دير الزور: المعقل البديل لتنظيم الدولة ما بعد الموصل والرقة

24 شباط/فبراير 2017
 
ملخص الورقة:
تبحث الورقة في أهمية اتخاذ محافظة دير الزور معقلا بديلا لتنظيم الدولة الذي من المتوقع خسارته ما تبقى من مناطق سيطرته في العراق، واحتمالات راجحة لخسارته مدينة الباب، المعقل الأخير له في حلب، وكذلك توقعات باستعادة قوات النظام السوري سيطرتها على مدينة تدمر، في ريف حمص الشرقي؛
كما أن تركيز الولايات المتحدة على استعادة مدينة الرقة، العاصمة المفترضة لدولة "الخلافة الإسلامية" يرجح احتمالات خسارة التنظيم لمعقله الأهم والأخير في شمال سورية.
تتطرق الورقة إلى أهمية العنصر البشري لدى قيادات التنظيم وتغليب الحفاظ عليها على الاحتفاظ بالأرض، من منطلق الاستمرار في مشروع قيام "دولة الخلافة الإسلامية" الذي يعد العنصر البشري الأساس للمضي به قدما.
كما تلقي الورقة الضوء على الطابع العشائري لمحافظة دير الزور وأهمية العشائر العربية لأطراف الصراع كافة؛ ومحاولة تنظيم الدولة استثمار التداخل العشائري على جانبي الحدود العراقية السورية لصالح مشروعه البعيد المدى، وتوظيف هذا العامل في خلق بيئة امنة له في المناطق الشرقية من سورية.
وتخلص الورقة إلى رسم نهايات متوقعة لسيطرة تنظيم الدولة على ما تبقى من أراض خاضعة له في العراق واختياره لمحافظة دير الزور كمعقل بديل، والإبقاء في دير الزور على ما يشبه دولته التي أعلن عنها من الموصل في يونيو/حزيران 2014.
 
أهمية موقع دير الزور الجغرافي:
يعيش في محافظة دير الزور الواقعة شرق البلاد على مقربة من الحدود العراقية السورية وفق آخر إحصائية تقديرية حوالي 1.239 مليون نسمة في 2011، من بينهم نحو 500 ألف نسمة يعيشون في مدينة دير الزور، مركز المحافظة؛ وتضم المحافظة أكثر من 130 تجمعا سكانيا من بلدات وقرى، وتتبع المحافظة عدد من الوحدات الإدارية على مستوى الاقضية والنواحي منها، الميادين والبو كمال وهجين والقورية وغيرها.
وتعد محافظة دير الزور، التي تقع على مسافة 470 كيلومترا شمال شرقي العاصمة دمشق، ثاني أكبر محافظة سورية من حيث المساحة بعد محافظة حمص؛ وتتميز بموقع جغرافي مهم لأطراف الصراع السوري لحدودها المشتركة مع محافظة الأنبار العراقية التي لا تزال مدنها القريبة من الحدود السورية خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، مثل راوة وعانه والقائم المحاذية لمدينة البوكمال السورية؛ كما ترتبط بحدود مشتركة مع ثلاث محافظات سورية.
تشترك محافظة دير الزور بحدود إدارية مع محافظة الحسكة، 190 كيلومترا إلى الشمال من مدينة دير الزور، وينحصر تواجد تنظيم الدولة في بلدة مركدة على مسافة 80 كيلومترا إلى الشمال من مدينة دير الزور وحوالي 100 كيلومترا جنوب مدينة الحسكة.
كما تشترك محافظة دير الزور بحدود إدارية مع محافظة الرقة التي يفرض تنظيم الدولة سيطرته على معظم مناطقها؛ ومركزها مدينة الرقة العاصمة المفترضة لدولته "الخلافة الإسلامية".
أما المحافظة الثالثة التي تشترك بحدود جغرافية مع محافظة دير الزور فهي محافظة حمص، 350 كيلومترا إلى الغرب من مدينة دير الزور، والتي يسيطر تنظيم الدولة على أجزاء واسعة من صحرائها الممتدة إلى الحدود العراقية في منفذ التنف، 280 كيلومترا جنوب شرقي مدينة حمص و300 كيلومترا شرق العاصمة السورية دمشق؛ ومن أهم مواقع سيطرة تنظيم الدولة في المحافظة، مدينة تدمر الاثرية التي سيطر عليها في 11 ديسمبر/كانون الأول 2016 للمرة الثانية بعد خسارته إياها قبل ذلك بحوالي ثمانية أشهر؛ ولا يزال يخوض معارك عنيفة للسيطرة على مطار التيفور الأكثر أهمية من بين المطارات السورية قبل تشغيل قاعدة حميميم التي تنطلق منها الطائرات الروسية المقاتلة.
ازدادت أهمية دير الزور لتنظيم الدولة بعد حملة نزوح سكاني واسعة إليها من مدينة الموصل؛ ومع بداية معركة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم الدولة، شهدت المدينة نزوحا لعشرات الآلاف من سكانها إلى مناطق قريبة من المدينة وإلى مخيمات إيواء في إقليم كردستان العراق؛ كما أن سيطرة التنظيم على دير الزور من بين أسباب اللجوء إلى هذه المناطق التي وصلت إليها خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 "أكثر من 300 عائلة عراقية قادمة من المناطق العراقية التي تشهد عمليات عسكرية، غالبيتهم من منطقتي الموصل وتلعفر، حيث عمد التنظيم إلى إسكانهم في المنازل التي استولى عليها من أصحابها في وقت سابق بريف دير الزور"[i].
 
العامل العشائري في معادلة الصراع على دير الزور:
ظلت أدوار العشائر العربية مقتصرة على تأييد الأنظمة الحاكمة في مقابل الحصول على منافع شخصية طيلة فترة حكم حزب البعث في العراق، وبدرجة أقل في سورية حتى وصول بشار الأسد إلى الحكم خلفا لأبيه؛ في مقابل ذلك، سعى تنظيم الدولة لمنح وجهاء ورؤساء العشائر بعض الامتيازات التي تعزز من مكانتهم الاجتماعية في اشبه ما يكون برد اعتبار تاريخي لهم من خلال قبول "توبة" من يلجأ إلى أحد شيوخ العشائر من المطلوبين للتنظيم، وإعطاء هؤلاء الشيوخ أدواراً في أوساط المجتمع فيما يتعلق بتحديد العوائل التي تحتاج إلى المساعدات، ودورهم في فض النزاعات العشائرية وقبول التنظيم بهذا التقليد الاجتماعي وتشجيعه.
تنحدر العشائر العربية في محافظة دير الزور من أصول مشتركة مع مثيلاتها من نفس العشائر في محافظة الحسكة التي رفضت الانخراط في صفوف تشكيل "حشد الجزيرة والفرات" والذي أعلنت عنه الحكومة السورية بالتنسيق مع وجهاء عشائر العكيدات والبكارة والخرشان والمعامرة لتشكيل قوة عشائرية تتولى قتال تنظيم الدولة بعد أن شن هجومه الواسع على أحياء في دير الزور ومطارها منتصف يناير/كانون الثاني 2017؛ وتأتي هذه الخطوة نتيجة "حالة الاستنزاف التي تتعرض لها قواته على جبهات القتال مع تنظيم الدولة في مدينة دير الزور، ما دفعه إلى محاولة الاستعانة بعشائر الحسكة لجمع وتحشيد مقاتلين جدد لرفد جبهات القتال التي تعاني من عجز في صفوف مقاتليه"[ii].
دخلت عشائر عربية عدة في محافظات دير الزور والحسكة والرقة في تحالفات مع قوى كردية وسريانية في المناطق الخاضعة لما يسمى بالإدارة الذاتية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا؛ وظلت هذه العشائر تعيش حالة انقسام وتشتت في حالة شبيهة بحالة العشائر العربية على الجانب الاخر من الحدود مع العراق.
وعلى الرغم من سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية في محافظتي الانبار ودير الزور اللتان تقطنهما عشائر واحدة على جانبي الحدود، لكن حالة الانقسام ظلت السمة الطاغية على موقف هذه العشائر التي توزع ولاءها في الوسط العشائري أو ضمن العشيرة الواحدة بين تنظيم الدولة والحكومتين العراقية والسورية.
لعبت العشائر العربية أدواراً مختلفة خلال مسار الثورة الممتد لست سنوات؛ وشكلت بعض العشائر فصائل تابعة للجيش السوري الحر على أساسٍ عشائري مناطقي مثل ثوار البكارة وثوار العكيدات؛ لكن سيطرة جبهة فتح الشام أزاح التشكيلات العشائرية عن المشهد وخيرهم بين حل تشكيلاتهم أو الذوبان في الجبهة.
وبالعموم  تحاول التنظيمات الإسلامية الابتعاد عن الخطاب العشائري وتغليب الخطاب الديني عليه، في ذات الوقت تعمل التنظيمات جاهدة وتتنافس على كسب ولاء وجهاء وأعيان ورؤساء العشائر إلى جانبها لدورهم في صناعة الرأي في الوسط الاجتماعي؛ وقد خضعت المناطق الشرقية بداية الثورة السورية لسلطات الجيش السوري الحر الذي تبنى صيغة توافقية مع قادة العشائر في تأمين المصالح المشتركة بينهما، ولم تبتعد جبهة النصرة كثيرا عن سياسة الجيش السوري الحر في التعامل مع العشائر بعد سيطرتها على تلك المناطق وإن كان بدرجة أقل انطلاقاً من محاولة الابتعاد عن التعصب القبلي المنهي عليه في الدين الإسلامي والذي عبر عنه القيادي في الجبهة، أبو ماريا القحطاني، بقوله "العشائرية تحت قدمي".
أما تنظيم الدولة فقد تبنى سياسة التقرب مع رؤساء العشائر وبناء علاقات متينة وثّقتها "بيعات شرعية" لعدد كبير منهم لأمير التنظيم، أبو بكر البغدادي؛ لكن هذه العلاقات بينهما لم تكن تكفي لأبناء تلك العشائر للبقاء برضاهم في مناطق سيطرة التنظيم طالما أن هذه المناطق:
تتعرض لقصف بري من قوات النظام.
تعرضها للقصف الجوي من طيران النظام السوري والروسي وطيران التحالف الدولي.
فرض قوات النظام حصاراً خانقاً على مناطق سيطرة التنظيم والطرق المؤدية إليها بما يقلل من فرص العمل وازدياد الحاجة للمواد الأساسية الغذائية والدوائية.
منع تنظيم الدولة الراغبين بمغادرة مناطق سيطرته إلاّ بشروط معقدة وكفالات ضامنة دفعت بالعديد منهم إلى سلوك طرق التهريب وتعرضهم للمخاطر ودفعهم تكاليف مالية.
محاولة تنظيم الدولة فرض نمط معين يعتقد أنّه متوائم مع الشريعة الإسلامية على المجتمع الذي عاش عقود طويلة في ظل نظام حكم علماني.
 
الأهمية العسكرية لمدينة دير الزور لأطراف الصراع:
دافعت قوات النظام عن الأحياء المتبقية تحت سيطرتها في مدينة دير الزور وعن مطار المدينة منذ منتصف يوليو/تموز 2014 عندما سيطر تنظيم الدولة على معظم أحياء المدينة وبلدات المحافظة، التي انسحبت منها جبهة فتح الشام وفصائل أخرى تابعة للجيش السوري الحر وفصائل إسلامية.
وظلت المدينة تشهد اشتباكات مع قوات النظام الذي يدافع عن الأحياء التي يسيطر عليها، والتي تعد خطاً دفاعياً عن مطار المدينة الذي يرتبط وجود تلك القوات في المحافظة باستمرار السيطرة عليه.
في سبتمبر/أيلول 2015 استطاع تنظيم الدولة السيطرة على أحياء جديدة داخل المدينة وقرى قريبة من مطار المدينة ابقته في وضع الموقع المحاصر من أكثر من جهة، كما باتت عملية الإمداد البري أكثر صعوبة ما دفع قوات النظام لعمليات إنزال جوي للمواد الغذائية أو التسليحية على الأحياء الخاضعة لسيطرته وعلى المطار أيضا.
موجة القتال الأعنف منذ تواجد تنظيم الدولة في محافظة دير الزور ابتدأت في 14 يناير/كانون الثاني 2017 في عملية عسكرية واسعة تستهدف على الأقل فرض السيطرة على أحياء جديدة ومناطق وقرى حول مدينة دير الزور ومطارها العسكري؛ وقد حقق التنظيم نجاحات ميدانية مهمة عززت من مواقع سيطرته فيما زاد من حدة الحصار على الأحياء التي يسيطر عليها النظام وعزل بعضها بشكل كامل، وهو تكتيك جديد استخدمه لأول مرة في محاولاته للسيطرة على دير الزور.
 
مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في معارك دير الزور الأخيرة

ساهم التكتيك الجديد في ارغام قوات النظام على "استخدام الطائرات لإنزال المواد الغذائية والتسليحية"[iii] إلى مقاتليه المحاصرين في مطار دير الزور.
وللتخلص من قدرات النظام على استخدام الغازات السامة لاستعادة مناطق سيطرة التنظيم، اتبع التنظيم تكتيكاً جديداً في التمركز على نقاط تماس قريبة من مواقع قوات النظام التي يحاصرها؛ وفي معاركه الأخيرة هاجم التنظيم مطار دير الزور من جهته الغربية للاستفادة من عامل اتجاه الرياح التي تزيد من احتمالات إصابة قوات النظام بالغازات السامة التي يطلقها على مواقع التنظيم الذي سبق أن هاجم المطار من جهته الشرقية واستخدمت قوات النظام الغازات السامة ضده على الأقل مرتين اثنتين.
ففي 10 سبتمبر/أيلول 2015 سيطر تنظيم الدولة على كتيبة الصواريخ عند مدخل مطار دير الزور من جهته الشرقية لكنه لم يستطع الاحتفاظ بها سوى أيام قليلة لينسحب منها بعد أن "استهدفته طائرات النظام بالغازات السامة"[iv].
 
أهمية الأرض والمقاتلين لدى تنظيم الدولة:
لا يزال تنظيم الدولة يحتفظ بالسيطرة على مناطق صحراوية في العراق وسورية التي يفرض نفوذه عليها لافتقار الحكومتين العراقية والسورية إلى ما يكفي من القوات لنشرها في هذه المساحات؛ كما يحتفظ التنظيم بمدن في غرب الأنبار وأجزاء من مركز مدينة الموصل ومدن أخرى في محافظة كركوك، وكذلك مدن محافظة دير الزور شرق سورية، إضافة إلى سيطرته على مركز محافظة الرقة التي سبق أن خسر عدداً من المدن والبلدات التابعة لها. 
وتراجعت مساحات سيطرة تنظيم الدولة في العراق وسورية إلى ما يقدر بحوالي 40% قياسا على ما حققه منذ أحداث الموصل في يونيو/حزيران 2014؛ فقد تراجعت "مساحة الأراضي الخاضعة لسيطرته في 2015 بنسبة 14%، من 90 ألف و800 كلم مربع إلى 78 ألف كلم مربع"، وتراجعت مساحة سيطرته بحوالي "23% في عام 2016"[v]، وهي في معظمها مناطق مهمة شملت مراكز حضرية ذات كثافة سكانية عالية.
وعلى صعيد العنصر البشري، فقد تنظيم الدولة أعداداً كبيرة من مقاتليه وقياداته المتقدمة في المعارك أو نتيجة القصف الجوي الذي يشنه طيران التحالف الدولي وروسيا والحكومتين العراقية والسورية على مواقعه ومراكز تواجده بنحو 25 ألف قنبلة في عام 2016 فقط، منها "12192 قنبلة في سورية و 12095 قنبلة في العراق، بزيادة 3027 قنبلة عن عام 2015، وهذه حصيلة ضربات الطائرات الامريكية التي بلغت نسبتها 79% من مجموع ضربات التحالف الدولي"[vi].
ومع اتساع الرقعة الجغرافية لسيطرة تنظيم الدولة، برزت الحاجة إلى المزيد من الكوادر الإدارية والأمنية لإدارة المدن التي يسيطر عليها في سورية والعراق على امتدادات جغرافيةٍ متصلة تصلُ إلى "ربع مليون كيلومتر مربع يقطنها ما بين 10 إلى 12 مليون نسمة"[vii]، حسب تقديرات مسؤول في حكومة إقليم كردستان العراق؛ ويتركز معظمهم في مدن كبرى، الرقة ودير الزور في سورية، ومدنٍ عدة من محافظات نينوى وكركوك والأنبار في العراق.
لذلك ثمة من يرى أن تنظيم الدولة قد اعتمد سياسة تقوم على تقليل عدد الجبهات إلى أقل عدد ممكن لتلافي نتائج الخلل الكبير في التوازن العددي مع الأعداء، وتبعا لهذا لم يعد يتمسك بالأرض على حساب العنصر البشري الذي هو الأساس في بقاء التنظيم واستمرار مشروعه، واتباع سياسة الانسحاب التدريجي من المدن غير المهمة استراتيجيا بعد استنزاف القوات المهاجمة.
 
التداخل بين ساحتي العراق وسورية:
يتمسك تنظيم الدولة بفرض سيطرته على مناطق صحراوية واسعة في غرب وشمال غربي العراق على الحدود مع سورية لإقامة معسكراته وادامة طرق نقل الامدادات وتأمين منطلق لهجمات اعتاد شنها على مراكز المدن طيلة فترة انكفاءه في معسكرات صحراوية بين عامي 2007 و2014؛ وستظل حاجة التنظيم لهذه المناطق قائمة وسيتمسك بالدفاع عنها أكثر من تمسكه بالدفاع عن المدن في العراق وسورية.
على الجانب الاخر من الحدود السورية في محافظة دير الزور، تقع صحراء الأنبار التي يخترقها طريق دولي يربط العاصمة العراقية بالعاصمتين السورية والأردنية على مسافة تتجاوز 450 كيلومترا معظمها مناطق صحراوية تشكل أهمية استراتيجية للتواصل البري عبر الحدود وتسهيل عمليات نقل المقاتلين والسلاح من وإلى شرق وشمال شرقي سورية التي يفرض التنظيم سيطرته على بعض المناطق في سورية وتقريبا كل المناطق على الجانب الاخر من الحدود، وبالأخص المناطق الصحراوية في العراق مقابل المنطقة المحصورة بين منفذ التنف السوري في محافظة حمص، وشمالا إلى منفذ اليعربية السوري في محافظة الحسكة، والتي يبلغ طولها حوالي 640 كيلومترا.
اتخاذ الثورة السورية طابعها المسلح في صيف 2011 أدى إلى تدفق أعدادٍ من مقاتلي تنظيم الدولة إلى الأراضي السورية انطلاقاً من المعسكرات الصحراوية عبر طرق برية غير شرعية إلى محافظة دير الزور قبل انتقالهم إلى العمق السوري باسم "جبهة النصرة لأهل الشام"؛ وظلت الحدود العراقية السورية متاحة لتسلل المسلحين على جانبيها حتى خلال فترة الاحتلال الأمريكي الذي فرض رقابة جوية ونشر آلاف الجنود من حرس الحدود؛ كما أن المنافذ الرسمية على الحدود بين البلدين أصبحت ممراً للسلاح الإيراني وعناصر الميليشيات الشيعية التي كانت تتوافد إلى سورية للقتال إلى جانب قوات النظام السوري.
وخلال فترة حكم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي (2006 إلى 2014)، ظلت الصحراء العراقية المجاورة للحدود السورية خاضعة بشكل ما لسيطرة ونفوذ تنظيم الدولة، وأحيانا يتقاسم السيطرة عليها مع القوات العراقية أثناء إطلاق عملية عسكرية في تلك المناطق تتكفل بتخفيف حركة مقاتلي التنظيم نهاراً في حين تنعدم حركة القوات العراقية ليلاً.
ومنذ أواخر العام 2011 وحتى أبريل/نيسان 2013 شهدت مناطق غرب وشمال غربي العراق نشاطات عسكرية تكاملية على جانبي الحدود العرقية السورية بين "دولة العراق الإسلامية" وفرعها في سورية "جبهة النصرة لأهل الشام" ، وهو ما لفت انتباه الولايات المتحدة والحكومة العراقية وحكومات عربية خشية تشكيل واقع جغرافي متصل لنشاط التنظيمين المصنفين على لائحة الإرهاب وتنامي نفوذهما على جانبي الحدود قبل الإعلان عن خلافاتها وفك الارتباط بينهما بعد إعلان "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في 9 ابريل/نيسان 2013 الذي رفضته "جبهة النصرة" وأعلنت بيعتها لتنظيم قاعدة الجهاد في خراسان بقيادة أيمن الظواهري في 11 أبريل/نيسان 2013 كإعلان عن القطيعة بينهما والدخول في حرب مفتوحة.
أما قبل توتر علاقات "جبهة النصرة لأهل الشام" مع "دولة العراق الإسلامية" في أبريل/نيسان 2013، فقد شهدت المناطق الحدودية في البلدين انتشاراً ملحوظاً لمقاتلي التنظيمين، وأصبح انتقالهم عبر الحدود أمراً خارج سيطرة الحكومتين في مناطق الشريط الحدودي جنوب غربي الموصل المعروفة بوعورتها وتواجد معسكرات تنظيم الدولة فيها، جنوبا إلى مناطق شمال مدينة القائم الحدودية عند مدخل نهر الفرات، بالإضافة إلى مناطق الشريط الحدودي من القائم (مقابل البو كمال السورية) جنوبا إلى منفذ الوليد العراقي (مقابل منفذ التنف السوري) على بعد نحو 400 كيلومترا غرب مدينة الرمادي.
 
خلاصات وتوقعات:

أولاً:
ركزت الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام بعد الانتهاء من معركة حلب على استعادة السيطرة على ريف حمص الشرقي ومنع سقوط بعض مناطقه بيد تنظيم الدولة ثانية؛ كما تهدف الحملة لتأهيل قوات النظام لخوض معركة كبرى في دير الزور بعد السيطرة على خط القريتين باتجاه الباردة وما يليها من سلسلة جبلية تمتد إلى محيط دير الزور؛ وفي محور آخر للسيطرة على مناطق الجحار على الطريق الواصل بين مدينتي حمص وتدمر، وعلى الابار النفطية فيها وتأمينها ومن ثم محاصرة مدينة تدمر والسخنة من المحور الشمالي لمحاصرة مقاتلي التنظيم في جيب جغرافي أو أكثر.
 
ثانياً:
في الجانب العراقي من الحدود مع دير الزور باشرت القوات العراقية مدعومة بمقاتلي الحشد العشائري وبإسناد طيران التحالف الدولي مطلع العام 2017 عملية عسكرية تهدف لاستعادة مدن غرب الانبار، عانه وراوة والقائم؛ وفي حال استطاعت قوات النظام السيطرة على دير الزور والاتجاه جنوبا نحو مدينة البو كمال، فإنها ستكون على تماس جغرافي مع القوات العراقية وفصائل الحشد الشعبي التي من المرجح أن تنتشر على طول الحدود العراقية السورية مقابل محافظة الحسكة وصولا الى منطقة القائم العراقية عند مدخل نهر الفرات إلى العراق مقابل مدينة البو كمال السورية، وجنوبا حتى منفذ الوليد العراقي مقابل منفذ التنف السوري في صحراء حمص الشرقية.
 
ثالثاً:
اللقاء السوري العراقي في حقيقته هو لقاء بين الحشد الشعبي العراقي، قوات شيعية حليفة لإيران، وقوات سورية في معظمها موالية لإيران أيضا؛ من شأن هذا تأمين طريقين للتواصل البري بين إيران والساحلين السوري واللبناني؛ الأول من إيران مرورا بمحافظة ديالى شمال شرقي العاصمة وغربا عبر محافظة الأنبار وصولا إلى منفذ الوليد ومن ثم صحراء حمص إلى دمشق وبيروت، أما الثاني فسيمر من إيران عبر محافظة ديالى ومن ثم شمالا إلى محافظة نينوى ومنفذ اليعربية السوري في ريف الحسكة وجنوبا إلى دير الزور ومن ثم إلى صحراء حمص أيضا وصولا إلى الساحل السوري، أو إلى دمشق ومن ثم إلى الساحل اللبناني.
 
رابعاً:
من بين استراتيجيات تنظيم الدولة المتوقعة تخليه عن مناطق سيطرته في مدن غرب الأنبار وكذلك ما تبقى من مدينة الموصل العراقية والانتقال إلى حرب العصابات عبر هجمات متواصلة على معسكرات القوات العراقية ومراكز المدن لتحقيق أهداف محددة ومن ثم الانسحاب منها؛ لكن ليس ثمة قراءة تفضي إلى استعداد تنظيم الدولة التخلي عن محافظة دير الزور مستقبلا مع إمكانية تخليه عن مدينة الرقة المعقل الأهم له بعد معارك يقدم كل ما لديه من إمكانيات للدفاع عنها قبل الانسحاب منها للحفاظ على العنصر البشري للتنظيم وانتقاله إلى محافظة دير الزور.

خامساً:
سيستمر تنظيم الدولة بخسارة المدن والأراضي التي خضعت لسيطرته بعد أحداث الموصل 2014 بسياق واضح منذ مارس/آذار 2015 عندما خسر مدينة تكريت على يد القوات الأمنية العراقية وفصائل الحشدين الشعبي والعشائري بدعم من قوات التحالف الدولي؛ كما سجل تنظيم الدولة خسائر مماثلة في مناطق سيطرته في سورية.
 
سادساً:
في حال سيطر تنظيم الدولة على مدينة دير الزور ومطارها فإن خسارته لمدن غرب الأنبار على الحدود السورية لن تكون لها تداعيات كبيرة على التنظيم الذي تترسخ لدى قياداته العسكرية قناعات تتلخص في صعوبة الصمود في العمليات العسكرية بالعراق، وعدم إمكانية الاحتفاظ بالأرض إلى أجل بعيد طالما أن البيئة الاجتماعية في غرب وشمال غربي العراق بيئة عدائية اتضحت بعد معركة الفلوجة التي قاتل فيها التنظيم بمفرده لأكثر من شهرين دون مساندة أبناء المدينة؛ كما ان ما جرى في الفلوجة يتكرر الان في الموصل حيث تشير تقارير من مصادر متعددة إلى تعاون أبناء المدينة مع القوات الحكومية والتحالف الدولي.
 
سابعاً:
ستظل البيئة الاجتماعية في دير الزور أكثر تقبلا لوجود تنظيم الدولة قياسا بمناطق نينوى والانبار حيث تنعدم الخيارات امام السوريين بين القبول بوجود التنظيم مع غياب الفصائل الثورية عن المشهد بعد معارك حلب، أو القبول بقوات النظام.
 
ثامناً:
من الصعب في المدى المنظور تحقيق قوات النظام انتصارات عسكرية لاستعادة السيطرة على محافظة دير الزور، كما أن السيطرة على المحافظة بحاجة إلى اعداد كبيرة من القوات لتأمينها ومنع سقوطها ثانية بيد تنظيم الدولة الذي اعتاد على خسارة بعض المدن والعودة للسيطرة عليها إذا توفرت لديه معطيات النجاح، كما حدث في مدينة الرمادي العراقية التي عاد وخسرها ثانية، أو في مدينة تدمر التي لا يزال يخوض معركة الدفاع عنها بعد ان سيطر عليها ثانية.
 
تاسعاً:
على المدى البعيد، يحاول تنظيم الدولة الإبقاء على ما يشبه دولته التي أقامها في 29 يونيو/حزيران 2014 في مناطق دير الزور وامتداداتها الصحراوية العابرة للحدود مع العراق في مناطق صحراوية ظلت ملاذا امنا لمعسكراته طيلة مرحلة تراجعه منذ 2007 بعد هزيمته أمام مجالس الصحوات العشائرية وصحوات الفصائل العراقية السابقة المدعومة من القوات الأمريكية واخراجه من المدن حتى عودته ثانية مطلع العام 2014 عندما فرض سيطرته على كامل مدينة الفلوجة وأحياء عدة من مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار.
 
المراجع:
 
[i] استمرار وصول عشرات العوائل العراقية النازحة إلى مناطق سورية مختلفة وتنظيم “الدولة الإسلامية” يطرد النازحين السوريين، المرصد السوري لحقوق الانسان، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[ii] نظام الأسد ينشئ قوات رديفة له بمنطقة الجزيرة شرقي سورية، الدرر الشامية، 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[iii] طائرات عسكرية سورية تنفذ عملية إسقاط جوية ناجحة لذخيرة وأغذية داخل مطار دير الزور العسكري، قناة الميادين، 27 يناير/كانون الثاني 2017 انظر الرابط.
[iv] داعش يتقدم نحو مطار دير الزور العسكري والنظام يوقفه بالغازات السامة، موقع صوت وصورة، 14 سبتمبر/أيلول 2015 انظر الرابط.
[v] داعش" يفقد مجددا السيطرة على ربع الأراضي في 2016، إذاعة المانيا الدولية، 19 يناير/كانون الثاني 2017 انظر الرابط.
[vi] روسيا اليوم: 26 ألف قنبلة ألقاها الأمريكان عام 2016 على 7 دول، 07 يناير/كانون الثاني 2017 انظر الرابط.
[vii] مسؤول كردي: عدد قوات داعش يتجاوز 200 ألف مقاتل، جريدة الراية، 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 (الموقع الإلكتروني للجريدة) انظر الرابط.
رائد الحامد

باحث ومحلل سياسي عراقي. سبق أن عمل رئيساً لوحدة البحوث والدراسات في مركز بغداد للبحوث الاستراتيجية، وبعد ذلك كرئيس تحرير مجلة "نوافذ الثقافية" وعمل أيضا كمستشار في مجموعة الازمات الدولية. ساهم بتأليف كتاب بعنوان "الاحتلال الامريكي للعراق المشهد الاخير" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2007.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.