أنماط تسيُّس الشباب في تركيا: تقييم عبر الطوائف والإثنيات

16 نيسان/أبريل 2017
 
 ترجمة: صلاح الدين الملوحي.
 
استهلال:

يهدف هذا التقرير إلى فهم أنماط التسيُّس الجارية في أوساط الشباب التركي من مختلف المجموعات الهوياتيّة.
ولإنجاز ذلك يعرض التقرير التحليلات المقارنة لأربعة نماذج من البحث النوعي[1] الميداني في مدينة إسطنبول ولنموذجين في مدينة دياربكر وفق الأبعاد التالية: الأيديولوجيا والهوية والطبقة والفردانية والفعل/العنف، ويسعى التقرير للإضاءة على أوجه التشابه والاختلاف بين الشباب العلويين والأكراد والإسلاميين في إسطنبول وبين الشباب الأكراد في دياربكر وفقاً للأبعاد المذكورة أعلاه.
أُجري الجزء الأول من البحث في إسطنبول مع شباب من ذوي الدخل المنخفض يعيشون في أحياء يقطنها العلويون وأفراد الحركات اليسارية، كما أجريت مقابلات معمقة ومباشَرة مع قادة الرأي شملت 38 شخصاً تراوحت أعمارهم بين 16-35 ممّن هاجرت عائلاتهم من محافظات الأناضول (إرزينجان وسيواس وتوكات وكهرمان مرعش وتونجيلي) إلى الأحياء التي تقع ضمن نطاق البحث، وجمعت البيانات شبه الإثنوغرافية (الوصفية) في بيوت الجَمْع (أماكن العبادة الخاصة بالعلويين) وأماكن شرب الشاي والمقاهي الموجودة في تلك الأحياء.
أما الجزء الثاني من البحث فلقد نُفِّذ في إسطنبول وتحديداً في منطقة كوتشوك تشيكميجه حيث تسكن مجموعات عرقية مختلفة يغلب عليها الأكراد والألبان والبلغار، ويحلل هذا الجزءُ الإحساسَ بالهوية عند شباب هذه الأحياء عبر مداخل اجتماعية واقتصادية وسياسية. ولتحقيق ذلك أجريت مقابلات نصف مؤطرة[2] (مفتوحة أو غير منظمة) مع 23 شخصاً تراوحت أعمارهم بين 17-28 وجمعت البيانات الإثنوغرافية في المتنزهات والمقاهي ومتاجر الحرفيين والأسواق. 
يهدف الجزء الثالث من البحث إلى اكتشاف العلاقات الاجتماعية والعوامل المكانية والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحدد أحاسيس الانتماء لدى الشباب الأكراد في الأحياء ذات الغالبية الكردية، حيث يعيش هؤلاء الشباب مع آبائهم الذين انتقلوا إلى إسطنبول من المحافظات الشرقية والجنوب شرقية بسبب الهجرة القسرية وتحت وطأة الدوافع الاقتصادية. وكجزء من البحث تمّ إجراء مقابلات معمقة ومفتوحة (نصف مؤطرة) مع 33 شاباً كردياً أعمارهم بين الـ 19و 29 سنةً.
بينما خُصص الجزء الأخير من البحث للجماعات الإسلامية في إسطنبول، وبدلاً من التركيز على الأحياء والمناطق، تم إجراء المقابلات في هذا الجزء من البحث مع 30 شخصاً هم أعضاء في منظمات إسلامية مختلفة مع فروعها المتعددة، ولقد صممت العينة بحيث تعكس الطيف الواسع للفكر الإسلامي. 
يشمل البحث الذي أجري في مدينة دياربكر موضوعين اثنين: الأول حول شريحة الشباب القريبة من الحياة السياسية الكردية، والثاني حول شريحة الشباب القريبة من المنظمات الإسلامية الناشطة في تلك المنطقة.
في الجزء الأول من بحث دياربكر نُظمت مقابلات معمقة مع 20 شاباً مقربين من الحياة السياسية الكردية أعمارهم بين الـ18و29، وأجريت هذه المقابلات في المنازل والمقاهي والجمعيات.
أما في الجزء الثاني المعني بالشباب القريب من الحركات الإسلامية في دياربكر، فلقد عقدت مقابلات معمقة مع 18 شخصاً من الذين ينشطون بالمجتمع المدني ضمن الحلقات الإسلامية وتتراوح أعمارهم بين الـ 20 و32 سنة .
أنجز البحث الخاص بإسطنبول طيلة عام 2015، بينما أنجز بحث دياربكر في صيف عام 2016.
 
مقدمة:

على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية شهدت تركيا تغيرات وتطورات شبيهة بتلك التي حصلت أواخر القرن التاسع عشر وبالزوبعة الفكرية التي تلتها، ومن بين العوامل الرئيسة التي كان لها دور في التأسيس لهذه التغيرات، كانت العولمة. العولمة التي أوجدت عالماً من عدة لاعبين دوليين متسببة في زيادة الشك ودافعة باتجاه إعادة هيكلة الشرق الأوسط وجَعْل قضاياه في الصدارة، ومؤدية في غضون ذلك إلى تصاعد رُهاب الأجانب في الأمم الغربية (وخصوصاً الرهاب الذي يستهدف الهوية المسلمة)، الأمر الذي نجم عنه تنامي التوتر العرقي والإثني في مجتمعاتها.
من جهة ثانية تجاوز النشاط الكردي حدود "المسألة الكردية" إلى ما وراء حدود الدولة التركية، أملاً بإنشاء حكم ذاتي في سوريا، ما أدى إلى حرمان تركيا من الشعور بالأمان داخل حدودها الوطنية.
خلال ذات المدة ارتفع نصيب الفرد من الدخل في تركيا بشكل ملحوظ وتجاوزت الاستثمارات في البنية التحتية وفي العمران الحدودَ التي كانت عليها طوال تاريخ الجمهورية. وفي الوقت الذي بدا فيه إرثُ الكمالية فاقداً لزخمه أسّسَ حزبُ العدالة والتنمية حكومةً نقلت المحيط إلى المركز وأدت بالتالي إلى مضاعفة أعداد الطبقة الوسطى في البلاد خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.
وبنفس هذه الفترة أيضاً ارتفعت سوية الديموقراطية في تركيا ومستوى حقوق الإنسان والحريات المدنية، وبات من الصعب على الهياكل الجماعية المغلقة أن تحافظ على نفسها، ذلك أن الفردانية والعلمنة شرعتا بالانتشار وفق معدل سريع، كما اكتشفت بنشاط غالبيةٌ مجتمعيةٌ موضوعةَ الحقائق الكونية، وتزامن ذلك مع ارتفاع مفهوم التهديد فيما يخصّ السلامة الإقليمية والهوية الوطنية للبلاد.
وبينما قاد هذا الجو المعقد والفوضوي إلى تنويع وتنامي تسييس المطالب المتعلقة بالهوية، بقي الحزب الحاكم متردداً بين تنفيذ الإصلاحات الديموقراطية وبين استخدام الطرق السلطوية الخاصة بتعزيز القانون. لكن هذا التأرجح لم يؤد إلى خيبة أمل فحسب، وإنما صعّب أيضاً من مهمة إدارة البلاد، فالتأخر في تنفيذ الحلول مترافقاً مع الشكوك حول الاتجاه الذي اتخذته البلاد، شجعا تسيّس الشباب ضمن جماعات محددة كانت من بينها تلك التي تحولت لتبني توجهات راديكالية. 
تستند هذه الدراسة على أربعة أبحاث نوعية وميدانية ومحدَّدَة المناطق في إسطنبول إضافة إلى بحثيْن في دياربكر، ولقد وُجِّهت أبحاث إسطنبول الميدانية لفهم حالة الشباب الكردي والعلوي والإسلامي المقرب من الأفكار الراديكالية. أما بحثا دياربكر فيشملان الشباب الكردي المنتسب إلى الأحزاب السياسية الكردية السائدة أو الكيانات السياسية الإسلامية المحلية. وعليه فإن هدف البحث لا ينحصر بمجرد فهم الحالة الشبابية في تركيا أو حتى تسيُّسها، وإنما -بمعنى أكثر تحديداً- يُعنى البحث "بالأفراد الشباب الذين هم على اتصال مع/يشعرون بالانجذاب نحو المنظمات والكيانات السياسية التي يمكن أن تلجأ إلى العنف".
تسعى هذه الدراسة للتعريف بالجوانب المشتركة والمختلفة عند الأفراد الشباب بمختلف هوياتهم في إسطنبول ودياربكر من خلال دراسة المدينتين بشكل منفصل. أما بالنسبة لأقسام التقييم في الدراسة، فمن الممكن دراستها فيما يخص المدينتين كوحدة مندمجة، وعقد مقارنة مناطقية بين الكيانات الكردية والإسلامية.
تمّ تنفيذ هذه الدراسة وعقد المقارنات وفقاً للأبعاد والمحددات التالية:
الأيديولوجيا والهوية والطبقة والفردانية والفعل/العنف.
 
الأيديولوجيا:

إسطنبول: الجوانب المشتركة

رغم توفرهم على هويات وأيديولوجيات مختلفة إلا أن الأفراد الشباب المؤهلين للأفكار الراديكالية يتشاركون بأربعة عناصر مشتركة من حيث التصور:
  1. كل القضايا والحلول يتم تعريفها من خلال المنظور الأيديولوجي؛ بحيث تحيط أيديولوجياتهم بكامل العالم الدلالي الخاص بهم.
  2. في خلفية المشهد الأيديولوجي يشعر الشباب بالأثر السلبي وخيبة الأمل إزاء التطورات سريعة الخطى.
  3. جميعهم يخشون الاحتواء ضمن ما يمكن تسميتها بـ بيئة "العدو" التي تحيط بهم.
  4. جميعهم يعتقدون من جهة أخرى بأن الحل يكمن في إنهاء معاناتهم الخاصة وبأن هذا الحلّ لن يكون له أثر على الآخرين من باقي الهويات.
إسطنبول: الاختلافات

الاختلاف الأكثر انتشاراً وسط شباب الهويات الثلاث المختلفة يكشف بحد ذاته مقدار الثقة لدى الشباب من عدمها، فبينما يثق الشباب الكردي بحزب العمال الكردستاني فإنهم يضمرون عدم ثقتهم تجاه الدولة والحكومة، ويحمل الشبان العلويون ثقة بالغرب لا تظهر بقوة وبالمقابل يضمرون عدم ثقتهم بالدولة والحكومة. أما الشباب الإسلاميون فعلى النقيض من ذلك؛ لديهم إيمانهم بالدولة والحكومة ولا يثقون بالغرب وتحديداً القيم الغربية.   
 
دياربكر: الجوانب المشتركة

تشترك مجموعتا الشباب المختلفتان (الكردية والإسلامية المنزع على التوالي) بثلاث وجهات نظر:
  1. كل القضايا والحلول يتم تعريفها من خلال المنظور الأيديولوجي؛ حيث الأيديولوجيات هي النقطة المرجعية الوحيدة لكل الإجابات والأسئلة.
  2. الصراع الأيديولوجي والسياسي بالنسبة لكلا الفريقين مقدس، وينظر إلى هذا الاغتراب والافتراق الممارسين طيلة الصراع بوصفهما عنصراً إيجابياً.
  3. تعتبر القيم التي تنطوي عليها الديموقراطية في واقع الحياة مثل الحرية والمساواة ضرورية لكنها غير كافية للتوصل إلى حل.
  4. يعدّ النهج الانتهازي للوصول إلى الأهداف السياسية أمراً مقبولاً وعقلانياً.
  5. تعتبر البدائل التي يُنظر إليها بوصفها "حلّاً" من قبل بعض الجماعات الأيديولوجية، بمثابة تهديد من وجهة نظر جماعات أخرى.
 دياربكر: الاختلافات
  1. على الرغم من اعتبار السياسة المدنية مسألة مبدأ، إلا أن أولئك الذين يضعون الهوية الكردية فوق أي اعتبار آخر هم أكثر ميلاً لترك الباب مفتوحاً أمام العنف.
  2. يمنح أولئك الذين يتبنون الهوية الكردية أيديولوجياً الشرعيةَ للنهج الانتهازي ضد الدولة، بينما يبرر الإسلاميون ذات النهج ضد النظام الدولي.
  3. تعد "الديموقراطية" بيئة إيجابية وأداة صالحة للاستعمال من وجهة نظر الكرد المؤدلجين، أما بالنسبة للإسلاميين فهي نظام تطبيق سلبي.
التقييم:

عندما نلقي نظرة على الشباب داخل الجماعات السياسية تتكشف لنا حقيقة أن المحور الأساسي الذي يوحّد إسطنبول ودياربكر هو "الأيديولوجي"، وبغض النظر عن الجماعات والهويات فإن الشباب يدركون المسائل والحلول عبر مدخل الأيديولوجيا التي تملؤهم وتعطي حيواتهم معنى، حيث تلعب الأيديولوجيا وظيفة الخطاب الكليّ. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالحياة اليومية والعلاقات مع المجتمع، تظهر إسطنبول ودياربكر كحالتين مختلفين كلياً.
يعيش الشباب في إسطنبول مع فهم ثابت للتهديدات، فهم ليسوا واقعين في شراك الدفق اليومي من الشك والتغير فحسب، وإنما هم محاطون أيضاً بعالم ينظرون إليه بصفته "عدواً" ينتمي بشكل جوهري إلى "الآخرين". وعليه فإن أكثر ما يشغل بال شباب إسطنبول هو الحماية والحفاظ على الذات، ونتيجة لهذا السبب ترتبط تقييماتهم السياسية ارتباطاً وثيقاً بالمخاوف المتعلقة بالثقة أو انعدام الثقة. 
من جهة ثانية يعيش الشباب في دياربكر ضمن بيئتهم الاجتماعية التي تتوافق مع هويتهم، وهذا ما يدفعهم لدفع الخطاب حول القضايا والحلول الكلية إلى الصدارة وإرجاء مشكلات وأخطار الحياة اليومية إلى الخلف. بتركيزه على الصراع، يدفع هذا النهجُ الشبابَ لطرح الحجج الأكثر "نظريةً" و "تسيساً".
يكشف هذان الاختلافان الهامان بين شباب إسطنبول ودياربكر قابليةَ تسيُّس الشباب وفقاً للظروف المحيطة، ففي إسطنبول يعدّ الاغتراب عن المحيط عاملاً سلبياً لأنه يؤسس بشكل مباشر لتهديد الحياة اليومية. على العكس من ذلك فإن الاغتراب في دياربكر يُترجم بمزيد من المستوى الخطابي والسياسي ويُفهم على نحو إيجابي كونه يقوي ويعزز الروح الرفاقية والحميمية.
على صعيد موازٍ، يرى شباب إسطنبول أن حلول مشكلاتهم الخاصة لن تسببَ تهديداً للآخرين، وذلك يعني أنهم لن يكونوا ضد حل مشاكل الآخرين. لكن شباب دياربكر يفكرون بطريقة مختلفة، فهم يرون حلول الآخرين بمثابة تهديد مباشر لهم من دون أن ينكروا أن حلولهم الخاصة بدورها تشكل أيضاً تهديداً للآخرين.
يمكن الادعاء عبر اختبار مؤشر الأيديولوجيا بأن للبيئة المتعلقة بالهوية تأثيراً واضحاً على تسيُّس الشباب، ففي بيئات غير متجانسة يصبح الشباب في حالة من عدم الاستقرار والهشاشة والارتياب وبالتالي القلق على مسار حياتهم اليومية، ويتسبب هذا التوتر بإحداث فجوة بين الخطاب الأيديولوجي والأعمال اليومية، وعندئذٍ تصبح وظيفة الأيديولوجيا كحجة للإيمان تهدف للتماسك والتضامن أكثر من كونها مجرد مولِّدة للطروحات السياسية.
في بيئات متجانسة من حيث الهوية قد يكون من الطبيعي إنتاج خطاب يمتدح الأيديولوجيا عبر نبذ مستلزمات الحياة اليومية وإعطاء الأهمية لمعنى الذات وأعدائها، وفي مثل هذه الأجواء يتكلم الشباب بمزيد من الثقة ويؤمنون بأن جهودهم مكرسة لصالح الأهداف الكبرى وطويلة الأمد.
يعكس الفارق بين الشباب الكردي والإسلامي في هاتين المنطقتين من حيث الموقف الأيديولوجي،  على نحو كافٍ الاختلافات الواردة أعلاه. لكنْ نظراً للحالة الميدانية المتفوقة لشباب دياربكر القوميين على الإسلاميين –بسبب عامل حزب العمال الكردستاني/حزب الشعوب الديموقراطي- فإن ما يستحق الملاحظة حقيقة أنّ الإسلاميين يفضلون بشكل نسبي خطاباً سياسياً أكثر مبدأيةً فيما يتبنى أولئك المشبعون بالهوية الكردية خطاباً سياسياً أكثر انتهازيةً. 
 
الهوية:

إسطنبول: الجوانب المشتركة

توجد أوجه تشابه واضحة تماماً بين المجموعات الكردية والعلوية والإسلامية من حيث سيرورة وعيها بالهوية وتسيُّس شبابها. 
  1. لقد بات واضحاً أن الهجرة للمدن الكبرى واختبار العيش فيها ذو أثر كبير على الهوية وأن المتاعب المالية تجعل هذا التعرف على الذات والهوية أكثر عمقاً.
  2. رغم ذلك لا تزال المدنيّة عنصراً إيجابياً وبمثابة عالَم واسع من الحريات والفرص.
  3. لكن حجم وتعقيد الحياة في المدينة يوجه الشباب نحو مشاكل أقل أهمية تتعلق بأماكن سكنهم.
  4. يشعر كل الشباب بالحاجة لتعريف أنفسهم في مواجهة "الآخر".
  5. يعيش جميع الشباب إحساس الشعور بالضحية أمام القوة.
  6. لدى الشباب من الهويات الثلاثة مشاعر الاغتراب وعدم الثقة والرفض.
  7. هاجس هؤلاء الشباب الأساسي هو الهجنة والتفسخ، ما يعني فقدان هويتهم.
  8. بسبب هذه الحالة الذهنية، بات وضحاً أن جميع الشباب يتشاركون في رغبة "التعرف على الذات"، بغض النظر عن هوياتهم.
  9. يدفع مزيج من التوجه لوعي الهوية والغريزة الدفاعية نحو تشكل مناطق محددة مسكونة بهويات مخصصة، حيث تخلق كل مجموعة مساحات وأمكنة "صِغْريّة" تعيش فيها ضمن المدينة.
  10. تحافظ كل مجموعة على مسافة فاصلة عن الهويات الأخرى وتتجنب كذلك اللقاءات الفيزيائية.
إسطنبول: الاختلافات

يبدو أن الفرق الوحيد ذا المغزى من حيث هوية الجماعات المختلفة من الشباب، هو اللغة الأم بالنسبة للأكراد والعقيدة بالنسبة للعلويين والإسلاميين، وتلعب هذه المميِّزات دور القناة الجامعة بين أفراد كل مجموعة.
      
دياربكر: الجوانب المشتركة

رغم امتلاكهم وجهات نظر أيديولوجية مختلفة، إلا أنه توجد أوجه تشابه معتبرة بين الشباب الذين يركزون على هويتهم الكردية والإسلامية.
  1. لدى جميع هؤلاء الشباب إحساس بالتمييز والظلم، ويقع هذا الإحساس في مركز توجهاتهم.
  2. باستثناء إسطنبول، لا يملك هؤلاء الشباب أي صلات بغرب تركيا، ولا يحملون أي رغبة بذلك.
  3. لا يملك هؤلاء الشباب حس الانتماء إلى تركيا، كما أن نمط الحياة والنهج الإداري السائدين في تركيا يقابَلان بعدم التفهم ويولدان مزيجاً من مشاعر الاستبعاد والإذلال والاستياء في أوساط هؤلاء الشباب.
  4. وعليه فإن أحاسيس الانتماء لدى هؤلاء الشباب موجهة نحو إحداث تكامل داخل رؤاهم وتصوراتهم الجماعية الخاصة بهم، لذلك يتم تأسيس مساحات وأمكنة " شاملة" مع مفاهيم مجردة لتقدم حلولاً في غمار البحث عن حس الانتماء، حيث يشيح الشباب الذين يركزون على هويتهم الكردية بأبصارهم نحو الأراضي الكردية سواءً داخل تركيا أو في الشرق الأوسط لإرواء حس الانتماء، فيما يتجه حس الانتماء لدى الشباب الإسلامي نحو أراضٍ إسلامية أو نحو الأمة بتعريفها الأوسع والأكثر غموضاً.
 دياربكر: الاختلافات

يوجد اختلافان أساسيان جديران بالملاحظة في أوساط الشباب الأكراد والإسلاميين:
  1. بالنسبة لأولئك الشباب الذين يعرِّفون عن أنفسهم من خلال الهوية الكردية، فليس ثمة فرق في طبيعة النظرة إليهم سواءً داخل الجغرافية الكردية أو خارجها، فهم أكراد في كل مكان. أما الشباب الذين يطرحون أنفسهم بصفتهم إسلاميين داخل مناطقهم فإنه ينظر إليهم من قبل الآخرين كـ"أكراد" خارج مناطقهم، الأمر الذي يجعل الحالة النفسية للشباب الإسلاميين أكثر تعقيداً وأدعى للتفسير متعدد الوجوه.
  2. تُبدي كلا المجموعتان من الشباب الإسلامي والقومي الكردي طيفاً من وجهات النظر تتراوح بين "اللينة" و "المتصلبة". ترتبط الآراء القاسية (المتصلبة) مباشرة بعلاقة ألفة مع حزب العمال الكردستاني بالنسبة للشباب الذي يركز على هويته الكردية، أما بالنسبة للإسلاميين فثمة بنية اجتماعية أكثر تشعباً حيث تتباين الصلابة الفكرية تبعاً للتكتل الذي يتبع إليه هؤلاء الشباب.
التقييم:

عندما يتم الحديث عند مستوى تشكل الهوية، فإن لدى جميع الشباب مشاعر مشتركة بالتمييز والظلم والاستبعاد بغض النظر عن الهوية، ويلعب خطاب الضحية دور المشرعن والدافع للهوية نحو جعلها إحساساً مشتركاً للجميع. اعتماداً على ذلك فمن الممكن الجزم بأن الهوية تحتوي في المقام الأول على بعد تفاعلي في أوساط الشباب وتعدّ بالتالي وسيلة لتأكيد الوجود والحماية وإثبات الذات.
لكن الصدع الكبير يظهر بوضوح بين إسطنبول و دياربكر، فشباب إسطنبول متفقون على أنهم منخرطون في صراع وجود إجباري يلزمهم باتباع تكتيكات ضرورية للتعايش مع الآخرين، لذلك يمكن الجزم بأنهم في عملية تعلُّم مستمرة. بالمقابل يُلاحظ على شباب دياربكر أنهم ينظرون إلى المنطقة كوحدة مكتفية بذاتها وأنهم غيرُ معنيين بما هو خارج المنطقة وأنهم يرفضون المواقف المتعلقة بالهوية والسياسة، الأمر الذي يعطي الشرعية حسب آرائهم لتكريس طاقاتهم بشكل مباشر للعمل ضمن المنطقة وفي مواجهة الآخرين.
لا يوجد في دياربكر ذلك التخوف من ضياع الهوية السائد في إسطنبول، ففي مقابل غريزة المحافظة على الذات في إسطنبول يبحث شباب دياربكر عن وسم هويتهم بعلامة مميزة، وتلعب مادة الصراع دوراً في توسيع هوة الشقة بين الجانبين، فبينما يميل شباب إسطنبول إلى تعريف الصراع وفق نطاق صغير بقصره على بيئاتهم الخاصة، يوسِّع شباب دياربكر النطاق الجغرافي والتواصل الهوياتي قدر الإمكان ويفضلون وضع الصراع ضمن إطار أكبر.
نتيجةً لكل هذه الفروقات فإن تهديد تآكل الهوية في إسطنبول غير مرئي في دياربكر، وبدلاً من السعي وراء الحفاظ على الهوية في إسطنبول، فإن ثمة بحثاً عن هوية ذات تأثير طاغٍ على مجمل الحياة في دياربكر. وعليه فإن النضاليْن اللذين يلبيان هذين الهدفين مختلفان تماماً. في إسطنبول يميل الشباب للإبقاء على الصراع في نطاق صغير وضمن حدود بيئاتهم، بينما يُشاهد في دياربكر رد فعل معاكس؛ سلوك ظاهري واسع وتصعيد لمستوى الخطاب القائم على التهديد المشترك للشباب.  
يتم التصدي للمعضلات السياسية اليومية بتوسيع مجال الرؤية الذي تُدرك القضايا من خلاله والذي يُبحث عن الحلول أيضاً ضمن إطاره.
بوسعنا القول إذا ما عقدنا مقارنة على أساس جغرافي بين الذين يركزون على هويتهم الكردية والآخرين الذي يركزون على هويتهم الإسلامية، إن شباب إسطنبول يسلطون الضوء على "الاجتماعي" بشكل أكبر. بالنسبة للقوميين الأكراد فإن ما يشغل بالهم هو لغتهم الأم، أما بالنسبة للإسلاميين فإنه الإسلام.
تضع كلا المجموعتان في دياربكر "السياسات" في مركز الاهتمام وتعملان على تعزيز الهوية، وبينما تُظهر الأبعاد الثقافية للهوية جانباً بنّاءً، تشكِّل السياسةُ الرأيَ العام السائد في المنطقة.
 
الطبقة

إسطنبول: الجوانب المشتركة

من الممكن ملاحظة حقيقة أن الشباب المتحدرين من هويات مختلفة يتشاركون بأوجه تشابه تتعلق بالحالة الاقتصادية والاجتماعية وبالتأقلم مع ظروف بيئاتهم. يظهر الوضع الطبقي كتعريف مناسب يلخص كل هذا التنوع لأن العنصر الأساسي في وعي الشباب يعود إلى وجود بنية هرمية لا يمكنهم التغلب عليها.
  1. بوسعنا الجزم بوجود رابط مباشر بين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والطبقة من جهة وتبني هوية ما من جهة أخرى، فالشباب الذين يتحدرون من عائلات ذات مستوى اجتماعي واقتصادي منخفض –والذين يفسرون حالتهم من منظور طبقي-، أكثر استعداداً لاعتناق هوية ما.
  2. تعدّ عملية التحضر (التمدن) عاملاً مهيمناً في وعي العائلة للبيئة والحياة، ويخلِّفُ الظلم المتولد عن هذه العملية آثاراً عميقة وحاسمة قد ينجم عنها اغتراب وعزلة عن المجتمع.
  3. بالنسبة للطبقات الاجتماعية الدنيا، يترافق اعتناق الهوية مع مستوى من الانفعال الوجداني، الأمر الذي يهيئ لبروز خصائص راديكالية.
  4. من جهة ثانية فإن الرغبة بالاقتراب من المركز ومغادرة الهامش وإحراز مكانة اجتماعية عالية شائع جداً في أوساط الشباب، لكن التخوف من الفشل والبقاء على الهامش يلعب دوراً كابحاً لتلك الرغبة.
  5. من الصعب على الشباب إنشاء روابط شخصية مع باقي الهويات في الأمكنة التي تعيش فيها المجموعات الهوياتية المختلفة بجوار بعضها البعض، حيث يتعين على كل شخص الامتثال لضغوط ومزاج الحي الذي يسكن فيه. أما إذا كانت المجموعات الهوياتية متباعدة السكن فمن المحتمل أن يكون إنشاء الروابط الشخصية متيسراً ومتاحاً.
  6. يبدو التعليمُ العاملَ الأكثر أهمية وتأثيراً في التغلب على مشاعر الاغتراب والدفع نحو الاندراج بالمركز، ومن شأن التغلب على العوائق الهوياتية أن يمنح الشباب حرية أكبر وشعوراً بالأمن ليغدوا أكثر انخراطاً بالمركز.
إسطنبول: الاختلافات

على الرغم من وجود علاقة متوترة بين الوضع الطبقي والسوسيواقتصادي من جهة وبين التسيُّس والقابلية لاعتناق الآراء الراديكالية من جهة أخرى إلا أنه يتوفر لدى العلويين توجه مميز جدير بالملاحظة، ومع عدم توفر معطيات كافية تجعلنا قادرين على التعميم إلا أنه يمكن تعريف العلوية بصفتها نهجاً أكثر سياسوية خصوصاً في الأوساط الاجتماعية العليا للعلويين، رغم اعتبار معتقداتها بمثابة خروج على الإسلام.
تعدُّ العلوية في نظر المجموعات منخفضة الدخل مقبولةً ضمن دائرة الإسلام حيث تتمظهر ببعد ثقافي، لذا من الراجح تجلي التسيُّس من خلال "اليسار" أكثر من أي أيديولوجيا أخرى، وإذا ما أخذنا توجه الطبقات الاجتماعية العليا كمؤشر على الاندماج، فبوسعنا القول إنه يوجد ضمن الهويات الكردية والإسلامية علاقة عكسية بين الاندماج وتسييس الهوية، فيما توجد علاقة طردية بينهما ضمن العلويين.
 
دياربكر: الجوانب المشتركة

عند تقييم العلاقة بين الهوية والوضع الاجتماعي والاقتصادي، تظهر واضحةً تماماً الحالةُ الملتبسة والمعقدة لتعريف الذات بين الإسلاميين الشباب في المنطقة، ويعود ذلك إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبط بالهوية الكردية، وهو ما ينطبق على الإسلاميين أيضاً، لذلك، في الوقت الذي يتمثل فيه الشباب الإسلامي هويته عبر الإسلام، يحتم عليه وضعه في موازاة ذلك تبني الهوية الكردية كاستجابة للتحديات التي يواجهها، وهو ما يشير إلى حقيقة أنّ من شأن هويةٍ كردية أكثر اتساقاً أن تكون في علاقة تضاد مع بقية المجتمع ومع البلاد.
 
دياربكر: الاختلافات

رغم شيوع فكرة أن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مرتبطة بالهوية الكردية لدى جميع الأطراف المعنية، غير أن طريقة إدراك الهوية الكردية أو الإسلامية ليست واحدة تماماً، وبالنسبة لأولئك الذين يسيّسون الهوية الكردية فإن جميع القضايا أيديولوجية بصرف النظر عن حجمها، في حين أن ما يهم الإسلاميين هو نوعية وكمية وعمق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة، حيث تعتبر قضية ما أيديولوجيةً فقط عندما تصبح "مهيِّجة" أو "محرِّضة"، وهكذا يمكن التأكيد على أن الإسلاميين حافظوا على أنفسهم بمنأى عن الهوية الكردية، وبينما يعد كل شيء جزءاً من "المسألة الكردية" لدى هؤلاء الذين يؤكدون على الهوية الكردية، فإن الحالة ليست كذلك بالنسبة للإسلاميين. لذلك يصبح الحل بالنسبة للمجموعة الأولى واضحاً وضوح الشمس فيما يخص المطالب السياسية الكردية، لكن الحل بالنسبة للمجموعة الثانية يُبحث عنه ضمن نطاق كوني أكبر ويُحدَّد وفق البعد الأيديولوجي.
 
التقييم:

عندما تؤخذ فرص العمل والتعليم بعين الاعتبار فمن الممكن افتراض أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية تملك تأثيراً كبيراً على العلاقات التي ينشئها الشباب مع الوسط المحيط، ويمكن أيضاً ملاحظة أن ظروف الحياة الأفضل تؤسس لهوية "ناعمة". لكن البعد الاجتماعي والاقتصادي والوضع الطبقي يعدان عاملين أكثر حسماً في إسطنبول من حيث تبني الهوية والتسييس.  أما في دياربكر فيتحدد التسييس بالبيئة الأيديولوجية بأكثرَ مما تحدده ظروف الحياة الفعلية.
في موازاة ذلك تختلف الرؤية الطبقية في هاتين المنطقتين الجغرافيتين، فلدى شباب إسطنبول تصور يهدف إلى الترقي الطبقي وتحسين ظروف الحياة، بينما في دياربكر ينصب التركيز على المسائل الموجودة مسبقاً والمصرة على اختراق الماضي بدلاً من التطلع إلى التطوير.
على ضوء ذلك يمكن القول إن شباب إسطنبول قادرون على تصور حلم يأمل بالمستقبل رغم ظروف المحيط الصعبة، في حين يحمل شباب دياربكر تصوراً متشائماً داخل حيزهم الجغرافي، ولهذا صلة بطبيعة "الحل" الذي يراه شباب إسطنبول أكثر فردانية فيما هو أكثر اجتماعيةً في دياربكر.
يُعتبر الواقع الاجتماعي والاقتصادي في إسطنبول بمثابة معطىً على الشباب الانخراط فيه، ولهذا السبب ليس بوسع أحد على الإطلاق أن يضفي عليه الصبغة الأيديولوجية. لكن رد الفعل والمعاملة التي يتلقونها يفسحان المجال ليتم تفسير الواقع من قبل الشباب على نحو أيديولوجي الطابع.
ومن جهة أخرى يُنظر تقريباً إلى أي عامل منظم للحياة في دياربكر بصفته أيديولوجياً بأكثر مما يحصل في الخارج.      
يكمن الاختلاف الأساسي بين إسطنبول و دياربكر من وجهة نظر الشباب في أنهم ينتمون إلى عالم شخوص آخرين بينما يعيشون هم في عالمهم الخاص.
في إسطنبول حيث البيئة غير المتجانسة والمكونة من هويات متعددة، تظهر واضحة الحاجة والرغبة بتشكيل الفضاء الخاص، بينما تعكس دياربكر في المقام الأول وعلى مستوى الأفراد الهويةَ الكردية، وعليه فإن التسييس في دياربكر يحصل ضمن منظور أكثر هوياتية ومناطقية وعلى نحو لا يشجع المساعي الفردية.
إن حقيقة كون السلوكيات التكتلية والجماعاتية في دياربكر عوامل حاسمة لكلٍّ من الشباب الكردي والإسلامي، هي نتيجة طبيعية للمفاهيم المذكورة أعلاه، حيث ينظر إلى المساعي الفردية بصفتها مغادرة لمربع السياسة والهوية في نفس الوقت، بينما يمكن للسلوك الفردي أن يتواجد في إسطنبول دون أن يتعرض للشجب. وعلى الرغم من إمكانية اتساع المساعي الفردية وشمولها عدداً أكبر من الشباب إلى درجة اقترابها وأصحابها من المركز، غير أنها لن تؤدِ إلى مغادرة مربع الهوية والسياسة لأن البيئة "الأجنبية" لا تزال موجودة.
 
الفردانية:

إسطنبول: الجوانب المشتركة
 
لفردانية الشباب خلال عملية تمثل الهوية والتسييس دور حاسم فكرياً وعملياً، ومن المحتمل أن تقرب الفردانية المرء من سياسات العنف أو تبعده عنها، لكن أثرها الإيجابي يغدو أكثر ثبوتاً في المدن الكبرى.
  1. كل العائلات بطريركية في بنيتها بغض النظر عن هويتها. تفرط في حماية أطفالها وتستاء من تجاوزهم لقواعد محددة. ومن العوامل المؤثرة في ذلك الهجرة خارجاً وغريزة الحفاظ على الذات والخوف من انفراط عقد الأسرة وعدم الانسجام الذي ينهض بين قيم المدن الكبرى وتلك التي تملكها الأسر تاركةً الشباب في حيرة ومعلقين في منتصف الطريق، حيث من الممكن لصراع كهذا أن يقود بعض الشباب لتبني مواقف سياسية مناهضة لعائلاتهم ولآرائها السياسية.
  2. يعدُّ الضغط على النساء بشكل زائد سمة مشتركة للعائلات البطريركية، لذلك قد تتوجه النساء للسياسة بحثاً عن رد فعل شرعي أمام العائلة، الأمر الذي ينجم عنه وضعاً أكثر حرية نسبياً. ضمن هذا السياق تدل بعض الإشارات على تأثير السياسة على مستوى إعادة تعريف العلاقات بين الجنسين وإمكانية تغييرها للبنية البطريركية داخل العائلة.
 
  1. من الواضح أن الشباب يتشاركون على نحو واسع في القطع أو الهروب من الأسرة، وأن لديهم ميلاً لمتابعة حياتهم ومستقبلهم "خارجها"، حيث تشيع الرغبة بالحياة وفق ما يرونه مناسباً، وعليه يجدون أنفسهم في مواجهة طيف واسع من خيارات الهوية والسياسة، ما يطور بالتالي مواقفهم الفردية.
  2. يعزز الموقع المتميز للتعليم والدخل من الفردانية، كما يسهم البحث عن فرص العمل والدخل سعياً لبلوغ الفردانية مساهمة إيجابية في حياة الأفراد الشباب، ويلعب النجاح في الوصول لمركز المدينة دوراً إيجابياً فيما يتعلق بالفردانية لأن تنوُّعَ المركز يسمح للشباب من جميع الهويات والآراء بالتعايش.
  3. لقد بات من الواضح تماماً بأن وسائل التواصل الاجتماعية من بين أكثر المساحات تأثيراً على الفردانية، فهناك يستطيع الشباب الابتعاد عن ضغوط محيطهم والاقتراب من عوالمهم الخاصة، لكن المدى الذي يمكن أن يبلغه التحرر الناجم عن وسائل التواصل الاجتماعية يبقى أمراً مشكوكاً فيه، نظراً لكون الشباب يستخدمون هذه الوسائل لخلق الاستقطاب والمجموعات الضيقة أيضاً.
 
إسطنبول: الاختلافات
 
تكشف المقارنة بين الهويات عن هاتين النقطتين:
  1. تسيُّس المرأة أكثر شيوعاً في أوساط العائلات الكردية والعلوية، ويمكن الوقوع على الكثير من هذه الأمثلة لدى العائلات التي تسكن ضواحي المدن والعائلات المحافظة. وبالمقابل تسود العائلات الإسلامية فكرة مقاومة التغيير.
  2. تعدُّ الحالات التي يتحول فيها الشباب الكردي والعلوي باتجاه السياسة وتشكيل الجماعات، حالات نادرة. بالمقابل يجد الشباب الإسلامي مروحة واسعة من الخيارات السياسية والتنظيمية، لذلك يمكن القول إنه لمن الأصعب بالنسبة للشباب الإسلامي أن يفارقوا عائلاتهم. لكن وجدت حالات اندمج فيها شباب إسلاميون ضمن جماعة معينة سعياً وراء سياسات واقعة على المستوى الفردي.
عندما تصبح هياكل الجماعة أكثر مرونة، تنشأ القابلية لتأسيس علاقات مع جماعات متعددة أخرى وتزداد عندئذٍ فرص بروز الموقف الفردي.
 
دياربكر: الجوانب المشتركة:

فيما يتصل بالهوية يمكن القول إن العيش في المنطقة الخاصة بأي منها يملك تأثيرات إيجابية على الفردانية.
  1. يمكن بسهولة ملاحظة قوة الرغبة بالفردانية في أوساط الشباب، حيث تصعد الرغبة بتعلم لغة ما والسفر إلى القمة، وبوسعنا الجدل بأن العيش في بيئة متجانسة نسبياً يخفف من ضغط العائلة. لذلك يبدو واضحاً توفر الشباب على رغبة قوية بآفاق طموحة والاستعداد لإعداد خطط للمستقبل.
  2. يظهر على الشباب الذين انطووا على مقدار أكبر من الفردانية بقاؤهم على مسافة من العنف وذلك بغض النظر عن هوياتهم السياسية.
  3. تعدُّ مسألة المرأة عموماً ثانوية، ويجري التركيز على فكرة أن هذه المسألة يجب ألا تُعطى الأولوية.
 دياربكر: الاختلافات
 
يوجد فرق واضح في أوساط الشباب المسيّس بكلٍّ من الهويتين الكردية والإسلامية بالطريقة التي يختارون بها أصدقاءهم. يعتني أولئك الذي يركزون على هويتهم الكردية بالقيم المشتركة السياسية والأيديولوجية ويصبح وزن هذه المعايير أكثر أهميةً عند الشباب القريبين من حزب العمال الكردستاني. أما بالنسبة للشباب الذين يتسيسون وفق هويتهم الإسلامية فإن العامل الحاسم في انتقاء الأصدقاء هو البيئة والجماعة.
 
التقييم:

تلعب بنية العائلات التي يتحدر منها الشباب دوراً محورياً في فردانيّة الأخيرين، وفعلياً لا فرق معتبر بين المناطق في هذا السياق. تعيش العائلات في إسطنبول بضواحي المدينة بعد الهجرة إليها. ومع ذلك يمكن القول إن العائلات في إسطنبول أكثر وصائيّةً، الأمر الذي يزيد بدوره من الضغوط على الشباب. أما عائلات دياربكر التي لا تقل محافظةً عن وجهة النظر التقليدية فإنها تميل لنهج مخفف إزاء الشباب إلى حدٍّ لا يشعرون معه بالعزلة والاغتراب في الحياة اليومية.
كما يمكن القول أيضاً بأن العائلات الإسلامية في كلا المنطقتين تملك عموماً بنيةً أكثرَ صرامة.
أياً يكن الأمر فإن غالبية الشباب يشعرون بقوة اكتسابهم للاستقلال عن عائلاتهم وبعيش حياتهم الخاصة ورسم مستقبلهم الذي يريدون.
رغم كل ما قيل فإن نظرةً عبر مسارات الهوية تكشف عن فروقات واضحة، ذلك أن الشباب الأكراد والعلويين يختبرون التسيس والفردانية بصفتهما جزءاً من عملية القطع مع الأسرة، وعليه تُفهَم الفردانية كعاقبة للتسيس، بالمقابل وبينما ينخرط الشباب الإسلامي ضمن جماعة ما دون الحاجة –ربما- لمغادرة أسرهم، فإنهم عملياً ينضمون لتنظيم ما حالما يغادرون أسرهم، لذلك فإن خطوتهم الأولى هي التسيس تليها عملية إنشاء مسافة مع التنظيم وتكوين علاقات جماعاتية متعددة تمنحهم الفردانية.
العامل الذي يؤدي إلى هذه الديناميات المختلفة هو طبيعة البنى السياسية والاجتماعية لكل من الأكراد والعلويين والإسلاميين. وبسبب هيمنة منظمة وحيدة (حزب العمال الكردستاني) على المشهد السياسي الكردي فإن الشباب الأكراد يُواجَهون ببنية عمودية هرمية وتنظيمية. بينما يصبح هذا الوضع أكثر مرونة على الصعيد الاجتماعي بالنسبة للشباب العلويين الذين لديهم ترف الاختيار بين الانخراط/أو عدم الانخراط في بنية هرمية تنظيمية وحيدة. أما المشهد السياسي الإسلامي فإنه موجود وفق بنية أفقية متعددة المكونات، ما يتيح أمام الشباب الإسلاميين الفرصة لاختيار الهجين الأيديولوجي الخاص بهم.  
يمكن القول إن للفردانية وظيفة تحريرية للشباب من كل الهويات، لكن تنهض اختلافات ظاهرة بين المناطق، فعلى الرغم من كون شروط الفردانية في دياربكر أضعف، إلا أن نتائجها الإيجابية تبدو أظهر. وبينما تبدو شروط الفردانية في إسطنبول أكثر ملاءمةً، فإن التأكد من وجود عوائد إيجابية من عدمها أمر ملتبس، ويعود سبب ذلك إلى كون الفردانية في دياربكر تعني في المحصلة البقاء على مسافة من السياسات الصلبة، أما في إسطنبول فليس من الضرورة تحقق نتائج مماثلة. وفي الوقت الذي تتجه فيه فردانية الشباب نحو اختيار سياسات فردية خاصة بهم، فإن ذلك قد ينطوي على تحول نحو مواقف أكثر صلابة.
 
الفعل/العنف:

إسطنبول: الجوانب المشتركة

يبدو واضحاً من خلال عينة الشباب التي شملتها الدراسة أن الفعل بحد ذاته يحمل دلالة إيجابية، إذ يسعى الشباب وبغض النظر عن الهوية وراء الفعل، مفترضين أن هوياتهم تكمن بالفعل وأنهم يكتسبون شخصياتهم عبر هذه العملية. لذلك يعني الفعل بالنسبة إليهم وسيلةً للفردانية وللتحرر. وبمعنى آخر يبدو الفعل كبوابة تُوصِل إلى السمات والاختلافات الخاصة بكل شخص وكسبب يدعو إلى جعلهم جديرين بالاحترام. وبالمقابل يُنظر عموماً إلى تجنب الفعل بصفته موقفاً ضعيفاً يفتقر إلى السمة.
لكن السمات التحريرية للفعل لا تعني بالضرورة تبني الشباب للتفكير الحرّ، ويمكن القول وفقاً لذلك بأن العقل السلطوي لازال مهيمناً على عقول الشباب أياً تكن هوياتهم، حيث أن فكرة "علينا" التصرف بإقصائية رداً على إقصائية الآخرين تحظى بالقبول. ومن الواضح للغاية تأثر ذلك بالحاجة لمشاركة السكان للهويات الأخرى مع النظر إليها باعتبارها تهديداً.
 
إسطنبول: الاختلافات

يوجد فرق واضح بين الهويات فيما يتعلق بوظيفة العنف والمعاني التي تعود له، فبالنسبة للشباب الأكراد يعدّ العنف بمثابة تنفيس وجداني ورد فعل وجودي في مواجهة شعور الضحية الحاضر في الأذهان والمرشح للاستمرار. أما بالنسبة للشباب العلويين فالعنف عبارة عن توسعة لمسؤولية الضمير والتزام يحفز براءة هويتهم. ولدى الإسلاميين فالعنف وسيلة لإعطاء درس للظلم والظالمين. بمعنى آخر يحمل العنف دلالة نفسية عند الشباب الأكراد وأيديولوجية عند الشباب العلويين وسياسية عند الإسلاميين.
 
دياربكر: الجوانب المشتركة

 توجد أوجه شبه بين الشباب الأكراد والشباب الإسلاميين من حيث رؤيتهم للعنف:
  1. ثمة "منطقة رمادية" محيطة بالشباب بين المنظمات التي تلجأ للعنف وبين الأحزاب السياسية التي تعدّ بمثابة امتدادات لهذه المنظمات، وينتهي المطاف بالأكثرية الساحقة من الشباب إلى هذه المنطقة الرمادية كنتيجة لعمليات التنشئة الاجتماعية. عند هذه النقطة يبدو من شبه المستحيل التنبؤ بالاتجاه الذي سيقبل عليه الشباب وبقابلية/عدم قابلية مغادرتهم هذه المنطقة.
  2. يعارض الشباب العنف على صعيد المبدأ، لكنهم ليسوا بعيدين جداً عن الموافقة عليه نفعياً. ترتبط هذه الموافقة على نحو وثيق بالانتماء السياسي الذي يتخذه الشباب وبمواقفهم إزاء هذا الانتماء. لكن من الممكن القول على سبيل الملاحظة العامة إن الشباب الذين تنطوي هويتهم الكردية على انتماء سياسي يقفون على مسافة قريبة من نفعية ووظائفية العنف.
  3. في الوقت الذي تتسع فيه المسألة وتغدو شاملة لمنطقة جغرافية أعرض، يصبح من الأسهل على شباب كلًّ من الهويتين تقبل العنف. لذلك تلقى مسألة صلاحية العنف الجاري في سوريا صدى وموافقة عند شباب كلا الهويتين. وبشكل مشابه غدا وضحاً أن التطبيع مع العنف في أذهان الشباب صار أسهل إلى درجة أعطت للمسألة أساساً أيديولوجياً.
 دياربكر: الاختلافات

ثمة فرق واضح في الرأي بين الشباب الأكراد والشباب الإسلاميين عند التطرق لمسألة صلاحية العنف داخل تركيا، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الشباب الإسلامي على مسألة إعطاء الأولوية في تركيا للسياسات المدنية وعلى وجوب أن يكون العنفُ الملاذَ الأخير، يرى الشباب الأكراد إبقاء العنف خياراً وارداً داخل تركيا، كما يرون إمكانية "شرعنته" خلال الصراع.

 
مجموعة من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في تركيا

التقييم:

في كلا المنطقتين يمكن ملاحظة توفر "الفعل السياسي" على صفتي المرغوبية والطبيعية لدى الشباب، حيث يبدي الأخيرون ميلاً للمشاركة في المظاهرات والمساهمة السياسية بطريقة ما تتفق مع هوياتهم وآرائهم السياسية. لكن ثنائية الفعل/العنف تحمل معاني مختلفة بين المنطقتين، فبالنسبة لشباب إسطنبول يمتلئ الفعل بحد ذاته بالمعنى، وهم متفقون في غالبيتهم على ضرورة تجنب العنف قدر الإمكان وعلى إخراجه من دائرة خياراتهم كمسألة مبدئية. على العكس من ذلك لا تُعدّ كلمة "الفعل" كافية لوصف الخطاب القائم في دياربكر، حيث يفضل الشباب مباشرةً رفع عنصر "العنف" في كلامهم ومناقشة القضايا على ضوء ميلهم للعنف.
من بين العوامل المسببة لهذا الفرق، التباين في طرق العنف المختبرة في هاتين المنطقتين، إذ ينجم عن هذا التباين اصطباغ الحياة اليومية للشباب بالأدوار المختلفة للفعل والعنف، ففي إسطنبول تعد المشاركة في الفعل مسألة قرار شخصي إلى حد كبير، وهي تحصل على المستوى الفردي أو ضمن جماعات صغيرة، وهذا هو السبب وراء كون شباب إسطنبول ينهلون من معين سلوكي أوسع ووراء اهتمامهم بمسألة التأكيد على أنه قرارهم الشخصي.  أما في دياربكر فتصدر المشاركة السياسية عن ديناميات الجماعة، فضلاً عن كونها من متطلبات الصراع السياسي الجاري، وعليه يحصل العنف هناك على مركز الصدارة نظراً لقسوة المواجهة السياسية التي تجعل العنف شائعاً ومألوفاً.
 
تقييم عامٌ:

يمكن للمقابلات التي أجريت مع الشباب الأكراد والعلويين والإسلاميين القريبين من السياسة والمنظمات التي قد تلجأ للعنف، أن تُقيَّمَ على ضوء بندين أساسيين. وإضافة إلى اختبار أوجه الشبه والاختلاف بين هذه الهويات اعتماداً على المعطيات أعلاه، فإن المقارنات يمكن أن تعقد أيضاً بين بيئتي إسطنبول ودياربكر حيث أُعدّت الدراسة. ولقد ظهر واضحاً أن أوجه الشبه تفوق بكثير أوجه الاختلاف. ويعود منشأ هذه التشابهات إلى ظروف البيئة والمحيط حيث يعيش هؤلاء الشباب. وفي الحقيقة بوسعنا الذهاب إلى أن شباب الهويات المختلفة الساكنين في إسطنبول ودياربكر يختبرون عملياتِ تسيُّسٍ متشابهة إلى حد كبير. وعلى العكس من ذلك يمكن بسهولة رصد فرق عميق وكبير بين المدينتين فيما يتعلق بالظروف السياسية والاجتماعية.
يبدو الاختلاف المناطقي أكثر أهمية من الاختلافات القائمة على الهوية والأيديولوجيا، لكن ثمة مسألة حاسمة تميز الشباب الإسلاميين عن نظرائهم الأكراد والعلويين: فبينما يتوافق التسيس مع مسار الفردانية عند الشباب الأكراد والعلويين، يبقى التهجين الأيديولوحي منخفضاً. أما عند الشباب الإسلاميين ففي الوقت الذي لا يفضي فيه التسيس ابتداءً إلى الفردانية، إلا أن الانخراط في السياسة ينتج الفردانية، ويمكن له أن يمهد الطريق لاحقاً إلى التهجين الأيديولوجي. 
تسلط المقارنة بين إسطنبول ودياربكر الضوء على أوجه الشبه والاختلاف الشاملة للهويات الثلاث.
 
أوجه الشبه:

في كلا المنطقتين:
  1. تلعب الأيديولوجيا دور اللغة العليا التي توحد شباب الهوية الواحدة ضمن رؤية وحيدة والتي تؤسس روابط اجتماعية ونفسية.
  2. يقارب جميع الشباب بيئاتهم بردود فعل عاطفية تؤكد خطاب الضحية.
  3. جميع هؤلاء الشباب ترعرعوا في أسر بطريركية تتشارك بسمات محافظة فيما يخص حريات الشباب الفردية.
  4. لدى كافة الشباب رغبة بخرق وتجاوز طوق الأسرة، فهم ينشدون الاستقلالية والتخطيط لحياتهم وتطوير مهاراتهم.
  5. الانخراط بالفعل يعني تجربة قيّمة ومنصة لتحقيق الذات.
الاختلافات

من جهة أخرى يوجد فرق كبير بين المدينتين اللتين تحيطان وتؤثران بالشباب الذين يعيشون ضمن عوالم "صِغْريّة" مفصولة عن بعضها من حيث تصور وتقييم الحياة والمستقبل والسياسة.
 
إسطنبول:

لدى الشباب شعور بالتهديد جرّاء عيشهم في بيئة متنوعة وغير متجانسة، وهم يشعرون بالحاجة لإثبات ذواتهم بسبب قلقهم من تعرض هوياتهم باستمرار للاختبار، لذلك يبدو حس الثقة لديهم منخفضاً. بالمقابل يملك هؤلاء الشباب دافعاً قوياً للحفاظ على الذات والانطواء والبقاء، ولهذا السبب هم يشعرون بالحاجة لتعزيز هوياتهم والاحتماء بالمرجعيات الثقافية التي تستند إليها هذه الهويات.
تبدو الحياة بالنسبة لهؤلاء الشباب كأمر واقع مجزأ تحتل فيه مصاعبُ الحياة اليومية الأولويةَ، وتزداد الضغوط عليهم في أوساط العائلات التي تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية. وعندما تصعد المشاكل الصغيرة إلى الواجهة يتحول النضال والنشاط نحو مساحات إشكالية ضيقة. وتدفع الفجوة بين الخطاب الأيديولوجي وواقع الحياة بالمتطلبات الأيديولوجية نحو الخلف ناقلة إياها إلى خانة "الإيمان".
يتطور التسيس وفقاً لذلك ضمن مسار شخصي، وبالنسبة للحلول التي تأخذ شكل توسيع الآراء والمساعي الشخصية فإنها تكتسب المعنى فقط ضمن إطار الفرد نفسه، بحيث تصبح هذه الرغباتُ (إنجاز مكانة أعلى والارتباط بالمركز وازدياد الفعالية) هدفَ الشباب. لا تعكس المشاركةُ بهذه الأنشطة الاختيارَ والموقف الشخصي فحسب وإنما تحمل أيضاً معنى وقيمة ضمن الجماعات الصغيرة. لكن وعلى الرغم من توفر ظروف الفردانية فإن العديد من المسارات الشخصية المختلفة إلى حد كبير قد تُظهر ميلاً للعنف.
 
دياربكر:

يشعر الشباب بدرجة عالية من الثقة بالذات عند تشاركهم الظروف التي تعكس التجانس الثقافي والهوياتي، تراودهم ذات المشاغل وتوحدهم ذات الرؤى، ما ينشئ موقفاً موحداً كجماعة أو منظمة. في مناخ كهذا تطبعه البيئة الأيديولوجية –حيث تبقى الشروط الاجتماعية الاقتصادية ثانوية- يتصدر الخطاب الأيديولوجي وحاجاتُ الحياة المشهدَ، ذلك أن الأمور تُدرَك من منظار أيديولوجي وتتطور الأيديولوجيا إلى منصة للفعل.
يملك الشباب إحساساً كلياً بالأمر الواقع، وتنشأ عن عدم اليقين السياسي بشأن الحالة النهائية للصراع المتعلق بالهوية، قضايا وإشكالات مهمة، كما ينشأ عنه إعادة تعريف للصراع من خلال إطار كلي.
كما تُدرك القضايا على نطاق واسع من خلال وجهتي النظر الخاصتين بالجغرافية الكردية والأخرى الإسلامية، لذلك تحكم المرجعياتُ السياسية اللغةَ وتصبح الحلول الاجتماعية مستهدفة.
وعلى الرغم من ضعف ظروف الفردانية عموماً، غير أن عوائدَها إيجابيةٌ على الذين استطاعوا تحقيقها.
يعدّ الفعل نتيجة طبيعية للموقف السياسي ويعد التحول نحو العنف بدوره نتيجة للديناميات المتفاعلة.
يسير العنف جنباً إلى جنب مع الشعور بالالتزام، ويتولد عن ديناميات الجماعة ويكتسب معنىً وقيمة كمتطلَب لمسار الصراع.            
 
كلمة أخيرة:

إنه لمن الجدير بالاهتمام التأكيد على كون الدمقرطة ضرورة لا بد منها لتركيا في عالم ما عاد يقبل بإنكار النزعات السياسية والأيديولوجية والمطالب والحقوق المتعلقة بالهوية. وإن نظرةً إلى عيون الشباب لتكشف لنا بأن خطوات الإصلاح الجارية قد لا تكون كافية وبأنه توجد ضرورةٌ للمزيد من الخطوات التي تضمن التنوع والحرية في المجال العام. 
ضمن هذا السياق، يمكن التأكيد على النقاط الخمس التالية:
الأولى: سيزداد على نحو مستمر تأثير المحيط الدولي والظروف التي تترافق معه ووسائل التواصل الاجتماعية على الشباب.   
الثانية: سيكون الشباب أكثر ميلاً لتعريف ذواتهم من خلال القضايا الدولية والإقليمية ولتحديد مهامهم عبر وجهات النظر فيها.
الثالثة: سيتفاقم التأثير السلبي للاختلافات المناطقية في تركيا في المستقبل القريب.
الرابعة: سيكون توجيه الشباب بطريقة سليمة وإيجابية ضمن ديناميات الفوضى القائمة متاحاً من خلال تلبية مطالب الحرية والفردانية وتطوير خصائصها.
الخامسة والأخيرة: من الملحّ جداً إنشاء مجال عام يستطيع فيه الشباب الانخراط بالسياسة أو يشعرون من خلاله بالمشاركة. وفي هذا السياق سيكون من بالغ الأهمية أيضاً تنويع وسائل المساهمة وجعلها متاحةً واضعين في الحسبان بأن هذه الفردانية لا تعني بالضرورة التوجه بعيداً عن السياسة.      

المراجع:

1- البحث النوعي هو أسلوب منهجي واسع يشمل العديد من طرق البحث، تتميز بياناته بكونها وصفية وليست عددية كما هي حال البحث الكمي، وعيناته أصغر حجماً ولا تُعالج معلوماته إحصائياً وإنما تُصنف وتنظم في أنماط ومواضيع، ويكون التفاعل بين عينات البحث ومعدي البحث كبيراً، ومن أهم وسائله المقابلات غير المنظمة التي تفسح المجال واسعاً أمام تدفق أفراد العينة للاستفاضة بالكلام.
2- المقابلة نصف المؤطرة هي أداة بحثية تستخدم بالغالب الأعمّ في حقل العلوم الاجتماعية، وبينما تحظى المقابلة المؤطرة بنظام أسئلة صارم لا يسمح بالخروج عنه، تعد المقابلة نصف المؤطرة مقابلة شبه مفتوحة، يُسمح خلالها باستحضار أفكار جديدة استرسالاً مع ما يقوله المقابَل (الضيف).

صلاح الدين الملوحي
مترجم وباحث سوري، كندا.
Save
إتين محجوبيان

حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة الكيميائية من جامعة البوسفور، وكانت درجة الماجستير الأولى له في إدارة الأعمال من جامعة البوسفور والثانية بالعلوم السياسية من جامعة أنقرة عمل محجوبيان مستشاراً في مؤسسة الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التركية من عام 2012 إلى عام 2015، وكبير مستشاري رئيس الوزراء التركي من تشرين الأول/أكتوبر 2014 إلى نيسان/أبريل عام 2015.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.