جيل كيبل مفككاً "الثورة الثقافية" للجيل الثالث من الجهاديين

21 نيسان/أبريل 2017
 
من كان يتخيل أن يأتي اليوم الذي يُصبح فيه الإسلام، ضيفاً قاراً على أغلب الندوات السياسية والفكرية في المجال التداولي الفرنسي؟ ومن كان يتوقع أن يُصدر أبرز مرشح سياسي للفوز بكرسي الرئاسة الفرنسية في غضون العام الجاري، اليميني فرانسوا فيون، كتاباً بعنوان فرعي يُحيل على مواجهة "الشمولية الإسلاموية"[1].
ولئن كانت النخبة السياسية هناك تملك هذه الشهية المفتوحة في التعامل مع الإسلام والمسلمين، فأن تكون ذات الشهية مفتوحة لدى النخبة البحثية أولى، بله النخبة الإعلامية، وهذا عين ما نعاينه منذ بضع سنين. ومؤخراً تم افتتاح أهم الإصدارات النوعية ذات الصلة بواقع الأقلية المسلمة، ومعها الجالية العربية، بكتاب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود، الذي جاء بعنوان: "من هو شارلي؟  سوسيولوجية أزمة دينية"[2]، هذا دون الحديث عن لائحة من المجلات الفكرية والثقافية، شهرية أو أسبوعية، نوعية أو متواضعة، أصبحت تتعامل مع الإسلام باعتباره مادة إعلامية للاستهلاك الفكري أو الإعلامي، وفي هذا السياق، كان دالاً، أن تخصص مجلة "روح" [Esprit] الشهرية، وهي إحدى أهم المجلات الفكرية في المجال التداولي الفرنسي، حوالي نصف أعداد العام 2016 لمواضع ذات صلة بالإسلام (الدين، الجالية، الظاهرة الإسلامية الحركية.. إلخ).
ويُعاين المتتبع إذن نقاشات بحثية، وتبايناً كبيراً في وجهات النظر، بخصوص التعامل مع الحضور الإسلامي، وخاصة الظاهرة الإسلامية "الجهادية" [أو القتالية]، بالصيغة التي تلخصها بشكل كبير المواقف المتباينة لثلاثة من أهم الأسماء التي اشتغلت على الظاهرة: أوليفيه روا، فرانسوا بورغا، جيل كيبل، هذا دون الحديث عن أسماء أخرى، بعيدة عن الخوض في الموضوع، ولكنها أدلت بدورها بآراء في الموضوع، قد يكون أبرزها، الفيلسوف ميشيل أنفريه، والذي صدرت له عدة أعمال في هذا السياق، نذكر منها على الخصوص كتابه "التفكير في الإسلام"[3].
يظهر هذا التباين في تناول الظاهرة الجهادية من خلال صدور أعمال جديدة للثلاثي سالف الذكر، ونذكر منها بالتحديد المؤلفات التالية:
1 ــ "الجهاد والموت" لأوليفيه روا[4].
2 ــ "فهم الإسلام السياسي" لفرانسوا بورغا[5].
3 ــ "الهوة" لجيل كيبل[6]، وهو الكتاب الذي نتوقف عند بعض مضامينه في هذه المقالة.
كتاب كيبل أشبه بجرس إنذار موجه إلى صناع القرار بخصوص عدة قضايا، منها تدبير الاختلاف بين النخبة السياسية على هامش التعامل مع الجالية العربية والأقلية المسلمة؛ ومنها أيضاً، تمرير بعض "المفاتيح" بخصوص قراءة الظاهرة "الجهادية"؛ ومنها أخيراً، مناقشة اجتهادات أوليفيه روا في معرض الظفر بأسباب الاعتداءات الإرهابية التي طالت الساحة الفرنسية خلال السنين الأخيرة، ولو أنه لم يرتحل كثيراً في معرض هذه المناقشة، حيث جاء العمل مُوزعاً على مقدمة وثلاثة محاور: محور أول عبارة عن جرد سياسي واجتماعي وديني لما وصلت إليه فرنسا خلال السنين الأخيرة، في تعاملها مع الإسلام ومعها الحركات الإسلامية الحركية، ثم محور ثاني، يتضمن تجميعاً لسلسلة مقالات وحوارات للكاتب، أجرت معه في شتى بقاع العالم، أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط ــ توقف الكتاب فيها عند علاقات صداقة تجمعه بمقربين من صناعة القرار في السعودية وإيران ــ على هامش الإدلاء بآرائه بخصوص تلك الأحداث، وأخيراً، محور ثالث، عبارة عن خاتمة مطولة، تكاد تكون موجهة للباحثين والمتتبعين، ولعلّ أهم رسائل المؤلف في هذا السياق، إشارته إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، قد تمكن من تحقيق هدف هام في المجال الأوروبي، بأن جعل الشباب المسلم في فرنسا، أشبه بحصان طروادة، وخاصة الشباب ذي الأصول المغاربية والإفريقية، ويُضيف معهم "المعتنقين الجدد"، من الرجال والنساء، ممن اعتنقوا الإسلام عبر البوابة "الجهادية"، فكانت النتيجة، ولادة "آلاف من جنود الله"، تشتغل في إطار "مجرة جهادية".
"حِبر العالِم، خير من دم الشهيد"، هي الجملة التي افتتح بها الكاتب عمله، نقلاً عن أثر نبوي، وهي جملة دالة في سياق الموضوع الشائك الذي يتطرق إليه جيل كيبل، أي تطرف شباب الجالية العربية والأقلية المسلمة في أوروبا، من خلال الحالة الفرنسية، بحكم أن فرنسا تضم أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، بعدد يُناهز ستة ملايين مسلم.
 
الطبيعة الإسلامية لا تقبل الفراغ الهوياتي
يرى جيل كيبل أنه سواء تعلق الأمر بالفاعلين السياسيين أو الأمنيين، والإدارة الترابية بشكل عام، فإنهم يملكون المعلومة، ويراقبون الكل، ومتابعون لأغلب الفاعلين الإسلاميين، ولكنهم يفتقدون مَلكة التحليل والتفسير، وهذا عطب بنيوي يُعاني منه هؤلاء، وربما يقف وراء هذا الكم من مؤلفات الكاتب، وغيره من الباحثين هناك في المجال التداولي الفرنسي. (ص 54)، مضيفاً أنه لا يمكن محاربة الفكر "الجهادي" دون معرفة أسبابه (ص 55)، وهذه إشارة تزكيها مواقف العديد من صناع القرار السياسي والأمني هناك، كما نعاينها قبل وبعد صدور هذا الكتاب، وتترجم ما يُشبه الحيرة النظرية بله العلمية، في التعامل مع حضور الإسلام بشكل عام، في شقه الثقافي والرسمي (عبر المؤسسات الممثلة للمسلمين أمام الإدارة الفرنسية، من قبيل "المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية")، أو الظاهرة الإسلامية الحركية. (ص 54)، ويضيف في مقام آخر، أن معرفة صناع القرار بالجهاز المفاهيمي للظاهرة الداعشية تبقى كارثية. (ص 89).

جنود فرنسيون في أحد شوراع مرسيليا

كما انتقد المؤلف التهميش الذي طال أعمال محمد أركون، وإلى غياب الباحثين الفرنسيين الذين يشتغلون على التطورات المجتمعية في الساحة الفرنسية[7]، ذات الصلة بالوجود الإسلامي، ممن "شدوا الرحال إما إلى بريطانيا أو الولايات المتحدة. وبالنتيجة، لقد فقدنا آليات فهم التحولات التي تطال المجتمعات الأوروبية وخاصة في الأحياء الشعبية التي تضم أغلبية مسلمة". (ص 90)، فكانت التبعات المباشرة بهذه التحولات، أن أصبح شباب الجالية العربية والأقلية المسلمة، محاصراً بفكي "التدين السلفي" و"الخطاب السياسي اليميني"، خاصة خطاب حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتشدد (ص 93)، اذ يمكن ملاحظة هجرة للصوت الإسلامي نحو أحزاب اليمين، ولعل ما يغذي هذه الهجرة وفقاً لكيبل، تفاعل الصوت الإسلامي مع بعض الأصوات الإعلامية الفنية التي تنهل من عقل المؤامرة، وخصّ بالذكر، الباحث آلان سورال، والكوميدي الساخر ديودوني.
استشهد كيبل أيضاً بخلاصات دراسة سابقة له، وجاءت بعنوان: "93"، والتي خَلُصت حينها إلى تراجع تأثير المؤسسات الدينية التابعة للدول المغاربية مقارنة مع تصاعد المد السلفي في الساحة الفرنسية، بما يتطلب إعادة النظر في وظيفة وأداء تلك المؤسسات، من طرف صانعي القرار، ابتداءً من هجرة الأحزاب اليسارية وخاصة الشيوعية، وهي الهجرة التي تركت الساحة للفراغ، الذي استغلته التيارات الإسلامية، وبالتحديد الفراغ المؤسّس لخطر "التقوقع الهوياتي"، سواء عبر تيار الدعوة والتبليغ أو عبر التيار السلفي، وإذا كانت الأوضاع مع التيار التبليغي قابلة للتعديل وتحت المراقبة بشكل أو بآخر، خاصة بسبب رهان خطابهم على أخذ مسافة من الخوض في القضايا السياسية، ونبذهم اللجوء إلى العنف، فإن الأمر مختلف مع التيار السلفي ــ حسب المؤلف ــ الذي تروج أدبياته إلى ضرورة "الهجرة من الدول الكافرة"، معتبراً أن ولاء الرموز السلفية في فرنسا، لازال مرتبطاً بمؤسسات العلماء في السعودية، مؤاخذاً على رموز وقواعد التيار تصلّب خطابهم العقدي، ورفضهم الاندماج في المجتمع الفرنسي ولو على الطريقة المغاربية[8]،ومعتبراً أن أهم القنوات التي يتم عبرها تمرير المشروع السلفي بشكل مكثف، لا تخرج على الفضائيات السلفية ومواقع الإنترنت.
 
الثورة الثقافية للجيل الثالث من "الجهاديين"
يقصد المؤلف بـ “الثورة الثقافية للجيل الثالث من الجهاديين"، ظاهرة جديدة ذات صلة بالعمل "الجهادي"، يُميزها، على سبيل المثال، توظيف أبناء المنطقة المعنية بالاعتداء في تنفيذ هذه الاعتداءات، وهذا ما عايناه في عدة حالات أوروبية خلال السنين الأخيرة، لعل أبرزها حالة الشاب مراح في جنوب فرنسا.
من مميزات الظاهرة كذلك، أنه بخلاف السائد سلفاً مع تنظيم "القاعدة"، الخاضع لتراتبية هرمية يقودها أسامة بن لادن، نحن اليوم أمام منظومة تترك "للجهادي" في المنطقة المستهدفة، حرية المبادرة، حسب الظروف المتاحة والإمكانات المتوفرة؛ كما أن هذا الجيل الجديد من "الجهادية"، يستهدف أكثر دول القارة الأوروبية، بخلاف جيل تنظيم "القاعدة" الذي صبّ اهتمامه الأكبر على أمريكا، بالصيغة التي جسدتها على أرض الواقع اعتداءات 11 سبتمبر 2001. (ص 56)
هدف هذا الجيل الجديد من الإرهاب مزدوج حسب المؤلف: "زرع الرعب لدى العدو واستقطاب المتعاطفين" (ص 113)، سواء تعلق الأمر بـ"استقطاب المتعاطفين في جاكارتا أو إستنبول أو واغادوغو في بوركينا فاسو" (ص 117)، مضيفاً أن هذه الاستراتيجية تحيلنا على ما كانت تقوم به الجماعات "الجهادية" في الجزائر [GIA]، في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتنظيم "القاعدة" لاحقاً، وانتهت بالأفول، لأنها كانت استراتيجية فاشلة، لاعتبارات عدة، أقلها "وحشية المجازر التي ارتكبتها، فكانت النتيجة فقدان تعاطف الرأي العام بله تعاطف النخبة السياسية". (ص 193)، ويُلاحظ أن هذه الجزئية تتقاطع كلياً مع بعض خلاصات وثيقة "مُختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر"[9]، التي حرّرها عمر عبد الحكيم الملقب بـ “أبو مصعب السوري"، وهو أحد أهم مُنظري العمل الإسلامي الحركي في شقه "الجهادي"، خاصة أنه محرّر موسوعة "المقاومة الإسلامية العالمية" التي جاءت في أكثر من 1600 صفحة، وتعتبر من أهم المراجع المعتمدة والمؤثرة في العمل الإسلامي "الجهادي"، كما أنه اشتهر بالجمع بين العمل الميداني والعمل النظري[10] لدى المشاريع الإسلامية "الجهادية".

صورة لأبي مصعب السوري مع أسامة بن لادن

مرجعية عمر عبد الحكيم، وتأثيره على الجيل الثالث من "الجهاديين" في أوروبا، ممن شد بعضهم الرحال إلى الديار السورية للقتال إلى جانب تنظيم/ مشروع "داعش"، كانت حاضرة في كتاب كيبل، إلى درجة أنها كانت أشبه بلازمة [11]، من فرط التوقف عند هذه الوثيقة المرجعية لدى المشاريع "الجهادية"، وقد توقف المؤلف أيضاً عند وثيقة "إدارة التوحش" لأبي بكر ناجي، لكن دون تفصيل أو تدقيق مقارنة مع الإشارات التي طالت وثيقة "المقاومة الإسلامية العالمية".
الجديد في وقفات كيبل مع وثيقة "المقاومة الإسلامية العالمية"، الصادرة في غضون سنة 2005، يكمن في إشارة كيبل إلى بداية تفاعل شباب الجالية العربية والأقلية المسلمة في فرنسا مع الوثيقة، من خلال ترجمتها التي تمت في العام 2008، وكان على الباحثين والمتتبعين انتظار بضع سنوات، حتى نعاين ولادة ما اصطلح عليه في العمل بـ “الاقتصاد السياسي للرعب"، ويقصد بذلك أن "الإرهاب يشتغل انطلاقاً من اقتصاد سياسي، إذا غاب عنه الفعل، غابت عنه الفعالية، وبالتالي يتعرض للأفول". (ص 56)، وهذه بعض الأعطاب البنيوية للمشاريع الإسلامية "الجهادية" التي قد تكون ذات كفاءة عالية في تنفيذ الاعتداءات، ولكنها ذات كفاءة متواضعة وغير مؤهلة في البناء والتأسيس، سواء تعلق الأمر ببناء الوطن أو الدولة، بل الأمة.
 
الحنين للنزعة الاستشراقية
رغم إقرار المؤلف بإقامة علاقات وطيدة مع مقربين في صناعة القرار في منطقة الشرق الأوسط، وخصّ بالذكر السعودية وإيران، وتذكيره القارئ (الغربي و"الشرقي" [بإيحاءات الراحل إدوارد سعيد])، إلا أنه لم يسلم من الكشف عن نزعة استشراقية خفية، وتحديداً في الصفحة 86، عندما وجه الدعوة لصناع القرار والباحثين ومختبرات الأبحاث إلى ضرورة فهم مُعمق للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، عبر التمكن من لغات المنطقة، وأدوات التاريخ والأنثروبولوجيا، حتى لا نسقط في التخبط الذي عايناه أثناء التفاعل مع أحداث "الثورات العربيةّ"، والتي اختزلها بعض النقاد عبر استحضار مفهوم "صدام الحضارات" لصامويل هنتنغتون،  كما لو أننا إزاء خطاب بحثي استشراقي ومتهالك، في زمن أدب "ما بعد الاستعمار"، وما بعد سقوط جدار برلين، والتحذير من أفول الحضارة الغربية، كما جاء في مضامين أحدث أعمال الفيلسوف ميشيل أنفريه[12].
 
"اختطاف الإسلام الفرنسي"
توقف المؤلف أيضاً عند بعض معالم الحضور الإسلامي الحركي في الديار الفرنسية، مؤاخذاً على هؤلاء ملأ الفراغات وتوظيف كل ما هو صالح للتوظيف، قصد خدمة مشروع الجماعة[13]، باسم خدمة الجالية العربية والأقلية الإسلامية، ومن ذلك، الركوب على ملف "الإسلاموفوبيا" التي أصبحت، حسب الكاتب، "العُلبة السوداء" في فرنسا، من كثرة التوظيفات وتبادل الاتهامات، بحيث أصبح شعار العديد من الفعاليات السياسية والإعلامية الفرنسية بلْه الأمنية، الضغط على الباحثين الفرنسيين بعدم الخوض في الموضوع، وعدم توجيه الانتقادات ضد المسلمين، حتى لا تتم تغذية الخطاب الإسلامي المتشدد، وخاصة الخطاب السلفي، وهنا يستشهد الكاتب بعدة أسماء كان مصيرها التكفير، وفي مقدمتها الكاتب الجزائري كمال داود. (ص 134)
"اختطاف الإسلام" الفرنسي، يتم حسب المؤلف عبر التمويلات التي تنالها المؤسسات الإسلامية والجمعيات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني في فرنسا، ومصدرها بعض دول الخليج العربي (ص 141)، فكانت النتيجة، على غرار السائد في الساحة العربية مثلاً، إحداث نوع من القطيعة مع "الإسلام الثقافي" أو الموروث الثقافي، "ليس مع المجتمعات الأوروبية وحسب، لأنها عَلمانية وديمقراطية وتنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولكن مع المجتمعات المسلمة برمتها، ففي المغربي العربي أو تركيا، نعاين تقاليد مالكية وحنفية قديمة، منخرطة في نوع من المصالحة مع الحداثة، عبر تبني قراءات إنسانية للنصوص المقدسة، لكننا نجدها اليوم [المجتمعات المغاربية والتركية] مُهددة بالتديّن السلفي، والحال أنه أصبح عصياً على الباحثين الأوروبيين اليوم نقد التديّن السلفي وإلا سوف يتهمونك بأنك تناصر الإسلاموفوبيا". (ص 143)
خطورة القطيعة الثقافية التي تشتغل عليها السلفية المعاصرة، حسب الكاتب، تكمن في "اللحظة التي يتم استلهام القطيعة أو تبني القطيعة [بين الدين والثقافة]، وحينها، نصبح جميعاً في خانة الكفار أو المرتدين: الكفار بالنسبة لغير المسلمين، والمرتدين بالنسبة للمسلمين الذين ينتمون إلى هذا التدين السلفي "الجهادي"، أي المسلمين الذين يرفضون تبني هذا النمط المتشدد من التديّن". (ص 145).
في خاتمة العمل، يُحذر جيل كيبل من تبعات هذه "النقاشات المشوشة التي بزغت في الساحة على هامش الاعتداءات الدموية التي طالت فرنسا في صيف 2016، وهي نقاشات، برأيه، بقيت رهينة حسابات هوياتية وطائفية من جهة، ورهانات سياسوية من جهة ثانية، بما يحول دون التأسيس لنقاش وانخراط هادئ، ومؤسَّس على تحليل الوقائع، وليس مؤسَّساً على التمثلات الخيالية التي تغذيها فيروسات شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يوماً بعد يوم" (ص 232).
كتاب جيل كيبل درس حافل بالإشارات والمؤاخذات في آن، على الأقل، يُذكر المتلقي العربي في المنطقة، بمسؤولية الأقلام البحثية في التفاعل مع لائحة من التحديات التي تواجه المنطقة، بما يتطلب الانخراط الجماعي أو المؤسساتي، أو حتى العصامي فيما يُشبه "الاشتباك المعرفي" مع هذه التحديات، بدل ترك الساحة للفراغ.


المراجع


[1]  François Fillon, Vaincre le totalitarisme islamique, Albin Michel, Paris, 28 septembre 2016,162 pages.
[2]  Emmanuel Todd, Qui est Charlie?: Sociologie d'une crise religieuse, Seuil, Paris, mai 2015, 252 pages.
[3]  Michel Onfray, Penser l'islam, Grasset, Paris, 2016, 180 pages.
[4]  Olivier Roy, Le djihad et la mort, Seuil, Paris, 175 pages.
[5]  François Burgat, Comprendre l'islam politique, La Découverte, Paris, 20 octobre 2016, 260 pages.
[6]  Gilles Kepel, La Fracture : Chroniques 2015-2016, Gallimard, Paris, 4 novembre 2016, 288 pages.
[7]  معلوم أن كيبل يشتغل منذ 1987 على الملف الإسلامي في الساحة الفرنسية، مع كتابه الصادر آنذاك والذي جاء تحت عنوان: "ضواحي الإسلام"، واستنكر الباحث اللامبالاة التي طالت بعض أعماله التي كان يُحذر فيها مما هو قائم اليوم، بل وصل الأمر إلى درجة أن صحيفة "لوموند" رفضت نشر حوار أجرته مع المؤلف، كما لو أنه كان يصرخ لوحده، دون أن ينتبه أحد لدلالات ومضامين هذا التحذير.
[8]  التي ارتبطت بتديّن سني، أشعري، ومالكي، ينتصر للوسطية والاعتدال مقارنة مع التديّن السلفي.
[9]  عمر عبد الحكيم، مُختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر (1988-1996)، سلسلة قضايا الظاهرين على الحق، كتاب مُؤرخة خاتمته في فاتح يونيو 2004 (13 ربيع الثاني 1425)، ويمكن تصفح كاملاً على الرابط الإلكتروني التالي: الرابط.
[10]  تخصّص عمر عبد الحكيم في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة، وعمل مُدرباً في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن، وفي معسكراته ببغداد. وأثناء معارك حماة، عينت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المقيمة في بغداد عمر عبد الحكيم عضواً في القيادة العسكرية العليا بإمارة الشيخ سعيد حوى، ونائباً للمسؤول عن منطقة شمال غرب سوريا. كما شارك مع القائد عدنان عقلة في محاولة إعادة بناء "الطليعة المقاتلة" في سوريا، لكن تلك المحاولة باءت بالفشل، والتحق بتنظيم "القاعدة" في بداية تأسيسه، وقد كان قبل ذلك من المقربين من أسامة خلال مرحلة الجهاد الأفغاني، كما تعرف أبو مصعب السوري خلال على عبد القادر بن عبد العزيز، صاحب كتابي "العمدة" و"الجامع". وأسّس في أفغانستان، "معسكر الغرباء"، في قاعدة "قرغة" العسكرية الشهيرة في كابل بتعاون مع وزارة دفاع الطالبان، كما أسّسَ في أفغانستان "مركز الغرباء للدراسات الإسلامية والإعلام"، وأصدر مجلة "قضايا الظاهرين على الحق". وإثر سقوط "الإمارة الإسلامية" في أفغانستان اعتزل وتفرغ للبحث والتأليف.
لمزيد من التفصيل في مسار عمر عبد الحكيم، أنظر: أبو مصعب السوري من هو؟ وأين هو؟ وكيف تم اعتقاله؟، سيرة ذاتية منشورة على موقع "المسلم" [muslm.org]، على الرابط المختصر التالي: goo.gl/WtDc5t
[11]  تطرق جيل كيبل لتأثير موسوعة "المقاومة الإسلامية العالمية" لعمر عبد الحكيم في عدة صفحات من الكتاب، ونخص بالذكر الصفحات 28 و46 و137 و147 و151 و182 و190 و195 و256.
[12]  Michel Onfray, Décadence : De Jésus à Ben Laden, vie et mort de l'Occident, Flammarion, Paris, 11 janvier 2017, 656 pages.
[13]  سوف يتوقف الكاتب في مقام آخر من العمل، عند استحواذ الإسلاميين في فرنسا على مقام النطق باسم الإسلام هناك، وتحديداً عبر بوابة اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، الذي يُعتبر الذراع الفرنسي للجماعة. (ص 234).
SaveSaveSaveSave
منتصر حمادة

باحث في الشأن الديني. منسق تقرير "حالة الدين والتدين في المغرب"، الصادر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث. الرباط؛
رئيس تحرير مجلة "أفكار"؛
عناوين بعض الإصدارات: "في نقد تنظيم القاعدة: مساهمة في دحض أطروحات الحركات الإسلامية الجهادية"، 2010؛ "زمن الصراع على الإسلام"، 2011؛ "الوهابية في المغرب"، 2012؛ "في نقد العقل السلفي: السلفية الوهابية في المغرب نموذجاً"، 2014.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.