؟ من العسير تقديم إجابة على ذلك. ولكن مفهوميهما عن العلمانوية على الأرجح قد نُسجا من خيوط متعددة، ولا واحد منها يعكس، بالضرورة، تمايزا ثقافيا. إن المحاججة عن وجود مفاهيم متمايزة ثقافيا للعلمانوية في حالة كهذه ستكون أمرا شبيها بوضع الناس في مقصورات ثقافية منعزلة عن بعضها البعض. علاوة على ذلك، فإن مقاربة كهذه لا تفتح لنا الآفاق على فهم لموقع العلماني في حياة الناس العاديين في العالمين "الغربي" و"غير الغربي"ــ ولا على التعقيدات والمحتملات والتناقضات المتضمنة فيها. وتغدو هذه المشكلة الإبستيمولوجية أكثر حدة عندما يتعلق الأمر بالدراسة الأنثروبولوجية (أو غيرها) لأناس تتجاوز حياتهم الحدود التي تقيمها ثنائيات من قبيل "غربي/غير غربي"، و"ديني/علماني"، وهلمّ جرّا. ولا يجد المرء مثالا على ذلك أوضح من حالة المسلمين الأوروبيين المعاصرين الذين تعتمد حياتهم، غالبا، على سلسلة من الموائمات العملية والبراجماتية مع العلماني.

4- تقاليد

لقد مثلت أعمال أسد مصدر إلهام لدراسات إثنوجرافية حديثة حول التشكلات الإيتيقية بين المسلمين، كدراسات صبا محمود (2005) وتشارلز هيرشكايند (2006) على سبيل المثال. وتشكل هذه الدراسات، وكما يحاجج سيلفرستاين (2003:499)، جزءً من نقد نماذج الفاعلية والذاتية المستمدة من الليبرالية ـــ تلك النماذج التي تبدو أنها غير قابلة للتطبيق في السياقات الإسلامية. ولكن سيلفرستاين يحاجج، مع ذلك، بأن هذا النقد قد كان له ثمنه، إذ أدى إلى التباس في درجة الغيرية التي يعنيها الانتساب إلى التقاليد "غير الغربية" ومنها التقاليد الإسلامية، وإلى تأويل الذوات المسلمة الإيتيقية على أنها ذوات مُشكّلة على نحو سابق على تمفصلها مع الممارسات والخطابات التي قد لا تكون إسلامية تحديدا. فمن الواضح، بالنسبة لسيلفرستاين، أن جزء من المشكلة يكمن في "الأولوية التحليلية الممنوحة لفكرة الاستمرارية ]الاتصالية[" في التقاليد الإسلامية. ولقد قدم سيلفرستاين أمثلة مثيرة للاهتمام من آواخر التاريخ العثماني للحجاج بها عن أن مفهوم "التغريب" هو مفهوم غير كافي لفهم الإصلاحات التي جرت في الإمبراطورية العثمانية في الفترة ذات الصلة. ولكن بما أن أسد هو من أدخل فكرة التقاليد الخطابية الإسلامية على ما يُسمى بأنثروبولوجيا الإسلام، أود أن أعود إلى المقالة التي أجمل فيها معالم الطريقة التي ينبغي للتقاليد الخطابية الإسلامية أن تُفهم بها، والتي تحمل عنوان "فكرة أنثروبولوجيا الإسلام" (Asad, 1986)، لأفحص كيف حدد أسد غيريّة هذا التقليد حيال التقاليد غير الإسلامية، في هذه المقالة وفيما تلاها من أعمال.

لقد حاجج أسد، في هذه المقالة المؤثرة، بأن "على المرء إذا ما أراد أن يكتب أنثروبولوجيا للإسلام أن يبدأ من حيث يبدأ المسلمون أنفسهم: من مفهوم التقليد الخطابي،[48] الذي يشتمل على النصوص المؤسسة: القرآن والسنة، ويربط نفسه بها" (Asad, 1986: 14). ويعرف أسد التقليد الخطابي الإسلامي بأنه "وببساطة، تقليد الخطاب المسلم الذي يركز على مفاهيم كل من الماضي والمستقبل الإسلاميين المتعلقة بممارسة إسلامية معينة في الحاضر" (ص 14). وفي مركز مفهمة أسد للتقليد الخطابي الإسلامي يحل مفهوم "الأرثودوكسية". وتُشير الأرثودوكسية في استعمال أسد إلى مركزية فكرة "النموذج الصحيح" الذي ينبغي للممارسة الممؤسسة (ومن ضمنها الشعائر والطقوس) أن تتطابق معه، والذي يُحمل في صيغ ذات سلطة آمرة موثوقة داخل التقاليد الإسلامية وغير الإسلامية" (Asad, 1986: 15). إن الأرثودوكسية "ليست مجرد مجموعة من الأراء ولكنها علاقة مائزة ــ علاقة سلطة. فحيثما يكون للمسلمين سلطة ضبط أو إقرار أو فرض أو تعديل الممارسات الصحيحة، وسلطة إدانة أو استبعاد أو تقويض أو استبدال الممارسات غير الصحية، يكون نطاق الأرثودوكسية" (ص 15).[49] إن تقليد خطابي إسلامي ما هو "طريقة اشتباك خطابي مع النصوص المقدسة" (Mahmood, 2005: 115). يبدو إن أسد متشكك حيال أي نزوع لاستعمال التعاريف الجوهرانية للدين. ولكنه، بالرغم من ذلك، لم يحاجج عن تعريف نسبوي كلية للتقاليد الخطابية الإسلامية. إن المركزية الممحوضة للنصوص الإسلامية المؤسسة كالقرآن والسنة، كما الإحالة على الأرثودوكسية، يرمي أسد منهما إلى النأي بمفهومه عن الفهم الإسماني والفهم الكلياني للإسلام. فمن الواضح، بالنسبة لأسد، أنه "ليس كل ما يقوله المسلمون أو يفعلونه ينتمي لتقليد خطابي إسلامي" (Asad, 1986: 14). وواقع الأمر، أن أحد الذين توجه إليهم نقد أسد في هذه المقالة هو الأنثروبولوجي عبد الحميد الزين،[50] الذي يرى، طبقا لأسد، أن ثمة أشكال متنوعة من الإسلام ]إسلامات[، كلها "حقيقية بنفس القدر"،[51] وكلها "في نهاية المطاف، تعبيرات عن منطق تحتاني لاواعي" (Asad, 1986: 2).[52] كل ذلك يشير إلى أنه لزاما أن يكون ثمة "داخل" و"خارج" لأي تقليد خطابي إسلامي. ويعتمد مفهوم أسد التقليد الخطابي الإسلامي بشدة على عمل ألسيدير ماكينتير عن التقليد[53] وعمل ميشيل فوكو عن الخطاب.[54] ولكن بينما يركز مفهوم التشكلات الخطابية[55] عند فوكو على التناقضات والانقطاعات، يدور مفهوم أسد، في المقابل، وعلى نحو أساسي، حول الاستمرارية والاتصالية. وهو ما يتأكد بقول أسد:

يتشكل التقليد، أساسا، من خطابات تروم هداية الممارسين وإرشادهم إلى الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تؤدى بها ممارسة ما، وتروم تعليمهم غاية هذه الممارسة وفكرتها. هذه الممارسات لها تاريخ، تحديدا، لأنها راسخة ومكرسة. وترتبط هذه الخطابات مفهوميا بكل من ماضي (حيث مؤسست الممارسة، ومنه انتقلت المعرفة التي توضح فكرة الممارسة وغايتها والطريقة المثلى لأدائها)، ومستقبل (كيف يتم وعلى أكمل وجه الحفاظ على فكرة الممارسة على المدى القريب أو البعيد، أو لماذا ينبغي أن يتم تعديل هذه الممارسة أو حتى هجرها بالكلية)، يتم هذا الارتباط من خلال حاضر (كيف ترتبط الممارسة بغيرها من الممارسات وبالمؤسسات وبالشروط الاجتماعية). (Asad, 1985: 14).

إحدى المشاكل المركزية هنا تتمثل في الآتي: كيف نفسر التغير والانقطاع فيما يتعلق بمفهوم أسد التقليد الخطابي الإسلامي (قارن بـ Schielke, 2006: 243).[56] فحتى بالرغم من كون أسد قد أوضح في كتاباته المتأخرة أنه لا يقصد بالتقليد "نقل وتسليم مادة لا تتغير في زمن متجانس[57]"، وأن "الحاضر" هو دوما في مركز التقلد (Asad, 2003: 222)، إلا أنه لم يقدم أي توجيهات واضحة تعيننا على أن نفهم كيف يحدث التغير والانقطاع والتمزق داخل التقاليد الخطابية الإسلامية. من المتفهم، إذن، أن يكون لدى أسد شكوكا عميقة حول توكيد مدرسة دراسات التابع على موضوع استرداد الذوات الكولونيالية ]التي خضعت للاستعمار[ لفاعليتها (قارن بـ Mahmood, 1995، حيث يشير أسد إلى أن حالة "الثَملّ بالفاعلية الذاتية" التي تمر بها العلوم الاجتماعية المعاصرة هي مجرد "نتاج للفردوية الليبرالية"). إن الفاعلية وعلاقتها بالتغير والانقطاع تمثل مشكلة أمام نموذج التقليد الخطابي الأسدي، مشكلة لا تزال، في رأيي، بلا حل.[58] وعلاوة على ذلك، لقد حاجج بيتر عن أن مفهوم أسد التقليد الخطابي الإسلامي لا يقول أي شيء عن الطرق المخصوصة التي ترتبط بها التقاليد الخطابية الإسلامية بأشكال معينة من السلطة الدينية (Peter, 2006: 110). في نص 1986، قام أسد بتقريع الأنثروبولوجي مايكل ج. فيشر (1980) على عدم تجاوزه لـ"البحث عن أوجه الشبه"، والانشغال، عوضا عن ذلك، بـ"السبر المنهجي لأوجه الاختلاف" بين التقاليد الإسلامية وغير الإسلامية (Asad, 1986: 4). هذا الاهتمام باختلاف أو بغيرية (Kessing, 1989) التقاليد الخطابية الإسلامية هو ثيمة تعاود الظهور باستمرار في مجمل عمل أسد. ففي دراسته عن النقاش العمومي الإسلامي في السعودية العربية ضمن كتاب جنيالوجيات الدين يدعو أسد الأنثروبولوجين إلى "اعتبار كل تقليد وفقا لمفاهيمه الخاصة" (Asad, 1993: 200)؛ وفي حوار مع نرمين شيخ في 2002، صرح بأن التقاليد الإسلامية ينبغي أن تقودنا إلى مساءلة بعض المقولات الليبرالية نفسها[59] )قارن بـ Shaikh, 2002 )؛ وفي دراسته عن الإصلاح التشريعي في مصر الكولونيالية ضمن كتاب تشكلات العلماني انتقد أكاديمي قانوني مصري[60]على "انكاره الصريح للاختلاف" (Asad, 2003: 213-214)، في قوله بأن القانون المصري لم يكن مجرد وارد استعماري. ليست المشكلة هنا في الاستعمالات التي يمكن لفكرة الاختلاف وغياب المشترك أن توظف فيها،[61] وإنما في الاتجاهات التي يمكن أن تشجع البحث الأنثروبولوجي على المضي فيها، وفيما تخلفه على ما نحتاجه من تركيز على العديد من المسلمين وغير المسلمين الذين يقيمون في الفجوات الموجودة بين هذه التقاليد. إن الأنثروبولوجيين الاجتماعيين مكلفين بدراسة كل من التشابهات والاختلافات ـــ ولكن إذا ما رحنا نفتش عن الاختلافات فقط، فيقينا لن نجد سواها.

5- عنف العلماني

لقد أشار أسد إلى أنه "لا يرى شيئا أقل معقولية ووجاهة من الإدعاء القائل بأن العلمانوية وسيلة أساسية لتجنب الصراع المدمر ولإرساء السلام في العالم الحديث" (Asad, 2006b: 509). وكتب أيضا أنه "لا ينبغي أن ننسى أننا مدينون بنماذج القهر الأكثر فظاعة في الأزمنة الحديثة لأنظمة شمولية علمانية ـــ النازية، الستالينية... يتحتم علينا القول بأن قسوة الممارسة العلمانية لم تترك شيئا لوحشية الديني" (Asad, 1993: 236). يقينا، ثمة انزياحات في أسلوب أسد في الكتابة، من التحليلي الصارم إلى المزاجي السجالي، والنقولات السابقة ينبغي أن تُقرأ بوصفها أقوال سجالية. ولكن إلى أي حد، وتحت أي شروط تحليلية مسبقة يتفق كلام أسد هذا مع ما سجله التاريخ؟

أولا، علينا أن نلاحظ أن توكيدات أسد هذه تعتمد على تمييز تحليلي واضح نسبيا بين "العلماني" و"الديني"، وهو ما يلتبس مع توكيد أسد، في مواطن أخرى، على أن "العلماني" و"الديني" مشروطان تاريخيا، وأن كل منهما متقاطع مع الآخر (قارن بـ Asad, 2003: 25). فعلى الضد من التوصيفات الشائعة، يؤكد أسد على أن المقدس ليس جزءً أساسيّا من "الدين" وحده وإنما من "العلماني" أيضا. وهو ما يعني أن لليبرالية، هي الأخرى، أساطيرها الخلاصية العلمانية الخاصة، والتي لا ينبغي أن يُخلط بينها وبين الأسطورة الخلاصية للمسيحية (ص 26). فأسد يرى، على سبيل المثال، حقوق الإنسان بوصفها إحدى تعبيرات هذه الأساطير الخلاصية العلمانية (ص 127-158). إن حقوق الإنسان الحديثة هي تحوير للنزوع "اليهودي-المسيحي" إلى الكونية (Asad, 2000: 2)، الذي منح وظيفة الدولة كمنتج للقيم امتيازا خاصا، ومكّن الدولة الحديثة من "استخدام حقوق الانسان ضد مواطنيها" (Asad, 2003: 6-7).[62] ومن الأمور المركزية لحقوق الإنسان، التقييد المفروض على توزيع الألم من قِبل الفاعلية العلمانية:

تُجابَه الفاعلية العلمانية بأن عليها أن تغير توزيعا بعينه للألم، وفي سبيلها لفعل ذلك، بينما هي تحاول أن تكبح ما تعتبره تجاوزات لاإنسانية لما تعيّنه على أنه هو الدين، تجيز في المقابل العديد من الأعمال الوحشية وتبررها وفقا لحسابات علمانية من قبيل النفعية الاجتماعية والحلم العلماني بالسعادة. إنها تستبدل أنماط الألم والعقاب ما قبل الحديثة بأنماط الألم والعقاب الخاصة بها هي تحديدا (Asad, 2006b: 508، التشديد في الأصل).

وكمثال في الصميم، يشير أسد إلى "الاشمئزاز" الذي ينظر به "الغربيين" إلى ختان الإناث،[63] على سبيل المثال. فهذا الاشمئزاز، يحاجج أسد، مربوط سببيا بالمفهمات ]التصورات[ "الغربية" للكرامة الجسدية، وباعتبار أن للأفراد ـــ والنساء تحديدا ـــ حقا في المتعة الجنسية كجزء من حقوقهم الإنسانية (Asad, 2003: 149).[64] وفي هامش على مقالة حول تقرير لجنة ستاسي الفرنسية[65] ومقاربته لمسألة السماح بما تعتبر رموزا دينية ]الحجاب تحديدا[ في المدارس الفرنسية العامة، كتب أسد:

لقد استشهد تقرير ستاسي بأحكام قضائية شتى للمحكمة الدولية لدعم حجاجه عن أن الحق في التعبير عن المظاهر الدينية يخضع دوما لشروط معينة ... وليست فكرتي هنا أن هذا الحق ــ أو غيره ــ ينبغي أن يكون مطلقا وبلا حدود؛ وإما هي ببساطة أن الحق لا يمكن أن يكون ثابتا لا يُمس إذا ما كان خاضعا (لأي سبب كان) لسلطة مؤسسات الدولة القضائية بحيث يكون لها الحق في تعريفه ووضع حدوده. فأن يتم اسقاط حق ما جزئيا أو كليا على أسس نفعية (ومن ضمنها حفظ النظام العام) أو أخلاقية يعني أنه ليس بحق ثابت لا يمكن المس به (Asad, 2006b: 765، هامش رقم 24).

تشير ديباجة كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UNDHR, 1948) والميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR, 1975) إلى "الحقوق الثابتة لكل أفراد العائلة الإنسانية". والحرية الدينية تعتبر، دونما شك، جزءً من هذه "الحقوق الثابتة" المشار إليها. ولكن الإطار الذي يهب مفهوم "الحقوق الثابتة" هذا معناه يشير، ضمنيا، إلى أن هذه حقوق يتمتع بها الأفراد إزاء الدول. من حيث المبدأ، إذن، هذه "حقوق ثابتة" فقط للأفراد المنتمين إلى دول قد وقّعت وصدّقت على هذه الإعلانات والمواثيق. خلافا لأسد إذن، هذه "الحقوق الثابتة"، وبحكم طبيعتها، "تخضع في تعريفها وفي حدودها للتعريفات القانونية التي تقرها الدولة". وواقعيا، ليس ثمة دولة في العالم لا تعرّف الحرية الدينة ولا تضع حدودها بطريقة أو بأخرى.[66]

يؤكد أسد على أنه يريد أن "ينأى عن الفكرة القائلة بأن العلمانى مجرد قناع للدين، وأن الممارسات السياسية العلمانية غالبا ما تُحاكي الممارسات الدينية" (Asad, 2003: 26).[67] هذه نقطة فاصلة، عليها يتعلق حكم أسد على إدعاء العلمانوية بأنها تعزز السلام وتحجم العنف. إن أسد يخالف هنا معظم التنظيرات المتعلقة بالأنظمة التوتاليتارية في القرن العشرين. ففيلسوف السياسة جون جراي قد افتتح كتابه القداس الأسود: الدين القيامي وموت اليوتوبيا (2007) بالتوكيد على أن "السياسة الحديثة هي مجرد فصل آخر من فصول تاريخ الدين" (ص 1)، وتابع مؤكدا على أن الأديان السياسية الحديثة كالنازية والبلشفية السوفيتية (ص 6) هي صياغات حديثة وعلمانية للمعتقدات القيامية والألفية المسيحية المبكرة في تخليص التاريخ وافتداءه بواسطة أفعال الرب في النسخة الأولى ]المسيحية[ وبواسطة أفعال البشر في النسخة الثانية ]الأديان السياسية الحديثة[. هذه الفكرة ضاربة بجذورها في فكر القرن العشرين الأوروبي في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.[68] وتمت مفصلتها وتجليتها على يد كارل لوفيث، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالنازية (Löwith, 1949)، وعلى يد ليزك كولاكوفيسكي، فيما يتعلق بالماركسية (Kołakowski, 2005).[69] وبالرغم من أن هانز بلومينبيرج يميز بين أشكال شتى لترحل الأفكار من سياق ديني لسياق علماني (وهو ما لا يفعله جراي)،[70] إلا أنه من الممكن أن يُقرأ، أيضا، بوصفه منتمي لنفس الخط الفكري الذي ينتمي إليه لوفيث وكولاكوفيسكي.

والحال، أن قلة من الأنثروبولوجين يمكن أن يعتبرو أنفسهم مؤهلين بالقدر الكافي لحسم مسألة ما إذا كانت الحركات التوتاليتارية الحديثة في أوروبا القرن العشرين تمثل تعبيرا عن ممارسة "علمانية" أو "دينية" أو كليهما. نعم، لا مجال واسع للشك في أن تجارب التوتاليتاريات "الغربية" الطوباوية الحديثة مع الإصلاح السياسي والاجتماعي قد اطلقت للعنف العنان وخلفت فظاعات في القرن العشرين. ولكن ربما يود المؤرخ، مع ذلك، أن يعرف ما إذا كان "العلماني" بما هو كذلك هو ما يفسر "وحشيته" المزعومة، أما أن السياقات السياسية والاجتماعية المخصوصة وطبيعة الأنظمة التوتاليتارية التي طُبِقت فيها الرؤية "العلمانية" هي ما تفسرها. وأكثر من ذلك، إذا كان أسد يعترض على عزو العنف إلى دوافع دينية، محاججا عن صعوبة تحديد الدوافع الدينية، "فلتعيين دافع (ديني) للعنف ينبغي للمرء أن يمتلك نظرية في الدوافع تتعامل مع مفاهيم الطباع والاستعدادات والحالة الجوانية ووضوح الرؤية والمفكر فيه واللامفكر فيه" (Asad, 2003: 11).[71] فإن نفس الحجاج يمكن أن ينطبق على العنف الذي يعزوه أسد للدوافع "العلمانية". هل هو يعتمد على وجود "ذات علمانية" (Warner, 2008)، وما الذي يعنية ذلك بالضبط إذا ما أخذنا في الاعتبار توكيد أسد على أن "المسيحيين الأوروبيين" هم الذين نفذوا الإبادات الجماعية ضد اليهود في الفترة من 1933 إلى 1945 (Asad, 2007: 24)؟ فثمة شبه اجماع على أن الأنظمة التوتاليتارية الحديثة في أوروبا القرن العشرين كالنازية والبلشفية قد اعتمدت على نحو كبير ومتسق على متخيلات ورموز ذات طبيعة شبة دينية، وأن الجماهير التي جيشتها يمكن القول بأنها قد كانت، ومن كل اعتبار، جماهير متدينة تماما.[72] وبعبارة أخرى، أن نُرجع فظاعات المحرقة إلى التنوير، وهو ما غدا مألوفا من بعد دراسة زيجمونت باومن بالغة الأثر (Bauman, 1989)، قد يؤدي بنا إلى تجاهل أهمية الرومانتيكية الألمانية ("وهي التنوير المضاد في ذاته" على حد قول أبياه، 2005: 119) في النازية الألمانية. وأخيرا، لكي نقدم تقييما متوازنا لإدعاء العلمانوية بأنها كانت وسيلة أساسية لتجنب الصراع المدمر وإرساء السلام في العالم الحديث، على المرء أن يتجاوز الاستشهاد بمثالي النازية والبلشفية بوصفهما حجة بدرجة أو بأخرى على استعدادية العلماني للعنف والقهر. فالعلمانوية الأوروبية فيما بعد الحرب العالمية الثانية مجسّدة في التعددية القوموية التعددية للاتحاد الأوروبي، وبالرغم من كل عيوبها، قد ساهمت، من اعتبارات عدة، في الغياب النسبي لحروب تشمل الديمقراطيات الأوروبية. أيضا الولايات المتحدة، وهي واحدة من التجسيدات العديدة للعلمانوية الحديثة، لم تشهد حربا أو صراعات واسعة النطاق في أقاليمها منذ الحرب الأهلية في ستنيات القرن التاسع عشر.[73] كذلك الديمقراطيات ما بعد الكولونيالية كجنوب أفريقيا والهند قد تبنت تنويعاتها الخاصة من العلمانوية على إثر صراعات أهلية مرعبة: فما يقدر بـ 20 ألف جنوب إفريقي قد قتلوا في العنف السياسي الذي دار بين أنصار كل من حزب التجمع الوطني الإفريقي (ANC) وحزب حرية إنكاتا (IFP) في الفترة من 1990 إلى 1994، أيضا آلاف البشر قد قتلوا على مدار الصراع ضد نظام الأبرتهيد (الفصل العنصري) في الثمانينيات. وباستثناء واقع أن دولة الأبرتهيد، بقوانينها وسياساتها، قد اُستلهِمت غالبا من قراءة بعينها لمسيحية مُصلَحة هولانديّا، فإن العنف الذي أطلق له العنان على إثرها لم يكن له علاقة وطيدة بالتمزقات الدينية. ولكن تصعب المحاججة عن أنه كان ثمة صراعات أشد فتكا في ظل النظام الليبرالي والعلماني الذي خلف الأبرتهيد في جنوب أفريقيا، أو أن الأقليات الدينية تمتعت في ظله بقدر أقل من الحرية التي تمتعت بها في ظل الأبرتهيد. أما في الهند، فقد أدى العنف أثناء الانقسام إلى تشريد ما يقرب من 12.5 مليون نسمة (Metcalf & Metcalf, 2002: 219)، وقتل ما يقدر بنصف مليون إلى مليون نسمة. بالطبع من المستحيل أن نحدد ما كان يمكن أن تكون عليه كل من جنوب إفرقيا والهند ما بعد الكولونيالين من دون العلمانوية، بما أن ذلك ضرب من الخوض في تأريخ مضاد، تأريخ لعكس ما وقع بالفعل، ولكن يمكن ملاحظة أن العلمانوية تحظى بمنافحين عنها من المسلمين في كلا البلدين، أولئك الذين يرون في المبادئ المجسدة فيها الضامن الوحيد الممكن ضد هيمنة الأغلبية غير المسلمة وتقييدها للحرية الدينية.[74] يلاحظ تشاترجي (2006)، على سبيل المثال، غياب النزاع الطائفي في ظل حكم الجبهة اليسارية في البنغال الغربية بالهند لمدة 25 سنة، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة ولها تاريخ طويل من النزاع الطائفي إذ لم ينته إلا في ستينيات القرن العشرين (ص 67). في البنغال الغربية كان اليسار (العلماني)، يفوز، وعلى نحو متسق، بمعظم أصوات المسلمين. إن تشاترجي يرى في التطورات الجارية في البنغال إمكانية وجود بل وجود "نمط مختلف من السياسة العلمانية"، دون أن يعني ذلك القول بوجود "علمانوية فطرية" فيما بين البنغاليين مسلمين كانوا أو هندوس (ص 74). إن السجل التاريخي للعلمانويات فيما يتعلق بالعنف سجل مختلط يقينا، ولكن ذلك هو حال بدائل العلمانوية أيضا. أم ربما مقولات من قبيل "العلماني" و"الديني" هي بحد ذاتها مقولات ذات قدرة تفسيرية محدودة فيما يتعلق بالعنف، إذ ليس ثمة "إجابات مقنعة تماما لهذه الأسئلة التي تجابهنا جميعا، بغض النظر عن معتقداتنا الميتافيزيقية أو الدينية" (Taylor, 2007: 691)؟

6- مقاربات بديلة

أحد الأسباب العديدة للنقاشات المتوترة والانفعالية حول العلمانوية والعلمنة في العالم "الإسلامي" يتمثل في لاتناظرات القوة في العالم والتي يتم تداول المفهوم عامة في سياقها (قارن بـ Tayob, 2005)، وافتراض أن العلمانوية بمثاية مفصلة لـ"اللادينية" "الغربية" في الفكر الإسلامي الحديث (قارن بـ Masud, 2005).

والحال، أن ثمة أعمال وليدة داخل حقل الأنثروبولوجيا تدرس حيوات المسلمين في سياقات اجتماعية وسياسية مختلفة، قد حاولات تجاوز بعض من الثنائيات التي يعتمد عليها فكر أسد كـ"الغربي" و"غير الغربي"، "المسلم" و"غير المسلم" و"العلماني" و"الديني". ومن الأمثلة على ذلك، عمل الأنثروبولوجي ماجنس مارسدين، الذي يحاول سبره المثير للاهتمام للحياة اليومية للمسلمين في منطقة الشيترال بالأقليم الشمالي الغربي الحدودي بباكستان ]إقليم خيبر بختونخو أو البشتون[ أن يتحدى "أية فكرة متبقية في الدراسة الأنثروبولوجية للمجتمعات المسلمة تقضي بأن أفكار المسلمين وممارساتهم اليومية يمكن لها أن تفهم بأحسن الفهم بواسطة تحديد ما يقع منها ضمن نطاق الإسلامي وما يقع ضمن نطاق "العقل العملي"" (Marsden, 2005:53)، ويتحدى القول بأن "الإسلام "الإحيائي" يمثل البعد الأكثر قوة للفكر الإسلامي وللهوية الإسلامية في العالم الحديث" (ص 9).[75] فداخل الدوائر الأنثروبولوجية وخارجها لا يزال "العالم الإسلامي" يقدر بمقياس "استثنائوي" حيث التمركز حول الدين هو لُبّ القياس (Bayat, 2007: 3). ولكن إذا كان هذا هو المقياس، فماذا عن أولئك المسلمين ذوى الأحلام والطموحات التي "ليست بعلمانية ولا دينية" (Dabashi, 2007: 246)؟ لقد طرح الأنثروبولوجي بنيامين سوارس بالتعاون مع رينيه أوتايك مفهوم "الإسلام الدنيوي"[76] للإشارة إلى "أنماط وجود المسلمين كمسلمين في مجتمعات علمانية ومجالات علمانية من دون الاضطرار لأن يكونوا علمانيين بالضرورة" (Soars & Otayek, 2007: 17). ثمة في هذه المحاولات للتفكير من خلال مضامين حيوات المسلمين في سياقات لا يمكن وصفها بمفاهيم من قبيل "غربي" أو"غير غربي"، "ديني" أو "علماني"، ولا يمكن اختزالها فيها، إمكان لإحداث قطيعة مع الفهوم المتعلقة بماهية كل من أنثروبولوجيا الإسلام وإثنوجرافيا المسلمين الذين يعيشون في سياقات علمانية وبما يجب أن يكونا عليه، والتي هيمنت على الفكر الأنثروبولوجي طوال سنوات عدة. إنها قطيعة حَرية بأن يُرحب بها. ولكنها أيضا تعكس أهمية أعمال أسد، فقطيعة كهذه لا يمكنها بحال أن تتجنب الاشتباك مع نصوص أسد الخلاقة وبالغة الأثر المتعلقة بأنثروبولوجيا الإسلام والعلمانوية.

أحد أكبر التحديات التي ستواجهها الأنثروبولوجيا في السنوات المقبلة يتمثل في مفهمة التحولات التي يمر بها المسلمون الذين يعيشون في سياقات علمانية "غربية". وهو ما يتطلب إعادة تفكير عميقة في المقولات وعادات التفكر التي تطوق الدراسة الإثنوجرافية للمسلمين الذين يعيشون في هذه السياقات. فالحال، أن ثمة طرق عديدة لأن يكون المرء مسلما في عالم حديث وعلماني، ومعظم هؤلاء المسلمين الذين يعيشون في سياقات علمانية، وخاصة الشباب منهم، يقيمون في الفجوات الموجودة بين "الديني" و"العلماني" وينخرطون في ممارسات عملية وبرجماتية غرضها التكيف مع العوالم والإطارات العلمانية الموجودة في السياقات التي يعيشون فيها أو بغرض مقارعتها أو مقاومتها. بالرغم من أن مصطلح بيتر بيرجر "التلوث المعرفي"[77] (Berger, 2006: 14) لا يمثل وصفا دقيقا لما يحدث أثناء اشتباك المسلمين هذا مع العلماني (فهو مصطلح يوحي، أيضا، بأنه ثمة طريقة نقية وخالصة لأن يوجد المرء كمسلم)، إلا أنه قد استطاع أن يقبض على واقع كون هؤلاء المسلمين يتأثرون على نحو عميق بالعوالم الاجتماعية والسياسية التي يعيشون فيها. إنهم "متشابكون مع المنطق العلماني للدولة" (Tripp, 2006: 8)، ولكن قد يرقى إلى أن يكون ذما وانتقاصا لهذا التشابك أن نقول بأنه لا يعكس إلا محض "الاستيعاب" أو "عدم الأصالة". إن المقاربة الأسدية، ومن جوانب عدة، متمركزة تماما حول الدولة، ومبنية على ثنائية "غربي"-"غير غربي"، وهو ما قد يعمينا عن الفاعلية المتحققة في العديد من اشتباكات المسلمين الأوروبيين مع العلماني. إن أنثروبولوجيا لـ العلماني بوصفه ممارسة عاميّة[78] يتعين عليها أن تفحص وتفهم تصورات وممارسات العلمانوية والعلماني التي يطرحها هؤلاء المسلمين ـــ سواء كانت هذه التصورات مبنية على فكرة التلاقي والتوافق بين ما يُعيّن على أنه "إسلامي" وبين العلمانوية والعلماني أو على فكرة التنافر وغياب المشترك بينهما. إن العلماني مثال وليس مفهوم عددي: فالمجتمعات ــ والأفراد ــ قد تكون أكثر علمانية أو أقل علمانية، ولكنها لا تكون إما "علمانية" أو "دينية". فقط عبر هذه الطريقة، يمكن للأنثروبولوجيا أن تساهم في جعل المسلمين المعاصرين يُنظر إليهم على أنهم شيء أكثر من مجرد "آخر" العلمانوية.

المراجع:

Afary, Janet and Kevin B. Anderson (2006) Foucault and the Iranian Revolution: Gender and the Seductions of Islamism. Chicago: Chicago University Press.
Ahmad, Aijaz (1992) In Theory: Nations, Classes, Literatures. London: Verso.
Al-Azmeh, Aziz (1993) Islams and Modernities, 2nd edn. London: Verso.
An-Na‘im, Abdullahi Ahmed (2008) Islam and the Secular State: Negotiating the Future of Shari’a. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Appiah, Kwame Anthony (2005) The Ethics of Identity. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Asad, Talal (1970) The Kababish Arabs: Power, Authority and Consent in a Nomadic Tribe. London: Hurst & Co.
Asad, Talal, ed. (1975) Anthropology and the Colonial Encounter. London: Ithaca Press.
Asad, Talal (1979) ‘Anthropology and the Analysis of Ideology’, Man 14(4): 607–27.
Asad, Talal (1980) ‘Review of Orientalism’, English Historical Review 95: 648–9.
Asad, Talal (1986) The Idea of an Anthropology of Islam. Occasional Papers Series. Washington, DC: Institute for Contemporary Arab Studies at Georgetown University.
Asad, Talal (1993a) Genealogies of Religion: Discipline and Reasons of Power in Christianity and Islam. Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press.
Asad, Talal (1993b) ‘A Comment About Aijaz Ahmad’s In Theory’, Public Culture 6(1): 31–9.
Asad, Talal (2000) ‘What Do Human Rights Do? An Anthropological Enquiry’, Theory and Event 4(4).
Asad, Talal (2001) ‘Reading a Modern Classic: W.C. Smith’s The Meaning and End of Religion’, in Hent de Vries and Samuel Weber (eds) Religion and Media, pp. 131–50. Stanford, CA: Stanford University Press.
Asad, Talal (2003) Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity. Stanford, CA: Stanford University Press.
Asad, Talal (2004) ‘Where Are the Margins of the State?’, In Veena Das and Deborah Poole (eds) Anthropology in the Margins of the State, pp. 279–88. Santa Fe, NM. School of American Research Press.
Asad, Talal (2006a) ‘Responses’, in David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 206–42. Stanford, CA: Stanford University Press.
Asad, Talal (2006b) ‘Trying to Understand French Secularism’, in Hent de Vries and Lawrence E. Sullivan (eds) Political Theologies: Public Religions in a Post-Secular World, pp. 494–526, 763–72. New York: Fordham University Press.
Asad, Talal (2007) On Suicide Bombing. New York: Columbia University Press.
Asad, Talal (2008) ‘Reflections on Blasphemy and Secular Criticism’, in Hent de Vries (ed.) Religion: Beyond a Concept, pp. 580–609. New York: Fordham University Press.
Bakhle, Janaki (2008) ‘Music as the Sound of the Secular’, Comparative Studies in Society and History 50(1): 256–84.
Bauman, Zygmunt (1989) Modernity and the Holocaust. New York: Cornell University Press.
Bayat, Asef (2007) Making Islam Democratic: Social Movements and the Post-Islamist Turn. Stanford, CA: Stanford University Press.
Berger, Peter L. (2006) ‘Between Relativism and Fundamentalism’, The American Interest 2(2): 9–17.
Berlinerblau, Jacques (2005) The Secular Bible: Why Non-Believers Must Take Religion Seriously. New York: Cambridge University Press.
Bhargava, Rajeev, ed. (1999) Secularism and Its Critics. New Dehli: Oxford University Press.
Bilgrami, Akeel (1999) ‘Secularism, Nationalism, and Modernity’, in Rajeev Bhargava (ed.) Secularism and Its Critics, pp. 380–417. New Dehli: Oxford University Press.
Bilgrami, Akeel (2004) ‘Secularism and Relativism’, Boundary 2 31(2): 173–96.
Blumenberg, Hans (1983) The Legitimacy of the Modern Age. Cambridge, MA: MIT Press.
Bowen, John R. (2008) ‘Islam and Authority’, post on the Social Sciences Research Council (SSRC) blog The Immanent Frame (28 April). Accessed 1 July 2008 http://www.ssrc.org/blogs/immanent_frame/2008/04/28/islam-and-authority/
Brittain, Cristopher Craig (2005) ‘The “Secular” as a Tragic Category: On Talal Asad, Religion and Representation’, Method and Theory in the Study of Religion 17: 149–65.
Brown, Wendy (2007) ‘Idealism, Materialism, Secularism?’, post on the Social Sciences Research Council (SSRC) blog The Immanent Frame (22 October). Accessed9december2008:http://www.ssrc.org/blogs/immanent_frame/2007/10/22/idealism-materialism-secularism/
Bull, Malcolm (2007) ‘The Catastrophist’, London Review of Books 1 November.
Casanova, José (2006) ‘Secularization Revisited: A Reply to Talal Asad’, in David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 12–30. Stanford, CA: Stanford University Press.
Chatterjee, Partha (2006) ‘Fasting for Bin Laden: The Politics of Secularization in Contemporary India’, in David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 57–74. Stanford, CA: Stanford University Press.
Chipkin, Ivor (2007) Do South Africans Exist? Nationalism, Democracy and the Identity of ‘the People’. Johannesburg: Wits University Press.
Çinar, Alev (2005) Modernity, Islam and Secularism in Turkey. Minneapolis and London: University of Minnesota Press.
Cohn, Norman (1957) The Pursuit of the Millennium: Revolutionary Millenarians and Mystical Anarchists of the Middle Ages. London: Secker & Warburg.
Connolly, William E. (1999) Why I Am Not a Secularist. Minneapolis: University of Minnesota Press.
Dabashi, Hamid (2007) Iran: A People Interrupted. New York: The New Press.
Das, Veena (2006) ‘Secularism and the Argument from Nature’, in David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 93–112. Stanford, CA: Stanford University Press.
Eickelman, Dale F. (1987) ‘Changing Interpretations of Islamic Movements’, in
William R. Roff (ed.) Islam and the Political Economy of Meaning, pp. 13–30.
London: Croom Helm.
Ferguson, James (2006) Global Shadows: Africa in the Neoliberal World Order. Durham, NC: Duke University Press.
Fischer, Michael M.J. (1980) Iran: From Religious Dispute to Revolution. Cambridge: Cambridge University Press.
Foucault, Michel (1972) The Archaeology of Knowledge and the Discourse on Language, trans. Rupert Swyer. London: Tavistock.
Gauchet, Marcel (1997) The Disenchantment of the World: A Political History of Religion. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Gourgouris, Stathis (2008) ‘Detranscendatalizing the Secular’, Public Culture 20(3): 437–45.
Gray, John (2007) Black Mass: Apocalyptic Religion and the Death of Utopia. London: Allen Lane.
Habermas, Jürgen (2008) Between Naturalism and Religion, trans. Ciaran Cronin. Cambridge: Polity Press.
Hirschkind, Charles (2006) The Ethical Soundscape: Cassette Sermons and Islamic Counterpublics. New York: Columbia University Press.
Hurd, Elizabeth Shakman (2008) The Politics of Secularism in International Relations. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Jakobsen, Janet R. and Ann Pellegrini (2008) ‘Introduction: Times Like These’, in Janet R. Jakobsen and Ann Pellegrini (eds) Secularisms, pp. 1–38. Durham, NC: Duke University Press.
Judt, Tony (2006) ‘Goodbye to All That?’, New York Review of Books 21 September.
Keesing, Roger M. (1989) ‘Exotic Readings of Cultural Texts’, Current Anthropology 30(4): 459–69.
Kołakowski, Leszek (2005 [1978]) Main Currents of Marxism: The Founders, the Golden Age, the Breakdown. New York: W.W. Norton & Co.
Löwith, Karl (1949) Meaning in History. Chicago: University of Chicago Press.
Mahmood, Saba (1995) ‘Modern Power and the Reconfiguration of Religious
Traditions’, Stanford Humanities Review 5(1): 1–16.
Mahmood, Saba (2005) Politics of Piety: The Islamic Revival and the Feminist Subject. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Mamdani, Mahmood (1996) Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. London: James Currey.
Marsden, Magnus (2005) Living Islam: Muslim Religious Experience in Pakistan’s North-West Frontier. Cambridge: Cambridge University Press.
Masud, Muhammad Khalid (2005) ‘The Construction and Deconstruction of
Secularism as an Ideology in Contemporary Muslim Thought’, Asian Journal of
Social Science 33(3): 363–83.
Mbembe, Achille (2001) On the Postcolony. Berkeley: University of California Press.
Metcalf, Barbara D. and Thomas R. Metcalf (2002) A Concise History of India.
Cambridge: Cambridge University Press.
Mufti, Aamir (1995) ‘Secularism and Minority: Elements of a Critique’, Social Text 45(Winter): 75–96.
Navaro-Yashin, Yael (2002) Faces of the State: Secularism and Public Life in Turkey.
Princeton, NJ: Princeton University Press.
Needham, Anuradha Dingwaney and Rajeswari Sunder Rajan, eds (2007) The Crisis of Secularism in India. Durham. NC: Duke University Press.
Norris, Pippa and Ronald Inglehart (2004) Sacred and Secular: Religion and Politics Worldwide. New York: Cambridge University Press.
Ortner, Sherry B. (1995) ‘Resistance and the Problem of Ethnographic Refusal’, Comparative Studies in Society and History 37(1): 173–93.
Pamuk, Orhan (2008) ‘My Turkish Library’, New York Review of Books 18 December.
Pecora, Vincent P. (2006) Secularization and Cultural Criticism: Religion, Nation and Modernity. Chicago: Chicago University Press.
Peter, Frank W. (2006) ‘Individualization and Religious Authority in Western
European Islam’, Islam and Muslim-Christian Relations 17(1): 105–18.
Roy, Olivier (2007) Secularism Confronts Islam (trans. George Holoch). New York: Columbia University Press.
Said, Edward (1978) Orientalism. London: Penguin.
Salvatore, Armando (2005) ‘The Euro-Islamic Roots of Secularity: A Difficult
Equation’, Asian Journal of Social Science 33(3): 412–37.
Salvatore, Armando (2006) ‘Power and Authority within European Secularity: From the Enlightenment Critique of Religion to the Contemporary Presence of Islam’, The Muslim World 96 (Oct.): 543–61.
Schielke, Samuli (2006) ‘Snacks & Saints: Mawlid Festivals and the Politics of
Festivity, Piety and Modernity in Contemporary Egypt’, unpublished PhD
Dissertation, University of Amsterdam.
Scott, David (2006) ‘The Trouble of Thinking: An Interview with Talal Asad’, in
David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 243–303. Stanford, CA: Stanford University Press.
Sen, Amartya (2005) The Argumentative Indian: Writings on Indian History, Culture and Identity. New York: Farrar, Straus & Giroux.
Shaikh, Nermeen (2002) ‘Asia Source: Interview with Professor Talal Asad.’ Available at http://www.asiasource.org.news/specialreports/asad.cfm
Silverstein, Brian (2003) ‘Islam and Modernity in Turkey: Power, Tradition and
Historicity in the European Provinces of the Muslim World’, Anthropological
Quarterly 76(3): 497–517.
Soares, Benjamin and René Otayek (2007) ‘Introduction: Islam and Muslim Politics in Africa’, in Benjamin Soares and René Otayek (eds) Islam and Muslim Politics in Africa, pp. 1–26. Basingstoke: Palgrave Macmillan.
Starrett, Gregory (1998) Putting Islam to Work: Education, Politics and Religious Transformation in Egypt. Berkeley: University of California Press.
Taylor, Charles (1995) Philosophical Arguments. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Taylor, Charles (1999) ‘Modes of Secularism’, in Rajeev Bhargava (ed.) Secularism and Its Critics, pp. 31–53. New Dehli: Oxford University Press.
Taylor, Charles (2007) A Secular Age. Cambridge, MA: Belknap Press of Harvard University Press.
Tayob, Abdulkader (2005) ‘Secularisation in Islam’, in Christina Timmermann and Barbara Saegert (eds) How to Conquer the Barriers to Intercultural Dialogue, pp. 117–32. Brussels: Peter Lang.
Tejani, Shabnum (2007) Indian Secularism: A Social and Intellectual History.
Bloomington: Indiana University Press.
Tripp, Charles (2006) Islam and the Moral Economy: The Challenge of Capitalism. Cambridge: Cambridge University Press.
Varisco, Daniel Martin (2005) Islam Obscured: The Rhetoric of Anthropological
Representation. New York: Palgrave.
Varisco, Daniel Martin (2007) Reading Orientalism: Said and the Unsaid. Seattle: University of Washington Press.
Viswanathan, Gauri (2008) ‘Said, Religion and Secular Criticism’, in Müge Gürsoy Sökmen and Bas‚ak Ertür (eds) Waiting for the Barbarians: A Tribute to Edward W. Said, pp. 164–75. London: Verso.
Warner, Michael (2008) ‘The Ruse of “Secular Humanism”’, post on the Social
Sciences Research Council’s (SSRC) blog The Immanent Frame. Posted 22
September 2008. (accessed 26 September 2008): http://www.ssrc.org/blogs/
immanent_frame/2008/09/22/the-ruse-of-secular-humanism/
Wilson, Jon E. (2006) ‘Subjects and Agents in the History of Imperialism and
Resistance’, in David Scott and Charles Hirschkind (eds) Powers of the Secular
Modern: Talal Asad and His Interlocutors, pp. 180–205. Stanford, CA: Stanford
University Press.
Yared, Nazik Saba (2002) Secularism and the Arab World (1850–1939). London: Saqi Books.
Zubaida, Sami (2005) ‘Islam and Secularisation’, Asian Journal of Social Science 33(3): 438–48.

الهوامش:
[1] Secularisms
نقترح لفظ علمانوية كمقابل لـsecularism (عوضا عن النزعة العلمانية، المذهب العلماني، الأيديولوجيا العلمانية، العلمانية السياسية، الدنيانية، وغيرها من المقترحات، لأغراض إجرائية محضة)، بينما نحتفظ بلفظ علمانية كمقابل لـ Secularity. ومعلوم أن ثمة فرق في المعنى بين المصطلحين. ولقد ترجمتُ بعض الأدبيات التي من شأنها أن توضح هذا الفرق، منها: خوسيه كازانوفا، العلماني والعلمانويات؛ وعقيل بلجرامي، العلمانوية: مضمونها وسياقها (وهي تفصل القول في مفهوم العلمانوية)؛ وتشارلز تايلور، العلمانية الغربية؛ وخوسيه كازانوفا، ما بعد العلماني: سجال مع هابرماس (وهي تفصل القول في مفهوم العلمانية). أما عن استخدام صيغة الجمع علمانويات فانظر الهامش رقم 5. (م).
[2] لبعض المساهمات انظر :
Bakhle (2008); Berlinerblau (2005); Bhargava (1999); Bilgrami (1999, 2004); Connolly (1999); Habermas (2008); Jakobsen and Pellegrini (2008); Needham and Rajan (2007); Norris and Inglehart (2004); Masud (2005); Mufti (1995); Roy (2007); Salvatore (2005, 2006); Taylor (1999, 2007); Tejani (2007); Yared (2002); and Zubaida (2005).
[3] قارن على سبيل المثال بـ Asad (1993a, 2001, 2003, 2006b, 2008)
[4] Conceptualize
[5]احتذي بجاكبسون وبيليجريني (2008) في استخدامي لصيغة الجمع، بغرض التوكيد على أن أشكال العلمانوية تتنوع بشدة داخل السياقات المجتمعية والثقافية وفيما بينها. وفي حين أن أسد واضح جدا في القول بأنه ثمة صيغ مختلفة ومتنوعة للعلمانوية (قارن على سبيل المثال بـ Asad, 2006b: 507) إلا أنه يظل يشير، بالرغم من ذلك، إلى الظاهرة بصيغة المفرد كما هو سائد. فالاختلافات القومية في طريقة فهم العلمانوية في أوروبا تُعبّر، بالنسبة لأسد، عن ضرب من "الاختلاف العائلي" (قارن بـ Asad, 2003: 208).
[6] كل التشديدات في المتن من المؤلف. (م)
[7] كل ما بين معكوفتين في النص (متنا وهوامشا) من المترجم. (م).
[8]بالمعنى التقريري للعبارة، فالأصل اللاتيني يعني حرفيا "من له الملك له الدين"، أي أن دين المحكومين هو دين مليكهم. فلو كان الملك كاثوليكي فالدين الرسمي للمملكة برمتها هو الكاثوليكية. وتم إقرار المبدأ في صلح أبوسبورج في 1555. (م).
[9] لذلك أرى أن خلوص ويلسون إلى أن "القول ]مع أسد[ بأن العلمانوية قد نشأت في تاريخ أوروبا الغربية هو قول بلا معنى" (Wilson, 2006: 199) هي خلاصة إشكاليّة. ]ويلسون يحاجج بأن أسد، نفسه، يؤكد على أنه ليس ثمة أصل ولا مسار تاريخي واحد للعلمانوية. ويحاجج أيضا بأن فهمنا لتاريخ أوروبا الحديث محكوم بفهمنا لأوروبا العلمانية بقدر ما أن فهمنا لأوروبا العلمانية محكوم بفهمنا لتاريخ أوروبا الحديث [.
[10] Universalism
النزوع المسيحي نحو الكونية. (م).
[11] يمكن أن نصيغ هذه العبارة على نحو شميتي كالآتي: إن مفهوم العلمانوية يفترض مسبقا مفهوم العلماني. اقتفاء لشميت إذ يقول "إن مفهوم الدولة يفترض مسبقا مفهوم السياسي". (م).
[12] يعقب أسد هنا على تايلور الذي يقول بأن على الدولة أن تجعل من المواطنة المبدأ الأساسي للهوية قائلا بأن ذلك يعني بأن عليها أن تتعالى على كل الهويات المؤسسة على الطبقة والجندر والدين. أن تستبدل وجهات النظر المتباينة بتجربة واحدة مشتركة: المواطنة. لا يتم النظر إلى الذوات هنا إلا بوصفهم مواطنين حصرا، بغض النظر عن دينهم أو طبقتهم أو جندرهم. هذا التوسط المتعالي هو العلمانوية بمعنى ما. فالعلمانوية ليست جواب فكري على سؤال كيف نحافظ على السلام الاجتماعي والتسامح؟ وإنما هي اشتراع قد تمكن توسط سياسي بواسطته من إعادة تعريف وتجاوز كل ممارسات الذات المبنية على الطبقة والجندر والدين. في نظام الحكم ما قبل الحديث كان هذا التوسط السياسي بين الهويات موجودا ولكنه لم يكن يروم تجاوز هذه الهويات ولا التعالي عليها ولا نسخها. (م).
[13] Disembodied
[14]يحاجج أسد هنا بأن العلمانوية لا تتعلق بالتسامح ولا بتحمل الاختلاف. وإنما هي مرتبطة ببنى حريات وحساسيات ضمن الدولة القومية الحديثة. ومن ثمّ هي معنية بالتعامل مع المعاناة التي من شأنها أن تنفي هذه الحريات والحساسيات أو تعيقها. إنها تسعي لمحو هذه المعاناة. العلمانوية مضطرة، إذن، لتغيير توزيع معين للألم عوضا عن وضع حد له، تغييره على النحو الذي يخدم هذه الحريات والحساسيات. وفي سبيلها لتغيير هذا التوزيع بينما هي تحاول أن تكبح ما تعتبره تجاوزات لاإنسانية لما تعينه على أنه هو الدين، تجيز في المقابل العديد من الأعمال الوحشية وتبررها وفقا لحسابات علمانية من قبيل النفعية الاجتماعية والحلم العلماني بالسعادة. ما تفعله العلمانوية، إذن، هو أنها تستبدل ألم بألم: تستبدل أنماط الألم والعقاب ما قبل الحديثة بأنماط الألم والعقاب الخاصة بها هي تحديدا. (م).
[15]نسبة للفيلسوف الليبرالي المرموق جون رولز، والإجماع التقاطعي overlapping consensus مفهوم أساسي لدى جون رولز، اعتمد عليه (ضمن مفاهيم أخرى كالوضع الأصلي وحجاب الجهل والمجتمع حسن التنظيم) في بناء نظريته السياسية الليبرالية حول العدالة. طرح رولز هذا المفهوم كجواب على السؤال التالي: كيف يمكن لفكرة المجتمع حسن التنظيم (حيث مجتمع عادل يتمتع فيه جميع المواطنين بالحرية والمساواة يتمتع بالاستمرارية والثبات) أن تتحقق على أرض الواقع إذا ما أخذنا في الاعتبار الطبيعة التعددية للمجتمع الحديث، حيث لا يتبنى الأفراد مذاهب دينية أو فلسفية أو أخلاقية مختلفة وفقط وإنما متعارضة أيضا؟ ويتمحور جواب رولز حول الآتي: 1) ينبغي أن يتم تأسيس تصور سياسي بشكل محض للعدالة في منأي عن أية متافيزيقا (وهو ما يسميه رولز بالعدالة كإنصاف)، أي تصور قائم بذاته، مستقل تماما عن أي من المذاهب الشاملة العقلانية (الدينية أو الفلسفية أو الأخلاقية) الموجودة في المجتمع التعددي. 2) حول هذا التصور السياسي للعدالة ينبغي أن تتقاطع وتتلاقى هذه المذاهب الشاملة العقلانية، محققة حوله ضرب من الاجماع: اجماع تقاطعي. 3) لا يقتضي هذا الإجماع من المواطنين أن يتخلوا عن مذاهبهم الشاملة وإنما سيجدون فيها (ولكونها عقلانية) ما يسوغ لهم تبني هذا التصور 4) هذا الاجماع يختلف تماما عن فكرة التوافق السياسي أو المساومة السياسية المحكومة بالمصلحة، فالعدالة كإنصاف موقف أخلاقي متجاوز للمصلحة السياسية. (م).
[16] Conceptualization
[17] Governance
تترجم عادة بالحِكامة أو الحوكمة أو الحاكمية. لكن ينبغي أن نفهم أن المقصود هنا ليس هو المعنى الإداري المحض للكلمة وإنما المقصود معنى زائد متعلق بأنماط وتقنيات التحكم والضبط والقيادة. فهي هنا بمعنى governmentality وانظر الهامش رقم 19. (م).
[18]هذه سمة فوكوية تماما. ففوكو يُمفهم السلطة بوصفها فعل "توجيه وقيادة " في المقام الأول، وما الإرغام والتفاوض إلا وسيلتين ضمن وسائل أخرى للتحكم. إنهما "مفاعيل" أو "أدوات" أكثر منهما "أساس" أو "مصدر" لعلاقات القوى، يقول فوكو. (م).
[19] مفهوم مفتاحي لفهم أفكار ميشيل فوكو السياسية المتأخرة، لم يتناوله في أعماله الأساسية المشهورة، وإنما قد طوره في الدروس التي ألقاها في الكوليج دي فرانس عامي 1978/1979. وقد صكه تحديدا في محاضرة بعنوان "جنيالوجيا الدولة الحديثة" بتاريخ 5 إبريل 1978، كمفهوما هاديا في تحليله الذي يغطي فترة تاريخية تمتد من الإغريق حتى الزمن النيوليبرالي. يربط فوكو بهذا المفهوم بين انهمامين بحثيين شغلاه في هذه الفترة: جنيالوجيا الدولة وجنيالوجيا الذات. لقد استخدمه لتحليل الروابط بين تقنيات الذات وتقنيات الهيمنة. سميائيا، يفيد الجمع بين كلمتي govern (يحكم، يضبط، يقود، يوجه) وmentality (أنماط التعقل، التفكر، التدبر) في هذا المفهوم أنه لا يمكن دراسة تقنيات السلطة من دون تحليل أنماط التعقل المؤسسة لها. ويستخدم فوكو مصطلح govern هنا بأوسع معنى ممكن للكلمة وليس في المعنى السياسي الذي تدل عليه حصرا في الوقت الراهن، فحتى القرن الـ18 كانت الكلمة تستخدم في كل السياقات الفلسفية والدينية والطبية والتربوية. إنها تعني الضبط والتحكم والتوجيه والقيادة بشكل عام سواء ضبط المرء لنفسه وتحكمه فيها أو ضبطه للآخرين وتحكمه فيهم (Lemke, 2002).
ويصعب ايجاد مقابل عربي وفي لدلالة هذا المفهوم الفوكوي وإن كان ثمة مقترحات متداولة كحوكمة وحِكامة وحاكمية وحكوميّة وحكوماتية والتي تُستخدم أيضا كمقابلات لمصطلح governance ذي الدلالة الإدارية والعملية المحضة، ومن ثمّ البعيد تماما عن مفهوم الـ governmentality عند فوكو.
وللمزيد من التفصيل للمفهوم راجع:
Lemke, Thomas (2002). Foucault, Governmentality and critique. Rethinking Marxism, 14: 3, 49-64.
Burchell, Graham et al. eds. (1991). the Foucault effect: studies in governmentality. Chicago: university of Chicago press.
حيث يقدم المرجع الأول جنيالوجيا للمفهوم ثم يتوسل به في نقد أنماط التحكم النيوليبرالية. بينما يتضمن المرجع الثاني كل ما قاله فوكو نفسه في هذه المسألة (م).
[20] ذكر أسد هذا الكلام في سياق تحليله للائكية الفرنسية، وتحديدا في سياق الحديث عن مسألة حظر الحجاب في فرنسا، معلقا على تحليل الأنثروبولوجي الفرنسي إيمانويل تيري الذي يرى هذه القضية بوصفها ضرب من "الهستريا السياسية" أي أنها محض استجابة غير عقلانية لأزمات سياسية واجتماعية مادية يعاني منها المجتمع الفرنسي. يرى أسد في المقابل أن الموقف/الانفعال غير المتعاطف بل حتى العدائي الذي يُظهره الفرنسيون في مثل هذه المواقف هو ببساطة جزء مما يعنيه أن يكون المرء رجلا فرنسيا علمانيا أو إمرأة فرنسية علمانية، جزء من هوية تتألف من طبقات من الانفعالات المُلقنة عبر التنشئة الثقافية والاجتماعية. (م).
[21] تخطو تلميذة أسد ومعاونته المقربة صبا محمود في ذلك خطوة إضافية: إن الليبرالية العلمانية، وفقا لها "تعين، في واقع الأمر، ما يشبه أسلوب حياة" (Mahmood, 2005: 191). ولكن، ينبغي أن يُلاحظ، هنا، أنه بالرغم من كون العلمانوية والليبرالية مرتبطتين ببعضهما في المتخيلات "الغربية"، إلا أنه "لا يمكن اختزال أي منهما في الآخر" (قارن بـ Connolly, 1999: 10)، وأن "العلمانوية ليست مرهونة بالليبرالية، بما أنه يمكن للعلمانوية أن تتخذ أشكالا لاليبرالية تماما" (Bilgrami, 2004: 173).
[22] Liberty
[23] Community of sentiments
ينهض هذا الطرح في الأساس على فكرة الجماعة الأهلية المتخيلة عند بيندكت أندرسون. فالحس الوطني، الشعور بالإنتماء للأمة، مبني على "تخيل" الفرد/المواطن أنه ينتمي إلى "أهل" يحملون نفس القيم والأحلام والمشاعر والرؤى. لا يرى أسد أن وحدة الدولة-الأمة تنهض على مثل هذا الاشتراك وإنما تنهض على بنية الدولة القانونية المركزية. (م).
[24]للمزيد عن نقد أسد للتصورات الجمهوروية حول الدولة قارن بـ (Asad (2004.
[25]يرى أسد أن الانشغال بموضوع الوحدة هو سمة مركزية للخطاب السلطوي، كذلك هو الإلحاح على الإخلاص لرموز الأمة. لا يقول أسد بأن هذا الهاجس مؤشر قطعي على كون النظام السياسي سلطوي وإنما هو الأقل يعبر عن مشكلة الدولة المتعلقة بسعيها لإخضاع الجميع لنظام مركزي بعينة. (م).
[26]لقد أخذت ويندي براون هذه الدعوى خطوة إضافية إلى الأمام وحاججت بأن "العلمانوية أداة للإمبراطورية" (Brown, 2007). وهو ما يثير السؤال عن ما إذا كانت العلمانوية ولا تزال أداة للإمبريالية بفضل الضرورة أم العرضية التاريخية؟ ففرض العلمانوية الغربية تحت حكم أتاتورك في تركيا ما بعد العثمانية لم يكن نتيجة للإمبريالية الغربية (قارن بـ Pamuk, 2008)، ويبدو أن ذلك كان هو الحال أيضا في سياق الهند ما بعد الكولونيالية (قارن بـ Sin, 2005). ولكن فكرة براون عن الإمبريالية يبدو أنها تشير أساسا إلى النيوليبرالية المعاصرة ("التي هي واحدة من أهم القوى الإمبريالية في زمننا هذا") وليس إلى نماذج تاريخية بعينها للإمبريالية ]قارن بأفكار نيجري وهاردت حول الإمبراطورية [. وبينما يتفق مع براون من حيث المبدأ، يجادل غورغوريس عن أن التحدي هو أن نفهم "كيف يمكن للعلمانوية أن تعمل ضد الإمبراطورية" (Gourgouris, 2008: 439). ]ستاثا غورغوريس، أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا[.
[27] يحاجج أسد هنا أنه وعلى الرغم من أن العلمانوية تدعي استقلال كل من الدولة والدين عن بعضهما البعض، إلا أن واقع الحال يقول أن الدولة تتخذ قرارات من شأنها أن تؤثر على الدين، بينما العكس غير حاصل أبدا. ثمة لا تكافؤ بين سلطة كل من الدولة والدين على الآخر هنا؛ الدولة تؤثر في الدين بينما الدين لا يؤثر في الدولة. هذا اللاتكافؤ هو تحديدا ما يعبر عن أن الدولة هي وهي وحدها صاحبة السيادة. (م).
[28]في واقع الأمر، هذه عبارة وليام كونوللي، استشهد بها أسد، ولكني لم أعزها لكونوللي هنا. يقول كونوللي في كتابه لماذا لست علمانويّا (Connolly, 1999)، الفصل الأول ، صفحة 19، "أن العلمانوية تحتاج إلى إعادة التشكيل وليس المحو".
[29] هذه الجزم المتعلق بفوكو إشكالي إن شئنا الصراحة، في ظل كون فوكو قدر صرف اهتماما جمّا بالثورة الإيرانية في 1979. قارن بـ Afary & Anderson (2006). ]مشكلة أسد مع فوكو لا تتعلق في واقع الأمر بعدم الاهتمام بغير الغرب بما هو كذلك، وإنما تحديدا بعدم اهتمامه بتحليل الممارسات الكولونيالية للغرب نفسه. راجع حوار أسد مع ديفيد سكوت، ضمن كتابه قوى الحديث العلماني، [Scott, 2006.
[30]في مقالة تعود إلى 1985 ذكر إدوارد سعيد أن عمل أسد حول الأنثروبولوجيا والكولونيالية بمثابة سلف ممهد لكتابه عن الاستشراق. وبدوره قد قدم أسد (1980) مراجعة مدائحية لكتاب سعيد الاستشراق.
[31] دراسات تاريخية وثقافية تعنى بدراسة تطور دلالة المصطلحات عبر الزمن. (م).
[32]لرد أسد على هذا النقد انظر Asad (2006) ]ص 227 ، 228[.
[33] Discursive tradition
مفهوم أساسي عند أسد، سيتم تناوله فيما يلي من الدراسة. (م).
[34] وكما لاحظ عزيز العظمة فإن فكرة الأصالة الإسلامية هي فكرة مركزية أيضا في الخطاب الإسلاموي، وقد أدت إلى ممارسة تأريخية تصنف كل حدث تاريخي وفقا لتصنيفات من قبيل "داخلي" و"خارجي" و"أصيل" و"مستورد" (Al-Azmeh, 1993: 83).
[35]مدين بالشكر للدكتور فرانك و. بيتر حيث استقيت هذه النقطة من دراسته عن أسد التي لم تُنشر بعد.
[36] Assimilated Muslims
[37]وإن كان ذلك حاصل بالفعل. ومثال ذلك، الأكاديمي الإسلامي سوداني المولد عبد الله أحمد النعيم الذي يحاجج في كتابه الإسلام والدولة العلمانية (2008) عن تناغم الإسلام ]نفسه وليس مجرد منظور المسلمين المستوعَبين [ مع نماذج الدولة العلمانية. ولنقد له قارن بـ Bowen (2008).
[38] Signifying practices
[39] يسمي أسد بالمشروع الأوروبي ما يُسمى عادة بالتحديث أو التحضر. (م).
[40]قارن بـ Varisco (2007) لنقد متبصر للثنائيات التي تسم كتابات إدوارد سعيد المتأخرة حول الاستشراق.
[41]لتفسيرات إثنوجرافية للعلمانوية التركية قارن بـ Navaro-Yashin (2002) و )2005) Çinar.
[42]يتوجه نقد تشبكن في كتاباته حول جنوب افرقيا ما بعد الكولونيالية إلى اثنين من الأكاديميين الأفارقة ما بعد الكولونياليين البارزين وهما محمود ممداني (وخاصة كتاب 1996) وأشيل ميبمبي (وخاصة كتاب 2001). ولكنى أرى أن نقده ذو صلة بالحالة التي بين أيدينا أيضا.
[43] Macro-level
[44] Naturalization
[45] لأن جلنر قد تعامل أنثروبولوجيّا مع الفاعلين المسلمين كأنهم لا يتكلمون ولا يفكرون وإنما يتصرفون وفقط. (م).
[46] أي وبمصطلحات غيرتز "وصفا سميكا" عوضا عن "وصفا رفيعا". والوصف الرفيع مجرد وصف بسيط، بينما السميك يُضمّنه الباحث بالإضافة إلى هذا الوصف تعليقات وتأويلات ومعان وبنى مفهومية (م).
[47]كانت أورتنر تتحدث في هذا السياق عن إثنوجرافيا المقاومة السياسية. (م).
[48] Discursive tradition
تقليد خطابي أي متشكل من خطابات . ويعرفه أسد بأنه الذي يتشكل، أساسا، من خطابات تروم هداية الممارسين وإرشادهم إلى الصورة الصحيحة التي ينبغي أن تؤدى بها ممارسة ما، وتروم تعليمهم غاية هذه الممارسة وفكرتها. هذه الممارسات لها تاريخ، تحديدا، لأنها ممؤسسة وراسخة ومكرسة. وترتبط هذه الخطابات مفهوميا بكل من ماضي (حيث مؤسست الممارسة، ومنه انتقلت المعرفة التي توضح غاية الممارسة وفكرتها والطريقة المثلى لأدائها)، ومستقبل (كيف يتم وعلى أكمل وجه الحفاظ على فكرة الممارسة على المدى القريب أو البعيد، أو لماذا ينبغي أن يتم تعديل هذه الممارسة أو حتى هجرها بالكلية)، يتم هذا الارتباط من خلال حاضر (كيف ترتبط الممارسة بغيرها من الممارسات وبالمؤسسات وبالشروط الاجتماعية).
وينطلق أسد في مفهومه هذا عن التقليد الخطابي من مفهوم الخطاب عند فوكو أو تحديدا مفهوم التشكلات الخطابية. فصبا محمود ترى أن مفهوم التقليد، وبوصفه معبر عن علاقة مفهومية مع الماضي عبر الاشتباك مع النصوص المؤسسة، يمكن اعتباره شكل أو ضرب من التشكلات الخطابية حيث التفكير في الماضي يمثل شرطا تأسيسيا لفهم وصياغة الحاضر والمستقبل. ومن مفهوم التقليد عند ألسيدير ماكينتير. يروق لأسد كثيرا كون ماكينتير قد قضى على الفكرة التي كانت تعتبر التقليد بوصفه مجموعة من المعطيات الثقافية والمعتقدات الجامدة التي لا تقبل التغيير، أي بوصفه نقيضا للتغير والعقلانية والحداثة والاختلاف. فعلى يد ماكينتير قد غدى للتقليد عقلانيته الخاصة، لقد غدا ساحة تتحاجج وتتناقش فيها تأويلات مختلفة. ولكن مأخذ أسد على ماكينتير هو إهماله للجسد أو قل للطببيعة المجسدنة للتقليد، فوفقا لأسد التقليد ليس موجودا في فراغ اجتماعي ولكنه "محمول" على أجساد الفاعلين الاجتماعيين، إنه "مجسدن"embodied ، أي مجسد في الممارسة. وللتأكيد على الطبيعة المجسدنة للتقليد يعرف تلميذ أسد تشارلز هيرشكايند التقليد الخطابي الإسلامي بوصفه "مجموعة من الخطابات المتطورة تاريخيا، والمجسدة في ممارسات ومؤسسات المجتمعات الإسلامية، ومن ثمّ هي متداخلة بعمق مع الحياة المادية لأولئك الذين يعيشون في هذه المجتمعات." أيضا، ترى صبا محمود أن ثمة فرق آخر أساسي بين مفهوم أسد ومفهوم ماكينتير، وهو أن أسد يؤكد على علاقات السلطة بما أنها ضرورية لكل من: شيوع تقليد ما وانتشاره على حساب تقاليد أخرى، وهيمنة نقاشات وممارسات بعينها على حساب غيرها داخل التقليد الواحد.
إذن، يمكن اعتبار مفهوم التقليد الخطابي عند أسد = مفهوم الخطاب عند فوكو + التقليد عند ماكينتير+ مفهوم الهابيتوس عند بورديو (م).
[49]ومهمة أنثروبولوجيا الإسلام، وفقا لأسد، هنا، أن تدرس: الطريقة التي تُمارس بها هذه السلطة، والشروط (الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، ألخ) التي تجعل هذه السلطة ممكنة، والمقاومة التي يمكن أن تجابهها (من المسلمين أو غير المسلمين). (م).
[50]عبد الحميد الزين (1934-1979)، أنثروبولوجي مصري، درس الأنثروبولوجيا بجامعة الأسكندرية، وبالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبجامعة شيكاغو، عمل أستاذا مساعدا بجامعة تيمبل بالولايات المتحدة. ودراسته المعنية هنا نُشرت في 1977 بعنوان: ما وراء الأيديولوجيا واللاهوت: البحث عن أنثروبولوجيا للإسلام. (م).
[51] يجادل الزين هنا بأن كل "الإسلامات" ينبغي أن تكون سواسية في عين الأنثروبولوجي، وأي بحث عن تراتبية ما بينها على أساس الحقيقة أو الصحة، أو على أساس الانتشار (إسلام كبير وإسلام صغير) ، هو خوض في اللاهوت وليس من عمل الأنثروبولوجي في شيء. (م).
[52]يرى فاريسكو (2005: 146-147) أن أسد قد أساء قراءة الزين هنا، وأن الخلاف بينهما أقل مما يوحي به كلام أسد ]يثمن أسد جهد الزين لكن يراه غير ذي جدوى في المحصلة. ويري أن ثمة تناقضا بين اعتباره أن ثمة أشكال متنوعة من الإسلام كلها حقيقية بنفس القدر وكلها تستحق صرف الانتباه الأنثروبولوجي إليها، وبين اعتباره إيها محض تجليات لمنطق لاوعي كامن. يرى أسد في ذلك وقوعا في شرك بنيوية ليفي شتراوس. وهو الأمر الذي يُرجع إليه أسد خلوص الزين إلى أن "الإسلام" غير موجود كمقولة تحليلية، ومن ثمّ استحالة وجود ما يمكن أن يسمى أنثروبولوجيا الإسلام[.
[53]خاصة كتابه ما بعد الفضيلة الفصل 15. (م).
[54]كما لاحظت صبا محمود (2005: 115). ]انظر الهامش رقم 48 لكلام محمود[.
[55] في عمله أركيولوجيا المعرفة (Foucault, 1972: 155-60).
[56]يجادل شيلك بأن مفهوم التقليد الخطابي يصلح كأداة أنثروبولوجية فعالة لدراسة الاستمرارية والاتصال، ولكنه غير فعال تقريبا فيما يتعلق بدراسة التناقضات والانقطاعات. (م).
[57]إشارة لفكرة الزمن الفارغ والمتجانس عند فالتر بنيامين (التي اعتمد عليها بنديكت أندرسن لبناء فكرته عن الأمة أو القومية بوصفها جماعة أهلية متخيلة). (م).
[58]قد عالج أسد، بدرجة ما، مشكلة الفاعلية ومشكلة التغير والتمزق داخل التقليد في نص حديث بعنوان: "التفكير حول التقليد والدين والسياسة في مصر المعاصرة". ففيه يقول مثلا: "من حيث المبدأ، إذن، يمكن للتقليد أن يتكيف مع التمزق، واستعادة العافية، وتبديل الوجهه، والانشقاق، تماما كما يتكيف مع الاستمرارية والاتصال. إن التقليد واحد ومتعدد في الوقت عينة. وبالنسبة للذوات ليس ثمة فقط استمراريات وإنما أيضا ثمة نوبات خروج من التقليد ونوبات دخول إليه. إن التقليد يتكيف مع الأخطاء ومع الخيانة كذلك. ليس بمصادفة إذن أن تتشارك في التأثيل كلمتا tradition وtreason تقليد وخيانة"، انظر:
Talal Asad, "Thinking About Tradition, Religion, Politics in Egypt Today," Critical Inquiry 42, no. 1 (Autumn 2015): 166-214
خاصة الصفحات 166-169. (م).
[59] عوضا عن التساؤل عن مدى توافق التقاليد الإسلامية مع القيم الليبرالية كالحرية والفردية والتسامح وما إلى ذلك، علينا أن نساءل هذه المقولات نفسها: ماذا تقصد الليبرالية بالتسامح؟ ما هي حدود الحرية الليبرالية؟ وهكذا. (م).
[60]الأكاديمي المعني هنا هو محمد سعيد العشماوي (م).
[61] لقد حاجج بيكورا بأن أسد سيتوجب عليه في نهاية المطاف "أن يتقبل ضمنيا بعض أشد التفسيرات تصلبا واختزالا للاختلاف الموجود بين الغرب المعلمن وغير- الغرب الديني، بغض النظر عن مطالبته بالإبقاء على الحدود التي بينهما مفتوحة" (Pecora, 2006: 42). ولقد كانت، طبعا، التفسيرات الفكرية الاختزالية للاختلاف المزعوم (والحقيقي) بين التقاليد "الإسلامية" و"الغربية" مركزية بالنسبة لحركات اليمين السياسي في كل من أوروبا والولايات المتحدة في العقود الأخيرة.
[62]من منظور حقوق الإنسان يجوز للمرء أن يقول بأن تجاهل الدول ببساطة لإلتزامات حقوق الإنسان المنبثقة عن معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان هو مشكلة أخطر من مشكلة استخدام الدولة لها ضد مواطنيها، ولكن هذه النقطة محل جدل. ونقد أسد هنا موجه نحو السلطة التي تُمنح للدولة باسم حقوق الإنسان.
[63]يؤثر الأنثروبولوجيون، عامة، استخدام مصطلح ختان الإناث، بينما تفضل وكالات الأمم المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية استخدام مصطلحات ذات حمولة معيارية وقيمية مثل قطع أو تشويه أعضاء المرأة التناسلية.
[64]أجد، تماما كبيكورا (2006: 43)، جعل أسد ذلك من خصوصيات التصورات "الغربية" عن الكرامة الجسدية غير مقنع.
[65]تيمنا باسم بيرنارد ستاسي الذي كلفه الرئيس الفرنسي جاك شيراك برئاسة لجنة تبحث في تطبيق مبدأ اللائكية بفرنسا في 2003. (م).
[66]أشكر كل من البروفيسور Njål Høstmælingen والأستاذ المساعد Tore Lindholm بالمركز النرويجي لحقوق الإنسان بأوسلو على توضيحاتهم النافعة لهذه النقطة.
[67] أسد ليس معجب بفكرة شميت القائلة بأن المفاهيم السياسية الحديثة ليست سوى مفاهيم لاهوتية معلمنة (Scott, 2006a). (م).
[68]أحد أهم الأعمال التي أعطت زخما ودفعة لهذا التأويل دراسة المؤرخ البريطاني نورمان كوهين عن أناركيين العصور الوسطى الباطنيين والألفيين الثوريين الموسومة بـ the pursuit of the Millennium ]السعي إلى الألفية[ (1957).
[69]في مراجعة للطبعة الجديدة لكتاب كولاكوفيسكي تيارات الماركسية الرئسية: المؤسسون، العصر الذهبي، والانهيار (2005)، حاجج توني جودت (2006) هو الآخر بأن "الماركسية السياسية كانت، وقبل كل شيء، دين علماني".
[70]انظر بولBull (2007) لمراجعة نقدية لأفكار جراي في هذا الصدد.
[71]في سياق تحليله للتفجيرات الانتحارية التي يقوم بها المسلمون لاحظ أسد، عن حق، أن "الطبيعة غير المحدودة للدافع تترك حتما مجالا معتبرا للتأويل" (Asad, 2007: 41).
[72]قارن بـ أفاري وأندرسون (2006: 56) لبيان اعتماد النازي على واحدة من أقدم الآلم المسيحية (صلب المسيح) في أوبراميراجو بجبال الألب ببفاريا بغرض نشر معادة السامية.
[73]يمكن المحاججة هنا عن أن السلام الداخلي في أوروبا والولايات المتحدة تم إرسائه بواسطة الحروب التي تم خوضها خارج الغرب، في العالم الثالث. لقد كانت هذا الحروب، لو تكلمنا بلغة رينيه جيرار، بمثابة "ممارسة أضحوية" Scapegoating الغرض منها الحفاظ على السلام الداخلي، عن طريق صرف العنف وتوجيه نحو "أضحية" خارجية. عبر العنف إذن (أكثر من العلمانوية) تم الحفاظ على النظام الاجتماعي في الغرب. (م).
[74]ثمة في الهند، على سبيل المثال، منظمة غير حكومية تسمى بمسلمون من أجل الديمقراطية العلمانية. والتي يلعب فيها الشيعي الإسماعيلي سابقا على أصغر انجنير دورا مركزيا. انظر الرابط.
[75] يحاجج مارسدين هنا، صراحة، ضد أعمال هيرشكانيد (2006) ومحمود (2005) وستاريت (1998).
[76] Islam Mondain
يستخدم سوارس المصطلح الفرنسي. والمقصود الإسلام في العالم الحاضر، في العالم الاجتماعي المعاش، هنا والآن. (م).
[77] Cognitive contamination
من ضمن "بنى المعقولية" التي يمكن أن يحظى بها تقليد ديني ما (وهو مفهوم أساسي عند بيرجر طوره مع لوكمان في نصهما الكلاسيكي (1966) التأسيس الاجتماعي للواقع) أن تحظى معتقدات المرء المنتمي لتقليد ما بتأييد من حوله، أي ببساطة كلما كان المرء يعيش في وسط من يحملون نفس معتقداته كلما كانت هذه المعتقدات أكثر معقولية ووجاهة ومن ثمّ أكثر رسوخا. ولكن ما الذي يحدث إذا عاش المرء في وسط أناس يحملون معتقدات مختلفة عن معتقداته أو مضادة لها؟ يحدث "تلوث معرفي"؛ عندما يختلط المرء بآخرين يحملون رؤية للعالم مخالفة لرؤيته تتلوث رؤية المرء بهذه الرؤية المخالفة، مما يمثل تحديا لمعتقداته يدفعه لمساءلتها وهو ما قد يفقدها معقوليتها ووجاهتها في نهاية المطاف. وللمزيد عن هذا المفهوم راجع كتاب بيرجر (2009) في مديح الشك. (م).
[78] Vernacular practice
أن ندرس العلماني كما يتجلى في لغة وأفكار وممارسات الناس العاديين (العوام) في حياتهم اليومية. تماما كما هو الشأن مع الدين العامي أو الشعبي. (م).

طارق عثمان
باحث ومترجم مصري، متخصص في العلوم الاجتماعيّة. ترجم "حاوي الثورة المصريّة" لوالتر أرمبرست، و"ما هي الشريعة؟" لوائل حلاق. كما ترجم عشرات الأوراق العلميّة المنشورة إلكترونياً. بالإضافة إلى مقالاته وأبحاثه التي تركز على السوسيولوجيا وعلم النفس والإرهاب والدولة الحديثة.
سيندر بانجستاد

متخصص في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة أوسلو، النرويج.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.