التعليم في سياسات حزب العمال الكردستاني في سورية: بين العنف و"التكريد"، القامشلي نموذجاً
مقدمة
تتسارع وتيرة الأحداث والمتغيرات في الساحة السورية وبخاصة في منطقة الشمال السوري بكل ما تحمله من أهمية استراتيجية. اذ لم تعد تقتصر القضية على عمليات القتل والتدمير والتهجير، بل أصبحت متعلقة بمستقبل أجيال نشأت في ظروف سمتها القصف والتهجير والنفي والإبعاد، فستة أعوام قاسية كانت كفيلة في وضع الجيل في دوامة الضياع، فضلاً عن جعل الأجيال القادمة على شفيره.
والواقع حتى هذه اللحظة لا يمكن التنبؤ بمستقبل أفضل لأجيال جديدة في داخل سورية، اذ لم يعد الخراب مقتصراً على تدمير المدن من قبل النظام والمليشيات المساندة له فحسب، بل بات يتم أيضاً من خلال استخدام المؤسسة التعليمية كما في حال بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني الذي أسس ما يعرف بالإدارة الذاتية، ولذلك نروم في هذه الورقة رصد نموذج من هذه السياسات المتبعة في حقل التعليم بعد الثورة.
مناطق سيطرة المعارضة في القامشلي
مع نهاية شباط 2013 أعلنت وحدات مقاتلة من الجيش الحر إحكام سيطرتها وتحريرها لناحية تل حميس [1]، ولهذه الناحية المرتبطة إدارياً بمنطقة القامشلي أهمية استراتيجية قصوى، حيث تتوسط شبكة الطرق التي تربط جميع النواحي بعضها ببعض في محافظة الحسكة، وتعد بوابة رئيسة تتصل بالطرق المؤدية للعراق جنوباً وشرقاً، وإلى القامشلي شمالاً، ومركز المحافظة غرباً، كما أن خط البترول الواصل بين حقول الرميلان والبحر المتوسط يمر من وسطها، فضلاً عن أنها أكبر ناحية في محافظة الحسكة من حيث المساحات العقارية وعدد القرى التابعة لها إدارياً الأمر الذي يؤكد على أهميتها الاقتصادية وثقلها البشري خاصةً وأنها تضم أكبر صوامع لتخزين الغلال في سورية.
وفيما يتعلق بالناحية التعليمية موضوع دراستنا نجدُ أنَّ النظام في سورية قد أصدر تعليمات لجميع الكوادر التعليمية التي كانت تستلم مرتباتها من النظام بمنع فتح المدارس في تلك المناطق تحت طائلة المسائلة والحرمان، مما دفع عدداً كبيراً من أهالي الناحية وقراها للانتقال إلى القامشلي بعد أن تحولت أراضيهم إلى ساحات معارك عنيفة في سنوات الثورة ، مع ذلك بقي العدد الأكبر من أبناء القرى خارج العملية التعليمية فارتفعت نسبة التسرب بشكل كبير في هذه المناطق، كما ساهمت غارات النظام الجوية المتكررة بشكل شبه يومي على الناحية في انعدام المواصلات التي كانت تقل بعض الطلاب إلى مناطق أخرى للانتظام في المدارس، وهكذا كان يتكرر المشهد وتنعدم مظاهر الحياة ويُحرم الطلبة من التعليم في المناطق التي تسقط بيد المعارضة.
بقيت هذه المنطقة تحت سيطرة قوات المعارضة، وفي كانون الثاني 2014 حاولت قوات حزب العمال الكردستاني اقتحام الناحية ولكنها فشلت وتكبدت خسائر فادحة، فكانت هذه فرصة داعش للتغلغل في هذه الناحية بذريعة الدفاع عنها ضدَّ قوات النظام وقوات حزب العمال الكردستاني، فسحبت السلاح من كافة فصائل المعارضة وطردتهم، وتفردت بإحكام السيطرة على كل الريف التابع للناحية.
ومنذ بداية العام 2014 بدأت داعش بالسيطرة على ريف القامشلي لتشمل معظم قرى منطقة جنوب الرد، وناحية جزعة، والريف الجنوبي لناحية القحطانية، هذا الأمر أدى الى اغلاق المدارس لقرابة عامين، مما فاقم من أعداد المتسربين من المدارس في الريف.
في 27 شباط 2015 أعلنت وحدات الحماية الشعبية YPG المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في بيان لها عن تمكنها من تحرير تل حميس وطرد داعش، وذلك بعد ستة أيام من إعلان بدء المعركة التي بدأت في 21 من الشهر نفسه، فانسحبت داعش من مساحات شاسعة كانت تسيطر عليها في محافظة الحسكة مثل قرى ناحية تل حميس، و نواحي القحطانية، واليعربية، وجزعة، من دون أي مواجهات تذكر، وتم تسليم المنطقة لقوات الحماية الكردية التي قامت بدورها ببعض عمليات الحرق والتهجير للقرى تحت ذرائع مرور داعش في القرية، أو تهمة تعاطف شخص من القرية معها، وغير ذلك من التهم الجاهزة، كما أجبرت القوات الكردية العديد من المدنيين إلى الخروج من منازلهم وقراهم، ووصلت بعض العوائل المهاجرة بالفعل إلى مخيمات داخل تركيا، فيما فضلت الأغلبية النزوح لمناطق وبلدات أخرى داخل المحافظة.
وقد باتت معظم نواحي محافظة الحسكة منذ الربع الأول لعام 2015 تحت سيطرة قوات الحماية الكردية، فضلاً عن المناطق التي سلمها لهم النظام منذ السنة الثانية للثورة كمنطقة المالكية، والرميلان. فإلى أين اتجه الواقع التعليمي في ظل السيطرة الجديدة؟
نظرة إلى واقع التعليم في محافظة الحسكة قبل الثورة
أشارت نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي لمحافظة الحسكة لعام 2011، والتي قامت بإشراف رئاسة مجلس الوزراء بالتعاون مع الإدارة المحلية والمكتب المركزي للإحصاء إلى أن نسبة الأمية في محافظة الحسكة للأفراد فوق سن الـ 15 قد بلغت ( 31.5%) مقارنة بنسبة (26.9%) لنفس الفئة العمرية لعام 2004 [2]. ورغم أن الأجهزة الرسمية عادة ما تسعى لتخفيض نسبة الأعداد الحقيقة للأمية في المحافظة، مع هذا فإن اعتماد هذه النسبة الصادرة عن مؤسسات رسمية له أهمية كبيرة، فضلاً عن خطورة النتائج المعلنة.
بمراجعة الأرقام الرسمية التي سجلها المكتب المركزي للإحصاء لعام 2010، فإننا نلخص عدة نقاط نستطيع من خلالها أخذ فكرة أولية عن الواقع التعليمي، والمؤسسة التعليمية في محافظة الحسكة قبل الثورة، وهي الآتية [3]:
- مجموع مدارس التعليم الأساسي (ابتدائي + إعدادي)، والتي تشمل الصفوف من الأول إلى التاسع في محافظة الحسكة ل عام2010 قد بلغ 2126 مدرسة، بينها 28 مدرسة خاصة، والباقي مدارس رسمية، فيما لم تسجل لوكالة الغوث ا(لأونروا) أي مدرسة.
- بلغ مجموع طلاب التعليم الأساسي في المحافظة عام 2010 (326038 طالب) أي أنهم شكلوا 21.7% من سكان المحافظة المسجلين بالأحول المدنية لنفس العام.
- مجموع مدارس التعليم الثانوي في المحافظة (الصفوف من العاشر حتى الثاني عشر) بلغ 112 مدرسة، 14 للذكور، و20 للإناث، و78 مختلطة، بينها 3 مدارس خاصة.
- بلغ مجموع طلاب المرحلة الثانوية في المحافظة عام2010 (30076 طالب)، يشكلون نحو 2% فقط من سكان المحافظة المسجلين بالأحوال المدنية لنفس العام.
- بلغ مجموع طلاب المرحلة الثانوية للتعليم الفني، والتجاري، والزراعي، والنسوي، والصناعي، في المحافظة عام 2010، (7479 طالب).
التعليم في منطقة القامشلي في ظل سيطرة حزب العمال الكردستاني
سنتناول الواقع التعليمي في منطقة القامشلي كنموذج للمناطق التي تسيطر عليها قوات حزب العمال الكردستاني التابعة لما يسمى الإدارة الذاتية، ويأتي اختيارنا لها لعدة أسباب أهمها:
- القامشلي هي مركز منطقة، وترتبط بها نواحي مهمة وكبيرة مثل: تل حميس، القحطانية، عامودا
- التنوع الديني والاثني حيث تضم القامشلي (عرب، كلدوآشور سريان، أكراد)، ويشكل الأكراد فيها نحو 38-40% (انخفضت هذه النسبة بسبب الهجرة الكردية لأوروبا بعد الثورة)، فوجود أحياء عربية، وأخرى مسيحية، وأخرى كردية، يعطينا صورة واضحة عن الواقع التعليمي في ظل سيطرة حزب العمال الكردستاني على المنطقة باستثناء منطقة المربع الأمني، وبعض الأحياء العربية التي هي خارج سيطرتهم.
وقد قام حزب العمال الكردستاني بالسيطرة على المؤسسات والمباني الحكومية في الأحياء والنواحي والمناطق والقرى التي أخضعها لسيطرته العسكرية، ومن ضمن ذلك المدارس، وجميع المباني المرتبطة بالمؤسسة التعليمية، باستثناء المربع الأمني في القامشلي، وسرعان ما قام الحزب عبر سيطرته على هذه المدارس تحت مسمى الإدارة الذاتية بعدة خطوات في هذا الإطار منها:
- فرض مناهج دراسية بخلفية إيديولوجية تمثل حزب العمال الكردستاني، وتشجع على ما يسمونه في أدبياتهم ب“العنف الثوري"، والتسويق له، وسنستعرض لاحقاً نماذج عن ذلك.
- الاستعاضة عن كتاب التربية القومية الذي كان يفرضه حزب البعث بشكل إلزامي على التلاميذ لدراسة فكر وإيديولوجية ومنهاج حزب البعث بمادة يتم من خلالها دراسة منهج حزب العمال الكردستاني، وترويج بناء الأمة الديمقراطية، وهي إحدى الشعارات التي يطرحها في نشراته وأدبياته [4].
- قام أيضاً بفرض التعليم باللغة الكردية من قبل أشخاص غير مؤهلين علمياً، والقيام بترجمة المنهاج إلى اللغة العربية بأسلوب ركيك.
- القيام باستبعاد المدرسين الأصلاء وانتداب مدرسين من حملة الشهادة الاعدادية والابتدائية أحياناً للتدريس.
ومما يبدو في هذا السياق، فان هذه الخطوات جاءت كانعكاس لتوصيات المؤتمر الثاني لمؤسسة اللّغة الكرديّة «SZK» الذي عقد في مدينة عفرين بتاريخ 18 كانون الثاني 2015، والذي أكد على ضرورة ترسيخ النظام التعليمي وفق مبادئ الأمة الديمقراطية استناداً إلى فلسفة قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان، وضرورة تأهيل الكادر التدريسي لنفسه بجهود ذاتية، فضلاً عن وجوب خضوع جميع الأعضاء للتدريب الإيديولوجي، والثقافي، والمسلكي، وضرورة عمل الهيئة على البدء بالتعليم بشكل رسمي باللغة الكردية خلال العام الدراسي 2015- 2016.[5]
واقع المدارس في منطقة القامشلي
نستعرض من خلال بعض الجداول أعداد وتوزيع المدارس ضمن مدينة القامشلي وريفها قبل وبعد اندلاع الثورة السورية، وتشمل المعلومات على أعداد المدارس وفق الصفوف المتاحة في كل مدرسة في المدينة، وفي الريف.
أولاً: واقع المدارس قبل الثورة
ثانياً: واقع المدارس بعد الثورة
- المدارس الابتدائية التي تدرس منهاج الدولة السورية بعد الثورة (من الصف 1 إلى الصف 6):
- مدارس ضمن مدينة القامشلي:
- مدارس قرى ريف مدينة القامشلي (من الصف 1 إلى الصف 6):
المدارس التي تدرّس منهاج الدولة السورية في قرى ريف القامشلي، ونقصد بها القرى المرتبطة مباشرة بمركز مدينة القامشلي فقط ولا علاقة لها بالنواحي ( تل حميس، عاموده، القحطانية) ، وهذه القرى من ضمن القرى التي وقع الاتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية على أنها تقع ضمن المنطقة العسكرية الواقعة التابعة للنظام وميليشيات الدفاع، وعدد هذه المدارس 22 مدرسة، تتواجد في القرى الآتية: [خربة عمّو، الرشوانية، العويجة، جرمز، طرطّب، ذبَّانة، القصير، حامو، فرفرة، خراب عسكر، الرحيّة السودة، الطواريج، الدلاوية، الدمخيّة، تل أحمد، تل عودة، البجَّارية، البولاذيَّة، الرجابيَّة، السلام عليك، مسعدة، مزرعة البعث ، أبو ذويل، الگيطة].
المدارس الإعدادية التي تدرس منهاج الدولة السورية (من الصف 7 إلى الصف 9)
- مدارس ضمن مدينة القامشلي:
- مدارس قرى ريف مدينة القامشلي (من الصف 7 إلى الصف 9):
ويبلغ عدد المدارس الإعدادية التي تقوم بتدريس منهاج الدولة السورية للمرحلة الإعدادية في ريف مدينة القامشلي (11) قرية وهي الآتية: خربة عمو، حامو، القصير، طرطب، ذبّانة، الدمخية، الرحية السودة، فرفرة، الطواريج، خراب عسكر، تل عودة.
المدارس الثانوية التي تدرس منهاج الدولة السورية (من الصف 10 إلى الصف 12)
لا تزال جميع المدارس الثانوية التي تدرس منهاج الدولة السورية في مدينة القامشلي وريفها مفتوحة، باستثناء ثلاث مدارس هي: ثانوية الكرامة، وثانوية الفنون النسوية، وثانوية التجارة، والتي تم مصادرتها من قوات ما يسمى الإدارة الذاتية بقصد إقامة مراكز تربوية لهم (معاهد، جامعات، ومقرات إدارية).
نستخلص من ذلك، أن مجموع المدارس لجميع المراحل والتي بقيت مفتوحة للتدريس بمنهاج الدولة السورية في القامشلي وريفها -إذا استثنينا المدارس المكررة التي تقوم بتدريس المرحلة الابتدائية والإعدادية - معاً يكون (41) مدرسة من أصل (221) مدرسة، أي نحو (18%) فقط من مدارس منطقة القامشلي في المدينة والريف كما يلاحظ أن جميع المدارس الابتدائية والاعدادية التي تدرس منهاج الدولة السورية تقع في المناطق الأمنية التي يسيطر عليها النظام، أو قرب حواجزه، أو في مواقع وأحياء تنتشر فيها قوات الدفاع الوطني وكتائب البعث.
نماذج عملية من منهاج المرحلة الابتدائية للإدارة الذاتية (العنف الثوري)
من بين الأمور التي يشجع عليها الحزب في ادارته للمدارس في مدينة القامشلي وريفها، هي أيديولوجية “العنف الثوري". اذ غالباً ما تركز أدبيات الحزب في العملية التعليمية على نشر صور مقاتلين ومقاتلات تابعين لحزب العمال الكردستاني مع لمحة تمجيديه عن حيوات هؤلاء المقاتلين، بالإضافة إلى تقديس عبد الله آوجلان ونشر صوره بوصفه قائداً للشعب، وبطلاً للأمة. ولتوضيح هذا الجانب، سنقوم بأخذ نماذج من كتاب اللغة العربية للصفين الثاني والثالث (التي أصدرها الحزب)، وسنعتمد إدراج النص كما ورد في الكتاب، ثم نضع الملاحظات والتعقيب عليه.
أولاً: الصف الثاني
المحتويات:
- الدرسُ الأول: بطلٌ فَذ (معارف ومهارات)
- الدرسُ الثاني: سأعيش حُراً (محفوظات)
- الدَّرسُ الثالث: عروس كوباني (معارف ومهارات)
- الدرسُ الرَّابع: الشهيد (محفوظات)
- الدَّرسُ الخامِس: الخالدون (تعبير شفويّ)
الملاحظات والتعقيب على المحتويات:
- أول ما يمكن ملاحظته هو أن عناوين الدروس كلها تستخدم كلمات ومصطلحات تشيرُ غالباً إلى مفردات مستخدمة في الصراع والمعارك، " بطل، شهيد، خالدون، عروس كوباني، سأعيش حراً"
- الدرس الأول: بطلٌ فَذ
التعقيب على الدرس الأول:
- الدرس يحاول تجسيد صورة المقاتل في صفوف حزب العمال الكردستاني في سورية بمشاهد بطويلة، وبتضحية، وبرسم تاريخ شعبهم.
- يحاول الدرس رسم صورة حزب للعمال الكردستاني بوصفه يمثل مقاومة وطنية انطلقت من رحم شعوب المنطقة وتاريخها، هذا على الرغم من أن معظم قيادات العمال الكردستاني قد قدموا من تركيا لأهداف سياسية لا علاقة للوطن السوري فيها.
- الدرس استخدم المؤثرات البصرية، ثم استخدم لافتة لمركز تدريبي حمل عبارات إيجابية مثل (العلم، الفكر الحر، أكاديمية، الشهيد) وتضمنت اللافتة صورة المقاتل (البطل الفذ) الذي يدور حوله الدرس، والغاية خلق انطباع إيجابي أولي في ذهن الأطفال عن صورة المقاتل الذي ينتمي لهذه الحزب.
- معلومات شخصية عن المقاتل كتلك التي تنشر أثناء تشييعه موجودة في الدرس، الاسم الحركي (والذي سيكون ربما مثيراً لفضول الأطفال بما يحمله من معاني المغامرات)؛ يلاحظ أيضاً إغفال ذكر تاريخ ميلاد هذا المقاتل بالذات، وعادة ما يتم اغفال ذكر تاريخ الميلاد للضحايا من القاصرين بعد أن أثارت منظمات حقوق الإنسان هذا الموضوع وسجلت انتهاكات القوات الكردية بهذا الخصوص.
- النص يضم مغالطات متعمدة منها:
- استخدام مصطلح تل كوجر بدلاً من الاسم الرسمي اليعربية، واستخدام مصطلح (روج افا) بدلاً من الجزيرة السورية أو محافظة الحسكة.
- الدرس جزء من كتاب اللغة العربية للصف الثاني في منهاج الادارة الذاتية الكردية، ولذلك يتم مراعاة أنه موجه للتلاميذ العرب، وهنا يتم اختيار نماذج من مقاتلين يفترض أنهم عرب ليكونوا مثالاً يحتذى به لدى الأطفال الذين يبحثون عن بطل يقلدونه منذ طفولتهم.
- تضليل الأطفال بأن المقاتل الذي تدور حوله الحكاية هو من أبناء تل كوجر (اليعربية) وهي ناحية سكانها جميعهم من العرب، غير أن (بطل الحكاية) هو أساساً من مواليد عاموده (قرية تل خالد)، وانتقلت أسرته إلى معبدة في أواسط التسعينات، وهذا لا ينفي سقوط ضحايا عرب في صفوف قوات حزب العمل الكردستاني).
- يلاحظ هنا تكريس مسألة التفريق بين المكونات بالإشارة إلى دلالاتها العرقية، (مكون عربي) يقابله (مكون كردي .. سرياني.. آشوري.. الخ).
- رغم أن اللافتة الخاصة بالمركز تم تعليقها على أحد جدران المنازل في بلدة معبدة وليس تل كوجر إلا أنه تم الاعلان بأن هذا المركز تم افتتاحه في بلدة تل كوجر – اليعربية.
- رداءة تنضيد الخطوط المستخدمة وتنسيقها تؤكد على عدم مهنية من قام بإعداد هذه المناهج، ويلاحظ هنا أيضاً مدى التشابه بين هذا التنسيق وبين التنسيق المتبع في المنشورات الحزبية والعسكرية للحزب.
- الدرس الثاني: سأعيش حراً (محفوظات)
التعقيب:
لا يمكن وصف الركاكة التي امتاز بها النص وزناً معنىً وقافيةً، فضلاً عن توليد كلمات بطريقة هشة لا علاقة لها باللغة العربية! فلو تساءلنا عن مفردات وعبارات النص، فما الذي يمكن أن تعنيه: [لذاذةٌ، نعمت] ؟ وما معنى: [سالت عن جوهرِهِ سنية، نعمَت الحياةِ، حس الحياة الحية، تعيش عبداً حالة شقية، لنبذلن دونها ضحية؟
الصف الثالث الابتدائي
سنقوم بدراسة نموذجين
- قصيدة الكهرباء
التعقيب:
ما يلاحظ هنا، أن لغة النص ركيكة على الرغم من أن الإدارة الكردية قد أكدت على أن هذا المنهاج قد وضع من قبل لجان مختصة باللغة العربية! وهنا نتساءل:
ما معنى[لألاؤه سنِيٌّ .. مشعشع بهيٌ .. لكنه قويٌّ؟]، ما معنى: [الكهرباءُ مُنتشِرْ؟ وهل الكهرباء مذكر أم مؤنث، ولماذا انتهت كلمة منتشر بسكون؟] ما معنى: [طاقتهُ أصل السّناء؟]
- درس: مقاطعة الجزيرة
تعقيب على الدرس الأول [مقاطعة الجزيرة]:
نلاحظ في هذا الدرس جملة من المغالطات ومحاولات الأدلجة القسرية، رسائل سياسية مؤدلجة تستهدف الأطفال، نأخذ على سبيل المثال:
- تصوير مقاتلي الإدارة الذاتية بأنهم أبطال استبسلوا للدفاع عن الجزيرة.
- استخدام مصطلحات الإدارة الذاتية وشعاراتها، مثل (مقاطعة الجزيرة) بدلاً من محافظة الحسكة، (أخوة الشعوب) الشعار التسويقي للإدارة الذاتية اثناء حملاتها الدعائية بين القرى.
- اعتماد سياسة تحوير وتكريد أسماء المدن والمناطق السورية بما فيها المدن التاريخية، من نماذج التحوير عن الاسم الرسمي: استخدام (قامشلو) بدلاً من القامشلي، و (ديريك) بدلاً من المالكية، (تل كوجر) بدلاً من اليعربية أو "تل كوجك". ومن مظاهر التكريد [استخدام تربيسبيه بدلاً من (القحطانية أو قبور البيض)، و(سري كانيه) بدلاً من رأس العين، و(كركي لكي) بدلاً من معبدة]
ملاحظات حول واقع التعليم في ظل الإدارة الذاتية:
- جميع المدارس ومهما كان نوعها في كل من النواحي الآتية: المالكية، رميلان، الجوادية، القحطانية، تل حميس، عامودا، الدرباسية، رأس العين، تل تمر، تل براك، والقرى المحيطة بها مصادرة من قبل الإدارة الذاتية ويفرض فيها تدريس المنهاج باللغة الكردية وفق منهاج الإدارة الذاتية حصراً.
- هناك مدارس تحولت لمقرات أمنية لعناصر ما يسمى الإدارة الذاتية، أو مراكز تابعة لها، وعلى سبيل المثال تم تحويل مدرسة محدثة جديدة خلف الفرن الآلي الشرقي في القامشلي إلى ما يسمى بلدية قامشلو الشرقية، كما جرى تحويل مدرسة محدثة في حي علايا إلى ما يسمى مركز أسايش علايّا.
- قام النظام بفرز جميع المدرسين والمعلمين في المدارس التي تم إغلاقها أو السيطرة عليها من قبل القوات الكردية، إلى المدارس المفتوحة التي تدرس منهاج الدولة السورية، الأمر الذي تسبب باكتظاظ المدرسين في هذه المدارس التي تشكل أقل من 20% من المدارس، وفي الوقت نفسه لم تجد حلاً للطلاب في المدارس التي سيطرت عليها قوات الحماية الكردية.
- ما يلاحظ أيضاً أن نسبة كبيرة من الكوادر التي تقوم بالتدريس في مدارس الإدارة الذاتية من غير المؤهلين، فالأغلبية الساحقة منهم حاصل على شهادة التعليم الابتدائي، أو الإعدادي، ونسبة ضئيلة جداً منهم حاصلين على شهادة التعليم الثانوي، أو إجازات جامعية خارج ملاك الدولة السورية تربوياً، وبعض المتقاعدين، بل وصل الأمر إلى أن يقوم حملة الشهادة الثانوية بتدريس طلاب الجامعات في بعض الأحيان [6].
- وفرت الإدارة الذاتية الكردية رواتب شهرية مرتفعة للمدرسين الملتحقين بها، وشروط سهلة أملاً منها باستقطاب أكبر عدد ممكن من الطلاب لتدريس منهاجها.
- شهدت الأوساط الكردية في المحافظة رفضاً للمنهاج الجديد الذي تسوقه الإدارة الذاتية، ولجأ معظمهم إلى تدريس أطفالهم منهاج الدولة السورية في بيوتهم.
- يتم أحيانأً إيقاف المدارس لأي مناسبة حزبية أو نشاط في ما يسمى الإدارة الذاتية، بل وتوظف المدارس وكوادرها في هذه النشاطات الخاصة بهذه الإدارة[7].
- أغلب الطلاب الذين التحقوا بمدارس الإدارة الذاتية هم من الأحياء الشعبية الفقيرة، والطبقات الاجتماعية المسحوقة، أو بعض النازحين الذين لا يخشون من منع أبناءهم من الذهاب لهذه المدارس في ظل غياب أي حلول أخرى.
- يلتحق طلاب مدارس الادارة الذاتية بالامتحانات في مدارس النظام، لأخذ الشهادة فقط، ولجميع الصفوف الدراسية بما فيها الأول الإبتدائي.
- بسبب اكتظاظ مدارس المدينة التي تقوم بتدريس منهاج الدولة السورية، بات قسم كبير من طلاب مدينة القامشلي يدرسون في ريف القامشلي متحملين أعباء السفر المادية والطريق؛ اذ وصل عدد الطلاب في بعض الشُعب إلى أكثر من 70 طالب في الحصة الدراسية الواحدة.
- جميع المدارس الخاصة التي تتبع للطوائف المسيحية بقيت مفتوحة، وقد أصدرت الفعاليات الكنسية والمدنية في المحافظة بياناً في أيلول – أي سنة - يرفض فيه فرض مناهج الإدارة الذاتية على مدارسها، لأن هذه المناهج تعرقل وفق رؤيتهم سير العملية التربوية، وهي خطورة مرفوضة بناءً على الخصوصية الإدارية والتربوية في المحافظة [8]، كما أنها قامت بالإضراب لمدة أسبوعين، أما التي لا تتبع بشكل مباشر للطائفة أو الكنيسة فقد تم إغلاقها بالقوة.
- لوحظ أن المسؤولين في الإدارة الذاتية يدرسون أبناءهم في المدارس التي تدرس منهاج الدولة السورية.
- في مدارس الإدارة الذاتية يتم فرز الطلاب على أساس عنصري (عربي / كردي).
- يتم تدريس الطلاب العرب المنهاج الذي تفرضه الإدارة الكردية باللغة العربية. أما الطلاب الأكراد فيتم تدريسهم المنهاج الذي تفرضه الإدارة الكردية باللغة الكردية.
الهوامش:
[3] المكتب المركزي للإحصاء، المجموعة الإحصائية، التربية والتعليم، ملف 2010، آخر ولوج للموقع على الانترنت في 30 / 6 /2017
[4] انظر موقع حزب العمال الكردستاني باللغة العربية، مادة الإدارة الذاتية حلقة الوصل بين الشعب والدولة: انظر الرابط.
[5] كونفرانس الثاني لمؤسسة اللغة الكردية: تحديد نظام التعليم في مقاطعة عفرين، الموقع: مقاطعة عفرين، التاريخ: 18/01/2015، انظر الرابط.
[6] المواصلات مشكلة تضاف إلى يوميات الطلاب الجامعيين في الحسكة، الموقع: آرانيوز، 24/12/2014، انظر الرابط.
تحميل المادة بصيغة PDF:
- الرابط (1043 تنزيلات)
مهند الكاطع
باحث متخصص في التاريخ الاجتماعي للجزيرة السورية والمسألة الكردية في سورية.
مواد أخرى لـ مهند الكاطع
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.