ما وراء الجهاد: نحو سيكولوجيا اجتماعيّة للمقاتلين الأجانب
[هذه هي المادّة السادسة من ملف ينشره موقع "العالم" عن المقاتلين الأجانب في الشرق الأوسط، للمادّة الأولى اضغط هنا، وللثانية هنا، وللثالثة هنا، وللرابعة هنا، وللخامسة هنا].
ملخص:
المقاتلون الأجانب ظاهرةٌ ضاربة في القدم، انطلقت موجتها الأخيرة مع ما يُسمى بالجهاد الأفغانيّ، وتتجلى، راهناً، في التحاق أعداد كبيرة بتنظيم الدولة الإسلاميّة، وبغيرة من التنظمات المسلّحة العاملة ضمن الصراع السوريّ. يسعى هذا البحث، أولًا، إلى تحديد الظاهرة مفهوميّاً، وسيقدم، ثانياً، مراجعة جزئية للأدبيات المتعلقة بالدوافع السلوكيّة المحتملة للمقاتلين الأجانب. وسيحاول، ثالثاً، أن يساهم في تنظير هذه الظاهرة من منظور سيكولوجيّ اجتماعيّ، عن طريق التوسّل بنظرية اللايقين-الهويّة ونظريّة اندماج الهويّة.
مقدمة
ظهرَ مصطلح المقاتلين الأجانب لأول مرة عام 1983، في بثّ إذاعي لوكالة الأنباء العراقيّة، تُعلن فيه أن الجيش الشعبيّ ليس بحاجة إلى "مقاتلين أجانب" أو متطوعين في مواجهته مع المجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في جنوب العراق. ثمّ ظهر بعد ذلك -وهذا هو الأهمّ- في عام 1988 في "التايمز" اللندنية، في تغطيتها للحرب الأفغانيّة ضد الاتحاد السوفياتيّ، معلنة أنّ المجاهدين بقيادة "المقاتلين الأجانب" قد حققوا النصر (Malet, 2009: 319). وفي التسعينيّات، عاود المصطلح الظهور بضع مرات في وسائل الإعلام.
ولكن، من بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان، ثم العراق، عقب 11 سبتمبر 2001، ذاعَ استخدامه واشتهر، وارتبط، على نحو كبير، بما يُسمى "الجهاد العالميّ" أو "الإرهاب الدينيّ"،i ثم انتعش المصطلح، في السنوات الأخيرة، مع موجات "الهجرة" إلى سوريّة، للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة، أو إلى غيره من التنظيمات المسلحة.ii بالرغم من هذه الأصول الإعلاميّة للمصطلح، إلا أنه قد ارتحل إلى الحقل الأكاديميّ، وتمّ اعتماده من قِبل المتخصصين لوصف هذه الظاهرة.iii
ولكن، مَن هم المقاتلون الأجانب؟ هل كلّ شخص يشترك في نزاع مسلّح خارج حدود وطنه ينطبق عليه وصف مقاتل أجنبيّ؟ أقتفي أثر توماس هايجهمر في تعريفه للمقاتلين الأجانب. فوفقاً له، المقاتل الأجنبي هو الشخص الذي ينطبق عليه الآتي:
(1) يلتحق بتمرد ما، وينشط ضمن حدوده،iv (2) ليس من مواطنين الدولة محل النزاع، وليس له صلة قرابة بأي من أطراف النزاع، (3) لا ينتسب إلى أي منظمة عسكريّة رسميّة، (4) ولا يتقاضى أجراً مقابل قتاله. تستبعد هذه المعايير، من تعريف المقاتلين الأجانب، الأنواع الأخرى لمَن يقاتلون خارج حدود أوطانهم. فالمعيار الرابع يستبعد المرتزقة الذين يتقاضون أجراً، ويقاتلون في صف من يدفع أكثر.v والمعيار الثالث يستبعد الجنود النظاميين، أصحاب الرواتب، الذين يذهبون إلى حيث يأمرهم قادتُهم. والمعيار الثاني يستبعد المتمردين المنفيين والفارين العائدين. ويستبعد المعيار الأول أولئك الذين ينفّذون عمليات فردية خارج حدود منطقة النزاعvi (Hegghammer, 2010: 57-58).vii
وبالرغم من أن ظهور مصطلح المقاتلين الأجانب قد ارتبط بما يُعرف بالجهاد الأفغانيّ في الثمانينيّات، وبغزو أفغانيستان والعراق بعد 11 سبتمبر 2001، إلا أن ذلك لا يعني أن ظاهرة المقاتلين الأجانب، نفسها، ظاهرة معاصرة.viii فديفيد ماليت قد تتبعها في 331 حرب أهليّة معروفة، وقعت في الفترة من 1816 حتى 2005، ووجد أن المقاتلين الأجانب قد وُجودوا في حوالي 67 حرباً منها، أي في حوالي 20% منها (Malet, 2009: 11).
لكن ذلك لا يمنع أنها أكثر بروزاً وشيوعا في الزمن المعاصر، وهو ما يرجع، في جزء منه، إلى العولمة وتطور وسائل النقل والاتصال. وبالطبع، هي ليست ظاهرة إسلاميّة حصراً، ولكنّ المقاتلين الأجانب المسلمين هم الموجة الراهنة من موجات المقاتلين الأجانب، وهي الموجة التي مثّلَ الجهاد الأفغانيّ انطلاقتها،ix بينما قبلها كان ثمة موجات غير إسلاميّة، بل غير دينيّة حتى، كالمقاتلين الأجانب الأناركيين في صدر القرن العشرين، ثم الشيوعيين، والثوريين التحريرين.
ولقد صنّف ماليت المقاتلين الأجانب على أساس عاملين: مشاركة المقاتلين الأجانب في الهوية الإثنية نفسها لمن يقاتلون في صفهم، وطبيعة الصراع نفسه، هل هي إثنية أم لا، إلى أربعة أنماط:
أ) أفراد الشتات: مقاتلون إثنيون في صراعات إثنيّة؛
ب) التحريريون: مقاتلون غير إثنيين في صراعات إثنيّة؛
ج) الغزاة المعتدون: مقاتلون إثنيون في صراعات غير إثنيّة؛
د) المؤمنون حقاً: مقاتلون غير إثنيين في صراعات غير إثنيّة (وإليهم ينتمي المقاتلون الأجانب المسلمون في أفغانستان والشيشان والعراق سابقاً، وفي سوريّة راهناً).
ومن بين الأنماط الأربعة، فإنّ النمط الأخير هو النمط الأكثر حضوراً، فمعظم الصراعات التي ظهر فيها المقاتلون الأجانب كانت صراعات غير إثنيّة (Malet, 2009: 57-60). ومن ثمّ، عندما نتحدث عن المقاتلين الأجانب، فنحن نقصد في المقام الأول هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين يسافرون للقتال إلى جانب من لا ينتمون إليهم إثنيّاً في صراعات غير إثنية.
والسؤال هنا: لماذا المقاتلون الأجانب؟ ما الذي يدفع شخص إلى السفر للقتال في بلد آخر، معرّضاً نفسه للمهالك؟ لا يطمح هذا البحث، بالطبع، إلى تقديم إجابة شافية (إذا كان ثمّة إجابة واحدة) على هذا السؤال، وإنّما يحاول أن يساهم، عبر منظور سيكولوجيّ اجتماعيّ، في تنظير هذه الظاهرة، متوسّلاً بنظرية اللايقين-الهويّة، وبنظرية اندماج الهوية. وأحاجج بأنّه من الممكن فهم دوافع المقاتلين الأجانب على نحو أفضل بالتركيز على سيرورات الهويّة الاجتماعيّة، والتوحد مع الجماعة، واندماج الهوية، والصراع بين الجماعات، عوضاً عن التركيز على الجوانب المتعلقة بسمات الشخصيّة والسياق الاقتصاديّ والاجتماعيّ. يعرّج البحث، في القسم التالي، على أهم الدوافع المحتملة، أو غير المحتملة بالأحرى، للمقاتلين الأجانب، المتناولة في أغلب الأدبيّات. ثم يتناول في القسم الذي يليه السيرورات السيكولوجيّة-الاجتماعيّة التي يمكن تنظير الظاهرة على أساسها على نحو أفضل.
الدوافع (غير) المحتملة للمقاتلين الأجانب: نظرة عامة
ما الذي يدفع شخصاً ما للانضمام إلى تنظيم كالدولة الإسلاميّة أو القاعدة أو الألوية الحمراء أو الجيش الأحمر؟ أو، ما الذي يدفع شاباً فلسطينياً لتفجير نفسه في حافلة إسرائيليّة؟ كونه شخصاً غير سوي نفسيّاً، ومريضاً ببساطة. بالرغم من سخافة هذه الإجابة، إلا أنها تحظى بقدر من الرواج لسببين: الأول، أنها إجابة سهلة وحاسمة وبالتالي "مريحة" للناس العاديين. فمن يسافر ليلقى حتفه في سوريا ليس سوى شخص "غير طبيعيّ". أما الثاني، فمتعلق بالسلطة السياسيّة؛ فالدولة تريد أن تنزع أي شرعيّة عمّن تسمّيهم "إرهابيين"، فتروّج للقول بأنهم لاعقلانيون بالقدر الكافي.
ومن ثمّ، لا يصلح معهم تفاوض ولا حوار، وإنما العنف هو الطريقة الوحيدة للتعامل معهم. ولقد وجدت هذه الحجّة صدى لها في الحقل الأكاديميّ، وحاول البعض، عبثاً، أن ينجز "بروفايل" نفسيّاً لـ"الإرهابيّ". ولكن تم دحضها إمبريقيّاً على نحو شبه كامل (Atran, 2003; Webber & Kruglanski, 2018; Victoroff, 2005: 12-14).
ومن ثمّ، لا يصلح معهم تفاوض ولا حوار، وإنما العنف هو الطريقة الوحيدة للتعامل معهم. ولقد وجدت هذه الحجّة صدى لها في الحقل الأكاديميّ، وحاول البعض، عبثاً، أن ينجز "بروفايل" نفسيّاً لـ"الإرهابيّ". ولكن تم دحضها إمبريقيّاً على نحو شبه كامل (Atran, 2003; Webber & Kruglanski, 2018; Victoroff, 2005: 12-14).
إذا كان المقاتلون الأجانب (كما "الإرهابيون") أشخاصاً طبيعيين، وأسوياء نفسيّاً، وعقلاء، تماماً كباقي الناس، فما الذي يدفعهم إذن؟ ربما ما يدفعهم هو نقيض الحجة السابقة: قرار المقاتلين الأجانب (وبحسب نظريات الخيار العقلاني ذات الأصول الاقتصاديّة)، مبنيّ على قرار عقلانيّ، واعٍ، ومحسوب: الالتحاق بالصراع يعود على المقاتل الأجنبي بمنافع تفوق الخسائر التي يمكن أن تترتب عليه. ولكن ما هي هذه المنافع بالضبط؟ وفقا لنموذج "المظلوميّة والطمع" (Collier & Hoeffler, 2004) الشهير لتحليل الحرب الأهليّة، فهناك دافعان أساسّيان للانخراط في الحرب الأهلية: الأول (وهو الذي تقول به العلوم السياسيّة) هو المظلوميّة: ينخرط الأفراد في تمرّد عنيف عندما يتعرضون لقدر بالغ الحدّة من الظلم والقهر والإقصاء. بينما الثاني (وهو الذي تقول به العلوم الاقتصاديّة) هو الطمع: ينخرط الأفراد في تمرد عنيف عندما يمثل فرصة لمضاعفة المكاسب المادية.
ويحاجج كولير وهويفلر بأنّ العوامل الاقتصاديّة (الطمع)، وليس العوامل السياسية والاجتماعية (المظلومية)، هي التي تمثل الدافع الأساس للحرب الأهليّة (لنقدٍ انظر، Bensted, 2011; Nathan, 2012). هل يسوغ القول، إذاً، بأنّ دوافع المقاتلين الأجانب تدور، هي الأخرى، بين المظلومية والطمع، والطمع تحديداً وفقاً لهذا النموذج؟ من العسير القول بذلك على نحو صريح.
فمن ناحية، المقاتلون الأجانب ليسوا من مواطني الدولة التي يدور فيها الصراع، ومن ثمّ، لا يتعرضون لظلم أو لقهر مباشر قد يدفعهم للانخراط في الصراع. ومن ناحية ثانية، لا يتمّ وعد المقاتلين الأجانب بأية مكاسب أو امتيازات ماديّة أو سياسيّة ذات بال، خاصّة إذا أخذنا في الاعتبار أنهم يقاتلون، غالباً، في صف الطرف الضعيف من طرفيْ الصراع. ناهيك عن أنّ معظم هذه الصراعات تدور رحاها في مناطق فقيرة أو مدمرة، ومن ثمّ، لا توجد فرصٌ معتبرة لنهب المواردx (Malet, 2009: 19-20; Hegghammer, 2010: 64).
ويحاجج كولير وهويفلر بأنّ العوامل الاقتصاديّة (الطمع)، وليس العوامل السياسية والاجتماعية (المظلومية)، هي التي تمثل الدافع الأساس للحرب الأهليّة (لنقدٍ انظر، Bensted, 2011; Nathan, 2012). هل يسوغ القول، إذاً، بأنّ دوافع المقاتلين الأجانب تدور، هي الأخرى، بين المظلومية والطمع، والطمع تحديداً وفقاً لهذا النموذج؟ من العسير القول بذلك على نحو صريح.
فمن ناحية، المقاتلون الأجانب ليسوا من مواطني الدولة التي يدور فيها الصراع، ومن ثمّ، لا يتعرضون لظلم أو لقهر مباشر قد يدفعهم للانخراط في الصراع. ومن ناحية ثانية، لا يتمّ وعد المقاتلين الأجانب بأية مكاسب أو امتيازات ماديّة أو سياسيّة ذات بال، خاصّة إذا أخذنا في الاعتبار أنهم يقاتلون، غالباً، في صف الطرف الضعيف من طرفيْ الصراع. ناهيك عن أنّ معظم هذه الصراعات تدور رحاها في مناطق فقيرة أو مدمرة، ومن ثمّ، لا توجد فرصٌ معتبرة لنهب المواردx (Malet, 2009: 19-20; Hegghammer, 2010: 64).
الحجاج السابق ذو صلة، بدرجة أو بأخرى، بالحجّة الشائعة التي تقول إنّ "الإرهابيين" عامة قادمون من طبقات اجتماعيّة فقيرة ومهمشة وغير متعلمة. وما انخراطهم في النشاطات "الإرهابيّة"، وفقا لفرضيتيْ الإحباط- العدوان، والحرمان-النسبيxi (Berkowitz, 1989; Gurr, 1970)، إلا ردّة فعل لمعاناتهم، وإحباطهم، وحرمانهم. لقد تمّ الربط بين هذا "الهابيتوس المحروم"، بتعبير آصف بيات، وبين دعم الجماعات الإسلامويّة الراديكاليّة والانضمام إليها، وهو الأمر الذي أبان بيات أنه محض أسطورة سياسيّة ومدينيّة (Bayat, 2007). يتفق استنتاج بيّات هذا مع ما خلص إليه جيمس بايزا، من تحليله الإحصائيّ للعمليات الإرهابية التي وقعت في 96 دولة من 1986 إلى 2002، حيث وجد أنّه، وضدّاً على الرأي الشائع، ليس ثمة علاقة ذات بال بين أيّ من مؤشرات النمو الاقتصاديّ والإرهاب (Piazza, 2006). على الضد أيضاً من هذه الحجة، وفيما يتعلق بمسألة التعليم، أبان جامبيتا وهيرتوج، إمبريقيّاً عن أنّ معظم "الراديكالين الإسلاميين" في الشرق وفي الغرب متعلمون جيّداً، ويكثر فيهم أصحاب التخصصات العلميّة، وبالأخص الهندسة (Gambetta & Hertog, 2016).
فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب، ينسج ريك كولسايت على المنوال نفسه، مدّعياً، ببساطة، أنه يمكن تصنيف الأوروبيين الذين يسافرون إلى سوريّة راهناً إلى مجموعتين: الأولى تتكون من أفراد هم جزء من "عصابات الشوراع". أما الثانية، فهي "مجموعة أكثر ضبابيّة، تتكون من أفراد تحركهم دوافع شخصية وعمريّة شتى" (Coolsaet, 2016: 21). ليس المقاتلون الأجانب، إذاً، وفقا لكولسايت، سوى مجرمين صغار، عوض الاستمرار في اقتراف السرقات الصغيرة وترويج المخدرات في شوارع أوروبا، قرروا الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلاميّة الذي وجدوا فيه "سوبر عصابة" جذابة للغاية (Coolsaet, 2016: 21). بالرغم من أن كولسايت ينطلق، نظريّاً، من تبصّرات أوليفيه روا المعتبرة حول الراديكاليّة الإسلامويّة الراهنة في الغرب،xii إلا أنه، وكما يقول داوسون وأماراسينجام، "لم يقدم أيّة أدلة إمبريقيّة، ولا حتى أيّة بيانات أولية تدعم رأيه" القائل إنّ المقاتلين الأجانب مجرد أعضاء في عصابات شوارع صغيرة قرروا الانضمام إلى عصابة أكبر وأنجح (Dawson & Amarasingam, 2017: 196).
وبعيداً عن النظر إلى المقاتلين الأجانب بوصفهم مُعْدمين وغير متعلمين أو، وهو الأنكى، بوصفهم مجرد مجرمين صغار، صنّف جون فينهاوس، معتمداً على حواراته مع حوالي 2000 مقاتل أجنبي (في صفوف تنظيم القاعدة تحديداً)، المقاتلين الأجانب، حسب دوافعهم، إلى أربعة أصناف:
أ) الباحثون عن الانتقام: المحبطون، الغاضبون، الباحثون عن عدوّ ما يمكن تحميله وزر كل معانتهم. ويكثر هذا الصنف، بحسبه، بين المقاتلين القادمين من بلدان الشرق الأوسط؛
ب) الباحثون عن المكانة: الذين لا يشعرون بالاحترام والتقدير في مجتمعاتهم. ويكثر هذا الصنف، بحسبه، بين المقاتلين القادمين من الغرب ولكنهم مهاجرون من أصول غير غربية؛
ج) الباحثون عن الهوية: الباحثون عن الانتماء إلى شيء ذي معنى، يعرّفون أنفسهم بوصفهم جزءاً منه.
د) الباحثون عن الإثارة: الباحثون عن المغامرة وتحقيق البطولات والأمجاد. الالتحاق بالقاعدة أو بالدولة الإسلامية، بالنسبة إليهم، أشبه بالانضمام إلى فيلم رعب مشوق يخوض فيه البطل مغامرات يشيب لها الولدان. وهو الصنف الأقل شيوعاً، بحسبه؛ إذ يمثل أقل من 5% من المقاتلين الأجانب (Venhaus, 2010: 8-11).
ومن بين هذه الأصناف الأربعة، الصنف الثالث: الباحثون عن الهوية، هو الصنف الأهمّ، من وجهة نظري، وهو الذي له علاقة وطيدة بحجاج هذا البحث (تماماً كالصنف الرابع، في تصنيف ديفيد ماليت: المؤمنون الصادقون)، كما سيتبين فيما يلي.
المقاتلون الأجانب: مقاربة سيكولوجيّة اجتماعيّة
كيف يصبح شخص ما مقاتلاً أجنبيّاً؟ بالطبع قرار السفر للقتال خارج الوطن ليس من القرارات التي يتم اتخاذها بين عشيّة وضحاها، إنها عملية مركبة وديناميكيّة يكون قرار السفر بمثابة نتيجة لها أو آخر مرحلة فيها. تُعرَف هذه العملية عامة بـ"سيرورة الرّدْكلة". ومفهوم الردّكلة، أي التحول إلى الراديكاليّة (مثله مثل مفاهيم الإرهاب والتطرف والأصوليّة) مفهوم إشكاليّ ومشوش جداً، وذو طبيعة سياسيّة وأمنيّة دولتيّة أكثر من كونه محض مفهوم تحليليّ. وبالطبع، ليس له تعريف واحد متفق عليه (للإشكالات المحيطة بمفهوم الردّكلة انظر: Sedgwick, 2010، ولمناقشة ومراجعة مفهومية انظر Schmid, 2013).
وتشير الدلالة العامة له إلى تغير موقف المرء و/أو سلوكه تجاه استخدام العنف كوسيلة سياسية، من الرفض إلى القبول. ومسارات هذه العملية وميكانيزماتها متناولة باستفاضة، وعبر مقاربات مختلفة، في الأدبيّات (على سبيل المثال، MacCauley, 2008; Moghaddam, 2005; Webber & Kruglanski, 2017, 2018؛ ولمراجعة انظر، King & Taylor, 2011; Borum, 2011; Dalgaard-Nielsen, 2010).
لا يروم هذا البحث مراجعة الأدبيات التي تأخذ على عاتقها فحص سيرورة الرّدكلة، ولا أن يطرح سيرورة جديدة، وإنما كل همّه أن يأخذ الظاهرة خارج إطار دراسات الإرهاب والعنف السياسيّ الضيق، محاولاً مَفْهمتها باستخدام مقاربة سيكولوجيّة اجتماعيّة أكثر وساعة.
وتشير الدلالة العامة له إلى تغير موقف المرء و/أو سلوكه تجاه استخدام العنف كوسيلة سياسية، من الرفض إلى القبول. ومسارات هذه العملية وميكانيزماتها متناولة باستفاضة، وعبر مقاربات مختلفة، في الأدبيّات (على سبيل المثال، MacCauley, 2008; Moghaddam, 2005; Webber & Kruglanski, 2017, 2018؛ ولمراجعة انظر، King & Taylor, 2011; Borum, 2011; Dalgaard-Nielsen, 2010).
لا يروم هذا البحث مراجعة الأدبيات التي تأخذ على عاتقها فحص سيرورة الرّدكلة، ولا أن يطرح سيرورة جديدة، وإنما كل همّه أن يأخذ الظاهرة خارج إطار دراسات الإرهاب والعنف السياسيّ الضيق، محاولاً مَفْهمتها باستخدام مقاربة سيكولوجيّة اجتماعيّة أكثر وساعة.
ما أحاجج عنه، هنا، هو أنّه من بين مختلف المراحل التي يمكن أن يمرّ بها المرء حتى يغدو مقاتلاً أجنبيّاً تمثل مرحلة الارتباط بجماعة بعينها المرحلة الأهمّ. وهي المرحلة التي يسميها فيبر وكروجلانسكي في نموذجيهما الثلاثيّ للرّدكلةxiii بـ"الشبكة الاجتماعية" (Webber& Kruglanski, 2017, 2018)، وهي التي يسميها لينديكايلد وزملاؤه بـ"بيئة الردّكلة" (Lindekilde et al., 2016). والسؤال هنا ذو مستويات ثلاثة: ما الذي يدفع المرء للارتباط بجماعة ما، أيّة جماعة؟ ولماذا يرتبط بجماعة بعينها من بين مختلف الجماعات -جماعة تأخذه إلى القتال في سوريّة في حالتنا هذه؟ ولماذا يكون المرءُ مستعداً للموت من أجل هذه الجماعة؟
3-1. الانتماء للجماعة: ثلاث فرضيات
فيما يتعلّق بالمستوى الأول، ومن منظور السيكولوجيا الاجتماعيّة، ثمة ثلاث فرضيات أساسيّة تحلل دافع الأفراد للانتماء للجماعات،xiv (Hogg et al., 2008)، تُعرف الأولى بـ"فرضية المقياس الاجتماعيّ"xv (Leary & Baumeister, 2000)، وفكرتها الأساسية كالآتي: من الأنفع للمرء، تطوريّاً، أن يكون منتمياً لجماعة ما، أي أن يكون بينه وبين مجموعة من الأفراد روابط اجتماعية قويّة،xvi ومن ثمّ، تطور لدى الأفراد حساسيات تجاه درجة قبولهم أو نبذهم من طرف الآخرين في جماعته. يشعر الفرد بالراحة والرضا والثقة في النفس عندما يرى أنّه مقبول من قبل الآخرين، ويشعر بالقلق والألم وفقدان الثقة عندما يرى أنّه منبوذ من قِبلهم.
الوسيلة التي يقيس بها المرء، إذاً، درجة قبوله أو نبذه من طرف الآخرين هي ما يُسمّى بـ"تقدير الذات"،xvii كلما شعر المرء بتقدير عالٍ لذاته كلما علم أنه مقبول من قبل الآخرين، والعكس صحيح. وظيفة تقدير الذات هي، بالتالي، "قياس جودة وصحة علاقات المرء الشخصيّة، وجودة وصحة عضويته في الجماعة" (Hogg et al., 2008: 1271). وبناءً عليه، فإن الأفراد مدفوعون إلى الانتماء لجماعة حتى يتجنبوا ألم الشعور بالنبذ (انخفاض تقدير الذات)، وحتى يتمتعوا بلذة الشعور بالقبول والانتماء (علوّ تقدير الذات).
الوسيلة التي يقيس بها المرء، إذاً، درجة قبوله أو نبذه من طرف الآخرين هي ما يُسمّى بـ"تقدير الذات"،xvii كلما شعر المرء بتقدير عالٍ لذاته كلما علم أنه مقبول من قبل الآخرين، والعكس صحيح. وظيفة تقدير الذات هي، بالتالي، "قياس جودة وصحة علاقات المرء الشخصيّة، وجودة وصحة عضويته في الجماعة" (Hogg et al., 2008: 1271). وبناءً عليه، فإن الأفراد مدفوعون إلى الانتماء لجماعة حتى يتجنبوا ألم الشعور بالنبذ (انخفاض تقدير الذات)، وحتى يتمتعوا بلذة الشعور بالقبول والانتماء (علوّ تقدير الذات).
هل يمكن القول، إذاً، إنّ الفرد قد ينتمي إلى الجماعة التي ستجعل منه مقاتلاً أجنبياً تحت وطأة الرغبة في الشعور بتقدير الذات؟ من المحتمل ذلك، وهو الأمر الذي يدعمه، بدرجة أو بأخرى، تنظير فيبر وجروكلانسكي. فالعامل الأول للردكلة، وفقاً لهما، وهو "الاحتياج"، يتمحور حول ما يُسمى "البحث عن الاعتبار وعلو الشأن"، عندما يتعرض المرء لظروف من شأنها أن تثير عنده هذا الدافع، وهي الظروف التي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف واسعة: الظروف التي يفقد فيها المرء اعتباره وشأنه؛ أو التي يكون مهددا فيها بفقدانهما؛ أو التي تتيح له فرصة اكتساب المزيد منهما (Webber & Kruglanski, 2017)، يكون مدفوعاً للانضمام إلى جماعة ما، وهو انضمام من شأنه أن يلبّي لديه هذه الحاجة إلى الشعور بالاعتبار وعلوّ الشأن.
أما الفرضية الثانية، فتعرف بـ"نظرية إدارة الهلع"xviii (Pyszczynski et al., 2004)، وفكرتها الأساسية كالآتي: يتميز البشر عن غيرهم بقدرتهم على التدبر في موتهم، في كونهم كائنات فانية، ولكن وعي المرء التامّ بفنائه من شأنه أن يفتح الإمكانية لأن يُصاب بـ"هلع مُشلّ"، ولكي يتفادي البشر الوقوع في حالة الهلع هذه يعمدون إلى إنتاج رؤى ثقافيّة للعالمxix من شأنها أن تحميهم من رعب الفناء هذا، عن طريق وعدهم بضرب من الخلود الماديّ أو المجازيّ. رؤية العالم هذه يتم تجسيدها وتوكيدها وتعزيزها عبر مؤسسات ثقافيّة.
ووظيفة تقدير الذات، هنا، هي قياس درجة ارتباط المرء بهذه المؤسسات الثقافية. فكلما ارتفعَ تقدير الذات كلما دلّ ذلك على قوة الارتباط بها، والعكس صحيح. تقدير الذات هو، بالتالي، ميكانيزم سيكولوجيّ يحدد عبره المرء مدى التزامه برؤية العالم التي يتبناها ومدى التزامه بالقيم التي تطرحها. وهذا الالتزام هو الذي يؤمن المرء من القلق الوجودي النابع عن الخوف من الموت. المرء مدفوع للانتماء لجماعة، إذاً، حتى يكون في علاقات مع أفراد يؤكدون له صحّة رؤيته للعالم وصحة قيمه التي يعيش بها؛ هذا التوكيد من شأنه أن يكسب حياته المعنى والنظام والاستمراريّة، وهو ما يجعله في مأمن من القلق الوجودي.xx
ووظيفة تقدير الذات، هنا، هي قياس درجة ارتباط المرء بهذه المؤسسات الثقافية. فكلما ارتفعَ تقدير الذات كلما دلّ ذلك على قوة الارتباط بها، والعكس صحيح. تقدير الذات هو، بالتالي، ميكانيزم سيكولوجيّ يحدد عبره المرء مدى التزامه برؤية العالم التي يتبناها ومدى التزامه بالقيم التي تطرحها. وهذا الالتزام هو الذي يؤمن المرء من القلق الوجودي النابع عن الخوف من الموت. المرء مدفوع للانتماء لجماعة، إذاً، حتى يكون في علاقات مع أفراد يؤكدون له صحّة رؤيته للعالم وصحة قيمه التي يعيش بها؛ هذا التوكيد من شأنه أن يكسب حياته المعنى والنظام والاستمراريّة، وهو ما يجعله في مأمن من القلق الوجودي.xx
وأيضاً يمكن المحاججة هنا بأنّ الفرد قد ينتمي إلى الجماعة التي ستجعل منه مقاتلاً أجنبيّاً تحت وطأة الرغبة في توكيد رؤيته للعالم وتوكيد قيمه التي يعيش بها، ومن ثمّ وهب حياته قدر من المعنى والنظام والاستمرارية أي قدر من الأمان الوجودي.
أما الفرضية الثالثة، وهي الأهم هنا، فتُعرف بـ"نظرية اللايقين-الهويّة" (Hogg, 2007). وفكرتها الأساسية كالآتي: ليس الدافع الأساسيّ للانتماء إلى الجماعات هو رفع تقدير الذات ولا خفض القلق الوجوديّ، وإنما هو تقليل الشعور باللايقين فيما يتعلق بأنفسنا وبالعالم الذي نعيش فيه (Hogg et al., 2008). يبني مايكل هوج نظريته هذه على نظريّات الهوية الاجتماعية ( Hogg, 2016)، وتصنيف الذاتxxi (Turner et al., 1987)، والارتباط النفسي/التوحد مع الجماعةxxii (Abrams & Hogg, 1990).
وبالتالي هي نظرية مرتبطة بمسألة الهوية تحديداً، إنها تركز على الوظيفة الهوياتيّة للجماعة؛ الجماعة بوصفها مُحدِداً للهوية، فنحن ننتمي للجماعة حتى نحدد لأنفسنا، وللآخرين، من نحن بالضبط. وتنطلق النظرية من المقدمة الآتية: شعور المرء بعدم اليقين فيما يتعلق بتصوراته ومواقفه وقيمه ومشاعره وسلوكياته شعور غير مريح بل مؤلم، ومن ثمّ المرء مدفوع للتقليل منه قدر المستطاع.xxiii فنحن "نكون مدفوعين، على نحو مخصوص، لتقليل اللايقين، إذا ما شعرنا في سياقات بعينها باللايقين فيما يتعلق بالأشياء التي لها صلة بالذات أو لها تأثير عليها، أو إذا شعرنا باللايقين فيما يتعلق بالذات نفسها، فيما يتعلق بهويتنا، وبمن نحن ... إن الناس يريدون أن يعرفوا من هم وكيف يتصرفون وكيف يفكرون، ومن هم الآخرون وكيف يتصرفون وكيف يفكرون" (Hogg, 2007: 73).
ولكن كيف يمكن للمرء أن قّلل من لايقينه هذا، خاصة لايقينه المتعلق بذاته؟ تجادل نظرية اللايقين-الهويّة بأن الانتماء لجماعة والتوحد معها واحدة من أكثر الوسائل نجاعة وفاعلية لتقليل هذا اللايقين. ولكن كيف للجماعة أن تلعب هذا الدور؟ وفقاً لنظرية التصنيف الاجتماعيّ، فإنّ كل جماعة بشرية هي صنف اجتماعيّ يتم تَمثّله معرفيّاً في صورة نموذج بدئي.xxiv يُجسّد هذا النموذج البدئي كلّ السمات المحددة لهذا الصنف الاجتماعيّ، والتي تميزها عن الجماعات الأخرى في سياقٍ بعينه.
فـ"النموذج البدئي الذي يحمله المرء عن جماعة ما يمكنه أن يصف تصورات أعضاء هذه الجماعة ومعتقداتهم ومواقفهم وقيمهم ومشاعرهم وسلوكياتهم" (Hogg, 2007: 79). وعندما يرتبط المرء نفسيّاً مع جماعة ما -أو قل عندما يتوحد معها-، فإن ذلك يعنى أنه أصبح يعرّف نفسه، بوصفه فرداً من أفراد هذه الجماعة، "ويترتب على عملية تصنيف الذات هذه أن المرء يصبح فعليّاً يرى ذاته والعالم من خلال عدسة النموذج البدئي لهذه الجماعة؛ أي إنّ تصورات المرء ومواقفه ومشاعره وسلوكياته يتمّ تشكيلها وإملائها بواسطة النموذج البدئي للجماعة" (Hogg et al., 2008: 1274).
عندما يشعر المرء باللايقين حيال ذاته وهويته يلجأ إلى الانضمام لجماعة ما ويتوحد معها، ومن ثمّ، يجد في نموذجها البدئيّ ما يحدد له من هو، وكيف يتعين عليه أن يفكر ويتصرف. ويحدد له أيضاً، بدرجة أو بأخرى، من هم الآخرون وكيف يفكرون ويتصرفون (بوصفهم منتمين لجماعات أخرى، لنماذج بدئية أخرى متمايزة عن نموذج جماعته)، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تقليل شعوره المؤلم باللايقين.
وبالتالي هي نظرية مرتبطة بمسألة الهوية تحديداً، إنها تركز على الوظيفة الهوياتيّة للجماعة؛ الجماعة بوصفها مُحدِداً للهوية، فنحن ننتمي للجماعة حتى نحدد لأنفسنا، وللآخرين، من نحن بالضبط. وتنطلق النظرية من المقدمة الآتية: شعور المرء بعدم اليقين فيما يتعلق بتصوراته ومواقفه وقيمه ومشاعره وسلوكياته شعور غير مريح بل مؤلم، ومن ثمّ المرء مدفوع للتقليل منه قدر المستطاع.xxiii فنحن "نكون مدفوعين، على نحو مخصوص، لتقليل اللايقين، إذا ما شعرنا في سياقات بعينها باللايقين فيما يتعلق بالأشياء التي لها صلة بالذات أو لها تأثير عليها، أو إذا شعرنا باللايقين فيما يتعلق بالذات نفسها، فيما يتعلق بهويتنا، وبمن نحن ... إن الناس يريدون أن يعرفوا من هم وكيف يتصرفون وكيف يفكرون، ومن هم الآخرون وكيف يتصرفون وكيف يفكرون" (Hogg, 2007: 73).
ولكن كيف يمكن للمرء أن قّلل من لايقينه هذا، خاصة لايقينه المتعلق بذاته؟ تجادل نظرية اللايقين-الهويّة بأن الانتماء لجماعة والتوحد معها واحدة من أكثر الوسائل نجاعة وفاعلية لتقليل هذا اللايقين. ولكن كيف للجماعة أن تلعب هذا الدور؟ وفقاً لنظرية التصنيف الاجتماعيّ، فإنّ كل جماعة بشرية هي صنف اجتماعيّ يتم تَمثّله معرفيّاً في صورة نموذج بدئي.xxiv يُجسّد هذا النموذج البدئي كلّ السمات المحددة لهذا الصنف الاجتماعيّ، والتي تميزها عن الجماعات الأخرى في سياقٍ بعينه.
فـ"النموذج البدئي الذي يحمله المرء عن جماعة ما يمكنه أن يصف تصورات أعضاء هذه الجماعة ومعتقداتهم ومواقفهم وقيمهم ومشاعرهم وسلوكياتهم" (Hogg, 2007: 79). وعندما يرتبط المرء نفسيّاً مع جماعة ما -أو قل عندما يتوحد معها-، فإن ذلك يعنى أنه أصبح يعرّف نفسه، بوصفه فرداً من أفراد هذه الجماعة، "ويترتب على عملية تصنيف الذات هذه أن المرء يصبح فعليّاً يرى ذاته والعالم من خلال عدسة النموذج البدئي لهذه الجماعة؛ أي إنّ تصورات المرء ومواقفه ومشاعره وسلوكياته يتمّ تشكيلها وإملائها بواسطة النموذج البدئي للجماعة" (Hogg et al., 2008: 1274).
عندما يشعر المرء باللايقين حيال ذاته وهويته يلجأ إلى الانضمام لجماعة ما ويتوحد معها، ومن ثمّ، يجد في نموذجها البدئيّ ما يحدد له من هو، وكيف يتعين عليه أن يفكر ويتصرف. ويحدد له أيضاً، بدرجة أو بأخرى، من هم الآخرون وكيف يفكرون ويتصرفون (بوصفهم منتمين لجماعات أخرى، لنماذج بدئية أخرى متمايزة عن نموذج جماعته)، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تقليل شعوره المؤلم باللايقين.
مقارنةً بالفرضتيتين السابقتين، يمكن المحاججة بأنّ هذه السيرورة هي الأكثر احتمالاً كدافع لانضمام الفرد إلى الجماعة التي ستجعل منه مقاتلاً أجنبيّاً. ينتمي الفرد إلى هذه الجماعة في سياقات يشعر فيها بدرجة عالية من اللايقين حيال ذاته وهويته، حيال تصوراته عمن هو وعمّا ينبغي عليه فعله، ومن ثمّ ينضم لهذه الجماعة ويتوحد معها لتخفيف ألم اللايقين هذا.
تجد هذه الفرضية دعماً إمبريقيّاً فيما خلصَ إليه لينديكايلد وزملاؤه من حوراتهم مع مجموعة من المقاتلين الأجانب الدانماركيين العائدين من سوريّة: "إن القوة المحركة المركزية في الحالات التي درسناها هي الشعور بتهديد ثباتية العيش،xxv وهو ما أنتج شعوراً باللايقين حيال الذات، ومن ثمّ، حفّز على البحث عما يزيد من تلك الثباتيّة ويقلل من هذا اللايقين" (Lindekilde et al., 2016: 871؛ التشديد مني).
وتجد أيضاً ما يدعمها في تصنيف فيناهوس، المذكور آنفاً، لدوافع المقاتلين الأجانب، المبني على حوارته مع عينة من حوالي 2000 مقاتل أجنبيّ. فالبحث عن الهوية هو، بحسبه، أحد أهم الدوافع الأربعة الأساسيّة للمقاتلين الأجانب. يقول: "... لقد أرادوا أن يفهموا من هم، وما هي أهميتهم، وما الذي ينبغي أن يكون عليه دورهم في هذا العالم. إن لديهم حاجة غير ملبّاة لتعريف أنفسهم" (Venhaus, 2010: 8؛ التشديد مني).
تجد هذه الفرضية دعماً إمبريقيّاً فيما خلصَ إليه لينديكايلد وزملاؤه من حوراتهم مع مجموعة من المقاتلين الأجانب الدانماركيين العائدين من سوريّة: "إن القوة المحركة المركزية في الحالات التي درسناها هي الشعور بتهديد ثباتية العيش،xxv وهو ما أنتج شعوراً باللايقين حيال الذات، ومن ثمّ، حفّز على البحث عما يزيد من تلك الثباتيّة ويقلل من هذا اللايقين" (Lindekilde et al., 2016: 871؛ التشديد مني).
وتجد أيضاً ما يدعمها في تصنيف فيناهوس، المذكور آنفاً، لدوافع المقاتلين الأجانب، المبني على حوارته مع عينة من حوالي 2000 مقاتل أجنبيّ. فالبحث عن الهوية هو، بحسبه، أحد أهم الدوافع الأربعة الأساسيّة للمقاتلين الأجانب. يقول: "... لقد أرادوا أن يفهموا من هم، وما هي أهميتهم، وما الذي ينبغي أن يكون عليه دورهم في هذا العالم. إن لديهم حاجة غير ملبّاة لتعريف أنفسهم" (Venhaus, 2010: 8؛ التشديد مني).
في سياقات حياتيّة معيّنة، إذاً، يشعر الفرد بألم اللايقين حيال ذاته وهويته فيعمد، بغرض تقليل لايقينه هذا، إلى الانضمام إلى جماعة ما، والتوحد معها (ليصير في الحالة التي بين أيدينا مقاتلا أجنبيا). ولكن يجابهنا هنا سؤالان: الأول، هل كل من يشعر باللايقين يفعل ذلك؟ بالطبع لا، فالأفراد يختلفون فيما بينهم فيما يتعلق بدرجة احتمالهم للشعور باللايقينxxvi (Sorrentino & Roney, 1999). ومن ثمّ، فإن أفراداً قد يجمعهم السياق نفسه، والظروف نفسها، ويشعرون بدرجة اللايقين نفسها، لكن بعضهم يكون أقل احتمالاً لهذا الشعور من البعض الآخر. وبالتالي فإن احتمالية ابتغاء الانضمام لجماعة والتوحد معها تزيد في حالة هؤلاء عنها في حالة أولئك الأكثر احتمالاً للشعور باللايقين.
أمّا السؤال الثاني فهو: لماذا انضمّ الفرد، إلى هذه الجماعة بالذات من بين كل الجماعات التي يمكن أن تكون متاحة له، والتي قد تساعده على تقليل لايقينه؟ لماذا لم ينضم إلى ألتراس مشجعي نادي رياضي ما على سبيل المثال، أو إلى منظمة غير حكوميّة، أو إلى حزب سياسي ليبراليّ؟ هذا هو المستوى الثاني من سؤالنا ذي المستويات الثلاثة.
أمّا السؤال الثاني فهو: لماذا انضمّ الفرد، إلى هذه الجماعة بالذات من بين كل الجماعات التي يمكن أن تكون متاحة له، والتي قد تساعده على تقليل لايقينه؟ لماذا لم ينضم إلى ألتراس مشجعي نادي رياضي ما على سبيل المثال، أو إلى منظمة غير حكوميّة، أو إلى حزب سياسي ليبراليّ؟ هذا هو المستوى الثاني من سؤالنا ذي المستويات الثلاثة.
3-2. ما الذي يجعل التطرف مغريّاً؟
ما الذي يجعل الفرد يؤثر جماعة على أخرى؟ بشكل عام، يفضل الناس الجماعة ذات الرتبة الاجتماعيّة الأعلى على من دونها. ولكن عندما يكون دافع الانضمام لجماعة والتوحد معها هو تقليل اللايقين، يمكن لهذا التفضيل العام أن يتغير، بمعنى أن معيار التفضيل يتغير من علو الرتبة إلى شيء آخر، فما هو؟ إنها درجة "الكيانيّة"،xxvii تزداد جاذبية الجماعة كلما زادت درجة كيانيتها وتقل كلما قلت.
ولكن ما معنى الكيانية هذه؟ هي سمة للجماعة تنبني على الآتي: وضوح حدودها، تجانسها الداخلي، التفاعل بين أفرادها، وضوح بنيتها الداخلية، وضوح أهدافها، وحدة الأهداف، وحدة المصير. إنها الأشياء التي تجعل الجماعة تبدو أكثر "جماعية"xxviii (Hogg, 2012: 23)، الأشياء التي تجعل الجماعة تبدو متماسكة وصلبة وواضحة ومائزة بشدة عن غيرها. وكلما ازدات درجة هذه الأشياء كلما ازدات درجة كيانيتها والعكس صحيح.
ولكن ما معنى الكيانية هذه؟ هي سمة للجماعة تنبني على الآتي: وضوح حدودها، تجانسها الداخلي، التفاعل بين أفرادها، وضوح بنيتها الداخلية، وضوح أهدافها، وحدة الأهداف، وحدة المصير. إنها الأشياء التي تجعل الجماعة تبدو أكثر "جماعية"xxviii (Hogg, 2012: 23)، الأشياء التي تجعل الجماعة تبدو متماسكة وصلبة وواضحة ومائزة بشدة عن غيرها. وكلما ازدات درجة هذه الأشياء كلما ازدات درجة كيانيتها والعكس صحيح.
ولكن لماذا تزيد الكيناية من جاذبية الجماعة؟ أسلفنا القول بأن الفرد يعمد إلى الانتماء إلى جماعة والتوحد معها بغرض تقليل لايقينه حيال ذاته وهويته، وذلك عن طريق تشرّب النموذج البدئي لهذه الجماعة، فبواسطته يحدد من هو وماذا عليه أن يفعل ومن هم الآخرون وماذا يُتوقع منهم أن يفعلوا. ولنتخيل أن المرء راح يتوحد مع جماعة حدودها غائمة لا يُعرف بالضبط من ينتمي إليها ومن لا ينتمي، أعضاؤها يفتقرون إلى التجانس، وليس بينهم تفاعلات اجتماعيّة قوية، وليس لها بنية واضحة، ولا تُعرف أهدافها بوضوح، ولا يجمع كل أعضائها الأهداف نفسها ولا المصير نفسه (أي إنّ درجة كيانيتها متدنّية)، ما هي الفائدة التي يمكن للتوحد مع جماعه كهذه أن يقدمها لشخص يريد أن يقلل لايقينه حيال ذاته؟ لا شيء تقريباً.
ولكن لو توحد المرء مع جماعة على النقيض من تلك، بمعنى أن درجة كيانيتها عالية، فستكون قدرتها على تقليل لايقينه حيال ذاته أعلى بكثير. الفكرة هي كلما ازدادت كيانية الجماعة كلما كان نموذجها البدئيّ بسيطاً وواضحاً ومركزاً وغيرَ ملتبس، ومن ثمّ، عندما يرى المرء نفسه من خلاله يقلّ لايقينه، والعكس صحيح، كلما تدنت كيانية الجماعة كلما كان نموذجها البدئي غامضاً وملتبساً وغيرَ مركز ولا يقول للمرء بوضوح ما الذي عليه أن يفعله بالضبط، ومن ثمّ، عندما يرى المرء نفسه من خلاله لا يفيده ذلك كثيراً في تقليل لايقينيته. وعليه، كلما زادت كيانيّة الجماعة كلما زادت قدرتها على تقليل لايقين المرء حيال ذاته (Hogg, 2007: 88; Hogg, 2012: 24).
ولكن لو توحد المرء مع جماعة على النقيض من تلك، بمعنى أن درجة كيانيتها عالية، فستكون قدرتها على تقليل لايقينه حيال ذاته أعلى بكثير. الفكرة هي كلما ازدادت كيانية الجماعة كلما كان نموذجها البدئيّ بسيطاً وواضحاً ومركزاً وغيرَ ملتبس، ومن ثمّ، عندما يرى المرء نفسه من خلاله يقلّ لايقينه، والعكس صحيح، كلما تدنت كيانية الجماعة كلما كان نموذجها البدئي غامضاً وملتبساً وغيرَ مركز ولا يقول للمرء بوضوح ما الذي عليه أن يفعله بالضبط، ومن ثمّ، عندما يرى المرء نفسه من خلاله لا يفيده ذلك كثيراً في تقليل لايقينيته. وعليه، كلما زادت كيانيّة الجماعة كلما زادت قدرتها على تقليل لايقين المرء حيال ذاته (Hogg, 2007: 88; Hogg, 2012: 24).
إذا كانت الجماعات تختلف، إذاً، في درجة كيانيتها، فإن الجماعات المتطرفة (دينيّة أو غير دينيّة) تَمتازُ بأنّها تتمتع بكيانية عالية، ومن ثمّ، في السياقات التي تكون فيها درجة اللايقين عالية، سواء على المستوى الشخصي أو المجتمعي،xxix تكون جاذبيتها أعلى من غيرها؛ لأن قدرتها على تقليل هذا اللايقين تكون أعلى.
وعليه، يمكن المحاججة، انطلاقاً من نظرية اللايقين-الهويّة، بأنّ الفرد الذي سيصبح مقاتلاً أجنبيّاً عندما يمر بظروف يزداد فيها شعوره باللايقين حيال ذاته يؤثر التوحد مع جماعة دينيّة متطرفة عن غيرها، لأنها تتمتع بدرجة أعلى من الكيانيّة، ومن ثمّ، قدرتها على تقليل لايقينه أعلى. والحال، أن التنظيمات الدينيّة القتالية الفاعلة في سوريّة، راهناً، كالدولة الإسلاميّة والقاعدة، على سبيل المثال، تتمتع بهذه الكيانية العالية (فحدودها واضحة، وعدوّها واضح، وبنيتها الداخلية واضحة، وهدفها واضح، ويجمع أفرادها الهدف نفسه والمصير ذاته، وأيديولوجيتها واضحة وبسيطة وذات طابع جوهرانيّ وأرثودوكسي... إلخ)، ومن ثمّ، الانتماء إليها والتوحد معها يمثل إغراءً للذين يمرون بسياقات من اللايقين الذاتي.
أيضاً، بوسعنا أن نفسر تفاضل هذه التنظيمات فيما بينها فيما يتعلق بالجاذبية، بناءً على تفاضلها في درجة الكيانيّة، فكلما ازدات كيانيتها كلما كانت أكثر جاذبية، خاصة في عين أولئك الذين يشعرون بدرجة عالية من اللايقين.
أيضاً، بوسعنا أن نفسر تفاضل هذه التنظيمات فيما بينها فيما يتعلق بالجاذبية، بناءً على تفاضلها في درجة الكيانيّة، فكلما ازدات كيانيتها كلما كانت أكثر جاذبية، خاصة في عين أولئك الذين يشعرون بدرجة عالية من اللايقين.
تناولنا، حتى الآن، دوافع انتماء المقاتل الأجنبي المحتمل إلى الشبكة الاجتماعية الراديكالية، أو قل بيئة الرّدْكلة، وعلّة اختياره لهذه البئية دون غيرها. يتبقى لنا المستوى الأخير من سؤالنا ذي المستويات الثلاثة: لماذا يسافر الفرد، بالفعل، إلى الصراع معرّضاً نفسه للتهلكة؟
3-3. لماذا قد يموت المرء من أجل الجماعة؟
ما الذي يجعل شخصاً ما يضحّي بنفسه من أجل الجماعة؟ لماذا يزجّ مقاتل أجنبي بنفسه في خضم صراع، لم يكن متعيّناً عليه خوضه، معرضاً نفسه للتهلكة؟ من المتفهم، تطوريّاً، أن يكون بوسع البشر القيام بأفعال ذات طابع إيثاريّ-غيريّ عموماً (Kurzban et al., 2015)، ولكن كيف يصل الأمر إلى درجة التضحية بالنفس؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بالاعتماد على نظرية "اندماج الهوية"xxx (Swann et al., 2012).
في القسم السابق تناولنا نظرية اللايقين-الهويّة، وقلنا إنّها تنطلق من منظور الهوية الاجتماعية، وتحديداً من نظرية التوحد مع الجماعة (Abrams & Hogg, 1990). والحال، أن نظرية التوحد مع الجماعة هي بمثابة "بنت عمّ"، إذا جاز القول، لنظرية اندماج الهوية، فما هي أوجه التشابه والاختلاف بينهما؟ أيّ فرق بين "التوحد" و"الاندماج"؟ إنهما يتشابهان من ناحيتين:
"الأولى، أن كليهما يشير إلى علاقة وثيقة بين منحيين للهوية: "الهوية الشخصية" (وهي التي تشير إلى جوانب الذات التي تجعل الناس مائزين عن بعضهم البعض، كالذكاء والطول مثلا)، و"الهوية الاجتماعية" (وهي التي تشير إلى جوانب الذات التي تجعل الناس جزءاً من جماعة، كديمقراطيّ وأمريكيّ مثلاً).
والثانية، أنّ الناس يمكن لهم أن يتوحدوا أو يندمجوا مع ما لا يحصى من الجماعات بل مع المجردات حتى" (Fredman et al., 2015: 469). ولكّنهما يختلفان من نواحٍ عدّه، أهمها يمكن التعبير عنها بهذه الاستعارة اللاهوتيّة: يشير التوحد إلى "حلول" الهويّة الاجتماعية في الهويّة الشخصيّة، بينما يشير الاندماج إلى "اتحاد" الهوية الاجتماعيّة مع الهوية الشخصية. أي في حالة التوحد مع الجماعة لا يكون ثمة إلا الهوية الاجتماعية، بينما في حالة اندماج الهوية تبقى الهويتان قائمتين وفاعلتين ولكنهما متحدتان (لاختلافات أخرى انظر Swann et al., 2012). وبغضّ النظر عن هذه الفروق النظريّة، ففي المحصلة كلا النظريتين متكاملتان، بشكل أو بآخر.
"الأولى، أن كليهما يشير إلى علاقة وثيقة بين منحيين للهوية: "الهوية الشخصية" (وهي التي تشير إلى جوانب الذات التي تجعل الناس مائزين عن بعضهم البعض، كالذكاء والطول مثلا)، و"الهوية الاجتماعية" (وهي التي تشير إلى جوانب الذات التي تجعل الناس جزءاً من جماعة، كديمقراطيّ وأمريكيّ مثلاً).
والثانية، أنّ الناس يمكن لهم أن يتوحدوا أو يندمجوا مع ما لا يحصى من الجماعات بل مع المجردات حتى" (Fredman et al., 2015: 469). ولكّنهما يختلفان من نواحٍ عدّه، أهمها يمكن التعبير عنها بهذه الاستعارة اللاهوتيّة: يشير التوحد إلى "حلول" الهويّة الاجتماعية في الهويّة الشخصيّة، بينما يشير الاندماج إلى "اتحاد" الهوية الاجتماعيّة مع الهوية الشخصية. أي في حالة التوحد مع الجماعة لا يكون ثمة إلا الهوية الاجتماعية، بينما في حالة اندماج الهوية تبقى الهويتان قائمتين وفاعلتين ولكنهما متحدتان (لاختلافات أخرى انظر Swann et al., 2012). وبغضّ النظر عن هذه الفروق النظريّة، ففي المحصلة كلا النظريتين متكاملتان، بشكل أو بآخر.
وعليه، يُعرّف وليام سوان وزملاؤه اندماج الهوية كالآتي: "يحدث اندماج الهوية عندما يختبر المرء شعوراً غريزيّاً عميقاً بالواحدية مع الجماعة. ويكون الاتحاد مع الجماعة قويّاً جداً في حالة الأشخاص المندمجين على نحو كبير، حيث تغدو الحدود التي تفصل، عادةً، بين الذات الشخصية والذات الاجتماعية مساميّة إلى حدّ كبير. بل في الواقع، تبلغ هذه المسامية الدرجة التي يمكن معها لمناحي كلّ من الذات الشخصيّة والاجتماعيّة أن تسري من واحدة إلى الأخرى" (Swann et al., 2012: 442). ولكن ما الذي يترتب على هذا الاندماج؟ فيما يتعلق بالدوافع، يتقوض التمييز بين ما يمكن وصفه بأنها أفعال يقوم بها الفرد من أجل نفسه وبين ما يمكن وصفه بأنها أفعال يقوم بها الفرد من أجل الجماعة.
وذلك بما أن في حالته الحدود مفتوحة تماماً بين ذاته والجماعة، بحيث لا يمكن التمييز بينهما. وعليه، فإن الفرضية الأساسية لنظريّة اندماج الهوية، هنا، هي الآتية: عندما يصير المرء مندمجاً مع الجماعة يكون أكثر استعداداً من غيره للتضحية في سبيل الجماعة حتى ولو بنفسه. هذا التضحية التي قد تبدو لنا غيرية قصوى هي، في واقع الأمر، فعل أنانيّ أيضاً، بما أن الجماعة والأنا، في هذا الحالة، قد صارا واحداً.
وذلك بما أن في حالته الحدود مفتوحة تماماً بين ذاته والجماعة، بحيث لا يمكن التمييز بينهما. وعليه، فإن الفرضية الأساسية لنظريّة اندماج الهوية، هنا، هي الآتية: عندما يصير المرء مندمجاً مع الجماعة يكون أكثر استعداداً من غيره للتضحية في سبيل الجماعة حتى ولو بنفسه. هذا التضحية التي قد تبدو لنا غيرية قصوى هي، في واقع الأمر، فعل أنانيّ أيضاً، بما أن الجماعة والأنا، في هذا الحالة، قد صارا واحداً.
ولكن كيف يتم ذلك؟ ما هي الميكانزم التي يؤدي بها الاندماج إلى التضحية؟ الفرضية الأساسية للنظرية، هنا، هي الآتية: اندماج المرء يجعله يرى أنه مربوط مع باقي أفراد الجماعة بروابط عائليّة. إن الجماعة تتحول هنا من جماعة إلى عائلة. والروابط العائليّة بما هي كذلك تحمل معها حسّاً بالواجب والمسؤولية يدفع المرء دفعا لنجدة "أفراد العائلة" إذا ما مسّهم الضرّ. أيضاً، إدراك هذه الروابط العائلة يزيد من حِدة شعور المرء المندمج بالواحديّة مع باقي أفراد الجماعة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يشجّعه على الايمان بأنّ حياته سوف تمتد من خلال حياة أفراد الجماعة (Swann et al., 2014: 924؛ ولإثبات إمبيريقيّ لهذه الفرضية عبر دراسة حالة الثوار الليبين في 2011، انظر، Whitehouse et al., 2014).
ولكن على أيّة أرضية تتأسس هذه الروابط العائليّة؟ في العائلة الحقيقية، يمثل القرب الجِينيّ هذه الأرضية، الأب قد يعرض نفسه للتهلكة من أجل أبنائه بما أنهم يحملون جيناته ببساطة، لكن في حالة الجماعة المرء يفعل ذلك في سبيل أناس لا يمتون له بصلة. كيف يدرك المرء المندمِج، إذاً، هذه الروابط العائليّة مع الغرباء جينيّاً عنه؟ ما الذي يلعب دور الجينات في هذه الحالة؟ إنها السمات المركزية. إدراك المرء أنه يتشارك مع أفراد الجماعة السمات الأساسيّة نفسها، هو ما يجعلهم عنده بمثابة عائلة (Swann et al., 2014). أحد أهم هذه السمات هي القيم، خاصة إذا كانت قيماً مقدسة، وخاصة إذا كانت هذه القيم المقدسة قيماً دينيّة.
من هناـ يحاجج سكوت أتران وزملاؤه بأن دور الاندماج في حثّ الأفراد على القتال والتضحية في سبيل الجماعة يتعزز عندما يكون هؤلاء الأفراد مدفوعين بقيم مقدسة دينيّة (Atran et al., 2014). الاندماج مع جماعة يحولها، إذن، وبمصطلحات أتران إلى "عائلة متخيلة"،xxxi ويحول الفرد المندمج إلى "فاعل مُخلِص"xxxii مستعد للتضحية، ولو بنفسه، من أجلها، خاصة لو كان مدفوعاً بقيم مقدّسة (Atran, 2003, 2006, 2010, 2015).
ولكن على أيّة أرضية تتأسس هذه الروابط العائليّة؟ في العائلة الحقيقية، يمثل القرب الجِينيّ هذه الأرضية، الأب قد يعرض نفسه للتهلكة من أجل أبنائه بما أنهم يحملون جيناته ببساطة، لكن في حالة الجماعة المرء يفعل ذلك في سبيل أناس لا يمتون له بصلة. كيف يدرك المرء المندمِج، إذاً، هذه الروابط العائليّة مع الغرباء جينيّاً عنه؟ ما الذي يلعب دور الجينات في هذه الحالة؟ إنها السمات المركزية. إدراك المرء أنه يتشارك مع أفراد الجماعة السمات الأساسيّة نفسها، هو ما يجعلهم عنده بمثابة عائلة (Swann et al., 2014). أحد أهم هذه السمات هي القيم، خاصة إذا كانت قيماً مقدسة، وخاصة إذا كانت هذه القيم المقدسة قيماً دينيّة.
من هناـ يحاجج سكوت أتران وزملاؤه بأن دور الاندماج في حثّ الأفراد على القتال والتضحية في سبيل الجماعة يتعزز عندما يكون هؤلاء الأفراد مدفوعين بقيم مقدسة دينيّة (Atran et al., 2014). الاندماج مع جماعة يحولها، إذن، وبمصطلحات أتران إلى "عائلة متخيلة"،xxxi ويحول الفرد المندمج إلى "فاعل مُخلِص"xxxii مستعد للتضحية، ولو بنفسه، من أجلها، خاصة لو كان مدفوعاً بقيم مقدّسة (Atran, 2003, 2006, 2010, 2015).
يمكن المحاججة، إذاً، بأن المقاتلين الأجانب، هم أفراد اندمجوا هوياتيّاً مع جماعة، سواء كانت بيئة الرّدْكلة في موطنهم، أو إحدى التنظيمات الإسلاميّة في بلد الصراع، أو الأمّة الإسلامية عامّة،xxxiii ومن ثمّ، أصبحت هذه الجماعة، وبما يتشاركون معها من سمات وقيم (خاصة القيم المقدسة)، بمثابة "عائلة متخيلة"، ملزمين بالدفاع عنها، حتى ولو أدى الأمر إلى التضحية بالنفس. من هنا نفهم لماذا يسافر المقاتل الأجنبي للانخراط في صراع خارج موطنه، معرّضاً نفسه للتهلكة.
خلاصة
لقد كان هَمّ هذا البحث هو مقاربة ظاهرة المقاتلين الأجانب من منظور السيكولوجيا الاجتماعية. ولقد دار حجاجه الأساسيّ حول القول بأنه من الممكن تنظير ظاهرة المقاتلين الأجانب، سيكولوجيّاً، على نحو أفضل، بالانطلاق من منظور الهوية الاجتماعية، وما يتضمنه من سيرورات كالتصنيف الاجتماعي وتصنيف الذات والتوحد مع الجماعة واندماج الهوية، عوض الانطلاق من المنظورات الأخرى، المستخدمة بكثرة في أدبيات الإرهاب والرّدكلة، تلك التي تحاول أن ترد الظاهرة إلى السمات الشخصية والظروف الاقتصادية والاجتماعية المحيطة بها.
ولقد نهضت المقاربة على نظريتين: نظرية اللايقين-الهوية ونظرية اندماج الهوية. حيث تم التوسل بالأولى، في المستوى الأول والثاني من مستويات الحجاج، لتحليل دوافع انتماء الفرد للجماعة التي ستجعل منه مقاتلا أجنبيّا. وكانت الفرضية الأساس كالآتي: يمر الفرد بسياقات حياتية معينة من شأنها أن تزيد من حِدة شعوره باللايقين حيال ذاته: مَن هو؟ وماذا عليه أن يفعل؟ وفي مسعاه لتخفيف ألم اللايقين يعمد الفرد إلى الانتماء إلى جماعة يتشرب نموذجها البدئي، ويُعرف نفسه من خلاله. ولما كانت الجماعات الراديكاليّة هي الأقدر، مقارنة بغيرها، على إنجاز هذه المهمة، نظراً لما تتمتع به من كيانيّة عالية، يؤثر الفرد الانضمام إليها والتوحد معها. وفي المستوى الثالث، والذي يتعلق بسفر الفرد، بالفعل، إلى موطن النزاع، والزج بنفسه في قتال قد يودي بحياته، فقد تم التوسل بنظرية اندماج الهوية، وكانت الفرضية الأساس كالآتي:
يحدث أن يكون الفرد المنتمي لجماعة مستعداً للقتال، بل للموت، في سبيلها عندما يندمج هوياتيّاً معها، فاندماجه يجعله يرى باقي أفراد الجماعة كما لو كانوا عائلته، ومن ثمّ، يكون مستعداً لدفع الضر عنهم، حتى ولو تتطلب الأمر منه أن يضحى بنفسه، خاصة لو كان مدفوعاً بقيم مقدسة يتشاركها مع باقي أفراد الجماعة.
يحدث أن يكون الفرد المنتمي لجماعة مستعداً للقتال، بل للموت، في سبيلها عندما يندمج هوياتيّاً معها، فاندماجه يجعله يرى باقي أفراد الجماعة كما لو كانوا عائلته، ومن ثمّ، يكون مستعداً لدفع الضر عنهم، حتى ولو تتطلب الأمر منه أن يضحى بنفسه، خاصة لو كان مدفوعاً بقيم مقدسة يتشاركها مع باقي أفراد الجماعة.
ويجد هذا الحجاج دعما، إمبريقيّاً، في النتائج التي خلص إليها ديفيت ماليت من دراسته لظاهرة المقاتلين الأجانب في ما يزيد عن 300 حرب أهلية، حيث دلل، وعلى نحو واضح، على صحة فرضية جيمس روزيناوxxxiv القائلة بأنّ احتمالية حدوث تدخلات خارجية في صراع ما تزيد عندما يتم تأطيره بوصفه صراعاً حول بنى المجتمع (الدين، الهوية، الأديولوجيا،... إلخ) وليس بوصفه مجرد صراع بين جماعات إثنية محلية أو بين أمراء حرب حول الأرض والسلطة (Malet, 2009: 56).
وذلك بإثبات أن المقاتلين الأجانب يكثرون في النزاعات غير الإثنية، وهم من يسميهم بالمؤمنين الصادقين (أو الفاعلين المخلصين بمصطلح أتران). لا يسافر المقاتلون الأجانب، إذاً، لدوافع إثنية أو سياسية ضيقة، وإنما لنصرة الجماعة التي يتحدون معها. وببيان طبيعة الرسالة التي يرسلها المتمردون، في مختلف الصراعات التي بحثها، بغرض "تجنيد" المقاتلين الأجانب واستقطابهم للصراع: "يحاول المتمردون أن يجندوا المقاتلين الأجانب عن طريق تأطير الصراعات الأهلية البعيدة بوصفها تهديداً لـجماعة أهلية فوق-قومية، جماعة يرتبط بها من يُستهدف تجنيدهم على نحو وثيق... وتؤكد رسالة التجنيد على ضرورة الدفاع عن وجود الجماعة الأهلية عوضاً عن التوكيد على فرص المكاسب الفرديّة " (Malet, 2009: 4؛ التشديد مني).
وذلك بإثبات أن المقاتلين الأجانب يكثرون في النزاعات غير الإثنية، وهم من يسميهم بالمؤمنين الصادقين (أو الفاعلين المخلصين بمصطلح أتران). لا يسافر المقاتلون الأجانب، إذاً، لدوافع إثنية أو سياسية ضيقة، وإنما لنصرة الجماعة التي يتحدون معها. وببيان طبيعة الرسالة التي يرسلها المتمردون، في مختلف الصراعات التي بحثها، بغرض "تجنيد" المقاتلين الأجانب واستقطابهم للصراع: "يحاول المتمردون أن يجندوا المقاتلين الأجانب عن طريق تأطير الصراعات الأهلية البعيدة بوصفها تهديداً لـجماعة أهلية فوق-قومية، جماعة يرتبط بها من يُستهدف تجنيدهم على نحو وثيق... وتؤكد رسالة التجنيد على ضرورة الدفاع عن وجود الجماعة الأهلية عوضاً عن التوكيد على فرص المكاسب الفرديّة " (Malet, 2009: 4؛ التشديد مني).
يمكن فهم المقاتلين الأجانب، إذاً، على نحو أفضل بالتركيز على الأبعاد المتعلقة بالهوية الاجتماعية في حياة الأفراد، عوض التركيز على الأبعاد المتعلقة بالدين والأيديولوجيا بما هما كذلك. وبناءً على حجاج البحث يمكن الخلوص إلى الفرضية الآتية: في السياقات التي يحتدّ فيها شعور الفرد باللايقين تحديداً حيال ذاته، يكون من المرجح، حال توفرت البيئة المناسبة، أن يرتبط بجماعة راديكاليّة، وأن يندمج هوياتيّاً معها، ومن ثمّ السفر للقتال في سبيلها.
وأقترح، في النهاية، أن تهتم الأبحاث الإمبريقية المستقبلية حول موضوع المقاتلين الأجانب، وموضوع الرّدكلة عامة، بسَبْر الأبعاد المتعلقة باللايقين الذاتيّ والهوية الاجتماعية وسيرورات التوحّد مع الجماعة والاندماج معها، عوض الاهتمام بالأبعاد الثقافيّة الأيديولوجيةّ والدينيّة المجردة.
الهوامش
i لا يخفى أن مفهوم "الإرهاب" مفهوم إشكالي للدرجة التي تجعله، كمفهوم تحليلي، عديم النفع تقريباً. ويزداد الأمر سوءً عندما يتم وصفه بوصف أكثر إشكالية كـ"الديني". عن إشكايّات تعريف مفهوم الإرهاب انظر Richards (2014). ولنقدٍ للتصورات السائدة عن المفهوم، ولمحاولة لإعادة تأهيله أكاديميّا انظر Jackson (2011). ولنقد لمفهوم الإرهاب الديني انظر Gunning & Jackson (2011).
ii وفقاً لآخر تقارير مجموعة صوفان the Soufan group الأمنية، الصادر في ديسمبر 2015، عدد من سافروا إلى سوريا والعراق لالتحاق بتنظيم الدولة، أو بغيره من التنظيمات، يقع بين 27 ألف و31 ألف شخص، من 86 دولة على الأقل (Soufan Group, 2015).
iii عوضا عن مصطلحات أخرى، أكثر صرامة، كالتمرد العابر للقوميات، والمتمردون العابرون للقوميات.
iv سواء بالمشاركة المباشرة في القتال أو بأي شكل آخر من أشكال الدعم العملياتي أو اللوجيستي أو الإعلامي.
v الشركات الأمنية الخاصة هي الشكل "الحديث" و"المقنن" للمرتزقة.
vi هذا المعيار من شأنه أن يفرق بين المقاتلين الأجانب وبين أفراد تنظيم القاعدة، أو الدولة الإسلامية، ومن يُدعون بـ"الذئاب المنفردة" الذين ينفذون "عمليّات إرهابية" في أي مكان.
vii لتعاريف أخرى انظر Malet (2009) وMoor et al. (2008) .
viii يمكن إيجاد نماذج للمقاتلين الأجانب في أوروبا العصور الوسطى، أثناء حقبة الحملات الصليبية، على سبيل المثال، كان هناك فرسان الهيكل وفرسان مالطا، كلاهما يمكن اعتباره سلفا للمقاتلين الأجانب. راجع Malet (2009)، الفصل الثاني. وفي السياق الإسلامي الوسيط، كان من الطبيعي، تقريبا، أن يذهب المرء لـ"الجهاد" بعيدا عن موطنه.
ix يرى هيجهامر أنه قد تم تأسيس أيديولوجيا المقاتلين الأجانب، كمذهب جديد ومستقل، في سياق الحرب الأفغانية، على يد عبد الله عزام في المقام الأول. ويحاجج عن أنها إديولوجيا مائزة عن الإديولوجيا الجهادية عامة، وعن الإديولوجيا القطبية والوهابية. وهو ما يفسر، بحسبه، عدم وجود المقاتلين الأجانب الإسلاميين قبل هذه الحرب، وإنما فقط بعدها. فالسبب، ببساطة، هو أن هذه اللإديولوجيا لم تكن موجوده قبلها (Hegghammer, 2010).
x حتى لو كان المقاتلون الأجانب يتلقون رواتب من التنظيمات التي ينضمون إليها في مواطن الصراع فهي أولا؛ ليست كبيرة للدرجة التي تجعلها حافز للسفر وللانضمام إلى الصراع. وثانيا؛ لا يتم التعاقد على هذه الرواتب بشكل رسمي قبل السفر كما في حالة المرتزقة.
xi تنبني الفرضية الأولى على الثانية، وهما فرضيتان بسيطتان ومباشرتان: ليس محض العوز أو الحرمان ما يمثل مشكلة وإنما العوز النسبي، أن يرى المرء نفسه بوصفه محروما مقارنة بغيرة، هذا الإدراك هو تحديدا ما يولد الإحباط الذي يُترجم بدوره في شكل عدوان وعنف.
xii حجاج روا الأساسي، هنا، هو أننا نشهد عملية "أسلمة للراديكاليّة" أكثر من كوننا نشهد عملية "ردكلة للإسلام". وأن الأمر لا يتعلق بالإسلام ولا بالأيديولوجيات الإسلاموية بقدر ما يتعلق بمشكلة جيل ضائع وعدمي، شباب "بلا مستقبل"، يعلنون تمردهم على المجتمع عبر الانضمام إلى الجهاد (Roy, 2017).
xiii يسمى بنموذج "3N": Need, Narrative, Network (الاحتياج، السردية، الشبكة الاجتماعية).
xiv يمكن تعريف الجماعة على نحو إجرائي، وبسيط ، بأنها "فردان أو أكثر مرتبطان بعلاقات اجتماعية" (Forthys, 2010: 3). وغالبا ما يكون الفرد منتميا لجماعات شتى في نفس الوقت، جماعات مبنية على أساس الإثنية والقومية والدين والإديولوجيا السياسية والمهنة والعائلة والطبقة الاجتماعية والعادات والرياضة والفن وإلخ.
xv Sociometer hypothesis
xvi على مدار التاريخ التطوري للبشر كان حظ الأفراد المنتمين لجماعة ما في الحياة أوفر من حظ من يعيشون بمفردهم، فالجماعة توفر لأفرادها الحماية والموارد وفرص الاقتران، بينما يُحرم من هذه الامتيازات من يعيش بمفرده.
xvii Self-esteem
xviii Terror management theory
xix يُعرّف بيشكنيسكي وزملاؤه رؤية العالم بالآتي: " تصورات رمزية عن الواقع ينتجها البشر ويتشاركونها، من شأنها أن تمنح الوجود المعنى والنظام والاستمرارية؛ وتطرح مجموعة من المعايير التي تتحدد على أساسها القيّم ؛ وتعِد أولئك الذين يعتنقون هذه الرؤية، ويعيشون وفقا لمعايير القيمة التي تطرحها، بشكل أو بآخر من الخلود المادي أو الرمزي" (Pyszczynski et al., 2004: 436).
xx لنقد لأهمية القلق الوجودي كدافع للانتماء إلى جماعة ما انظر Crocker et al. (2004).
xxi Self-categorization
xxii group-identification
xxiii إزالة اللايقين على نحو تام، أي تحقيق اليقين أمر غير ممكن اجتماعيا، وغير ضروري تطوريّا، ومن ثمّ، فإن الدافع هو تقليل درجة اللايقين وليس تحقيق اليقين.
xxiv prototype
xxv Life embeddedness
ثباتية وصلابة العيش: ينطلق لينديكايلد وزملاؤه مما يسمى بـ"سيكولوجيا العيش life psychology والذي ينبني، بحسبهم، على فرضيتين أساسيتين: يطمح كل الناس إلى عيش حياة ثابتة وصلبة، وثباتية العيش هذه - أي أن يكون للمرء سيطرة على حياته - يتم تحقيقها عن طريق حيازة الكفاءات اللازمة للتعامل مع مهمات الحياة"... فكلما كان ثمة تناغما بين كفاءات المرء ومهام العيش المنوطة به (من أول تصريف روتين الحياة اليومية حتى القرارات الحياتية الحاسمة) كلما ذات ثباتية حياته وكلما اختل هذا التناغم، بسبب نقص الكفاءات أو بسبب ضخامة المهمات، كلما قلت هذه الثباتية. (Lindekilde et al., 2016: 861). وما يعنينا هنا أن اختلال هذه الثباتية يولد الشعور باللايقين.
xxvi يُسمى هذا الاختلاف بين الأشخاص بالـ uncertainty orientation.
xxvii Entitativity
xxviii Groupy
xxix تاريخيا، نجد أن الحركات الشمولية، والسلطوية، والقومية، والأصولية تزدهر في الفترات التي ترتفع فيها درجة اللايقين المجتمعي.
xxx Identity fusion
xxxi Fictive kin
xxxii Devoted actor
xxxiii يُقسّم سوان وزملاؤه الاندماج إلى اندماج محلي أو مضيق واندماج موسع. أما الأول فهو الذي يتحقق بين أفراد الجماعات الصغيرة، التي يكون بين أفرادها علاقات مباشرة، ومن ثمّ، روابط "عائلية" مباشرة (فرق الجنود في المعارك). بينما الموسع فهو الذي يتحقق في حالة الجماعات الكبيرة (حزب سياسي، الوطن، الأمة)، وبالرغم من أن العلاقات المباشرة تكون غائبة في هذه الحالة، إلا أن الفرد المندمج "يُسقط" الروابط العائلية على الجماعة الكبيرة، ويتعامل من ثمّ، معها كما لو كانت عائلته (Swann, 2014: 914).
xxxiv في كتابه: international aspects of civil strife، الصادر عن جامعة برنيستون، 1964.
المراجع
- Abrams, D. & Hogg, M. (1990). Social identification, self-categorization and social influence. European review of social psychology, 1, 195-228.
- ran, Scott (2003). Genesis of suicide terrorism. Science, Vol. 299, No. 5612, 1534-1539.
- Atran, Scott (2006). The moral logic and growth of suicide terrorism. The Washington quarterly, center for strategic and Int’I studies, MIT:29, 127-147.
- Atran, Scott (2010). Talking to the enemy: religion, brotherhood and the (un)making of terrorists. New York: Harper-Collins.
- Atran, Scott (2015). Dangerous terrorists as devoted actors. In Zeigler-Hill, Welling and Shackelford (eds). Evolutionary perspective on social psychology. Switzerland: Springer.
- Atran, S. et al. (2014). Devoted actors sacrifice for close comrades and sacred cause. Proc. Natl. Acad. Sci. USA, 111: 50, 17702-17703.
- Bayat, Asef (2007). Radical religion and the habitus of the dispossessed: does Islamic militancy have an urban ecology? International journal of urban and regional research, vol. 31, No. 3, 579-590.
- Bensted, Roland (2011). A critique of Paul Collier’s greed and grievance thesis of civil war. African security review, Vol. 20, No. 3, 84-90.
- Berkowitz, Leonard (1989). Frustration-aggression hypothesis: examination and reformulation. Psychological Bulletin, 106 (1), 59-73.
- Borum, R. (2011). Radicalization into violent extremism II: A review of conceptual models and empirical research. Journal of strategic security, 4: 4, 37-62.
- Collier, Paul and Hoeffler, Anke (2004). Greed and Grievance in Civil War. Oxford Economic Papers, 56(4):563-595.
- Coolsaet, Rik (2016). Facing the fourth foreign fighters wave. Egmont papers.
- Crocker et al. (2004). Do people need self- esteem?: comment on Pyszczynski et al. (2004). Psychological Bulletin, 130, 469-472.
- Dalgaard-Nielsen, A. (2010). Violent radicalization in Europe: what we know and what we do not know. Studies in conflict and terrorism, 33: 9, 797-814.
- Dawson, L. & Amarasingam, A. (2017) Talking to Foreign Fighters: Insights into the Motivations for Hijrah to Syria and Iraq, Studies in Conflict & Terrorism, 40:3, 191-210.
- Forsyth, D. (2010). Group dynamics. Belmont, USA: Wadsworth cengage learning.
- Fredman, L. A. et al. (2015). Identity fusion, extreme pro-group behavior and the path to defusion. Social and personality psychology compass. 9/9: 468-480.
- Gambetta, D. & Hertog, S. (2016). Engineers of Jihad: the curious connection between violent extremism and education. Princeton, NJ: Princeton university press.
- Gunning, J. & Jackson, R. (2011). What's so ‘religious’ about ‘religious terrorism’?, Critical Studies on Terrorism, 4:3, 369-388.
- Gurr, Ted R. (1970). Why men rebel. Princeton NJ: Princeton university press.
- Hegghammer, T. (2010). The rise of Muslim foreign fighters: Islam and the globalization of jihad. International Security, Vol. 35, No. 3 (Winter 2010/11), pp. 53–94.
- Hogg, M. (2007). Uncertainty-identity theory. Advanced in experimental social psychology, vol. 39, 69-126.
- Hogg et al. (2008). Why do people join groups? Three motivational accounts from social psychology. Social and personality psychology compass, 2: 3, 1269-1280.
- Hogg, M. (2012). Self-uncertainty, social-identity and the solace of extremism. In Michael A. Hogg and Danielle L. Blaylock (eds). Extremism and the psychology of uncertainty. West Sussex, UK: Wiley-Blackwell. 19-36.
- Hogg, M. (2016). Social identity theory, in MacKeown, Haji & Ferguson (eds). Understanding peace and conflict through social; identity theory. Switzerland: Springer.
- Jackson, Richard (2011). In defence of ‘terrorism’: finding a way through a forest of misconceptions, Behavioral Sciences of Terrorism and Political Aggression, 3:2, 116-130.
- King, M. & Taylor, D. (2011). The Radicalization of Homegrown Jihadists: A Review of Theoretical Models and Social Psychological Evidence, Terrorism and Political Violence, 23:4, 602-622.
- Kurzban, R. et al. (2015). The evolution of altruism in humans. Annual review of psychology, 66: 575-599.
- Leary, Mark R. & Baumeister, Roy F. (2000). The nature and function of self-esteem: sociometer theory. Advances in experimental social psychology, 32: 1-62.
- Lindekilde, Bertelsen & Michael Stohl (2016). Who Goes, Why, and With What Effects: The Problem of Foreign Fighters from Europe, Small Wars & Insurgencies, 27:5, 858-877.
- McCauley, C. (2008). Mechanisms of political radicalization: pathways toward terrorism. Terrorism and political violence, 20:3, 415-433.
- Malet, David S. (2009). Foreign fighters: transnational identity in civil conflicts. Ph.D. dissertation, the Columbian college of art and science, George Washington university.
- Moghaddam, Fathali M. (2005). The staircase to terrorism. American psychologist, 60: 2, 161-169.
- Moor, et al., (2008). Foreign fighters and the case of Chechnya: a critical assessment. Studies in Conflict & Terrorism 31, no. 5, 412-433.
- Nathan, Laurie (2012). The causes of civil war: the false logic of collier and Hoeffler. South African review of sociology. Vol. 39, No. 2, 262-275.
- Piazza, J. (2006). Rooted in poverty?: terrorism, poor economic development and social cleavages. Terrorism and political violence, vol. 18, No. 1, 159-177.
- Pyszczynski et al. (2004). Why do people need self-esteem: a theoretical and empirical review. Psychological bulletin, 130: 3, 435-468.
- Richards, Anthony (2014). Conceptualizing Terrorism, Studies in Conflict & Terrorism, 37:3, 213-236.
- Roy, O. (2017). Jihadism: A generational and Nihilistic revolt. Logos vol. 16, No. 5, 1-2.
- Sedgwick, M. (2010). The concept of radicalization as a source of confusion. Terrorism and Political Violence, 22:4, 479-494.
- Schmid, Alex P. (2013). Radicalization, De-radicalization, counter-radicalization: A conceptual discussion and literature review. ICCT research paper.
- Sorrentino, R. M. & Roney, C. J. R. (1999). The uncertain mind: individual differences in facing the unknown. Philadelphia: psychological press.
- Soufan Group (2015). Foreign Fighters: An Updated Assessment of the Flow of Foreign Fighters into Syria and Iraq. Available at Link. [last access at Jan, 17, 2018].
- Swann, W. B. et al. (2012). When group membership gets personal: a theory of identity fusion. Psychological review, vol. 119, No. 3, 441-456.
- Swann, W. B. et al. (2014). What makes a group worth dying for? Identity fusion fosters perception of familial ties, promoting self-sacrifice. Journal of personality and social psychology. Vol. 106, No. 6, 912-926.
- Turner et al. (1987). Rediscovering the social group: a self- categorization theory. Oxford, UK: Blackwell.
- Venhaus, John M. (2010). Why youth join al-Qaeda. United states institute of peace, special report No. 236.
- Victoroff, Jeff (2005). The mind of the terrorist: A review and critique of psychological approaches. Journal of conflict resolution, vol. 49 No. 1, 3-42.
- Webber, D. & Kruglanski, A. (2017). Psychological factors in radicalization: a “3N” approach. In Lafree & Freilich (eds.) the handbook of the criminology of terrorism. West Sussex: Wiley & sons. 33-47.
- Webber, D. & Kruglanski, A. (2018). The social psychology of making a terrorist. Current opinion in psychology, 19: 131-134.
- Whitehouse, H. et al. (2014). Brothers in arms: Libyan revolutionaries bond like family. Proc Natl Acad Sci USA, 111: 50, 17783-17785.
تحميل المادة بصيغة PDF:
- الرابط (1217 تنزيلات)
طارق عثمان
باحث ومترجم مصري، متخصص في العلوم الاجتماعيّة. ترجم "حاوي الثورة المصريّة" لوالتر أرمبرست، و"ما هي الشريعة؟" لوائل حلاق. كما ترجم عشرات الأوراق العلميّة المنشورة إلكترونياً. بالإضافة إلى مقالاته وأبحاثه التي تركز على السوسيولوجيا وعلم النفس والإرهاب والدولة الحديثة.
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.