في (الهشاشة القصوى) للإنسان "الجبار"!

31 آذار/مارس 2020
 
ما الذي كان يمكن أن يحدث في أميركا، ولها، لو أن وباء كورونا الحالي تزامن في حصوله مع (الزلزال الكبير The Big One)، الذي يُتوقعُ حصولهُ منذ زمن في أغنى ولايةٍ فيها، وتَواقتَ الحدَثان مع تَشكُّلِ وتصاعدِ إعصارٍ هائل شبيهٍ بإعصار كاترينا عام ١٩٥٥م، وحصلَ معهما، في الوقت نفسه أيضاً، هجومٌ إرهابيٌ يشابه هجمات ١١ سبتمبر / أيلول عام ٢٠١١م في نيويورك وبنسلفانيا، وتصادفت الأحداثُ تلك في نفس الوقت مع انفجار بركان Mount Kilauea الذي يُعتبرُ أكبر بركان في أمريكا، في جزيرة هاواي وينفجرُ بشكلٍ قوي كل عشرين عاماً تقريباً، علماً أن آخر أن آخر انفجارٍ له كان عام ٢٠٠٠م!
لا يوجد سببٌ منطقيٌ واحد يمكن أن يمنع حدوث مثل هذه الكوارث في نفس الوقت!

علاوةً على ذلك ، ما الذي كنا سنفعلهُ، نحن سكان هذا الكوكب، لو تَواقَتَت هذه الكوارث أيضاً مع (تسونامي) هائل في آسيا، على غرار تسونامي المحيط الهندي عام 2004م الذي اعتُبر أكثر تسونامي تدميراً في التاريخ الحديث، ومع حرائقَ ضخمة تُشبه ما أُسمي بـ (يوم السبت الأسود) عام 2009م في أستراليا، ومع الفيضانات المهولة في أمريكا اللاتينية المطابقة للانهيارات الطينية الفنزويلية لعام 1999م، والجفاف العظيم في أفريقيا على غرار جفاف كينيا عام 1999م والذي أثَّرَ على 23 مليون شخص، وأخيراً، وليس آخراً، مع عاصفةٍ عارمةٍ في أوروبا تُعادل العاصفة أو (Cyclone) التي حدثت في فرنسا عام 1999م وأثرت على ما يقارب 3.5 مليون شخص؟



حسناً. ماذا لو رافقَ كل ذلك انتشارُ مرض جنون البقر وأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير التي أصابت العالم بالرعب خلال العقدين الماضيين؟

لو أن شيئاً معادلاً للسيناريو المذكور أعلاه حدث، فسيكون، حتماً، ما يُطلق عليه تعريفاً بـ (سيناريو يوم القيامة)!

ومرةً أخرى نقول، لا يوجد سببٌ منطقيٌ واحد لمنع حدوث مثل هذه الكوارث في نفس الوقت.

وفقًا للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا / NOAA)، على سبيل المثال، تَكبَّدت الولايات المتحدة عاماً قياسياً من الخسائر الناجمة عن الحرائق والأعاصير والكوارث الأخرى المتعلقة بالطقس في عام 2017م بَلغت ما مقدارهُ 306 مليار دولار.

لنتذكر مقولة الفيلسوف والشاعر العربي مصطفى صادق الرافعي قبل قرنٍ من الزمان: "تَعترِي المَصَائبُ هذا الإنسان لِتَمحوَ من نَفسِهِ الخِسَّةَ والدَّنَاءَةَ، وتَكسِرَ الشرَّ والكِبرِياء، وتَفثَأ الحِدَّةَ والطَّيش، فلا يكونُ من حُمقِهِ إلّا أن يَزيدَ بها طَيشاً وحِدَّةً، وكِبرياءً وشراً، ودناءةً وخِسَّةً، فهذه هي مُصيبةُ الإنسان، لا تلكَ... المُصيبةُ هي ما يَنشأُ في نفسِ الإنسانِ من المُصيبة."

على مدى عقودَ طويلة، تستمرُ أرضنا، ومعها كوكبنا بكل مُكوِّناتهِ، مرةً تلو الأخرى، إرسال رسائل تحثُّنا على أن نكون (متواضعين)

ولكن، يبدو أن ذلك يحدث دون جدوى.



لِنتذكَّرَ، على سبيل المثال ، يُعَدُّ بركان آيسلندا Eyjafjallajökull ، الذي اندلع عام 2010م ، واحدًا فقط من 30 بركانًا نشطًا في ذلك البلد، تسبب في شللٍ تامٍ للسفر الجوي في أوروبا. تم إلغاء أكثر من 100 ألف رحلة، وعلق ملايين الأشخاص في المطارات في جميع أنحاء القارة.

المفارقة، التي تستحقُ التفكير حتماً، أن هذا كُلّه حدث، في أوروبا، نتيجة السحابة البركانية لبُركانٍ يَبعد أكثر من 1200 ميل عن أقرب بقعة بريةٍ إلى تلك القارة.

والبركانُ المذكور واحدٌ فقط من أكثر من 1500 بركان نشط في العالم!

لا نريد أن ندخل في نقاشٍ حول ما يقوله البعض، صواباً، من أن هذه الظواهر عشوائيةٌ بحتة، وما يظنّهُ البعض الآخر، خطأً، بأنه عقابٌ وانتقامٌ وتشفٍ ونكايةٌ من الله بالناس.

وإنما الحديث هنا عن دلالةٍ أساسيةٍ، جليةٍ لا يمكن أن يختلف عليها اثنان من الناس أياً كان الاعتقاد والمذهب والخلفية الأيديولوجية والفكرية، ألا وهي الضعف البشري البالغ الذي يتجلّى بشكلٍ مهيب، ومرةً تلو الأخرى، في مثل هذه الأحداث، ومعها تلك الهشاشةُ القُصوى التي تكمنُ في أعماق هذا الإنسان الذي كثيراً ما يَحسبُ نفسه (جباراً).

فالواضحُ تماماً أن الإنسان المذكور ينسى، مراراً وتكراراً، أن مثل هذه الهشاشة وذلك الضعف الراسخين فيه هما مما لا تنفع معه أقمارٌ صناعية، ولا أجهزةٌ استخباراتية، ولا أنظمةُ استشعار، ولا تُفيد فيه آلاف الرؤوس النووية والأسلحة الفتاكة التي (يفخر) البعض بامتلاكها هنا وهناك. وتصبحُ معه كل أنواع التكنولوجيا الحديثة وعجائبها وأدواتها أشبه بـ "الخردة" التي لا تنفع لشيء.



بالعودة إلى مثال بركان آيسلندا المُعبّر، سيكون مُفيداً أن يتذكر الإنسان اليوم، في عصر كورونا، أنه لم ينفع اختراعٌ اخترعه الإنسان حتى الآن في التعامل مع ذلك الرماد البركاني الذي قطعَ آلاف الكيلومترات واستقرّ في سماء أوروبا على ارتفاع 30 ألف قدم! وأن نظام التوجيه العالمي GPS الذي كان مفخرة البشرية وأحد عجائب التكنولوجيا المعاصرة، باتَ مجرد لعبةٍ لا تصلح لتوجيه طائرةٍ واحدة، لأن الطائرة نفسها لا تستطيع، أصلاً، أن تحلّق في السماء! وأن الأساطيل الجوية الجبارة لحلف الناتو لم تستطع أن تزحزح ذرةً من غبار الرماد البركاني من مكانها، وأن الرادارات المتطورة وكل أجهزة الكمبيوتر العملاقة لم تستطع أن تجد ثغرةً يُمكنُ من خلالها إعادةُ مسافرٍ إلى أهله من لندن إلى كوبنهاغن.

وكما رأينا، يومها، أهل (الجنوب) في كوارث هايتي وإندونيسيا وأثيوبيا وغيرها ينامون على قطعة قماش في زوايا الشوارع والبيوت، رأينا أهل (الشمال) يفترشون الأرض ليلةً تلو الأخرى على قطعة قماش في زوايا المطارات المهجورة من الموظفين والعمال.

ألا يدعو كلُّ هذا البشريةَ وإنسانَها إلى شيءٍ من التواضع؟ لانقصد هنا بطبيعة الحال مئات الملايين من المسحوقين من بني البشر ليس فقط في أفريقيا وآسيا، بل وفي كل مكان آخر. وإنما نقصد الإنسان الغربي وتحديداً في أوروبا وأميركا.

ماذا يمكن لهؤلاء أن يفعلوا إذاً؟

هذا موضوعُ مقالٍ آخر.
0 تعليق 2835 قراءة
د. وائل مرزا

رئيس التحرير والمشرف العام على موقع معهد العالم للدراسات.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.