التحدث مع المقاتلين الأجانب: تأملات في دوافع الهجرة إلى سوريا والعراق

ترجمة: حمزة ياسين
 
[هذه المادّة هي المادّة الثانية من ملف ينشره معهد "العالم" على مدار الأسابيع القادمة. لقراءة المادّة الأولى اضغط هنا. ويُرجى العلم أنّ هذه المادّة تُرجِمت بعد أخذ موافقة الكاتبين على الترجمة لصالح معهد "العالم"، والمادة الأصليّة منشورة هنا].
ملخص
 
إنّ القليل من النقاشات حول المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق تقوم على بيانات أصلية مستقاة من حوارات مع المقاتلين الأجانب. تنشر هذه المقالة بعض النتائج الأولية من مقابلات مع عشرين مقاتلاً أجنبياً في سوريا. قورنت هذه النتائج مع ثلاثة دراسات أخرى حديثة حول مقاتلين أجانب أوروبيين ومقاتلين طامحين، مبنية على بعض البيانات الأصلية. وفي حين تؤكد هذه الدراسات على دور ضعف الإمكانيات الاجتماعية والاقتصادية في تحفيز خيار الرحيل، لا تجد هذه الدراسة دليلاً قوياً على مثل هذه العوامل، وتحاجج بدلاً عن ذلك بضرورة إعطاء تركيز أكبر على القضايا الوجودية ودور التدين. كما تم إعطاء اعتبار للتحديات المنهجية التي تواجه الباحث عند التعامل مع أقوال الإرهابيين حول دوافعهم.

* * *
 
فتح الصراع في سوريا والعراق تدفقاً غير متوقع للمقاتلين الأجانب، والذين تحدَّروا من الدول العربية والغربية، ليعارضوا نظام الرئيس السوري بشار الأسد ويستبدلوه، كما هو الحال عند الكثيرين، بدولة إسلامية. أصبحت هذه الحالة مصدر قلق أمني مهيمن وثمة جهود حقيقية تُبذل لرصد وفهم ما يحدث ووقف تدفق المقاتلين الأجانب. جاء معظم هؤلاء المقاتلين من دول في الشرق الأوسط (مثل تونس والأردن والسعودية)، ولكن الأمر المفاجئ هو وجود عدد كبيرٍ أيضاً قد جاء من أوروبا والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا والولايات المتحدة (أي بين 25000 و30000 بشكل عام وربما بين 4000 و5000 من الغرب). (1) جاءت الكثير من هذه الأعداد من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة تحديداً، بالإضافة، مع فرق التناسب (بحسب عدد السكان) إلى بلجيكا وهولندا والدنمارك والسويد. (2) ومع نهاية عام 2015، كانت هناك أعداد كبيرة تأتي من روسيا ووسط أسيا أيضاً.
 
ما الذي يحدث؟ كُتِبَ حول ذلك الكثير، وقليل منها استند على بيانات أصلية [وهي المعلومات المأخوذة من أفراد عينة الدراسة – المترجم]، أي من أصوات هؤلاء المقاتلين. تقدِّم هذه المقالة بعض النتائج الأولية المستخلصة من واحدة من هذه الدراسات القليلة التي سعت لتحصيل بيانات أصلية عبر إجراء مقابلات مع مقاتلين في سوريا والعراق، والعائلات والأصدقاء والمقربين من المقاتلين الأجانب، بالإضافة إلى الداعمين للجهادية عبر الإنترنت، ومن ضمنهم العديد من الأفراد الذين يريدون أن يصبحوا مقاتلين أجانب. (3)
 
ابتداءً من منتصف عام 2014 وحتى كتابة هذا النص، تم عمل حوارات مع أكثر من ثمانين فرداً. خلاصة ذلك كانت مقسمة لخمسٍ وعشرين مقابلةً مع مقاتلين أجانب، وأربعين مقابلة مع أعضاء عائلات وأصدقاء مقاتلين أجانب، وخمسة مقابلات مع داعمين للجهادية عبر الإنترنت ومقاتلين أجانب طامحين. جرت معظم هذه المقابلات وجهاً لوجه، ولكن المقابلات التي جرت مع المقاتلين في سوريا والعراق كانت على شكل حوار مطول عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المراسلة، مثل برنامج كيك (KIK) وتيليغرام. (4) يتحدر الشباب الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق اليوم من جيل معتاد على التواصل مع أصدقاءه وعائلته والآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يمتلك هؤلاء حسابات إلكترونية على مجموعة واسعة من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنهم يحافظون على نشاط حساباتهم عند وصولهم إلى أرض الحرب ويستمرون بالتفاعل من خلالها. يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وغيرها من الجماعات الجهادية انتبهت بشكل سريع إلى هذا الأمر وقررت استثماره.

لقد تكيف الجميع بسرعة مع نمط العلاقات الجديدة هذا إلى درجة نسياننا لمدى جدِّتها وغرابتها، وبالتالي أصالة توظيف هذه قنوات التواصل الجديدة هذه في عملية البحث. وفي هذه المقالة، لن نتناول بيانات المقابلات مع العائلة والأصدقاء، وسنركز على تحليل المقابلات التي أُجريت مع عشرين مقاتلاً أجنبياً. تركز المقابلات على خلفيات المقاتلين الأجانب، وكيف اتجهوا إلى التطرف، وتجاربهم وتصوراتهم. ولأسباب قانونية وأخلاقية، لم يتم جمع أي بيانات حول الأبعاد العملية لنشاطهم مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام الآن) وأحرار الشام وغيرها من الجماعات الجهادية والمتمرّدة.
 
تقوم هذه النتائج الأولية على السياق التفسيري الذي تقدمه ثلاثة دراسات أخرى صدرت مؤخراً حول المقاتلين الأجانب والتي بنيت أيضاً على بعض البيانات الأصلية أو تقدم على الأقل بعضاً من أكثر المعلومات تفصيلاً حول مقاتلين محددين ومقاتلين طامحين. (5) توصلت هذه الدراسات إلى أن الأشخاص الذي يهاجرون هم أفراد مهمَّشون بالدرجة الأولى وذوي إمكانيات اقتصادية واجتماعية محدودة، ويعانون من العديد من المشاكل في حياتهم. (6) تنحو إحدى هذه الدراسات أكثر من ذلك لتحاجج بأن المقاتلين الأجانب يتحدرون من "ثقافات فرعيّة بلا مستقبل" بين البالغين الجدد في أوروبا وغيرها. (7) أنصار هذا التصور يقللون من أهمية الدين باعتباره دافعاً، ويفضلون بدلاً من ذلك حصر التركيز أكثر على العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية "الموجِّهة".

تلتقي هذه النتائج مع تلك النتائج الموجودة في دراسات أخرى فيما يتعلق بكيفية توجه الناس نحو التطرف وتحولهم إلى مقاتلين أجانب، ولكنها تختلف مع بعضها فيما يتعلق بأسباب ذهابهم. ففي العشرين مقابلة التي تم تحليلها، لم يشر أحدهم، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى وجود دور حقيقي لأشكال التهميش الاجتماعي والاقتصادي في دوافعهم ليصبحوا مقاتلين أجانب. وبالإضافة إلى ذلك، كان التفاعل مع هؤلاء الأفراد يتوسطه وبشكل كبير الخطاب الديني، وهو ما يجعل من غير الممكن الإشارة إلى أن التدين (مثل الالتزام الديني، مهما كان ضعيفاً علمياً أو غير معتاد) لا يمثل دافعاً أساسياً لأفعالهم. يقدم الدين الإطار المهيمن الذي يستخدمه هؤلاء المقاتلون الأجانب لتفسير جميع جوانب حياتهم تقريباً، وينبغي أن يُمنح هذا الأمر وزناً من الناحية التفسيرية.
 
تعتمد صياغة هذه الحجج بشكل كبير على كيفية تفسير فحوى كلام الإرهابيين. ففي أول دراستين تم استخدامها لوضع سياق لنتائجنا، يميل عرض النتائج فيها بشكل كبير إلى الوصف أو الظاهراتية. وقد سعينا أن نكون وصفيين أيضاً في العرض الأولي لنتائجنا. ومع ذلك، يوجد أمر إشكالي في المعلومات التي قدمها هؤلاء المقاتلون الأجانب حول سلوكهم ودوافعهم، لأن هناك أسباب معقولة تدفع للشك بأنهم يحرِّفون الواقع، بطرق واعية أو غير واعية. (8) ولكن كما هو الحال مع جميع الدراسات التي استكشفناها هنا، نعتقد أنه من المهم سماع وتسجيل أصوات المقاتلين الأجانب، مهما كنا مرتابين مما يقولونه. حيث ينبغي لتصريحاتهم أن تلعب دوراً حقيقياً في تحليل دوافعهم.

لذلك نحن نأخذ في عين الاعتبار تخوفاً نظرياً إضافياً، وهو تخوف يختلف على الصعيد التحليلي عن الطبيعة الإشكالية لما يقوله الإرهابيون، ولكنه يشتبك معها. تؤكد دراسات التوجه نحو التطرف بشكل عام، ودراسات المقاتلين الأجانب الجهاديين بشكل خاص، باستمرار على الاتجاهات التي تحدد دوراً طبيعياً للسعي لغاية ومعنى وهوية وانتماء أكبر في تفسير لماذا يتجه بعض الأفراد للعنف أو يتحولون إلى مقاتلين أجانب. على سبيل المثال، أشار كلٌّ من لورينزو فيدينو وسيموس هوغز في تحليلهم الممتاز لملفات واحد وسبعين فرداً اتهموا حديثاً بجرائم تتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية في الولايات المتحدة: "يبدو أن البحث عن الانتماء والمعنى والهوية يشكل دافعاً جوهرياً بالنسبة للعديد من الأمريكيين (وغيرهم من الغربيين) الذين يمجدون أيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية". (9) ولكنهم لا يضيفون الشيء الكثير على ذلك، حيث لا يقدمون تفسيراً حول ما يعنيه هذا التصريح.

ففي معظم الحالات يبدو أن هذه التصريحات تشبه الفراغ الذي ينبغي أن يُملأ، مشيرةً إلى عمل لم يُنجز بعد. ولكن مثل هذه التصريحات العامة حول رحلة البحث عن شعور أكبر بالمعنى قد تؤدي وظيفة أخرى أيضاً، ففي العديد من الشواهد تُقدَّم هذه التصريحات كنوع من التعويض عن التحديد غير الكافي للادعاءات الأخرى التي صيغت باعتبارها أسباباً لانخراط الناس في التطرف المؤدي للعنف. فعلى سبيل المثال، يُفترض في بعض الأحيان أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية المختلفة تلعب دوراً في صعود الإرهاب، وهذا صحيح بالنسبة إلى الدراسات التي نتفحصها هنا. ولكن درجة تأثير هذه العوامل يتجاوز بكثير الأفراد القلة الذين قرروا الانخراط في الإرهاب.

بكلمات أخرى، إن العوامل الدافعة التي تم تحديدها ليست دقيقة على نحو كافٍ للتفريق بين من سيميل أكثر نحو التطرف والعنف زبين من سيخرج للقتال في مكان آخر. هذه المحددات معروفة بشكل عام، ولكن لا يتم الاعتراف بها دائماً بشكل كامل. في هذا السياق، لا يتم استخدام إحالات عامة لفكرة الحاجة إلى شعور أكبر بالمعنى والغاية لملئ الفجوة التفسيرية القائمة بسبب غياب التحديد. إذا أُخذ في عين الاعتبار التأكيد المتكرر على الفوائد الإيجابية للانتماء للجهادية في المقابلات التي تم إجراؤها، فإننا نحاجج بضرورة إعطاء تركيز وقيمة أكبر لاستكشاف فكرة البحث عن المعنى باعتبارها دافعاً للهجرة (أي الهجرة المبرَّرة دينياً) إلى سوريا والعراق. ويتوجب علينا أن نخطو خطوة أبعد من مجرد الاعتراف العام بدور هذه الرحلة وتكريس تركيز أكبر لفهم العوامل "الجاذبة" الداعية للتوجه نحو التطرف، من تأثير الأيديولوجيا/ الدين وحتى القضايا الوجودية الأعمق المتعلقة بتحولهم إلى مقاتلين أجانب.
 
قد يقال إن هذه هي الحالة مع الإرهاب الديني، بحكم وجود مصدر متعالٍ للمعنى والغاية. ولكن، وللمفارقة، يعبر معظم الباحثين في الإرهاب عن شك عميق بصدق الادعاءات الدينية التي يدليها الإرهابيون، وهو ما يضيف تعقيداً آخر في استكشاف وتفسير هذا الدافع المحتمل للإرهاب. (10) وسيتم التدقيق في هذه النقطة في ختام هذه الدراسة أيضاً.
 
تحليل مقارن لنتائج الدراسات الأخيرة حول المقاتلين الأجانب
 
ظهرت العديد من التقارير في السنوات القليلة الماضية حول الجوانب المختلفة لقضية المقاتلين الأجانب. ولكن تعتمد هذه التقارير بشكل مبالغ فيه على مصادر إعلامية ويطغى عليها الطابع الوصفي. ثمة ثلاثة تقارير حديثة تحمل أهمية وأصالة أكبر وتتضمن اثنتان منها على بيانات أصلية. كما تهدف هذه التقارير إلى تقديم فهم أفضل للدوافع المحتملة للمقاتلين الأجانب ومن يطمحون لذلك. كما تقدم أفضل سياق مقارن مباشر ومنطقي لتحليل نتائجنا. بحسب ترتيب تاريخ النشر، هذه الدراسات هي: دان ويغيمانز، إدوين بيكر، وبيتر غرول؛ إدوين بيكر وبيتر غرول؛ وكوليست. (11)
 
المقاتلون الأجانب الهولنديون: "إمكانيات ضعيفة" والبحث عن "غاية"
 
تقدم دراستا الباحثين الهولنديين جهوداً مبكرة ومهمة في إعداد دراسات حالة مفصلة عن الأفراد. في الدراسة الأولى، يرسم ويغيمانز وبيكر وغرول السيرة الذاتية لخمسة مقاتلين أجانب هولنديين بناءً على مقابلات "مع ثمانية عشر شخصاً ممن كان ضمن بيئة التفاعل مع الأفراد الخمسة خلال مرحلة توجههم نحو التطرف وأثناء استعدادهم للسفر إلى سوريا". (12) تقدم هذه المادة في صيغةً مركبة لقصة حياتين. تمت مشاركة المشاهدات الرئيسة من هذه العملية مع مجموعة نقاشية مركزة مؤلفة من خمسٍ وعشرين "خبيراً أمنياً وصانعي سياسات" ممن يتعاملون مع قضية التطرف والمقاتلين الأجانب. تم تضمين ردودهم في التحليل، ولكن نظراً لصِغَر حجم عينة المقاتلين الأجانب بقي النقاش وصفياً جداً وكان المؤلفون شديدي الحذر من إصدار التعميمات. بُنيت الدراسة الثاني التي أعدها بيكر وغرول على مقابلات شبه مقننة مع عشرين شخصاً مقربين من ستة أفراد كانوا متحمسين في لحظة معينة للسفر والقتال في سوريا. تم إجراء مقابلات أيضاً مع أربعة من الأشخاص الستة الذين كانوا ينوون السفر. تعتمد كلتا الدراستين على معلومات متوافرة في المصادر الإعلامية أيضاً.
 
لم تقدَّم نتائج هاتين الدراستين المتشابهتين بطرق رسمية، ولكن الخلاصات التي وصلت لها تكشف عن مجموعة من النقاط التي تجدر الإشارة إليها. ينتمي غالب المغادرين وغير المغادرين إلى عائلات مهاجرة مسلمة، ولكن بعضهم ينتمي أيضاً لعائلات هولندية أصلية. لم يتم ذكر سن الجميع في كل النماذج التي غطتها الدراستان، ولكن من الواضح أنهم أفراد في بدايات العشرين. وبشكل عام، يتحدر أفراد كلا الدراستين من الطبقات الدنيا أو الطبقات الوسطى الدنيا ويتحصلون على مستويات متوسطة من التعليم. كما ترعرعوا، كما ذُكِر، في "أحياءٍ سيئة نسبياً". (13) وبشكل أكثر تحديداً، تمت الإشارة إلى أن غير المغادرين قد "تعرضوا للجرائم ومشاكل المخدرات (من دوائرهم المقربة)". (14) وفيما يتعلق بالمغادرين، تمت الإشارة إلى أرجحية مواجهتهم لـ "إحباطات قوية ... في الأعوام التي سبقت مغادرتهم لمكانتهم الاجتماعية ... أو جماعتهم العرقية". (15)

وبالإضافة إلى ذلك، يشار إلى أنه: "من ضمن عينة البحث، وجدنا مشاعر من اللامبالاة والخمول وفقدان المعنى في حياتهم في الفترة التي سبقت مغادرتهم إلى سوريا". (16) في حين تمت الإشارة ببساطة إلى أن معظم غير المغادرين كانوا يمتلكون "فرصاً محدودة في سوق العمل والمكانة الاجتماعية". وإضافةً لذلك، يجدر بالذكر أن معظمهم "يمتلك القليل من الأصدقاء و/ أو علاقات محدودة مع عائلاتهم. ويمكن تصنيف بعضهم كانعزاليين أو وحيدين". (17) وتشير الدراسة التي أجريت على المغادرين أيضاً أن بعضهم واجه شعور الفقدان وخيبة أمل كبيرة في حياتهم قبل توجههم نحو التطرف، "مثل خسارة الأحباء أو الصعوبات في الدراسة أو العمل أو مشاكل مع السلطات". (18) وهذه النتيجة لم توجد في حالة غير المغادرين.

تشير كلتا الدراستان إلى أن معظم الأفراد، وقبل أن يغادروا أو يخططوا للذهاب لسوريا، كانوا منعزلين بشكل كبير عن شبكتهم الاجتماعية السابقة، وطوروا علاقاتٍ مع شبكات جديدة مع أولئك الذين يشاركونهم التصورات المتطرفة ودعموا ذلك، وأصبحوا بطريقة ما على الأقل تحت تأثير "شخصية كاريزمية" أو "رموز ملهمة". (19) بنفس الطريقة، تمت الإشارة إلى أن المغادرين "أظهروا اهتماماً متزايداً بالدين في الفترة التي سبقت ذهابهم إلى سوريا". (20) لكن هذه المشاهدات لا نجدها لدى غير المغادرين، مع الإشارة إلى أن هناك عدة أشخاص عبَّروا عن مبررات دينية كجزء من دوافعهم للذهاب إلى سوريا، مشيرين إلى "البداية الجديدة" المرتبطة بتأسيس الخلافة على يد تنظيم الدولة الإسلامية والواجب الديني الشخصي للهجرة إلى سوريا "ومساعدة المسلمين المستضعفين" (21) كما كان هناك آخرون، بحسب الدراسة، حريصين أكثر على مساعدة الأقارب في سوريا وذهبوا معجبين بأولئك الذين يقاتلون ضد نظام الأسد.
 
وفي النهاية، تلمح كلتا الدراستين إلى سبب سعي هؤلاء الشباب للمشاركة في الصراع السوري، وهو ما "يبدو أنه يقدم لهم شهوراً بالمعنى وإشباع حاجة الانتماء"، (22) بالرغم من كون النقاش في هذا الموضوع إما صامتاً أو غير مباشر.
 
وكخلاصة لما سبق، هناك انطباع مشترك حول دوافع الالتحاق بالجهاد، وهو انطباع يتوافق مع التصورات الأكثر انتشاراً، وهو أن معظم المقاتلين الأجانب والطامحين لذلك هم عبارة عن شباب يمتلكون إمكانيات محدودة، وغير سعيدين بما يعيشونه في حياتهم، ويتطلعون لمعنىً أكبر وشعورٍ أكبر بالانتماء، ويتأثرون كثيراً بالمجموعات الصغيرة التي يتواصلون معها كنتيجة لسعيهم لنوع من الراحة من ظروفهم. هذه المشاهدات مفيدة، (23) وتتلاءم، في العديد من الاعتبارات، مع الضعف التفسيري لدوافع التحول نحو التطرف والتشدد. (24) نحن نتعامل في هذا السياق مع أشخاصٍ يعانون من الحرمان بدرجة معينة، ولكن المهم في ذلك هو طريقة نظرهم لواقع ظروفهم. فهم ينظرون إلى أنفسهم، والجماعات التي يعرِّفون أنفسهم من خلالها، كأشخاص محرومين على نحو لا ينبغي أن يكونوا عليه، وأنه ينبغي القيام شيءٍ تجاه ذلك. بالإضافة إلى وجود شعور بالحاجة لشيء أعمق في هذه الحياة، كالمعنى والغاية.

تشير هذه الملاحظات إلى شعور أوسع بحالات الحرمان الاجتماعية والنفسية وحتى الأخلاقية التي قد يمر بها الناس، وذلك بالإضافة إلى أشكال الحرمان الاقتصادية والسياسية المعروفة. (25) ولكننا نتعامل مع انطباع لا يتشكل عبر الدقة المطلوبة لاستكشاف هذه الإمكانيات النظرية.
 
 
المقاتلين الأجانب البلجيكيون: "الثقافة الفرعية الشبابية الـ’ بلا مستقبل’"
 
إذا استندنا على التقسيم البسيط بين العوامل الدافعة والجاذبة المؤثرة في عمليات التجنيد ضمن الحركات الاجتماعية، فإن الدراستين الهولنديتين تؤكدان على العوامل الدافعة. في دراسة ريك كولسيت الأخيرة حول المقاتلين الأجانب من بلجيكا، يتجلى هذا التأكيد بشكل أكثر وضوحاً. يهاجم كولسيت دراسات التطرف التي جاءت بعد التفجيرات الإرهابية الداخلية في لندن ومدريد لكونها يغلب عليها تتبع كيفية تحول الأفراد إلى إرهابيين على حساب التأكيد الذي كان في أبحاث الإرهاب قبل أحداث 11/9 حول "الظروف والسياقات الأوسع" التي ينبثق منها الإرهاب. (26) لم يتم تقديم جهد كاف في دور "البيئة المساعدة والمحرضة". (27) كما يحاجج أن التوجه نحو التطرف يمثل "عملية جماعية طويلة المدى إلى حدٍ ما" من "التنشئة الاجتماعية للتحول للتطرف". يعتمد ذلك كثيراً على فهم ديناميكيات الجماعة التي تحتضن ولاءً داخلياً قوياً ورفضاً لما هو خارج الجماعة باعتباره لا إنسانياً. (28)
 
النقطة الأخيرة صحيحة، ولكن لرسم تصوراته قد يضع كولسيت تقسيماً قوياً مبالغاً فيه بين العمليات الاجتماعية والأيديولوجيا. ويؤكد أن "التوجه نحو التطرف هو أولاً وبالدرجة الأولى عملية تنشئة اجتماعية تكون فيها ديناميكيات الجماعة (القرابة والصداقة) ذات أهمية أكبر من الأيديولوجيا". ويخلص أنه وخلال عملية "بناء التطرف، لا تكون السردية (مثل الأيديولوجيا) بالنسبة إلى معظم الأفراد ضمن الجماعة هي التي تجذبهم نحو الإرهاب. كما لا يوجد علاقة اعتمادية بين تبني الأفكار المتطرفة والتوجه نحو العنف". (29) يشير البحث إلى أن حمل المعتقدات المتطرفة يمثل مؤشراً ضعيفاً حول إمكانية الانخراط الفعلي في العنف. (30) ولكن عند تفحص الإطار النظري للبحث نجد إشارة(31)، كما هو الحال مع مقابلاتنا مع المقاتلين الأجانب، أنه لا يمكن أن يحدث شيء من دون الإطار العملي الذي تصنعه الأيديولوجيا.

وببساطة، يعتمد السلوك المتطرف على رؤية العالم بطرق جديدة، وبالتالي فإن التدين السلفي الجهادي لهؤلاء المقاتلين الأجانب، أي أيديولوجيتهم، تمثل عنصراً أساسياً في تفسير أفعالهم. وبالتأكيد، فإن الأفراد الذين يختارون مصادقتهم والجماعات التي يثقون بها تتلون بتصوراتهم الدينية. أما الآخرين فيتم رفضهم باعتبارهم خونة ومرتدين. بكلمات أخرى، تلعب الأيدولوجيا الدينية دوراً مركزياً وتأسيسياً في هويتهم وشعورهم بمعنى الحياة، وبعملية تنشئتهم اجتماعياً نحو التطرف. وفي النهاية، يشير حافظ ومولنز إلى أنّه "من غير الواضح كيف يمكن للمرء أن يفصل الأيدولوجيا عن شبكات التطرف". (32)
 
بالاستناد على التصورات المؤثرة لعالم الاجتماع الفرنسي والباحث في الإسلام أوليفيه روا (33)، يحاجج كولسيت على أمرين: 1) نحن نحتاج للنظر إلى "مجموعة محددة من الدوافع الشخصية المرتبطة بالسنّ" باعتبارها "القوة الدافعة وراء قرار الذهاب إلى المشرق"؛ و2) "لقد قل حضور الدين كدافع للعنف مع تكشف موجات المقاتلين الأجانب". (34) وعلى وجه التحديد، يوافق كولسيت على فكرة روا بأن الجهادية المعاصرة تتجذر في "الثقافات الفرعية الشبابية الـ بلا مستقبل" وليس على الدين بحد ذاته. فمن منظور روا، نحن لا نشهد "تحول الإسلام إلى التطرف" بقدر ما نشهد "أسلمةً للتطرف". و"إرهابيو اليوم لا يعبرون عن تحول الشعوب المسلمة إلى التطرف، بل تعكس ثورة جيلية تؤثر على فئة الشباب تحديداً". (35)
 
يحاجج كولسيت بأنه "يمكن التمييز بين مجموعتين من الأوروبيين الذين يسافرون لسوريا". تتألف المجموعة الأولى فعلياً من الشباب المضطرب الذي ينتشر في عصابات الشوارع، ولا يمكن أن تتميز عنهم. وتنظيم الدولة الإسلامية بالنسبة إليهم هو مجرد أحدث وأكثر "العصابات العظيمة" الجذابة. (36) وكما يخلص كولسيت: "بالنسبة إلى هذه المجموعة، فإن الحرب الأهلية التي اندلعت في سوريا وبروز تنظيم الدولة الإسلامية كجماعة جهادية جديدة قدم قناةً جديدة ومساعدة للسلوك المنحرف، وذلك إلى جانب الانتماء لعصابات الشوارع وأعمال الشغب والاتجار بالمخدرات والجنوح". (37) المجموعة الثانية هي "غامضة بشكل أكبر، وتتكون من أفراد بدوافع شخصية واسعة ومتنوعة مرتبطة بالعمر". (38) ويعلق كولسيت على هذه المجموعة غير واضحة المعالم:
 
عادة ما يذكرون وجود مشاكل شخصية مبكرة (من مختلف الأنواع)، جعلتهم يشعرون وبالسخط والاختناق. ويعبرون في كثير من الأحيان عن الشعور بالإقصاء وغياب الانتماء، وكأنهم لا يمتلكون حصة في المجتمع. يشعر الواحد منهم بالعزلة، وأنّه في خصامٍ مع الأسرة... والأصدقاء، بحثاً عن الانتماء. يؤدي تكرار هذه الحالة في مرحلة عمرية معينة إلى نوع من الغضب. (39)
 
من الجدير بالذكر أن كولسيت لا يقدم أي دليلٍ مباشر أو بيانات أصلية لدعم هذا التصور. والاقتباسات الموجودة تعود للسير الذاتية وتعليقات من سير ذاتية نُشرت على الوسائل الإعلامية والمجلات والمنشورات الأكاديمية. وفي مواضع أخرى، ينبه عن "إشكالية الإفراط في التعميم" عند الاعتماد على "تصريحات من المقاتلين"، وقد كان محقاً في ملاحظة أن هذه "التصريحات قد لا تعادل أي شيء أكثر من خطاب تمت صياغته لخلق شعور بسلوكهم الخاص وتبريره، بدلاً من التعامل معها كمحاولة صحيحة لقياس الدوافع المعقدة في العادة وراء قراراتهم لخوض رحلة في منطقة حرب بعيدة". (40) ولكن تعليقات كولسيت التنبيهية تنطبق على مصادر المعلومات التي يعتمد عليها أيضاً: السير الذاتية المكتوبة بأثر رجعي والتصريحات المصدَّرة للصحافيين أو الأكاديميين. فالمشكلة لا تنحصر بتصريحات يدليها مقاتلون حقيقيون.
 
فعلى سبيل المثال، أظهرت عقود من البحث في المعلومات التي أدلى بها المتحولون دينياً أن الأعضاء السابقين للطوائف والجماعات الدينية قد يسعون لإظهار سلوكياتهم باعتبارها نابعةً من دوافع اجتماعية ونفسية لا يقدرون على التحكم بها وليست نابعة من قراراتهم بحد ذاتها. هذا التفسير لممارستهم الماضية يمكِّنهم من تجنب المسؤولية الكاملة عن تصرفاتهم أمام الاستنكارات العائلية والاجتماعية للجماعة التي كانوا منضمين لها. (41) تعبر هذه الحالة عن أحد الملاحظات التي يفترضها كولسيت، حيث يشير إلى أن المقاتلين الأجانب قد يميلون إلى المبالغة في درجة صدور سلوكياتهم المتطرفة عن موقف واعي، أو ضمن سيطرتهم، بينما يميل الأعضاء السابقين للطوائف إلى التقليل من قيمة إرادتهم في التحول إلى جماعة سيئة السمعة. في كلتا الحالتين ينبغي الحذر عند تفسير البيانات، ولكن لا يزال ينبغي الاعتبار بمثل هذه البيانات الأصلية في الكشف عما يحدث وسبب حدوثه (على عكس ما تُظهره دراسة كلوسيت).
 
يمكن أن تصعد مخاوف أخرى حول المعلومات التي بنيت عليها جميع الدراسات التي نوقشت في هذه المقالة. فعندما يتعامل الباحثون مع مواضيع جدلية جداً، ينبغي أن يُولى اهتمامٌ لتأويل دلالة التعليقات التي يدليها المبحوثون. وعندما يقبل الباحثون بعض التصريحات باعتبارها أدلة، ويشكون في تصريحات أخرى، ينبغي تقديم تبرير عقلاني لذلك. لا تُشخَّص هذه المشكلة التأويلية في الدراستين حول المقاتلين الهولنديين والمقاتلين الطامحين، وتعليقات كولسيت على هذه النقطة محدودة جداً. في هذه السياقات، لا يمكن لنا أن نتأكد من موثوقية هذه الادعاءات. ولكن لهذا السبب، ينبغي بناء درجة ما من المساحة المنهجية عند التعامل مع كافة المعلومات.
 
وفي النهاية يضع كولسيت مجموعتا المقاتلين الأجانب الشباب الأوروبيين ضمن تفسير واحد: "الذهاب لسوريا هو هروب من حياة لا يبدو أنها تحمل أي أمل". (42) تبدو هذه الخلاصة مشابهة لتلك التي وصل إليها ويغيمانز وباكر وغرول(43)، وهي تلتقي مع الإشارة إلى الشباب المهاجر المهمش في معظم أدبيات دراسة التوجه نحو التطرف في أوروبا. (44) تكمن المشكلة في أن التوصيف قد ينطبق على رقعة واسعة جداً من الشباب في أوروبا مقابل الحفنة الصغيرة التي استمتعت بتحولها لمقاتلين أجانب منخرطين في الإرهاب. وبالتالي، فإن المشكلة المحددة تبقى موضع تساؤل. ولكن لا تعلق أي من الدراسات الثلاث على هذا المحدِّد الواضح.
 
 
العينة الجديدة من المقاتلين الأجانب: "الوعد بالمزيد"
 
تنبع التعليقات أدناه من تحليل مفصل لعشرين مقابلة مع رجالٍ يقاتلون مع تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة (جبهة فتح الشام الآن) وأحرار الشام، بالإضافة إلى غيرها من الجماعات الجهادية والثورية النشطة في سوريا. إنها عينة صغيرة ولكنها أكبر بشكل ملحوظ وأكثر صراحة في طبيعتها من تلك التي وصلت إليها دراستا هولندا وبلجيكا. ومع ذلك، ينبغي الحذر من إصدار التعميمات، وهو ما سيتم نقاشه بشكل موسع أدناه. وبالإضافة إلى ذلك، سنحافظ، كما أشرنا، على أن يكون التحليل وصفياً جداً أو فينومولوجياً في هذه اللحظة.
 
هذه بعض البيانات الأساسية المستقاة من هذه العينة الأولية للمقاتلين الأجانب. جميع من تمت مقابلتهم كانوا قد خاضوا بعض المعارك، ولكن الكثير منهم كان يؤدي بعض الأعمال الإعلامية أو مجرد أداء واجب الحراسة عندما تواصلنا معهم. وباستثناء رجل واحد يبدو أنه في منتصف العمر أو أكبر، ورجلان لم يذكرا أعمارهما، كان جميع مقاتلينا في العشرينات، حيث تراوحت الأعمار بين 22 و28 سنة. ستة منهم كنديون، وثلاثة أمريكيون، وثلاثة من المملكة المتحدة، وأربعة من أوروبا. بينما كان الآخرون من أماكن غير محددة من أفريقيا (2) والشرق الأوسط (1) والهند (1). والعديد منهم كان من خلفيات مختلطة فيما يتعلق بالعرق والجنسية، وعاشوا فترةً من حياتهم في الغرب و/ أو الموطن الأصلي لأحد الأبوين المهاجرين. كانت الغالبية العظمى من المقاتلين الذين تواصلنا معهم من عائلات مسلمة، ولكن كان هناك خمسة متحولون في هذه العينة الأولية. معظم أفراد العينة غير متزوجين، ولكن هناك عدة أشخاص متزوجون وقلة منهم يملكون أطفالاً، ورفض العديد منهم الإجابة عن أسئلة تتعلق بعائلاتهم. والغريب أن الغالبية في هذه العينة الأولية يعارضون تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا أمر ظاهر في عينتنا.

هناك الكثير منهم أعضاء في جبهة النصرة، وذلك بالرغم من انضمامهم لجماعة أخرى أو لتنظيم الدولة الإسلامية في فترة ما. كان العديد من هؤلاء المقاتلين الذين لم يكونوا مع تنظيم الدولة الإسلامية نقديين تجاه الأفكار العقدية والعنف المتطرف لدى تنظيم الدولة الإسلامية. وكان يُدان تنظيم الدولة الإسلامية تحديداً بنشر الفتنة، أو الصراع غير الضروري، بين المسلمين. كما أشار أكثر من شخص إلى اعتراضهم على بعض طرق فرض الشريعة عند تنظيم الدولة الإسلامية.
 
كما برزت نتائج محددة من هذه العينة تساعد على موضعة هؤلاء المقاتلين بالنسبة إلى نتائج دراستي هولندا وبلجيكا. (45) يقول المتحولون ومعظم الشباب المسلمين في هذه العينة أنهم إما اجتازوا هذا التحول أو أصبحوا أكثر تديناً، لينخرطوا في دراسةٍ وممارسةٍ مكثفة لإيمانهم خلال سنوات المراهقة، وذلك عند الفئة العمرية التي تتراوح بين 14 و18 سنة. كان هناك شخص واحد فقط قال إنه أصبح متديناً أكثر في مرحلة متأخرة، وذلك بعد أن رسب في أول سنة له في الجامعة. بطريقة أو بأخرى، ركز الجميع على أهمية هذه العودة الشابة إلى الدين في توضيح عملية تحولهم إلى مقاتلين أجانب. عادة ما يشار لهذا الجانب من قصتهم بطريقة عفوية ومن دون أن يُطلب منهم ذلك. فعلى سبيل المثال، وضَّح مقاتل أمريكي متحول مع تنظيم الدولة الإسلامية:
 
نطقت الشهادة [تحولت] في عمر 15 سنة.
لم يكن هناك أي مسجد أو مسلمون حتى في مكان سكني.
كان كل تفاعلي مع إخوتي عبر الإنترنت.
وقد مارست التدين مباشرةً بحسب قدرتي.
 
كان التحول مدفوعاً بالنفاق الذي كان يشهده حوله، في عالمه المسيحي البروتستانتي، وحيرته من جميع النسخ المختلفة للإنجيل والمسيحية. حيث قال:
 
كان الناس متدينين في العلن حيث كنت أعيش
ولكنهم يشربون الكحول في المنزل.
وأشياء أخرى شبيهة بذلك.
لم أكن أثق بالمسيحية مطلقاً.
لم تكن تبدو الأشياء متناسقة فيما بينها.
 
وكما أخبرنا مقاتل في جبهة النصرة من المملكة المتحدة وذو خلفية مسلمة:
 
لقد عُلِّمت أهيمة الإسلام واللغة العربية وهو ما ساعدني في حياتي.
خلال حياتي، كنت أحب الدعوة [التبشير] دائماً وأحدَّث الناس عن الإسلام وهذا قد زاد من إيماني. لقد أثر العيش في الغرب سلبياً على ديني وقد تعرضت لمغريات من الأخطاء والحياة وقد ضللت في بدايات مراهقتي.
 
بالنسبة إلى هذا المبحوث، عندما لم تؤد وعود "نمط الحياة الغربي" إلى إنتاج السعادة، نظر خلفه إلى تربيته والتقاليد التي نشأ عليها. وكما أشار: "لقد شعرت بالكآبة وتدمرت حياتي". وعندما سُئلَ لماذا، قال بطريقة محيرة نوعاً ما: "بسبب الجري وراء الحياة بينما كانت تهرب مني".
 
في بعض الحالات، يكون من الواضح كيف كانت العودة الأولية للدين مندمجة مع توجه جزئي نحو التطرف. فعلى سبيل المثال، قال مقاتل بريطاني مع جبهة النصرة من المواليد المسلمين متحدثاً عن طفولته المبكرة:
 
كانت الحمية للجهاد تصيبني دائماً عندما أجلس في غرفتي وأقرأ القرآن مترجماً باللغة الإنجليزية. وكنت أتساءل كيف يُمارس الجهاد اليوم. ومع اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، بدأت التفكير بالذهاب وقد حمستني رؤية الإخوة من المدينة الذين كانوا ذاهبين إلى هناك.
 
وقال مسلم آخر، من أصول هندية ويقاتل الآن مع جبهة النصرة، أنه فكر في الجهاد أول مرة خلال الانتفاضة الثانية، وذلك عندما كان في بداية شبابه غالباً:
 
أردت الذهاب لفلسطين... كان جميع أصدقائي يتحدثون عن ذلك...
ولكن كان ذلك مجرد كلام...
أشار إلي أحدهم بقراءة كتاب معالم في الطريق لسيد قطب عندما كنت في شبابي...
قرأته...
ودرست أكثر عن الجهاد من تنظيم القاعدة... بدا ذلك شرعياً...
أردت الالتحاق بمجموعة ما في وقت مضى... ولكني لم أجد أي طريقة لذلك...
وأرسل لنا الله الرحمة على شكل الحرب الأهلية السورية.
[التقطيع حاصلٌ في الرسالة الأصلية].
 
إنّ العديد من المبحوثين هم الأبناء الوحيدون في عائلاتهم، ولم يذكر إلا شخص واحد توجه أخيه إلى التطرف وتحوله لمقاتل أجنبي. تندم معظم العائلات على اختيار ذهابهم إلى سوريا، ولا يُبدون أي تعاطف مع الجهادية. ولكن كان هناك مثال واحد على حدوث صدامٍ كبير بين أبٍ وابنٍ ربما يكون قد لعب كعامل في توجه الشخص نحو التطرف. لا زال المعظم يحترم ويهتم بأسرهم، ولكنهم يذمونهم ويصفونهم بـ"جوز الهند" (بُنيّ من الخارج وأبيض من الداخل).
 
ذهب نصف العينة على الأقل إلى الجامعة وذكر ثلثها أنهم تخرجوا بشهادات محددة. وقد توجه العديد من هؤلاء الأفراد إلى التطرف فقط بعدما أنهوا دراستهم. وأشار عدة أشخاص أنهم استمتعوا بدراستهم، ولكن المعظم أشار إلى أنهم كانوا مستائين خلال الدراسة لأنهم شعروا بالحاجة لوجود شيء إضافي في حياتهم. علق أحد المقاتلين البريطانيين مع جبهة النصرة الذي اقتبسنا من كلامه أعلاه:
 
قبل هذا الجهاد، كنت معجباً بفكرة الشهادة، وبفكرة عدم الحساب في القبر ويوم الحساب، ولكني لم أكن مستعداً للرحيل عن حدود حياتي في المملكة المتحدة. وفي عام 2011، تم الإعلان عن استشهاد أخ محلي في سوريا، ومن هنا بدأ كل شيء. بدأت بالتفكير وبالتساؤل مع نفسي، "أتعلم شيئاً، إذا استطاع هو فعلها، لماذا لا أستطيع أنا؟ إنه في الجنة الآن بينما أنت "تجلس وتعيش حياةً دنيوية بسيطة بين جامعة وعمل وجمع المال".
 
بكلمات أخرى، لم يكن يتعلق الأمر كثيراً بغياب الإمكانيات أمام حياتهم، بل بالشعور بضرورة وجودهم في مكان آخر، في مواجهة المظالم الواقعة على المسلمين السنة في سوريا. كان الهدف النهائي هو دخول الجنة، ويرى كثير من المقاتلين التزاماً نحو الجهاد والشهادة، كشيء يناقض النجاحات الدنيوية، باعتبار أن ذلك هو ما كان ينبغي أن يفعلوه في حياتهم.
 
لم يشر أحد من أفراد هذه العينة أنهم جاءوا من عائلات تعيش ظروف الفقر والتهميش. وفي المقابل، قال الكثير منهم أنهم عاشوا طفولة سعيدة ومحظوظة، أو مريحة على الأقل. وبشكل عام، لم يكن هناك أي نقاش عن الظروف الاقتصادية لعائلاتهم. أشار العديد من المبحوثين لنقطة وهي أن هناك شيئاً في الغرب لا "يتلاءم" مع تدينهم وأنهم بدأوا يشعرون بشكل متزايد بالغربة هناك. حيث عبر عن ذلك غربي متحول بطريقة مقتضبة:
 
كانت العائلة من طبقة وسطى عادية.
حي جميل.
وأصدقاء جيدون.
 
عندما سُئل مقاتلٌ آخر عن جوانب متعددة من حياته في المملكة المتحدة قال:
 
كانت الحياة جيدة، وكنت سعيداً مع أصدقائي
وأعيش حياةً سهلة ومريحة
ولكني أردت الجهاد كي أعود إلى الله
لكي أثبت أمام الله أنني أستطيع القتال في سبيله.
جميع علاقاته جيدة بحمد الله. ومن دون عنصرية.
 
وعندما طلبنا منه توضيح ما إذا كان قد شعر أنه يهرب من وضع سيئ حيث كان يعيش، عارض أحد المقاتلين الصورة الإعلامية حول أسباب تحول بعض الناس إلى مقاتلين أجانب:
 
أولاً، هناك أناس يرددون البروبوغندا التي تقول إن المسلمين الذين يلتحقون هناك هم أشخاصٌ يشعرون بالملل أو يبحثون عن مغامرة.
هذا تصور استشراقي نوعاً ما. فهم يريدون تصوير الرجال الذي ذهبوا للجهاد وكأنهم يشبهون أولئك الناس في الغرب الذين يشنون جرائم قتل جماعية بلا سبب أو لأنهم كان شاعرين بالملل أو مختلين عقلياً.
كثير من المهاجرين الذين أعرفهم قد جاءوا مع زوجاتهم وأطفالهم. وكان بعضهم على وشك الزواج...
بعضهم طلقوا زوجاتهم...وبعضهم تركوا عائلاتهم الذين يجبونهم
بالنسبة إلى المعظم، هذا يعد شيئاً غريباً...
هذا كله في سبيل الله.
[التقطيع حاصلٌ في الرسالة الأصليّة]
 
 
وأشار مقاتل آخر إلى تعليقات مشابهة عندما سُئل عن أسباب رغبة المقاتلين الأجانب الطامحين بالذهاب بجماعات إلى سوريا:
 
نحن نتحرك في مجموعات لأنك
تغامر في المجهول
بعد عيش حياة
من الرخاء والرفاهية حيث تكون على معرفة
ببيئتك.
 
هناك عدد واسع منهم كان ينتمون لعائلات متدينة، ولكن حوالي نصف المجموعة تلقى بعض التعليم الديني الرسمي عندما كان طفلاً (مثل المجالس القرآنية والتعليم الإسلامي). وبالنسبة إلى القلة التي تلقت تعليماً دينياً مكثفاً وطويلاً خلال الطفولة، كان هذا ينطبق على المقاتلين الذين نشأوا في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا أيضاً في بعض الحالات.
 
تتفق كافة النتائج مع الكثير من الخلاصات التي وصلت إليها الأدبيات النظرية في بحث عملية التوجه نحو التطرف والعنف. (46) تبدأ العملية في بداية المراهقة، وتنخرط فيها مجموعة صغيرة من الأصدقاء، ويلعب الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في ذلك. علَّق العديد من المقاتلين تحديداً على أهمية الدروس الإلكترونية لأنور العولقي، حيث أشار أحد المقاتلين الغربيين:
 
ديننا [أسلوب حياتنا] هو ما يقوله القرآن والسنة بالإضافة لعلمائنا البارزين، مثل البخاري ومسلم وابن تيمية وغيرهم. والحمد لله فقد انكشف لي الطريق الصحيح. والجهاد يأتي بشكل طبيعي إذا ما كنت صادقاً مع تعاليمك. لقد كنت معجباً وما زالت بأنور العولقي، كان جيداً جداً، وذا حجج قوية ولهذا السبب تم قتله، لقد كان مؤثراً جداً، خاصة على الشباب.
 
إن قرار "العزم" على الجهاد بقي سراً عند معظم الناس، خاصة عائلاتهم. وبعضهم استمر بخداع عائلاتهم حتى بعد الوصول إلى سوريا، قائلين إنهم كانوا يعملون في السعودية أو أي مكان آخر. يستقبل هؤلاء المساعدة في التحضير للرحيل، وفي السفر إلى سوريا، من أناس موجودين هناك أو من "الإخوة" الآخرين في المجتمعات التي كانوا يعيشون فيها. يدخل في هذا كما يبدو المساعدة من أشخاص لم يكونوا مقربين منهم قبل اتخاذ قرار الرحيل.
 
أُلهم العديد منهم بواقع وجود آخرين من مجتمعهم غادروا واستشهد الكثير منهم. وكان هؤلاء من ضمن أوائل الأفراد الذين هاجروا، ولكن في عدة حالات كانوا يناقشون كيف كان يسير بعض الأفراد خلف قيادتهم. وفي معظم الحالات، كانوا يجدون أصدقاءهم مشتتين في مجموعات ووحدات مختلفة من نفس المجموعة بمجرد وصولهم إلى سوريا، واستبدلت صداقاتهم بروابط جديدة تشكلت مع مقاتلين أجانب آخرين في سوريا.
 
كان يكرر جميعهم، مع وجود بعض التناسق في أقوالهم، رغبتهم في تحقيق الشهادة والاحتفال باستشهاد الآخرين. ولكنهم كانوا يؤكدون على نحو صارم أن مصيرهم بين يدي الله. عندما سئل لماذا شرعت بالجهاد، قال شخص مع تنظيم الدولة الإسلامية:
 
ينبثق حماسنا من ديننا، من القرآن والسنة ونحن لا نخجل من ذلك. لقد تركنا العالم المريح كي نؤسس الخلافة على المنهج النبوي لذا فإني لا أعرف ما هي مشكلة بعض المنافقين الذين يلجؤون للكفر. نحن لسنا مدفوعون بالسياسة والثروة وحب هذه الدنيا. نحن مستعدون للموت كشهداء في سبيل الله كي نطبق الشريعة في أرض الخلافة. لقد أعلناها بشكل واضح وصوت أعلى أن الإسلام سيحكم العالم. ونحن نعلم هذه الحقيقة من السنة وحديث نبينا صلى الله عليه وسلم.
 
وعندما سئل لما كان "مندفعاً" للوصول إلى الجنة قال مقاتلٌ بريطاني:
 
إن مرتبة الشهيد هي أعلى المراتب التي يمكن تحصيلها. فما من موت يعادل موت الشهيد.
يقول لنا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إن هذه الدنيا هي سجن المؤمن وجنة الكافر. وأنا مثلهم وأريد أن أعرف الآن ما إذا كنت قد وصلت إلى الجنة وتجنبت النار، الجنة هي الهدف من ممارسة الإيمان في الدنيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الجهاد الآن قد أصبح أمراً واجباً مع دماء المسلمين التي تراق وكي تصبح كلمة الله أو دين الله هي الأعلى في الأرض.
لا أستطيع مواجهة العقاب والحساب -أنا خائف جداً من ذلك- وقد افتعلت الكثير من الخطايا.
 
كما أُشير في الاقتباس الأخير، قدم معظم المقاتلون المبحوثون تبريراتٍ أخلاقية ودينية بشكل كبير لتحولهم إلى مقاتلين أجانب، أكثر من كونها مبررات سياسية، بالرغم من عدم وجود تفريق حقيقي بين الأمرين في عقول هؤلاء الأفراد. حيث أشار المبحوثون تماماً بأن الذهاب للقتال كان يتعلق بالدرجة الأولى برفض طبيعة الحياة اللاأخلاقية في الغرب. مثلما أشار شاب من جبهة النصرة:
 
حرّم [الإسلام] الكحول. والإباحيات. والتطفيف. وأبناء الزنا. وسنَّ في ذلك عقوبات صحيحة. فعلى سبيل المثال، إذا مارس أحدهم الاغتصاب، فينبغي أن يُقتل. لا أن يهرب من ذلك بعد خمسة سنوات. ومارست الأنظمة الغربية حملة صليبية على إيماننا ودمرت إمبراطورتينا. ونحن هنا الآن كي نستعيدها. نريد أن نعيد حكم الله، وندمر شرور حكم البشر. نريد أن ندافع عن المسلمين في أراضيهم من الجيوش الغربية والحكومات التي تحكمها. لا نصف هذه الحكومات بالمسلمة لأنها تركت الإسلام عندما قررت أن تستبدل به حكماً غير الإسلام.
 
وتحدث مقاتل آخر على نحو أعم، كما فعل آخرون، حول "النظام" الغربي ومواضع قصوره:
 
لقد هاجرنا لأننا لم نعد نريد العيش ضمن النظام. والنظام هو الحكومات الغربية. ديمقراطيتهم. إنهم يتحكمون بما تفكر فيه وتقوله، وما تهتم به. ويخبرونك ما هو الصحيح والخاطئ، من الإعلام الذي تقرأه وتشاهده وحتى الأشياء التي تتعلمها في المدرسة منذ الصغر لأن المنهاج التعليمي يأتي منهم. ولكننا نمتلك نمط حياة خاص، والذي يدعى الإسلام. إنه نمط حياة شامل. إنه دين ولكنه نظام للحكم أيضاً. فيه شرائع وأحكام حول كل ما تريد أن تفعله ابتداءً بكيفية الذهاب لدورة المياه وكيف تشرب وتأكل وتغسل أسنانك وحتى طريقة عبادة الله وإدارة أعمالك. إنه يجعلك ترى العالم كما هو ويُبعدك عن الأشياء المضرة في المجتمع.
 
تربط الردود التي سجلناها بتعليقات حول الحاجة للصرامة في إظهار الاختلافات بين المسلمين الحقيقيين وغيرهم.
 
في مقابل أفراد دراستي هولندا وبلجيكا التي تم نقاشها، ثمة ثلاثة سمات مترابطة تظهر في البيانات التي تم جمعها: (1) أهمية الخطاب الديني والاعتبارات، والتضامن مع زملائهم المسلمين؛ (2) التركيز على الحدود الأخلاقية وليس الاقتصادية في إدانة ماضيهم وتفسير تحولهم نحو التطرف؛ و(3) الطبيعة الشخصية للرحلة، حيث يمكن فهمها كرحلة لتحقيق الذات أكثر من كونها نشاطاً سياسياً. يسقط التوتر عند الانخراط في ممارسات مكلَّفة من الله، والأفراد الذين يلبون ذلك بسهولة يكون بإمكانهم القيام بأقصى التضحيات. لم يشر أحد، علاوة عن أن يصرح، بأنه تأثر بأشياء ترتبط بوضوح بـ"محدودية الفرص في سوق العمل والمكانة الاجتماعية". (47) وبكل تأكيد، لم نوجه أسئلة محددة حول ما إذا كانوا سعداء بحالتهم الاجتماعية الاقتصادية قبل الذهاب إلى سوريا. وسألناهم بدلاً من ذلك عن خلفية عائلاتهم، والتي عادةً ما كانت تثير معلومات عن حالتهم الاجتماعية الاقتصادية. ولكن في المقابل كانت أسئلتنا عن مسار توجههم نحو التطرف مفتوحة عن قصد، كي يتمكن المبحوثون من التعبير بحرية لوصف ما حدث معهم ولماذا. ولكن لم تبرز فكرة "غياب الإمكانيات" أو أي فكرة مشابهة كمدخل للتوجه نحو التطرف في المقابلات التي أجريناها، وذلك بالرغم من أننا كنا متنبهين لهذه القضية.
 
تأويل أقوال الإرهابيين

بكل تأكيد لا تعد أي من هذه الاختلافات التأويلية المذكورة أعلاه دقيقةً وواضحة. فالتحاليل التي تم تقديمها في جميع تلك الدراسات، بما فيها هذه، هي وصفية بالدرجة الأولى. فالتصريحات التي أدلى بها عشرون مقاتلاً أجنبياً كانت موجزة وبيانية وبسيطة جداً. وفي النهاية نحن لا نسائل صدق معظم الادعاءات، ونحاجج بأن تكرار تصريحات مشابهة عبر أفراد العينة، في سياقات حوارية متنوعة، ومن أفراد من دول مختلفة، ومقاتلين من جماعات مختلفة، كل ذلك يشير إلى وجود بعض الدلالات المرتبطة بما يقولونه. ولكن يعكس هذا التصور حكمنا المهني المبني على استماع الفوارق الدقيقة في الحوارات مع هؤلاء الأفراد. إن الاقتباسات القليلة الموجودة ضمن الفراغ المتاح في هذا السياق تفشل في إيصال شعور كافٍ بالمجرى الكلي لهذه النقاشات، والتي تتسم في مجملها بالهدوء والتنقل السريع من تعليقات على معظم الجوانب الدنيوية في الحياة، الماضي والحاضر، والنزاعات العقدية، والتصريحات العلنية حول أبرز الالتزامات الجدية في الحياة.
 
ولكن القضايا المنهجية (كالتأويل) التي تبرز عند التعامل مع هذه الأقوال الجدلية هي قضايا معقدة ومثيرة للتحدي، ويمكن الاستماع لبعض الأسئلة المفهومة عند عرض نتائجنا. هناك عدة أسباب دعت لوضع شكوك على "القيمة الاستدلالية" للتصريحات التي أدلى بها المقاتلون. (48) أولاً، لوحظ أن الجماعات الجهادية الفاعلة في سوريا والعراق عادةً ما تقوم بسحب الهواتف بعيداً عن المتطوعين الجدد عندما يصلون، ولا يعيدونها إلا بعد إتمام المجندين للتدريب والتعليم الديني الأساسي. ثانياً، لقد أشاروا إلى أن التفسيرات الدينية الشخصية التي يدلي بها الأفراد حول أسباب تحولهم إلى مقاتلين أجانب تقف إلى جانب التوقعات المعتادة للمسلمين المتدينين، وبالتالي من غير المفاجئ أي يعبروا عن تحولهم للإرهاب كنوع من "معرفة إرادة الله". ثالثاً، ولهذين السببين، تم اقتراح أنه لا ينبغي أن نتوقع أن يقوم المبحوثون بنقاش العوامل الاجتماعية والاقتصادية لأنهم تعلموا أن يوجهوا تركيزهم على أمور أخرى.

وفي النهاية، تمت الإشارة إلى أن هذه المقابلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تدل على البرامج التدريبية العقدية المؤثرة التي تقدمها الجماعات الجهادية، وربما ذلك فقط. التعليق يدل على شكوك أوسع بصحة الادعاءات التي يدلي بها الإرهابيون، ولكن على الإرهابيين المتدينين تحديداً.
 
نحن ندرك أبجديات أخذ الحيطة والحذر في استخدام تصريحات المقاتلين الجهاديين. يميل الناس لتذكر وتأويل وتقديم ماضيهم بطرق معينة لتبرر أو تدعم التزاماتهم الحالية. وهذا يتضاعف عندما تحدث هذه الالتزامات عن عمد وعلى نحو يعاكس المعايير السائدة للسلوك السائد في المجتمعات التي ولدوا فيها. كما تُظهر الحياة اليومية والتاريخ والعلوم الاجتماعية والقانون أن هناك احتمالية كبيرة لوجود عدم الدقة أو الخداع (بما في ذلك خداع الذات). ولكن الوضع معقد أكثر بكثير من أن يكون بالإمكان نقاشه على نحو كافٍ هنا (49)، والسؤال عما إذا كانت ردود الإرهابيين هي مجرد انعكاس لتدريبهم الديني يُبرز العديد من القضايا المهمة.
 
أولاً، لأن هذه الأمور تُدخلنا في معضلة البيضة والدجاجة. هل انتهى الأمر بهؤلاء الشباب في برامج التعليم الدينية الجهادية بسبب تدينهم السابق، أم أن أقوالهم عن تدينهم السابق هي محض تجلٍ لتدريبهم الديني في سوريا؟ كيف يمكن لنا أن نحدد الإجابة الأصح؟ قد يكون كلا الأمرين ممكناً؟ في جميع الأحوال، نجد أنه من غير المرجح أن يكون معظم الناس الذين رحلوا للجهاد في سوريا والعراق وبدأوا يتلقنون التعاليم هناك، لم يصلوا إلى هناك، جزئياً على الأقل، بسبب التزاماتهم الدينية. قد تكون التزاماتهم مشوبة وغير مكتملة عقدياً، ولكنهم كانوا على الأرجح مخلصين ويسيرون بشكل منطقي. وبكلمات أخرى، تلقى هؤلاء التدريب الديني في تفاصيل الشريعة الإسلاميّة بمجرد وصولهم إلى سوريا، بحسب ما تتبناه الجماعة التي التحقوا بها، ولكن ليس أسس الأيديولوجيا السلفية الجهادية.
 
ثانياً، بالنسبة إلى أولئك الذين يظنون بأن توجهنا نحو أقوال المقاتلين الأجانب هو ساذج جداً، فمن المحتمل أنهم لا يقترحون بأنه ينبغي أن نتوقف نحن والآخرون من جمع بيانات أصلية من المقاتلين الأجانب، ولا أن هذه المعلومات المستقاة من الأفراد الذين خضعوا لبعض التدريب الديني لا تحتوي على أية دلالة بشكل قاطع. يمكن لكلا الردين أن يكونا غير مبررين منهجياً، وذات نتائج عكسية أيضاً. ثالثاً، خلال العمل على هذا البحث، أخذنا في عين الاعتبار أمراً آخر قويٌ على الصعيد المنهجي، وهو أمر أشار إليه كلاسيكياً عالم الاجتماع هيربرت بلومر:
 
... إذا أراد باحث ما أن يفهم أفعال الناس فمن الضروري بالنسبة إليه أن ينظر إلى أشيائهم [المادية والاجتماعية والمفاهيمية] كما يرونها هم. إن الفشل في رؤية أشيائهم كما يرونها هم، أو تبديل معانيهم عن الأشياء مقابل معانيه عنها، هو أخطر أنواع الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها العالم الاجتماعي. فهي تؤدي إلى بناء عالم متخيل. بكلمات أبسط، يتصرف الناس تجاه الأشياء بناء على ما تعنيه هذه الأشياء بالنسبة إليهم، لا على أساس معنى هذه الأشياء بالنسبة إلى الباحث الخارجي. ومع ذلك، نواجه نحن من كل مكان بدراسات عن حياة جماعات وسلوك الناس لا يقدم فيها الباحث أية محاولة ليعرف كيف يرى الناس ما يتفاعلون معه. (50)
 
وكما اشتكى الباحثون في مجال الإرهاب (51)، فإن العمل في هذا المجال قد خضع لهذا الخطأ كثيراً. يعود ذلك في جانب منه لمدى صعوبة تحصيل البيانات الأصلية المناسبة. ولكن النقص الحاد لمثل هذه البيانات يزيد من أهمية السعي لتحصليها، ووضعها ضمن تحليلنا.
 
رابعاً، وفي حالتنا هذه، لا يمكن الافتراض بأن كل شخص تحدثنا معه قد خضع لنوع ما من برامج التلقين العقدي الشاملة. كان تسعة أفراد من عينتنا أفراداً في تنظيم الدولة الإسلامية عندم تمت مقابلتهم، وثلاثة منهم كان في تنظيم الدولة الإسلامية سابقاً. ولكن لا يوجد برامج رسمية وشاملة مشابهة للتدريبات الدينية للأعضاء الجدد في العديد من الجماعات الجهادية الأخرى. فالحالة منوعة وسائلةٌ جداً، كما يتجلى في التعليق التالي لعضو في جبهة النصرة (جبهة فتح الشام الآن):
 
نحن نقدم دروساً في الشريعة
يختلف المضمون عما يقدمه تنظيم الدولة الإسلامية
تركز درس الشرعية بشكل كبير على خطر تنظيم الدولة الإٍسلامية
 
بعض الأفراد لم يحضروا هذه الدروس. وبعضهم حضرها
وآخرون التحقوا بها بعد فترة.
هذا يعتمد بشكل كبير على زعيم المجموعة وموقعها
 
وبالتالي، لا يمكن افتراض وجود دور لأثر التشويه المحتمل للتلقين العقدي الممنهج، ينبغي التحقق من ذلك وتأكيده على أسس دراسة حالة.
 
خامساً، وبشكل أعم، بإمكاننا أن نحاجج بصعوبة تحديد ماهية التحيزات القائمة في المعلومات التي جمعناها وأن نضع تمييزاً بين التصريحات الموثوقة وغير الموثوقة، ما عدا حالة التشويه الواضح للحقائق الثابتة. ونحن لا نميل حالياً لعمل مثل هذا التمييز لأن المقاتلين الأجانب قد تعرضوا لبعض التعليم الديني. فعلى سبيل المثال، أخبَرَنا نصف أفراد عينتنا أنهم تلقوا نوعاً من التعليم الديني الرسمي في طفولتهم، وكان هذا التعليم في بعض الأحيان طويلاً ومكثفاً. إذا سرنا وراء منطق النقاد، قد تعطينا هذه الحقيقة سبباً إضافياً للشك بصحة المعلومات التي يقدمونها عن أفعالهم، وهذا سيكون صحيحاً حتى لو قابلناهم قبل ذهابهم إلى سوريا. كما ادعى معظم الأفراد الذين قابلناهم أنهم خضعوا لنوع ما من الصحوة دينية المهمة، وهي تشبه تجربة التحول. يقدم هذا المزج للتعليم الديني مع حياتهم أسباباً إضافية للقلق والشك. ولكن بهذا المنطق، سيتم اسقاط كل شيء تقريباً مما قاله لنا معظم الجهاديين حول تجربتهم، بغض النظر عن الفترة التي قابلناهم فيها مع تقدمهم في مسار التحول لمقاتلين أجانب.
 
سادساً، يستبطن هذا التوجه أيضاً أن معلوماتهم قد تكون بطريقة ما أكثر موثوقية إذا كانوا مستقرين قبل أن يصبحوا متدينين، على اعتبار أن التلقين العقدي الديني هو الأمر المُشكل. ولكن ما هي الأرضيات الميدانية التي لدينا لمثل هذا الافتراض؟ لماذا تكون معلوماتهم ما قبل التدين، أو ما بعد التدين ربما، حول سلوكهم أو تبريرهم تخضع بشكل أقل للتشوه؟ نحن لا نشك في دور الدين في التأثير على طريقة رؤيتهم للأشياء. ونعتقد في المقابل أن المقابلات أظهرت أن هذا هو الواقع، ولكن بالاستناد على بلومر فنحن نهتم في فهم هذا الأمر وإدراك أنه لو كانوا يفسرون ماضيهم بهذه الطريقة، والواقع بشكل عام، فإننا لا نمتلك أرضيات بدهية لتجاهل دلالة ذلك. في دراسات الإرهاب المتدين عادةً، تكون أولوية القيام باستبعاد معلومات ذات دلالة في حضور الدين، وليست دليلاً ميدانياً على أن المعلومات المسائلة، هي مشوهة فعلياً وبطريقة مؤثرة وواضحة.
 
سابعاً، واستناداً على منظور الشخص، قد تكون هناك أرضيات لرفع شكوك مشابهة حول صحة جميع أنواع البيانات المباشرة. يمكن أن توجه مثل هذه الشكوك على المعلومات التي قدمها شخص خضع لتدريب عسكري أو أمني مكثف، أو دخل في ثقافة فرعية منحرفة (مثل جماعات الجريمة المنظمة، ثقافة المخدرات، قرصنة الحواسيب). ولكن يقوم العلماء الاجتماعيون بجمع واستخدام المعلومات من مثل هؤلاء الأفراد. هل القضايا التأويلية التي أمامنا تضغط أكثر أو مترابطة بطريقة ما في حالة هؤلاء الذين خضعوا لنوع من التعليم الدين أو شهدوا تحولاً في الهوية؟ ربما، ولكن هذا أمر يجب البحث فيه ونقاشه، ولا يتم الجزم به في أرضيات أخرى.
 
ومن باب الإعادة، يزيل التوجه التفسيري الذي يأخذه النقاد بدرجة ما القدرة على الاعتماد على ما يقوله الأشخاص المدروسون، بحكم اللغة الدينية المستخدمة، وهو ما يؤدي إما إلى تجاهل الدوافع التي يدَّعونها أو وضع التصورات الخارجية موضع أولوية. ونحن لا ننجذب لأي من الخيارين. نفضل في المراحل الأولى من هذا العمل أن نضع طبيعة الفهم والإدراك الذي يصنعه الأفراد لمحيطهم كأولوية، من دون أن نكون موافقين بالضرورة على ادعاءاتهم كما هي. لا بدّ بالطبع أن نكون حذرين من تصديق كل ما يقال، وينبغي بذل جهد للسعي لإيجاد أنواع أخرى من المعلومات لتقييم معقولية ادعاءاتهم. هذا في جانب منه يفسر لماذا أنجزنا مقابلات مع أعضاء عائلات وأصدقاء المقاتلين الأجانب، وذلك بالرغم من أننا لم نتمكن حتى الآن من مقابلة عائلات وأصدقاء العشرين مقاتلاً التي تمت مناقشتهم هنا.

لكن مع توافر المزيد من الوقت والموارد، قد يكون بالإمكان تأمين تطابق أفضل بين مجموعتا المقابلات. ولكننا لا نجد في هذه اللحظة قيمة منهجية أو موضوعية كبيرة في الافتراض أن جميع المقاتلين الجهاديين يمارسون الخداع، أو أنهم غير قادرين بطريقة ما على إدراك القوى الاجتماعية والنفسية التي تلعب في حياتهم. وبشكل أوسع، نحن نرفض الفكرة القائلة بأن الدوافع الدينية أقل معقولية من الدوافع السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية أو النفسية حتى، وهي الفكرة المستبطنة في الشكوك حول التأكيد على الدوافع الدينية.
 
ملاحظات ختامية
 
هل نحن نواجه، بتعبير أوليفي روا، أسلمة للتطرف بدلاً من تحول الإسلام إلى التطرف؟ يصعب تحديد بذلك بناءً على البيانات الأصلية المحدودة التي تم البحث فيها هنا. نحتاج إلى المزيد من المعلومات، والأهم من ذلك، المزيد من المعلومات الواسعة والشاملة المباشرة من أولئك الذين توجهوا نحو التطرف. إن التباين بين نتائجنا ونتائج الدراستين الهولندية والبلجيكية قد تعكس الاختلافات في الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي مر بها المهاجرون المسلمون في المناطق المختلفة. فكما يُحاجج عادةً على سبيل المثال، هناك الكثير من المسلمين في أمريكا الشمالية يبدون بحال أفضل بكثير من الكثير في المساحات الأوروبية، وهذا يقلل من قيمة افتراض وجود تجربة عابرة للأجيال تدخل في فوضى مواجهة "ضعف الإمكانيات". ولكن أحجام العينة في الدراسات مع البيانات الأصلية صغير جداً ليمكِّن من بناء استدلالات قوية.

وبالإضافة إلى ذلك، لا تنحصر عينتنا في أشخاص من أمريكا الشمالية أو أوروبا الغرب حتى، ولا يوجد علاقة قوية بين التهميش أو ضعف الاندماج وبين التوجه نحو التطرف كما يفترض عادةً. (52) فعلى سبيل المثال، دعت دراسة ميدانية جديدة حول المسلمين في أوروبا الغربية إلى مسائلة العلاقة بين التوجه نحو التطرف، وتبني معتقدات دينية أصولية، وضعف الأحوال الاجتماعية الاقتصادية. وجد الباحثون أنه "بشكل عام، كان المبحوثون من العائلات الأكثر رفاهية يميلون أكثر لممارسة إسلام يرتبط بشكل كبير بالأصولية، فهُم أكثر محافظة تجاه الأدوار الاجتماعية، ويسعون لتطبيق الشريعة في العالم كله، ويحتفون بالاتجاهات والمواقف المرتبطة بالإسلام الأكثر تسييساً. وبالإضافة إلى ذلك، كان الأفراد الذين يتبنون هذه المعتقدات أكثر دعماً لاستخدام العنف لـ ‘الدفاع عن إيمانهم‘". (53)
 
 
وكما تمّت الإشارة سالفاً، تحيل معظم دراسات التوجه نحو التطرف، بما فيها التي تمت مناقشتها هنا، بشكل يكاد يكون حتمياً وواضحاً إلى رحلة البحث نحو شعور أكبر بالمعنى في الحياة كمدخل لتفسير سبب تحول شخصٍ ما إلى مقاتلٍ أجنبي (54)، إلا أن النقاش عن معنى ذلك غامض ومبتور. ولكن عندما يتم إصدار مثل هذه التصريحات، يوجد تحيز ضمني في طريقة تأطير ذلك. فهذا يستبطن أن حياة الأفراد الذين أصبحوا مقاتلين أجانب لا بد أنها كانت تفتقد للمعنى، قبل أن يتحولوا للتطرف إذا أردنا أن نكون مباشرين في ذلك. وبناءً على هذا، يتم تفسير عملية التوجه نحو التطرف باعتبارها سلوكاً تعويضياً بطريقة ما. يبدو أن هذا التعويض يأتي من التزامهم بأيديولوجيا ومجتمع جديد من المؤمنين. ولكن من المنطقي التساؤل لماذا يكون النزوع نحو التدين هو أكثر تعويضٍ مرضيٍ ومقنعٍ أمام ضعف الإمكانيات المادية في الحياة؟ يمكن صياغة إجابة معقولة عبر استدعاء أبحاث من علم الاجتماع وعلم النفس وتاريخ الأديان. ولكن لم يتم إنجاز ذلك بعد في سياق دراسات الإرهاب، ولا توجد بيانات أصلية كافية لإدراك مدى معقولية افتراض فكرة التعويض.
 
إن بحثنا، لحد الآن على الأقل، يوجه التحيز التفسيري للأهمية النسبية للعوامل الجاذبة والتعويضات المحتملة للعوامل الأخرى في حياتهم، أي الوعود بتحقيق شيء في الحياة أكبر من مجرد الراحة المادية والألفة الاعتيادية. في المقابلات التي أجريناها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع المقاتلين الأجانب الجهاديين، كان هناك شيءٌ أكبر على الدوام، سواءً على مستوى ما يقال ونبرة الحديث خلال الحوار، حول الأسباب الإيجابية للتحول إلى المجاهد، وهو أكبر من القيود المادية الموجودة في حياة الفرد قبل أن يصبح كذلك. وعلى نحو لا يمكن إنكاره، قد تعكس الردود حالتهم النفسية خلال أوقات المقابلات، بحكم أنهم كانوا مجاهدين منخرطين بشكل كامل. قد تكون تصوراتهم عن الماضي أكثر ضبابية من الطبيعي حول الإكراهات النفسية والاجتماعية لظروفهم. وقد يحاكون سردية التحول التي تروج لها الرؤية العالمية للسلفية الجهادية. (55) ولكن قد تقدم تعليقاتهم أيضاً وإلى حد ما إشارات أكثر عمومية حول كيفية وأسباب توجههم نحو التطرف.
 
يتضمن هذا التوجيه التفسيري البديل أخذ توجه صريح مع كثافة الخطاب الديني عند المقاتلين الأجانب، أي طرق استخدامهم للأفكار الدينية لتأطير تجربتهم بأكملها. من الواضح أن حياة هؤلاء الرجال مشبَّعة بخطاب ديني سياسي سلفي جهادي. وبناءً على ذلك، يمكن الحجاج بأن تدينهم يشكل أمراً محورياً لفهم دوافعهم، مهما كانت هشاشة محاولاتنا، كأشخاص من الخارج، لفهم هذه الدوافع. (56)
 
يشير سامون كوتي وكيف هايوارد إلى أن "نشاط الإرهابيين قد يقدم منفذاً لرغبات وجودية أساسية لا يمكن إيجاد قنوات مشروعة للتعبير عنها". (57) يقول المقاتلون الأجانب الذين نتحدث معهم أشياءً تقترب من هذه الفكرة. ولكن يصعب تحديد ودراسة (من منظور العلوم الاجتماعية) حضور وتأثير جانب وجودي من التطرف. فعند افتراض الدوافع، من الأسهل التركيز على الأشياء الأكثر وضوحاً التي قد يفتقدها الناس في حياتهم، وتقدم لهم مثل هذه العوامل قدرة أسرع على اقتراح علاجات والتوصية بسياسات. ولكن تبقى هذه المشكلة مثيرة للقلق عندما يفكر المرء بالأشياء الأكثر وضوحاً والعوامل الاجتماعية الاقتصادية الدافعة للتوجه نحو التطرف. وفي النهاية، نحن نقترح على الباحثين أن يختاروا بين الدوافع الاجتماعية والاقتصادية وبين العوامل الوجودية والأيديولوجية الجاذبة. وفي المقال، نحن نحاجج بكل بساطة أن هذا التوجه شحيح ويحتاج للدفاع عنه ليؤخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع البيانات الأصلية، وفي عملية تحصيل فهم أفضل لدور الأيديولوجيا في هذا القرار. (58)
 
الهوامش
  1. Soufan Group, “Foreign Fighters: An Updated Assessment of the Flow of Foreign Fighters into Syria and Iraq” (2015). Available at Link; Alex Schmid and Judith Tinnes, “Foreign (Terrorist) Fighters with IS: A European Perspective.” International Centre for Counter-Terrorism, The Hague (2015). doi:10.19165/2015.1.08
  2. Peter R. Neumann, “Foreign Fighters Total in Syria /Iraq Now Exceeds 20,000; Surpasses Afghanistan Conflict in the 1980s,” International Centre for the study of Radicalization and Political Violence (ICSR), King’s College London (26 January 2015). Available at Link
  3. كان هذا البحث مدعوماً بمنحة مقدمة من برنامج سلامة وأمن كندا (Canada Safety and Security Program) التابع للشبكة الكندية لأبحاث الإرهاب والأمن والمجتمع (The Canadian Network for Research on Terrorism, Security, and Society) ((www.tsas.ca. ونحن نشكر لهم دورهم الكبير في دعم هذا لبحث.
  4. تم نقاش بعض قيود استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المقابلات في مكان آخر: Lorne L. Dawson, Amarnath Amarasingam, and Alexandra Bain, “Talking to Foreign Fighters: Socio-Economic Push versus Existential Pull Factors,” TSAS Working Paper No. 16-14, July 2016, pp. 15–16. Available at www.tsas.ca
  5. إذا كان يسمح بذلك يمكن الإشارة إلى Lorenzo Vidino and Seamus Hughes, “ISIS in America: From Retweets to Raqqa Program on Extremism,” Program on Extremism, George Washington University (December 2015).
  6. Daan Weggemans, Edwin Bakker, and Peter Grol, “Who are They and Why do They Go? The Radicalisation and Preparatory Processes of Dutch Jihadist Foreign Fighters,” Perspectives on Terrorism 8(4) (2014), pp. 100–110; Edwin Bakker and Peter Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,” International Centre for Counter Terrorism (ICCT) Policy Brief (July 2015).
  7. Rik Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave: What Drives Europeans to Syria, and to Islamic State? Insights from the Belgian Case,” Egmont—Royal Institute for International Relations (March 2016).
  8. فيما يتعلق المشاكل التي أشارت إليها المعلومات في دراسة الإرهاب انظر John Horgan, The Psychology of Terrorism (1st ed.) (New York: Routledge, 2005), pp. 87–90. ولكن بشكل أكثر عمومية، هناك أدبيات غنية، بالرغم من كونها متقطعة، في هذه القضية، انظر على سبيل المثال: Marvin B. Scott and Stanford M. Lyman, “Accounts,” American Sociological Review 33 (1968): pp. 46–62; Charles Antaki, ed., Analysing Everyday Explanation: A Case Book of Methods (London: Sage, 1988); John McClure, Explanations, Accounts, and Illusions: A Critical Analysis (Cambridge: Cambridge University Press, 1991).
  9. Vidino and Hughes, “ISIS in America,” p. 16.
  10. نستذكر مجموعة من الباحثين المؤثرين في قضايا الإرهاب مثل مارك سيغمان (Marc Sageman) وأندرو سيلك (Andrew Silke) وكلارك ماكلوي (Clark McCauley) وغيرهم كمعارضين لـ سكوت أتران (Scot Atran) وأليساندرو أورسيني (Alessandro Orsini) وغيرهم (انظر Lorne L. Dawson, “Trying to Make Sense of Home-Grown Terrorist Ra dicalization: The Case of the Toronto 18,” in Paul Bramadat and Lorne Dawson, eds., Religious Radicalization and Securitization in Canada and Beyond (Toronto: University of Toronto Press, 2014), pp. 64–91 and Lorne L. Dawson, “Discounting Religion in the Explanation of Homegrown Terrorism: A Critique,” in James R. Lewis, ed., The Cambridge Companion to Religious Terrorism (Cambridge: Cambridge University Press, in press).
  11. Weggemans,Bakker, and Grol, “Who are They and Why do They Go?”; Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands”; Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave.”
  12. Weggemans,Bakker, and Grol, “Who are They and Why do They Go?”, p. 101.
  13. Ibid., p. 107.
  14. Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,” p. 13.
  15. Weggemans et al., “Who are They and Why do They Go?,” p. 107.
  16. Ibid., p. 108.
  17. Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,” p. 13.
  18. 18 Weggemans et al., “Who are They and Why do They Go?,” p. 108.
  19. Ibid., p. 108; Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,” p. 13.
  20. Weggemans et al., “Who are They and Why do They Go?,” p. 108.
  21. Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,”14.
  22. Weggemans et al., “Who are They and Why do They Go?,” p. 108.
  23. يقف هذا المنظور إلى جانب نتائج التحليلات المبكرة لإديوين بيكر في “Characteristics of Jihadi Terrorists in Europe (2001–2009),” in Rik Coolsaet, ed., Jihadi Terrorism and the Radicalisation Challenge: European and American Experiences (Farnham, UK: Ashgate), pp. 131–144.
  24. Ted Robert Gurr, Why Men Rebel (Princeton, NJ: Princeton University Press, 1970); Iain Walker and Heather J. Smith, eds., Relative Deprivation: Specification, Development, and Integration (Cambridge: Cambridge University Press, 2002).
  25. Charles Y. Glock, “The Role of Deprivation in the Origin and Evolution of Religious Groups,” in R. Lee and M. Marty, eds., Religion and Social Conflict (New York: Oxford University Press, 1964), pp. 24-36.
  26. Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave,” pp. 12–13.
  27. Ibid., p. 13.
  28. Ibid., 12.
  29. Ibid.
  30. Jamie Bartlett and Carl Miller, “The Edge of Violence: Towards Telling the Difference Between Violent and Non-Violent Radicalization,” Terrorism and Political Violence 24(1) (2012), pp. 1–21; James Khalil, “Radical Beliefs and Violent Actions are not Synonymous: How to Place the Key Disjuncture between Attitudes and Behaviors at the Heart of Our Research into Political Violence,” Studies in Conflict and Terrorism 37 (2014), pp. 198–211; Clark R. McCauley and Sophia Moshalenko, “Toward a Profile of Lone Wolf Terrorists: What Moves an Individual from Radical Opinion to Radical Action,” Terrorism and Political Violence 26(1) (2014), pp. 69–85.
  31. على سبيل المثال، Quintan Wiktorowicz, Radical Islam Rising: Muslim Extremism in the West (Lanham MD: Rowman and Littlefield, 2005); Scott Atran, Talking to the Enemy: Religion, Brotherhood, and the (Un)Making of Terrorists (New York: HarperCollins, 2010); Jonathan Leader Maynard, “Rethinking the Role of Ideology in Mass Atrocities,” Terrorism and Political Violence 26(5), pp. 821–841.
  32. Mohammed Hafez and Creighton Mullins, “The Radicalization Puzzle: A Theoretical Synthesis of Empirical Approaches to Homegrown Extremism,” Studies in Conflict and Terrorism 38 (2015), pp. 958–975, at p. 966.
  33. Olivier Roy, “What is the Driving Force behind Jihadist Terrorism?” A Scientific Perspective on the Causes/Circumstances of Joining the Scene.” خطاب مقدم لمؤتمر BKA الخريفي (Bundeskriminalamt [الشرطة الفدرالية الألمانية]), 18–19 November 2015, Fiesole, Italy. يتوفر في الرابط
  34. Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave,” p. 20.
  35. Olivier Roy, “Al Qaeda in the West as a Youth Movement: The Power of a Narrative,” Centre for European Policy Studies, Policy Brief 2008. Available at http://www.ceps.eu; Roy, “What is the Driving Force behind Jihadist Terrorism?”; cited in Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave,” p. 26.
  36. Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave,” pp. 21–22.
  37. Ibid., p. 23.
  38. Ibid., p. 21.
  39. Ibid., p. 24.
  40. Ibid., p. 21.
  41. انظر Lorne L. Dawson, Comprehending Cults: The Sociology of New Religious Movements, 2nd ed. (Toronto: Oxford University Press, 2006).
  42. Coolsaet, “Facing the Fourth Foreign Fighter Wave,” p. 17.
  43. Coolsaet draws a connection to information on the Dutch foreign fighter contingent, noting the similarities, on p. 36 of his report.
  44. يرسم كولسيت صلةً لمعلومات حول فرص مقاتل أجنبي هولندي، مشيراً إلى مواقع التشابه، في ص. 36 من هذا التقرير.
  45. انظر على سبيل المثال, Basia Spalek, “Disconnection and Exclusion: Pathways to Radicalisation?” in Tahir Abbas, ed., Islamic Political Radicalism: A European Perspective (Edinburg: University of Edinburgh Press, 2007), pp. 192–206; Jonathan Githens-Mazer, “Mobilization, Recruitment, Violence and the Street: Radical Violent Takfiri Islamism in Early Twenty-First-Century Britain,” in Roger Eatwell and Matthew J. Goodwin, eds., The New Extremism in 21st Century Britain, (London: Routledge, 2010), pp. 47–66; Jocelyne Cesari, “Muslims in Europe and the Risk of Radicalism,” in Rik Coolsaet, ed., Jihadi Terrorism and the Radicalisation Challenge in Europe (Aldershot, Hampshire: Ashgate, 2011), pp. 97–107.
  46. كتبت هذه الاقتباسات بحسب صيغتها الأصلية، بنفس الأخطاء المطبعية والاختصارات والأخطاء الأخرى أيضاً. كما تظهر الاقتطاعات المعتادة في معظم التفاعلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبحكم محدودية المساحة، يجب التأكيد على أن الاقتباسات هي مجرد أمثلة توضيحية.
  47. Hafez and Mullins, “The Radicalization Puzzle.”
  48. Bakker and Grol, “Motives and Considerations of Potential Foreign Fighters from the Netherlands,”13.
  49. نحن نشير إلى تعليقات قيلت عندما تم تقديم البيانات في مؤتمر ومن مراجعين مجهولين لهذه المقالة.
  50. انظر على سبيل المثال, Horgan, The Psychology of Terrorism, pp. 87–90 and Lorne L. Dawson, “Accounting for Accounts: How Should Sociologists Treat Conversion Stories?,” International Journal of Comparative Religion and Philosophy 1(2) (1995), pp. 51–68, and more briefly Dawson, Comprehending Cults, pp. 110–111.
  51. Herbert Blumer, Symbolic Interactionism: Perspective and Method (Berkeley: University of California Press, 1969), pp. 50–51.
  52. على سبيل المثال, John Horgan, “The Case for Firsthand Research,” in Andrew Silke, ed., Research on Terrorism: Trends, Achievements, and Failures (London: Routledge, 2004), pp. 30–56, and Andrew Silke, “Research on Terrorism: A Review of the Impact of 9/11 and the Global War on Terrorism,” in Hsinchun Chen, Edna Reid, Joshua Sinai, and Andrew Silke, eds., Terrorism Informatics: Knowledge Management and Data Mining for Homeland Security (New York: Springer, 2008), pp. 27–50.
  53. Sadeq Rahimi and Raissa Graumans, “Reconsidering the Relationship between Integration and Radicalization,” Journal for Deradicalization 15/16(5) (2015), pp. 28–62.
  54. Natalie Delia Deckard and David Jacobson, “The Prosperous Hardliner: Affluence, Fundamentalism, and Radicalization in Western European Muslim Communities,” Social Compass 62(3) (2015), pp. 412–433.
  55. انظر Weggemans et al., “Who are They and Why do They Go?,” p. 108; Vidino and Hughes, “ISIS in America,” p. 16.
  56. James A Beckford, “Accounting for Conversion,” British Journal of Sociology 29 (1978), pp. 249–262; Peter G. Stromberg, Language and Self-Transformation: A Study of the Christian Conversion Narrative (Cambridge: Cambridge University Press, 1993).
  57. Alesandro Orsini, Anatomy of the Red Brigades: The Religious Mindset of Modern Terrorists. Trans. Sarah J. Nodes (Ithaca, NY: Cornell University Press, 2009).
  58. Simon Cottee and Keith Hayward, “Terrorist (E) motives: The Existential Attractions of Terrorism,” Studies in Conflict and Terrorism 34(12) (2011), pp. 963–986, at p. 963; Megan K. McBride, “The Logic of Terrorism: Existential Anxiety, the Search for Meaning, and Terrorist Ideologies,” Terrorism and Political Violence 23 (2011), pp. 560–581.
  59. Martha Crenshaw, “The Subjective Reality of the Terrorists: Ideological and Psychological Factors in Terrorism,” in Robert O. Slater and Michael Stohl (eds.), Current Perspectives on International Terrorism (London: Macmillan Press, 1988), pp. 12–46; Orsini, Anatomy of the Red Brigades; Jonathan Leader Maynard, “Rethinking the Role of Ideology in Mass Atrocities,” Terrorism and Political Violence 26(5) (2014), pp. 821–841.
حمزة ياسين
طالب ماجستير في قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، كاتب وباحث مهتم في قضايا الفكر والدين والمجتمع والسياسة، له مقالات وأوراق منشورة في صحف ومجلات إلكترونية.
لورن داوسون - أمارناث أماراسينغام


لورن داوسون:
أكاديميّ متخصص في دراسات الحركات الدينيّة الجديدة، والدراسات القانونيّة، بجامعة واتيلرو بكندا.

أمارناث أماراسينغام:
أكاديميّ متخصص في دراسات التطرف والإرهاب، بجامعة جورج واشنطن.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.