المحاور العسكرية لمعركة دير الزور الأخيرة ضد داعش: ترسيخ للتفاهم بين واشنطن وموسكو
خلاصة:
تُظهر الخارطة العسكرية لمحافظة دير الزور تفاهماً أمريكياً روسياً يتعدى خطوط التنسيق العسكري لمنع حدوث أي تصادم، وتبيّن وجود تفاهم أولي على مناطق النفوذ بما يحفظ مصالح كل طرف داخل سورية.
ويمثل تدمير التحالف الدولي لجميع الجسور المقامة على نهر الفرات، الخط الفاصل بين تلك المناطق، حيث تتحرك قوات النظام بدعم جوي مكثف من حليفها الروسي تجاه مناطق غرب الفرات، متخذة من البادية السورية نقطة انطلاق لها، فيما تملك القوات التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية النقطة الأنسب في شمال شرق دير الزور للتوجه شرق النهر.
إن هذا التنسيق يحفظ مصالح الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، لكنه يتعارض مع مصالح إيران حليفة موسكو، ويقف ضد طموحات تركيا حليفة واشنطن، وهو ما يوضح أن الطرفين يمضيان نحو تفاهم أوسع من علاقتهما بالدول الإقليمية.
المقدمة:
أخذت معظم الأطراف الإقليمية والدولية بالتأكيد على مبدأ الحل السياسي في سورية وفق القرار الدولي ٢٢٥٤ الذي تم التوافق عليه في مشاورات فيينا بمشاركة الأمم المتحدة وجميع الدول الفاعلة في الملف السوري، مقابل الاستغناء بشكل نهائي عن استراتيجية الحل العسكري والتي باتت بعيدة المنال عن الأطراف السورية وداعميها، نتيجة الاستنزاف الطويل المستمر منذ سبع سنوات.
ومن ثم فرضت التوافقات الدولية على الدول الإقليمية أن تحمل على عاتقها مسؤولية الضامن للأطراف السورية، ومنع الاقتتال فيما بينها، وتوجيه السلاح نحو خصم وحيد وهو “الإرهاب”، والذي حددته الأمم المتحدة بتنظيمي “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، لتنطلق بعدها مرحلة جديدة وهي إقامة مناطق لـ “خفض التصعيد” التي رسمت منعطف كبير في الملف السوري، حيث بدأ الصراع بالحصول على الجبهات مع تلك التنظيمات المتشددة بهدف توسعة الأراضي وتحسين شروط التفاوض على طاولة المفاوضات في جنيف عند حدوثها.
وبعد حسم قوات “سورية الديمقراطية” مسؤولية خوض معركة الرقة بشكل منفرد، وجه النظام السوري قواته تجاه المعركة الكبرى في محافظة دير الزور وهي آخر معاقل التنظيم في سورية، مستفيداً من هدوء الجبهات في باقي المناطق السورية، حيث سحب معظم قواته من حلب وإدلب وحمص وحماة، وزجها في قتال التنظيم في البادية السورية الواسعة والوعرة، وتمكن من قطع الطريق على قوات المعارضة السورية المتواجدة بشكل قوي في تلك المنطقة.
هذا الأمر رسم خارطة عسكرية جديدة للمعركة، أعطت الأفضلية لقوات النظام، مقابل محاولات خجولة من المعارضة السورية للمشاركة، فيما تبدو قوات سورية الديمقراطية المعرفة بـ “قسد” الأقرب إلى تولي مهمة تحرير الشطر الآخر من المحافظة الواقعة شرق نهر الفرات، وكشف الكولونيل راين ديلون المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، عن ذلك بشكل علني، وقال في مؤتمر صحفي له: إن “هذا الخط قد رُسم بالاتفاق بين قوات سورية الديمقراطية والنظام والروس والأمريكيين”.
المحاور العسكرية للمعركة:
تتوزع خارطة النفوذ العسكري في محيط محافظة دير الزور على أربع محاور رئيسية، تمثلها ثلاثة أطراف عسكرية هي قوات النظام والمليشيات المساندة لها، وقوات المعارضة السورية، إضافة إلى قوات سورية الديمقراطية التي تبدو مشاركتها ستقتصر على “مجلس دير الزور العسكري”، ودون مشاركة أي قوات كردية كـ “وحدات حماية الشعب”، وتجري المنافسة بين تلك الأطراف على تركة تنظيم الدولة “داعش” الغنية بالموارد النفطية والمائية والحيوانية والزراعية.
المحور الغربي: ويقسم هذا المحور إلى قسمين، الأول: محور ريف الرقة الشرقي المحاذي لنهر الفرات، ويمتد هذا المحور من بلدة “العكيرشي” بريف الرقة الشرقي وحتى مدينة “معدان”، ويشمل جميع قرى وبلدات ريف الرقة المتواجدة على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، الذي دخلت إليه قوات النظام بعد توقيع اتفاق “العكيرشي” مع قوات سورية الديمقراطية، بتاريخ ٢٠ حزيران ٢٠١٧ القاضي بتسليم قوات النظام والمليشيات المساندة لها، مناطق في ريف الرقة الشرقي والجنوبي.
ودخلت ميليشيات “قوات مقاتلي العشائر” التابعة لـ “تركي البو حمد”، مع مجموعة من قوات النظام التابعة للعقيد سهيل الحسن “النمر” إلى البلدة، قادمة من حقل العبيد النفطي في ريف الرقة الجنوبي.
هذا المحور يشهد تقدم شبه يومي لقوات النظام والمليشيات المساندة لها، تحت غطاء جوي مكثف من الطيران الروسي، تمكنت خلاله قوات “مقاتلي العشائر” من السيطرة على أكثر من ١٢ بلدة وقرية في ريف الرقة الشرقي، وتحديداً من بلدة “العكيرشي” وحتى قرية “الجابر” ولم يتبقى لقوات النظام والميليشيات الموالية لها سوى قرية “الجابر” و”الخميسية” ومدينة “معدان” التي تعتبر أكبر التجمعات السكانية في ريف الرقة الشرقي، لاستكمال السيطرة عليه بشكل كامل والدخول في الحدود الإدارية لريف محافظة دير الزور الغربي من جهة قريتي “أبو شهري” و”شيحا”.
والمحور الثاني هو الطريق الدولي “المدحول”، والذي يمتد من ريف حلب الشرقي مروراً بريف الرقة الجنوبي، عبر الطريق الدولي أو ما يعرف بالطريق “المدحول” الذي يمر وسط البادية.
وفيه تتواجد قوات النظام والمليشيات المساندة لها بمنطقة “ثليثوات”، في أقصى ريف الرقة الجنوبي الشرقي المحاذي للحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، التي تحاول بشكل يومي التقدم والسيطرة على جبل البشري الذي يعد أهم النقاط الاستراتيجية في المنطقة، وذلك لارتفاعه وأشرافه على مساحات كبيرة من البادية الأمر الذي يتيح لقوات النظام، أذا ما استطاعت السيطرة عليه رصد تحركات تنظيم الدولة “داعش” وتقيدها وسط البادية.
ويعتبر هذا المحور أقصر الطرق الجغرافية المؤدية لـ دير الزور اذا ما تم مقارنته ببقية المحاور، فالمسافة الجغرافية الفاصلة بين قوات النظام في منطقة “ثليثوات” بريف الرقة الجنوبي وقوات النظام المتواجدة في اللواء ١٣٧ غرب دير الزور، هي (٨٠ كم) من الأراضي الصحراوية، وهو ما يعطي تفوق لقوات النظام بسبب الكثافة النارية ووجود الغطاء الجوي.
المحور الجنوبي (الأوسط): يبدأ هذا المحور من مدينة تدمر وسط بادية حمص الشرقية، على قسمين، الأول: من جهة طريق دمشق _ دير الزور مروراً بـ “السخنة”، والثاني من جهة المحطة الثالثة “T3”، باتجاه محافظة دير الزور.
فقوات النظام تعاني من صعوبة كبيرة بالتقدم من هذا المحور، بسبب مقاومة تنظيم الدولة “داعش” العنيفة ووضع ثقله العسكري على هذا المحور، حيث تمكنت قوات النظام مؤخراً وبعد أشهر من العمليات العسكرية من السيطرة على أجزاء واسعة من مدينة السخنة، ثاني أكبر مدن البادية بعد مدينة تدمر والتي تبعد عن الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور ما يقارب ٥٥ كم، التي تبدأ من منطقة “هريبشة” التي تعتبر أولى مناطق دير الزور من الجهة الجنوبية.
وهذا المحور يعتبر أصعب محاور التقدم باتجاه محافظة دير الزور، وفيه يوجد ثلاثة مراكز مأهولة بالسكان خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة، وهي “هريبشة” ومدينة “كباجب” وقرية “الشولا” ومساحات واسعة من البوادي تفصل بينها، وتقدر المسافة الجغرافية الفاصلة بين مناطق سيطرة النظام، في “السخنة” ومناطق سيطرة النظام جنوب مدينة دير الزور بـ أكثر من ١١٠ كم.
المحور الجنوبي الشرقي: والذي يبدأ من ريف محافظة السويداء الشرقي، مروراً بريف دمشق والريف الشرقي لمحافظة حمص وحتى منطقة “حميمية” والمحطة الثانية “T2” بمحاذات الحدود السورية العراقية.
وتتوزع السيطرة على هذا المحور بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، المتمثلة بجيش “أسود الشرقية” وجيش “مغاوير الثورة” التي تحوي مناطق سيطرتهم قاعدتين عسكريتين أمريكيتين، هما قاعدة “التنف” و”الزكف”، وبين قوات النظام والمليشيات المساندة لها.
وهذا المحور كان أهم المحاور التي تعمل من خلالها فصائل المعارضة السورية للوصول إلى محافظة دير الزور، لكن قوات النظام تمكنت من قطع الطريق عليها بعد سيطرتها على منطقة “حميمية”، بريف حمص الشرقي وحتى الحدود السورية العراقية.
وتسعى قوات النظام والمليشيات المساندة لها من خلال هذا المحور، التقدم والسيطرة على مدينة “البوكمال”، اضافة لفتح خط اتصال بين الميليشيات الإيرانية في سورية مع قواعد ارتكازها في العراق، وهو الأمر الذي سيوفر لإيران طريق برية ممتدة من طهران حتى دمشق وبيروت مروراً ببغداد، وهذا ما تحذر منه واشنطن وتعمل على عدم حدوثه.
وتعتبر السيطرة على هذا المحور لا معنى لها إذا لم تقترن بالسيطرة على مدينة “البوكمال”، بسبب صعوبة تمركز القوى المسيطرة في هذه البوادي، إضافة لاحتمال تعرضها لهجمات مستمرة من قبل تنظيم الدولة “داعش”، وفصائل الجيش السوري الحر، التي أصبحت معزولة عن محافظة دير الزور من الجهة الجنوبية.
المحور الشمالي والشمالي الغربي: يمتد من أقصى شمال محافظة دير الزور وجنوب محافظة الحسكة، بدءاً من الحدود السورية العراقية وحتى قرية “الكبر” بريف دير الزور الغربي وتسيطر قوات سورية الديمقراطية على نقاط هذا المحور بشكل كامل.
معارك قوات “قسد” في هذا المحور، اقتصرت على السيطرة على ناحية “أبو خشب” شمال غرب محافظة دير الزور وقرى الجزرات بريف المحافظة الغربي، بهدف قطع طرق إمداد تنظيم الدولة “داعش” الرئيسية مع الرقة، وكان ذلك تمهيداً لمعركة الرقة التي انطلقت قبل أشهر.
ووجود قوات “قسد” ضمن حدود المحافظة، يجعلها الأقرب لخوض معركة طرد تنظيم الدولة “داعش” منها، إما بمشاركة كامل قواتها أو من خلال المجموعات العربية داخلها، والمتمثلة بقوات مجلس دير الزور العسكري.
وشهد هذا المحور خلال الأيام الماضية توافد فصائل عسكرية من أبناء محافظة دير الزور، من أجل التنسيق مع قوات سورية الديمقراطية لمعركة تحرير دير الزور، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي لمكافحة تنظيم “داعش”، ونقل “جيش مغاوير الثورة” عدداً من عناصره إلى منطقة “الشدادي” تحضيراً لعمل عسكري باتجاه المحافظة مستقبلاً.
التقدم نحو دير الزور:
مع بدء العد التنازلي للإعلان عن السيطرة على كامل مدينة الرقة التي كان يتخذها تنظيم الدولة الإسلامية عاصمة له، تصوب السهام إلى المعقل الأخير للتنظيم في سورية، وهي مدينة دير الزور التي تغوص في عمق الأراضي السورية، مما يصعب مهمة تحريرها، يملك النظام فيها الأفضلية عسكرياً مقارنة مع فصائل المعارضة السورية التي لم تدخل فعلياً في المعركة حتى هذه اللحظة، واقتصرت محاولاتها على الناحية التنظيمية فقط، فيما أعلن قائد المجلس العسكري لدير الزور أحمد أبو خولة في مؤتمر صحفي عقده في مدينة “الشدادي” يوم السبت ٢٦ آب /أغسطس، إن قواته “ستطلق معركة دير الزور قريبا”، موضحاً أن ١٥٠٠ مقاتل من عشائر عربية في محافظة دير الزور انضموا إلى قواته، في إشارة إلى “قوات النخبة” التابعة لتيار الغد السوري الذي يرأسه أحمد الجربا، والتي أعلنت انضمامها إلى مجلس دير الزور العسكري.
إن تمكن النظام السوري من الحفاظ على مناطقه في مدينة دير الزور، فرض على جميع الأطراف أهمية التنسيق معه، أو على الأقل التنسيق مع موسكو الراعية له، ومن هنا انطلقت عملياته مبكراً، بعد الاستفادة من هدوء مناطق “خفض التصعيد” الأربعة التي تم الاتفاق عليها في الآستانة، وسحب معظم العناصر من على الجبهات وإرسالها نحو دير الزور.
الخريطة العسكرية الجديدة التي رسمها النظام بدعم من روسيا ومقاتلين إيرانيين، تعطيه الأفضلية لخوض معركة دير الزور، حيث ينطلق باتجاه المدينة عبر ثلاثة محاور من أصل أربعة (كما تم شرحه سلفاً) وذلك يقابله وجود ثلاث قواعد عسكرية أساسية للنظام داخل الأحياء المحاصر في مدينة دير الزور، وهي “المطار العسكري” الذي يقابله تقدم قوات النظام عبر المحور الجنوبي الشرقي، و”اللواء ١٣٧” الموازي لاقتحام النظام مواقع التنظيم على طريق دير الزور – دمشق والتي شهدت مؤخراً السيطرة على مدينة “السخنة” من المحور الجنوبي، أما القاعدة الثالثة فهي “معسكر الطلائع” التي يتطلع النظام للوصول لها بعد عقد صفقة مع قوات “قسد” تقضي بالتنازل عن بلدة “العكيرشي” للنظام، وهو ما مهد الطريق لتقدم النظام عبر محور المدينة الغربي.
سير المعارك في البادية السورية تدل على وجود إصرار كبير لدى النظام وداعميه (روسيا وإيران) للوصول إلى مدينة دير الزور والسيطرة عليها بعد إبعاد تنظيم “الدولة”، على الرغم من اعتبار تلك الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم تحت مسؤولية التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا، مما يشير إلى وجود تنسيق آخر بين موسكو وواشنطن حول تقدم قوات النظام إلى دير الزور.
أما المعارضة السورية فقد شهدت تحركات مكثفة في الأسابيع الأخيرة، ولكن على المستوى التنظيمي فقط، وذلك بهدف العمل على توحيد جميع الفصائل المشكلة من أبناء المحافظة، لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي للمشاركة في معركة تحرير المحافظة من تنظيم “الدولة”.
وتجسدت أولى هذه التحركات بإعلان كل من “جيش أسود الشرقية” المتواجد في منطقة القلمون والبادية السورية، وتجمع “أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية”، المنتشران في ريف حلب الشمالي؛ عن تشكيل لجنة مؤقتة مفوضة باتخاذ قرار تحديد الجبهة الأمثل للقتال، ويبلغ مجموع مقاتلي تلك الفصائل ما يقارب ٢٠٠٠ مقاتل.
ولكن العائق الأكبر الذي يقف أمام تلك الفصائل هو البعد الجغرافي واستحالة التجمع، حيث ما تزال فصائل الشمال ترفض التعامل أو التنسيق مع قوات سورية الديمقراطية، وهو الأمر الذي يمنعها من التقدم نحو دير الزور من المحور الشمالي، في حين قام النظام بقطع الطريق على “جيش أسود الشرقية” بشكل كامل في القلمون والبادية، وبات يقف كحائط صد بينه وبين المحور الجنوبي والجنوبي الشمالي.
التحركات شملت أيضاً إعلان فصائل أخرى ترعاها تركيا، عن توحدها في كيان عسكري واحد باسم “لواء تحرير دير الزور”، وينتشر القسم الأصغر من هذا التجمع في ريف حلب الشمالي، أما القسم الأكبر من العناصر فهم ممن تركوا السلاح وتوجهوا إلى تركيا بعد خول تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى مناطقهم في دير الزور، لكنهم مستعدون للمشاركة في حال سنحت لهم الفرصة، واللافت في بيان التشكيل إلى أنه حدد مهامه بمحاربة التنظيم المتشدد دون ذكر “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعتبرها أنقرة عدوها الأول، والتي تشكل خطراً على أمنها القومي، أو نظام الأسد.
لم يوضح التجمع الجديد حتى كتابة هذه الورقة عن أي برنامج عمل واضح من أجل تحقيق أهدافه، كما أنه لم يعطي أي تفاصيل عن آليات العمل، أو اختيار جبهة للقتال أو الانطلاق نحوها.
وتعبّر هذه الخطوة عن تقدم مهم في الموقف التركي، أبدت من خلاله بشكل غير مباشر إلى إمكانية التعاون مع قوات “قسد”، والمؤكد من ذلك أنها محاولة جديدة من تركيا لإقناع أمريكا بدخول تلك قوات “اللواء” من الأراضي التركية عبر مناطق “الأكراد” باتجاه دير الزور، على غرار محاولتها السابقة بمشاركة قوات تدعمها في معركة الرقة، والتي لم تلقى رواجاً لدى صانعي القرار في البيت الأبيض.
أما أبرز التحركات العسكرية لفصائل دير الزور المعارضة كانت من نصيب “جيش مغاوير الثورة” الذي يقوده المقدم المنشق مهند طلاع، وهو أحد الفصائل الثمانية من فصائل المدينة التي تعتبر شريك للتحالف الدولي في مكافحة تنظيم “الدولة”، إلى جانب كل من “قوات النخبة” التابعة لتيار الغد السوري الذي يرأسه أحمد الجربا، و”مجلس دير الزور العسكري” المنضم إلى قوات سورية الديمقراطية.
ويتخذ “المغاوير” من منطقة “التنف” قاعدة له، وتحظى المنطقة بأهمية استراتيجية حيث أنها تشرف على تقاطع ثلاثة حدود وهي العراق وسورية والأردن.
وأحد أبرز الخطوات التي قام بها “جيش المغاوير”، هي إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في منطقة “الشدادي” جنوب محافظة الحسكة (شمال سورية)، إلى جانب قاعدتي “التنف” و”الزكف” (جنوب سورية)، واللتان تضمان قوات من التحالف الدولي، وحظي “الجيش” بدعم التحالف عبر نقل عناصره بالحوامات من الجنوب نحو الشمال.
القاعدة الجديدة أعطت “المغاوير” فرصة كبيرة للمشاركة في معركة دير الزور بعد منحه جبهة مباشرة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن العقبة الوحيدة التي تقف بوجهه هي قلة العناصر، وحسب معلومات غير رسمية فأن عدد عناصر “جيش المغاوير” لا يتجاوز الـ ٤٠٠ عنصر.
ويحظى “مغاوير الثورة” بعلاقة جيدة مع قوات “النخبة” التي تتخذ من قرى “الجزرات” مركزاً لها، لكن هذه القوات خسرت قسماً كبيراً من قواته لصالح مجلس دير الزور العسكري.
أما الطرف الثالث فهو المجلس العسكري لمحافظة دير الزور الذي تأسس قبل عام تقريباً في مناطق سيطرة قوات “قسد” بمحافظة الحسكة ويترأس المجلس منذ تأسيسه أحمد الخبل المعروف بـ “أبو خولة الديري” وهو من أهالي بلدة الصالحية بريف دير الزور الشمالي.
المجلس أعلن انضمامه لقوات “قسد” بداية الشهر كانون الأول الماضي من عام ٢٠١٦، وشارك معها في معارك “غضب الفرات” بكافة مراحلها، والتي كانت تهدف إلى طرد تنظيم داعش من “الشدادي” وريف الحسكة الجنوبي، إضافة إلى معارك الرقة، وطرد التنظيم المتشدد من منطقة “أبو خشب” وقرى “الجزرات” بريف دير الزور الشمالي والغربي.
ويبلغ تعداد قوات المجلس العسكري لمحافظة دير الزور ما يقارب ٥٠٠ مقاتل جميعهم من أبناء محافظة دير الزور، بينهم ٢٠٠ مقاتل يمثلون تجمع شباب “البقارة” الذي انشق عن قوات النخبة قبل أيام وتوجه إلى مناطق سيطرة المجلس.
وتعتبر منطقة “العزاوي” بريف الحسكة الجنوبي مرورا بالبادية الشمالية لدير الزور حتى قرى “البوشمس” و”الجزرات” نقاط تواجد المجلس الذي يتولى حماية تلك الجبهة وتعتبر مدينة “الشدادي” مقر قيادة المجلس.
المجلس يحاول تدعيم قواته عبر استقطاب أبناء محافظة دير الزور إليه، موجهاً نداءات مستمرة يدعو فيها فصائل المحافظة للانضمام له، وذلك تحضيراً لمعركة طرد التنظيم من محافظة دير الزور التي من المتوقع أن تبدأ بعاد الانتهاء من معركة الرقة.
الثقل العشائري المرجّح:
تختلف مواقف العشائر في محافظة دير الزور من الأطراف الساعية للسيطرة على المحافظة، حسب المعطيات والخيارات المتاحة أمامها وخاصة النظام السوري وقوات “سورية الديمقراطية”، فيما تتفق على فصائل دير الزور المحلية التي تعتبر الخيار الأكثر قبولاً لديها بعد المشاركة الواسعة لها في الثورة الشعبية التي انطلقت عام ٢٠١١، إضافة إلى كون العشائر كانت طرفاً فاعلاً في التشكيلات والعمليات العسكرية، حيث أن مدينة “البوكمال” هي أول المدن السورية التي خرجت عن سيطرة النظام إضافة إلى مطار “الحمدان”.
إن معاناة سكان العشائر ونقمتهم على التنظيم جعلتهم يسعون إلى الخلاص منه بأي ثمن، مع ذلك تبقى هواجسهم من تقدم قوات النظام نحوها أو قوات “قسد” تتجلى، في أنهم قد يكونوا عرضة لأعمال انتقامية من قبل تلك الأطراف أو من المليشيات الشيعية المساندة لها، كما حدث مع المناطق السنية في العراق من قبل قوات الحشد الشعبي العراقي، من عمليات قتل واغتصاب وسرقة للممتلكات واعتقال.
استعان النظام بشخصيات عشائرية لمفاوضة مختلف أبناء العشائر في محاولة منه لكسبهم إلى صفه، وتبديد هواجسهم، ومن أبرز تلك الشخصيات نواف البشير وهو أحد شيوخ عشيرة “البقارة” والذي أجرى عملية مصالحة مع النظام في الآونة الأخيرة، إضافة إلى مهنا الفياض شيخ عشيرة “البوسرايا”، وبعض وجهاء عشيرة “الشعيطات” ممن هربوا من مذابح التنظيم بحقهم.
عمل النظام بالتعاون مع مؤيديه من شيوخ العشائر على تشكيل ميليشيات رديفة لقواته مبنية على أساس عشائري، بهدف دعم معارك النظام القادمة باتجاه دير الزور، وكُلف “البشير” بتشكيل ميليشيات مشابهة للحشد الشعبي العراقي، من أبناء العشائر العربية، وعلى التحديد من أبناء عشيرة “البقارة”، وأقام لهم معسكرات للتدريب في جبل “كوكب” واللواء ١٥٦ الواقعة تحت سيطرة النظام في محافظة الحسكة، بإشراف من قادة الحشد الشعبي العراقي، وتتلقى تلك المعسكرات اليوم دعم مادي وعسكري من قبل إيران وهي أبرز حلفاء النظام السوري.
اختيار البشير للحسكة، جاء بسبب وجود عدد كبير من أبناء عشيرة “البقارة” في المحافظة، إضافة لأسباب عسكرية؛ فالمهمة الموكلة للبشير وميلشياته هي التقدم نحو المحافظة من الجهة الشمالية لكسب ثقة السكان هناك، ومن المرجح أن يدخل عبر خط “الكسرى” حيث ثقل عشيرة “البقارة” في محافظة دير الزور.
في حين ذهبت كل عشيرة على حِدَة لتشكيل تكتل عسكري مماثل، فمثلاً توجد كتلة لأبناء عشيرة “الشعيطات” وأخرى خاصة بـ “البوسرايا”، وتهدف كل مجموعة للدخول إلى مناطق نفوذ عشيرتها فقط.
تحميل المادة بصيغة PDF:
- الرابط (966 تنزيلات)
غيث الأحمد - محمد حسان
غيث الأحمد:
صحفي من سوريا، عمل على تغطية الأحداث في سوريا مع العديد من الصحف المحلية والعربية. يهتم بالكتابة الاستقصائية إضافة إلى القضايا الاجتماعية والإنسانية.
محمد حسان:
صحفي سوري متخصص في نقل الأحداث الجارية اليوم داخل مدينة دير الزور.
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.