القائد: فوزي القاوقجي والقتال في سبيل استقلال العرب 1914-1948
نادراً ما يعتمد البحث الغربي على المصادر العربية في التأريخ لمراحل الصراع بين العرب والغرب، وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. إذ تُشكل المصادر الكولونيالية التي تقدمها الوثائق والتقارير الغربية، إضافةً إلى الأرشيف الإسرائيلي، المَعين الأول للباحثين الغربيين لاستقاء معلوماتهم ووجهات النظر المتعلقة بتاريخ منطقة الشرق الأوسط.
ومن هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي اعتمد بشكل شبه كامل على المصادر العربية في إعادة تقديم أهم الأحداث التاريخية التي مرَّ بها الشرق الأوسط منذ نهاية الدولة العثمانية، مروراً بالتدخلات الغربية الاستعمارية، والثورات العربية التي قامت في سبيل الاستقلال، وصولاً إلى المرحلة الحاسمة في تاريخ المنطقة، حرب 1948 وإعلان تأسيس دولة إسرائيل.
من خلال تتبع سيرة فوزي القاوقجي الحافلة، وحضوره في معظم الأحداث الكبرى في منطقة الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن العشرين، سعت الدكتورة ليلى بارسونس (أستاذة تاريخ الشرق الأوسط الحديث والمعاصر في قسم التاريخ ومعهد الدراسات الإسلامية في جامعة مكجيل، كندا) تقديم عرض واضح لأهم الأحداث التاريخية التي صاغت الشرق الأوسط، والتي لا تزال آثارها فاعلة حتى أيامنا هذه.
حياة القاوقجي كانت أشبه بالمغامرة المستمرة، وقد يبدو تواجده المستمر في معظم اللحظات التاريخية المهمة في تاريخ الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن العشرين ضرباً من الخيال. فقد بدأ بدراسته العسكرية في استنبول، وبعدها شارك في القتال ضد الإنجليز والفرنسيين في بلاد الشام خلال فترة الحرب العالمية الأولى كضابطٍ في الجيش العثماني. ومع دخول قوات الثورة العربية إلى دمشق انضم لجيش الملك فيصل، وبعدها غدا ضابطاً في الجيش الفرنسي، ليثور لاحقاً ضد الاستعمار الفرنسي ويساهم بشكل فاعل في معظم الثورات السورية. ونتيجة لملاحقته اضطر للهرب إلى الحجاز، حيث عمل على تنظيم جيش عبد العزيز ابن سعود، وبعدها عاد إلى العراق للمساهمة في الثورة ضد البريطانيين، غير أنه أصيب وتم نقله إلى برلين للعلاج وامتدت إقامته هناك، فقد كان من المستحيل عودته خلال فترة الاستعمار، إذ كان مطلوباً لكلٍ من الفرنسيين والبريطانيين. ومع دخول السوفييت إلى برلين تم أسره وسُجن لعدة أشهر إلى أن تمكن من الهرب إلى باريس، والعودة بعدها إلى سوريا ليساهم في أهم حدث في تاريخ المنطقة، وفي حياة القاوقجي، والمتمثل في قيادة جيش الإنقاذ العربي في فلسطين عام 1948.
فوزي القاوقجي
هذا العرض الموجز للمحطات الهامة في حياة القاوقجي شكَّلَ الإطار العام للكتاب، والذي قدمت المؤلفة من خلاله فرصة مهمة للقارئ الغربي غير المختص بأخذ فكرة عن الأحداث المصيرية في النصف الأول من القرن العشرين، والتي ساهمت في تشكيل منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال تحكم إلى قدرٍ كبير الكثير من صراعاته.
لا يهدف هذا العرض الموجز لاستعادة تلك الوقائع، ولا العمل على تلخيص أهم أفكار الكتاب، وإنما ستتم الإشارة إلى بعض المحطات الرئيسية في حياة القاوقجي وفي تاريخ المنطقة بشكل عام، قبل تناول منهجية هذا الكتاب ومساهمته في حقل دراسات تاريخ الشرق الأوسط.
يلقي الكتاب بدايةً الضوء على تشكل الوعي القومي العربي في بداياته من خلال حياة القاوقجي في الكلية الحربية في استنبول أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. حيث يشير إلى نمو النزعة القومية التركية بين الضباط وبروزها من خلال تحديد هويتهم كأتراك ينتسبون إلى طوران، بدلاً من الإنتماء الشامل للدولة العثمانية. هذه النزعة التركية تم مواجتها بحالة من الشعور بالفخر العربي من قبل الجنود العرب، والذين بدأوا ينظرون لهويتهم من منظار القومية العربية. وعلى الرغم من أن النزعة القومية العربية كانت محدودة في أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنها تعاظمت بعد سنة 1908، عندما برزت النزعة التركية بشكل كبير مع حركة تركيا الفتاة.
بعد تخرج القاوقجي من الكلية الحربية تم تعيينه في الموصل، وبدلاً من أن يسلك الطريق المعتاد عبر حلب ودير الزور، قرر أن يرحل عبر وسط الأناضول ليتعرف على المنطقة وأهلها وعاداتها. هذه الرحلة عززت من نزعته القومية العربية من خلال الاختلافات التي لاحظها عندما دخل إلى المناطق العربية، وما رافق ذلك من لقاءات بالقبائل العربية والترحيب الذي تلقاه بلسانٍ عربي، وعادات عربية. تجدر الإشارة إلى أن رشيد رضا اقترح أن تكون الموصل هي عاصمة الخلافة الإسلامية الجديدة بعد سقوط الخلافة العثمانية. القاوقجي ورضا، وكلاهما من طرابلس، لم يكونا يجدان تناقضاً بين فكرة القومية العربية والخلافة الإسلامية، إذ كيف يمكن النظر إلى الأقطار العربية دون الأخذ بعين الاعتبار ثقافتها وعاداتها الإسلامية. وهو ما شكل اختلافاً عن مفهوم القومية العربية لدى الأقليات الدينية الأخرى في المنطقة العربية، والتي ترى الأيديولوجيا القومية بوصفها أيديوجيا علمانية حديثة تقوم على اللغة والتراث الثقافي المشترك.
بعد وصول القاوقجي إلى الموصل بعامين كانت القوات البريطانية تحتل البصرة وجنوب العراق، ما شكل بداية الحرب العالمية الأولى في فكر القاوقجي. من هنا، يعيد الكتاب تعريف القارئ الغربي على جانبٍ من الحرب العالمية الأولى من وجهة نظر عربية، وبالأخص الجنود العرب في الجيش العثماني. إذ غالباً ما كانت تُقدم وجهة النظر المرتبطة بثورة الشريف حسين المدعومة من بريطانيا في 1916، بما في ذلك مغامرات لورانس العرب وبطولاته.
قاتل القاوقجي ضمن صفوف الجيش العثماني في فلسطين وبقي في وحدته حتى أواخر الحرب، حيث عاد إلى بلدته طرابلس في أواخر عام 1918 بعد أن دخلت قوات الشريف حسين إلى دمشق. لاحقاً رحب فيصل وجيشه بالجنود العرب الذين كانوا يخدمون في الجيش العثماني، والتقى فيصل بالقاوقجي خلال زيارته لطرابلس ودعاه للانضمام إلى الجيش العربي في سوريا، وهذا ما شكل بداية علاقة جديدة بينهما.
يلقي الكتاب بدايةً الضوء على تشكل الوعي القومي العربي في بداياته من خلال حياة القاوقجي في الكلية الحربية في استنبول أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. حيث يشير إلى نمو النزعة القومية التركية بين الضباط وبروزها من خلال تحديد هويتهم كأتراك ينتسبون إلى طوران، بدلاً من الإنتماء الشامل للدولة العثمانية. هذه النزعة التركية تم مواجتها بحالة من الشعور بالفخر العربي من قبل الجنود العرب، والذين بدأوا ينظرون لهويتهم من منظار القومية العربية. وعلى الرغم من أن النزعة القومية العربية كانت محدودة في أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنها تعاظمت بعد سنة 1908، عندما برزت النزعة التركية بشكل كبير مع حركة تركيا الفتاة.
بعد تخرج القاوقجي من الكلية الحربية تم تعيينه في الموصل، وبدلاً من أن يسلك الطريق المعتاد عبر حلب ودير الزور، قرر أن يرحل عبر وسط الأناضول ليتعرف على المنطقة وأهلها وعاداتها. هذه الرحلة عززت من نزعته القومية العربية من خلال الاختلافات التي لاحظها عندما دخل إلى المناطق العربية، وما رافق ذلك من لقاءات بالقبائل العربية والترحيب الذي تلقاه بلسانٍ عربي، وعادات عربية. تجدر الإشارة إلى أن رشيد رضا اقترح أن تكون الموصل هي عاصمة الخلافة الإسلامية الجديدة بعد سقوط الخلافة العثمانية. القاوقجي ورضا، وكلاهما من طرابلس، لم يكونا يجدان تناقضاً بين فكرة القومية العربية والخلافة الإسلامية، إذ كيف يمكن النظر إلى الأقطار العربية دون الأخذ بعين الاعتبار ثقافتها وعاداتها الإسلامية. وهو ما شكل اختلافاً عن مفهوم القومية العربية لدى الأقليات الدينية الأخرى في المنطقة العربية، والتي ترى الأيديولوجيا القومية بوصفها أيديوجيا علمانية حديثة تقوم على اللغة والتراث الثقافي المشترك.
بعد وصول القاوقجي إلى الموصل بعامين كانت القوات البريطانية تحتل البصرة وجنوب العراق، ما شكل بداية الحرب العالمية الأولى في فكر القاوقجي. من هنا، يعيد الكتاب تعريف القارئ الغربي على جانبٍ من الحرب العالمية الأولى من وجهة نظر عربية، وبالأخص الجنود العرب في الجيش العثماني. إذ غالباً ما كانت تُقدم وجهة النظر المرتبطة بثورة الشريف حسين المدعومة من بريطانيا في 1916، بما في ذلك مغامرات لورانس العرب وبطولاته.
قاتل القاوقجي ضمن صفوف الجيش العثماني في فلسطين وبقي في وحدته حتى أواخر الحرب، حيث عاد إلى بلدته طرابلس في أواخر عام 1918 بعد أن دخلت قوات الشريف حسين إلى دمشق. لاحقاً رحب فيصل وجيشه بالجنود العرب الذين كانوا يخدمون في الجيش العثماني، والتقى فيصل بالقاوقجي خلال زيارته لطرابلس ودعاه للانضمام إلى الجيش العربي في سوريا، وهذا ما شكل بداية علاقة جديدة بينهما.
الملك فيصل ويظهر خلفه من اليمين تحسين قدري واوارد لورنس ونوري السعيد ورستم حيدر
وقد انضم القاوقجي إلى مكتب وزير الدفاع ياسين الهاشمي، والذي كان بدوره جندياً في الجيش العثماني وبقي مخلصاً له حتى نهاية الحرب، بل وجُرح في قتاله ضد جيش فيصل. ومن الصعب معرفة مشاعر القاوقجي تجاه الملك فيصل، فقد اعتبر الخروج على الدولة العثمانية خيانة في بداية حياته، غير أنه كتب في أوائل السبعينيات (عندما كانت القومية العربية في ذروتها، وكان ينظر إلى فيصل والثورة العربية على أنها كانت تمثل ميلاد القومية العربية.
بعد فشل مفاوضات فيصل والفرنسيين وانسحابه من دمشق ودخول الفرنسيين، انضم القاوقجي في عام 1922 للفيلق السوري، والذي كان رسمياً تحت القيادة الفرنسية، وقد تم تعيينه في حماه. وعلى الرغم من معارضة القاوقجي لتقسيم سوريا، غير أنه لم يحدد ما يقصده بوحدة سوريا.
في عام 1925 راسل القاوقجي أعيان حماة وقادة الثورات في المناطق الأخرى، وخاصة هنانو والأطرش في سبيل التخطيط لانطلاق ثورة ضد الفرنسيين في حماة. اتفق الثوار على ترك مسألة شكل الدولة السورية لبعد إزاحة فرنسا حتى لا يفتح الباب للخلاف والجدال. السياسيون المؤيدون للثورة مثل الشهبندر والريس كان لديهم تصور قائم على فكرة حكومة دستورية، وحتى خلال فترة حكم الملك فيصل القصيرة، كان البرلمان يناقش مسألة إقرار دستور للبلاد. كانت المقاومة السورية قد بدأت مع إبراهيم هنانو وصالح العلي ورمضان شلاش. وبرأي الباحثة فإن هذه الثورات يجب أن تُفهم في السياق التركي أكثر مما هي في السياق القومي العربي، وخاصة أن النموذج الذي كانت تقتفيه هو حرب مصطفى كمال أتاتورك الناجحة لوقف تمدد الفرنسيين في الأناضول، وهذا ما شكل حافزاً للعديد من الحركات العربية الرافضة للوجود الفرنسي والبريطاني، وأعاد لهؤلاء الثوار الثقة بإمكانية الانتصار على الفرنسيين. مع ذلك ، لم تكن ثورة أتاتورك هي المحفز الوحيد للقاوقجي، وإنما أيضاً الأخبار الواردة من المغرب والمتعلقة بثورة الريف وانتصاراتها بقيادة عبدالكريم الخطابي، وقد تكرر ذكر الخطابي ووصفه بالبطل عدة مرات في مذكرات القوقجي.
في الثورة السورية (1925-1927) قاتل القاوقجي من أجل استقلال سوريا عن فرنسا، وشكلت هذه الثورة نقطة تحول أساسية في حياته، إذ انتقل من حياة ضابط رسمي في جيش نظامي، إلى قائد ثورة، ومن ثم منفي وملاحق في الكثير من مراحل حياته.
بعد فشل الثورة السورية تم نفيه إلى الحجاز حيث عمل على محاولة تنظيم قوات عبدالعزيز بن سعود في شكل جيش نظامي. غير أنه نتيجة شك الملك عبدالعزيز، وخوفه من تمرد قبائل الحجاز بدعم من الشريف حسين في الأردن، تم اعتقال العديد من زعماء القبائل المشكوك بولائهم، إضافة للعديد من التجار والقادة العسكرين، وكان من بين المعتقلين القاوقجي. وعلى الرغم من أن التحقيق معه في الحجاز ولاحقاً في الرياض لم يستمر طويلاً، وطلب منه لاحقاً البقاء في السعودية، إلا أنه شعر بأن حياته في خطر، وفضّل المغادرة إلى العراق حيث ظن أن علاقته السابقة بالملك فيصل في دمشق قد تساعده في تأمين مستقبله.
وصل إلى العراق في عام 1932، وبقي هناك حتى عام 1936 عندما انطلقت الثورة الفلسطينية لتبدأ مرحلة جديدة من حياته. فقد تم تعيين القاوقجي قائداً للثورة في فلسطين وذلك للتأكيد على الترابط بين فلسطين وسوريا الكبرى، أي لإعطاء الثورة في فلسطين طابعاً قومياً عربياً، وليس محلياً فلسطينياً. فمشاركة القاوقجي مع قوات من العراق وسوريا وضعت الصراع في فلسطين ضمن إطار حرب الاستقلال ضد القوى الاستعمارية، والتي تهدف لجلاء المستعمر الغربي عن فلسطين. هذه الثورة أجبرت البريطانيين على التفاوض من أجل الانسحاب من فلسطين، في الوقت الذي كان السوريون يفاوضون الفرنسيين في باريس حول مستقبل سوريا.
وصل القاوقجي لفلسطين مع قوة قوامها 200-300 شخص فقط، من العراق وسوريا بشكل أساسي، بينما كانت القوات البريطانية في ذلك الوقت تقدر بحوالي 20 ألفاً. وبعد مناوشات استمرت لعدة أشهر، أجبر على الخروج من فلسطين.
في عام 1936 كان ياسين الهاشمي، وهو قومي عربي، رئيساً للحكومة العراقية ومن الداعمين للثوار الذين يريدون التوجه إلى فلسطين. غير أن انقلاباً عسكرياً قاده حكمت سليمان وبكر صدقي (وحكمت من التركمان، وبكر كردي، وكلاهما لا يميلان للروابط العربية، وإنما يفضلان التركيز على العراق وتعدديته) أوقف أي مساعدة للثورة في فلسطين. وعندما عاد القاوقجي إلى العراق، تم نفيه إلى كركوك ذات الأغلبية التركمانية، والتي غالباً لن يجد فيها مؤيدين لبرنامجه القومي.
لاحقاً عاد القاوقجي للانضمام لحركة المقاومة ضد الإنجليز والفرنسيين، إلا أنه أصيب إصابة بالغة في الطريق من الحدود العراقية إلى منطقة تدمر. تم نقله إلى حلب، ثم إلى اليونان، ومنها إلى برلين لتبدأ مرحلة جديدة من حياته استمرت منذ 1941، إلى سنة 1947.
حياة القاوقجي في ألمانيا النازية
هذه الفترة كانت موضع اهتمام مكثف من قبل المؤرخين الهواة الذين أرادوا الربط بين إقامة قومي عربي في ألمانيا النازية لعدة سنوات، وما اعتبروه عداءً للسامية في الكفاح الذي خاضه القاوقجي بعد ذلك ضد تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. أهم مقالة تتعلق بتفاصيل حياته في ألمانيا ظهرت عام 1995، وكُتبت من قبل المؤرخ الألماني غيرهارد هوب، والذي أوضح بشكل جلي أن اهتمام القاوقجي بالقوة الألمانية في تلك الفترة كان ناتجاً عن رغبته بالتخلص من الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي، ولا يتعلق بأي عداء للسامية، أو أي اهتمام بالأيديولوجيا الألمانية.اعتمد غيرهارد هوب على الإرشيف الألماني في معلوماته المتعلقة بعلاقة القاوقجي بالجنود والسياسيين العرب المقيمين بألمانيا حينها، ومعظمهم كان يأمل بأن انتصار المحور الألماني-الإيطالي سيؤدي إلى استقلال الدول العربية، وقد حدثت مفاوضات مع كل من الخارجية الألمانية والخارجية الإيطالية حول هذا الأمر. ومن أهم الشخصيات التي كانت في برلين في تلك الفترة، إضافة للقاوقجي، مفتي فلسطين أمين الحسيني ورشيد عالي كيلاني الذي قام بانقلابٍ على الحكومة العراقية الموالية للبريطانية، ولكن تدخلت بريطانيا وأزاحته مما اضطره للهرب، وأيضاً الصحفي السوري منير الريس الذي رافق القاوقجي في الكثير من محطات حياته، والذي شكلت مذكراته أحد روافد هذا العمل.
في الثورة السورية (1925-1927) قاتل القاوقجي من أجل استقلال سوريا عن فرنسا، وشكلت هذه الثورة نقطة تحول أساسية في حياته، إذ انتقل من حياة ضابط رسمي في جيش نظامي، إلى قائد ثورة، ومن ثم منفي وملاحق في الكثير من مراحل حياته.
بعد فشل الثورة السورية تم نفيه إلى الحجاز حيث عمل على محاولة تنظيم قوات عبدالعزيز بن سعود في شكل جيش نظامي. غير أنه نتيجة شك الملك عبدالعزيز، وخوفه من تمرد قبائل الحجاز بدعم من الشريف حسين في الأردن، تم اعتقال العديد من زعماء القبائل المشكوك بولائهم، إضافة للعديد من التجار والقادة العسكرين، وكان من بين المعتقلين القاوقجي. وعلى الرغم من أن التحقيق معه في الحجاز ولاحقاً في الرياض لم يستمر طويلاً، وطلب منه لاحقاً البقاء في السعودية، إلا أنه شعر بأن حياته في خطر، وفضّل المغادرة إلى العراق حيث ظن أن علاقته السابقة بالملك فيصل في دمشق قد تساعده في تأمين مستقبله.
وصل إلى العراق في عام 1932، وبقي هناك حتى عام 1936 عندما انطلقت الثورة الفلسطينية لتبدأ مرحلة جديدة من حياته. فقد تم تعيين القاوقجي قائداً للثورة في فلسطين وذلك للتأكيد على الترابط بين فلسطين وسوريا الكبرى، أي لإعطاء الثورة في فلسطين طابعاً قومياً عربياً، وليس محلياً فلسطينياً. فمشاركة القاوقجي مع قوات من العراق وسوريا وضعت الصراع في فلسطين ضمن إطار حرب الاستقلال ضد القوى الاستعمارية، والتي تهدف لجلاء المستعمر الغربي عن فلسطين. هذه الثورة أجبرت البريطانيين على التفاوض من أجل الانسحاب من فلسطين، في الوقت الذي كان السوريون يفاوضون الفرنسيين في باريس حول مستقبل سوريا.
وصل القاوقجي لفلسطين مع قوة قوامها 200-300 شخص فقط، من العراق وسوريا بشكل أساسي، بينما كانت القوات البريطانية في ذلك الوقت تقدر بحوالي 20 ألفاً. وبعد مناوشات استمرت لعدة أشهر، أجبر على الخروج من فلسطين.
في عام 1936 كان ياسين الهاشمي، وهو قومي عربي، رئيساً للحكومة العراقية ومن الداعمين للثوار الذين يريدون التوجه إلى فلسطين. غير أن انقلاباً عسكرياً قاده حكمت سليمان وبكر صدقي (وحكمت من التركمان، وبكر كردي، وكلاهما لا يميلان للروابط العربية، وإنما يفضلان التركيز على العراق وتعدديته) أوقف أي مساعدة للثورة في فلسطين. وعندما عاد القاوقجي إلى العراق، تم نفيه إلى كركوك ذات الأغلبية التركمانية، والتي غالباً لن يجد فيها مؤيدين لبرنامجه القومي.
لاحقاً عاد القاوقجي للانضمام لحركة المقاومة ضد الإنجليز والفرنسيين، إلا أنه أصيب إصابة بالغة في الطريق من الحدود العراقية إلى منطقة تدمر. تم نقله إلى حلب، ثم إلى اليونان، ومنها إلى برلين لتبدأ مرحلة جديدة من حياته استمرت منذ 1941، إلى سنة 1947.
حياة القاوقجي في ألمانيا النازية
هذه الفترة كانت موضع اهتمام مكثف من قبل المؤرخين الهواة الذين أرادوا الربط بين إقامة قومي عربي في ألمانيا النازية لعدة سنوات، وما اعتبروه عداءً للسامية في الكفاح الذي خاضه القاوقجي بعد ذلك ضد تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. أهم مقالة تتعلق بتفاصيل حياته في ألمانيا ظهرت عام 1995، وكُتبت من قبل المؤرخ الألماني غيرهارد هوب، والذي أوضح بشكل جلي أن اهتمام القاوقجي بالقوة الألمانية في تلك الفترة كان ناتجاً عن رغبته بالتخلص من الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي، ولا يتعلق بأي عداء للسامية، أو أي اهتمام بالأيديولوجيا الألمانية.اعتمد غيرهارد هوب على الإرشيف الألماني في معلوماته المتعلقة بعلاقة القاوقجي بالجنود والسياسيين العرب المقيمين بألمانيا حينها، ومعظمهم كان يأمل بأن انتصار المحور الألماني-الإيطالي سيؤدي إلى استقلال الدول العربية، وقد حدثت مفاوضات مع كل من الخارجية الألمانية والخارجية الإيطالية حول هذا الأمر. ومن أهم الشخصيات التي كانت في برلين في تلك الفترة، إضافة للقاوقجي، مفتي فلسطين أمين الحسيني ورشيد عالي كيلاني الذي قام بانقلابٍ على الحكومة العراقية الموالية للبريطانية، ولكن تدخلت بريطانيا وأزاحته مما اضطره للهرب، وأيضاً الصحفي السوري منير الريس الذي رافق القاوقجي في الكثير من محطات حياته، والذي شكلت مذكراته أحد روافد هذا العمل.
المفتي الحاج أمين الحسيني وهو يحي عدد من الجنود الألمان أثناء زيارته لألمانيا
لم يتطرق القاوقجي في مذكراته التي كتبها في السبعينيات من القرن العشرين لمسألة الهولوكوست، كما أن بضع الصفحات التي خصصها لحياته في ألمانيا كانت تتعلق بشكلٍ خاص بالمفاوضات التي كانت تجري حول مسألة استقلال الدول العربية مع فجر الانتصار الألماني في الشرق الأوسط. في إحدى اللقاءات مع أحد الضباط الألمان، والذي أعلن له أن دول البحر المتوسط الشرقية ستكون تحت الانتداب الإيطالي عند انتصار دول المحور، رد عليه القاوقجي بأنهم سيقاتلون الإيطاليين حينها كما يقاتلون الفرنسيين والإنجليز الآن.
لم يكن القوميون العرب هم الوحيدون الذين أقاموا في برلين خلال فترة الحرب، بل كانت ألمانيا تشجع وتدعم كل الحركات المعارضة للحكم البريطاني والفرنسي، ولذا وُجدت فيها قيادات من الهند وإيرلندا وغيرها من الدول التي كانت تحت الحكم الاستعماري الفرنسي أو الإنجليزي.
مع دخول القوات السوفياتية لبرلين تم اعتقال القاوقجي وإيداعه سجناً روسياً في برلين الشرقية لعدة أشهر، ثم وُضع في الإقامة الجبرية، لكنه تمكن من الهرب عبر حدود برلين نحو الجهة التي كانت تحت السيطرة الأمريكية في 8 شباط 1947، ليتوجه بعدها مباشرة إلى باريس. وبعد عدة أسابيع قضاها في استعادة عافيته، توجه إلى بلده طرابلس في لبنان عن طريق القاهرة في واحدة من أخطر الرحلات في حياته. إذ هبطت الطائرة دون سابق تخطيط في مطار اللد (شيد سنة 1936 من قبل الانتداب البريطاني في فلسطين)، والذي كان لا يزال تحت السيطرة البريطانية، وكان حينها مطلوباً للبريطانيين بالكثير من التهم، غير أنه نجا ووصل سالماً للقاهرة. وتشكل مسألة نجاته من الاعتقال في مطار اللد أحد المواضع التي تعمل الوثائق الغربية على سد الفجوة التي تتركها كتب السير الذاتية، إذ تكشف الوثائق البريطانية عن المحاولات الحثيثة لاعتقاله في اللد. غير أن سوء التنسيق بين الأجهزة البريطانية في فلسطين والأجهزة الفرنسية في مطار باريس حال دون اعتقاله، إذ لم يتم تأكيد صعوده للطائرة، وعندما صعد الجنود في مطار اللد إلى الطائرة للتأكد من وجوده لم يجدوا إلا شخصاً أشقر الشعر، أزرق العينين بجانب سيدة ألمانية، ولم يشكوا بأنه القاوقجي.
حرب فلسطين 1948
عاد القاوقجي إلى لبنان عام 1947، وبعدها انتقل إلى دمشق ليعيد تواصله مع الأصدقاء السابقين من أيام الثورات العربية، ومع السياسيين الحاليين في البلاد.
مع إعلان بريطانيا في خريف 1947 نيتها الانسحاب من فلسطين، شعر العرب بعمق الأزمة، ودعوا لاجتماع طارئ في عاليه بلبنان في أكتوبر من عام 1947، حضره رئيس الوزراء السوري شكري القوتلي، ورئيس الوزراء العراقي صالح جبر، ومع أن القاوقجي لم يكن يحمل أي صفة رسمية إلا أنه دُعي لحضور المؤتمر. عُرض في ذلك الاجتماع تقرير لجنة تقييم الأوضاع في فلسطين، والتي كانت بقيادة الجنرال العراقي إسماعيل صفوان، وقد تضمن التقرير معلومات حول المؤسسات الصهيونية، وذكر أن الوكالة اليهودية في فلسطين تجهز نفسها لسد الفراغ الذي سيتركه الانسحاب البريطاني. وذكر التقرير أن الوكالة لديها حوالي 20 ألف جندي مدربين، إضافة إلى الاحتياط، وأن الصهاينة قد طوروا خطوط تواصل متقدمة، إضافة إلى الكثير من المتطوعين الذين يعملون على تأمين الدعم اللوجستي والمادي من أوروبا وأمريكا. وذكر التقرير أن الفلسطينيين في المقابل ليس لديهم أي شيء مقارن أو قريب من ذلك. وانتهى التقرير بتوصيات مختلفة، منها تكوين جيش عربي يكون جاهزاً على حدود فلسطين، إضافة إلى التوصية بإيصال السلاح للفلسطينيين، والدعوة لانضمام المتطوعين، وهم ما شكل نواة جيش الإنقاذ العربي. وربما يكون هذا التقرير هو الدراسة الموضوعية الوحيدة التي شرحت الوضع بشكل واقعي بعيداً عن الاستخفاف بقوات العدو وتجهيزاته، وبعيداً عن العنتريات والبطولات الفارغة.
شغلت مسألة تكوين جيش الإنقاذ، والتحضيرات والصعوبات التي رافقت ذلك حيزاً واضحاً من الكتاب، فهو -برأي الباحثة- يعد جانباً مهماً من حرب 1948، غير أن صدمة الهزيمة التي حدثت في الحرب جعلت الكثير من المؤرخين والباحثين وحتى أصحاب المذكرات الشخصية يختزلون القضية بشكل مبسط، غالباً ما يلقي اللوم على الآخرين في محاولة لتجنب تحمل مسؤولية تلك الكارثة.
شهدت تلك المرحلة الكثير من النقاشات، ولكن من دون اتخاذ أي إجراءات فعلية، ومضت عدة أشهر ولم تصل لا الأسلحة الموعودة ولا المبالغ التي التزمت بدفعها الدول العربية. إضافة لذلك، فإن أمين الحسيني، مفتي فلسطين، كان يعمل جاهداً على تشويه سمعة القاوقجي والتقليل من مصداقيته لعدم موافقته على توليه قيادة الجيش. خلاف المفتي مع القاوقجي يعود إلى ثورة 1936 في فلسطين، إذ عارض دخوله إلى فلسطين وشجع الشباب الفلسطيني على الالتحاق بجماعات أخرى، ودفع القاوقجي أخيراً للخروج من فلسطين. ولم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، إذ تصادف وجود كلٍ منهما في برلين في الوقت ذاته، وبلغ الأمر بالمفتي أن يكتب تقريراً للخارجية الألمانية يتهم فيه القاوقجي بأنه جاسوس بريطاني.
لم يكن القوميون العرب هم الوحيدون الذين أقاموا في برلين خلال فترة الحرب، بل كانت ألمانيا تشجع وتدعم كل الحركات المعارضة للحكم البريطاني والفرنسي، ولذا وُجدت فيها قيادات من الهند وإيرلندا وغيرها من الدول التي كانت تحت الحكم الاستعماري الفرنسي أو الإنجليزي.
مع دخول القوات السوفياتية لبرلين تم اعتقال القاوقجي وإيداعه سجناً روسياً في برلين الشرقية لعدة أشهر، ثم وُضع في الإقامة الجبرية، لكنه تمكن من الهرب عبر حدود برلين نحو الجهة التي كانت تحت السيطرة الأمريكية في 8 شباط 1947، ليتوجه بعدها مباشرة إلى باريس. وبعد عدة أسابيع قضاها في استعادة عافيته، توجه إلى بلده طرابلس في لبنان عن طريق القاهرة في واحدة من أخطر الرحلات في حياته. إذ هبطت الطائرة دون سابق تخطيط في مطار اللد (شيد سنة 1936 من قبل الانتداب البريطاني في فلسطين)، والذي كان لا يزال تحت السيطرة البريطانية، وكان حينها مطلوباً للبريطانيين بالكثير من التهم، غير أنه نجا ووصل سالماً للقاهرة. وتشكل مسألة نجاته من الاعتقال في مطار اللد أحد المواضع التي تعمل الوثائق الغربية على سد الفجوة التي تتركها كتب السير الذاتية، إذ تكشف الوثائق البريطانية عن المحاولات الحثيثة لاعتقاله في اللد. غير أن سوء التنسيق بين الأجهزة البريطانية في فلسطين والأجهزة الفرنسية في مطار باريس حال دون اعتقاله، إذ لم يتم تأكيد صعوده للطائرة، وعندما صعد الجنود في مطار اللد إلى الطائرة للتأكد من وجوده لم يجدوا إلا شخصاً أشقر الشعر، أزرق العينين بجانب سيدة ألمانية، ولم يشكوا بأنه القاوقجي.
حرب فلسطين 1948
عاد القاوقجي إلى لبنان عام 1947، وبعدها انتقل إلى دمشق ليعيد تواصله مع الأصدقاء السابقين من أيام الثورات العربية، ومع السياسيين الحاليين في البلاد.
مع إعلان بريطانيا في خريف 1947 نيتها الانسحاب من فلسطين، شعر العرب بعمق الأزمة، ودعوا لاجتماع طارئ في عاليه بلبنان في أكتوبر من عام 1947، حضره رئيس الوزراء السوري شكري القوتلي، ورئيس الوزراء العراقي صالح جبر، ومع أن القاوقجي لم يكن يحمل أي صفة رسمية إلا أنه دُعي لحضور المؤتمر. عُرض في ذلك الاجتماع تقرير لجنة تقييم الأوضاع في فلسطين، والتي كانت بقيادة الجنرال العراقي إسماعيل صفوان، وقد تضمن التقرير معلومات حول المؤسسات الصهيونية، وذكر أن الوكالة اليهودية في فلسطين تجهز نفسها لسد الفراغ الذي سيتركه الانسحاب البريطاني. وذكر التقرير أن الوكالة لديها حوالي 20 ألف جندي مدربين، إضافة إلى الاحتياط، وأن الصهاينة قد طوروا خطوط تواصل متقدمة، إضافة إلى الكثير من المتطوعين الذين يعملون على تأمين الدعم اللوجستي والمادي من أوروبا وأمريكا. وذكر التقرير أن الفلسطينيين في المقابل ليس لديهم أي شيء مقارن أو قريب من ذلك. وانتهى التقرير بتوصيات مختلفة، منها تكوين جيش عربي يكون جاهزاً على حدود فلسطين، إضافة إلى التوصية بإيصال السلاح للفلسطينيين، والدعوة لانضمام المتطوعين، وهم ما شكل نواة جيش الإنقاذ العربي. وربما يكون هذا التقرير هو الدراسة الموضوعية الوحيدة التي شرحت الوضع بشكل واقعي بعيداً عن الاستخفاف بقوات العدو وتجهيزاته، وبعيداً عن العنتريات والبطولات الفارغة.
شغلت مسألة تكوين جيش الإنقاذ، والتحضيرات والصعوبات التي رافقت ذلك حيزاً واضحاً من الكتاب، فهو -برأي الباحثة- يعد جانباً مهماً من حرب 1948، غير أن صدمة الهزيمة التي حدثت في الحرب جعلت الكثير من المؤرخين والباحثين وحتى أصحاب المذكرات الشخصية يختزلون القضية بشكل مبسط، غالباً ما يلقي اللوم على الآخرين في محاولة لتجنب تحمل مسؤولية تلك الكارثة.
شهدت تلك المرحلة الكثير من النقاشات، ولكن من دون اتخاذ أي إجراءات فعلية، ومضت عدة أشهر ولم تصل لا الأسلحة الموعودة ولا المبالغ التي التزمت بدفعها الدول العربية. إضافة لذلك، فإن أمين الحسيني، مفتي فلسطين، كان يعمل جاهداً على تشويه سمعة القاوقجي والتقليل من مصداقيته لعدم موافقته على توليه قيادة الجيش. خلاف المفتي مع القاوقجي يعود إلى ثورة 1936 في فلسطين، إذ عارض دخوله إلى فلسطين وشجع الشباب الفلسطيني على الالتحاق بجماعات أخرى، ودفع القاوقجي أخيراً للخروج من فلسطين. ولم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، إذ تصادف وجود كلٍ منهما في برلين في الوقت ذاته، وبلغ الأمر بالمفتي أن يكتب تقريراً للخارجية الألمانية يتهم فيه القاوقجي بأنه جاسوس بريطاني.
تم تجهيز معسكر قريب من بلدة قطنا ليكون مركزاً لتجمع المتطوعين العرب الراغبين بالالتحاق بجيش الإنقاذ. غير أن العديد ممن جاء للتطوع غادر لعدم وجود تجهيزات أو رواتب. إضافة إلى ذلك، لم يكن هناك العدد الكافي من الضباط الأكفاء لتدريب المتطوعين. وعلى الرغم من تضارب المصادر المتعلقة بعدد المتطوعين في جيش الإنقاذ فإنه يقدر بحوالي 4000 شخص معظمهم من سوريا والعراق.
ومع كل ما لاقاه الجيش لاحقاً من إخفاقات، فإن الباحثة ترى أن تكوين جيش من لا شيء خلال عدة أسابيع وتوجهه للقتال برغم ضعف خبرة المنتسبين له، هو إنجاز كبير. وفوق ذلك، فإن صلاحيات القائد العام لجيش الإنقاذ، فوزي القاوقجي، كانت محدودة نتيجة الولاءات المختلفة للكتائب المتنوعة والتي كانت تتبع بعض قياداتها المحلية وداعميها.
دخل جيش الإنقاذ فلسطين وخاض بعض المعارك خلال أشهر آذار، نيسان، وأيار. وفي 14 أيار 1948 أعلن البريطانيون نهاية الانتداب، وأعلن اليهود قيام دولة إسرائيل، وتحولت قوات الهاغاناه إلى جيش الدفاع الإسرائيلي. في ذلك التاريخ تحركت الجيوش العربية: السوري والعراقي من الشمال، والأردني حول القدس والمصري من الجنوب. عندها تراجع دور القاوقجي، وأصبح يقضي معظم وقته في القاهرة في مقر جامعة الدول العربية في محاولة لتأمين الإمداد العسكري والمادي لجيش الإنقاذ. ونتيجة عدم التجاوب مع طلباته تقدم بالاستقالة مرتين، وفي الحالتين طُلب منه البقاء كقائد لجيش الإنقاذ. غير أن هذا الجيش لم يعد له أي دور فعلي مع دخول الجيوش العربية النظامية، ومع ذلك فقد بقي منه حوالي 1000 إلى 2000 مقاتل في الميدان حتى آخر الحرب.
لم ينخرط القاوقجي بالسياسة بعدها، ولم يلعب أي دور أساسي في حياته، واختار حياة بسيطة متواضعة في بيروت، حتى وفاته في 15 ديسمبر 1976. وكثيراً ما عبّر عن غربته بين السياسيين وعن صدمته نتيجة انفصالهم عن واقع الأرض والمعركة.
التاريخ والمصادر المحلية
لا يمثل الكتاب قصة بطولة بقدر ما يؤرخ لمعظم الأحداث الأساسية التي حدثت في الشرق الأوسط خلال النصف الأول من القرن العشرين، من خلال تتبع حياة شخص تصادف وأن كان حاضراً وفاعلاً في معظم تلك الأحداث. ويجب ملاحظة أن هذا العمل يأتي بعد كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ونقده للمصادر الكولونيالية والمركزية الغربية. هذا النقد أعاق البحث في تاريخ الشرق الأوسط لدى الباحثين الغربيين، والذين لم يروا في المصادر العربية البديل عن المصادر الكولونيالية. وهذا ما قد يفسر قلة الدراسات الأكاديمية التي تتناول هذه المرحلة، ما دعا الباحثة للاستناد إلى المذكرات الشخصية في محاولة لإعادة بناء الأحداث وملء الفجوات، رغم إشكالية هذا النوع من البحث التاريخي القائم على السرد الوصفي للأحداث من خلال وجهات نظر أصحابها. ولذا فمن المتوقع أن يتعرض العمل للنقد من هذه الناحية، وخاصة لدى الباحثين الغربيين الذين تعودوا على تحليل الأحداث من وجهة نظر كولونيالية، بدلاً من محاولة عرض وجهة نظر أصحاب القضية بشكل مباشر ومن خلال لغتهم ورؤيتهم لتلك الأحداث. وقد حاولت الباحثة جاهدة الابتعاد عن الأرشيف الغربي والأرشيف الإسرائيلي لتستند بشكل مباشر على المصادر العربية في عرض الأحداث، ولاحقاً كانت تعرض وجهة النظر الغربية من مصادرها لتظهر التناقض بين الصورتين.
ومن النقاط المركزية التي سعت هذه الدراسة لتصحيحها، أو على الأقل لتقديم وجهة نظر مختلفة حولها، موقف الضباط العرب من الدولة العثمانية. اذ نعثر في هذا العمل رداً على ما حاول لورانس العرب إظهاره من أن معظم العرب قد أيد الثورة العربية ضد العثمانيين، حيث بدا واضحاً – من خلال الكتاب- أن معظم الضباط العرب بقوا مخلصين للجيش العثماني حتى آخر تواجد له في بلاد الشام.
والجانب الأهم الذي يبرزه هذا العمل هو وضع قتال القاوقجي للإسرائيليين في 1948 ضمن سياق ثورات التحرير العربية، إذ كان قتاله في فلسطين ضد تأسيس وطن قومي لليهود استمراراً لقتاله ضد الفرنسيين والإنجليز في حرب تحرير من محتل. وللتأكيد على هذه النقطة كثيراً ما تصف الباحثة المستوطنين بـ "الأوربيين"، للتأكيد على أنها حرب استقلال، وليست حرباً دينية أو عداء للسامية كما سعى الكثير من الباحثين لتصوير تلك الحرب، رغم أنها مسألة تتعلق بالفكر النازي بشكل أساسي، وغالبا ما تم اسقاطها على العرب للاستثمار في مسألة المظلومية والعداء للسامية. بينما الواقع يشير بوضوح إلى أنها كانت وما تزال مسألة استعمار واستيطان غربي أوربي، وليست مسألة صراع ديني بالأساس، وإن كان تم استخدام الدين كأيديولوجيا تغذي أطراف الصراع وتعمل على شحنهم وإثارتهم. ولذلك فان وضع الصراع العربي الإسرائيلي ضمن إطار الكفاح العربي للاستقلال من الاستعمار الأوربي، يساهم في تصحيح الفكرة التي تريد أن تؤطر الصراع ضمن إطار ديني، وليكشف الكتاب للقارئ الغربي أن الكفاح العربي ضد إنشاء دولة إسرائيل لا يقوم على أساس ديني، بل هو امتداد للنضال ضد الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي بعد الحرب العالمية الأولى.
وربما لأول مرة تُروى تفاصيل حرب 1948 للقارئ الغربي من وجهة نظر عربية، من مثل التحركات السياسية والعسكرية، والمحاولات المستميتة للدفاع عن القرى والبلدات الفلسطينية، والمشاكل السياسية والبيروقراطية بين جامعة الدول العربية الناشئة حديثاً والحكومات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية في سوريا والأردن ومصر ولبنان. هذا العرض السلس، والذي يُظهر الجانب الإنساني للمقاتلين العرب بشكلٍ قلّما نشاهده في الدراسات الغربية، يقدم للقارئ شرحاً مبسطاً عن الأسباب التي شكّلت العالم العربي منذ حوالي نصف قرن، والتي لا تزال آثارها واضحة وجلية. فمن الصعب فهم واقع العالم العربي دون الإحاطة بهذه الأحداث، وبشكل خاص القضية الفلسطينية، وربطها بالصراع العربي من أجل الاستقلال الذي لا يزال مستمراً حتى الآن.
لقد تم وصف القاوقجي بأنه عميل فرنسي، وعميل بريطاني، وألماني، وتم تحميله مسؤولية هزيمة 1948، وتم العمل على تشويه سمعته في الكثير من مراحل حياته، ومع ذلك نجد أنه كان حاضراً وفاعلاً في معظم الأحداث، وكثيراً ما كان ملاحقاً ومعتقلاً ومنفياً. ورغم أن القاوقجي لم يقر بأي مسؤولية تتعلق بحرب 1948، غير أن سوء تقديره لقوة الهاغاناه كان عاملاً مهماً، إضافة إلى العداوة مع المفتي أمين الحسيني والتي زادت من صعوبات العمل مع الفلسطينيين. وإن لم تعمل الباحثة على تحليل أسباب الفشل العربي إلا أنها أشارت مراراً إلى قلة خبرة المتطوعين العرب في جيش الإنقاذ، بل وقلة المدربين أيضاً، إضافة إلى قِدم الأسلحة ونقص الإمدادات العسكرية واللوجستية. إلى جانب التقليل من قدرات القوات اليهودية حينها. وأما على النطاق السياسي، فإضافة إلى المخاوف والأطماع والطموحات الشخصية للكثير من الشخصيات السياسية، أشارت إلى أن معظم الدول العربية ذات العلاقة بتلك الحرب كانت قد خرجت حديثاً من تحت سيطرة الاستعمار، ولم تكن قد بنت دولاً مستقرة ولا جيوشاً مدربة، وأما جامعة الدول العربية فلم يكن يتجاوز عمرها الأعوام الثلاثة.
استخدمت المؤلفة طيفاً واسعاً من الوثائق العربية في سبيل إعادة بناء أحداث تلك المرحلة الحاسمة في تاريخ العرب. إضافة إلى الأرشيفات العربية والغربية المتعلقة بالأحداث والمنطقة، ومن بينها أرشيف عائلة القاوقجي الخاص، ووثائقه وملاحظاته الشخصية. إضافة لذلك فقد عادت إلى الكثير من المذكرات الشخصية للسياسيين والجنود في تلك المرحلة، مع إشارتها إلى إشكالية الاستناد إلى المذكرات الشخصية في موضوعية البحث التاريخي، إلا أن تعدد تلك المذكرات - ذكرت في المصادر 17 منها، عدا مذكرات القاوقجي ومنير الريس - يمكن أن يقدم وجهات نظر مختلفة ومتباينة مما يحدّ من تأثير شخصية بعينها. وبالطبع الجرائد والمجلات والمقالات التي نشرت في تلك المرحلة بمختلف اللغات، إضافة إلى الدراسات والأبحاث التي تناولت تلك المرحلة، وكان لها دور في تتبع الأحداث.
في النهاية، يمثل الكتاب مصدراً مهماً في توضيح أحداث منطقة الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن العشرين. كُتب بأسلوبٍ سلس، حيث تم تجنب الهوامش، والاستعاضة عنها بملاحظات ختامية تتعلق بالمصادر المستخدمة في تناول كل مرحلة من مراحل البحث. وهذا ما أدى إلى عملٍ تاريخي موثق، ولكن بأسلوب سردي يعطي القارئ الانطباع بأنه يقرأ رواية مليئة بالأحداث والمغامرات، ينتقل بين الجيوش والمعارك والثورات وكواليس السياسة وسنوات الغربة والسجن، لتنتهي الرواية بفاجعة سقوط فلسطين.
اسم الكتاب: القائد فوزي القاوقجي والقتال في سبيل استقلال العرب 1914-1948
الكاتب : ليلى بارسونس
تاريخ النشر: 2016
عدد الصفحات:283
ومع كل ما لاقاه الجيش لاحقاً من إخفاقات، فإن الباحثة ترى أن تكوين جيش من لا شيء خلال عدة أسابيع وتوجهه للقتال برغم ضعف خبرة المنتسبين له، هو إنجاز كبير. وفوق ذلك، فإن صلاحيات القائد العام لجيش الإنقاذ، فوزي القاوقجي، كانت محدودة نتيجة الولاءات المختلفة للكتائب المتنوعة والتي كانت تتبع بعض قياداتها المحلية وداعميها.
دخل جيش الإنقاذ فلسطين وخاض بعض المعارك خلال أشهر آذار، نيسان، وأيار. وفي 14 أيار 1948 أعلن البريطانيون نهاية الانتداب، وأعلن اليهود قيام دولة إسرائيل، وتحولت قوات الهاغاناه إلى جيش الدفاع الإسرائيلي. في ذلك التاريخ تحركت الجيوش العربية: السوري والعراقي من الشمال، والأردني حول القدس والمصري من الجنوب. عندها تراجع دور القاوقجي، وأصبح يقضي معظم وقته في القاهرة في مقر جامعة الدول العربية في محاولة لتأمين الإمداد العسكري والمادي لجيش الإنقاذ. ونتيجة عدم التجاوب مع طلباته تقدم بالاستقالة مرتين، وفي الحالتين طُلب منه البقاء كقائد لجيش الإنقاذ. غير أن هذا الجيش لم يعد له أي دور فعلي مع دخول الجيوش العربية النظامية، ومع ذلك فقد بقي منه حوالي 1000 إلى 2000 مقاتل في الميدان حتى آخر الحرب.
لم ينخرط القاوقجي بالسياسة بعدها، ولم يلعب أي دور أساسي في حياته، واختار حياة بسيطة متواضعة في بيروت، حتى وفاته في 15 ديسمبر 1976. وكثيراً ما عبّر عن غربته بين السياسيين وعن صدمته نتيجة انفصالهم عن واقع الأرض والمعركة.
التاريخ والمصادر المحلية
لا يمثل الكتاب قصة بطولة بقدر ما يؤرخ لمعظم الأحداث الأساسية التي حدثت في الشرق الأوسط خلال النصف الأول من القرن العشرين، من خلال تتبع حياة شخص تصادف وأن كان حاضراً وفاعلاً في معظم تلك الأحداث. ويجب ملاحظة أن هذا العمل يأتي بعد كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد ونقده للمصادر الكولونيالية والمركزية الغربية. هذا النقد أعاق البحث في تاريخ الشرق الأوسط لدى الباحثين الغربيين، والذين لم يروا في المصادر العربية البديل عن المصادر الكولونيالية. وهذا ما قد يفسر قلة الدراسات الأكاديمية التي تتناول هذه المرحلة، ما دعا الباحثة للاستناد إلى المذكرات الشخصية في محاولة لإعادة بناء الأحداث وملء الفجوات، رغم إشكالية هذا النوع من البحث التاريخي القائم على السرد الوصفي للأحداث من خلال وجهات نظر أصحابها. ولذا فمن المتوقع أن يتعرض العمل للنقد من هذه الناحية، وخاصة لدى الباحثين الغربيين الذين تعودوا على تحليل الأحداث من وجهة نظر كولونيالية، بدلاً من محاولة عرض وجهة نظر أصحاب القضية بشكل مباشر ومن خلال لغتهم ورؤيتهم لتلك الأحداث. وقد حاولت الباحثة جاهدة الابتعاد عن الأرشيف الغربي والأرشيف الإسرائيلي لتستند بشكل مباشر على المصادر العربية في عرض الأحداث، ولاحقاً كانت تعرض وجهة النظر الغربية من مصادرها لتظهر التناقض بين الصورتين.
ومن النقاط المركزية التي سعت هذه الدراسة لتصحيحها، أو على الأقل لتقديم وجهة نظر مختلفة حولها، موقف الضباط العرب من الدولة العثمانية. اذ نعثر في هذا العمل رداً على ما حاول لورانس العرب إظهاره من أن معظم العرب قد أيد الثورة العربية ضد العثمانيين، حيث بدا واضحاً – من خلال الكتاب- أن معظم الضباط العرب بقوا مخلصين للجيش العثماني حتى آخر تواجد له في بلاد الشام.
والجانب الأهم الذي يبرزه هذا العمل هو وضع قتال القاوقجي للإسرائيليين في 1948 ضمن سياق ثورات التحرير العربية، إذ كان قتاله في فلسطين ضد تأسيس وطن قومي لليهود استمراراً لقتاله ضد الفرنسيين والإنجليز في حرب تحرير من محتل. وللتأكيد على هذه النقطة كثيراً ما تصف الباحثة المستوطنين بـ "الأوربيين"، للتأكيد على أنها حرب استقلال، وليست حرباً دينية أو عداء للسامية كما سعى الكثير من الباحثين لتصوير تلك الحرب، رغم أنها مسألة تتعلق بالفكر النازي بشكل أساسي، وغالبا ما تم اسقاطها على العرب للاستثمار في مسألة المظلومية والعداء للسامية. بينما الواقع يشير بوضوح إلى أنها كانت وما تزال مسألة استعمار واستيطان غربي أوربي، وليست مسألة صراع ديني بالأساس، وإن كان تم استخدام الدين كأيديولوجيا تغذي أطراف الصراع وتعمل على شحنهم وإثارتهم. ولذلك فان وضع الصراع العربي الإسرائيلي ضمن إطار الكفاح العربي للاستقلال من الاستعمار الأوربي، يساهم في تصحيح الفكرة التي تريد أن تؤطر الصراع ضمن إطار ديني، وليكشف الكتاب للقارئ الغربي أن الكفاح العربي ضد إنشاء دولة إسرائيل لا يقوم على أساس ديني، بل هو امتداد للنضال ضد الاستعمارين الفرنسي والإنجليزي بعد الحرب العالمية الأولى.
وربما لأول مرة تُروى تفاصيل حرب 1948 للقارئ الغربي من وجهة نظر عربية، من مثل التحركات السياسية والعسكرية، والمحاولات المستميتة للدفاع عن القرى والبلدات الفلسطينية، والمشاكل السياسية والبيروقراطية بين جامعة الدول العربية الناشئة حديثاً والحكومات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية في سوريا والأردن ومصر ولبنان. هذا العرض السلس، والذي يُظهر الجانب الإنساني للمقاتلين العرب بشكلٍ قلّما نشاهده في الدراسات الغربية، يقدم للقارئ شرحاً مبسطاً عن الأسباب التي شكّلت العالم العربي منذ حوالي نصف قرن، والتي لا تزال آثارها واضحة وجلية. فمن الصعب فهم واقع العالم العربي دون الإحاطة بهذه الأحداث، وبشكل خاص القضية الفلسطينية، وربطها بالصراع العربي من أجل الاستقلال الذي لا يزال مستمراً حتى الآن.
لقد تم وصف القاوقجي بأنه عميل فرنسي، وعميل بريطاني، وألماني، وتم تحميله مسؤولية هزيمة 1948، وتم العمل على تشويه سمعته في الكثير من مراحل حياته، ومع ذلك نجد أنه كان حاضراً وفاعلاً في معظم الأحداث، وكثيراً ما كان ملاحقاً ومعتقلاً ومنفياً. ورغم أن القاوقجي لم يقر بأي مسؤولية تتعلق بحرب 1948، غير أن سوء تقديره لقوة الهاغاناه كان عاملاً مهماً، إضافة إلى العداوة مع المفتي أمين الحسيني والتي زادت من صعوبات العمل مع الفلسطينيين. وإن لم تعمل الباحثة على تحليل أسباب الفشل العربي إلا أنها أشارت مراراً إلى قلة خبرة المتطوعين العرب في جيش الإنقاذ، بل وقلة المدربين أيضاً، إضافة إلى قِدم الأسلحة ونقص الإمدادات العسكرية واللوجستية. إلى جانب التقليل من قدرات القوات اليهودية حينها. وأما على النطاق السياسي، فإضافة إلى المخاوف والأطماع والطموحات الشخصية للكثير من الشخصيات السياسية، أشارت إلى أن معظم الدول العربية ذات العلاقة بتلك الحرب كانت قد خرجت حديثاً من تحت سيطرة الاستعمار، ولم تكن قد بنت دولاً مستقرة ولا جيوشاً مدربة، وأما جامعة الدول العربية فلم يكن يتجاوز عمرها الأعوام الثلاثة.
استخدمت المؤلفة طيفاً واسعاً من الوثائق العربية في سبيل إعادة بناء أحداث تلك المرحلة الحاسمة في تاريخ العرب. إضافة إلى الأرشيفات العربية والغربية المتعلقة بالأحداث والمنطقة، ومن بينها أرشيف عائلة القاوقجي الخاص، ووثائقه وملاحظاته الشخصية. إضافة لذلك فقد عادت إلى الكثير من المذكرات الشخصية للسياسيين والجنود في تلك المرحلة، مع إشارتها إلى إشكالية الاستناد إلى المذكرات الشخصية في موضوعية البحث التاريخي، إلا أن تعدد تلك المذكرات - ذكرت في المصادر 17 منها، عدا مذكرات القاوقجي ومنير الريس - يمكن أن يقدم وجهات نظر مختلفة ومتباينة مما يحدّ من تأثير شخصية بعينها. وبالطبع الجرائد والمجلات والمقالات التي نشرت في تلك المرحلة بمختلف اللغات، إضافة إلى الدراسات والأبحاث التي تناولت تلك المرحلة، وكان لها دور في تتبع الأحداث.
في النهاية، يمثل الكتاب مصدراً مهماً في توضيح أحداث منطقة الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن العشرين. كُتب بأسلوبٍ سلس، حيث تم تجنب الهوامش، والاستعاضة عنها بملاحظات ختامية تتعلق بالمصادر المستخدمة في تناول كل مرحلة من مراحل البحث. وهذا ما أدى إلى عملٍ تاريخي موثق، ولكن بأسلوب سردي يعطي القارئ الانطباع بأنه يقرأ رواية مليئة بالأحداث والمغامرات، ينتقل بين الجيوش والمعارك والثورات وكواليس السياسة وسنوات الغربة والسجن، لتنتهي الرواية بفاجعة سقوط فلسطين.
اسم الكتاب: القائد فوزي القاوقجي والقتال في سبيل استقلال العرب 1914-1948
الكاتب : ليلى بارسونس
تاريخ النشر: 2016
عدد الصفحات:283
ناصر ضميرية
باحث في الدراسات الإسلامية. جامعة مكجيل، كندا.
مواد أخرى لـ ناصر ضميرية
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.