اللاجئون السوريون في ألمانيا وسياسات اللجوء الحكومية

06 آب/أغسطس 2016
 
توصلت الأحزاب الألمانية الرئيسة، خلال شهر نيسان الماضي، لاتفاق يقضي بإصدار قانون جديد يسعى لتنظيم وتسريع إدماج الوافدين الجدد إليها، وأسمته قانون الاندماج. يعد هذا القانون الذي سيتم تمريره في البرلمان هذا العام، الأول من نوعه في تاريخ ألمانيا الاتحادية.
فالألمان عموما لم يكونوا يعدون بلدهم كدولةٍ مستقبلة للمهاجرين مثل كندا وأمريكا أو حتى كبريطانيا وفرنسا. ورغم احتفال المانيا فيما مضى في خمسينيات القرن الماضي بدخول العامل التركي رقم مليون إليها، إلا أنها أسمتهم العمال الضيوف. أي أنهم جاؤوا كي يساهموا في إعادة إعمار ألمانيا بعد الدمار الذي لحقها خلال الحرب العالمية الثانية لقاء عائدٍ مادي متفق عليه، ثم عليهم المغادرة والعودة إلى أوطانهم بعد ذلك. وهو الأمر الذي لم يحدث على نطاق واسع، مما أدى إلى العديد من الآثار التي لم تتوقعها الحكومات الألمانية آنذاك، مثل ظهور المجتمعات الموازية والأجيال الجديدة التي لا تتقن اللغة الألمانية.

ولعل تجربة التعامل الحكومي مع العمال الأتراك فيما مضى هي أحد الأسباب التي دفعت الحكومة الألمانية اليوم لاستصدار قانون الإندماج اليوم، كي لا تتكرر أخطاء الماضي مع الأعداد الضخمة من اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا هذه الأيام.

ففي عام ٢٠١٥ قامت ألمانيا باستقبال أكثر من مليون ومئة ألف لاجئ. حوالي ربعهم من السوريين. الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن التبعات التي سيتركها استقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين. فهناك مخاوف لدى المحافظين من ضياع الهوية والثقافة الألمانية في مجتمع متعدد الثقافات. في حين لدى البعض مخاوف أمنية من احتمال وجود متطرفين وإرهابيين ضمن هذه الجموع. بينما أغلب الشرائح ضعيفة الدخل ومتدنية المهارات والتعليم ترى فيهم منافسين محتملين يقاسمونهم الموارد والفرص. أما أصحاب الشركات والاعمال فيرون فيهم فرصة لتوفير اليد العاملة المدربة التي تحتاجها ماكينة الصناعة الالمانية الضخمة.

وعلى الرغم من خروج الالمان بالآلاف في مظاهرات ترحيب لاستقبال اللاجئين في بدايات عام ٢٠١٥، إلا أن العام لم يصل إلى نهايته حتى تحول قدوم اللاجئين إلى ألمانيا إلى "أزمة" أدت لخلق انقسامات واسعة واستقطابات حادة في المجتمع الألماني، وداخل الأحزاب الرئيسية. والجدير بالذكر أن الانقسامات وصلت إلى داخل التحالف الحاكم نفسه، حيث هدد رئيس وزراء ولاية بايرن هورست زيهوفر من حزب التحالف المسيحي الاشتراكي برفع قضية لدى المحكمة الدستورية العليا ضد سياسات الحكومة المركزية التي تترأسها أنجيلا ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، على الرغم من أن الحزبين هما شركاء في الحكم والسلطة. أما ماكس شتراوبينغر، وهو أحد السياسيين من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، فقد طالب بإعادة السوريين إلى بلادهم. أما المنافس التقليدي لميركل وحزبها، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فقد كان يؤيد في المجمل سياسات الحكومة في قضية اللجوء أكثر من بعض قيادات حزبها الديمقراطي المسيحي.

 

 
هناك أيضاً خلاف شديد بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع أسوأ أزمة هجرة عرفتها القارة منذ الحرب العالمية الثانية، وخاصة بين الدول الحدودية المستقبلة للاجئين وتلك التي تعد وجهتهم النهائية مثل ألمانيا وهولندا والدول الاسكندنافية. ففي حين تُطالب إيطاليا بإنشاء صندوق لتمويل مشاريع في أفريقيا، طالبت النمسا بإيقاف العمل باتفاقية شينغن في بعض مناطق ومعابر الاتحاد الأوروبي.

ويمكن كذلك رصد زيادة ملحوظة للمشاعر المعادية للمهاجرين في أوروبا، حتى في الدول التي عُرفت تقليدياً بمساعدتها السخية لطالبي اللجوء. فجميع الإحصاءات تؤكد تزايد نسب الاعتداء على مراكز اللجوء وعلى المساجد والأجانب في الدانمارك والسويد والنمسا وكذلك في ألمانيا. ففي النمسا مثلاً ذكر التقرير الصادر عن جهاز المخابرات الداخلية أن السلطات وجهت اتهامات في نحو 1690 قضية لها علاقة بالتطرف اليميني العام الماضي وهو أكبر عدد من هذه القضايا حتى الآن خلال عام واحد ويقارن مع 1200 قضية في العام 2014. على الرغم من ان النمسا تلقت أقل من مئة ألف طلب لجوء خلال عام ٢٠١٥.

كما تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب البديل من أجل ألمانيا، المعروف بعداءه الشديد للإسلام وللمهاجرين، أصبح يتمتع بدعم 14 في المئة من الناخبين الألمان، الأمر الذي بات يشكل تحديا جديا للمحافظين بقيادة ميركل وغيرهم من الأحزاب السياسية القديمة قبل استحقاق الانتخابات الاتحادية في 2017. في حين أظهر استطلاع آخر للرأي تم اعداده بتكليف من وكالة الأنباء الألمانية أن 51 في المئة من الألمان يرون أنه يجب حظر ارتداء الحجاب في المدارس.
 
أما من الناحية التقنية فإن أزمة اللاجئين شكلت ضغطاً هائلاً على البنية التحتية للبيروقراطية الألمانية. فعلى سبيل المثال صرح فرانك يورغن فايسه رئيس مكتب الهجرة واللاجئين في ألمانيا في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني بأن عدد الملتحقين بدورات الإندماج في عام ٢٠١٥ بلغ ١٨٠ ألف شخصاً، في حين سيلتحق ٥٥٠ ألف طالب بهذه الدورات في عام ٢٠١٦. هذا في الوقت الذي تواجه فيه المكاتب الحكومية نقصاً كبيراً في عدد المدرسين للغة الألمانية والمترجمين والموظفين في مكاتب اللجوء.
 
ولعل من حسن حظ اللاجئين أن الاقتصاد الألماني يمر في حالة جيدة جداً مقارنةً بالدول الأوروبية المحيطة، حيث تشهد ألمانيا هذا العام أقل نسبة عاطلين عن العمل خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية، الأمر الذي سهلَ للحكومة مواجهة هذه المصاريف المالية الضخمة. لهذا، حاول وزير الاقتصاد الالماني سيغمار غابرييل بعث رسالة تطمين لدافعين الضرائب حين صرح بأنه " لن يتم تغطية هذه المصاريف من ضرائب جديدة، فالاقتصاد الألماني قوي وقادر على تجاوز هذا التحدي"[1]. وفي سبتمبر أيلول الماضي قالت وزيرة العمل الألمانية أندريا ناليس إن دمج اللاجئين سيؤدي إلى تكاليف إضافية لميزانية وزارتها تتراوح بين 1.8 و3.3 مليار يورو. إلا أن الحكومة الالمانية صرحت بأنها ستستخدم فائض الميزانية المتوقع لسداد تكاليف إيواء اللاجئين.
 
يمكن النظر إلى قانون الاندماج الألماني على أنه جاء ضمن حزمة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل رأب الصدع داخل التحالف الحاكم من جهة، ومن أجل تجنب المزيد من انزلاق المزاج العام تجاه العداء للأجانب واللاجئين من جهة أخرى. حيث قامت الحكومة الالمانية بتوقيع تفاهمات مع نظيرتها التركية للحد من موجات اللاجئين تجاه أوروبا، كما قامت تقريباً بإغلاق خط البلقان عبر اليونان إلى ألمانيا. عدا عن تحديدها للعديد من الدول كدول آمنة بحيث يمكن إعادة اللاجئين منها إليها كالمغرب والجزائر وألبانيا ومقدونيا. ويُضاف إلى ذلك تعقيد إجراءات لم الشمل بشكل عام، وخاصة للأطفال والقُصَّر الذين يصلون إلى اوروبا لوحدهم ويعملون بعدها على استجلاب أهلهم عن طريق قانون لم الشمل. حيث تقدر أعداد هذه الشريحة بتسعين ألف طلب لجوء في أوروبا في الـ ٢٠١٥ أغلبهم في ألمانيا.
 
 
ينص قانون الإندماج بشكل أساسي على التسامح وقبول الثقافات الأخرى، كما أنه ينص على ضرورة احترام القوانين والعادات السائدة في المجتمع الألماني. ويؤكد كذلك على ضرورة تعلم اللغة الالمانية للوافدين الجدد وربط حصولهم على المساعدات الاجتماعية والمالية بمشاركتهم في دورات الاندماج. كما ينص على ضرورة تأهيلهم لسوق العمل كي يكونوا أعضاء ومواطنين منتجين وفاعلين. حيث تؤمن الحكومة فترة تتراوح ما بين سنتين إلى ثلاثة سنوات من أجل تعلم اللغة الالمانية ومن أجل اكتساب المؤهلات اللازمة للدخول في سوق العمل الذي ينتظرهم. ففي مقابلة أجرتها صحيفة الشبيغل[2] مع "يانينا كوغل" عضو مجلس إدارة شركة سيمنس الالمانية ومسؤولة شؤون العمال فيها، والذين يبلغ عددهم ٣٤٠ ألف موظف، أجابت على سؤال "هل تحتاج ألمانيا مهاجرين؟" بما يلي: "حتى عام ٢٠٣٠ سيعاني سوق العمل الألمانية من نقص في الكفاءات المؤهلة يقع ما بين مليونين وسبعة ملايين شخص مؤهل حسب طريقة ومنهجية تصنيف الكفاءة والتأهيل. في جميع الأحول سينعكس ذلك على الاقتصاد الألماني بتناقص في الدخل القومي يُقدر بعدة مئات من المليارات". وأضافت قائلةً: "ألمانيا بحاجة إلى حزمة تشريعات تسهل دخول الكفاءات إلى ألمانيا". مع العلم أن نسب اللاجئين من العراق أو من كوسوفو على سبيل المثال الذين تحولوا إلى قوة عمل تُعد محدودة، باستثناء الكفاءات الأكاديمية واصحاب الاختصاصات النادرة. إلا أن تعويل السياسات الحكومية يتجه عادة لإدماج أولاد اللاجئين في المجتمع وفي سوق العمل على المدى المتوسط والبعيد.

كما تجدر الإشارة إلى أن تجربة الحكومات الالمانية مع اللاجئين من البوسنة والهرسك تظهر أن نسبة العائدين لبلادهم بعد توقف الحرب لم تتجاوز الـ ١٥ بالمئة. وبالتالي فحتى البعض من اللاجئين العائدين إلى بلادهم بعد انتهاء الحرب سيشكلون جسراً للتواصل والتعاون الاقتصادي بين بلادهم وألمانيا، فمن الطبيعي أن يستوردوا لبلادهم التكنولوجيا والآلات والمعرفة الالمانية التي تعلموها وتعودوا عليها. لذلك فإن قانون الاندماج ليس مجرد تجاوب مع أزمة اللاجئين ومحاولة لتجنب انعكاساتها السلبية، بل إنه أيضا خطوة نحو المستقبل من أجل تأمين اليد العاملة والكفاءات والعلاقات التجارية التي يحتاجها الاقتصاد الألماني للمحافظة على دوره الريادي في الاقتصاد العالمي.

رغم سوداوية الظروف التي أوصلت السوريين والعراقيين وغيرهم من العرب والمسلمين من بلدانهم المنكوبة إلى ألمانيا وغيرها من دول الاتحاد الاوروبي، إلا أنه هذه الظروف قد تحمل أيضاً فرصةً ونافذة أمل. فمن المعول عليه أن يعود بعض هؤلاء اللاجئين لبلادهم بعد توقف الحرب، كي يشاركوا في إعادة إعمار بلادهم بعدما اكتسبوا مهارات وخبرات جديدة لم يكونا ليحصلوا عليها لولا تلك الظروف. وربما يشكل هؤلاء اللاجئون أو أولادهم جسراً للتقارب الحضاري والثقافي بين الشعوب على ضفتي المتوسط، بما يسمح بطي صفحة العداء التاريخي الذي طبع تاريخ المنطقة لقرون عديدة.

المراجع:

[2] العدد ٣٥ لعام ٢٠١٥ الصفحات ٦٢ و٦٣

SaveSaveSaveSaveSaveSave

غياث بلال

باحث سوري، مقيم في ألمانيا منذ سنوات عديدة، يعمل في إدارة المشاريع وتطوير بيئات العمل في شركة سيمنز العالمية. كما يهتم بدراسة الظواهر الاجتماعية ومحاولة تحليلها. يكتب في عدد من المواقع والصحف العربية مثل موقع الجزيرة نت.

تعليقات

  • محمد صالح أبو الحمايل محمد صالح أبو الحمايل السبت، 06 آب/أغسطس 2016

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.