سعيد حوى والإحياء الإسلامي في سوريا البعث

24 آب/أغسطس 2017
 
ترجمة: حمزة ياسين

مقدمة

مر الإحياء الإسلامي بثلاث مراحل أساسية في العصر الحديث. اذ مثَّلت مرحلة التجديد من القرن السابع عشر وحتى بدايات القرن التاسع عشر استجابة مؤسسة التقليد للانحدار الداخلي في الإسلام، والذي تجلى في انتشار عبادة الأولياء والممارسات الشعبية المخالفة للشريعة،
وكانت الطريقة النقشبندية المجددية أهم عنصر في هذا الإحياء، والتي تزعمها أحمد السرهندي من الهند ووصلت ذروتها تحت توجيه الشيخ خالد في الإمبراطورية العثمانية. وعكست مرحلة السلفية في أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين جهود التحديث الإسلامي لتحدي الهيمنة السياسية والثقافية الغربية، اذ سعت هذه المرحلة إلى تحرير الإسلام من قيود النزعات التقليدية من خلال العودة إلى نموذج السلف، وبالتالي استعادة قوتهم الأولى. ومع ازدياد رفضها للمؤسسات الدينية في الأجيال الأخيرة – المدارس الفقهية والطرق الصوفية –قامت بترك مساحة للمؤسسات الحديثة مثل جماعة الإخوان المسلمين والحركة الوطنية. بينما عبَّرت مرحلة الصحوة في النصف الثاني من القرن العشرين عن حالة فقدان الأمل ومأزق الخضوع للأنظمة الاستبدادية العسكرية التي اجتاحت الشرق الأوسط بعد الاستقلال، وتحول هذا النمط الراديكالي من خلال صحوة دينية على الدول العلمانية الحديثة المنتشرة ، وسعى لاستبدال القومية بالإسلام باعتباره الهوية الأساسية للمجتمع.

لا تعد مراحل التجديد والسلفية والصحوة مجرَّد مراحل تاريخية، بل هي جذور الإحياء الحالية للإسلام. فقد يظهر على المفكرين الإسلاميين المعاصرين ملامح مرحلة واحدةٍ فقط، ولكن عادة ما يجتمع فيهم مزيجٌ من عناصر من المراحل الثلاث. ويتحدد مزيج كل مفكِّر بناء على ميلوه الشخصية وتنشئته والأهم من ذلك كله الظروف الخاصة في الدولة التي يعيش فيها.

تميل التحليلات الغربية للإحياء الإسلامي للاعتماد على مصر وعلى المانفستو الراديكالي لمرحلة الصحوة، وبالتأكيد، فإن هذا يبدو أوضح أنواع الإحياء في تلك البلاد والتي تدين بشكل كبير للطبيعة المركزية لحكومتها. ولكن إذا قمنا بتحليل الإحياء الإسلامي في البلاد الأخرى الأقل مركزية فمن الممكن أن يظهر لنا مجال أوسع للأشكال التي تمت مراجعتها من الأنماط القديمة أيضاً. وكنموذج على ذلك يأتي فكر سعيد حوى، القائد الأيديولوجي للحركة الإسلامية في سوريا في ظل حكم البعث.

تحلل هذه المقالة الإطار الأيديولوجي والمفاهيمي لفكر حوى، اذ تبحث في رؤاه نحو السؤال الأساسي للإسلام في العصر الحديث ضمن حالة انحدار الإسلام القائمة وطرق إعادة إحياءه. وتحاول المقالة وضع أفكار حوى ضمن الاتجاهات الأوسع للإحياء الإسلامي، وبالتالي فهي تقدم مثالاً حول تأثير المراحل السابقة في التشكُّلات الحالية. ومن جهة أخرى، تسعى المقالة لإبراز المساهمة المميزة لحوى في الإحياء المعاصر، بالإضافة لإظهار أن مزيجه الخاص من هذه الاتجاهات ينبع من تجربته الخاصة ومن واقع ظروف المسلمين في سوريا. وأخيراً، تحاول المقالة أن تقدم نموذجاً على المنهجية الدلالية في تحليل الفكر الإسلامي الحديث. تبحث الورقة في اتجاهات حوى نحو المراحل التاريخية الثلاث والاتجاهات القائمة في سوريا فيما يتعلق بالإحياء الإسلامي، من خلال تتبع الجذور وإبراز توظيفه المتميز للمفاهيم الثلاثة الأساسية وهي:

الردَّة، وهو الأداة المفهومية لتحليل انحدار الإسلام بالإضافة لنقد الاتجاه الراديكالي في الصحوة؛ والسلفية، وهو المفهوم المعروف الذي يعيد حوى تعريفه بغرض إعادة تأهيل الإسلام التقليدي والطرق الصوفية تحديداً؛ والربَّانية، وهو المفهوم المُبتكَر لنموذج منقَّح من التجديد والذي يرمز لبرنامج حوى لإعادة إحياء الإسلام. وسوف يتم تحليل دلالة وجود الإحياء الإسلامي ضمن سياق سوريا في فترة البعث في الجزء الأخير من المقال، وذلك عند تناول طريقة معالجة حوى للمفهوم الرابع وهو الجهاد.

حياة سعيد حوى (1)


ولد سعيد حوى (1989-1935) في حي فقير من مدينة حماة، وهي المدينة التي لطالما اعتُبِرت كمعقلٍ للمحافظة الدينية في سوريا، وكان والده ناشطاً سياسياً في حركة أكرم حوراني الذي حرَّض فلاحي حماة ضد ملاك الأراضي. أُعجِب حوى بالدينامية السياسية عند حوراني، ولكن تحت تأثير معلمه في الإسلام، الشيخ محمد الحامد، اختار توجهاً معاكساً نحو الدين. كان الحامد خطيب مسجد السلطان، وهو المسجد الرئيسي في حماة، وكان شيخاً صوفياً في الطريقة النقشبندية وأحد مؤسسي فرع جماعة الإخوان المسلمين في المدينة، وأصبح حوى تحت توجيهه عضواً في الجماعة في عام 1953 بالإضافة لانخراطه في التصوف، وبقي ملتزماً بكلا المسارين طيلة حياته.

خلال النصف الثاني من الخمسينيات، وأثناء إكمال دراسته في كلية الشريعة في دمشق، حصل حوى على فرصة اللقاء بمصطفى السباعي، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا ومرشدها العام، ولكن لم يكن هذا اللقاء ذا تأثير كبير على حوى الذي كان مهتماً أكثر بزيارة المشايخ الصوفية في العاصمة. ولم تبدو له تعاليم السباعي وزملاءه كافية للتنافس مع صعود الأحزاب المتطرفة وانخراط القوة العسكرية في الحياة السياسية. كان وضع الجماعة في حالة من الانحدار، وبعد فترة وجيزة من صعود البعث للسلطة في عام 1963، وجدت القيادة القديمة – والتي أصبحت تحت قيادة عصام العطار – نفسها في المنفى.

ثم عملت قيادة جديدة على تنظيم معارضة إسلامية ضد نظام البعث، وكان مروان حديد أبرز ممثليها العسكريين، وهو الرجل الذي جلب تعاليم سيد قطب الراديكالية إلى سوريا والذي عمل – كمعارضة لسلطة العطار – على نشر حملة جهادية عنيدة ضد النظام، وقد كان هو الروح القيادية التي أشعلت الاضطرابات في حماة في عام 1964 بالإضافة لكونه شكل عاملاً أساسياً في الانقسام الذي جرى في صفوف الجماعة في عام 1970 بين مناصري العطار -الذي رفض مسار العنف- وبين أتباع حديد الراديكاليين الذين وافقوا على العنف بغض النظر عن تكاليفه. مثَّل حوى خطاً وسطياً بين الطرفين وبإعداد حذر للصراع المستقبلي، وأصبح المسؤول الفعلي عن فرع الجماعة في حماة بعد إخماد اضطرابات عام 1964، وقد أوكلت له مهمة إعادة صياغة عقيدة الجماعة في وجه حكم البعث. تمكَّن حوى من حمل هذه المهمة فقط بعد مغادرته لسوريا نحو المملكة العربية السعودية، هارباً من قبضة النظام العنيفة. وأصبح مفكراً إسلامياً بارزاً في سوريا مع نشر كتبه في عام 1968 والأحداث التي لحقت ذلك.

سُمِح لحوى بالعودة إلى سوريا في عام 1971 مع النظام الجديد للأسد، ثم اعتُقِلَ بعد عامين من ذلك لدوره في تنظيم معارضة لعلماء سوريا ضد مقترح الأسد حول التعديلات الدستورية التي لم تذكر ضرورة أن يكون الرئيس مسلماً. وخلال السنوات الخمس من سجنه بدأ يخفت تأثير حوى المعتدل على الحركة الإسلامية في سوريا، كما أثبت الصراع الإسلامي الذي حصل في عام 1976 بعد مقتل مروان حديد أن تراث هذا الأخير سينتشر. شارك حوى في الصراع بعد الإفراج عنه وغادر سوريا في عام 1978، وتم انتخابه للقيادة العامة لجماعة الإخوان المسلمين ولقيادة الجبهة الإسلامية لاحقاً. ووصِفَ بالمنظِّر الأيديولجي للمواجهة وهو ما رفضه في البداية. ووصلت هذه المواجهة لذروتها مع ثورة حماة في عام 1982 مع القمع الدموي من قِبَل نظام الأسد.

عودة الردة


إن نقطة الإنطلاق عند حوى، مثله مثل باقي المفكرين الإسلاميين المعاصرين، هي الأوضاع المؤسفة للإسلام في العالم الحديث (2). فهو يشعر مثلهم بالإضطرار للاعتراف بضعف العالم الإسلامي من الداخل والخارج، مادياً وروحياً، في مقابل الغرب. يقول حوى: "أن غزو العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر من قِبَل المستعمرين الأوروبيين قد أعطى الغرب حرية تشكيل المخططات ضد الإسلام، ونتيجة ذلك ، نشهد اليوم حالة الانقسام في العالم الإسلامي وخضوع البلاد لسيطرة الأنظمة العسكرية. ويهدف الغرب برأيه إلى تدمير الإسلام كأيديولوجيا ونظامٍ أخلاقي عن طريق عرض مبادئه الأخلاقية على العالم الإسلامي، القائمة على العلمانية والإباحية ونشر أيديولوجياتهم القومية والشيوعية والوجودية". (3). ويستمر حوى بالقول بأن الفساد قد انتشر في العالم الإسلامي بفضل سيطرة الغرب وتحول الإسلام إلى موضوعٍ للسخرية والإزدراء. إن درجات عدم الإيمان تختلف من دولة مسلمة لأخرى، ولكنه يعتبر أن الشر موجودٌ فيها جميعاً، فقد أصبحت جميع الحكومات ومعظم القادة المسلمين معادين للإسلام، وجماهير المسلمين منقادة خلفهم. وفي وقت أصبحت فيه الدولة قوية ومسيطرة على جميع مجالات الحياة، فلن تكون هناك إلا فئة قليلة قادرة على تجاوز البدع والإلحاد (4).

وبرأي حوى، فإن النجاح الاستثنائي للغرب ووكلاءهم المحليين لم ينجح بفضل التفوق العسكري والتكنولوجي الغربي، بل بسبب الضعف الداخلي الذي استولى على الأمة الإسلامية بأكملها. ويرى أن معظم المسلمين قد أصبحوا بعيدين عن دينهم ويأخذون توجيهاتهم من التعاليم المنحرفة، والتي جاءت معظمها من الغرب (5). وأكبر ضرر لذلك هو ميل المسلمين للبعد عن النشاط السياسي، على اعتبار أن السياسة ليست جزءاً من الإسلام، وهذا الأمر يُفسِح المجال للمبتدعة والمنافقين للاستيلاء على الحكومات وإبعاد الإسلام عن السياسة (6). ويقول أيضاً أن العلماء والصوفية مسؤولون عن حالة البعد هذه وغياب الفاعلية السياسية، فقد غذُّوا عبر القرون السلوك الجبري الذي يحرِّم مقاومة الحكومات وغرسوا الخضوع في نفوس مريديهم عبر حلقاتهم الدراسية ومجالس الذكر والجمعيات الخيرية (7). بينما أخذت الحركة السلفية، والتي برزت كمعارضة لكلا الاتجاهين التفقيهي والصوفي في الإسلام، اتجاهاً متطرفاً من خلال رفض التراث الإسلامي بشكل كامل (8). وقد أدى هذا الجهل والانقسام إلى خلق ظروف سهَّلت انتشار التعاليم الأجنبية في جميع أرجاء العالم الإسلامي. ويحلل حوى هذه الحالة المؤسفة للإسلام من خلال التصور التاريخي والفقهي لمفهوم الردة.

يعود مفهوم الردة إلى المرحلة التي تلت وفاة النبي مباشرةً، اذ قامت عدد من القبائل التي كانت قد عقدت معاهدات مع الرسول بإعلان تحررها من أي التزام للخليفة، وذلك وبناءً على العرف العربي، كما تحركت بعض القبائل بقيادة أنبياء كَذّبة، وقدمت تعاليماً مخالفة لتعاليم محمد. وكان سلوك المسلمين نحو هذا الخروج معاكساً تماماً، فبحكم قبول هذه القبائل بالإسلام ودخولهم في مجتمعه، فإن خروجهم منه حوَّلهم إلى مرتدين وخونة، والذي ينبغي إرجاعهم أو سحقهم. ومن هنا بدأ الخليفة الأول أبو بكر بإطلاق حروب الردة، وهي سلسلة من الحروب التي عملت على استرجاع سيطرة المسلمين على كامل شبه الجزيرة العربية (9).

إن التوظيف السياسي لمفهوم الردة من قِبَل حوى يعيد للأذهان توظيف سيد قطب لمفهوم الجاهلية (10). ويمكن القول بلا شكك بأن حوى يستمد فكرة تطبيق المفاهيم التاريخية على المجتمعات المعاصرة من قطب، ولكنه يقلب هذه المنهجية عليه في نفس الوقت، فالاختلاف بين المفهومين ضروري لفهم نقد حوى لأفكار قطب. النقطة الأولى هي الناحية اللغوية، فلا يمكن تعريف أي مجتمع مسلم بأنه جاهلي لأن الجاهلية تشير إلى حالة ما قبل الإسلام، وبالتالي فإن مفهوم الردة أكثر دقة، بحكم أنه يشير إلى حالة تم فيها هجر الإسلام من قِبَل من كانوا مؤمنين فيه سابقاً. وبالإضافة إلى ذلك، ثمة تشابه بين أنبياء الردة و"أنبياء" الأيديولوجيات الأجنبية التي تم تصديرها للعالم الإسلامي المعاصر، مثل عبد الناصر وعفلق.

ولكن الأمر الأكثر أهمية هنا هي التضمينات العملية في كلا المفهومين. فقد أثبت مفهوم الجاهلية وجود غموض كبير من ناحية وضوح تطبيقه العملي عند أتباع قطب، فقد كان المجتمع المكي والقبائل العربية خصوماً وأتباعاً محتملين لمحمد، وكان يأخذ الموقف منهم أشكالاً مختلفة، بناءً على الوقت والظروف، وتنوعت هذه المواقف من الانسحاب من مجتمع الكفار (الهجرة)، مروراً بدعوة أعضاء المجتمع (الدعوة)، وانتهاءً بقتالهم (الجهاد). وقد ولَّد هذا الالتباس عدة أنواع من الحركات الإسلامية في مصر خلال فترة السبعينات (11)، حيث فضَّلت كلٌ منها تبني موقفاً واحداً على حساب المواقف الأخرى. إلا أن مفهوم الردة ليس مفهوماً تاريخياً فقط بل هو مفهوم فقهي أيضاً، وهو مفهومٌ أكثر وضوحاً من الجاهلية، ومسار العمل الوحيد الذي يستتبعه هو الحرب، والقوانين التي تحكم هذه الحرب أكثر صرامة من تلك التي تحكم الحروب مع الكفار، ولا تترك مجالاً للمهادنة والمساومات. فالردة هي الخيانة، وعقوبة من لا يرفض التوبة هي الموت (12).

مكَّن مفهوم الردة حوى من صياغة نظام من الأولويات في الحرب المقدسة ضد الكفار. لقد رسم قطب نظاماً عالمياً استقطابياً بين الإسلام والكفر، بينما يضيف حوى تمييزاً مهماً بين الكفار أنفسهم. اذ تتضمن إحدى الفئات الأشخاص غير المسلمين الذي يعتقدون بعدة أيديولوجية من صنع البشر، بينما تتضمن الفئة الأخرى المسلمين الذي يتبنون هذه الأيديولوجيات على حساب الإسلام. وعلى عكس قطب، فإن المجموعة الأولى فقط، والتي يعتبرها تجسد حالة ما قبل الإسلام، هي التي يطلق حوى عليها تعبير الجاهلية. والمجموعة الثانية هم المرتدون، والحرب يجب أن تُعلَن عليهم قبل أن يتم محاربة عالم الجاهلية. وهذه كانت هي الحالة في حروب الردة التاريخية، والتي سبقت فتوحات المسلمين خارج شبه الجزيرة العربية، وهذه هي وصية الشريعة المقدسة.

ثمة اختلاف آخر مهم يكمن في طريقة تطبيق كلا المفكرين لمفاهيمهم. فبالنسبة لقطب، تعتبر الجاهلية واقعاً وتوصيفاً إسلامياً لحالة المجتمع المصري في عصره، وفي المقابل فإن مفهوم الردة لدى حوى هو أداة مفهومية، أي فرضية إسلامية، وهي تمكِّنه من تحليل المجتمع السوري والمجتمعات الإسلامية عموماً بطريقة إسلامية. بمعنى أن هناك مرونة ونفاذية عالية في هذا التوجه.

يعي حوى بشكل كبير النتائج الدقيقة التي يتضمنها تطبيق مفهوم الردة على المجتمعات المسلمة، ولكن التهديد الخطير الذي يواجهه الإسلام يجبره على الالتزام بالتحليل المطلوب. فهناك هدفان أساسيان له: التعبير عن درجة إصابة المسلمين بحالة الارتداد، وأن يصف علاج ذلك. كما يعد الرثاء الطويل على حالة العالم الإسلامي المعاصر جزءاً من هذا التحليل. ويضيف مفهوم الردة أيضاً المنظور التاريخي، فالأزمة الحالية من وجهة نظر حوى هي الأشد في تاريخ الأمة الإسلامية. فقد عانى المسلمون من مراحل صعبة في الماضي – كالردة التي تلت وفاة النبي والحملات الصليبية والغزو المغولي – ولكن المرحلة التي تلت سقوط الخلافة العثمانية والهجمة الإمبريالية لأوروبا كانت أصعب هذه المراحل. ويوضِّح أنه في لحظة الردة الأولى، وقفت أمة موحَّدة بقيادة أمير واحد؛ كما تمكن الصليبيون من احتلال جزء من الأراضي الإسلامية فقط، ووقفت الأمة صفاً احداً في وجههم أيضاً، بينما تحول المغول للإسلام وتم استيعابهم. ولكن في الحالة المعاصرة، تم تدمير الوحدة السياسية للمسلمين، فلم يعد هناك أي قائد لهم في العالم، كما يتعرض الإسلام للإزدراء في أرضه. وقد أصبح أعداء الإسلام أكثر تطوراً وباتوا يقدمون أفكارهم وكأنها تمثل الفضيلة، كما مكنهم تحكمهم بالاتصالات من الوصول لعقول ومشاعر المسلمين وغير المسلمين على السواء (31). وكنتيجة لذلك، يشير حوى إلى أن الكثير من المسلمين قد سقطوا في حالة الردة، أو أنهم هجروا الإسلام جزئياً على الأقل، مع وجود استثناءات قليلة لذلك. تشكِّل الردة مصير العالم الإسلامي، بحكم سقوط معظم مناصب القوة في يديها (14). ومع ذلك، ومع ما مر" فإننا لا نحكم على أغلب المجتمعات التي تشكل أقطار العالم الإسلامي بأنها مجتمعات كافرة، لأننا إذا حكمنا عليها بذلك نكون قد اعتبرناها جميعاً دار حرب، ونحن نؤْثِر أن نتريث في هذا الحكم مع كثرة المرتدين ومع غلبتهم على الأمور لما يترتب على ذلك من أحكام . . . إنما نستطيع أن نحكم على المجتمعات في أقطار العالم الإسلامي على أنها مجتمعات فاسقة محكومة في الغالب بمرتدين أو منافقين أو كافرين، الذين يعمقون حالة الإنحراف ويقودون المسلمين نحو الردة الكاملة" (15).

وبشكل شبه متناقض مع نتائجه، ومن أجل منع قيام حرب شاملة ضد المجتمعات المسلمة والحكومات، يفضِّل حوى تأجيل إعلان الردة الكاملة. فهو يشعر أن الوقت ينفذ، ولكن ما زال من الممكن في معظم الحالات أن يتم قلب الموجة السائدة من دون عنف، فما زال الإصلاح قادراً على إعادة إحياء الإسلام، وبالتالي ينبغي تجنب الثورة. ومن أجل نجاح هذا الإصلاح لا بد من البدأ بالحركة الإسلامية ذاتها.

إصلاح السلفية


لا ينبغي أن يبقى المسلمون المؤمنون لا مبالين اتجاه الفسق الذي تعيش فيه المجتمعات المسلمة، وحالة الردة التي تعيشها الحكومات الإسلامية تحديداً. فمن الضروري على كل فردٍ منهم أن يقاتل المرتدين وأن يعيد الضالين للطريق السليم. وثمة فئة قليلة فقط نجت من السقوط في حالة تدهور الإسلام والتغريب، ولكن يبنغي على هذه الفئة أن تسعى جاهدة لإصلاح الإسلام والوقوف في وجه الجاهلية. وبالتالي، ومن وجهة نظر حوى، فإن المسلمين الحقيقيين الوحيدين اليوم هم الإسلاميون الفاعلون، الذين يمثلون سويةً الحركة الإسلامية والذين أخذوا على عاتقهم مهمة الإحياء الإسلامي.

كان العنصر الأهم في الحركة الإسلامية منذ الثلاثينات – في العالم العربي على الأقل – هم جماعة الإخوان المسلمين، والتي ينتمي لها حوى. ولكنه يرى أن هذه الحركة أيضاً قد ضعفت من الداخل بالنسبة لجيله، لأنها انحرفت عن تعاليم مؤسسها حسن البنا، وذلك في نقطتين مهمتين. يمكن أن ينطبق انتقاده على الجماعة بشكل عام، ولكن همه الأساسي قد كان بلا شك مرتبطاً بالفرع السوري، فنقد حوى لمفهوم الجاهلية عند قطب يتوجه بشكل أوسع ضد الجناح المتطرف الذي مثله مروان الحديد مناصر قطب في سوريا. كما ينتقد قيادة عصام العطار، المرشد العام لجماعة الإخوان في سوريا، والذي يعتبر ذا توجه سلفي (16). ولا بد من التأكيد بأن انتقاده مفهومي وليس موجهاً بشكل مباشر، فهو يقبل الفكرة السلفية كمبدأ مؤسس للحركة الإسلامية، ولكنه يعترض على تفسير الحركة السلفية لهذه الفكرة، والتي يعتبرها كتهديدٍ أساسي لتكاملية الحركة الإسلامية والإحياء الإسلامي الشامل، ولذلك يعتبِرُ إصلاح الحركة السلفية أمراً ضرورياً لتتمكن من أداء دورها المهم في الحركة الإسلامية.

برزت الحركة السلفية كمحاولة لنقل الاتجاه الحداثي إلى نهايته المنطقية، حيث تأسست على يد جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الذين استاؤوا من الانحدار المادي والروحي في الإسلام واعتبروا أن العودة إلى طريق السلف الصالح هو المسار الوحيد للإصلاح. إن مفهوم عبده عن السلف كان يتسع لاحتواء جميع أطياف الفكر الإسلامي الحالية. بينما عمل تلميذه رشيد رضا، وهو أبٌ روحيٌّ مهم لجماعة الإخوان، على قصر هذا المفهوم على الجيل الأول من الإسلام، أي النبي وصحابته، ووسَّع من مساحة تطبيق الاجتهاد على حساب المبدأ المقابل القائم على التقليد، والذي يعني عملياً بذل مجهود أكبر على مستوى الاستقلال العقلاني والاعتماد بشكل أقل على التقاليد التي تبلورت في المذاهب الفقهية.

لاقت فكرة العودة لنموذج السلف دعماً قوياً ومتحمساً، فقد أصبحت السلفية حركة شعبية، ولكن شعبيتها لم تمكِّنها من التعامل مع الصياغات العلمية لرضا، وأصبحث أكثر تطرفاً. وقد حدث ذلك خلال حياة رضا، الذي رحَّب بالإحياء الذي قدمته الوهابية، وهم المحاربون الأقوياء ضد البدع التي التصقت بالإسلام منذ أيام النبي (17). وقد أوصل بعض أتباعه بمفهوم السلف إلى فكرة رفض التاريخ الإسلامي بالكلية (18). وهذا هو الشكل المتطرف من السلفية الذي عارضه حوى بشدة:

"إن الناس الذين يدعون إلى ترك كل ما قاله علماء المسلمين خلال العصور يهدمون ثقافة كاملة لأمة تعبت عليها ملايين العقول، وأنضجتها خبرة العصور، إن هؤلاء الذين يشككون في قيمة هذا التراث لا يعدلون أدنى واحد من أعلامه، أفنترك هذا التراث الضخم الذي أوجده هؤلاء العلماء الضخام لنبدأ في إيجاد تراث تشريعي جديد؟ أن نحقق فلا حرج، أما أن نشكك في قيمة تحقيق الآخرين من أهل التحقيق، فذلك الضلال بعينه الذي يدل على سوء ظن بسلف هذه الأمة". (19) "وهل يبقى لإنسان دين وهو يحتقر الصالحين من علماء هذه الأمة ويرى نفسه خيراً منهم؟" (20)

إن الدافع العميق وراء معارضة حوى لتطرف الحركة السلفية هو رفضها للمتصوفة. وباعتباره رجلاً صوفياً، فإنه لن يقبل فكرة إقصاء التصوف من التقليد السلفي. رسم رضا تفريقاً – كما فعل عبده قبله – بين الشكل "الصحيح" و"الخاطئ" من التصوف، اذ يعبِّر الشكل الأول عن حاجة المؤمنين للتجربة الروحية، بينما يعبر الشكل الثاني عن انحراف التصوف نحو الخرافات والممارسات المخالفة للشريعة. إن عداء رضا للتصوف "الخاطئ" كان أكبر بكثير من معلمه، ولكن كان أهم مصدرين لإلهامه هما الغزالي، المفكر الصوفي الكبير الذي أسس تركيبة بين الإيمان الباطني ونقاء التوحيد، وابن تيمية، الأصولي الحنبلي الذي قاتل البدع الصوفية بضراوة (21). غير أن الحركة السلفية بعد رضا لم تُقِم مثل هذه التفريقات وأدانت الصوفية بشكل عام.

وفي دفاعه عن الصوفية يقوم حوى بمواجهة كل من غلاة الصوفية، ويشن عليهم نقداً شاملاً لسلوكاتهم أو ممارستهم، بالإضافة لخصومهم، الذين لا يحبون حتى أن يُذكَر اسمهم، والذين يناقشون تعاليمهم بقليل من الاعتدال. يأخذ حوى على عاتقه مهمة إيجاد "الاعتدال" بين الإثنين، عن طريق إعادة الصوفية إلى الشريعة وإقناع خصومهم بالمكانة الضرورية للتصوف في الإسلام. وهكذا ينضم إلى التراث الطويل القائم على المصالحة بين التقليد والتصوف، والذي تجلى بشكل واضح في الغزالي، وتم لاحقاً إعادة إحيائه مع حركات الإصلاح في القرن الثامن عشر (22). ويذكر بأن جماعة الإخوان المسلمين تدعم في أصولها التعاليم الصوفية، فقد اعتبر حسن البنا كل من الحقيقة الصوفية والرسالة السلفية كأرضية مؤسسة لحركته (32). ومع ذلك، يقول حوى بأن جماعة الإخوان قد فشلت في توضيح موقع التصوف في تعاليمهم، وهذا هو ما يحاول إنجازه. فهدفه هو صياغة نمطٍ من التصوف السلفي، بنفس المشايخ وبنفس حلقات الذكر، ويؤكد بأن التصوف هو باعث متجذِّرٌ في روح الإنسان ومَلمَحٌ لا غنى عنه في الإسلام (24).

ويؤكد حوى أن التصوف يتبع لعلم العقائد والفقه، ويعود للقرآن والسنة (25). ويقول أن هدف الصوفي هو الوصول إلى حالة القلب السليم، المهيء لقبول الأوامر الإلهية بكامل الخضوع والحب، ولا يجوز للصوفي أن يضيف عقائد جديدة تتعارض مع القرآن والسنة أو المعتقدات السائدة لدى أهل السنة والجماعة، التي تمت وراثتها عن السلف، اذ تعد هذه الإضافات بمثابة انحرافات وبدعٍ شريرة (26). إن التصوف هو معرفة تقوم على الجوانب الروحية للعقائد والتشريعات الفقهية، وبالتالي فإن الجميع في حاجة لها، خاصة في هذا العصر المادي والشهواني الذين نعيش فيه، وبإمكان الجميع أن يتعلمه، فالقوة الروحية هي وحدها القادرة على مقاومة فتن العالم الحديث (27).

ولا يكون حوى أقل حزماً من السلفية عند هجومه على المتصوفة الذين يتجاوزون الحدود الشرعية التي وضعتها علوم العقيدة والفقه. فهو يميز عدداً من أنماط الصوفية "الخاطئة"، على الرغم من وجود تداخل فيما بينهم بكل تأكيد. أولهم هم المنادون بالشطحات، وهي النداءات الوجدية التي تقف على حدود الابتداع، وهؤلاء لا يجوز عليهم إلا القتل (28). والأنواع الأخرى ترتبط أكبر بعصره. فهناك صوفيون يعتقدون أنه بمجرد "الوصول" إلى الوعي الباطني للـ "هو"، فإنهم لا يعودوا بحاجة للاهتمام بالمحددات الظاهرية للإيمان (29). وثمة أوساط كبيرة من مريدي المشايخ الذي يعتقدون بأن كرامات شيخهم تثبت عصمته وأنه هو الوحيد الذي يدرك طريق الحق. وأخيراً، فإن هناك عددٌ كبير من المسلمين الذين يتضرعون لأولياءهم من أجل مصالح شخصية، أو ما هو أسوأ، مثل زيارة قبور الأولياء الذين أفنوا حياتهم في البحث عن مثل هذه المصالح الدنيوية، وهؤلاء لا يدركون أن ما يمارسونه هو شرك محض (الإشراك، وهو إشراك آلهة أخرى مع الله) (30).

مثلت انحرافات الصوفية إشكالاً بالنسبة للإسلام ولمدة طويلة، ولكن في الظروف المعاصرة يعتبرها حوى تهديداً حقيقياً، خاصة فيما يتعلق بالمجال السياسي، أي في الصراع بين الأمة والعالم الغربي ووكلاءه المسلمين. ويوضِّح أن مشايخ الصوفية منقسمون على أنفسهم لأنه يوجد الكثير منهم في الأمة، فإذا أعطت كل جماعة من المسلمين الإمامة لشيخها الخاص والتزمت بطاعته فقط فإن النتيجة ستكون هي تفكك الأمة. كما يمكن للمشايخ الفاسدين أن يقلبوا مُريدِيهم عن الإسلام، فيعتقد بعض المشايخ أن مريديهم هم عبيدٌ لهم أيضاً، وكأن هؤلاء المريدين يسعون لإرادة الشيخ وليس الله. وفي طريق سعيهم للمجد يمكن أن يقوموا أيضاً بمساعدة الكفار في الحرب على الإسلام وسيسير وراءهم مريدوهم المقلدون. وأخيراً، يقطع الكثير من الصوفية، مثل العلماء، أنفسهم بشكل كامل عن شؤون العالم، فهم يمتلكون تصوراً ضيقاً عن الإسلام ويعيشون بمعزل عن عصرهم وعن المفاهيم الأساسية للحياة المعاصرة للمسلمين. ويخلص حوى إلى القول بأن جميع هؤلاء المشايخ تنطبق عليهم نفس المشكلة، وهي أنهم يفصلون الإسلام عن السياسة، ويضعفون الأمة من داخلها، ويتيحون الفرصة للأعداء ليتغلبوا عليها (31).

يوافق حوى على تمييز رضا بين التصوف "الصحيح" و"الخاطئ"، ولكنه يؤكد على ذلك بطريقة مختلفة. فهو يقر بوجود كرامات الصوفية، ولا ينكر على السلوكات النابعة من الوجد، ما لم تتعدى شرط التأكيد على وحدانية الله، ويوضح بأن اجتياح حالة شعورية ما على الإنسان ليست علةً ولا ضلالاً (32). بل يتجه حوى لأبعد من ذلك في ما يتعلق بالتصوف ويقر بإمكانية حدوث الكشف الإلهي لغير الأنبياء، لأنه لا يجد في الشريعة ما يعارض ذلك (33).

ولكن الشيء المهم بالنسبة لحوى هو إظهار دور الصوفية في المجال الاجتماعي والسياسي، حيث يؤكد على أن التصوف لا يعارض الفاعلية بل يتطلبها. فمما لا شك فيه أن السلفية على حق عندما تتهم المتصوفة "الخاطئين" بتهربهم من واجب الجهاد، ولكن التاريخ يمتلئ بالأدلة على اختلاف الصوفية في صورتها "الصحيحة" عن ذلك، ويعتبر دور الطريقة النقشبندية – التي ينتمي إليها حوى – دليلاً على استعداد الصوفية لحمل هذا الواجب.

"ومن تأمل التاريخ العملي للمسلمين في العصور المتأخرة يجد أن أقوى الحركات الإٍسلامية وأصفاها وأكثرها انضباطاً وتضحيةً كانت صوفية. إن حركة الشيخ الفاروقي السرهندي [النقشبندي] أعادت إلى الهند إسلامها . . . وإن الصراع ضد الاستعمار الروسي قاده الشيخ شامل النقشبندي. وإن الصراع المسلح ضد أتاتورك قاده الشيخ سعيد الكردي النقشبندي. وإن الصراع ضد إيطاليا في ليبيا قاده السنوسيون، والصراع ضد بريطانيا في السودان قاده المهديون . . . ثم إن حركة الإخوان المسلمين نفسها أنشأها صوفي وأخذت حقيقة التصوف دون سلبياته" (34).

يكمن نقد حوى لأسلوب تعامل السلفية مع التصوف في انحرافهم عن فكر رشيد رضا. ويقول أن الحركة السلفية قد فرَّطت بالتوازن المطلوب بين تعاليم ابن تيمية والغزالي، اللذان يعدان كأكبر مصدري إلهام لرضا. فيدعي السلفيون أن الغزالي قد أضعف روح الجهاد، باعتبار أنه لم يناقش مسألة الجهاد في كتابه إحياء علوم الدين، ولكن يشير حوى إلى أنهم فشلوا في إدراك أن الغزالي ناقش موضوع الجهاد في كتبه الفقهية، وأن الإحياء نفسه ومن خلال تقويته للنفس يقوي الجهاد أيضاً (35). كما نسوا أنه حتى ابن تيمية الذي يعد حازماً وغير مهادن، والذي يعتبره السلفية كأب روحي، لم يذم السلفية في ذاتها، بل ذم "البدع" المرتبطة بها. كما امتدح ابن تيمية وبشكل واضح الشيخ عبد القادر الجيلاني، مؤسس الطريقة الصوفية القادرية (36).

إن الحركة الإسلامية النموذجية التي يدعو إليها حوى هي حركة مبنية على نموذج السلف الصالح، مستقيمة في تصوراتها العقدية والفقهية، وصوفية في داخلها. ويتضمن إصلاح الحركة السلفية دمج تراث العلماء والطريقة الصوفية عبر المفهوم الأصلي للسلف، وهو ما لا يختلف عن إصلاح التقليد والتصوف من خلال العودة إلى نموذج السلف.


إحياء الربانية


تعتبر تجربة حوى نموذجاً جيداً في تشكيل المتطلبات وسُبُل العمل للحركة الإسلامية. فهو لا ينحصر في أحاكم قطعية منبثقة عن أيديولوجيا أو اعتقاد خالص، بل من خلال التجربة والخطأ، فيتحمل المشاق ليجد المسارات العملية الأفضل لإحياء الإسلام. وبحكم خبرته التنظيمية والدعوية الطويلة، كان حوى مدركاً للواقع وللصعوبات التي يواجهها النشطاء الإسلاميون؛ وبالتالي وبالرغم من خططه المفصَّلة إلا أنها كانت مرنةً بالشكل الكافي الذي يجعلها قابلةً للتلاؤم مع الظروف المستجدة. وانعكست هذه المرونة على تعدد الإجابات العملية المقترحة لسؤاله المركزي وهو: إلى أي مدى يعيش العالم الإسلامي في حالة الردة؟ اذ يدور جميعها ويتداخل بين اتجاهاتٍ متعارضة؛ كالتعليم والدعوى من جهة، والتسلط والعنف من جهة أخرى، مما يقيم التقابلات بين طرق الدعوة والجهاد الإسلامية.

يفضل حوى بلا شك الطريق المسالم القائم على التعليم والدعوة، والذي كان واضحاً في نقاشه لمفهوم الردة، حيث كان يمتنع عن الوصول إلى خلاصة نهائية نابعة من تحليلاته، بغاية تجنب نشوب الحرب. لكنه يبرر الحرب كملجأ أخير للواقع. كما يقول أن جماعة الإخوان المسلمين يفضلون العمل من داخل البرلمان وعبر الإعلام الجماهيري والانتخابات الحرة، ولا يتجهون لمسار العنف إلا عندما يشن الحكَّام حرباً على الإسلام ويعزلون الجماهير المسلمة. وهذا التوضيح الدفاعي الواضح لا يتعارض مع التأكيد على أن الإسلاميين مأمورون من الله من أجل إقامة الحكم، بغض النظر عن طريقة تحقيق ذلك (37).

يعتبِرُ حوى أن التعليم والإعلام أهم أداتين متاحتين للمجتمع لصياغة سلوك أعضاءه وتقديم نفسه أمام المجتمعات الأخرى، وهما يشكلان معاً القالب الذي يعبِّر عن السمات المميزة بالنسبة للمجتمع وهوية الفرد (38). ويقول أن الحركة الإسلامية قد خسرت كلتا الأداتين في العصر الحديث. كما واجهها عائقان وهي في طريقها لاستعادتهما من أجل إحياء الدعوة، كان أشدهما خطورة هو احتكار الدولة العلمانية للمؤسسات التعليمية ومنابر الإعلام الجماهيرية، وذلك بالإضافة إلى تغولها في جميع مجالات الحياة (39). ويقول حوى بأن أعداء الإسلام عملوا على السيطرة على المدارس وصياغة المناهج والكتب المدرسية، وقد أدى بروز التعليم الإلزامي إلى زيادة تأثيرهم وسيطرتهم (40)، كما سيطر هؤلاء الأعداء على الصحف الورقية، والمجلات، ودور النشر، وجميع أدوات التواصل، ووظفوها ضد الإسلام. ولا يعد الإعلام الدولي أقل عدائية أيضاً، فمن النادر ما يذكر هذا الإعلام الحركات السياسية في الإسلام وعندما يحاول ذكرها يصفها بطريقة مضللة ومشوهة (41). وأخطر هذه الوسائل هو التلفاز، مفسد الأخلاق، والذي يوصي حوى بإبعاده عن المنازل (42). والعائق الثاني الذي ينبغي أن تواجهه الحركة الإسلامية هو الجمعيات الإسلامية القائمة، فمشايخ الطرق الصوفية والعلماء المسؤولين عن الحلقات الدراسية أو الجمعيات الخيرية الفعالة يخافون من أن تقوم الحركة الإسلامية بتجريدهم من مريديهم ومنزلتهم.

واقتراح حوى من أجل مجابهة احتكار الدولة للتعليم والإعلام العودة للمساجد، والتي مثَّلت دائماً دوراً سياسياً مهماً في الحياة العامة للمسلمين. فقد كانت من مهمة الدعاة سابقاً أن يعلنوا التشريعات الجديدة للحاكم، بالإضافة لإعلان التمرد باسم العامة ضد الحاكم الجائر عن طريق إسقاط اسمه من الخطبة. ولكن مع بروز وسائل التواصل الحديثة، فقَدَ المسجد دوره المهم كأداةٍ في يد الدولة. ولكن ضمن القبضة الشديدة للدولة العلمانية على وسائل الإعلام والرقابة الشديدة ضد جميع خصومها، بقيت المساجد قناة التعبير الوحيدة للعلماء والإسلاميين، والذين يعتبرهم حوى كممثلين للعامة. ولكن كان من الواضح أيضاً بالنسبة له وجوب تكييف المساجد مع الظروف الجديدة في حال أراد تحقيق استقلاليته.

وكما هو الحال مع المفكرين الآخرين المعاصرين من الحركة الإسلامية، يقر حوى بالتأثير الهائل لوسائل التواصل الحديثة على عامة المسلمين ولا يمتلك أية أوهام حول قدرة المساجد على مقاومة ذلك. ولا يعترض حوى على استخدام الإعلام، فهو يعترض فقط على توظيفها السيء من قبل الدولة العلمانية. ويؤكد بأنه عندما يتم تأسيس الدولة الإسلامية فإنها ستقوم بنفس هذا الاحتكار كما يفعل أعداؤها اليوم. حيث ستعمل على" فطم" الناس من التعليم الأجنبي ولن تسمح لأي صوت أن يقترب من رعاياها من دون موافقتها (43). ولكن هذه مجرد رؤية وليس طريقة عملية. والطريق العملي الحقيقي يسير عبر المساجد، ولكن نظراً لضعفها أمام الإعلام وضعف الإسلام بشكل عام أمام الدولة العلمانية، فينبغي إخضاع هذه المساجد إلى تغييرات عميقة في دورها، وذلك ابتداءً من تقديم النصح السياسية من على المنبر وحتى الوسائل التعليمية الأقل استفزازاً.

ويقترح حوى القيام بتأسيس مدرسة في كل مسجد، والتي ستشكل بديلاً، أو مكملاً، للتعليم العلماني الرسمي لمدارس الدولة. وهو يستند في ذلك إلى فكرة الشيخ عبد الكريم الرفاعي، إمام أحد المساجد في دمشق، والذي التقاه حوى خلال دراسته في المدينة في الخمسينيات (44). أراد الرفاعي أن يقدم كل مسجد حلقات علم تتناول العديد من المواضيع وضمن عدة مستويات، وقد أثبت هذا النموذج نجاحه وتشكلت منه حركة ثقافية كبيرة. تمتلك المساجد متخصصين مؤهلين في مختلف مجالات الدراسات الدينية وبهذه الطريقة تمكِّن من تجنيد قوىً جديدة للإسلام. ومن خلال طبيعة تنظيم الطرق الصوفية، انتشر مريدوه عبر أرجاء البلاد وأسسوا الحلقات العلمية حيثما استقروا (45). وقد عمل حوى على توسيع المدى التنظيمي والتعليمي لنموذج الرفاعي وأضاف إليها البعد الاجتماعي، وأطلق على هذا النظام الموسع اسم إحياء الربانية.

والربانية هو المفهوم الأساسي الثاني في فكر حوى وهو نظير مفهوم الردة. وهو مستقى من القرآن، حيث تتكرر عدة مرات في القرآن، كما كان يقترن عادةً بمفهوم الأحبار، وهم رجال الدين اليهود الذين اتبعوا الطريق المستقيم. وليس ثمة أهمية لكونهم يهود طالما أنهم يعدون مسلمين بحسب عقيدة الإسلام . وتعتبر الشريعة وجود تطابق بين الرباني والحبر، ولكن ثمة تمييز واضح بينهما في كتابات حوى، كما أنهم تواجدوا في مراحل تاريخية منفصلة ومتباعدة، كما هو الحال مع العلماء والصوفية، وبالتالي يعتبر حوى أن الرباني هو الصوفي صاحب العلم (46).

ومن وجهة نظرٍ مختلفة، تلتزم الربانية بشكل كامل بسنة النبي وبأدق التفاصيل، وهذه هي الوراثة الكاملة التي ينبغي على المسلم أن يحصِّلها بقدر استطاعته. لا يستطيع كل الناس تحقيق هذه المُثُل، ولكن إذا ما كافح جميع المسلمين للوصول إليها، فسينجح بعضهم في ذلك (47). هناك أربعة شروط لبروز الربانية وهي: الذكر، والذي يضمن استقامة الإيمان؛ والعلم، والذي يمكِّن من التخصص في جانبٍ واحدٍ على الأقل؛ والأجواء المساعدة، والتي تنشأ مع صحبة أهل الذكر والعلم؛ وأخيراً وليس آخراً، العمل الدعوي والتعليم، فلا ينبغي على الإنسان الذي حصَّل درجة ما أن يتقوقع على نفسه، بل يجب أن يكون فاعلاً لصالح المجتمع (84). لذا فالرباني لا يعني الإنسان الصوفي والعالم فقط بل الإنسان الفاعل أيضاً.

إن تحليل حوى للواقع المعاصر للعالم الإسلامي يقوده إلى نتيجة، وهي أن هذه الشروط، واجتماع الشروط الأربعة تحديداً، أمرٌ نادر الحدوث. فسقوط الأمة الإسلامية في أيدي المرتدين قد أضعفت من درجة الربانية. ولكننا لم نخسر بعد، وذلك بحكم عدم اكتمال حالة الردة. وبكلمات أخرى، فإن إحياء الربانية هي الطريقة المثلى لمواجهة الردة. ونظراً لهيمنة الدولة العلمانية، فإن السبيل الوحيد المتاح لتحقيق هذا الإحياء هو عن طريق تشكيل التنظيمات المحلية التي تتمركز حول المساجد. اذ يجب على المؤمنين في كل حي وكل قرية تأسيس جماعةٍ تأخذ على عاتقها مهمة إحياء الربانية في مجتمعهم المحلي. وستحظى هذه الجماعة عبر المساجد بالصيغة الأمثل من الذكر والعلم، وستصوغ الأجواء المساعدة الممهدة لصعود القوى الجديدة، وستنظم وتوجه كافة المجتمع للعودة للإسلام. وسيكون نشاطها اجتماعياً ودينياً أيضاً، وستدرِّس في حلقات العلم في المساجد، كما ستعمل على توجيه الآخرين للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكنها ستؤسس أيضاً حالة من التكافل بين أعضاء مجتمعهم، كما ستسعى لإيجاد الوظائف للعاطلين عن العمل (49).

توجه الربانية أيضاً الخصوم من الجمعيات الإسلامية القائمة الخاصة بالعلماء والصوفيين للعمل مع الحركة الإسلامية، ويؤكد حوى بأن فكرته لن تضر أي منهم (50)، فهو يؤكد بأن حركة الربانية ستكون بمثابة جهاز السيطرة المحلي لكافة الجمعيات الإسلامية من دون أن تكون منتمية لها ومن دون محاربة أيٍ منها، وبالتالي فإن الانضمام لها لا يعني هجر الجماعات الأخرى، فهي الهيكل الوحيد القادر على توجيه الجمعيات الإسلامية القائمة ضمن رؤية إسلامية شاملة وردم الصراعات والنزاعات فيما بينها التي تمنعها من توحيد نشاطها. وبالإضافة لذلك، تُعد الربانية حركة غير سياسية، فهي لا تبتعد عن الخوض في الصراع الإسلامي الداخلي فحسب، بل تمتنع عن معارضة الدولة أيضاً (51)، فالربانية هي القيادة الدينية الروحية للتنظيمات الإسلامية السياسية والاجتماعية.

وسيمكن انتشار الجمعيات الربانية المحلية مع الوقت من بناء مكتب تنسيق في كل دولة ومكتب الأمانة العامة الدولي، وهو ما سيعمل على توسيع الحركة وتنسيق النشاطات بين الجمعيات المحلية. بمعنى أنها ستحصل على بناء تنظيمي أوسع ولن يكون هناك اختلافات جوهرية بين الوحدات المحلية الأساسية. وستكون ذروة نشاط الأمانة العامة هي تأسيس جامعة إسلامية. كما ستتجنب أي محاولة للسيطرة على النشاط السياسي الإسلامي، ولن تحاول التدخل في الشؤون الداخلية لعناصرها المختلفة. وستعمل كوسيلة هو الحال مع كل جمعية ربانية محلية للتعاون وتقديم التوجيهات للحركة الإسلامية بأكملها (52).

تتضمن كل من الحركة الإسلامية والربانية معاني كثيرة ومفصلة في فكر حوى. اذ ترمز الحركة الإسلامية -بالنسبة له – إلى جماعته الأولى والأساسية، وهي جماعة الإخوان المسلمين. فمن خلال خبرته في صفوف الجماعة توصل إلى نتيجة وهي أنه لا يمكن لحركة عملية أن تقدم الاستقامة الروحية والمعرفة لأعضاءها، وبالتالي لا بد من إحالتهم إلى موجه روحي وديني لتحقيق الكمال لممارستهم العملية، ومهمة التوجيه هذه تتكفل بها الربانية. وقد تم إهمال هذا الواجب في الجماعة، وكانت نتيجة ذلك هو عدم وصول جيل الشباب إلى الرشد الروحي المطلوب بالإضافة لعدم امتلاكهم للمعرفة الكافية بالإسلام (53). ويعود ذلك في نهاية المطاف إلى انحراف الجماعة عن التعاليم الأصلية للبنا وتبنيها للتعاليم الراديكالية للمفكرين الإسلاميين غير المؤهلين مثل قطب وحديد.

يمكن أن يتحدد المعنى الأدق للربانية من خلال علاقتها بمصطلح الصدِّيقية المعروف، والتي تعني الحق المطلق والإيمان الكامل. وبالنسبة للتعبيرات الصوفية فإنها تشير إلى معرفة الله والعبودية. ويعرِّف حوى الربانية في هذا السياق من خلال العلاقة بالصدِّيقية مع بعض الإضافات النوعية، أبرزها هي المعرفة والتعليم والنصيحة (54). تجلت جميع هذه الصفات النوعية في النموذج الرباني الذي مثله أبو بكر، خليفة النبي والمحارب العظيم ضد الردة، ولقبه الفريد في الإسلام هو الصدِّيق. ويعد الصدِّيق أولَ شخصٍ في السلسلة الخاصة بالطريقة النقشبندية (55)، والتي يشار إليها بالصديقية. كانت الربانية لقب أحمد السرهندي، مؤسس الفرع المجددي لهذه الطريقة (56)، وبالتالي يمكن الإشارة إليها بالربانية. وبناء على ذلك يمكن أن تعني الربانية الصوفي النقشبندي المجددي، أي العالِم العامِل.

ومن هنا فإن الطريقة النقشبندية هي القادرة على تقديم التوجيه الديني الروحي لجماعة الإخوان، وعلى مشايخ الطريقة أن يتوجهوا للمعرفة والنصيحة. إن نموذج الربانية بالنسبة لحوى هو شيخه محمد الحامد بلا شك، الذي قدم النصيحة والنقد أحياناً لحسن البنا خلال مكوثه في مصر، كما قدم التوجيه الروحي للجماعة في مدينته حماة بعد عودته إلى سوريا. ويروى حوى كيف
"عندما كنا شباباً، كنا نشعر بهذا النقص [في التوجيه]. كنا نسارع للعلماء والبانيين لنستقي منهم المعرفة والروحانيات. لقد منحنا الله العلماء والربانيين الذين يحبون الدعوة والأعضاء المتحركين. ففي وجدهم كانت أفعالهم كاملة" (57).

كما تتضمن الربانية على عنصر شخصي بالنسبة لحوى، فهذه هي المهمة التي أوكل نفسه بها ضمن إطار جماعة الإخوان المسلمين في سوريا. فهو أكثر تلاميذ الحامد غزارة في الإنتاج، وتتضمن كتبه المختلفة محاولةً لتشكيل رؤية إسلامية أوسع لتكون بمثابة موجه روحي لحركته. ولكن بحلول تمرد حماة في عام 1982 تمت تنحيته جانباً من جناح الحركة الراديكالي، والذي كان يشتكي أنه "حتى لو أراد الفقيه أو الرباني أن يقوم بشيء ما فقد كان يضيع صوته، بحكم عدم توقف أعضاء الجماعة عن الحركة" (58).

ومع ذلك، لا يعتمد إحياء الربانية على الطريقة النقشبندية فقط، فالربانية هي طريقة جديدة، بل هي طريقة عليا للصوفية، تقف فوق الطرق السائدة، بما فيها النقشبندية. وباعتبارها القاسم المشترك بين جميع الجمعيات الإسلامية، فإنها لا يمكن أن تعرِّف نفسها حصراً في جمعية واحدة من دون أن تعزل البقية. ومن أجل تحقيق فهم أشمل لطبيعة إحياءها، ينبغي أن تؤخذ المعاني الثلاث للربانية في عين الاعتبار. يشير أهم معنى من معاني الربانية إلى المزيج بين التصوف والعلم، كما تجلت في ممارسة السلف. وبالتالي فهي تصوف سلفي، وهي جوهر الحركة الإسلامية التي تتولى مهمة إحياء الإسلام. ويعد إنجاز هذه المهمة هو مضمون المعنى الثاني للربانية، فتضيف إلى النقطة الأولى ضرورة الفعالية، فهي الموجه الروحي للعالم الإسلامي بشكل عام والحركة الإسلامية بشكل خاص. وتعد الطريقة النقشبندية المجددية هي المعنى الثالث للربانية لأنها تقدم النموذج الأمثل للطريقة الصوفية الفاعلة التي تتبع طريق السلف.

ولكن يتضمن توظيف حوى للربانية نوعاً من عدم الرضا من دور الطريقة النقشبندية في عصره. فمرة أخرى، يمكن تطبيق نقده على الطريقة بشكل عام، ولكن همه الأساسي هو فرعها السوري. فقد قادت النقشبندية المجددية العديد من الحركات الإسلامية الإحيائية في الماضي، ولكن اليوم، وضمن أكثر مراحل الردة مشقةً في التاريخ الإسلامي، لم تعد الطريقة قادرةً على حمل مهمة الإحياء الإسلامي لوحدها، وقد تأثرت مع مرور الزمن أيضاً بحالة الانحدار العامة التي أصابت الإسلام. فلم تتمكن الطريقة النقشبندية في سوريا من منع البعث من الاستيلاء على الحكومة. وما هو أكثر من ذلك هو أن إحدى أفرع الطريقة، والتي يرأسها الشيخ أحمد أمين كفتارو، مفتي دمشق منذ عام 1964، قد أبدى استعداده ليكون أداةً في يد نظام البعث (59). من وجهة نظر حوى، فاتحاد جميع القوى الإسلامية تحت قيادة الربانية والنشاط الحذر هما الطريق الوحيد لإعادة إحياء الإسلام بشكل عام واستعادة حكم المسلمين في سوريا بشكل خاص.

لذا فإن إحياء الربانية دعوة عامة موجهة للطرق الصوفية أيضاً للعودة إلى طريق السلف، لكي يوظِّفوا شبكاتهم الممتدة والواسعة من أفرعهم المحلية في الطريقة لإرجاع مجتمعاتهم للإسلام، ولكي يحولوا المساجد إلى مراكز للتعليم والتوسع الإسلامي، وليكونوا زعماء دينيين وروحيين للإحياء الإسلامي.


حدود الجهاد


إن علاج حوى لمفهوم الجهاد يبدو متعارضاً مع تأكيده على تفضيل المسار السلمي، فهو يصادق على معناه التقليدي الذي يشير إلى شن الحرب على الكفار ويعتبره أمراً جوهرياً بالنسبة لإحياء الإسلام. لكن مع التعمق في ذلك يتبين أن حوى يحدُّ وبشكل جذري من التطبيق الفعلي للجهاد، على الأقل فيما يتعلق بتحليله الأساسي حول ديمومة انحدار الإسلام. وباستناده إلى حديث مشهور، يقيم حوى تمييزاً واضحاً بين نوعين أساسيين من الحروب على الكفار، النوع الأول هو الحرب الخارجية، الجهاد باليد، والتي يمكن أن تُشَن ضد غير المسلمين، وضمن السياق الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم، يضع حوى مجموعة من التفصيلات في هذا النوع من الحروب، وهي قتال غير المسلمين في أراضيهم (دار الحرب)، والدفاع عن أنفسهم عندما يهاجمهم غير المسلمين، وطردهم عندما يستولون على أراضي المسلمين (دار الإسلام). ولكن الكفار هم أيضاً من تركوا الإسلام، أي من هم في حالة الردة، وبالتالي ينبغي أن تُشَن الحرب عليهم أيضاً، وهي حرب داخلية يُطلِق عليها حوى "الجهاد بالنفس" (60)، وهذه هي الصياغة العملية للتمييز بين الردة والجاهلية. ولا يحيد حوى في هذا التمييز عن التصور الإسلامي التقليدي عن الجهاد (61)، ولكنه يؤجل الحرب الخارجية إلى أجلٍ غير مسمى، حيث لا ينبغي إعلانها إلا بعد تحقيق الوحدة الإسلامية واستعادة الخلافة وحشد جميع قوى وموارد الأمة وإقامة الصناعات بحيث تصبح الأمة على قدم المساواة مع باقي العالم. ويقول حوى بأن الحرب التي ينبغي إعلانها اليوم هي الحرب الداخلية، أي الحرب على المرتدين، وهي فرض عين على كل مسلم، كما هو الحال في الحرب الدفاعية. وفقط إذا نجح المسلمون في ذلك فسيقدمون للأمة الأساس الجوهري لزخم جديد لإخضاع العالم لكلمة الله، أي الجهاد الخارجي (62).

وبالتالي فإن أولويات الحركة الإسلامية تترتب كالتالي: تشكيل شخصية المسلم بطريقة إسلامية، ثم تأسيس دولة إسلامية في كل بلد مسلم، وتوحيد الأمة الإسلامية، واستعادة مؤسسة الخلافة، ومن ثم تأسيس دولة الإسلام العالمية (63). وطالما حافظت الحركة الإسلامية على الدعوة، والتي تأتي ضمن المرحلة الأولى من هذا المخطط، عندها سيكون وجود إطار عالمي واسع من الجمعيات المحلية، مثل الربانية، أمراً وافياً لذلك. وبمجرد انتقالها للنشاط السياسي، أي نحو الجهاد، سيكون تشكل تنظيم راسخٍ، وإن كان ضيقاً، أمراً لا مفر منه. إن طبيعة الواقع السياسي تؤكد بأن الدول الإسلامية الحالية هي وحدها القادرة على بناء هذه الأسس، ولذلك ينبغي على كافة الحركات الإسلامية في الدول المختلفة أن تحصر صراعها ضمن منطقتها الخاصة (64). وسيؤدي نجاح هذه الحركات المنفصلة في الدولة المختلفة إلى إعادة توحيد الأمة ضمن قاعدة صلبة واستعادة الخليفة لزعامتها. ووحدها هذه الوحدة السياسية القوية، والتي هزمت الردة، ستكون هي القادرة في المرحلة الأخيرة من المخطط على استئناف الصراع ضد الجاهلية، إلى أن تصل إلى مرحلة تأسيس الدولة الإسلامية في العالم بأكمله.

تسبق الحرب على الردة، وهي الأكثر صعوبةً وخطورةً، الحرب ضد الجاهلية. يقول حوى بأن العدو في الحرب الداخلية أقل وضوحاً ومن الصعب تحديده، بل قد يضطر الإسلاميون إلى قتال أبنائهم وإخوانهم ممن انحرفوا عن الإسلام أو تركوه. وعلاوة على ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من المرتدين يعرِّفون أنفسهم كمسلمين، وهؤلاء هم المنافقون، الذين عملوا على تضليل المسلمين وجمعوا خلفهم الكثير من الأتباع. ويؤكد حوى بأنه ثمة فئة قليلة اليوم ممن تهتم بواجب الجهاد بالنفس، بل حتى العلماء يفضلون تجاهل ذلك. وقد أدى الفشل في ذلك تحديداً – بحسب رأيه – إلى انحدار الإسلام في أرضه وسيطرة أهل الفساد أو المرتدين عليها، وينبِّه حوى إلى وجوب إعادة تطبيق هذا الأمر إذا ما أردنا ضمان استمرار الإسلام (65).

كي نعرف المرتدين ينبغي أن نتمكن من التمييز بطريقة عملية بينهم وبين أولئك المنحرفين، وهم الضالين الذين بقوا مع ذلك ضمن حدود الإسلام. وأمام هؤلاء فإن الصراع السلمي الوحيد القائم المتاح هو الدعوة، بينما يعد الجهاد هو الطريق الوحيد لمواجهة الكفار. وبناء على ميوله السلمية، يرسم حوى الحد الفاصل بين الاثنين بناء على مراعات الصلاة، حيث يقول بأن الصلاة هي التعبير الأساسي عن الاعتراف بحاكمية الله وترك كل تشريع ما عدا الشريعة (66). ولكن هذا التعريف بلا شك يضع حداً إضافياً على واجب الجهاد، بحكم أنه يترك المرتدين الذين يصرحون بكونهم مسلمين (وهم الغالبية العظمى من المرتدين) ضمن فئة الانحراف، وبالتالي فإن الجهاد ينبغي أن يُعلَن فقط ضد أولئك المرتدين الذين يعارضون الإسلام بشكل صريح وواضح، وهؤلاء هم جماعات معروفة ومحددة، والتي تتضمن الطوائف الباطنية المبتدعة، كالبهائية والقاديانية، والأحزاب المهرطقة كالشيوعيين والقوميين وأولئك الذين يدعون للفصل بين الدين والدولة (76). لا يذكر حوى بشكل صريح نظام الأسد أو المجتمع العلوي، ولكن لا يصعب استنتاج أن هؤلاء هم أعداؤه الرئيسيون. تمثل الأحزاب المنحرفة في قائمته الأوجه المختلفة للعلمانية القومية المهرطقة المستوحاة من الغرب، الذين يستبدلون الإسلام بعقيدة القومية. كما كانت البهائية والقاديانية هما الطائفتين الوحيدتين اللتين رفضتهم جماعة الإخوان منذ البداية ليكونوا جزءاً من إطار الإسلام، ويكرر حوى ببساطة رفضهم المعروف لهم (68). ولكن يعد رأس القائمة من أكثر الأعداء خطورة، ألا وهم الباطنية. يشير هذا المصطلح في التاريخ الإسلامي إلى الطائفة الإسماعيلية، بحكم تبنيها لتفسيرٍ باطنيٍّ للقرآن (69)، ولكن مع إضافة كلمة المبتدعة فإن حوى لا يحصر الباطنية في الإسماعيليين بل تشتمل الطوائف المنحرفة كالعلوية، والدروز بدرجة أقل، وفي الواقع السوري يعد العلويون وليس الإسماعيليون هم من يشكلون تهديداً كبيراً للإسلام، وقد تعززت عداوته نحوهم بعد خبرته كمعلم في مدينة الإسماعيليين في السلمية (70). وكي يحدد توجهه نحو العلوية يشير حوى إلى فتوى ابن تيمية، والتي وبالرغم من كونها موجهة لطائفة الإسماعيلية بشكل خاص لكن يمكن أن تنطبق – بحسب رأيه – على أي طائفة مماثلة لها في العالم الإسلامي. وبحسب هذه الفتوى فإن الجهاد ضد هذه الطائفة يعد أولويةً على قتال المشركين أو أهل الكتاب، بحكم انضواءها تحت فئة الجهاد ضد المرتدين (71). ومن وجهة نظر حوى، تعتبر سوريا حالةً فريدةً لدولة مسلمة تسيطر عليها حكومة باطنية مبتدعة، وفي هذه الحالة فإنه لا يرى مهرباً من المواجهة العنيفة، اذ ينبغي على الأغلبية السنية، وتحت قيادة الحركة الإسلامية، أن تشن حرباً غير مهادنة ضد نظام الأسد وضد السيطرة العلوية على سوريا.

ومع ذلك، وبعد التأسيس لفكرة ضرورة حدوث ثورة إسلامية في سوريا، كنموذج بارز على دولة محكومة بالردة، يشعر حوى بأنه مجبر على صياغة حدٍّ إضافي على الجهاد حتى في هذه الحالة. إن وجود تعريف فقهي لطبيعة النظام المرتد هو أمر ضروري من أجل شن الحرب عليه، ولكنه ليس أمراً كافياً لوحده، فينبغي أن يترافق ذلك مع حساب وتقييم واقعي لفرص نجاح مثل هذه الحرب. وهذا التحذير موجه بلا شك إلى مروان حديد وأتباعه، الذين يؤيدون المعارضة العنيفة للنظام مهما كلف ذلك. ومن وجهة نظر حوى فإن هذه الطريقة ستقود إلى كارثة للحركة الإسلامية، كما حدث مع إضطرابات حماة في عام 1964. يقول حوى بأننا نفخر بالشهادة، ولكننا حركة تهدف لإنقاذ المسلمين وليست حركة تستهدف الانتحار، فينبغي أن نحصِّل الاحتياطات الأمنية الكافية التي تأخذ في عين الاعتبار القوى المحلية والدولية الفاعلة في سوريا، كما ينبغي علينا التحرك بعقلانية بناء على هذه الرؤية وأن لا نخضع لعواطفنا (72). إن حوى ليس أقل حماسةً لطرد العلويين من حديد وأتباعه، ولكنه يعتقد بأن الصراع المتعقِّل والحذر هو وحده الكفيل بتحقيق الهدف المنشود. ويقول بأن جماعة الإخوان في سوريا لن تحظى بأي أملٍ في تأسيس دولة إسلامية طالما بقي المجتمع العلوي مسيطراً على الجيش، وهو حال سيديم الازدراء التقليدي الذي تكنه الغالبية السنية للمسؤولين العسكريين. ولقلب هذا الوضع، ينبغي على الجيل الأصغر أن ينضم للجهاز العسكري، فمن واجب الربانيين أن يغيروا هذا التوجه المضاد للجهاز العسكري، اذ ينبغي أن يغرسوا في الشباب الرغبة في التمرينات البدنية والتدريبات العسكرية، ليصبحوا خبراء تكنولوجيين قادرين على رفد التقدم الصناعي والعسكري، وينبغي تشجيعهم على القراءة في المجالات القتالية والاستراتيجية، وأن يتم توجيههم ليصبحوا جنوداً محترفين. وبالتالي سيتحصَّل أصحاب المواهب العسكرية والاستراتيجية على المهارات اللازمة لقيادة الحركة الإسلامية نحو النصر في الجهاد (73). وبلا شك، يكرر حوى نداء النموذج الرباني شيخه محمد الحامد في الخمسينات، والذي التزم معه بشكل شخصي على عكس غالبية مريديه (74).

لا يشكك حوى بصحة الجهاد من حيث المبدأ، ولكن الشروط الصعبة التي يضعها من أجل تطبيقها، ونفوره الواضح من إعلان الردة بشكل عام، كل ذلك يشير لا إلى ضرورة تأجيل الجهاد ضد الجاهلية فحسب بل ضد الردة أيضاً. وحتى في حالة متطرفة مثل سوريا، حيث تجلت الردة، فإن القيام بالتعليم على المدى الطويل مع سيطرة السنة على الجيش يعتبر متطلباَ لإعلان الجهاد، وهو أمر من الصعب أن يحدث في المستقبل المنظور.


الخلاصة


يعتبر فكر سعيد حوى الإحيائي جزءاً من مرحلة الصحوة، أي الصحوة الإسلامية في ظل أنظمة ما بعد الاستقلال الاستبدادية العسكرية. وهو يشترك مع المفكرين الإسلاميين المعاصرين له من ناحية رؤيتهم للحالة البائسة التي وصل لها الإسلام والحاجة لتقوية إيمان المسلمين في وجه الاتجاهات المبتدعة في الظرف الحديث. ولكنه يرفض الصيغة الراديكالية من الصحوة، والتي تجسَّدت في مفهوم قطب عن الجاهلية، حيث فضَّل مفهوماً أكثر دقة ومرونة وهو مفهوم الردة. وبنفس الطريقة، يوافق حوى على الأفكار الأساسية للسلفية، أي الأصولية الإسلامية التي تعتبر أن العودة إلى نموذج السلف هو الطريق نحو تحرير الإسلام من الهيمنة الغربية، ولكن يدين رفض الأصوليين للمذاهب الفقهية والطرق الصوفية. وتستقر رؤيته عن الإحياء الإسلامي في النهاية على تعاليم الطريقة النقشبندية المجددية، باعتبارها عنصراً أساسياً في التجديد، وبكونهم مجددي الإسلام من القرن السابع عشر وحتى التاسع عشر، والتي يعمل على تكييفها مع الظروف الحديثة. والمصطلح الذي يستعمله كمزيج لمسؤولية الصحوة والسلفية الصحيحة والتجديد الحديث هو "إحياء الربانية"، فالربانية هي نظام الفاعلية المستقيم الذي يتبع طريق السلف.

تعكس إحياء الربانية تحليل حوى للظروف الخاصة التي تعشيها الحركة الإسلامية في سوريا. ففي دولة مركزية كمصر عبد الناصر فإن الحركة الإسلامية محصورة بين الحرب الشاملة أو الإذعان. ولكن في دولة أقل تمركزاً مثل سوريا البعث ثمة مسار ثالث للجمعيات المحلية التي يمكن أن تتواجد مع النظام. فربانية حوى هي البديل السوري لكل من راديكالية الصحوة الخاصة بمروان حديد والسلفية المذعنة عملياً كما عند عصام العصار. فهي تنظيم متجذر يوحِّد الأطياف الواسعة من الطرق الصوفية وجميع القوى الإسلامية في البلاد. فقيادتها هي الهيكل الإسلامي الوحيد القادر على صياغة تقدير دقيق لواقع الإسلام، وبالتالي فهي الوحيدة المؤهلة لإعلان الردة. وباعتبارها تمثل قيادة روحية للحركة الإسلامية، ينبغي عليها أن توجه أعضاءها نحو مسار عملي عقلاني عندما يصبح الجهاد أمراً محتوماً.

إن انتفاضة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا والقمع الوحشي التي تعرضت له من نظام الأسد في عام 1982 تؤشِّر إلى فشل سعيد حوى كنموذج رباني. لقد كان تحليله للواقع السوري صحيحاً، ولكنه فشل في إقناع زملاءه بالحاجة للمزيد من التحضير وضبط النفس. وبلا شك، ثمة مجموعة من العوامل القوية التي أوصلت الجماعة في النصف الثاني من السبعينات إلى تبني مسار العنف: وهي مقتل مروان حديد في عام ، 1976ونجاح الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979، والمشاكل الحقيقة الموجودة في نظام الأسد خلال تلك المرحلة. ولكن كل ذلك لا يعفي حوى من مسؤوليته عن الكارثة، ففي النهاية، لم يكن مفهوم الردة بأقل راديكالية من مفهوم الجاهلية، بل قد يكون أكثر تطرفاً. فبالنسبة للمجاهدين الذين لم يكونوا يمتلكون الوقت والقدرة على اتباع صياغاته العلمية، لم يروا أي اختلاف بينه وبين حديد. لقد ساهم مفهوم الردة إلى سحب جماعة الإخوان في سوريا إلى الصراع المسلح، وما زال من غير الواضح ما إذا كان سيقنعهم الفشل بالسعي في الطريق الأطول ولكن الأكثر أماناً للربانية.

الهوامش


1) للمزيد حول السيرة الشخصية لحوى أنظر دراستي، "Sa’id Hawwa – The Making of a Radical Muslim Thinker in Modern Syria”, Middle Eastern Studies, Vol. 29, No. 4 (October 1993), p 601-623.
2) Emmanuel Sivan, Radical Islam: Medieval Theology and Modern Politics (New-Haven and London, 1985), p. 1-15.
3) سعيد حوى، من أجل خطوة إلى الأمام على طريق الجهاد المبارك، الطبعة الثانية. (1979)، ص 80-82.
4) سعيد حوى، جند الله ثقافةً وأخلاقاً، الطبعة الثانية (بيروت)، ص 5-9.
5) المصدر نفسه، ص 51-54.
6) حوى، من أجل خطوة، ص 129-130.
7) حوى، جند الله، ص 394-395.
8) سعيد حوى، جولات في الفقهين الكبير والأكبر أصولهما، الطبعة الثانية (عمان، 1981)، ص 8.
9) Bernard Lewis, The Political Language of Islam (Chicago and London, 1988), p. 85.
10) سيد قطب، معالم في الطريق، عدة طبعات.
11) انظرGilles Kepel, The Prophet and Pharaoh: Muslim Extremism in Egypt (London, 1985).
12) Lewis, Political Language, p. 85.
13) حوى، من أجل خطوة، ص 147-148.
14) حوى، جند الله، ص 8.
15) المصدر نفسه، ص 10-11.
16) Umar F. Abd-allah, The Islamic Struggle in Syria (Berkeley, 1983), p. 102-103.
17) H.A.R. Gibb, Modern Trends in Islam (New-York, 1972), p. 34-35.
18) كمثال على كاتب سلفي يرفض بشكل قاطع كل من المذاهب الفقهية والصوفية سنتناول سليم الهلالي، مؤلفات سعيد حوى: دراسة وتقويم (القاهرة، 1983). فبالنسبة للهلالي، التصوف هو عبارة عن بدعة لا أصل لها في القرآن والسنة، وهو يعتبر مصادر حوى الصوفية، خاصة الغزالي، كمصادر غير موثوقة، بحكم عدم خبرتهم في علم الحديث بحسب رأيه. بل يصل الأمر بالهلالي إلى الهجوم على فكرة القبول بالمذاهب باعتباره تقليداً أعمى لا يمتلك أي قاعدة في المصادر أو الموافقات مع الاجتهاد. كما يعتبر أن محاولة حوى لإثبات وجود الله من خلال اكتشافات العلم الحديث (في أول كتاب له، الله جل جلاله، الطبعة الثالثة [بيروت، 1981]) ما هي إلا مجرد كلام بالنسبة له. ويوضِّح الهلالي بأن النجاح الذي حققته الصوفية يعود نتيجة للتحايل على شريعة المذاهب، وهو ما أرهق عامة الناس. ويُعدُّ كتاب الإجابات لحوى (القاهرة، 1984) رداً على هذا الكتاب.
19) استعمل هنا تلاعباً لفظياً ليظهر جوهر طبيعة الجدال القائم حول من يجب أن يكون ضمن دائرة السلف.
20) حوى، جند الله، ص 117-118.
21) يستتند تحليل فكر رضا إلى Hamid Enayat , Modern Islamic Political Thought (London, 1986), p. 69-38; Albert Hourani, “Sufism and Modern Islam: Rashid Rida”, وللمؤلف نفسه انظر, The Emergence of the Modern Middle East (London, 1984), p. 90-102.
22) John O. Voll, Islam: Continuity and Change in the Modern World (Boulder, Colo., 1982) p. 33-86.
23) هذا يشكِّل جزءاً من تعريف حسن البنا للجماعة، وقد كان البنا ذاته صوفياً في صغره، ولكن يبدو أنه أصبح أكثر بعداً عن التصوف فيما بعد. انظر Richard P. Mitchell, The Society of the Muslim Brothers (London, 1969), p. 14.
24) حوى، جند الله، ص 17-20.
25) حوى، جولات، ص 119.
26) سعيد حوى، تربيتنا الروحية، الطبعة الثانية (عمان، 1981، ص 67.
27) نفس المصدر، يتردد كثيراً في الكتاب.
28) نفس المصدر، ص 68؛ انظر أيضاً نفس المصدر، ص 332-338.
29) سعيد حوى، المستخلص في تزكية النفس، الطبعة الرابعة (القاهرة، 1988)، ص 158.
30) حوى، تربيتنا، ص 170، 232.
31) نفس المصدر، ص 172.
32) حوى، جولات، ص 120.
33) نفس المصدر، ص 153-154.
34) حوى، جولات، ص 153-154. انتظمت هذه الحركات الصوفية كحركات جهادية (الإجابات، ص 118) أو حتى كحركات ثورية (تربيتنا، ص 9).
35) حوى، الإجابات، ص 117-118. انظر هجوم الهلالي على الغزالي في الهلالي، ص 36-39.
36) حوى، تربيتنا، ص 206.
37) سعيد حوى، في آفاق التعليم، الطبعة الثانية (عمان، 1981)، ص 58.
38) سعيد حوى، الإسلام، الطبعة الثالثة (بيروت، 1981)، ص 542.
39) Sivan, Radical Islam, p. 3-10.
40) جوى، جند الله، ص 59؛ انظر أيضاً Sivan, Radical Islam, p. 51-52.
41) سعيد حوى، دروس في العمل الإسلامي، الطبعة الثانية (القاهرة، 1983)، ص 126.
42) سعيد حوى، المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين، الطبعة الثانية (عمان، 1984)، ص 119-120.
43) حوى، الإسلام، ص 543، انظر أيضاً، فصول في الإمارة والأمير، الطبعة الثانية (الخليل، 1983)، ص 160-161.
44) سعيد حوى، هذه تجربتي... وهذه شهادتي (القاهرة، 1987)، ص 53.
45) المصدر نفسه، ص 53-54، انظر أيضاً محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة، تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري (دمشق، 1986)، ص 905-906.
46) سعيد حوى، إحياء الربانية (القاهرة، 1984)، ص 45-48.
47) سعيد حوى، مذكرات في منازل الصديقين والربانيين (القاهرة، 1986)، ص 29.
48) حوى، إحياء الربانية، ص 23-24.
49) المصدر نفسه، ص 6-8.
50) سعيد حوى، إجازة تخصص الدعاة (القاهرة، 1987)، ص 29-30.
51) حوى، إحياء الربانية، ص 15-16.
52) سعيد حوى، عقد القرن الخامس عشر الهجري (القاهرة، 1985)، ص 81-82.
53) حوى، إحياء الربانية، ص 49.
54) حوى، في منازل، ص 3.
55) Hamid Algar, “The Naqshbandi Order: A Preliminary Survey of its History and Significance", Studia Islamica, No. 44 (1976), p. 128.
56) Yohanan Friedmann, Shaykh Ahmad Sirhindi (Montreal and London, 1971), p. 1; Algar, p. 142-145.
57) حوى، إحياء الربانية، ص 49.
58) المصدر نفسه.
59) Frederick de Jong, "The Naqshbandiyya in Egypt and Syria: Aspects of its History, and Observations Concerning its Present Day Condition" in Marc Gaborieau, Alexandre Popovic and Thierry Zarcone ( eds.), Naqshbandis( Istanbul and Paris, 1990), p. 600.
60) حوى، جند الله، ص 380.
61) Lewis, Political Language, p. 84.
62) حوى، المصدر نفسه، ص 388-389.
63) المصدر نفسه، ص 32.
64) حوى في آفاق التعليم، ص 3؛ تختلف محاججته: في الحاجة إلى أخذ الرأي العام بعين الاعتبار، والتي تعارض اليوم أي تدخل في شؤون الدول الأخرى.
65) حوى، جند الله، ص 46، 380.
66) المصدر نفسه، ص 391.
67) المصدر نفسه، ص 386.
68) للمزيد حول موقف البنا، انظر Mitchell, The Muslim Brothers, p. 217.
69) Gustave E . von Grunebaum, Medieval Islam: A Study in Cultural Orientation, 2nd ed. (Chicago, 1961), p. 197-198.
70) حوى، هذه تجربتي، ص 58.
71) حوى، جند الله، ص 387؛ والنص بأكمله موجود في عبد الله الحسيني، الجذور الترايخية للنصيرية والعلوية (القاهرة، 1980)، ص 27-51، خاصة في ص 49.
72) حوى، العمل الإسلامي، ص 93-95.
73) حوى، جند الله، ص 46.
74) حوى، هذه تجربتي، ص 28.

المصدر:

حمزة ياسين
طالب ماجستير في قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، كاتب وباحث مهتم في قضايا الفكر والدين والمجتمع والسياسة، له مقالات وأوراق منشورة في صحف ومجلات إلكترونية.
اسحق وايزمان

بروفيسور الدراسات الإسلامية في جامعة حيفا، يركز في اهتماماته على دراسة تاريخ الحركات الإسلامية والصوفية في الشرق الأوسط وجنوب اسيا. صدرت له عدد من الكتب حول سوريا مثل " مذاق الحداثة: الصوفية والسلفية والعروبة في دمشق أواخر الفترة العثمانية"، " عبد الرحمن الكواكبي: الإصلاح الإسلامي والنهضة العربية".

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.