مناطق المخالفات في النزاع السوري: التخطيط الحضري بوصفه سلاحاً
الرابط الأصلي للمادة:
Informal settlements in the Syrian conflict: urban planning as a weapon
توضيح من المترجمة لبعض المصطلحات المستخدمة في النص:
خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، تناولت السياسة الحضرية في سورية، (على الصعيدين) الوطني والمحلي، مشكلة مناطق المخالفات. كما أُصلِح الجهاز التشريعي الذي يُعنى بالإسكان والتخطيط الحضري، وانطلقت مجموعة من البرامج بتعاون دولي، ونُشِطّت الدراسات من أجل وضع خطط رئيسية جديدة للمدن الرئيسية؛ فأصبحت معالجة مناطق المخالفات قضية مركزية. وكان هناك احتمالين رئيسيين قيد البحث: الارتقاء (مع التنظيم) أو التجديد الحضري (هدم وإعادة إعمار قانوني). وقد كانت المقاربات متنوعة؛ فتنافست الأهداف والنماذج المختلفة وتخالفت مع بعضها البعض أحياناً. وفي بداية عام 2011، كانت العديد من السياسات الحضرية ما تزال في مرحلة التطوير أو في طور التنفيذ؛ وكان عدد قليل منها فقط قد اكتمل.
وفي دمشق، كان لبدايات الربيع العربي تأثير على الديناميات الحضرية: فقد نضبت الاستثمارات الأجنبية؛ وعلى أية حال، زادت في البداية المخاطر النقديةُ والتضخّمُ الإعمارَ فتوسّعت مناطق المخالفات بسرعة منذ الأسابيع الأولى. وقد أدى الوضع الجديد (قبل حتى أن تبدأ المظاهرات في سوريا) أيضاً إلى إعادة تشكيل السياسة الحضرية تجاه مناطق المخالفات، وخاصة في دمشق؛ إذ أصبحت أهدافها أكثر اجتماعية. ورغم تباطؤ أو تعليق المشاريع المضطلع بها مع تعاون دولي، إلا أن الإصلاح كان مع ذلك قائماً؛ فقد استمر التخطيط الحضري وأُصدِرت مراسيم جديدة. ولكن الجهات المعنية، وقواها النسبية، كانت تتغير، فالاستثمار العقاري، سواء الوطني أو الدولي، تطوّر ليراعي البيئة الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية المتغيرة، وعُبِّر عن المطلب الاجتماعي بقوة أكبر. ماهي آثار الأشهر الأولى من الانتفاضة في سوريا على السياسة المتعلقة بالإسكان العام والتخطيط الحضري؟ ما هي التأثيرات، والاستمرارية والتمزقات، وماهي المكابح والتعزيزات؟ ثم ما الذي تغير فيما يتعلق باستراتيجيات ونماذج الفعل الحضري؟ غالباً ما كان للتخطيط الحضري دوراً استراتيجياً في أوقات الحرب، كما كان الحال في لبنان، حيث استُخدِم التخطيط الحضري لتهجير السكّان بعيداً عن أرض، أو عن فضاء مرغوب عسكرياً، أو عن أرض مضاربة (فيرديل 2001 Verdeil). فالنزاعات هي أوقات استثنائية بالفعل، إذ تكون تتكشف حقائق الأبعاد الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية والإقليمية لقرارات التخطيط الحضري، على حساب التصورات المثالية للمدينة (clerc 2012b). وستوضّح بعض الملاحظات تطوّر الفعل العام الحضري في سوريا ودمشق خلال العامين الأولين من الانتفاضة والنزاع التالي.
يتناول الجزأ الأول من هذا المقال تطور سياسة السلطات السوريّة في مناطق المُخالفات قبل الربيع العربي. إذ تنوعّت السياسات، وغالباً ما تنافست الإرشادات مع بعضها البعض. أما الجزء الثاني فيركّز على تطور الإرشادات خلال النزاع: فبعد انعطاف أولي في مُستهّل الأزمة نحو الأهداف الاجتماعية (في حين نمت مناطق المُخالفات) جاء تأرجح باتجاه منطق التجديد الحضري (أي الهدم وإعادة الإعمار)، آخذاً بعين الاعتبار الدمار واسع النطاق لمناطق المخالفات هذه خلال النزاع. وسيُناقش هذا المقال السياسات تجاه مناطق المُخالفات في سوريا قبل وخلال الانتفاضة مع التركيز بشكل خاص على الحالة المدروسة وهي منطقة العاصمة دمشق(1).
مناطق المُخالفات في دمشق: تكامل وثيق:
اجتماعياً واقتصادياً، كانت العلاقة بين أحياء المُخالفات والأحياء الرسمية علاقة استمرارية أكثر مما هي علاقة تباين. ففي أسواق الإسكان المُخالف والرسمي، كان كل من الوصول والأسعار متصلين. كما كانت نسبة الإشغال التأجيري في المناطق المُخالفة (12%) هي ذات النسبة في المدينة ككل (المكتب المركزي للإجصاء 2004). وكانت بعض أحياء المُخالفات مراكز تسوقية واقتصادية مهمة. ورغم أنه بشكل عام كان القاطنون الأقل ثراء في المدينة هم من يعيشون هناك، إلا أنه كان هناك أيضاً أُسر متوسطة الدخل، وموظفين حكوميين، وشخصيات عسكرية (وأحياناً حتى أصحاب رتب عالية). ولم يقتصر الفقر الحضري بتاتاً على مناطق المُخالفات (Allaithy, Abou Ismail 2005). كما لم يكن العديد من القاطنين من اللاجئين أو المهاجرين الريفيين الحديثين، بل عاشوا في المدينة لمدة طويلة –أحياناً لعدة عقود- في إسكان مُخالف ورسمي. وكان لأحياء المُخالفات درجة ملحوظة من التنوع الوظيفي؛ فقد كانت الروابط الأُسرية والاجتماعية متعددة ومختلفة. وكما في العديد من البلدان، تشوّش هذه الاستمراريات الحدود بين الإسكان "الرسمي" و"المُخالف"، المصطلحان اللذان يُناقشان بإسهاب في الأدب العلمي وكذلك بين الممارسين الحضريين. إضافة إلى ذلك، تنتشر الممارسات المُخالفة بشكل واسع في المناطق الرسمية، وفي المقابل تلعب العديد من الممارسات المؤسساتية والقانونية الرسمية دوراً مهماً في إنتاج مناطق المُخالفات (Clerc 2012).
على أية حال، ورغم كل هذه الاستمراريات، إلا أنّ ما ميّز أحياء المُخالفات السورية رغم ذلك هو المورفولوجيا الحضرية(*) وملكية الأرض، إضافة إلى تعريفها القانوني الوطني. إذ كان هناك شكلان رئيسيان من ملكية الأرض: فقد نشأت بعض المناطق على أرض استولى عليها الشاغلون الأولون –كانت هذه بشكل رئيسي حالة المناطق والأراضي العامة على سفوح جبل قاسيون (إعمار غير قانوني إضافة إلى احتلال غير قانوني للأراضي)- وبُنيت مناطق أخرى على أراض مملوكة بشكل خاص، والتي وإن كان يحتفظ بها شاغلوها قانونياً، إلا أنها لم تكن صالحة للإعمار. وهذا النوع هو ما كان موجوداً بشكل رئيسي في الغوطة، والمنطقة الزراعية في الواحة المحيطة بدمشق في الجنوب والشرق. وهي تتوضع عموماً خارج نطاق الخطط الحضرية، ولم تتبع عمليات الإعمار القواعد المعمول بها ونتيجة لذلك صُنِّفت بوصفها "عشوائيات". كما تشكّل مساحات حضرية متجانسة نُظِّمت تدريجياً مع انتقال القاطنين إليها، مع تراتبيات شوارع وعمليات تكثيف مشابهة لتلك الموصوفة في القرن التاسع عشر في ضواحي دمشق (Lena 2012K Arnaud 2008)؛ فقد كانت المقاسم صغيرة والشوارع ضيقة، ولم تكن الأبنية المتجاورة متراجعة عن الشارع، وغالباً ما كانت الأبنية منخفضة. وأخيراً وليس آخراً، كانت معدّلات الإشغال والاكتظاظ السكاني في الإسكان (أي نسبة الوحدات السكنية المشغولة، وعدد الأُسر في الوحدة، وعدد الأفراد في الأُسرة) كانت فوق المعدّل؛ وكانت الكثافة الصافية للإشغال غالباً أكثر مرتين أو ثلاث مرات من تلك التي للمنطقة الحضرية ككل (تصل إلى 1200 قاطن في الهيكتار، مقارنة ب 260 في المنطقة الحضرية ككل-المكتب المركزي للإحصاء 2004).
وضع اقتصادي وسياسي داعم:
وكون المرحلة الاقتصادية مؤاتية، نجحت الإصلاحات في إنعاش الإعمار الخاص الرسمي، والذي وصل سابقاً (في عام 2000) إلى أدنى مستوى له منذ عام 1975. وبحلول عام 2007، تضاعف الإنتاج السنوي للوحدات السكنية في منطقة العاصمة سبع مرات، وفي ضواحي العاصمة تضاعف 15 مرة (المكتب المركزي للإحصاء، 2001 إلى 2010). على أية حال، بقيت العديد من الوحدات السكنية غير مُنجزة أو فارغة (Clerc 2012a). وبما أنها بُنيت بشكل رئيسي بوصفها استثمارات طويلة الأمد مخصصة للزبائن المُترفين، فهي لم تعالج في الواقع الطلب القائم، الذي كان مصدره الأساسي الأسر منخفضة الدخل. علاوة على ذلك، لم يواكب إعمارُ الإسكان العام الإعمارَ الخاص. فمن ضمن ال 57 ألف وحدة التي خُطَّطت لمنطقة دمشق منذ عام 2000 –أي أكثر مما بنته المؤسسة العامة للإسكان في المنطقة منذ بدايتها في عام 1961- اكتمل منها بحلول عام 2009 عدد أكثر بقليل من 3000؛ وكان 16000 من هذه الأعمال لا يزال قيد التنفيذ (Clerc and Hurault 2010). وبالتالي، استمرت الأسر منخفضة الدخل بالاستثمار في الإسكان المُخالف، الذي استمر بتمدّده رغم العقوبات الصارمة المفروضة في عامي 2003 و2008. إذ حاولت أحدث القوانين (قانون82/2010) والسياسات الحد من نمو عدد الوحدات غير المُنجزة وغير المأهولة وزيادة سرعة إنتاج الإسكان الاجتماعي (من خلال إشراك القطاع الخاص وتمكين الإعمار العام لمساكن الإيجار)، لكن الإتجاه الإجمالي لم يتغير فعلاً (Clerc 2013a).
وفي الوقت ذاته، صُمَّمت عدة مشاريع حضرية وبرامج، وطنية ومحلية، بتعاون دولي (الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا واليابان). ومنذ عام 2009، أعادت محافظة دمشق (والتي تغطي مركز التجمعات السكانية) إطلاق دراسات بغية تجديد الخطة الرئيسية لدمشق وضواحيها (لا تزال الخطة الرئيسية لعام 1968 التي وضعها المخططان M.Ecochard وG.Banshoya سارية المفعول اليوم)، بينما أطلقت محافظة ريف دمشق (المحيطة بمحافظة دمشق) دراسات لإنتاج مخطط تفصيلي إقليمي (بما في ذلك محيط دمشق).
تنافس السياسات الحضرية تجاه مناطق المُخالفات في الألفية الجديدة:
أُطلِقت السياسات الجديدة في بدايات عام 2000. وقد تطلّب قانون جديد في عام 2003 تدمير كل الأبنية التي انتهكت التشريعات (وفي عام 2008 نصّت على أحكام صارمة بالسجن للأشخاص المشتركين بأي طريقة في عمليات البناء)؛ ولكن من ناحية أخرى مكّنت أيضاً من إضفاء الطابع القانوني على الأحياء المبنية قبل هذا التاريخ، شريطة أن تكون الأبنية القائمة متلائمة مع الخطة الرئيسية المحلية؛ وعلى أية حال لم يكن هذا هو الحال غالباً. كانت الخطط الرئيسية التفصيلية لبلديات الضواحي مُنقّحة بشكل هائل لدمج هذه الأحياء. ولذلك، اتّبعت السياسات التي تتناول هذه المناطق اتجاهين رئيسيين: من ناحية، الارتقاء بالحي (أي تحسين البنى القائمة) مع إضفاء الطابع القانوني على إشغاله الأرض، ومن أجل ذلك سيكون مطلوباً تعديل الخطط الرئيسية لتكييفها مع الوقائع القائمة؛ ومن ناحية أخرى، التجديد (أي هدم وإعادة إعمار) وهو يتبع خطة رئيسية تختلف عن الواقع القائم؛ وقد افترض مروجو هذا الخيار الأخير أن جدواه ستكون مضمونة عبر وصول مستثمرين يجذبهم انفتاح الاقتصاد.
شاركت وزارة الإدارة المحلية والبيئة المسؤولة عن التخطيط الحضري منذ عام 2004، في عدة برامج تهدف إلى "الارتقاء" بأحياء المُخالفات. كما خلقت مؤخراً سلسلةٌ من القوانين (33/2008؛46/2004) الأدوات الإدارية الضرورية. وقد وضعت الوزارة سوية مع هيئة التخطيط الإقليمي، التي تأسست في عام 2010، البرنامجَ الوطني للارتقاء وإعادة تأهيل مناطق السكن العشوائي (الحكومة السورية 2010). أما المرحلة الأولى من برنامج تحديث الإدارة البلدية/مام/ (MAM 2005-2008)، والذي نُفّذ بمساعدة الاتحاد الأوروبي (برنامج ميدا)، دعت خبراء دوليين معترف بهم، الذين أوصوا إجماعاً بالارتقاء بأحياء المُخالفات (Wakely 2010, Fernandes 2008, McAuslan 2008, Serageldin 2008). كما وردت التوصيات ذاتها في برنامج التنمية الحضرية المُستدامة (UDP 2007-2010) الذي وضعته محافظتا حلب ودمشق بمساعدة المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) (الجمهورية العربية السورية 2009)، وبرنامج الارتقاء بالعشوائيات في ريف دمشق الذي وضعته وزارة الإدارة المحلية والبيئة في ريف دمشق بمساعدة البنك الدولي وتحالف المدن.
وفي الوقت ذاته، حدّدت وزارة الإسكان والتعمير مع المؤسسة العامة للإسكان الشروط القانونية والتشريعات الإدارية التي تحكم سياسة التجديد الحضري (أي الهدم وإعادة الإعمار) لمناطق المخالفات، على أساس جذب مستثمرين عقاريين رئيسيين في القطاع الخاص (القانون 15/2008، إرشادات مستمدة من القانون 26/2000). وكان على الدولة أن توفر أراض مملوكة ملكية عامة لمستثمري القطاع الخاص والتي كان سيبنى عليها مساكن للأُسر منخضة الدخل، وأيضاً أراض من أجل تجديد الأحياء المُخالفة. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شاركت محافظة دمشق هذه الرؤية ووضعت خططاً حضرية تفصيلية لمناطق المخالفات، منطقة أبراج (JICA 2008) وفي 2007 أجرى مستشارون للتجديد الحضري سلسلة من الدراسات (تحت مسمى دراسات تفصيلية)، ل 17 منطقة حضرية داخلية حددتها المحافظة، متضمنة عدة مناطق مخالفات.
وهكذا نُفّذت سياسات الارتقاء والتجديد الحضري من قبل إدارات وسلطات محلية مختلفة جنباً إلى جنب، من دون تنسيق وثيق. وفي بعض الحالات، تنافست هذه السياسات المتنافسة حتى مع بعضها البعض عندما كانت الأحياء ذاتها معنيّة. وقد كان الحال هكذا على سبيل المثال في حلب عام 2010، إذ كانت البلدية تنفذ مشروع ارتقاء بالتعاون مع المؤسسة الألمانية للتعاون الفني GTZ على قطعتين من الأراضي العامة التي شغلتها مناطق مخالفات. وفي الوقت نفسه، قدمت الحكومة هذه القطع لمستثمرين لتحقيق مشروع تجديد حضري بموجب القانون 15. وقد أصبحت التناقضات الناشئة عن هذه السياسات المتنافسة واضحة أيضاً عندما نُفِّذت البرامج الوطنية التي اضطلعت بها وزارة الإدارة المحلية والبيئة، والتي تشجّع إعادة التأهيل، في محافظة دمشق عبر مشاريع التجديد (Clerc 2011). كيف حدث هذا؟ من الفرضيات المنطقية أنه بينما أشارت الحكومة إلى رغبتها بتنفيذ سياسات سوق اجتماعية، ظهر النزاع فجأة، بين المنطق الاقتصادي للاستثمار الخاص والعولمة ومنطق الرفاهية الاجتماعية. وكانت هذه هي الحالة لاسيما فيما يتعلق باستخدام أراضي مناطق المخالفات. ومع انفتاح الاقتصاد وارتفاع قيم العقارات، يُظهِر هذا الوضع كيف أطّرت الرؤى المتنافسة للمدينة (أي المجموعات الاجتماعية تفضل؟ أي نسيج حضري تروّج؟) والمنافسة على الأرض (من سيخصص قيمتها؟) مقاربات في السياسة الحضرية.
وفي الواقع، جُمعت الخيارات المتنافسة، إما ضمناً أو صراحةً. ونشأ أخيراً إجماع عام بين الفاعلين التقنيين والسياسيين الذين يروّجون الخيارين المختلفين. فالارتقاء لن يكون مرتقباً لبعض المناطق المركزية جداً في العاصمة، كما أن التجديد لن يحدث في المحيط البعيد. ولكن الأولويات اختلفت رغم ذلك. قبل الأزمة، اختُصِر النزاع بين الرؤى إلى نسبة أحياء دمشق التي ستجدّد إلى التي ستُرقّى (على سبيل المثال 60% من الأولى و40% من الأخرى)؛ كيف ستُختار المناطق المعنية، وما هي المعايير التي يجب تبنّيها؟.
الانتفاضة، والحرب والسياسة الحضرية في أحياء المخالفات:
هذا ما كان الوضع عليه عندما بدأت المظاهرات في آذار/مارس 2011 مع موجة غير مسبوقة من احتجاجات معادية لمؤسسات الدولة. طالبت المظاهرات بحرية تعبير أكبر، وبإصلاح الدولة، وبإلغاء حالة الطوارئ في الدولة التي بقيت سارية منذ عام 1963 وبعد القمع العنيف للمظاهرات من قبل الحكومة، طالبت برحيل رئيس الدولة. واكتسبت المواجهة تدريجياً طابعاً عسكرياً؛ ففي خريف عام 2011 شُكِّل الجيش السوري الحر. على أية حال، في سوريا لم يُرمز إلى الانتفاضة من خلال ميدان مركزي، كما كانت الحالة في ميدان التحرير في القاهرة أو دوار اللؤلؤة في البحرين، بل بدلاً من ذلك كان هناك وفرة من المواجهات المحلية في قرى وأحياء الضواحي والأحياء الحضرية. واشتركت في الثورة الحارات الحضرية والبلدات المحيطية التي تقع فيها معظم مناطق المخالفات. ولكن هذا لا يعني أن خريطة الثورات هي نفسها خريطة مناطق المخالفات؛ فقد كانت الاثنتان بعيدتين كل البعد عن التزامن، ورغم أنه في العديد من مساحات المخالفات كان هناك شعور بالإحباط فقط إزاء استراتيجية الحكومة للتنمية الحضرية، فكثيراً ما ارتبط الإشغال غير القانوني بمعارضة النظام.
برغم ذلك وُجِدت روابط بين الثورات، ومناطق المخالفات والسياسات الحضرية. وكان للمظاهرات ومن ثم للنزاع تأثير على السياسات الحضرية، مما أدى إلى تغييرات في وتيرة الإصلاح، وبشكل أكثر أهمية، إلى تقلبات مفاجئة في السياسة.
الثورات وتسريع التحضّر المخالف:
لقطعة أرض في دوما (ريف دمشق). المصدر: @Google Earth snapshots of 09/11/2009, 5/05/2011 and 23/05/2012
في بداية العاصفة (2011 وبداية عام 2012): أوهام الحالة السوية واستغلال السياسات الحضرية:
سرعان ما سبّبت بداية الاحتجاجات في سوريا بتباطؤ كل مشاريع التعاون الدولي في التحضّر وفي نهاية المطاف جمّدتها. ومنذ ربيع عام 2011، ترك كل الخبراء الأوروبيين البلد؛ رحل خبراء GIZ (المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي) في نيسان/أبريل، ورحل الموظفون الأجانب الأوروبيون في برنامج مام (MAM) (تحديث الإدارة البلدية) في أيار؛ أما الخبراء الأجانب من شركة الاستشارات الهندسية اللبنانية خطيب وعلمي المسؤولون عن الخطة الرئيسية لدمشق فقد رحلوا في تشرين الثاني/نوفمبر (عملوا بعد ذلك من بيروت). وجُمّدت المشاريع التي كانت ما تزال قيد الإعداد. كما جُمِّد التمويل الأوروبي (بنك الاستثمار الأوروبي EIB/الوكالة الفرنسية للتنمية AFD) المخصص لمشروع مام الحضري ولم تُوقّع اتفاقيات مشاريع جديدة بكل بساطة –مثلاً المساعدة المقدّمة للإدارة المحلية التي خطّط لها بنك الاستثمار الأوروبي والوكالة الفرنسية للتنمية للارتقاء بمناطق المخالفات في سوريا. وفي الوقت الذي توقفت فيه برامج التعاون الدولي مع البلدان الغربية، استكشفت سوريا اعتباراً من عام 2011 طرقاً جديدة لإعادة تفعيل تعاون مع إيران في مجالات الإعمار، والإسكان والتخطيط الحضري، للاستفادة من الخبرة الإيرانية في هذه المجالات(4).
مع ذلك استمرّت البرامج التي كانت قد أُطلقت بالفعل، فواصلت فرق محلية العمليات. وقد تواصلت بلا هوادة السياسات الحضرية الرئيسية التي تؤثّر على مناطق المخالفات طوال عام 2011، وكأنّ السعي إلى الإصلاحات يلعب دوراً جوهرياً في كسب دعم السكان، والتهوين من أهمية المعارضة ومواصلة الاستمرارية في السياسات الحضرية وسلطة الدولة. وقد تواصل خلال الصيف تطوير السياسة الوطنية المتعلقة بالارتقاء بمناطق المخالفات، رغم أنها تباطأت مؤقتاً في ربيع عام 2011 نتيجة تغيير الوزراء، وفي كانون الأول/ديسمبر اعتُمِدت السياسة. واعتباراً من أيار/مايو 2011، كانت لجنة التخطيط الإقليمي تعمل على تعريف تصنيف الأحياء وكانت تجري دراسة مخططات أولية. وفي نهاية عام 2011، أُعلِن أن هيئة عامة وصندوق "للتنمية والارتقاء بمناطق السكن العشوائي" ستُنشئ في العام التالي(5).
إضافة إلى ذلك، استمرت الدراسات للمخطط الرئيسي لمحافظة دمشق وللتخطيط الحضري لمحافظة ريف دمشق، وقد اعتُمِدت المراحل الثانية في الخريف، واُطلِقت المراحل الثالثة. وفي محافظة دمشق، أُطلِقت بعض الدراسات التفصيلية مرة أخرى لمناطق المخالفات (وإعادة نشر في تشرين الأول/أكتوبر 2011 لطلب مناقصة لتنفيذ مشروع أحياء المُخالفات في قاسيون، والطبّالة ومنطقة الملك فيصل). وأُعِدّ مشروع ارتقاء أولي في جبل قاسيون. كما تواصلت سياسة التجديد الحضري أيضاً، فافتُتِحت سلسلة ثانية من المواقع بموجب القانون 15؛ وبشكل أهم، أُصلِحت المؤسسة العامة للإسكان في حزيران/يونيو في محاولة لتسريع إنتاج الإسكان المدعوم من خلال إشراك القطاع الخاص، ولبناء إسكان عام للإيجار (مرسوم 76/2011)(6)، و(في شباط/فبراير) لفتح طلبات ل 50 ألف وحدة إسكان عام مدعوم(7).
وأخيراً، على الرغم من تعليق المشاريع الكبيرة المطوّرة من قبل مستثمري القطاع الخاص بشكل رسمي –على سبيل المثال أُوقِف مشروع أبراج سوريا في مركز المدينة في خريف 2012(8)- فإن الإعلان في حزيران/يونيو 2011 أن العمل على مشروع البوابة الثامنة من قبل شركة التطوير العقاري "إعمار" (التابعة لدبي) سيمضي قدماً، والإعلان في آب/أغسطس 2011 من قبل شركة التطوير العقاري التابعة لدبي أيضاً "ماجد الفطيم العقارية" أن العمل سيبدأ على المشروع الضخم متعدد الاستعمالات في يعفور، مشروع- خمس شامات (استثمار مقدّر ببلايين اليورو)(9) فقد سعى (هذا الإعلان) لإعطاء انطباع بالاستمرارية والرفاهية الاقتصادية في خضم العاصفة. وقد استمر هذا حتى ربيع 2012 على الأقل، ثم أُعلِن أن المشروع في يعفور –مشروع خمس شامات- سيُعلّق، وهذا ما أُنكِر لاحقاً، إذ أكد المطوّر أنه ليس لديه "خطط للخروج من سوريا رغم الاضطراب السياسي العنيف المستمر في البلد"، وأنه كان لا يزال يتقدّم مع مشروعه المخطط في مرحلة التصميم(10). تماشياً مع هذا الاتجاه، نظمت الحكومة في كانون الأول/ديسمبر 2011 منتدى الاستثمار السياحي السابع، إذ اقترحت وزارة السياحة حوالي أربعين مشروعاً للمستثمرين(11)، رغم شكوك المستثمرين الذين وُجِهت إليهم الدعوة. واستمرت الإعلانات المتعلقة بالاستثمار. فأعلنت الحكومة أن 25 مدينة صناعية ستُطلق وأن هيئة الاستثمار السورية وافقت على تأسيس 180 مشروع استثماري تزيد قيمتها عن بليون دولار(12).
على أية حال، في الواقع يمكن الشعور بتأثير الثورات العربية على البرامج والمشاريع والسياسات الحضرية في دمشق من خلال إعادة توجيه اجتماعي لسياسات الإسكان، حتّى قبل إندلاع المظاهرات في سوريا. ففي كانون الثاني/يناير من عام 2011، وفي أعقاب سقوط الرئيس بن علي في تونس، وبينما بدأت المظاهرات الضخمة في ميدان التحرير في القاهرة، أعطت محافظة دمشق تركيزاً اجتماعياً إضافياً على الخطاب المصاحب للخطة الرئيسية الجديدة. وفي التعامل مع أحياء المُخالفات، لم تضيّع السلطات وقتاً في إيلاء قدر أكبر من الاهتمام بالقبول الاجتماعي لخططها. وطلبت مباشرة من الفريق المسؤول عن الخطة الرئيسية في دمشق تخطيط نسبة أكبر (60%) من مناطق المخالفات للارتقاء بها أكثر مما كان مخطط له سابقاً. وفي الوقت الذي بدا فيه الربيع العربي مُعدياً، ورغم أن المظاهرات في سوريا لم تكن قد بدأت بعد، بدا أنه من المهم تجنّب أي نزاع اجتماعي قد يفجّرهم. مع أخذ هذا بعين الاعتبار، تبنّت الحكومة السورية (في منتصف شباط/فبراير 2011) مزيداً من الإجراءات الاجتماعية، كتخفيض الضرائب مثلاً عن المواد الغذائية الأساسية، وزيادة الدعم على الوقود، وتطبيق صندوق المساعدة الاجتماعية (لصالح ما يقارب من 500000 شخص، وتوظيف 67000 موظف حكومي إضافي). أُكِّد بعد ذلك إعادة التوجيه هذا للسياسات الحضرية تجاه مناطق المُخالفات: فبحلول كانون الأول/ديسمبر 2011 نُظِر بجدية في الارتقاء بالسواد الأعظم من مناطق المُخالفات؛ حتى أنه في آذار/مارس 2012 أعلن المحافظ خياراً يؤيد إضفاء الطابع القانوني عليها؛ وفي أيار/مايو 2012، أُعلن أن كل الأحياء المخالفة تنتظر الارتقاء أو إضفاء الطابع القانوني، فيما عدا بعض المساحات التي ستخضع للتجديد في مركز المدينة –ولا سيما تلك المحيطة بمحطات السكك الحديدية المستقبلية وقرب المؤسسات الحضرية الكُبرى، مثل رئاسة مجلس الوزراء.
في خضم القتال (2012-2013): التدخل في المدينة بوصفه علاجاً للأزمة، وبوصفه تمهيداً لإعادة الإعمار وبوصفه سلاحاً في الحرب:
واعتباراً من ربيع عام 2012، بدأ هدم واسع للبيئة الحضرية في مناطق المعارك. فقد خضعت المناطق الحضرية للقصف وشهِدت معارك مسلحة، وتعرضت لتدمير واسع النطاق دفع مجتمعات بأكملها إلى شفير الانهيار. كما دُمّرت إلى حد كبير المساحات العامة والخدمات الأساسية (المياه والكهرباء والمرافق الصحية والتعليمية)، مما فاقم مصاعب قائمة من قبل، ودُمِّر عدد كبير جداً من الوحدات الإسكانية، إما جزئياً أو بشكل كلي، ورغم أنه من الصعب التكهن بالعدد الدقيق تماماً. إلا أن بعض الأشكال تُظهِر امتدادها. وفي كانون الثاني/يناير 2013 قدّر المركز السوري لبحوث السياسات الخسائر الناجمة عن الضرر الجزئي أو الكلي لمخزون رأس المال المترتّب عن النزاع (الشركات والمعدات والمباني المدمّرة) حتى نهاية عام 2012 بنحو 20.8 بليون دولار أمريكي (SCPR 2013). وفي أيار/مايو 2013 قدّرت الأمم المتحدة التي تعمل عبر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا ESCWA)، أن نحو ثلث الوحدات الإسكانية تقريباً، أي 1.2 مليون، تأثّرت بالنزاع(13). قد يبدو هذا الرقم حداً أعلى في مجموعة التقلبات، عند الأخذ بالحسبان حقيقة أنه في نفس التاريخ، فإن حوالي 1.2 مليون لاجئ(14) و4.25 مليون نازح داخلي(15) قد تركوا منازلهم (أي حوالي 1.1 مليون وحدة إسكانية). ودُمِّرت في بعض الحالات بشكل كلي أو جزئي المباني التي تُرِكت شاغرة، ولكنها غالباً ما أُجّرت بكل بساطة، أو شُغِلت بشكل غير قانوني، أو أُجّرت أو بيعت من قبل أشخاص ليسوا المالكين الشرعيين لها، أو حتى في بعض الحالات بيعت بشكل متزامن إلى عدة أشخاص مختلفين (Hassan 2012). ويبدو أن معظم التدمير الذي لحق الإسكان حدث في أجزاء المُخالفات في المناطق التي تأثرت بالنزاع، قرب المدن الرئيسية: حمص، ودمشق، وحلب ودرعا ودير الزور(16). أما حوالي دمشق، والغوطة الشرقية ومناطق المُخالفات في الجنوب والجنوب الشرقي فقد بدت الأكثر تأثراً.
من جهة، بدءاً من عام 2012 فصاعداً، كان السائد إعادة الإعمار، وإعمار الإسكان، والاستثمار. وعلى المستوى المحلي، اقتصرت التدخلات على خدمات الطوارئ وأعمال البنى التحتية (الشبكات الكهربائية والهيدروليكية، والنفايات الصلبة والصرف الصحي والخدمات التعليمية والطبية والشرطة)، سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو الخاضعة لسيطرة المعارضة، عبر المجالس المحلية (Baszko, Dorronsoro and Quesnay 2012). وعلى الصعيد الوطني، أتاحت إعادة تنظيم الإدارة الحكومية إنشاء وزارة إسكان رئيسية في خريف عام 2012؛ والتي كان يجب أن تكون مسؤولة ليس فقط عن الإسكان والمؤسسة العامة للإسكان، لكن أيضاً (مرة أخرى) عن التخطيط الحضري، جنباً إلى جنب مع التخطيط الإقليمي ومناطق المخالفات (البنى التحتية كانت ستُوكل إلى وزارة أخرى). وسيتعين استئناف العمل على التخطيط. وأُقِرَّت قوانين لتأمين إطار أفضل للاستثمار ولتحفيزه. لذلك في ربيع عام 2012، أُقِرّ قانون يسمح بتمويل القرض العقاري، والسماح بإنشاء شركات لتمويل وإعادة تمويل مشاريع عقارية: شركات عامة محدودة، وشركات إعادة تمويل عقاري خاصة أو مشتركة(17). في هذه المرحلة، رخّصت الهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري التي أُحدِثت في عام 2008 ل 35 شركة تطوير عقاري(18). واهتمّت عدة تدابير بتوفير الإسكان. وفي بداية عام 2012، أطلقت وزارة الإسكان والتعمير رسمياً برنامج إعمار جديد ل 50 ألف وحدة إسكانية منخفضة التكلفة(19). وقد خُصّصت تعويضات إعادة الإعمار للأشخاص الذين عانوا ضرراً وخصّصت لجنة إعادة الإعمار بليون ليرة سورية (20 مليون دولار أمريكي) لعام 2012 لتعويض المواطنين عن الضرر الذي لحق بهم (مقدمين 50% من التقييم)(20).
وعلى أية حال، من جهة أخرى، وأياً كانت أطراف النزاع، فالتدمير يُستخدم ضد الخصوم: فتُدمّر المباني، وحتى أحياء بأكملها تُقصف و/أو تُباد للتخلص من المقاتلين ومؤيديهم المحتملين، أو لمجرد كسب السيطرة على مواقع استراتيجية. وقد وثّقت تقارير الأمم المتحدة حول جرائم الحرب حالات أحرقت فيها ودمرت القوات الحكومية والميليشيات المؤيدة عن عمد منازل وأعمال اعتُقِد أنها تعود لناشطين مناهضين للحكومة ومؤيديهم خلال الغارات. وشمل التدمير العلني الحرق واستخدام المتفجرات وقد يلحق ضرراً لا يمكن إصلاحه. أما أعمال النهب فقد كانت مقدمة متكررة للتدمير (الجمعية العامة للأمم المتحدة 2013).
لتظهر هدم جزء من حي التضامن المخالف في دمشق...
وقد تحولت الخطط والمشاريع الآن إلى حجج –وحتى إلى أسلحة- لصالح، أو فعلياً لإحداث الهدم القانوني لأحياء بأكملها. وفي أيار عام 2012، جاء مرسوم جديد لتعزيز هذه النزعة. إذ حُظِر مرة أخرى إعمار المزيد في هذه الأحياء، وأُمِر، اعتباراً من تاريخ المرسوم، بهدم كل الأبنية غير المرخصة، وفرض عقوبات وغرامات وأحكام بالسجن على جميع المدانين بالاشتراك في الإعمار المعني، ويشمل ذلك حتى المسؤولين الذين فشلوا في منع الانتهاكات (مرسوم رقم 40، 20/أيار/2012). وإلى جانب ذلك، استمرّ تنفيذ السياسة الوطنية في معالجة المناطق المخالفة، إذ خُصِّصت 10 بليون ليرة سورية في ميزانية 2012 للمعالجة.
أخيراً، في خريف عام 2012 انبثقت إعادة إطلاق مشاريع الدراسات التفصيلية المتعلقة بجنوب دمشق من التفكير الذي كان في طبيعته جيو-استراتيجي بشكل واسع. وتثير إعادة التفعيل هذه مرة أخرى خيار التجديد الحضري (أي الهدم من أجل إعادة الإعمار) لأحياء المُخالفات. وتقابل المنطقتان المتلاصقتان المقترحتان للارتقاء في مرسوم رقم 66 الصادر بتاريخ 20 أيلول/سبتمبر 2012 "الدراسات التفصيلية" للمنطقة 4 (253 هكتار) التي تضم من بين أحياء أخرى، أحياء المخالفات في المزة التي تقع خلف مشفى الرازي، والمنطقتين 9 و16 (857 هكتار)، جنوب الطريق المحيطي، وتضم أحياء المخالفات التالية: الدحاديل ونهر عيشة واللوان والقدم (انظر الشكل 6). اطلقت الحكومة هذه الدراسات في عام 2007، وأصدرت تعليمات إلى المستشارين المسؤولين عنها في ذلك الوقت للتخطيط للتجديد الحضري. وفي وقت لاحق في عام 2009 عُلّقت هذه الدراسات ريثما تكتمل الخطة الرئيسية لدمشق التي أُطلِقت في غضون ذلك؛ إذ كانت الخطة الرئيسية ستُقرّر أي مناطق سيُعاد تأهيلها وأي مناطق ستُرمّم. أعاد المرسوم الجديد لعام 2012 تفعيل المشاريع المعلّقة وقرر أن المناطق سيُعاد تطويرها (أي هدم وإعادة إعمار) خلال 5 سنوات، بما في ذلك صيغ تعويض القاطنين وإعادة إسكانهم مؤقتاً، رغم النقص الشامل في الإسكان. وكان ينبغي تعويض مالكي المواقع المُصادرة (تجدر الإشارة إلى أن التعويض في مشاريع من هذا النوع يقل بشكل ملحوظ عن تقديره ويعتبر عموماً غير عادل). كما أعلن مسؤولون حكوميون أن مناطق أخرى ستُستهدف أيضاً، مثل جوبر، والمعروفة أيضاً بمعارضتها للنظام، وأيضاً موضوعاً لدراسة تفصيلية سابقاً.
أُطلق في عام 2007، ثم عُلّق في عام 2009 من أجل دراسات الخطة الرئيسية لدمشق، وأعيد تفعيله في خريف عام 2012 (مرسوم رقم 66)
وبدأ تنفيذه من خلال هدم الأحياء المُخالفة. المصدر: انظر الرابط
في حالة إعادة بناء المدينة، من المحتمل أن يكون خيار التجديد (هدم وإعادة إعمار) لهذه المواقع أكثر ملاءمة من بين الاثنين إن تدمّرت هذه الأحياء بسبب الحرب. وهنا الحال ليس كذلك. فعلى النقيض من ذلك، يبدو هذا المشروع أنه هدم مُخطّط، نُفّذ كجزء من استراتيجية عسكرية، بغية إعادة البناء بما يتماشى مع مجموعة من المصالح السياسية والمالية. وكما أفادت الصحافة، فإن تدمير هذه الحارات (حيث حدثت منذ آذار/مارس 2011 العديد من المظاهرات) أعطى انطباعاً بأنها اختيرت من أجل معاقبة السكان وهدم المناطق التي أوت معارضين للنظام(21). قد يكون هدف الحكومة كسب سيطرة كاملة على هذا الفضاء، وهو حلقة ضعيفة في السلسلة العسكرية التي تحتل دمشق: نقطة رئيسية للوصول إلى المدينة بالنسبة لخصوم النظام المسلحين، وموقع عدة معارك. علاوة على ذلك، فإن هذه المساحة متاخمة للمباني الجديدة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء؛ وبالتالي فهي استراتيجية سواء من وجهة نظر سياسية أو اقتصادية. ويُقال أن الأرض المستخدمة بشكل مخالف، والتي تقع في مكان جيد ولكنها مأهولة بالسكان بشكل ضئيل فقط، قرب حي كفرسوسة الغني، هي بالفعل هدف العديد من المعاملات العقارية –ناهيك عن الحيازة غير المشروعة.
خلاصة:
تبقى الحقيقة أن كل من طفرة البناء في مناطق المخالفات لعام 2011، والتدمير واسع الانتشار للعديد من هذه الحارات أثناء المعارك بدءاً من عام 2012، أعادا السؤال الأساسي: ما الذي يجب فعله حيال هذه المناطق؟ استجابت الاتجاهات الأولى للطلب الاجتماعي؛ لكن لاحقاً، وفي خضم الحرب، كان ما يهيمن على موقف السلطات الاعتبارات الاستراتيجية العسكرية أكثر مما هي الاهتمام بصورة النظام. وقد علق المهنيون المحليون بسخرية على أن أعمال الهدم لم تخدم أهدافاً سياسية وعسكرية فقط بل أيضاً خدم التدمير العسكري لمناطق المخالفات أهدافاً تخطيطية حضرية. وفي واقع الأمر، بما أن التخطيط بحد ذاته، بعيد عن كونه حيادي، كان يُستخدم كأداة عسكرية، فقد شكّ بعض المخططين والقاطنين أن دمار الحرب يُستخدم لتسريع قرارات التخطيط الحضري. وبالفعل، حوّل الآن الهدم بالجملة لأحياء بأكملها، رسمية أو مخالفة على حد سواء، بشكل كلي قضايا التخطيط في المستقبل. وبالنسبة إلى مناطق المخالفات، فواقع أن مناطق بأكملها قد مُسِحت يضيف وزناً غير مسبوق إلى خيار لصالح التجديد الحضري. إذ أن إعادة الإعمار في سوريا ومدنها سيجعل البلد موقع عمل هائل ستُثار فيه قضية مناطق المخالفات، سواء هُدمت أم لا، في شروط مختلفة تماماً.
الهوامش:
مترجمة من سوريا، تترجم عن اللغتين الإنجليزية والروسية. تركز في ترجماتها على الدراسات التي ترصد علاقة الحداثة بالعمارة في الشرق الأوسط. إضافة إلى الاهتمام بالدراسات حول الإسلام اليومي والاستشراق.
- الرابط (1231 تنزيلات)
فاليري كلير
فاليري كلير هي باحثة زميلة في المعهد الوطني الفرنسي لبحوث التنمية المستدامة (IRD) منذ عام 2012. معمارية حاصلة على دكتوراه في التخطيط الحضري. تركز أبحاثها على المدن الجنوبية، وعلى مناطق المخالفات والعشوائيات ، وعلى السياسات العامة التي تتناولها. تعمل على قضايا الأرض، والإسكان، وأسواق العقارات، والتنمية الحضرية المستدامة، وممارسات التخطيط الحضري والفعل العام. عملت في لبنان، وكمبوديا وسوريا، حيث كانت مسؤولة عن المرصد الحضري للشرق الأدنى في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق (Ifpo) بين عامي 2007 و2011.
نشرت العديد من الكتب والمقالات وفصول كتب بما في ذلك كتاب نُشِر مؤخراً بعنوان: "احتجاج ضد اللارسمية. آثار الأرض على معالجة مناطق السكن غير المستقرة، بوصفها فضاءات منافسة سياسية" (A.Deboulet 2016)، ولها كتاب بالفرنسية بعنوان: "من تغير المناخ إلى مناطق السكن المخالف المستدامة: رؤية استراتيجية جديدة لمدن الجنوب" (Cahier des IFRE 2015)، إضافة إلى "المناطق غير النظامية في بيروت، تاريخ قضايا التخطيط والأرض في الضواحي الجنوبية" (Ifpo 2008) http://books.openedition.org/ifpo/63
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.