*خلق النزاع السوري المديد تدفقاً مستمراً من النازحين السنة إلى المنطقة الساحلية ذات الغالبية العلوية وبدلاً من رؤية هؤلاء المهاجرين ككتلة عادية من السنة، فقد عاملتهم المجتمعات المحلية بشكل مختلف وذلك تبعاً لهوياتهم الطبقيّة والجهويّة.
*لمعالجة الحاجة إلى قوة بشرية عسكرية أكبر وتأثير الأعداد المتزايدة من خسائر القتال على المجتمعات الساحلية، انتشرت في محافظتي اللاذقية وطرطوس، الجمعيات الخيرية المحلية الرامية إلى مساندة الأُسر المتأثرة بالنزاع ومراكز التجنيد للميليشيات الموالية للنظام. وهذا ما عزّز الترابط المتبادل بين نظام الأسد والمجتمعات الساحلية، كما وسّع شبكات النظام داخل المجتمع بشكل أعمق، خارج إطار مؤسسات الدولة الرسمية.
*تأثّر الساحل بالنزاع، كما تأثّر بديناميكيات مَرْكزة علاقات القوة وتخفيض المأسسة التي تُوجد في أجزاء أخرى من البلد. وبالتالي، فهو ليس معزولاً عن إطار النزاع الأوسع.
المحتويات:
1-مقدمة.
2-المنهجية.
3-المجتمعات المحليّة مقابل الطوائف.
1.3-ماهو الساحل؟
2.3-الوافدون والساحل.
4-اقتصاديات جديدة، صراعات قديمة.
1.4-اللاذقية.
2.4-بانياس.
5-النظام وعلويو الساحل: ترابط جديد.
1.5-الجمعيات الخيرية.
2.5-مراكز التجنيد للميليشيات.
6-خلاصة: اللامركزية القسرية في سوريا.
1-مقدمة:
في النزاع الدائر، كانت المنطقة الساحلية في الشمال الغربي السوري معزولة لغاية الآن عن الدمار واسع النطاق والعنف الذي لا يهدأ في أمكنة أخرى في البلاد. وهذا ما منع النزوح الجماعي للسكان كما حصل في مناطق أخرى مُتنازع عليها، وساعد على بقاء سكان المنطقة في حالة أفضل نسبياً من حالة السوريين في مناطق أخرى من البلاد. على الرغم من هذا، ونتيجة تطورات بعيدة المدى ناجمة عن النزاع، تغيّرت الظروف المعيشية لسكان المناطق الساحلية، وهم علويون في غالبيتهم.
تبحث هذه الدراسة في استراتيجيات البقاء والتكيّف التي اتّبعتها المجتمعات المحلية في محافظتي طرطوس واللاذقية الساحليتين خلال النزاع، وبشكل أكثر تحديداً، تبحث في رد فعلهم على ثلاث ظواهر جديدة أثارها القتال الدائر. وبعد مراجعة المنهجية في الفصل الثاني، ينظر الفصل الثالث في استجابات المجتمعات الساحلية على وصول عدد هائل من الأفراد السنة غالباً هرباً من العنف الذي يمتد في المحافظات المحيطة، ويناقش المدى الذي تغيّرت فيه العلاقات الاجتماعية السابقة، أو بقيت بلا تعديل –أي العلاقات بين سُنة الساحل والعلويين وعلاقات العلويين في الساحل بنظام الأسد. فقد اهتزّت العلاقات العابرة للطوائف على طول الساحل بسبب النزاع، ثم يشرح الفصل الرابع تطورها عبر فحص مسارات الاقتصاديات المحلية في المدينتين المرفئيتين، اللاذقية وبانياس. بينما يفحص الفصل الخامس الجمعيات الخيرية ومراكز التجنيد للميليشيات التي انتشرت في الساحل عندما أُجبِر النظام على خلق قنوات جديدة للتفاعل، واستيعاب واحتواء احتجاج المجتمع العلوي.
وبأخذ المنطقة الساحلية كحالة مدروسة، يسعى هذا البحث إلى الإسهام في قراءة أكثر دقة حول كيفية تأثير النزاع المديد ليس على العلاقات الاجتماعية-الاقتصادية بين طوائف سوريا فحسب، بل أيضاً على آليات نظام الأسد التقليدية في الحكم، والإكراه والسيطرة.
2-المنهجيّة:
يرتكز هذا التقرير على بيانات كمية ونوعية جُمعت أثناء العمل الميداني بين حزيران/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر من عام 2015 في محافظتي اللاذقية وطرطوس. إذ أجرى ثلاثة باحثون مساعدون 25 مقابلة منظمة مع عينات من أفراد من خلفيات طائفية مختلفة ومناطق مختلفة في كل أنحاء المنطقة الساحلية، وذلك من أجل توفير صورة منهجية عن المؤسسات الاجتماعية الجديدة الناشئة في المنطقة وعن تدفق النازحين إلى الأماكن الساحلية. كما وأجرى الكاتب أيضاً 20 مقابلة شبه منظمة عبر الهاتف أو السكايب مع سكان محليين من مدن ساحلية مختلفة وبخلفيات طائفية مختلفة. وقد استُخدِمت استراتيجيتان في المقابلات خلال العمل الميداني: ارتكزت واحدة على الأسئلة المغلقة لتحديد أين كان النازحون ينتقلون في المنطقة الساحلية لرسم خريطة المؤسسات الناشئة؛ أما الاستراتيجية الأخرى استخدمت المقابلات المفتوحة لتوضيح الآليات التي تفاعل من خلالها أفراد من الساحل والمؤسسات الناشئة مع الوافدين.
3-المجتمعات المحلية مقابل الطوائف:
3-المجتمعات المحلية مقابل الطوائف:
إن وحدة الدراسة في هذا التحليل هي "المجتمع المحلي"، المعرّف بأنه قرية أو حي في مدينة. ويسمح لنا التركيز على المجتمعات المحلية، بدلاً من التركيز على المجتمعات الطائفيّة (على سبيل المثال "المجتمع العلوي") بالتحقيق في شبكة العلاقات العابرة للطوائف التي شكّلت نفسها على المستوى المحلي، والشروط التي في ظلها يتصرف الأشخاص الذين يتشاركون هوية طائفية بشكل متضامن، أو يفشلون في فعل ذلك.
فعلى سبيل المثال، يختلف علويو الساحل في مصادرهم المادية، ومكان إقامتهم، وصلتهم بالدولة. وهذا التباين في الظروف الاجتماعية والمادية يدفع المجتمعات إلى أن تتصرف بشكل مختلف وفقاً للحالة، وذلك رغم حقيقة تشاركهم هوية طائفية علوية. كمثال على ذلك، فقد عبّر بعض العلويين عن عدم رضاهم عن النظام فيما تواجه مجتمعاتهم صراعاً مطوّلاً، وتصادف حصيلة قتلى مرتفعة بين أفرادها الذين يقاتلون في جبهة النظام، إضافة إلى اعتماد النظام على حلفاء اقليميين(1). وطوال فترة حكم عائلة الأسد لسوريا، وقفت شخصيات معارضة من أصل علوي ضد النظام(2)، ومنذ بداية الانتفاضة في عام 2011، بدأ العلويون يتصرفون بشكل أكثر استقلالية، مرسّخين آليات حكم محلية في موازاة الدولة في المنطقة الساحلية.
ورغم ذلك، تقرُّ الدراسة بأن علويي سوريا هم طائفة متماسكة نسبياً ولديها وجود كبير غير معتدل داخل أجهزة الدولة. ونظراً للصِلات القويّة بين الطائفة العلوية ونظام الأسد –خاصة جيشه وأفرعه الأمنية- يخشى العديد من العلويين تصنيفهم تبعاً لهويتهم الطائفية واضطهادهم في حال انهيار النظام بسبب تواطئهم الجماعي. في الكثير من الظروف، يطغى انعدام الأمن والخوف الطائفي على كل الاعتبارات الأخرى ويجعل أفراداً من المنطقة الساحلية يتصرفون بشكل متضامن بوصفهم "علويون". ومع ذلك، فإن التضامن مشروط وينتج بسبب تغييرات كبرى في المجتمع يُحدِثُها النزاع. يشير التحقيق في هذه المجتمعات المحلية التي تتشارك هوية طائفية وتختلف في العديد من الخصائص الأخرى، إلى أنه من الأجدر أن نفكر ب"المجتمعات العلوية"، بصيغة الجمع، في الساحل.
1.3-ما هو الساحل؟
تتألف المنطقة الساحلية السورية من محافظتي طرطوس واللاذقية، ويحدّها من الجنوب لبنان، وتركيا في الشمال. تمتد المنطقة الساحلية من البحر الأبيض المتوسط في الشرق إلى سلسلة الجبال الساحلية في الغرب، والتي تعرف أيضاً باسم "جبل العلويين". يجعلها مناخها وتربتها الخصبة منطقة زراعية كثيرة الإنتاج، تُنتِج محصولاً يُصدَّرُ إلى أرجاء سوريا وإلى الخارج عبر موانئها المتعددة على شواطئ المتوسط. يُظهر الشكل (1) موقع المنطقة الساحلية بالنسبة لباقي سوريا.
الشكل (1): الساحل السوري
تنتمي غالبية السكان إلى الطائفة العلوية، مع وجود أقلية كبيرة من السنة والجماعات الدينية الأخرى، بما فيها المسيحية (3). والعلوية هي طائفة إسلامية هرطوقية، كانت تاريخياً متقوقعة في قُرى وضيع سلسلة الجبال الساحلية السورية. ثم جُلِبت هذه الجماعات العلوية من الجبال في القرن التاسع عشر من قبل مالكي أراضي حضريين لزراعة السهول والوديان شرق سلسلة الجبال الساحلية، أي محافظتي حمص وحماة في أيامنا هذه(4). كان النظام السياسي الذي حكم البلاد هو العلويّة بشكل متكافئ، وذلك منذ حافظ الأسد-وهو علوي من بلدة القرداحة الجبلية- استولى على السلطة في عام 1970 من خلال انقلاب عسكري.
يُظهِر الشكل (2) التوزّع السكاني والخلفيات الإثنيّة في النواحي الإدارية للإقليم (وتضم كل ناحية من 10 إلى 20 بلدة). تشير البيانات في اللوحة "ب" إلى الهوية الإثنية للأكثرية في النواحي، بالإضافة إلى أنها تعكس أي وجود لسكان منتمين لأقليات إثنية أخرى.
وقبل تأسيس الدولة السورية الحديثة في عام 1946، كانت المدن الساحلية (وتشمل اللاذقية، وطرطوس، وبانياس، وجبلة) إلى حد كبير موطناً للسنة وبعض المسيحيين الذين اشتغلوا بالتجارة، وربطوا المناطق الداخلية الزراعية بالأسواق الخارجية عبر التجارة البحرية، بينما كان محيط الجبال مأهولاً بغالبه من قبل العلويين العاملين بصورة رئيسية بالزراعة(5). وتساعد الأسباب التاريخية على تفسير هذا التوزّع الديمغرافي: إذ أنه حتّى زمن الانتداب الفرنسي، كان قد حُظِر على العلويين العيش في مدينة اللاذقية إلا بوصفهم خدماً(6). أما اليوم، فإن مدينتي اللاذقية وطرطوس هما الأكبر في الساحل، وقد قُدِّر في إحصاء عام 2004 تعداد السكان في اللاذقية بحوالي 425 ألف وفي طرطوس 165 ألف تقريباً. في عام 2004، قُدِّر عدد السكان الإجمالي في محافظة اللاذقية ب 1.89 مليون مقابل 1.55 مليون في محافظة طرطوس(7).
الشكل (2): التركيبة الإثنية والكثافة السكانية
تتوافق كل منطقة هنا مع نواحي المكتب المركزي للإحصاء في سوريا. أما اللون والنمط لكل وحدة على الخارطة فيمثّل هوية غالبية سكّان الناحية؛ وإذا كانت الناحية تضم سكاناً أساسيين من خلفيات اثنية أخرى، فقد جرى تمثيلهم عن طريق نقطة في الناحية. المصدر: بيانات جمعها الكاتب عبر مقابلات مع سكان في كل ناحية.
إن خليط التحديث الاقتصادي وهيمنة شخصيات علوية على النظام السياسي منذ سبعينيات القرن العشرين –بما في ذلك الرئيس الأسبق حافظ الأسد وابنه الرئيس الحالي بشار الأسد- قاد العديد من العلويين إلى ترك قراهم في الجبال متجهين إلى البلدات والمدن الساحلية(8). وبشكل خاص، جذب نمو القطاع العام وتوسّع التوظيف في الدولة العديد من العلويين إلى المدن، فأقاموا على مشارف "وسط المدينة" التقليدي. وتدريجياً، تحولت هذه المستوطنات إلى جزء من النسيج الحضري الشامل، بينما بقيت مراكز المدينة التاريخية سنيّة في غالبها.
2.3-الوافدون والساحل:
منذ عام 2011، بقيت المنطقة الساحلية معزولة نسبياً عن العنف مقارنة مع بقية البلد. ومع ذلك، انتقل عدد هائل من السوريين من المناطق المتأثرة بالنزاع واستقروا في الساحل الهادئ نسبياً. وقد خلق هذا أنماطاً جديدة من التفاعل بين المجتمعات المحلية في الساحل وبين الوافدين، مما غيّر جذرياً بالجانبين.
ظهرت الحركات الاحتجاجية التي بدأت في مناطق أخرى من سوريا في ربيع عام 2011 في أماكن معينة من المنطقة الساحلية أيضاً –خاصة تلك الأماكن التي يعيش فيها السنة والعلويون جنباً إلى جنب. إذ شهدت مدينة اللاذقية، وبانياس، وبضعة قرى في ريف اللاذقية (شمال اللاذقية ومناطق الحفّة) مظاهرات بدأت في نيسان أبريل 2011(9). على كل حال، بحلول عام 2013، تمكّنت قوات النظام من قمع هذه المظاهرات المبعثرة المعبّرة عن السخط الشعبي في الساحل. ومما سهّل احتواء وقمع هذه الاحتجاجات بشكل فعال، حقيقة أنها كانت تحدث في مناطق منفصلة جغرافياً عن بعضها البعض. الاستثناء الوحيد هو شمال محافظة اللاذقية، لأن الحدود مع تركيا وتركيبته الإثنية، سهّل تواصل جيب الثوار المناهض للنظام مع بقية الحركة المعارضة المسلحة في الشمال السوري.
ولأن الاحتجاجات كانت في نفس الوقت محدودة ومحتواة بسرعة، فقد بقيت المناطق الساحلية هادئة نسبياً مقارنة ببقية البلد. وفي نفس الوقت، استقبلت المنطقة تدفقاً هائلاً من البشر(10) –بالدرجة الأولى سُنّة- كانوا يقطنون في مناطق واقعة تحت سيطرة النظام وينتقلون إلى الساحل. وهناك سبب للاعتقاد أن النظام حرّض هذه الحركات السكانيّة عن عمد، مستهدفاً مراكز حضرية وأحياء مكتظّة بالسكان من أجل إرغام السكان على الرحيل والبحث عن ملاذات آمنة حيث يملك النظام أكبر قدر من الدعم(11). وفي الواقع، صبّت نتائج تدفقات الهجرة الداخلية هذه مباشرة في صالح النظام: إذ أنها أفقرت المناطق التي في قبضة الثوار من سكانها، وزادت عدد السكان الذين يعيشون في ظل سيطرة النظام، وأيّدت بروباغاندا النظام التي تتحدث عن زيادة الدعم الشعبي للأسد، كما برّرت قصفه العشوائي على مناطق المعارضة(12). على سبيل المثال، أجبر القصف الواسع للنظام على مدن الداخل في الشمال السوري –مثل حلب، وإدلب، وجسر الشغور- سكان هذه المناطق على الفرار من بيوتهم واللجوء إلى تركيا والمناطق الساحلية الخاضعة للنظام، التي كانت من أكثر المناطق القريبة إليهم أمناً. يسلّط الشكل (3) الضوء على نواحي المنطقة الساحلية التي تلقّت نازحين(13).
الشكل (3): هجرة النازحين حسب النواحي
المصدر: بيانات جمعها الكاتب عبر مقابلات مع سكان من كل ناحية
وكما أن سكان المدن الساحلية متنوعون اجتماعياً واقتصادياً، فكذلك هم السوريون النازحون المستقرون مؤقتاً في هذه المدن. وقد أنتج التدفق الهائل للسنة(14) إلى المنطقة الساحلية نتائج مختلفة وفقاً لمواصفات الوافدين، والعوامل التي حفّزت نزوحهم وانتقالهم، وتصوّرات المجتمعات المحلية إزاء المواصفات المختلفة للوافدين. وفي بعض الحالات، كانت الهويات الطبقية المشتركة قوية كفاية لضمان سلاسة التفاعلات بين الوافدين والسكان المحليين. رغم ذلك، فإن تدفق وافدين سنة فقراء إلى مناطق الطبقة الدنيا السنية في اللاذقية جعل الانقسامات الطائفية –الموجودة بين المجتمعات المحلية والتي كانت بالكاد ظاهرة قبل النزاع- مضخّماً للتوترات الطائفية.
وصلت ثلاث فئات عريضة من الناس إلى المدينة واختارت الاستقرار في أماكن متنوّعة(15). تتألف واحدة من المجموعات من أفراد من الطبقة الوسطى، وهم بشكل أساسي من مدينتي حلب وإدلب(16). ولا تُحبّذ الطبقة الوسطى هذه الإشارة إلى نفسها على أنها من أولئك الذين أُجبروا على الرحيل إلى الساحل بسبب دمار مسقط رأسهم (كما تتمنى أن تميز نفسها عنهم)، أي هؤلاء الذين يُشار إليهم بوصفهم "نازحون". في الواقع، لم تهرب عائلات الطبقة الوسطى من الدمار، بل تركت مدنها الأصلية من أجل أن تواصل نشاطاتها التجارية والمهنية في أماكن أخرى. وفي أغلب الحالات، لم تتدمّر ممتلكاتهم في النزاع، لأن منازلهم تقع في مناطق حضرية مركزية وموسورة ولا يستهدفها قصف النظام. ورغم أن أغلبهم سُنّة وكان لديهم ارتباطات تجارية أو عائلية قليلة بالمنطقة الساحلية قبل الانتفاضة، ولكن كان لديهم موارد مالية تسمح لهم بالانتقال إلى أحياء الطبقة الوسطى العلوية في اللاذقية وافتتاح أعمال صغيرة هناك، مثل المطاعم، والمحلات، وصناعات صغيرة.
تتشارك الطبقة الوسطى السُنيّة العديد من الأعراف مع الطبقة الوسطى في المنطقة الساحلية، حتّى وإن كانت الطبقة الوسطى في المنطقة الساحلية مؤلفة من طوائف مختلفة إلى حد كبير، إما علوية أو مسيحية. استقر هؤلاء الوافدون في أحياء مثل الزراعة ومشروع البعث (انظر الشكل 4). وهي أحياء جديدة نسبياً، كما أنها عبارة عن توسّع مخطّط خارج النواة التاريخية للمدينة، ولكنها تختلف عن التوسّع العفوي المترامي الأطراف على مشارف المدينة(17). يمتلك الوافدون السُنّة أعمالاً محليّة، وشقق وحتى مفروشات مشابهة لما يمكن أن يوجد عادة في أحياء الطبقة الوسطى في حلب الغربية، التي جاء الكثير منهم منها.
الشكل (4): اللاذقية: التركيب الاثني، وتدفق النازحين وافتتاح أسواق جديدة.
المصدر: بيانات جمعها الكاتب عبر مقابلات مع سكان من اللاذقية.
وبالرغم من أن هؤلاء الوافدين يمتلكون هويات محليّة مختلفة، إلا أن لديهم مصالح تتوافق مع سكان الطبقة الوسطى العلويين المحليين –فهم يعطون الأولوية للاستقرار من أجل ضمان نجاح مسيرتهم المهنية والتجارية. وهذا أيضاً ما يجعلهم أكثر ميلاً تجاه النظام، الذي يتظاهر بالرغبة وبالقدرة على ضمان هذا الاستقرار، ولتلطيف صورتهم العامة –حتّى أمام العلويين من الطبقة الدنيا، الذين كانوا بغالبهم مؤيدين بلا شروط للنظام لأسباب أخرى لاعلاقة لها بالمصالح التجارية.
أما المجموعة الثانية من النازحين –سُنّة أيضاً- فتأتي من بلدات أصغر وبظروف اقتصادية أكثر تواضعاً ولهم روابط مع ناس يعيشون مُسبقاً في المدن الساحليّة. وقد وصلوا عموماً بحثاً عن مساعدة فورية لأن منازلهم وسبل عيشهم تدمّرت. على عكس الطبقة الوسطى، التي تأتي بغالبها من مراكز حضرية، فإن هؤلاء الأشخاص هم من مناطق ريفية وضواحي شهدت احتجاجات قوية مناهضة للنظام داخل وحول جسر الشغور وإدلب. وانضمّ العديد من هؤلاء الوافدين (من أصول أكثر تواضع) من جديد لأقارب يعيشون مُسبقاً في الساحل ويعملون كعمال يدويين من أجل تعزيز التوسع الحضري في اللاذقية منذ ثمانينيات القرن العشرين. استقرّوا مع عائلاتهم في أحياء شعبية جديدة في اللاذقية، وهي أحياء معزولة إلى حد كبير عن النواة الحضرية السُنيّة التقليدية والمجتمع العلوي الذي عاش في المدينة لأجيال.
فاقم وصول هؤلاء الأفراد الانقسامات الطائفية والمحلية بين السكان العلويين والسُنّة في المدينة. كما زادت الانقسامات الطائفية من الأبعاد الطبقيّة للصراع وتقاطعت معها. ومع بداية الموجة الجديدة للهجرة، انتقل هؤلاء السُنّة إلى مناطق شعبية حيث استقر أقاربهم قبل 30 عام، مثل الرمل الجنوبي وقنينص. وربطت العلاقات العائلية، والهوية الطائفية، والظروف الاجتماعية-الاقتصادية هؤلاء الوافدين مع المستقرّين السابقين(18). وبإعادة اتصال المجتمعات المحلية مع أصولهم من خلال أقاربهم، وطّدت هذه المجتمعات هويتها في مواجهة النظام ومحيطها العلوي –رغم عدم مشاركتها في نشاطات المعارضة المسلحة. شهد الرمل الجنوبي، على وجه الخصوص، مظاهرات منذ بداية الانتفاضة(19). ومما زاد من تأجيج مشاعر الاستياء الطائفي لهذه المجتمعات، الجرائم التي تُرتكب بدوافع طائفية من قبل قوات موالية للنظام، مثل الإعدامات الميدانية للمدنيين السُنّة في بانياس والبيضة في أيار مايو 2013(20).
نظر سكان اللاذقية الحضر –وخاصة أفراد الطبقة الوسطى- بازدراء إلى أحياء الضواحي هذه، التي نادراً ما زاروها بكل الأحوال. وزاد وصول الوافدين المحمّلين بالاستياء السياسي ضد النظام من هذا الميل. ومما فاقم من هذا الأمر الخطاب الطائفي المتزايد للنظام الذي وصم كل المجموعات الإسلامية السُنيّة بالارهابيين، بالإضافة لصعود المجموعات التكفيرية المقاتلة –مثل جبهة النصرة، والدولة الإسلامية (داعش)- التي انتقدت العلويين بشدّة واعتبرتهم مرتدين. وكنتيجة، سيطر على هذه الأحياء ضبّاط أمن النظام بصرامة وطُوِّقت بحواجز أمنيّة(21). فعلى سبيل المثال، إذا أراد ساكن من الرمل الجنوبي أن يصل إلى مركز مدينة اللاذقية، عليه أن يمرّ من خلال سبعة حواجز على الأقل. وفي كل من الرمل الجنوبي وقنينص حاجزان أمنيان عند مدخلهما للدخول وللخروج(22). كما اخترق أمن النظام أيضاً الأحياء، مختاراً عدداً من المخبرين من أجل مُراقبة الحيين وسكانهما(23).
تضم الفئة الثالثة من الوافدين أفراداً مشابهين للفئة الثانية المذكورة أعلاه –أي أنهم من خلفية سُنيّة، ووضع اقتصادي مُتدنّي، وقد نزحوا بسبب القتال العنيف- ولكن كان لديهم علاقات قليلة أو كانوا بلا علاقات مع سكان في اللاذقية قبل الانتقال إليها. ومن المفارقات، أنّ ما جعل تفاعلهم أسهل (أكثر من أولئك الذين في الفئة الثانية)، هو أنهم أتوا من أماكن أبعد من جسر الشغور عن اللاذقية –وبلا روابط عائلية مع الساحل-. فمال الوافدون من أحياء حلب الشعبية للانتقال إلى الأماكن التي يعيش فيها علويون من نفس الخلفية الطبقية، مثل الرمل الشمالي.
وبالنسبة لغالبية سكان اللاذقية، فقد ظهر أفراد هذه الفئة كضحايا للانتفاضة والنزاع الذي أعقبها، بدلاً من أن يظهروا كجُناة. كما أنه في نظر قوات الأمن والعديد من علويي الساحل، فإن معارضة حلب عموماً للمظاهرات في وقت مبكر من الانتفاضة ساعدت على تبديد الشكوك حول أفراد هذه المجموعة فقط لأنهم سُنّة(24). وأصحاب الأعمال الصغيرة الذين استقروا في المنطقة التي رحبّت بهم عموماً ترحيباً حاراً غالباً ما سُمِح لهم بتبديل أعمالهم وموظفيهم إلى مواقع جديدة في السوق، مع تسهيل الحكومة لانتقالهم من خلال تسريع العمليات البيروقراطية(25).
تأقلم الوافدون من الطبقة الوسطى مع البيئة الجديدة وتبنّوا أعراف جديدة منذ انتقالهم إلى اللاذقية. على سبيل المثال، يتذكّر مالك عدة شاليهات استضافة عائلة سُنيّة حلبية من أربعة أشخاص في نهاية عام 2012. كانا كلا الراشدين سُنّة محافظين: كانت الزوجة ترتدي حجاباً ولم يكن الزوج يشرب الكحول. وُظِفوا كعاملي خدمات –تنظيف وطبخ- في مكان إقامتهم الجديد. وبعد ستة أشهر، تخلّصت الزوجة من حجابها، وبعد فترة قصيرة سرعان ما وافق الزوج على دعوة مالك المنزل لشرب العرق. وعلاوة على ذلك، فإن ابنهم الأكبر، الذي كان بعمر ال 12 عند وصولهم، يتحدث الآن بلهجة ساحلية نموذجية(26). يوضّح هذا المثال أن الطرفين –المالك اللاذقاني والمهاجرون الحلبيون- كان لديهم درجة أساسية من الثقة المتبادلة التي يمكن أن تشكّل الأساس للإندماج اللاحق مع المجتمع الساحلي، وإن كان مشروط ومؤقت. وما جعل علاقة الثقة هذه مُمكنة للمالك اللاذقاني، الخلفية الإقليمية للمهاجرين القادمين من مدينة تُقرأ بوصفها ثرية نسبياً وموالية للنظام.
وكما يُظهِرُ بروز فئات المهاجرين المختلفة واستقبالهم من قبل المحليين، فإن خمس سنوات من النزاع لم تغيّر بشكل جذري في أنماط العلاقات الاجتماعية المتطوّرة تاريخياً بين الطوائف في الساحل السوري، ولكن ضخّمتها بطرق متنوّعة. وفي حين عمّق النزاع التوترات السُنيّة-العلوية، إلّا أنه وفّر أيضاً مسارات جديدة لتضامن وتعاون اقتصادي عابر للطوائف. إذ بدلاً من إحداث تغيير جذري في بنية العلاقات الطائفية في الساحل، فقد وطّدها النزاع المديد –ولم يقوِّ فقط علاقات طبقيّة وتجارية موجودة سابقاً بين أجزاء من كلا الطائفتين، لكن فاقم أيضاً من تجييش انشقاقات سياسية وطائفية بين آخرين.
4.اقتصاديات جديدة، صراعات قديمة:
كشف تأثير النزاع على الاقتصاد الساحلي، التوترات التي وُجِدت قبل الانتفاضة، بدلاً من خلق ديناميكيات جديدة. كما تُظهِر المسارات المتباينة للصراع في اثنتين من أكبر مدن الإقليم، اللاذقية وبانياس، أنه على الرغم من التطور الاقتصادي، فإن قيود الحرب عزّزت بشكل كبير أدواراً وعلاقات كانت موجودة بالفعل قبل النزاع. وكان المناخ العام للتوترات الطائفية المتزايدة في صالح رجال الأعمال والمستهلكين العلويين بشكل عام، إذ سمح لهم بلعب دور أكبر في الاقتصاد المحلي من خلال نقل العقد الرئيسية للتجارة من الأحياء السُنية إلى الأحياء العلوية.
1.4 اللاذقية:
على الرغم من الحركة الجماعية للناس خلال النزاع،لم تشهد أنماط التفاعل الاقتصادي في اللاذقية إعادة ترتيبات رئيسية. إذ يبقى مركز ثقل التجارة في اللاذقية التجار السُنة الذين هم سكان مركز المدينة منذ أجيال، وزبائنهم الأساسيون هم العلويون الذين يعيشون خارج مركز المدينة.
قبل النزاع، كان ميناء اللاذقية يهيمن على اقتصادها ويُكمّله القطاع السياحي خلال الصيف. كما كانت معظم الأنشطة مُرتبطة بالاستيراد والتصدير، والتأمين، والخدمات القانونية، ويسيطر عليها المسيحيون والسُنة (27). وعلى عكس المدن الساحلية الأخرى، تُعتبر اللاذقية بمثابة مركز تجاري لشبكة مدن داخل سوريا، وليس فقط المناطق الداخلية المجاورة(28). يقع سوق اللاذقية العام (سوق شيخ ضاهر) في وسط اللاذقية، بين حي الأميركان، وحي الشيخ ضاهر، وحي الصليبة. وقد اعتادت هذه المحلات –والتي تعود ملكية غالبيتها إلى سُنة من وسط اللاذقية- على تقديم مجموعة واسعة من المنتجات للجميع في اللاذقية دون تمييز. إذ يمكن للزبائن الأغنياء أن يجدوا بضائع فخمة في شارعي هنانو وبغداد، بينما علويو الطبقة الدنيا يمكن أن يذهبوا شرقاً، حول ساحة أوغاريت. وفي الشمال، حول ساحة الشيخ ضاهر، تُرحب أعمال تجاريّة مخصّصة للاحتياجات الريفية بالسوريين الذين يأتون من محيط المدينة بالحافلات الصغيرة(29).
وبجميع الأحوال، فإنّ ما تغيّر، هو العُقد الجغرافيّة للتبادل الاقتصادي. فبحلول منتصف عام 2011، ومع بداية الاحتجاجات في اللاذقية وبلوغ التوترات الطائفية ذروتها، توقف العلويون عن زيارة المناطق السُنيّة –مثل سوق الشيخ ضاهر والصليبة- لإنجاز أعمالهم وشراء بضائع(30). وهذا غيّر النشاطات التجارية بشكل كبير. فبدأ تجار وسط اللاذقية السُنّة بإفتتاح فروع لمحلاتهم في حي الزراعة العلوي لإدامة عملياتهم التجارية. على سبيل المثال، افتتح مطعم شهير موجود في حي الصليبة السُني منذ خمسينيات القرن العشرين، وهو مطعم أبو السويس، فرعاً في حي الزراعة العلوي(31).
وعلى الرغم من التغيير في الديمغرافية والثقة بين الطوائف، يظهر الاقتصاد والتجارة بأنهما فوق الانقسام الطائفي. ومع ذلك، فقد لعب النزاع دوراً في صالح العلويين. ففي حين أنه قبل الانتفاضة اعتادت الطبقات التجارية السُنية ومناطق السكان السُنة أن يكونوا حجر الزاوية في النشاطات التجارية في اللاذقية، أصبحت الآن المناطق العلوية مركز النشاطات التجارية. وهذا ما قلب الأدوار بين الطبقات التجارية السُنية والمستهلكين العلويين وزوّد المستهلكين العلويين –أصحاب الممتلكات وسكّان هذه المناطق- بنفوذ اقتصادي متزايد إزاء النفوذ السابق. وبرغم بقاء التجار السُنّة الطبقة التجارية الأكثر أهمية، إلاّ أنه لأول مرة كان عليهم أن يتعاملوا مع السكان العلويين لهذه الأحياء وفي أحيائهم (أحياء العلويين) من أجل مزاولة أعمالهم التجارية(32). وقد تُرجِم هذا التحول المكاني إلى تحولات ملموسة في علاقات السلطة الاجتماعية؛ إذ افتُتِح على الأقل 10 محلات باله (بضاعة مُستعملة) في حي الزراعة. وهي محلات تعود مُلكيتها لسُنة اللاذقية، ولكن من يعمل فيها في المقام الأول هم النازحون الحلبيون، الذين يثق بهم أرباب عملهم السُنة وكذلك الزبائن العلويون(33).
ظهور العلويين كفاعلين في القطاع الخاص هو مجرد تحول نسبي في التأثير، أكثر مما هو تغيير كبير في دورهم ووضعهم الاقتصادي. قبل عام 2011، كان يمكن لسكان الساحل ذوي الخلفيات العلوية الاستفادة من منصبهم كموظفي دولة أو الاستفادة من صلاتهم مع رموز النظام التي تدير مشاريع تابعة للدولة للانتفاع من الدينامية الاقتصادية في المنطقة الساحلية. بجميع الأحوال، يجب عليهم اليوم أن يعتمدوا على صلات مباشرة مع رموز النظام –بدون وساطة من بيروقراطية الحكومة أو المشاريع التابعة للدولة- للوصول إلى الموارد العامة، إذ أصبحت شبكات رموز النظام بشكل متزايد مسؤولة عن صناعة القرار داخل القطاعين العام والخاص. وبدلاً من احتواء التحول في شبكات القوة الاجتماعية، فإن هذا التغيير هو مجرد تمثيل لظهورها إلى العلن، إذ تستفيد رموز النظام من شبكاتها لتعمل ك "ميسّر" لأي مستثمر خاص يرغب في تأسيس عمل.
2.4 بانياس:
على النقيض من اللاذقية، حيث أمّنت الأعمال والتجارة روابط بين الطوائف أثناء الانتفاضة، شهدت أصغر مدينة ساحلية "بانياس" نشاطات اقتصادية فاقمت الخلاف بين السنة والعلويين المحليين، التي كانت كبيرة بالفعل قبل الانتفاضة.
حتى قبل بدء الانتفاضة في عام 2011، كانت التوترات الطائفية كامنة في بانياس. كما كانت التبادلات الاقتصادية-الاجتماعية نادرة بين الأحياء الشمالية العلوية في غالبيتها والمناطق الجنوبية السنية. فطوّر كل من العلويين والسنة أعمالهم التجارية الخاصة بهم بشكل منفصل عن الآخر، كل واحد منهما في طرفه من المدينة(34). فقد وضع مقتل مراهق علوي عام 2001 في قتال شوارع مع شاب سني المجتمعين في خلاف منذ ذلك الحين. تصاعدت مناوشات العلويين والسنة في أرجاء المدينة حينها وتطلّبت تدخل شخصيات من النظام عالية المستوى من كلا المجتمعين لردعها(35). وقيل أن مكتب نائب الرئيس عبد الحليم خدام –وهو سني من بانياس- تدخّل مع أعيان من السنة، بينما تعامل أفراد من المخابرات مع المجتمع العلوي. كان لحوادث عنيفة من هذا النوع آثار مستمرة خلال الانتفاضة. في آذار مارس ونيسان أبريل 2011، نظّم سكان من قرية البيضا السنية المجاورة احتجاجات وهاجموا حافلة تقل أفراداً من الجيش(36). وكان رد قوات أمن النظام وشبيحته سريعاً وصارماً. إذ فرضوا حصاراً على المنطقة، مدمرين عدة أبنية وطاردين العديد من السكان(37).
كان لانهيار العلاقات بين المجتمعات السنية والعلوية في بانياس آثار واسعة النطاق على النشاط الاقتصادي المحلي. إذ اعتمدت بانياس تقليدياً بشكل كبير على الزراعة، أمّا المزارعون من المناطق المحيطة بالمدينة فهم على وجه الحصر علويون تقريباً. اعتادوا قبل الانتفاضة على بيع وتصدير منتجاتهم في سوق الخضار المركزي في بانياس، بفضل علاقاتهم التعاونية مع تجار حضريين سُنة من مركز المدينة. لكن في عام 2011، أثار حصار النظام للبيضا توترات طائفية محتملة بالفعل، ومنع المزارعين العلويين من بيع منتجاتهم في سوق الخضار المركزي مما أدى إلى إغلاقه في نهاية المطاف. ومنذ ذلك الحين، تطوّرت تجارة بيع بالجملة داخل الجماعة ذاتها. بدأ العلويون ببيع منتجاتهم على طرف مفرق دير البشل، وهو طريق سريع يصل بانياس بباقي المدن الساحلية، وأسّسوا هناك سوق خضار جديد، يُعرف باسم "السوق الفوقاني". ورغم إعادة افتتاح السوق المركزي الأصلي في بانياس، إلا أن السوق الفوقاني استمر بالازدهار في عام 2014 بسبب انعدام الثقة المستمر بين المزارعين العلويين والتجار السُنة(38).
حاول عدة تجار علويين يملكون أعمال تجارية في سوق مركز المدينة الأساسي المحافظة على سير عملهم، لكنهم يخافون الذهاب إلى سوق مركز المدينة، تماماً كما يخاف سُنة بانياس من الذهاب إلى السوق الفوقاني، الذي هو علوي بغالبيته(39). وليتمكنوا من العمل في ظل هذه الشكوك المتبادلة، وظّف عدد من التجار العلويين سنة نازحين من مناطق يُنظر لها على أنها موالية للنظام، مثل حلب، ليكونوا وكلائهم في السوق المركزي وليعملوا لصالح تجارتهم(40). وليست هذه الظاهرة محصورة بالعلويين فحسب. فواقع اعتماد سنة وعلوية بانياس على سُنة دخلاء ليكونوا وسطاء في تفاعلاتهم التجارية، إنما يدلُّ على حقيقة أن الارتياب الطائفي، بدلاً من أن يمتد عبر كل الطائفة، موجود في المقام الأول على المستوى المحلي، بين أشخاص من طوائف مختلفة من المنطقة الساحلية المحلية.
5-النظام وعلويو الساحل: ترابط جديد:
وطّد النزاع ترابطَ المجتمعات العلوية الساحلية مع النظام بطريقة جديدةلم يسبق لها مثيل. إذ عزل النزاع الساحل والعديد من المجتمعات المحلية العلوية عن باقي البلد، مما سمح لهم بتطوير آليات حكم محلي من جهة، ولكن من جهة أخرى جعلهم أكثر اعتماداً على شبكات رموز النظام من أجل المحافظة على هذه الاستقلالية.
كان لعدة سنوات من القتال تأثيرها الكبير على الجيش السوري، وبالتالي أثّرت أيضاً على المجتمعات المحلية التي زودته بالكثير من طاقته البشرية، مثل المجتمعات العلوية في الساحل. ولمعالجة كل من الحاجة للمزيد من الطاقة البشرية وآثار خسائر المعارك على المجتمع المحلي، توجّهت منظمات خيرية محلية متعددة(41) نحو مساندة المجتمعات التي فقدت العديد من شبانها، وظهر 25 مركز تجنيد جديد للميليشيات على طول الساحل (انظر الشكل 5). هذه المؤسسات الجديدة تفعل أكثر بكثير من مجرد تزويد النظام بطاقة بشرية جديدة أو إعانة الأُسر المتأثرة بالنزاع. فقد عمّق انتشارها عبر الساحل شبكة الاتصالات بين النظام والمجتمع الساحلي –ويشمل ذلك طوائف أخرى غير العلوية- كما عزّز قاعدة النظام الاجتماعية بين المجتمعات العلوية.
الشكل (5): تأسيس مراكز تجنيد للميليشيات ومنظمات اجتماعية، حسب الناحية.
المصدر: بيانات جمعها الكاتب عبر مقابلات مع سكان من كل ناحية.
وبينما قلّص علويو الساحل اعتمادهم على القطاع العام، حيث كانوا يعملون سابقاً بأعداد كبيرة، فقد زادوا اتّكالهم على شبكة من الشخصيات المرتبطة بالنظام وموظفيه. وهذا ما جعل علويو الساحل والنظام يعتمدون على بعض بشكل متبادل من أجل ضمان البقاء. وكما أن ذلك يوفّر موارد واتصالات أكبر لهؤلاء الأشخاص الذين يملكون روابط قوية مع النظام، فإنه كذلك يقدم للنظام مدى أكبر من مصادر مالية وإنسانية من أجل البقاء.
1.5 الجمعيات الخيرية:
في جميع أنحاء سوريا، وكذلك في الساحل، أجبر النزاع كل منطقة على تطوير أشكال جديدة من الحكم المحلي. وقد حدث ذلك لتعويض أوجه قصور مؤسسات الدولة المركزية في خدمة البلد بأكمله، إضافة إلى الانقطاع المادي المتزايد بين مناطق البلد التي تقع الآن تحت سيطرة مجموعات مسلحة مختلفة.
في الساحل –كما في أماكن أخرى- تأقلم النظام مع هذا التطور وأوجد أساليب جديدة لاختراق هذه المجتمعات المحلية. إذ تهدف الجمعيات الخيرية المؤسسة حديثاً في المقام الأول إلى تلبية الحاجات الفورية لبلداتهم والتي كانت الدولة تتعامل معها قبل الانتفاضة. وفي حين كانت مؤسسات الدولة سابقاً قناة مهمة للنظام للتشابك مع المجتمعات الساحلية، بدأت هذه المنظمات الخيرية بالحلول مكان الدولة في بعض وظائفها التي في تدهور الآن. وتعمل المنظمات الخيرية بوصفها وسيطاً جديداً يستطيع النظام من خلاله الاتصال مع الساحل. فهي تؤمن طريقة للنظام ليوسّع شبكاته من التنظيم والسيطرة إلى السكان المحليين الذين تأقلموا مع السياق المتغير الذي تستلزمه الحرب.
بدأت المنظمات الخيرية بالظهور في عام 2011 وكانت في معظمها مبادرات من أفراد متصلين ببيروقراطية الدولة والنظام من خلال العمل، والروابط العائلية والشبكية. حشدت المجتمع بشكل فعّال على المستوى المحلي، متعاملة مع احتياجات مواطني المنطقة، لكن بطريقة لا يمكن أن تفعلها مؤسسات الدولة المركزية. على سبيل المثال، واحدة من نتائج مشاركة الأعداد الكبيرة من الذكور بعمر التجنيد من الساحل في النزاع –إمّا كجزء من الجيش النظامي أو من الميليشيات الموالية للنظام- هي حصة عالية من خسائر النزاع بالمقابل. واستجابة لذلك، تشكّلت أنواع مختلفة من الجمعيات الخيرية والمنظمات الاجتماعية لمساعدة المجتمعات المحليّة على الاعتناء بأُسر وأقارب الذين فُقدوا في الحرب، ولاسيّما النساء والأطفال.
وفي حين أصبحت الجمعيات الخيرية بشكل متزايد القناة الجديدة للوصول واختراق المجتمع المحلي، فقد يسّر النظام إجراءات تسجيلهم. وقبل الانتفاضة، كان حتّى الموالون للنظام في المنطقة بحاجة لموافقة من المخابرات ودعم من شبكات داخل النظام لإنشاء أي منظمة خارج نطاق الدولة. لذلك، فإن أي شخص يسعى لإنشاء منظمة لا يحتاج فقط إلى الخضوع لعملية تسجيل قانونية للحصول على الإذن من الوكالات الحكومية، ولكن أيضاً إلى تأمين موافقات غير رسمية من شخصيات فردية من النظام؛ كان من المستحيل إنشاء أي منظمة من دون اتّباع هذا الإجراء البيروقراطي المعقّد. أما الآن فقط المنظمات الكبيرة التي تقع مقراتها الرئيسية في مدن الإقليم الكبرى، تتكبّد عناء التسجيل، والذي يصبح أسهل بالاتصالات والمعارف الصحيحة. وفي هذه الأثناء يتغاضى النظام عن المنظمات غير الرسمية التي تتكاثر في كل أنحاء الساحل.
بعض هذه المنظمات الخيرية مسجّلة رسميّاً وعلى لائحة وزارة الخارجية للمنظمات غير الحكومية السورية؛ وبالتالي، فهي قادرة على فتح حساب مصرفي رسمي، وتلقّي دعم مالي من داخل وخارج سوريا، كما يمكنها التعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية (INGOs). والإدراج على لائحة وزارة الخارجية –والذي يمكن أن يحدث فقط من خلال اتصالات مع رموز من النظام على المستوى العالي- حاسم من أجل الحصول على منح من مصادر محلية، ومن وكالات الأمم المتحدة. وبالرغم من الاعتماد على اتصالات النظام لتسهيل نشاطاتها، تلبي هذه المنظمات بشكل رئيسي احتياجات الأُسر من مناطق النظام والمناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، من دون تمييز بين الطوائف. على سبيل المثال، منظمة موزاييك التي تأسست في عام 2014 لتقديم المعونة وتعزيز التنمية في المنطقة الساحلية ل 3600 أُسرة من مقراتها الرئيسية في اللاذقية. فهي تعمل مع المنظمات غير الحكومية الدولية والمستفيدين المستهدفين من كل من أُسر قوات الدفاع الوطني والأشخاص النازحين داخلياً (42).
كما يبقى التفاعل مع النظام حاسماً للمنظمة من أجل البقاء. لذلك عيّنت "موزاييك" الشيخ مازن غزال، وهو شيخ علوي من عائلة لاذقانية بارزة، كوسيط بين المنظمة والنظام(43). كما أن وجود أُسر الجيش وقوات الدفاع الوطني (علويون في غالبهم) من بين المستفيدين هو شرط مطلوب من أجل بقاء هذه الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية على لائحة وزارة الخارجية. وخير مثال على ذلك، تجربة إحدى الجمعيات الخيرية في طرطوس(44). إذ تأسّست الجمعية الخيرية أول مرة قبل الانتفاضة لتلبية احتياجات أُسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وبعد الانتفاضة، بدأت المنظمة بالعمل مع الأُسر النازحة داخلياً، لكن رفضت أن تسجّل بعض أُسر قوات الدفاع الوطني في طرطوس، الذين كانوا يقحمون أنفسهم في اللائحة فقط من أجل الحصول على منافع إضافية. وكنتيجة لرفضهم، حُذفت المنظمة فجأة من لائحة وزارة الخارجية للمنظمات غير الحكومية المُسجّلة(45). لا يشير هذا القرار المفاجئ فقط إلى الاتصال المباشر بين قوات الدفاع الوطني في طرطوس وبين السلطات المركزية فحسب، بل يوضح أيضاً البيئة الخاضعة للرقابة، والمقيّدة التي تعمل بها هذه المنظمات التي يُزعم أنها "غير حكومية".
مع ذلك، أغلب الجمعيات الخيرية صغيرة النطاق، موجودة في القرى، وليس بالضرورة أن تكون مسجلة قانونياً أو على لائحة وزارة الخارجية. تعمل هذه الجمعيات الخيرية الصغيرة بسبب صلاتها مع رموز النظام أو الموافقة الضمنية لهذه الرموز(46). أما شبكة النظام التي سهّلت سابقاً عملياتها في مؤسسات الدولة انتقلت الآن إلى تسهيل إنشاء منظمات خيرية محلية –أو حتّى إنشاء منظماتهم الخاصة-. بشكل عام، الناس الذين أسّسوا هذه الجمعيات الخيرية لديهم صلات وثيقة مع النظام من خلال حزب البعث أو أجهزة الاستخبارات، ولكنهم لا يمثلون رسميّاً أي مؤسسة.
في عام 2014، على سبيل المثال، أسّس أحد السكان المحليين الذي يملك صلات مع قوى الدفاع الوطني والمخابرات "مؤسسة الوفاء للشهداء" في بلدة قدموس في محافظة طرطوس(47). وهي مسجّلة بشكل رسمي، ولكنّها غير مدرجة في وزارة الشؤون الخارجية، وبالتالي لا تتعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية. ومثل كل الجمعيات الخيرية التي ليس لديها وصول إلى التمويل الخارجي، فهي موجودة في المجتمع المحلي ومنظّمة بالكامل من قبله، وتؤمّن التبرعات من خلال الصلات الشخصية لقادتها. وهي لا تتلقى أموالاً من مانحين خارجيين أو من الحكومة لتنتشر، ولكنها تركّز على تلبية احتياجات أفراد مجتمع محدّد وتنسيق مناسبات اجتماعية. على سبيل المثال، منظمة مثل "مؤسسة الوفاء للشهداء" ممكن أن تأخذ حاجيات لأّسرة محددة فقدت مُعيلاً في القتال، أو تستخدم اتصالاتها مع المشافي المحلية للحصول على إمدادات طبيّة لأفراد المجتمع المرضى أو الجرحى والذين لا يستطيعون دفع ثمنها. كما تدعم الطلاّب المحتاجين وتنظّم أربع أو خمس مناسبات للأُسر كل شهر –مثل الرسم مع الأطفال، والمسابقات الرياضية، أو النشاطات الخاصة في العطل مثل عيد الأم(48).
يدرك النظام في دمشق الحاجة لجعل المجتمعات العلوية معتمدة عليه ليضمن دعمهم، لذلك تلعب الجمعيات الخيرية دوراً مهماً في الحفاظ على التماسك الاجتماعي داخل القاعدة الطائفية للنظام. ومع ذلك، ليست الهوية العلوية هي العامل الوحيد الذي يجعل المنطقة متماسكة معاً خلف النظام. فإلى حد ما، حقيقة أن المجتمعات العلوية تعتمد على النظام من أجل سبل عيشها، هو ما يدفعها في المقام الأول للقيام بأفعال مستقلة للدفاع عنه(49). كما أن البعد المحلي للجمعيات الخيرية هو أيضاً عنصر أساسي فيما يتعلق بتوطيد القاعدة الطائفية للنظام بين العلويين، فمجتمعاتهم هي جزأ لا يتجزأ من اعتبارات محلية وفي منأى عن الحركات أو السياسة الوطنية. وتوفر الجمعيات الخيرية للنظام قناة لتلبية احتياجات العلويين على المستوى المحلي، وإظهار الدعم لهم من خلال التعامل مع مطالبهم –مثل دعم أُسر الشهداء- بنفس طريقة الدولة سابقاً. فهم يعملون من أجل احتواء شكاوى الجماعات العلوية حول الحصيلة المرتفعة للخسائر البشرية في القتال الذي هو غالباً قتال النظام وليس قتالهم. كما واجهت المجتمعات العلوية المحلية مشكلة قلة البدائل: إمّا الاعتماد على بدائل الحكم الجديدة هذه –وبالنتيجة على النظام- أو البقاء عرضة للخطر.
على وجه العموم، بقي العلويون في الساحل جزأ لا يتجزأ من النظام. تتأسس الأشكال الناشئة من الحكم المحلي، مثل الجمعيات الخيرية، من خلال شبكات النظام وتعمل بالتعاون النشط لهذه الشبكات. كما تتسم ثقافتهم السياسية بعدم الثقة بين الأفراد، وهذا يعكس الثقافة السياسية السائدة في مؤسسات الدولة –مثل الجيش أو بيروقراطية الدولة- قُبيل النزاع. بكلمات أخرى، من خلال الجمعيات الخيرية لم يكن النظام فقط قادراً على إعادة نشر شبكة بشرية، ولكن أيضاً تكريس ثقافته السياسية والسيطرة على المجتمعات العلوية الساحلية.
2.5 مراكز تجنيد الميليشيات:
من أجل مواجهة نقص القوات البرية لمتابعة حملاته العسكرية –مع عدم القدرة على تجنيدهم عبر الآليات الرسمية للتجنيد العسكري الإلزامي- بدأ نظام الأسد بتأسيس مراكز تجنيد للميليشيات في قرى لا تحصى في الساحل(50). كان التحول من الجيش إلى الميليشيات أساسي لضمان قدرة النظام على تعبئة الشباب العلويين، وإعادة نشر واستثمار الشبكات الاجتماعية لضباط جيشه العلويين. وخلافاً لجيش المجندين الوطني، الذي يعتمد على جنود من كل المناطق والخلفيات الاجتماعية والدينية، فإن الميليشيات هي وحدات محلية ترتبط بالأرض التي يشكّل الدفاع عنها سبباً لوجودهم.
ازدهرت مراكز تجنيد الميليشيات في جميع أنحاء الساحل في ظل رعاية أربع ميليشيات رئيسية: قوات الدفاع الوطني، وصقور الصحراء، وكتائب البعث، والبُستان. كانت هذه الميليشيات بالدرجة الأولى برئاسة ضباط جيش علويين حاليين وسابقين وتجنّد بشكل خاص علويين مكلّفين بالدفاع عن النظام الذي بات يعتمد بشكل متزايد على سردية طائفية. والضباط السابقون هم وسائل فعّالة لضمان إعادة تجنيد القوة البشرية العسكرية المطلوبة بشدة والخبرات على جانب النظام، بينما في ذات الوقت يقومون بدور سفراء النظام في المجتمعات المحلية. إذ أنهم يضمنون التماسك داخل القوات شبه العسكرية المشكّلة من المجتمعات العلوية، وبين هذه القوات وأجندة النظام الأشمل. وخلافاً للجيش العربي السوري، الذي يجذب المجندين عشوائياً من كل أنحاء البلد، فإن مراكز تجنيد الميليشيات هي هيئات محلية تربط مجنديها بالضباط المسؤولين علاقات شخصية وثيقة(51). وهذا ما يزيد بشكل كبير من فعالية عمليات التفتيش الأمنية عن المجندين الجدد ويساعد على ضمان ولاء هؤلاء المدرجة اسماءهم.
إن عملية التجنيد مختلفة إلى حد ما بين المناطق الحضرية والريفية. ففي حين أن التجنيد في المناطق الريفية له طابع حركة شعبية تتصاعد من داخل المجتمع، إلاّ أن في المناطق الحضرية، من الواضح أنه امتداد مؤسسي لسلطة مركزية (أي، نظام الأسد). في اللاذقية، يُجنّد معظم المقاتلين على مستوى الحي. على سبيل المثال، الزراعة –وهي منطقة مأهولة بكثافة بالعلويين- فيها منذ زمن مركز تجنيد لقوات الدفاع الوطني، وأُنشِئ فيها مؤخراً مركز جديد للواء درع الساحل. أما في الرمل الشمالي فيعمل مركز تجنيد قوات الدفاع الوطني وكذلك مركز تجنيد ميليشيا البستان، والرمل الشمالي هو حي علوي آخر في شمال اللاذقية.
كانت أيضاً مجموعات أخرى غير النظام تعمل على تعبئة وتجنيد العلويين. فمثلاً، لدى حزب الله اللبناني مكاتب في حي "مشروع البعث" العلوي الذي يقع شرق اللاذقية، وهو مكتب يسهّل نشر الميليشيات المحلية من أجل عمليات خارج المدينة(52). وعبر مراكز تجنيدها، تُدرج المجموعة اللبنانية اسماء السكان إمّا للقتال مباشرة في صفوفها، أو تنشئ اتصالاً مع مجموعات ميليشيات صغيرة يمكن أن تتعاون مع كتائب حزب الله المنتشرة على جبهات القتال على طول حدود المحافظة الجبلية. ومع ذلك ليس هناك تقريباً دليل أن حزب الله يسعى إلى تطوير نفوذه إلى أكثر من تعاون عسكري عابر.
وأفضل مثال على ذلك، قصة حسان أبو نمر(53)، وهو علوي مُجَنِّد للميليشيات. عندما بدأت الميليشيا التابعة له بالتعاون مع حزب الله، ذكر الناس تغيّراً في سلوكه. بدأ يشدّد على تقواه والتزامه بالواجبات الشرعية، مشيراً إلى نفسه بوصفه الحج حسّان، ومُظهراً تفانيه لزينب والحُسين مع ملصقات لهم على سيارته، مُتّبعاً بذلك تقاليد الحرس الثوري الإيراني. ولكن عندما تحوّل للتعاون مع محمد جابر، قائد صقور الصحراء، غيّر ولاءه إلى عائلة الأسد وبدّل باسماء زينب والحُسين على سيارته، صور بشار الأسد ووالده حافظ ورموز النظام الأخرى.
حدثت العديد من التغييرات السطحية في العلاقات بين العلويين والنظام، لكن بقي الهيكل إلى حد كبير كما كان قبل الانتفاضة. كان التأثير غير المباشر لجهود سكان الساحل للتكيف مع الظروف الجديدة، في ترسيخ شبكات النظام في هذه المبادرات المحلية. وبالتالي أصبح النظام والساحل أكثر اعتماداً على بعض، وإن كان بطريقة مختلفة عما كان قبل الانتفاضة. يعتمد المجتمع المحلي بشكل متزايد على شبكات النظام من أجل ضمان بقائه، كما يسحب النظام جزءاً كبيراً من موارده المالية والعسكرية من المناطق الساحلية.
6. خلاصة:
6. خلاصة:
اللامركزية القسرية في سوريا:
يشير الوضع في المناطق الساحلية إلى صمود المجتمعات المحلية التي لم تتغير علاقاتها وأدوارها بشكل جذري حتى بعد خمس سنوات من النزاع. تنتشر الانقسامات الطائفية على المستوى المحلي، من دون أن تستلزم بالضرورة معارضة شاملة أزلية بين الطائفتين. وبعبارات أخرى، أثبتت العلاقات المحلية –بين السنة والعلويين، وبين العلويين والنظام- أنها أقوى من النزاع، أمّا السرديات الطائفية للفصائل المسلحة فقد وطّدت الانقسامات السابقة بدلاً من خلق انقسامات جديدة.
وهذه هي بالضبط الآثار المترتبة عن صمود وتكيّف المجتمعات المحلية مع بيئة النزاع التي تشكّل بالفعل مستقبل سوريا على أرض الواقع. ويُظهر الساحل أن النزاع السوري، حتّى إن لم يكن يؤثر بشكل مباشر في منطقة معينة أو في سكانها، إلا أنه قد وطّد مجموعة سابقة من العلاقات على المستوى الأفقي، بين طوائف تعيش بجانب بعضها. كما أنه يضفي تدريجياً طابعاً محلياً على العلاقات بين مجتمعات الساحل والسلطات المركزية (أي، مؤسسات الدولة والنظام). وإذا كانت سابقاً علاقة علويي الساحل مع مؤسسات الدولة التي مقرها في دمشق والمخابرات بيّنت نفسها أفقياً بوصفها علاقة بين الهامش والمركز، فاليوم تتجلّى هذه العلاقة بشكل متزايد على المستوى المحلي، بين المجتمعات المحلية ووكلاء شبكات النظام.
إنه تأقلم لكل من المجتمع المحلي ونظام الأسد، المجتمع المحلي الذي يدرك حاجته ليوفر لنفسه ويطوّر آليات دفاع وحكم محلي، ونظام الأسد الذي يصل الآن إلى قاعدته الاجتماعية عبر قنوات غير رسمية –مثل الجمعيات الخيرية والميليشيات- بدلاً من العمل حصرياً من خلال الدولة. وفي الساحل كما في أماكن أخرى، يمثّل هذا تطور دور الدولة المركزية في المحافظات السورية. أما القطاع العام فيستمر في الوجود في إطاره الرسمي، ولكن كل من النظام والمجتمعات المحلية تعيد استثمار رأس مالها البشري في الآليات غير الرسمية للحكم الذاتي الموازية للدولة، وأكثر فعّالية منها في السياق الحالي للصراع المديد. بينما الموارد الموجودة في الساحل، فيما يتعلق برأس المال البشري والبنية التحتية المادية، هي الأسلم من أي موارد أخرى في البلد وستلعب دوراً رئيسياً في إعادة بناء مؤسسات الدولة وفي جهود التنمية بعد النزاع.
بشكل ما، يُجبِر النزاع الدولة السورية تدريجياً على اللامركزية. يستمد لاعبوها السياسيون –كل من النظام في الساحل ومجموعات المعارضة في أماكن أخرى- قوتهم من قدرتهم على انتزاع مجموعة علاقات المجتمعات المحلية وإعادة نشر مهارات محلية كانت سابقاً مُستثمرة في الدولة المركزية، وفي آليات غير رسمية للدفاع والحكم المحلي. على أية حال، يخلق إضفاء الطابع المحلي على السياسة عقبات أمام تعزيز السلطة والاستقرار السياسي. وكما أظهر مثال الساحل، وطّد إضفاء الطابع المحلي انقسامات سنية-علوية جيّاشة وعزّز اعتماد العلويين على النظام، ممهداً الطريق فعلياً لشبكات النظام لتعمل على المستوى المحلي، على مستوى الحي حيث يعيش العلويون.
نظراً لهذه التطورات، سيكون من بين أكثر التحديات إلحاحاً في سوريا ما بعد النزاع، تصميم إطار اللامركزية في استمرارية مع المسار المُمهّد بالفعل من قبل النزاع. بشكل حاسم، وعلى أية حال، يجب أن يقاوم هذا الإطار الميل الحالي إلى انغلاق المجتمعات المحلية على نفسها، وبدلاً من ذلك يعيد فتح قنوات تفاعل اقتصادي وعلاقات اجتماعية بين المناطق والمجتمعات المحلية المختلفة. وبعبارات أخرى، سوف تعيد استراتيجية اللامركزية الناجحة بناء قنوات بين المجتمعات المحلية التي تقطّعت بسبب النزاع، بدلاً من أن تكون بمثابة إطار لهذه المجتمعات المحلية لتحكم إغلاق نفسها بعيداً عن البيئة المحيطة.
سيكون دور السنة والعلويين في المنطقة وفي علاقتهم في استمرارية للماضي. استمرت الروابط العابرة للطائفية التي جعلت الاقتصاديات تلعب دوراً قبل الانتفاضة، بالقيام بذلك خلال النزاع، حتى وإن كان ذلك بطرق مختلفة. أمّا الانقسامات الطائفية التي ظهرت خلال النزاع ليست مكتشفة أو موجودة حديثاً، بل متجذّرة في النزاعات المحلية التي كثيراً ما استخدمت الحدود الطائفية ذاتها.
الهوامش:
- See, for example, Syrian Protests over Assad Cousin Signal Growing Discontent with the Regime, in: The Telegraph (9.8.2015); Four Reasons Syrian Alawite Resentment towards Iranian Intervention, in: The Syrian Observer (9.5.2016).
- Some very famous anti-regime figures — such as Louay Hussein, Aref Dalila, Monzer Makhous, Samar Yazbek, Fuad Homaira — are Alawite and have stood on the side of the uprising since the start of the conflict.
- Much of the northern part of the Latakia governorate, on the border with Turkey, is populated by ethnic Turkmen and Sunni Arabs (especially the Kasab, Rabea’a and Kansaba and Salafna sub districts). Because these areas are historically — and in the uprising — linked more closely to the towns of the adjacent Idlib governorate, they are not covered in this study.
3-أغلب القسم الشمالي من محافظة اللاذقية، على الحدود التركية، مأهولة من قبل التركمان والعرب السُنّة (بشكل خاص كسب، وربيعة، وكنسبا، وصلنفة). ولأان هذه المناطق تاريخياً –وخلال الانتفاضة- متصلة بشكل وثيق بمحافظة إدلب المتاخمة، لم تشملهم الدراسة هذه.
- See Hanna Batatu (1999): Syria’s Peasantry, the Descendants of Its Lesser Rural Notables, and Their Politics. Princeton, NJ: Princeton University Press: 12 f.
4- انظر حنّا بطاطو: فلاحو سوريا، أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأناً وسياساتهم (1999) منشورات جامعة برينستون.
7-دائرة الاحصاء المركزي، إحصاء 2014
- See Azmi Bishara (2013): Suriya, Darb al-Alam nahwa al-Huriya: Muhawala fil-Tarikh al-Rahn [Syria, a Path to Freedom from Suffering: An Attempt in Contemporary History]. Beirut: al-Markaz al-Arabi lil-Abhath wa-Dirasat al-Siyasat: 98 f.
8- انظر عزمي بشارة (2013): سوريا درب الألم نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن (بيروت، المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية)
- See, for example, Liam Stack and Katherine Zoepf, Syria Presses Crackdown on Two Cities on Coast, in: The New York Times, (12.4.2011); available at Link (last accessed on 23.6.2016); see also BBC, Syria unrest: Twelve killed in Latakia protest (27.4.2011); available at: Link (last accessed on 23.6.2016).
- The coast has received around 750,000 internally displaced people (IDP). As of October 2014, Tartus governorate had received an estimated 450,000 IDPs and Latakia governorate 300,000. See Shannon Doocy, Emily Lyles, Tefera D. Delbiso, and Courtland W. Robinson (2015). Internal Displacement and the Syrian Crisis: An Analysis of Trends from 2011–2014, in: Conflict and Health 9: 33 f.
10- تلقّى الساحل نحو 750 ألف نازح داخلي. وبحلول تشرين الأول/أكتوبر من عام 2014، تلقت محافظة طرطوس ما يقرب من 450 ألف نازح داخلي ومحافظة اللاذقية حوالي 300 ألف. انظر شانون دوسي، وإيميلي ليلاس، وتيفارا ديلبيسو وكورتلاند روبنسون (2015). النزوح الداخلي والأزمة السورية: تحليل اتجاهات من عامي 2011-2014 في: النزاع والصحة 9.
- Kheder Khaddour (2015): The Assad Regime’s Hold on the Syrian State, Carnegie Middle East Center Paper (8.7.2015); available at: www.carnegie-mec.org (last accessed on 23.6.2016).
11- خضر خضور (2015): إمساك نظام الأسد بالدولة السورية، مركز كارنيغي للشرق الأوسط. انظر الرابط
- For an example of this regime narrative, see BBC Exclusive Interview with President Bashar al-Assad, BBC News, 10 February 2015; available at: Link (last accessed on 23.6.2016).
12- كمثال عن سردية الظام هذه، انظر BBC مقابلة حصرية مع الرئيس بشار الأسد على الرابط: www.bbc.com
- The data for this figure were gathered by research assistants interviewing individuals from the administrative sub-districts (nawahi) shown on the map.
13- جُمِعت بيانات هذا الشكل عبر مقابلات أجراها باحثون مساعدون مع إداريي النواحي الظاهرة على الخارطة.
- Syrians of all religious backgrounds and regional provenances have come to the coast, but the great majority of the newcomers have been of Sunni Arab background and from the Idlib and Aleppo provinces that border the coastal region. Therefore, this section focuses on divisions among members of this sociogeographic category, of Sunnis from Aleppo and Idlib provinces.
14-جاء سوريون من جميع الخلفيات الدينية والمناطقية إلى الساحل، ولكن غالبيتهم من العرب السُنّة ومن محافظتي حلب وإدلب التي تحدُّ المنطقة الساحلية. لذلك، يركز هذا القسم على الانقسامات بيه هذه الفئة الجغرافية-الاجتماعية، من سُنة محافظتي حلب وإدلب.
- This section draws on both the semi-structured interviews conducted by research assistants and in-depth interviews conducted by the author.
15-يعتمد هذا القسم على مقابلات شبه منظّمة أجراها مساعدون باحثون ومقابلات عميقة أجراها الكاتب.
- This study defines the term »middle class«, for Syria at least, as the group of families with a stable annual income that puts them well above the poverty line, social insurance, and property ownership (e.g., real estate or cars). It excludes people with vast personal wealth, like owners of major enterprises or investors in regime-related holding companies (e.g., Sham al-Qabeda, see Azmi Bishara (2013): Suriya, Darb al-Alam nahwa al-Huriya: Muhawala fil-Tarikh al-Rahn [Syria, a Path to Freedom from Suffering: An Attempt in Contemporary History]. Beirut: al-Markaz al-Arabi lil-Abhath wa-Dirasat al-Siyasat.
16-تعرّف هذه الدراسة مصطلح "الطبقة الوسطى" ، لسوريا على الأقل، بوصفها مجموعة أُسر لديها دخل سنوي ثابت يضعها فوق خط الفقر، وتأمين اجتماعي، وملكية (سيارات أو عقارات). وهذا يستبعد الناس الذين يملكون ثروة شخصية هائلة، مثل مالكي الشركات الكبيرة او المستثمرين في الشركات القابضة المتصلة بالنظام (شام القابضة، انظر عزمي بشارة، درب الألم نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن (2013)).
- Figure 4 shows the location of these neighborhoods in the city.
17-يظهر الشكل (4) مكان هذه الأحياء في المدينة.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
18-بيانات جُمعت عبر عمل ميداني بين تموز يوليو وتشرين الأول أكتوبر 2015
21-مقابلة مع طاقم موظفي الصليب الأحمر السوري الذي يعمل في اللاذقية، بيروت كانون الأول ديسمبر 2015.
- Ibid.
- Data collected through fieldwork July–October 2015.
23-بيانات جُمعت عبر عمل ميداني بين تموز يوليو وتشرين الأول أكتوبر 2015
- See, for example, the reference to »Aleppo, a key conservative bastion « in Anthony Shadid (2011): Syrian Elites to Fight Protests to »the End«, in: The New York Times (10.5.2011). Local residents of Aleppo even organized pro-regime parades. For more information, see Popular Protest in North Africa and the Middle East (VII): The Syrian Regime’s Slow-Motion Suicide, in: Crisis Group Middle East / North Africa Report N°109, (13.7.2011), 5 f. Consequently, among Aleppo residents, those who chose to flee to regime-controlled areas and settled in primarily Alawite neighborhoods usually showed little sympathy for rebels associated with shelling of their home town.
24-انظر، على سبيل المثال، الإشارة إلى أن "حلب المعقل الرئيسي للمحافظين" في مقالة أنتوني شديد في نيويورك تايمز بتاريخ 10 أيار 2011 "النخب السورية ستقاتل المتظاهرين <حتى النهاية>". حتى أن سكان حلب المحليين نظموا مسيرات مؤيدة للنظام. للمزيد من المعلومات، انظر، الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (7): الانتحار البطيء للنظام السوري، في تقرير رقم 109 عن مجموعة الأزمات للشرق الأوسط /شمال افريقيا. بالنتيجة، فإن سكان حلب، وهؤلاء الذين اختاروا الفرار إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والاستقرار في أحياء علوية بغالبيتها، عادة قليلاً ما أظهروا تعاطفاً مع الثوار المرتبطين بقصف مدينتهم.
- Telephone interview with local NGO working in Latakia, January 2016.
25-مقابلة هاتفية مع منظمة غير حكومية محلية تعمل في اللاذقية في كانون الثاني/يناير 2016.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
26- بيانات جُمعت عبر عمل ميداني بين تموز يوليو وتشرين الأول أكتوبر 2015.
- Fabrice Balanche (2000): Les Alaouites, l’espace et le pouvoir dans la région côtière syrienne: une intégration nationale ambiguë, in: Géographie. Université François Rabelais – Tours: 546 f.
- Ibid., 547 f.
- Ibid., 544 f.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
30- بيانات جُمعت عبر عمل ميداني بين تموز يوليو وتشرين الأول أكتوبر 2015.
- Telephone interview with a Latakia resident, November 2015.
31-مقابلة هاتفية مع ساكن من اللاذقية، تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
- Fabrice Balanche (2000): Les Alaouites, l’espace et le pouvoir dans la région côtière syrienne]. The fact that Christians also played a role in trade is of little importance for understanding sectarian relations, because Christians remain a minority with whom Alawites generally have an unchanged relationship on the coast.
32-فابريك بالانش (2000): Les Alaouites, l’espace et le pouvoir dans la région côtière syrienne. حقيقة أن المسيحيين لعبوا دوراً أيضاً في التجارة هو ذو أهمية قليلة لفهم العلاقات الطائفية، لأن المسيحيين بقيوا أقلية لم تتغير علاقة العلويين معهم في الساحل.
- Telephone interview with Latakia resident, January 2016.
33-مقابلة هاتفية مع ساكن من اللاذقية في كانون الثاني/يناير 2016.
- Balanche: Les Alaouites, 606 f.
- From the author’s interview with residents of Baniyas, January 2016.
35-من مقابلة الكاتب مع سكان من بانياس في كانون الثاني/يناير 2016.
- Bishara: Syria, a Path to Freedom from Suffering, 321 f.
- See Link.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
38-بيناتت جُمعت عبر العمل الميداني بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2015.
- Ibid.
- From the author’s interview with an Aleppine businessman in Beirut, December 2015.
40-من مقابلة الكاتب مع رجل أعمال حلبي في بيروت كانون الأول/ديسمبر 2015.
- Data collected through fieldwork July – October 2015 found that 19 NGOs explicitly related to the regime and involved in the conflict had been created in the coastal governorates. A separate study cataloguing all newly established NGOs — including religious foundations with no connection to the regime or the conflict — found that 43 new NGOs had been created (see Link)
41- بيانات جُمِعت خلال عمل ميداني بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2015 وظهر من خلاله أنه تأسست 19 منظمة غير حكومية متصلة صراحة بالنظام ومشتركة بالنزاع في المحافظات الساحلية. وجدت دراسة منفصلة فهرست كل المنظمات غير الحكومية المؤسسة حديثاً –بمافيها المؤسسات الدينية التي لاصلة لها بالنظام أو النزاع- أن 43 منظمة غير حكومية جديدة أُسِست، انظر الرابط
- Data collected through fieldwork July – October 2015. See also Mosaic Facebook page; available at: Link (last accessed on 4.5.2016).
42- بيانات جُمِعت خلال عمل ميداني بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2015 ويمكنكم زيارة صفحة موزاييك على الفيس بوك: انظر الرابط
- Author’s Skype interview with a Syrian NGO employee, December 2015.
43-مقابلة عبر السكايب جمعت الكاتب مع موظف في منظمة غير حكومية سورية، كانون الأول/ديسمبر 2015.
- The name of the charity has been withheld for the safety of its employees and beneficiaries.
44-حُجِب اسم الجمعية الخيرية حفاظاً على سلامة موظفيها والمستفيدين منها.
- Author’s Skype interview with a Syrian NGO employee, December 2015.
45-مقابلة عبر السكايب جمعت الكاتب مع موظف في منظمة غير حكومية سورية، كانون الأول/ديسمبر 2015.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
46- بيانات جُمِعت خلال عمل ميداني بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2015
- Ibid.
- See the association’s Facebook page; available at: Link (last accessed on 4.5.16).
48-انظر إلى صفحة الجمعية على الفيس بوك: انظر الرابط
- Kheder Khaddour (2016): Strength in Weakness: The Syrian Army’s Accidental Resilience, in: Carnegie Middle East Center (14.3.2016); available at: Link (last accessed on 23.6.2016).
49-خضر خضور (2016): القوة في الضعف: قدرة الجيش السوري العرضية على الصمود. في مركز كارنيغي للشرق الأوسط (14 آذار/مارس 2016). انظر الرابط
- Ibid.
- Data collected through fieldwork July – October 2015.
51- بيانات جُمِعت خلال عمل ميداني بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2015.
- Ibid.
- Author’s Skype interview with an NDF member, January 2016.
ترجمة: يسرى مرعي
مترجمة من سوريا، تترجم عن اللغتين الإنجليزية والروسية. تركز في ترجماتها على الدراسات التي ترصد علاقة الحداثة بالعمارة في الشرق الأوسط. إضافة إلى الاهتمام بالدراسات حول الإسلام اليومي والاستشراق.