"استجواب الرئيس": مذكرات المحقق الأميركي الذي استجوب صدام حسين

03 حزيران/يونيو 2017
 
جون نيكسون مؤلف هذا الكتاب هو أحد كبار محللي شخصيات القيادات في وكالة الاستخبارات الأمريكية. وكان قد عمل على شخصية الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وتحليلها وكتابة تقارير عنها للإدارة الأمريكية، وهو أول من عمل في مكتب العراق الذي أنشئ في العام ١٩٩٧ حسب نيكسون نفسه.
في العام 2003 وبعد إسقاط النظام العراقي السابق تم استدعاء نيكسون للعمل كمسؤول ملاحقة صدام حسين، وحينما تم القبض على صدام كان نيكسون أول شخص يتعرف عليه من خلال "التاتو" العشائرية على يده والطلق في رجله وشفتيه المتدليتين بسبب السيجار الكوبي.

يقع الكتاب في 233 صفحة متوسطة الحجم وموزع على مقدمة وأربعة عشر فصلاً وخاتمة. تبدأ المقدمة بطرح تساؤلات عن الشرق الاوسط والتطرف الذي عصف بالمنطقة وخصوصاً ظهور داعش المتطرفة والحالة التي انتهت لها العراق كدولة فاشلة. كما تعرج على رؤية صدام للصراع الديني في المنطقة حيث يؤكد الكاتب-من خلال كلام صدام- أن الوهابية هي أخطر أيديولوجية دينية على المنطقة، وأن الأمريكان بإسقاط صدام سمحوا للعراقيين والآخرين من المسلمين بأن يروا الوهابية كأيديولوجية وكنضال. يحاول المؤلف في الكتاب، عبر المقدمة، زرع فكرة أنه لو ترك الجيش العراقي وضباط صدام لمرحلة ما بعد صدام، لما حدث الفراغ الأمني وما التحق عشرات الضباط العراقيين بداعش اليوم، ولما كان وصل العنف في العراق للدرجة التي وصل اليها اليوم.

ينقسم الكتاب الى ثلاثة أقسام: القسم الأول ويمتد من الفصل الأول حتى الفصل الثالث وهو حول نيكسون نفسه واهتمامه بالشرق الأوسط وتفاصيل حول صدام حسين والحالة العراقية. القسم الثاني من الفصل الرابع حتى العاشر ويتحدث عن استجواب صدام حسين. أما القسم الثالث فيتحدث عن البيت الأبيض وقيادة وكالة المخابرات الأمريكية وكيفية تعاملهم مع الملف العراقي.
 
في الفصل الثاني، يتحدث نيكسون عن اهتمامه بالشرق الأوسط الذي ابتدأ بأحداث ميونيخ وحرب رمضان والأحداث العالمية التي رافقتها وكيفية انتقاله من مكان سكنه لمكان آخر وبداية دراسته لتاريخ الشرق الأوسط. ومن ثم يتحدث عن تقديمه لطلب الالتحاق بالمخابرات الأمريكية. بعد ذلك يصف لنا بيئة العمل داخل الوكالة فيما يتعلق بالشرق الأوسط وخصوصاً العراق. ثم يعطي شرحاً مقتضبا للحالة العراقية ووضع صدام حسين في نهاية فترة الحكم قائلاً إنّ صدام كان منعزلاً عن الوضع العام العراقي وأن لا وجود لأسلحة الدمار الشامل التي قامت الحرب لأجلها. يقول في نهاية الفصل، أن اجتياح العراق مبني على معلومات خاطئة وكان أحد أسوء القرارات السياسية في العصر الحديث.

في الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن عملية ملاحقة صدام حسين والقبض عليه بالقرب من تكريت. يقول الكاتب أن عملية الملاحقة بدأت عبر محاولة الحصول على معلومات حول المرافقين وفرقة الحماية التي كانت تتابعهم الوكالة باستمرار. وكان من الصعب إيجاد ثغرة معينة حتى تم القبض على المرافق الخاص لصدام حسين. حيث حاول الانكار ولكن بعد عرض مبلغ مالي كبير عليه وافق على ذلك بشرط اعتقاله ومن ثم نقله للعيش في مكان آمن في الخارج. يتحدث عن كيفية خروج صدام وابنيه الاثنين ومن ثم افتراقهما حيث اتجه عدي وقصي للموصل بينما لجأ صدام لتكريت عند أحد أقربائه. كما يحاول أن يرسم لنا صورة عن حالة صدام حسين وعائلته وتشردها ومحاولة تحليل العلاقات الأسرية لصدام حسين وعدي وقصي وخصوصاً فيما يتعلق بنساء صدام. وعند التعرف على صدام، يقول نيكسون أنه حدد علامات مهمة للتعرف على صدام وهي أثر الطلقة التي في رجله أثناء محاولة اغتيال الرئيس الأسبق عبد الكريم قاسم، والعلامة الثانية هي "التاتو" على احدى يديه وهي العلامة التي تضعها عشيرة البوناصر التي ينتمي اليها صدام حسين. وآخر علامة هي شفته السفلى نتيجة إدمانه على تدخين السيجار.
 
صدام حسين برفقة ولديه عدي وقصي

في الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن بدايات استجواب صدام حسين وكيف أن الأمريكان لم يعرفوا ماذا يفعلوا بصدام، اذ لم يكن بالحسبان أن صدام سيلقى القبض عليه حياً وليس ميتاً، لذلك كانت الأمور لا تسير على ما يرام. في هذا الصدد يذكر نيكسون قوة ذاكرة صدام وشخصيته وكيف أنه اعتاد على الأشخاص من حوله بسرعة عالية كأنه يعرفهم منذ زمن. كما يشير أيضا الى مدى رغبة وولع صدام في الحديث عن تاريخ العراق وعن صلاح الدين الأيوبي كأحد أبناء العراق. بالإضافة الى التطرق لتاريخ القادة العرب بشكل سيء.
 
في الفصل الخامس يتحدث المؤلف عن بدايات حديثه مع صدام حول التاريخ العراقي وعلاقة صدام بالأحداث التي ضربت العراق منذ محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم وعلاقة صدام بمجلس الثورة العراقي (البعث العراقي). كما يتطرق نيكسون لعدد من الأحداث العراقية بما فيها أسلحة الدمار الشامل والحرب العراقية الإيرانية. بينما شمل الفصل السادس الحديث عن استجواب صدام فيما يخص الحرب العراقية الإيرانية وكيف أن صدام كان يرى في الحرب ضد إيران حرباً بالوكالة عن الغرب ودول الخليج العربي. كما يذكر في هذا الشأن كيف كان يتم تعذيب صدام نفسياً بمنعه من النوم عبر تعريض زنزانته لأصوات عالية.

يتحدث الفصل السابع عن الدين والدولة في استجواب صدام. صدام الذي يخالف تدخل رجال الدين في شؤون الدولة والسياسة كان من أشد المعارضين للوهابية، حيث قال، أن الوهابية هي خطر ومجرد وجودها في العراق هو خطر على العراقيين جميعاً. كما يتطرق المؤلف لعائلة صدام، وكيف أن صدام لم يتحدث عن زوجاته بشكل كبير ولكن اعترف ضمنياً بوجود ولد له من زوجته الثانية. بالإضافة إلى علاقة صدام حسين بولديه وعلاقتهما ببعضهما البعض وعلاقته بالبنات رغد ورند.

في الفصل الثامن يتحدث المؤلف عن علاقته بالشيعة في العراق واغتيال العديد من القيادات الشيعية العراقية ونكران صدام علمه بمجزرة حلبجة التي نفذها الجيش العراقي بحق القرية الشيعية الموالية لإيران ابان الحرب.  ويتحدث الكاتب عن خبرة صدام القليلة في المجال العسكري، وكيف أنه لم يكن على إحاطة جيدة بالكثير من أمور البلاد في السنوات العشرة الأخيرة من حكمه. كما أنه لم يكن يملك خطة للدفاع عن العراق إبان الغزو الأمريكي البريطاني للعراق، حيث كان في حسبانه أنها ستكون ضربة خفيفة وربما يفرض المجتمع الدولي هدنة معينة تضمن استمراره في الحكم.  وفي نهاية هذا الفصل يحدثنا الكاتب أن صدام قد رفض طلب قائد القوات الأمريكية الأدميرال "ماك ريفين" بالطلب من المقاومة العراقية وضع سلاحه ووقف الهجمات ضد الأمريكان قائلاً “كرامتي لا تسمح بذلك".
 
من الفصل التاسع حتى الفصل الرابع عشر يتحدث الكاتب عن عودته لأمريكا ودخوله للبيت الأبيض لاطلاع الرئيس الأمريكي جورج بوش عن استجواب صدام ورفع تقاريره عن العراق للقيادة. كما يتحدث عن طريقة إدارة وكالة المخابرات الامريكية وخصصوا القيادة العليا التي كانت ترغب بسماع ما ترديد وتلقي مقترحات وتقارير تدعم نظرياتها ومواقفها المسبقة. على ما يبدو أن نيكسون لم تعجبه تحليلات وكالة الأخبار الأمريكية البتة، فلم يكن المحللون يتمتعوا بالخبرات والمهارات والمعرفة اللازمة ليكونوا محللين محترفين. في فترة ما بعد احتلال العراق، ويذكر هنا أن الوكالة كانت قد وظفت عشرات الشباب ومنهم من لم يحصل على الشهادة الجامعية ليكونوا محللين في شؤون العراق، فكانت النتيجة كارثية وكان العراق الضحية الأولى. يقول نيكسون أن الوكالة كانت تعتقد أنه بإمكانها صناعة محلل ماهر خلال أشهرٍ قليلة، وهذا كان خطأً فادحاً. فكانت النتيجة هي تحليلات على الأهواء وركوب الموج من أجل الحصول على ترقيات. وفى هذا الشق يبين الكاتب كيف أن الرئيس الأمريكي كان غير ملم بالشؤون في المنطقة ولا بشؤون العراق حتى أن مساعديه وقيادة الجيش والمخابرات كانوا لا يستمعون الى تحليلات ونصائح كبار المحللين وغالباً ما تشبثوا بآرائهم.
زار المؤلف البيت الأبيض عدة مرات لاطلاع الإدارة الامريكية على الوضع، ولكن في اللقاء الأخير بدى الوضع متوتراً حيث سأله بوش الابن العديد من الأسئلة خارج السياق. بعد ذلك كان وجود نيكسون في مقر المخابرات الأمريكية كشخص غريب والكل يحاول الابتعاد عنه. كما يستنكر المؤلف تقاعس إدارة أوباما التي صرفت الأموال الهائلة على عمليات المخابرات والحصول على المعلومات، ولكن لم تؤسس لتغيير في السياسة الخارجية مبني على معلومات مخابراتية وتحليلات صحيحة.
 
هذا الكتاب هو شهادة حول أحد أهم الشخصيات المحورية في التاريخ الحديث، وحول سقوط العراق واحتلالها والذي يعد أحد أهم الأحداث في التاريخ الحديث. كما يقدم لنا الكتاب ويفتح الباب أمام العشرات بل المئات من الأسئلة عن سقوط العراق وكيفية أداء المؤسسات المخابراتية الأمريكية والتي يعتبرها البعض أنها مؤسسات معقدة، بينما يكشف لنا الكتاب أنها لا تختلف عن بقية المؤسسات البيروقراطية. كذلك يزودنا الكتاب بمعطيات دقيقة حول تعامل المؤسسات الأمريكية وشخصياتها بتعالي وعدم خبرة مع منطقة الشرق الأوسط وتركيباتها السياسية والطائفية بالرغم من حساسية مواقعهم.

أغلب الكتاب يتحدث عن علاقة الكاتب بصدام حسين مروراً بالأحداث التي مر بها صدام حسين والعراق خلال حياته صدام. يحاول الكاتب تبني رؤية برغماتية حول صدام فيقول ب “الرغم مما ارتكبه صدام من فظائع إلا أنه ليس بذلك الشيطان أو الصورة الهتلرية التي صورتها الإدارة الأمريكية". في النهاية يستنتج الكاتب أن غزو العراق كان خطأً جسيماً سارداً الأسباب لذلك بشكل مقنع.

لغة الكتاب سهلة جداً ومحاجاته واضحة ومعلومات الكاتب تدل على عمق معرفته بالعراق وبصدام حسين. الكتاب شهادة رجل كان في موقع حساس وتقدم لنا احاطة تاريخية ومعرفة دقيقة بأحداث سقوط بغداد.
 
معلومات عن الكتاب
اسم الكتاب: استجواب الرئيس.
المؤلف: جون نيكسون
الناشر: Penguin Publishing
تاريخ النشر: مارس 2017
عدد الصفحات: ٢٣٨ صفحات من الحجم المتوسط
عبد الهادي العجلة

أكاديمي وباحث فلسطيني. يعمل حالياً كمدير تنفيذي لمعهد دراسات الشرق الأوسط في كندا. إلى جانب ذلك يشغل منصب المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في معهد أشكال الديمقراطية في جامعة جوتينبرج السويدية. حاصل على درجة الدكتوراة في علم السياسة المقارن من جامعتي ميلانو الإيطالية وجامعة جوتنبرغ السويدية، يكتب في العديد من المجلات والجرائد وله العديد من المقالات باللغات العربية والانجليزية والايطالية والسويدية.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.