فورة سوريا الدراميّة: بين التواطؤ والنقد
ترجمة: حبيب الحاج سالم
تُرجمت ونُشِرت هذه الدراسة بعد أخذ الموافقة من كاتبتها (الأنثربولوجية الأميركية كريستا سلمندرا). وكانت المادة الأصلية قد نشرت باللغة الإنكليزية في كتاب "سوريا من الإصلاح إلى الثورة: الثقافة، المجتمع، الدين" والذي ترجمت مقدمته كذلك على موقع المعهد، ويمكن الاطلاع عليها على الرابط التالي: الرابط.
باشتداد الاحتجاجات المناهضة للنظام في سوريا في عامي 2011 و2012، هلّل الصحافيون بميلاد جيل جديد من الفنانين النشطاء وبأشكال معارضتهم الابداعيّة، حيث انهار جدار الخوف الذي حدّ من التعبير الفنيّ لمدة طويلة. وقد قيل إنّ الأدباء الشبّان الساخرين، الذين يغرقون الأنترنت بكاريكاتيرات لاذعة وينشّطون التظاهرات العامة بتكتيكات واسعة الخيال، قد تجاوزوا يأس المنتجين الثقافيّين الأكبر سناً ومهادنتهم. ولم تنسب فكرة القطيعة، التي صيغت في الإعلام العالميّ ووجدت صدى في النقاشات العلميّة، أيّ دور للمؤسسة الفنيّة الرسميّة في سوريا. كما افترضت تلك الضروب من الاحتفاء أنّ "المعارضة التقليديّة"، التي تشمل الكثير من صناع الإعلام، كانت هامشيّة ضمن حركة الاحتجاج، وأشارت التقارير الإعلاميّة حول الشباب المعارض، بطريقة ضمنيّة، إلى عجز الجيل الأكبر من خلال تغييبه (1).
وقد بدت صناعة الدراما التلفزيونيّة السوريّة، مع ما يشوبها من سيطرة شديدة للدولة عليها وروابط متنوعة بالنظام، كمصدر غير موثوق للردّ على هذه السرديّة. وفيما خاطر بعض العاملين في الصناعة التلفزيونيّة عند التحاقهم بالمظاهرات بإمكانية تعرضهم للترهيب والعنف والإيقاف، ظلّ الكثير منهم صامتين. وفي الواقع، ساند عدد من الوجوه الدراميّة البارزة – من الممثّلين على وجه الخصوص – الرئيس بشّار الأسد علانيّة، ما أضفى مصداقيّة على الآراء التي تنظر إلى الصناعة التلفزيونيّة كسلاح دعاية حقيقيّ في أيدي النخبة الحاكمة. ويجادل هذا النصّ أنّ الاستقلاليّة المحدودة لصنّاع الدراما السوريّة الناشطين خلال العقد الأول من حكم الرئيس الشاب، لم تمنعهم من تطوير جماليّة سوداويّة مكّنت النشطاء المناهضين للنظام من لغة نقد بصريّة.
بُقع ضوء وأضواء كاشفة
لا توفّر السياسة الثقافيّة المشحونة للانتفاضة السوريّة أرضاً محايدة للوجوه الإعلاميّة. فقد تعرّض كلّ من ساند، ولو على استحياء، نداءات المتظاهرين للإصلاح، إلى مضايقات على أيدي الموالين للأسد، فيما واجه من طالب بزوال النظام أشكال ترهيب أشدّ، بما في ذلك الاعتداء والسجن، وخيّر كثيرون المنفى. أما المساندون للنظام، فقد واجهوا حملة تشهير على الإنترنت، وانتهى بهم الأمر بإدراج أسمائهم على "حائط عار" فايسبوكي. وقد كان من غير المفاجئ أن يواجه وجوه الصناعة التلفزيونيّة ضغوطاً من جميع الاتجاهات، باعتبار بروزهم المتزايد في سوريا وخارجها. فخلال سنوات الألفين، أضحت مسلسلات الدراما والكوميديا المنتجة في سوريا مهيمنة على برامج الترفيه العربيّة (2). ومن نواح كثيرة، تعتبر قصة "الفورة الدراميّة" السوريّة، بجميع تعقيداتها وتناقضاتها، قصّة حقبة بشّار الأسد.
عمل صناع الدراما التلفزيونيّة، من داخل هياكل الدولة، على توسعة حدود التعبير المسموح بها، باستخدام الكوميديا السوداء والواقعيّة الاجتماعيّة. وقد اقترنت جهودهم بجهود المثقفين وآخرين اجتازوا منعرجات ذاك العقد المفعم بالأمل. وقد عمل صناع الدراما، على غرار كثيرين في المعارضة التي تسمح بها الدولة، في مشهد أيديولوجيّ محفوف بالمخاطر، وفي حقل ثقافيّ ملغّم باحتمالات العقاب، والاستلحاق، والتواطؤ. ويُعتبر برنامج بقعة ضوء، وهو مسلسل ساخر بثّ خلال السنوات الأولى من حكم بشار الأسد، مرجعاً ملائماً لهذه اللحظة البعثيّة المتأخرة، حيث بدا حينها منذرا بانفتاح جديد (3). ففي عام 2001، كلّفت شركة سوريا الدوليّة، التي يملكها عضو في البرلمان ذي صلات قويّة مع النظام، اثنين من كبار الكوميديّين السوريّين، بالتخطيط لبرنامج تلفزيوني جديد.
بناء على ذلك، قام أيمن رضا وباسم ياخور باختيار ليث حجّو، القادم الجديد، لإخراج السلسلة، وعقد ثلاثتهم جلسة عصف ذهني في مطعم "بيت جبري" المفتتح حديثاً في دمشق القديمة. وفي رواية حجّو حول ما دار في اللقاء، قدم المنتج للفريق عرضاَ فضفاضاً وغامضاً حيث قال: "سألت أيمن وباسم: ماذا سنفعل؟ فأجاباني بعبارة: والله لا نعرف. فقلت: ما هذه الورطة؟" (4). وقد اختلف الشكل الذي اختاراه في النهاية عن سلسلة مرايا لياسر العظمة، فكان مسلسلا أخفّ روحاً، لكنّه مع ذلك حادّ، ويتضمّن حلقات لكلّ منها ممثل نجم. وقد برز بقعة ضوء كعمل جماعيّ سخر بجرأة من الطائفيّة، والمناطقيّة، والإحيائيّة الإسلاميّة، وفساد الدولة، وحتى من المخابرات المخيفة. وبهذا، كرّس بقعة ضوء هامشاً جديداً وساخراً، وتقنية رفيعة للنقد الاجتماعيّ والسياسيّ. وبالاعتماد على الأشكال الثقافيّة النقديّة لعقدي السبعينات والثمانينات – خاصّة أعمال دريد لحام ومجموعة مسرح الشوك – كان بقعة ضوء امتداداً لتقليد قديم في النقد الكوميديّ نقله لجيل جديد من المشاهدين والمبدعين. وقد برّر صنّاع السلسلة إقدامهم على المخاطرة بما جاء في خطاب تنصيب الرئيس عام 2000، حين دعا إلى حقبة جديدة تسودها الشفافيّة ومقاومة الفساد. ويلاحظ حجو: "لم نبلّغ المنتج بما كنّا نعتزم القيام به. وواصلنا القول للرقيب إنّ الرئيس قال كذا، ونحن نتّبع سياسته" (5).
لم تكن الإحالة على الخطاب الأول محض استراتيجيّة نفعيّة، إذ أسقط صنّاع الدراما آمالهم في التغيير على شخص الرئيس الجديد. وعلى غرار نخب إصلاحيّة أخرى، اعتقدوا أنّ التحول سيظهر بالتدريج، وقد بدا أنّ بشار الأسد مقدم على تنفيذه. فقد تراءى أنّ الزعيم الجديد، بتعليمه الغربيّ وزوجته المولودة في بريطانيا، تحديثيّ بارع، وأنّه مستعدّ لتفكيك الدولة البوليسيّة الكلبتوقراطيّة المعسكرة التي نمت على مرّ أربعة عقود من حكم حزب البعث. فقد قدم خطاباً إصلاحيّاً أمِل العاملون في الصناعة التلفزيونيّة أن يترجم إلى ممارسة.
ومن ناحيته، افتخر الرئيس بالصناعة الدراميّة، وقد تباهى بأنّ زعماء أجانب أثنوا عليه لبثّه مسلسل مرايا النقديّ على شاشة تلفزيون الدولة (6). وقد بشّرت العلاقة الدافئة التي شيّدها الزعيم الجديد مع الممثلين والمخرجين، وإبطاله لأحكام لجان الرقابة لصالحهم، باقتراب موعد الإصلاح. وتكاثرت القصص حول تدخّلات الرئيس الشخصيّة، خاصّة ما نُقل عن شفاعته لصالح المسلسل الرائد بقعة ضوء. وميّز صناع التلفزيون بين المصلح بشار الأسد وبين جهاز الأمن المتحجّر الذي يقف في طريقه. فعلى سبيل المثال، يرى ليث حجو أنّ الرئيس انتصر لبقعة ضوء في وجه النقد الذي يفترض أنّه صدر عن عناصر محافظة داخل النظام:
"... في لقائي مع الرئيس، اكتشفت أنّه يعاني حقّاً الكثير من المشاكل. فقد قال لي: "أتلقى مكالمات هاتفيّة بخصوص ما تقومون به". لقد جاء قرار السماح لنا بالحديث من عنده مباشرة. وكانت توجد عديد الشكاوى، ولولا اتخاذّ الرئيس قرار تركنا أحراراً، لما قدرنا على الاستمرار".
بالنسبة لصناع الدراما، بدا بشّار الأسد حليفاً طبيعيّاً في المعركة ضدّ تدخّلات الجهاز الأمنيّ. وقد اعتبر كثير من العاملين في الصناعة التلفزيونيّة أنّ إخماد النظام لربيع دمشق عام 2001، وهو النقاش الإصلاحيّ القصير الذي امتازت به أشهر الأسد الأولى في الحكم، كان عودة مؤقّتة للنظام القديم، ولم يفقدوا الأمل في أنّ الرئيس الشاب سينجز في نهاية المطاف التحوّل الموعود. بل إنّ بعضهم احتفظ بذلك الأمل حتّى حين وجّهت القوّات المسلّحة أسلحتها صوب المواطنين المحتجّين سلميّاً. لكن بعضهم زال عنه الوهم نتيجة تواصل القيود على حرّية التعبير وبقاء الفساد. وبدأ عدد من صنّاع التلفزيون، بمن فيهم فريق بقعة ضوء، في نقد مسار اللبرلة الاقتصاديّة الذي دشّنه حافظ الأسد وسرّعه بشّار، والذي غيّر صناعتهم وجعل حياة ملايين العمّال السوريّين بائسة. ومع تقدّم السنوات، بلغ بقعة ضوء ذروته قبل أن يخفت، في ما يشبه إلى حدّ كبير مشروع الإصلاح الذي تولّد عنه وانتقده. وقد دفع التقاتل الفنيّ ضمن فريق الإنتاج، والاتهامات بالاستلحاق داخل وخارج الصناعة التلفزيونيّة، وتصاعد منافسة مسلسلات كوميديّة جديدة، ببقعة ضوء إلى خارج اهتمام الثقافة الجماهيريّة السوريّة. وزعم بعض صناع الدراما إنّه فقد بعده النقديّ بالتحديد بعد بداية الصراع وسعي النظام إلى السيطرة على سرديّة الانتفاضة (8).
مشهد من بقعة ضوء- الجزء الرابع
ومع ذلك، لا شكّ في مساهمة بقعة ضوء والبرامج على شاكلته في توسيع النقاش العامّ وكسر حدود المحرّمات. فقد بدأت الملاحظات النقديّة، التي لم تكن لتظهر سواء في المنتديات العمومية أو المحادثات الخاصّة، تتزايد في نقاشات برامج التلفزيون. وصارت جملة "تماماً مثلما جاء في بقعة ضوء" شائعة للدلالة على عبث الحياة اليوميّة، كما ظهرت إحالات على المسلسل في انشقاق الانتفاضة الإبداعيّ. لقد أوضح تدهور الأوضاع الاقتصاديّة وثبات السلطويّة خواء لغة النظام الإصلاحيّة الطنّانة واستمرار دولة البوليس، فصار مادّة للهجاء اللاذع. وانتقدت حلقات أخرى مسؤولي الدولة وأعوان الأمن، وسخر بعضها الآخر من صعود الإسلامويّة رغم علمانيّة الدولة المعلنة.
كما أشار كثيرون أيضاً إلى المفارقة المتمثّلة في تعمّق الانقسامات الطبقيّة في نظام يُسمّى اشتراكيّاً، ما يفتح بوّابة الممكن على مصراعيها. وفي نهاية المطاف، ومن خلال تحدّي حدود المسموح به في التعبير، كشفت المسلسلات مخاتلة خطاب الدولة. وكما يصف ليث حجّو الموضوع: "لقد تمّ استبدال مدير التلفزيون [الحكومي] نفسه، لموافقته على بثّ بقعة ضوء. لقد كان ذلك فعلاً حقيقياً، أكد أنّه لا يمكن للرقباء أن يكونوا بأيّ شكل منفتحين أو أحراراً. وحين يطرد مدير لموافقته على بثّ مقاطع معيّنة، فإن ذلك يُظهر أننا بلغنا أقصى حدودنا. لقد اكتشفنا أنّ الحرية التي يتكلّمون عنها غير موجودة" (9).
من موظفين إلى نجوم
بوجود أعمال تجديديّة مثل بقعة ضوء في رصيدهم النامي، وجد صنّاع الدراما السوريّون أنفسهم في طليعة صناعة الفضائيات العربيّة ذات الانتشار العالميّ. وتوفّر تشكيلة من القنوات، على غرار "إم بي سي" (اسمها الكامل هو "مركز بثّ الشرق الأوسط") المملوكة سعوديّا والعاملة من دبيّ و"تلفزيون دبيّ" وقناة "إنفينيتي" التابعة كذلك لدبيّ، مجموعة واسعة من أشكال الترفيه للمشاهد العربيّ، من برامج الألعاب وكوميديا المواقف إلى برامج الواقع والأغاني المصوّرة، لكن المسلسلات تظلّ أبرز البرامج. وعلى امتداد العالم العربيّ وخارجه، يتابع ملايين المشاهدين المسلسلات السوريّة كما فعلوا مع الإنتاجات المصرية في وقت سابق (10). وقد بقيت الصناعة حيّة في ظروف الحرب: فمنذ بداية الانتفاضة، تواصل الإنتاج بما يقارب نصف معدّل الانتاج قبل الصراع الذي بلغ أربعة وخمسين مسلسلاً في كلّ موسم رمضانيّ. ومن خلال الإنتاج المشترك مع لبنان ومصر والإمارات، تغلّبت الدراما على مقاطعة القنوات الخليجيّة كما العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على منتجين أساسيّين. كما هرب صنّاع عديدون من الحرب: فمنذ عام 2012، صوّرت أغلب المسلسلات خارج سوريا.
ويعكس ثبات الصناعة وسط الصراع، اتّساع قاعدتها السوقيّة. فقد استفاد صنّاع بقعة ضوء وبرامج أخرى من المشهد الإعلامي المتوسّع والمموّل بسخاء والذي يفرض شروطاً وقيوداً جديدة. وتعكس الثروات الاقتصاديّة والرمزيّة المحدثة لصناع التلفزيون سياسات اللبرلة الاقتصاديّة، إذ سهّلت تلك الاصلاحات، التي دشّنها حافظ الأسد بداية التسعينات وسرّعها ابنه بشار في الألفينات، الإنتاج الخاصّ. كما استتبعت اضفاء بعد إقليمي على الإعلام العربيّ، حيث ارتفع عدد القنوات الترفيهيّة العربيّة المملوكة من دول مجلس التعاون الخليجيّ – بما فيها قنوات عديدة مختصّة في الدراما – وارتفع اقتناؤها للمسلسلات السوريّة. فمنذ بداية الألفينات، حوّل الطلب المتزايد والتمويل الأجنبي قطاع الإنتاج التلفزيوني من حفنة مصالح هامشية اجتماعيّاً ومتواضعة ماليّاً مملوكة من الدولة ومكتظة بالمهنيّين، إلى صناعة شركات إنتاج خاصّ توظّف عمّالاً متعاقدين.
وبينما استمرت الأعمال التي يكون فيها للشخصيّات قيمة متساوية، المعيار في المسلسلات السوريّة، اشتدّت التمايزات بين العمّال الإبداعيّين والعمّال التقنيّين. كما عزّزت الصناعة العبر قطريّة لأدبيّات المحبّين، المطبوعة والإلكترونيّة، شهرة من هم في أعلى السُّلم الاجتماعي وشرعيّتهم (11). فقد غدا الممثلّون السوريّون الرائدون من المشاهير على المستوى الإقليم، يُكرّمون في العواصم العربيّة ويتزاحم حولهم المحبّون، ويعمل عدد منهم في الإنتاجات المصريّة، بل ويلعب أحدهم دور البطولة في سيرة الملك فاروق المصوّرة، بحيث أضحوا يشيرون إلى أنفسهم عادة بأنّهم نجوم. أمّا أولئك العاملون وراء الكواليس – الكتّاب، والمخرجون، والفنّانون البصريّون – فيكسبون معاشات تكفي لتمويل جهودهم الإبداعيّة الأكثر "جديّة". وباستفادتها من ركود أسواق الكِتاب والفنون الجميلة والمسرح، سخّرت الصناعة أرفع المواهب الإبداعيّة في البلاد.
وبالنسبة لمن هم في أسفل الهرم التراتبيّ، كانت منافع الفورة الدراميّة متفاوتة. فقد جعلت ظروف العمل المرنة ممثّلين، وتقنيّين، وخاصّة العمّال، يكافحون "أسفل السلّم" في أوضاع هشّة (12): ساعات عمل غير منتظمة، وغياب التأمين، وعقود قابلة للفسخ لمجرّد نزوة (13). ورغم أهميّتها الإقليميّة، لم تُطوّر الصناعة السوريّة بنية تحتيّة صلبة، حتّى أنّ بعض صنّاع التلفزيون يرون أنّ مصطلح "صناعة" مغلوط، وأنّ صناعة الدراما لا تعدو مجرّد "نشاط" يمكن أن يتلاشى عند أدنى انكماش اقتصاديّ. ويستحضر كاتب السيناريو نجيب نصير أكياس القمامة السوداء، التي يستعملها المنتجون السوريّون لتوزيع التمويلات، كرمز لهشاشة وضعهم:
"يتناولون كيس قمامة، يضعون فيه المال، ويوزّعونه على كاتب السيناريو، والممثّلين، ومؤجّري المعدّات، وينتهي الأمر؛ ولا شيء آخر. كلّ الأعمال الدراميّة السوريّة مموّلة عمليّاً من الخليج، وهي أعمال بدائيّة. لا توجد شركات ضخمة ومعقدة لها رأس مال وأسهم. تأتي الأموال في كيس أسود وتوزّع، وذلك مرتبط بالبنية التحتيّة. لا تتجاوز البنية التحتية التي نملكها كاميرا وآلة مونتاج. ذلك كلّ ما نملك. وقد رأيتِ، وزرتِ مواقع التصوير، وهي مواقع حقيقيّة تُكترى بأموال الكيس الأسود، مواقع طبيعيّة: مقاهي، منازل، مستشفيات... الأمر مُؤسّس على علاقات وليس على صناعة، بل هو تجارة بسيطة. لا توجد شركات إشهار متدخّلة، إنّه قطاع معتمد على نفسه، منفصل. ولا تعدو شركات الإنتاج مجرّد استثمارات: تشتري مسلسلات بنفس الطريقة التي تشتري بها النسكافيه... لقد أنتج هذه السنة ثمانية وثلاثون مسلسلاً سوريّاً؛ وقد يكون العدد العام القادم صفراً. لذلك لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه بنية تحتيّة، لا شيء البتّة. يوجد كيس القمامة، الذي نطلق عليه اسم الكيس الأسود، يضعون الأموال داخله، ويصنعون دراما" (14).
لكن عدم الاستقرار الظاهريّ سهّل كذلك الحركيّة، وهو ما قد يكون، إلى جانب الانتقال إلى الإنتاج المشترك، قد مكّن الدراما من الاستمرار أثناء الصراع. ففي ظلّ استمرار رقابة الدولة السوريّة، انكمش تدخّل القطاع العامّ في الإنتاج، رغم جهود إعادة هيكلة جديدة تهدف إلى تسخير تدخّل القطاع الخاصّ (15). وتموّل شبكات مجلس التعاون الخليجيّ الفضائيّة أو تقتني أغلب الأعمال الدراميّة، وتحظى في المقابل بحقوق بثّ رمضانيّة حصريّة (16). وفي هذا المحيط التنافسيّ، يفتقر صنّاع الدراما السوريّة إلى امتيازات غرمائهم، إذ تحمي سياسة الدولة المصريّة صنّاع الدراما المصريّين من تقلّبات السوق العربيّة من خلال تقييد عدد المسلسلات غير المصريّة التي تبثّها قنواتها، فيما يروّج المنتجون المصريّون كذلك المسلسلات المصريّة في شبكات مجلس التعاون الخليجيّ. ولم تتمتّع الصناعة السوريّة إلاّ بعدد محدود من تلك المزايا، رغم اللقاءات السنويّة، التي تحظى بتغطية إعلاميّة كبيرة، بين الرئيس بشّار الأسد وصنّاع الدراما الأساسيّين، وتأكيداته الدوريّة على دعمه الشخصيّ لهم. ومع ذلك، فإنّ حاجتهم للحماية التجاريّة تظلّ أكبر. فمع وجود قناة خاصّة واحدة أطلقت حديثاً، لا توجد في سوريا سوق دراميّة مقارنة مع تشكيلة القنوات المصريّة الواسعة. ويجادل المنتجون السوريّون بأنّ هذا النقص في تدخّل الدولة يعرّضهم لنزوة الممارسات التجاريّة الخليجيّة سيّئة السمعة (17).
ويفخر صنّاع الدراما بما يحقّقونه رغم الموارد قليلة، يُضاف إليها العبء الأيديولوجيّ والماليّ، والآن قيود الحرب. ويعبّر كثير منهم عن شغفهم بالمسلسل وقدراته. حيث يرى أولئك الذين يشغلون مواقع إبداعيّة أنفسهم كفنانين في المقام الأوّل، لكنّهم مع ذلك ملتزمون بفكرة التقدّم اليساريّة، ويضعون في الصدارة قضايا يصعب تناولها خارج الإعلام الروائيّ، على أمل إثارة نقاش قد يتبعه، في النهاية، تحوّل اجتماعيّ وسياسيّ. لكنّهم، وكما يدركون بشدّة، يعملون ضمن ظروف تجاريّة ليست من اختيارهم. وقد ولّد انتشار النفاذ إلى القنوات الفضائيّة جماهير واسعة وتمويلاً متزايداً، لكن السوق الإقليميّة المزدهرة تمثّل تهديداً قد يميل بمسار النقد وينحرف بالدوافع الإصلاحيّة، حيث تتقلص نسبة الأعمال الملتزمة اجتماعيّاً باستمرار قياساً بمجموع البرامج المتزايدة.
يحافظ النظام السوري على سيطرته على المضمون. وتتأرجح تصوّرات صناع الدراما حول التدخل الرقابي من عام إلى عام ومن مشروع إلى آخر. إذ يجب الموافقة على سيناريوات جميع المسلسلات؛ ويجب في حالة المسلسلات المبثوثة في القنوات التلفزيونيّة السوريّة عرض النسخة النهائيّة على رقابة إضافيّة، وهي مرحلة لا تنجو منها سوى المسلسلات المبثوثة في القنوات التلفزيونيّة العربيّة. كما لا تخضع الاستراتيجيّات زمن الحرب، أي التصوير خارج البلاد، لسيطرة النظام. ومع ذلك، يشير الكثير من وجوه الصناعة إلى الرقابة الاجتماعيّة التي تواجهها جميع المسلسلات، أي المحافظة الدينيّة التي تستمر من خلال هيمنة شبكات مجلس التعاون الخليجيّ – السعوديّة والإماراتيّة في غالبها - على القنوات العربيّة (18). وقد حدثت تحوّلات بارزة في المواضيع المتناولة، إذ اضحت تشوبها بصفة خاصّة نفحة دينيّة خفيّة تتعارض مع التوجه العلمانيّ والتقدميّ اجتماعيّاً لدى الكثير من صنّاع الدراما السوريّين. وقد استجاب بعض صنّاع الدراما التلفزيونيّة السوريّين إلى تيّار الأسلمة من خلال حقن أعمالهم بالدين، وهي خطوة استهجنها آخرون واعتبروها استكانة لـ “القيم السائدة في مجتمعات الدول النفطيّة" (19). وتجذب أعمال الإثارة حول الإسلام المقاتل، وحقب الإمبراطوريّة الإسلاميّة التاريخيّة، والإثارات الفولكلوريّة لدمشق القديمة، تمويلاً واسعاً واهتماماً إعلاميّاً عالميّاً. ونادراً ما تتحدّى تلك البرامج السلطة السياسيّة أو الدينيّة بطريقة مباشرة. ومع ذلك، فإنّ الرسائل التقدميّة الضمنيّة، والقراءات البديلة الممكنة، تفاقم أحيانا الحنين المحافظ (20)، فهي تثير نقاشات عامّة نشطة حول قضايا وحوادث تاريخيّة لا تعتبر البتّة شيئاً من الماضي. حيث تغدو تمثيلات التاريخ، وما تثيره من نقاشات حولها، نقداً للحاضر.
التزام ثابت
لقد تأرجحت الدراما السوريّة بين استيعاب وتحدي السلطويّة المداومة، والنزعة الإسلاميّة، والأثر النيوليبراليّ (21). وإضافة إلى الأعمال التشويقيّة المثيرة والدراما التاريخيّة، يواصل السوريون إنتاج أعمال تذكّر بحقبة سابقة من الإنتاج الثقافيّ العربيّ. وتتقاطع الأعمال الدراميّة الواقعيّة مع الأعمال الاجتماعيّة السياسيّة الساخرة في نقد الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة، كما تتضمن أيديولوجيا تنويريّة. فهي تعكس إرثاً اشتراكيّاً علمانيّاً ثابتاً، مستمرّ في العيش ضمن الانتاج الثقافيّ السوريّ، رغم تخلي النظام الحالي عن تلك القيم، ورغم تفضيل السوق للأعمال التاريخيّة الضخمة ذات الميزانيات الكبرى.
يصح على أغلب الأعمال الدراميّة الاجتماعيّة السوريّة وصف الواقعيّة الاجتماعيّة، رغم أنّها تشمل أيضاً عناصر ميلودراميّة. وبصفة عامّة، تتضمن الواقعيّة التزاماً بتمثيل الحياة اليوميّة كما هي. وتصوًر الميلودراما كذلك الواقع، لكنّها تتجاوزه نحو استحضار كون أخلاقيّ: وكما جادل بيتر بروكس (Peter Brooks)، فإنّ الميلودراما هي شكل مبتدع يعود أصله إلى أوروبّا القرن التاسع عشر، ويشمل "خلق استقطاب وتمثيل دراميّ مفرط لقوى تخوض صراعاً"، وتقرئ منه مدونة أخلاقيّة مشتركة لعصر علماني (22). وقد صنّفت ليلى أبو لغد المسلسلات المصريّة السابقة لحقبة الفضائيات كأعمال ميلودراميّة (23)، ويوضّح تصنيفنا للأعمال السوريّة الدراميّة الاجتماعيّة كأعمال واقعيّة، الفروقات بين الأسلوبين الوطنيّين، لكن ذلك لا يعني وجود انفصال مطلق بينهما. فالواقعيّة والميلودراما مترابطان بشكل أوثق ممّا يصرّح به في الغالب الحاملون لنظرة نخبويّة تجاه الميلودراما التي يعتبرونها ذات نزعة عاطفيّة مبتذلة. وقد أوضح بيتر بروك تآلفهما المحتمل من خلال بيان المواضيع الميلودراميّة في الأدب الواقعيّ لنخبة القرن التاسع عشر. وفي المقابل، تشدّد كريستين غلادهيل (Christine Gledhill) على الأسس الواقعيّة للمسلسلات التلفزيونيّة المطوّلة (soap opera)، وهي جنس يُقرن غالبا بالميلودراما (24).
ولئن تستمرّ الأعمال الدراميّة السوريّة في التمسّك بمبادئ رئيسيّة من الأيديولوجيا البعثيّة؛ إلاّ أنّها تحطّ منها أيضاً من خلال تصوير فشل ممارسات الدولة. وفي دراستها للثقافة الرفيعة المنشقة في سوريا، تجادل ميريام كوك (Miriam Cooke) بأنّ الفنّانين المعارضين يستخدمون تصريحات الدولة من أجل نقدها (25). فهم يشتغلون على الهُوّة بين الخطاب والواقع، ويظهرون من خلالها خواء شعارات النظام. وبصرف النظر عن ركاكتها، تقوم الأعمال الدراميّة التلفزيونيّة بالأمر ذاته، حتى ضمن اشتغالها داخل الأطر الرسميّة. إذ يذكّرنا صناع التلفزيون بدور سوريا كموطن و"قلب نابض للقوميّة العربيّة"، ويتشبّث كثير منهم بالمثل الاشتراكيّة العربيّة. وقد درس أبناء الجيل الأكبر سنّاً، ومنهم المخرجون القديرون هيثم حقّي وعلاء الدين كوكش وغسّان جبري، في الاتّحاد السوفياتيّ السابق أو في دول الكتلة الشرقيّة، ومرّروا جماليّة واقعيّة اجتماعيّة إلى المتدرّبين الشباب الذين جدّدوها باستخدامهم كاميرات احترافيّة سريعة وقيم انتاجيّة أعلى. وبذلك، تجدّد الشكل على نحو كبير؛ فيما بقيت العناية بالشأن الاجتماعيّ مسألة مركزيّة.
المخرج السوري علاء الدين كوكش
وتشجع ظروف الانتاج على ثبات النهج الواقعي. فالتقنيات الواقعيّة القاعديّة، على غرار التصوير في مواقع حقيقيّة، تُتبنّى بحكم الأمر الواقع في ظلّ غياب استوديوهات. وتضفي التقنيات السينمائيّة، على غرار استعمال كاميرا واحدة، عمقاً أكبر على الصورة. فيما تضفي المواقع المألوفة للمشاهدين، إضافة إلى وجود المارّة، طابعاً واقعيّاً يميّز الأعمال السوريّة عن نظيرتها المصريّة المعدّة في استوديوهات، بحيث تتقابل عناصر الشكل مع المحتوى. فعوض الكون الأخلاقيّ المانوي المعتاد في الميلودراما، يسود الدراما السوريّة التباس أخلاقيّ. فهي تعكس المعضلات التي تواجه أولئك الذين يعيشون في ظلّ قمع سلطويّ، وتراتبيّة طبقيّة جامدة، وبطريركيّة محصّنة. وبالمثل، تعكس اختيارات المواضيع اهتماماً قديماً بالواقعيّة البصريّة. كما تتمّ معالجة سلسلة من المشاكل الاجتماعيّة على نحو منتظم، وهي تشمل غياب المساواة الجندريّة، وصراع الأجيال، والصّراع الطبقيّ، والتوتّرات الجهويّة، والهجرة، واعتلال الإعلام، وإساءة معاملة الأطفال، والعنف المنزليّ. وتماشياً مع جماليّتها القاتمة المميّزة، تنتهي الأعمال الدراميّة السوريّة نموذجيّاً على نحو حزين دون طرح حلّ. وقد تعرضّت الواقعيّة منذ زمن بعيد إلى نقد لطبيعة نظرتها المحافظة (26)، وهذه حال الدراما السوريّة أيضاً، إذ تصوّر حاضراً متدهوراً لكنها لا تقترح مستقبلاً خلاصيّاً.
تتشارك الدراما السوريّة والسخرية السياسيّة الاجتماعيّة في الحساسيّة القاتمة. وتمثّل أعمال ليث حجو، مخرج بقعة ضوء، والمتدرب السابق لدى هيثم حقي الذي درس في الاتحاد السوفياتيّ، نموذجاً على ذلك. حيث يتتبع مسلسل خلف القضبان، وهو عمل حجو الأول، بلهجته الشديدة محنة شخصيّات تتشارك غرفة سجن. وقد قدم العمل، الذي بثّ على شاشة قناة "أنفينيتي" الإماراتيّة خلال رمضان عام 2005، توصيفات سلبيّة للتقوى الإسلاميّة، ومشاهد بغاء، واغتصاب، واستمناء (27). وقد كان الحافز الإصلاحيّ واضحاً في وراء القضبان من خلال تصوير التعسّف الرسميّ، بما يتضمّنه من سجن ضحايا الاغتصاب للحيلولة دون ما يسمى جرائم الشرف.
وتكرّر أسلوب حجّو الماهر في التعامل مع القضايا الاجتماعيّة في السنة الموالية مع مسلسل انتظار. ويحكي المسلسل قصّة أناس عاديّين يصارعون في سبيل الهروب من الفقر الحضري، وقد صوّر في حي الدويلعة المفقّر في ضواحي دمشق. ويمثّل استخدام الأحياء غير المنظّمة مثل الدويلعة لإثارة موضوع الهامشيّة – الحقيقيّة والمجازيّة – قناعة واقعيّة بصريّة منذ وقت بعيد (28). وقد صوّرت هذه الأحياء السفليّة، التي سقطت بيسر من وعي الطبقة الوسطى بفعل قشرة الرفاه النيوليبراليّ، في المسلسلات الدراميّة قبل وقت طويل من تعبيرها على مشاعر معادية للنظام. ورغم أنّ أفقر أحياء سوريا لا تماثل الفقر المدقع في القاهرة، وريو دي جانيرو، أو مومباي، إلاّ أنّ التردّي الحضريّ يسودها. فقد قدّرت الأمم المتحدة أنّ 40 % من سكّان دمشق قبل الحرب، وما يزيد عن ثلث السكان الحضر في العالم العربي – 57 مليون ساكن – يعيشون في أحياء غير منظّمة، أو حارات عشوائيّة كما يطلق عليها بالعربيّة (29). وقد كان انتظار أحد أوّل المسلسلات الدراميّة المصوّرة في منطقة مشابهة (30).
ويُعتبر مؤلّفا انتظار، الصحفي نجيب نصير والروائي حسن سامي يوسف، كاتبي السيناريو الأعلى أجراً في سوريا؛ وقد كسبا سمعة لعمقهما الفنيّ، كما يتشاركان في الافتتان بأحياء دمشق غير المنظمة. ويتتبع السيناريو الذي ألّفاه مسار حياة شخصيات قدِمت إلى الدويلعة بدفع من مصائب مختلفة، وأخرى ولدت في الحارة مثل اللصّ النبيل عبّود والصحفي المصارع وائل، وتعوّدت على عللها. وتجد الشخصيات نفسها حبيسة فراغ محبط، حيث تحيلها الظروف الصعبة إلى قائمة انتظار لا نهائيّة، حسب تعبير وائل. وبالنّسبة لأغلب أهل الحارة، خاصّة الأسوء حالاً ممّن شوهدوا في بداية المسلسل، ينتهي الانتظار بتراجيديا يوميّة: خسارة العمل، وانهيار الالتزامات، وانتكاس المدمن بعد أن أضحى يتعافى.
أما القادمون من خارج الحي، مثل المُدرّسة سميرة، زوجة وائل، فهم ممتلئون يأساً. ففيما يزداد ولع وائل بطيبة أهل الحيّ وإنسانيّتهم؛ تنتقد سميرة وساخته وخطورته، وهو موقف يشدّد عليه صنّاع المسلسل في نقطة تحوّل دراميّة، حين خرج ابنهما الأصغر للعب كرة القدم في الأرض الوحيدة الصالحة للعب في الحيّ – وهي قطعة أرض تتناثر داخلها الأنقاض وتقع على حافة طريق سريعة- فصدمه شاحنة خفيفة وافقدته بصره.
ومنذ بثّ انتظار صارت مسلسلات الشوارع جنساً فرعيّاً ثابتاً يُستحضر فيه التردي الحضريّ مرّات عديدة، في أعمال تناولت مناطق أصابتها حمّى معاداة النظام وتعاني من قمعه، خاصّة عمل مروان بركات سحابة صيف عام 2009، الذي تناول محنة اللاجئين العراقيين والفلسطينيين، والاعتداء الجنسيّ على الأطفال، والجريمة الإلكترونيّة؛ وعمل سمير حسين قاع المدينة عام 2009، الذي يبدأ وينتهي بفيضانات دمّرت حياة أشخاص يائسين بطبعهم؛ وعمل سامر برقاوي بعد السقوط عام 2010، وهو يصوّر جهود إنقاذ سكّان مستأجرين احتجزوا تحت ركام بناية منهارة؛ وعمل المثنّى صبح سكر وسط عام 2013، وهو يُصّور أحداثا في عام 2010، ويتناول الأحياء غير المنظمة وأمراضها كبشير للانتفاضة؛ وعمله غدا نلتقي عام 2015، الذي يصور تحوّل تجمّع سكنيّ إلى حي للاجئين في بيروت.
ملء الفراغات
يذكّر المزاج الكئيب لمسلسل انتظار ونقده القاتم بأعمال حجّو المبكّرة وخاصّة مسلسل بقعة ضوء ومسلسل ما في أمل الذي يتكّون من مشاهد قصيرة. ويمثّل مسلسل ما في أمل، الذي بثّ عام 2004 على القناة الفضائيّة المملوكة من الدولة السوريّة، حواراً بيكيتيّاً [نسبة إلى صموئيل بيكيت] بين مثقّفيْن غير عمليّين يؤدّي دورهما الممثّلان البارزان فايز قزق وبسّام كوسا. حيث يفسّر كلاهما، وهما يرتديان ثياباً رثّة ويترشّفان الشاي الموضوع على طبق متواضع في كوخ مضاء بشكل خافت، مواضيع مختلفة بنبرة تحيل على كآبة وجوديّة. وفي بداية الحلقة تظهر كلمة "أمل" على أنغام أغنية تنفي كلّ أمل: "ما بتضبط معك، ما في حدا بيسمعك، يمكن ما في أمل". وفي حلقة لا تنسى بعنوان "ديمقراطيّة"، تخطب الشخصيّة التي يمثّلها كوسا حول احترام آراء الأخرين، لكنه لا يسمح لشخصية قزق بإكمال جملة واحدة. وفي حلقة أخرى، بعنوان "الثورة"، حين يسأله قزق عمّا يشغله، يجيب كوسا بأنّه "الثورة التي لم تحدث بعد"، ومشكلة من سيقودها، ويضيف بتأمّل أنّ قائدها "ربّما يكون بيننا في ركن مجهول، أو طفل في مدرسة" أو هو "ربما لم يولد بعد". فيصرخ قزق "الأمر كذلك!، ذلك هو السيناريو الأرجح". وفي حلقة بعنوان "تصفيق"، يقول كوسا لقزق إنّه كان مشغولاً بالتصفيق، لوحده ومن دون سبب، كتدريب، فيجيبه قزق إنّ الناس لا يرغبون في التصفيق، لكن كوسا يعارضه بالقول: "تقول هذا الآن، لكن حين يقتضي الظرف، سيصفّق الجميع"، ثمّ يبدأ في التصفيق بحرارة. وبعد برهة، تلحق به عاصفة من التصفيق على أنغام سمفونية يوهان شتراوس "راديتسكي مارش"، وكأنّه كُتب على السوريّين حين سماع عرض من عروض النظام، الالتحاق به، ولكلّ تأخّر عن ذلك عواقبه.
كثيرا ما يرفض مثقفون سوريون، خاصة أولئك العاملون في حقول فنيّة "أرفع" وأكثر استقلاليّة، نوعيّة النقد الموجّه في بقعة ضوء، وانتظار، وما في أمل، بحجّة أنّه يلعب دور صمّام أمان يوفّر للذّوات المقموعة فرصة للتنفيس. وطبقاً لقراءتهم الوظيفيّة، تخدم برامج مثل بقعة ضوء، التي تبدو منتهكة للحدود، إدامة الوضع القائم من خلال استيعاب الانشقاق ونزع فتيله، ومنح النظام مظهراً منفتحاً تصفّق له كبار الشخصيّات الأجنبيّة. كما أنّها تعطي انطباعاً بأنّ القيادة واعية بالمشاكل الاجتماعيّة والسياسيّة وملتزمة بمعالجتها، ولذلك لا موجب للتغيير. وقد حلّل باحثون نُسخاً متعدّدة من حجّة التنفيس هذه، حيث تشير ليزا وادين (Lisa Wedeen) إلى نوعين محتملين من الفكاهة التلفزيونيّة، إحداها محافظة والأخرى منتهِكة، وترى أنّهما منفتحان على قراءات متعدّدة (31)، وتخلص إلى أنّ الأعمال الملتبسة، التي يرفضها البعض لأنّها جزء من تلاعب النظام، ليست ببساطة نتاج سياسة دولة، بل هي نتاج صراع فنيّ حول الرسائل السياسيّة التي تحملها الثقافة الشعبيّة (32). أمّا ريبيكا جوبين (Rebecca Joubin)، فتشدد على خصال الدراما المنتهِكة، حيث تجادل أنّ صناع الدراما يوظّفون العلاقات الداخليّة دائما كاستعارات عن الأمّة، وهو ما يعتبر نقداً سياسياً قويّاً، وإن كان مبطّناً (33).
وتعكس تأويلات أخرى نظرية التنفيس جزئيّاً، حيث تنسب للنظام سيطرة شبه كاملة على خلق المعنى. فعلى سبيل المثال، تجادل ميريام كوك بأنّ الدولة السوريّة تضغط على الفنّانين البارزين في البلاد من أجل دفعهم إلى ذمّ النظام، وهو ما تطلق عليه عبارة "النقد بالتكليف". وتضمن الرقابة الملتبسة عدم معرفة الفنّانين – وجماهيرهم – إن كانوا فعلاً يعارضون النظام أم يطبّقون تعليماته (34). وتشدّد دوناتيلا ديلا راتا (Donatella Della Ratta) على التقاء المصالح والعلاقات الشخصيّة بين صنّاع التلفزيون والنظام، إذ تتبارى أجنحة من القيادة والأجهزة الأمنيّة، من خلال "استراتيجيّة همس"، على إيصال رسائل في مشهد إعلاميّ وطنيّ مراقب بشدّة، من خلال تفاعلات مبطّنة مع صنّاع الدراما المستثمرين بدورهم في الوضع القائم. وتكفل المفاوضات بين صنّاع الدراما وممثلي النظام الاصطفاف الأيديولوجيّ بدل النقد الهدّام.
وتركّز هذه الدراسات على استمرار السلطويّة من خلال سيطرة الدولة على الإنتاج الثقافيّ. وإذا كانت هذه النسخ العالمة من نظرية التنفيس ممثلة بدقة لنوايا النظام، فإنّ استراتيجيّة صمّام الأمان أدّت إلى نتائج عكسيّة. فبعد ترسّخهم في المؤسّسة الفنيّة التي تجيزها الدولة، لم تلتحق بحركة الاحتجاج سوى قلّة قليلة من فريق بقعة ضوء، فيما ساند أحدهم النظام بصفة علنيّة. ومع ذلك، فإنّ الانشقاق الساخر الذي انفجر مع الانتفاضة يعتمد، على نحو ملتبس أحياناً وبشكل صريح غالباً، على الأعمال التجديديّة التي بُثّت في العقد الماضي على التلفزيون التابع للدّولة السوريّة. كما استهدفت برامج تقليد هزليّة بُثّت على الإنترنت، مثل برنامج الدمى يوميّات دكتاتور صغير، الرئيس ودائرته المضيّقة، متجاوزة خطّاً أحمر لم يجرؤ المنتجون الثقافيّون المعترف بهم قطّ على الاقتراب منه. وقد بعثت تلك الأعمال حياة جديدة في شكل كوميديّ يحمل تاريخاً طويلاً من الصّراع، وتخطّى صنّاعها التخوم التي حارب أسلافهم في سبيل توسعتها.
توجد شخصيّة في مسلسل بقعة ضوء لها وقع خاصّ، وهي شخصيّة "الرجل البخاخ" التي جسّدها الممثل الكوميدي الحمصي أحمد الأحمد. وتظهر الصورة الأولى من الحلقة قنبلة موقوتة، وتصوّر الكاميرا في المشهد الأوّل كوخاً متداعياً مزيّناً بصور وميداليات تحتفي بأيام المجد الرياضي للشخصيّة. وعندما يفتح البطل باب منزله الخارجيّ يجد أكياس قمامة تركها الجيران القاطنين بالعمارات المحيطة الأكثر رفاهاً. وأمام عجزه عن تحديد الفاعل، يشترى بخّاخ دهن أسود ويكتب على حائط منزله الخارجيّ "لا ترمي الزبالة هنا". وعند نجاح ما قام به، يتحوّل النجاح إلى إلهام، فيغدو البخّاخ ملازماً له، وحين يجد قمامة في الأرجاء يكتب على الجدار عبارة "النظافة حضارة"، وهذه الجملة هي إعادة صياغة لشعار أطلقه النظام. وحين يعود البطل لشراء بخّاخ آخر، يجد أنّ سعره قد ارتفع بشكل مثير للشكّ، فيكتب على حائط الدكّان "هذا البائع غشّاش". وفي خضمّ النجاح، يلفّ وجهه بكوفيّة، وعلى أنغام موسيقى فيلم "حرب النجوم"، يقوم بصرف خيباته على البنايات العالية والمقرّات الحكوميّة. ومما كتبه، قلب للقول المأثور "الصبر مفتاح الفرج" فصيّره "الصبر مفتاح الفقر". وهكذا أضحى الرجل البخّاخ بطلاً شعبيّاً ومحبوب الجماهير الذي يهزأ من أعوان الأمن المتلعثمين المكلّفين بالقبض عليه، حتّى أنّ إحدى الصحف تكتب مقالاً بعنوان "الرجل البخّاخ والواقع المعاصر". وحين كتب "حلّوا عنّا" على مبنى جهاز المخابرات، جرّب مسؤول استخباراتيّ تكتيكاً جديداً، حيث وجّه إلى الرجل البخّاخ نداءً في التلفزيون متحدّثاً عنه كمواطن عبّر عن همّ مشترك، لكنّه لا يستطيع تغيير البلد بمجرّد بخّاخ، ودعاه إلى "حوار ديمقراطي حضاري". وحينها، سلّم البطل نفسه، لكن بدل أن يُمنح منبراً للتحدّث إلى الأمّة، مُنح زنزانة بيضاء ومجموعة كبيرة من البخّاخات. وبينما كان الرجل البخّاخ قابعاً في السجن، كتب شخص آخر يحمل كنية "الرجل النفّاث" كلمة "لسّه" في السماء باستعمال دخان حزامه النفّاث.
تتناول الحلقة استغلال النظام للغة الإصلاحيّة، فتكشف ازدواجيّة خطابه، وتستحضر استلحاق النظام للانشقاق من خلال ادّعاء التعاون، ومن ثمّ السيطرة على الإنتاج الفنيّ. فعلى غرار غيرها من الإصلاحات الموعودة، لم يتحقّق قطّ رفع الرقابة أو تخفيفها. وقد عبر الفنّانون في حقبة بشّار الأسد عن ذواتهم من خلف قضبان مجازيّة.
وخلال الانتفاضة، عبّر محتجون في مدن سوريّة عدّة عن حضورهم من خلال بخّاخات الدهن (35). وقد بثّت قناة "أورينت" المعارضة والعاملة من دبيّ قصّة إخباريّة حول الظاهرة، تخلّلتها لقطات من حلقة أحمد الأحمد في مسلسل بقعة ضوء ومشاهد حقيقيّة لفنّاني غرافتي. وقد قُتل أحد أولئك المحرّضين بعد أن "دوّخ الشبّيحة ورجال الأمن في حمص لأسابيع" من خلال كتابة آراء معادية للنظام على مبان "حسّاسة". كما اختفى فنّان غرافتي آخر في دمشق "في ظروف غامضة" (36). وحتى بالنّسبة للفنّانين المعترف بهم والعاملين في الإعلام الذي تسيّره الدولة، قد تصير القضبان المجازيّة حقيقيّة: فقد تعرّض مبدع شخصيّة الرجل البخّاخ، الممثّل وكاتب السيناريو عدنان زراعي، إلى الاعتقال خارج منزله بدمشق في نهاية شهر فيفري/ شباط عام 2012. وفي شهر أفريل/ نيسان عام 2013، اقتيدت زوجته إلى الحجز بعد استفسارها، على ما يبدو، عن مصير زوجها. ويُنسب إلى مسؤولين رسميّين زعمهم إنّ حلقات الزراعي في بقعة ضوء حرّضت على الثورة (37). وقد احتفت تقارير صحفيّة حول سجنه، ونداءات الفايسبوك من أجل إطلاق سراحه، بتأثير شخصيّته المشهورة على نشطاء الانتفاضة (38). على أنّ الرسائل التي أوصلتها الأعمال التي تسيطر عليها الدولة، مثل بقعة ضوء وما في أمل، وإن كانت ملتبسة بشكل استراتيجيّ، فقد جعلها المنشقّون المستقلّون اليوم صريحة. فبعد يوم واحد من خطاب بشّار الأسد أمام البرلمان في شهر مارس/ آذار عام 2011، نشر نشطاء مجهولون، يعملون تحت اسم "ثورة الشام"، على موقع يوتيوب نسخة معدلة من حلقة التصفيق في ما في أمل. وقد أدخلت النسخة الجديدة على حوار قزق وكوسا مشاهد من تصفيق الجماهير والبرلمانيّين العارم للخطاب، مكرّرين الجملة المشؤومة "حين يقتضي الظرف، سيصفق الجميع".
وقد أنتجت مجموعة "معكم" محاكاة لمسلسل ما في أمل، وهي أيضا تحيّة تقدير له، أطلقت عليها اسم حريّة وبس، وهي من بطولة نصر الحبّال وسليم الحمصي. وإلى جانب بثّها على قناتين تلفزيون معارضتين، هما "أورينت تي في" وقناة "الآن" في رمضان عام 2011، تحظى هذه المقاطع القصيرة بحضور قوي على يوتيوب وفايسبوك. أمّا عنوان السلسلة، فهو إعادة صياغة لشعار النظام "الله، سوريا، بشّار وبس". ويبدأ المسلسل بعرض كلمة "حريّة"، لتنضاف إليها كلمة "وبس". ويتبنّى الممثّلان الناشطان اليافعان أماكن تصوير تشبه أماكن تصوير مسلسل "ما في أمل" المتواضعة، محوّلين بذلك نبرة الاستقالة القاتمة إلى حماسة ثوريّة. ويعوّض شابّان غير مرتّبي الهندام سوء مزاج الممثّلين الأكبر سنّاً، ويتغيّر مكان الطاولة فتصبح في الخارج في ساحة المهملات (39). وتستحضر الحلقة السابعة "مسرح العرائس" كل من حلقة التصفيق في ما في أمل وخطاب الرئيس، وتسرد إحدى الشخصيّات، وهي تمسك بجريدة، قائمة من الكوارث: زلزال في اليابان، إعصار في المكسيك، وموت صديق، ويقاطع مرافقه كلّ كارثة بالتصفيق، فيصيح قارئ الجريدة بغضب: "شبك، ما فيك إحساس، ما فيك ضمير؟" فيجيبه مرافقه "لا، مو هيك القصّة، أنا بفكّر أرشّح حالي لمجلس الشعب".
ورغم تبنيهم الصيغة الإخراجيّة لمسلسل ما في أمل، اتّخذ نشطاء فريق "معكم" المنفيّون مسافة من صُنّاعه. فهم يجادلون بأنّ عمل حجّو "لم يلامس سوى سطح القضايا السوريّة" (40). وتبدأ الحلقة الأولى من العمل الجديد بإعلان يقول: "الحرّية قادمة، رغم تردّد بعض الفنّانين" (41). ويشير الإعلان إلى المفارقة المريرة لتحوّل من سخروا من المؤسّسة الحاكمة إلى مساندتها اليوم: فقد فشل عدد من صنّاع التلفزيون البارزين في الالتحاق بالاحتجاج أو أنّهم قاموا، في حالة الممثّلين – وهم وجه الصناعة العموميّ – بمساندة النظام علناً. وقد قدّم المتحدّث باسم فريق "معكم" في مهرجان "ربيع السينما العربيّة" المنعقد في باريس في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2011، ملاحظة مفادها إنّهم سعوا إلى "افاقة الفنّانين المحترفين في سوريا، وإعلامهم أنّهم إن لم يستفيقوا، فإنّه يوجد شباب سيأخذ مكانهم". وذكّر المخرج الدراميّ العريق هيثم حقي الجمهور بأنّ صناع الدراما كانوا أوّل من نادى بـ “دولة ديمقراطيّة تعدديّة تضمن مواطنة متساوية في ظلّ القانون" (42).
خلاصة
يوجد في صفوف صنّاع الدراما السوريّة إرث راسخ من الاهتمام بالمسائل الاجتماعيّة والسياسيّة، إذ تُلهم أشكال النقد التلفزيونيّ التي اشتدّت في حقبة بشّار الأسد المحتجّين المعادين للنّظام آفاقاً جديدة من الانشقاق الفنيّ. لكن من السهل إغفال الدَين الذي تحمله برامج مثل حرية وبس تجاه التجديدات التلفزيونيّة في العقد الماضي، خاصّة في غمرة الاحتفالات بإبداعيّة الثورة والإدانات لمواقف بعض صنّاع الدراما رفيعي المستوى المساندة للمؤسّسة الحاكمة. حيث تغمر لحظات القطيعة المسارات الطويلة والتحوّلات التدريجيّة في الخطاب النقدي العامّ والخاصّ. وكثيراً ما عبّر النقّاد عن استيائهم من التقييدات المفروضة على الدراما السوريّة، حيث لم تستهدف معالجات الفساد التلفزيونيّة صفوف النخبة السياسيّة العليا، فيما أوحت السلطويّة المتعنّتة بعجز النقد، أو بالأحرى بتلاعب النظام به. لكن، وكما تظهر أعمال "ثورة الشام" ومجموعة "معكم"، نجحت البرامج المُنتجة في حقبة بشّار الأسد في تضمين المعنى. وقد قام مشاهدون متعطشون، تحوّل بعضهم الآن إلى منتجين ثقافيّين نشطاء، بملء الفراغات.
وعن طريق توظيف جماليّة قاتمة مميّزة، وسّع صنّاع الدراما السوريّون من حدود التعبير، وقد فعلوا ذلك من خلال نفس المؤسّسات والهياكل التي يستهدفون إصلاحها. فرغم قيود الرقابة الصارمة وشروط السوق القاسية، أدخلت برامج مثل بقعة ضوء وانتظار وما في أمل، تفكيراً نقديّاً إلى مركز الحياة العامّة السوريّة والعربيّة. وغالباً ما تَحصر الأبحاث العلميّة حول وسائل الإعلام تركيزها في الصحافة، حيث هامش المناورة أكثر ضيقاً وحيث يَحجب تفضيل الأحداث على المسارات تاريخاً معقّداً من صنع المعنى وإعادة صنعه في الدراما التلفزيونيّة. ويَرشح إرث الصناعة الدراميّة السورية المتمثّل في الواقعيّة الاجتماعيّة والسخرية السياسيّة عبر الاحتجاجات الحاليّة، ما يعكس امتداد مدى الصراع الإبداعيّ.
الهوامش والإحالات:
- أنظر على سبيل المثال؛ بسمة أتاسي، "انتفاضة ملونة في دمشق" (موقع الجزيرة بالإنكليزيّة)، 13 /12/201، http://bit.ly/2nejTmr ؛ محمد علي الأتاسي، "عندما تثور الدمى على الديكتاتور"، http://bit.ly/2nfRvRK ؛ أوليفر هولمز، "الثورة السوريّة تولد انفجار فنياًّ" (وكالة رويترز بالإنكليزيّة)، 28/09/2011، http://reut.rs/2ne4uTg؛ سلوى إسماعيل، "ثورة سوريا الثقافيّة" (موقع صحيفة الغارديان البريطانيّة)، 21/06/2011، http://bit.ly/2nfRwVK ؛ نيل ماكفاركار، "السوريون يجدون في الاحتجاجات شرارة الإبداع" (موقع صحيفة النيويورك تايمز الأمريكيّة)، 19/12/2011، http://nyti.ms/2nxfU88.
- يطلق السوريون إلى هذه المسلسلات اسم "دراما"، حتى لو كانت كوميديّة.
- Christa Salamandra, "Spotlight on the Bashar al-Asad Era: The Television Drama Outpouring," Middle East Critique 20, no. 2 (2011): 157-67.
- حوار شخصيّ مع ليث حجو، 17/10/2006.
- للاطلاع على تحليل مفصّل وشيق لشكل ومحتوى مسلسل "بقعة ضوء" الرائد؛ أنظر:
"Syria under the Spotlight: Television Satire that Is Revolution-ary in Form, Reformist in Content," Arab Media and Society 3 (Fall 2007).
- Christa Salamandra, "Television and the Ethnographic Endeavor: The Case of Syrian Drama," Transnational Broadcasting Studies (now Arab Media and Society) 14 (2005).
- حوار شخصيّ مع ليث حجو.
- جادل أحد المساهمين في العمل أنّ 60% من محتوى الجزء العاشر من "بقعة ضوء"، الذي بثّ في رمضان عام 2014، يعكس موقف النظام.
- حوار شخصيّ مع ليث حجو.
- بما أنّ الفضائيات العربيّة تعمل دون أنظمة تقييم موثوقة أو أبحاث حول المشاهدين، تعكس هذه التقييمات آراء مسؤولي البرمجة وآراء وجوه مسؤولة في الصناعة التلفزيونيّة.
- George Weyman, Empowering Youth or Reshaping Compliance? Star Magazine, Symbolic Production, and Competing Visions of Shabab in Syria, MPhil thesis in Modern Middle Eastern Studies, Univ. of Oxford, 2006.
- كثيرا ما يتم التمييز بين العملين الإبداعيّ والتقنيّ في صناعة الإعلام باستخدام مصطلحي "فوق الخط" و"تحت الخط" على التوالي؛ أنظر:
(Matt Stahl, "Privilege and Distinction in Production Worlds: Copyright, Collective Bargaining and Working Conditions in Media Making," in Production Studies: Cultural Studies of Media Industries, ed. Vicki Mayer, Miranda J. Banks, and John. T. Caldwell [New York and London: Routledge, 2009], 58-63).
- Cecile Boex, "The End of State Monopoly over Culture: Toward the Commodification of Culture and Artistic Production," Middle East Critique 20, no. 2 (2011): 164.
- حوار شخصيّ مع المؤلف نجيب نصير، 18/07/2006.
- انظر:
Della Ratta, " The 'Whisper Strategy': How Syrian Drama Makers Shape Tele-vision Fiction in the Context of Authoritarianism and Commodification".
- تبث المسلسلات على مدار السنة، لكن الوقت المشتهى هو وقت الذروة خلال الشهر المقدس، فهو الذي يصنع الثروة والسمعة.
- Christa Salamandra, "Globalisation and Cultural Mediation: The Construction of Arabia in London," Global Networks 2, no. 4 (2002): 285-99; and Christa Salamandra, "London's Arab Media and the Construction of Arabness," Transnational Broadcasting Studies 10 (2003), Link.
- كلّ من مدى ومصدر هذه النزعة متنازع عليهما. وعلى خلاف التصورات السائدة في الصناعة، تجادل نور حلبي إنّ تمويل تلفزيونات دول مجلس التعاون الخليجيّ كان لها أثر ليبرالي على محتوى الدراما؛ أنظر:
("The Impact of Gulf Investment on the Syrian TV Drama Industry: Syr-ian TV Drama in the Satellite Era," paper presented at International PhD and Research School, "Arab TV Fiction and Entertainment Industries," Danish Institute in Damascus, Syria, Nov. 2010).
- Mazen Bilal and Najib Nusair, Syrian Historical Drama: The Dream of the End of an Era [Al-Drama al-tarikhiyya al-Suriya: Hilm nihayat al-`asr] (Damascus: Dar al-Sham, 1999), 8.
- Christa Salamandra, "Creative Compromise: Syrian Television Makers between Secularism and Islamism," Contemporary Islam 2, no. 3 (2008): 177-89; Christa Salamandra, "Arab Television Drama Production and the Islamic Public Sphere," in Rhetoric of the Image: Visual Culture in Muslim Contexts, ed. Christiane Gruber and Sune Haugbolle, 261-74 (Bloomington: Indiana Univ. Press, 2013).
- للاطلاع على تحليل للصناعة يشدد على زمالة ومطاوعة القيادة السياسيّة، وجاذبيّة النيوليبراليّة في صفوف صناع الدراما، أنظر:
Della Ratta, "The 'Whisper Strategy".
- Peter Brooks, The Melodramatic Imagination: Balzac, Henry James, Melodram'a, and the Mode of Excess (New Haven: Yale Univ. Press, 1995), viii.
- Lila Abu-Lughod, Dramas of Nationhood: The Politics of Television in Egypt (Chi-cago: Univ. of Chicago Press, 2005).
- Christine Gledhill, "Speculations on the Relationship between Soap Opera and Melodrama," Quarterly Review of Film and Video 14, nos. 1-2 (1992): 107-28.
- miriam cooke, Dissident Syria: Making Oppositional Arts Official (Durham, NC: Duke Univ. Press, 2007).
- John Caughie, Television Drama: Realism, Modernism and British Culture (Oxford: Oxford Univ. Press, 2000), 105-8.
- On Behind Bars' paradoxically uncontroversial reception, see Marlin Dick, "Thin Red Lines: Censorship, Controversy, and the Case of the Syrian Soap Opera Behind Bars," Transnational Broadcasting Studies 16 (2006), Link.
- نماذج من أفلام واقعيّة مصورة في أحياء غير نظاميّة؛ أنظر:
Jean Renoir's The Lower Depths (1936), Pier Paolo Pasolini's Accattone (1961), Mira Nair's Salaam Bombay (1988), Fernando Meirelles and Katia Lund's City of God (2002).
- United Nations Environment Programme, Geo Yearbook 2006. Nairobi: United Nations Environment Programme, 2006), 32; United Nations Economic and Social Council, "UN ECOSOC Regional Meeting on Sustainable Urbanization Opens in Bah-rain" (press release, 2008), Link.
- كان أولها على الأرجح مسلسل أيامنا الحلوة المنتج عام 2003، وقد كتبه مؤلفو مسلسل انتظار.
- Lisa Wedeen, Ambiguities of Domination: Politics, Rhetoric, and Symbols in Con-temporary Syria (Chicago: Univ. of Chicago Press, 1999), 88-92, 100-107).
أنظر أيضا، على سبيل المثال، تحليلها لمسلسل ليث حجو الكوميدي ضيعة ضائعة الذي تقول في معرضه إنّه "أداة لمساعدة الناس على التعامل مع واقعهم ودعوة لتحريرهم منه"؛
(Wedeen, "Ideology and Humor in Dark Times: Notes from Syria," Critical Inquiry 39, no. 4 [2013]: 864).
- Wedeen, Ambiguities of Domination, 90.
- Rebecca Joubin, The Politics of Love: Sexuality, Gender, and Marriage in Syrian Television Drama (Plymouth, UK, and Lanham, MD: Lexington Books, 2013).
- cooke, Dissident Syria, 73-77.
- أخرج هذه الحلقة، التي بثت عام 2008، صديق ليث حجو وشريكه سامر برقاوي.
- "النظام يلهث وراء "الرجل البخاخ" من حمص إلى دمشق"، موقع زمان الوصل الإلكتروني، 20/07/2011، انظر الرابط.
- Rebecca Joubin, "Resistance and Co-optation on the Syrian Television Series, Buq`at Daw', 2001-2012," Middle East Journal 68, no. 1 (2014): 23.
- وكالة أ.ف.ب، "السلطات السوريّة تعتقل مبتكر الرجل البخاخ في مسلسل بقعة ضوء"، موقع صحيفة الشرق، 01/03/2012، انظر الرابط.
- يصور الجزء الثاني الصديقين وهما في السجن، في إظهار لمصير كثير من المحتجين والنشطاء السلميّين.
- Nadine Elali, "The Syrian Revolution in Sketches: Talking to the Horriyeh w Bas team," Now Lebanon, July 19, 2011. Link.
- في سوريا، يحيل لفظ "فنان" عموما على الممثّل.
-
ندى الأزهري، "حتى الصورة هتفت: حريّة وبس"، موقع "عرب 48"، انظر الرابط.
حبيب الحاج سالم
مترجم وباحث من تونس، مجاز في اللغة والآداب والحضارة الإنكليزية ويواصل دراسة الماجستار في نفس الاختصاص، له مقالات وحوارات مترجمة منشورة على الإنترنت وفي بعض المجلات الثقافية والكتب.
مترجم وباحث من تونس، مجاز في اللغة والآداب والحضارة الإنكليزية ويواصل دراسة الماجستار في نفس الاختصاص، له مقالات وحوارات مترجمة منشورة على الإنترنت وفي بعض المجلات الثقافية والكتب.
تحميل المادة بصيغة PDF:
- فورة سوريا الدراميّة: بين التواطؤ والنقد (1285 تنزيلات)
كريستا سلمندرا
أنثروبولوجية أميركية تدرس في كلية ليمان ومركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك. لها العديد من الدراسات الأنثروبولوجية حول سوريا، كما أنها أصدرت كتابا في نفس السياق تحت عنوان "دمشق القديمة الجديدة: الأصالة والتميز في المناطق الحضرية السورية".
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.