لعلّ أكبر نقدٍ ارتكزَ عليه المنظّرون المبرّزون ما بعد الكولونياليين في نقد المعرفة المصنوعة عن الشرق، سواء أكان ذلك عن طريق نقد السياسات الغربيّة تجاه الشرق كحيّز جغرافيّ، أو تجاه الاستشراق وما صنعه من معرفةٍ عن الشرق الأخلاقيّ وعقله المُشكِّل والمُشكَّل، هو ركيزة نقد "التمثيل" الحديث.
ثانياً: جدل القانون والفتوى في عصر علمانيّ أو في أنثربولوجيا القانون
سنحاول من خلال كتاب”مُسَاءَلةُ العَلمَانيّة: الإسلام والسيادة وحكم القانون في مصر الحديثة”[1] استكشاف معالم تساؤل علاقة الدين بالسياسة: أين تكمن مناطات الاتصال والانفصال، وما الذي يعنيه أن تستمر الشريعة في حضورها في عصر علماني، ولماذا للفتوى كل هذه الحظوة في مجتمع كالمجتمع المصريّ قد قطع شوطاً كبيراً نحو التحديث السياسي والاجتماعي؟ وكيف سيتفاعل القانون الحديث مع روح شعب ونظامه العام مستمد من مرجعية ما قبل حديثة.
١- ما الذي يعنيه أن نفكر في زمنٍ ما بعد كولونياليّ؟ أو في يقظة اللامرئيّ
يفتتح إدوارد سعيد كتابه الاستشراق باقتباس هام من ماركس يلخص موضوع الدراسات ما بعد الكولونيالية: ”لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، ولا بد أن يمثلهم أحد”[1] .ما الذي يفترضه درس الاستشراق؟ ببساطة، إنه يفترض أنه أمام مجال بلا هوية، ولذلك فإن مهمته إعادة ترتيب ذوات وممارسات تلك المجتمعات اللاغربية لتتوائم ونظرته وممارساته الجديدة للعالم. فهو يرفع من ذاته لمصاف الكوني ويريد من كل خارج عنه قياس ذاته وفق ذلك الكتالوج الكوني الذي يؤطره ليستطيع تمثيل نفسه في العالم.
في سبتمبر الماضي، كانت الذكرى الرابعة عشر لرحيل المفكر الكبير إدوارد سعيد صاحب الكتاب المهمّ، وسفره الأضخم الاستشراق الذي ربط اسمه بحقل من الدراسات الثقافيّة المهتمّ بدراسة الاستشراق والاستعمار ونقد الحداثة، والذي ما زالت بصمته عليها حتى الآن.