اللعب بالنار؛ الترفيه والإيديولوجيا في لعبة "GTA 5 صليل الصوارم"

29 أيلول/سبتمبر 2016
 
مقدمة

لا يقدم أيٌ من التعريفين الموجودين في قاموس ميريام ويبستر الإنجليزي لمصطلح "ألعاب" أي إحالةٍ مباشرة تربط الألعاب  بالإيديولوجيا بالمعنى الذي تستخدمه هذه الدراسة.
التعريف الأول المقدم في القاموس يُعرِّف اللعب باختصار على أنه "ممارسة الغمار"، في حين يُعرفه الثاني على أنه "لعب الألعاب التي تحاكي ظروفاً فعلية ( كالمهن والحروب) بغرض التدريب أو الاختبار على وجه الخصوص.[1] رغم ذلك تحيل الكلمتان الواردتان بين قوسين في التعريف الثاني (المهن والحروب) بشكلٍ ضمني لعلاقةٍ بين الألعاب والإيديولوجيا، أخذاً بعين الاعتبار العلاقة الطبيعية بين حقول الاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا، في حين يحيل المعنى الأولي للألعاب لحقل الترفيه والتسلية.

ولكن بعد دخول مفهومي البروباغاندا والإيديولوجيا كأسلحة حربٍ موازية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أن حقلي السياسة – الإيولوجيا بالضرورة- والترفيه قد اندمجا للأبد. استخدم النازيون الراديو كوسيلة اتصال وخداع جماهيري، في حين استحدثت الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى "بلجنة النشاطات غير الأمريكية" HUAC في بداية ما يُسمى بالحقبة الماكارثية، وتتمثل مهمتها في قمع نشاطات الشيوعيين والنازيين في الداخل الأمريكي من خلال إصدار لائحة سوداء تستهدف أجندةً شيوعية مزعومة تحاول اختراق هوليوود وصناعة السينما بشكلٍ عام. في وقتٍ لاحق ستتم تسمية "مبادرة الدفاع الإستراتيجي" لرولاند ريغان، الذي كان عضواً في لجنة النشاطات غير الأمريكية قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ستتم تسمية المبادرة بـ "حرب النجوم"، وهو عنوان فيلم الخيال العلمي الأمريكي الذي لاقى نجاحا كبيراً في سنة 1977 وأخرجه جورج لوكاش. بعدها ستلهم هذه الملحمة سلسةً من ألعاب الفيديو بأغراض مختلفة.[2] في هذه الفترة بالذات أصبحت كل التمثيلات البصرية، ومنها ألعاب الفيديو بالخصوص، مجالات صراع إيديولوجي مفتوحة، ولم يعد يمكن الحديث بعدها عن أي شيء بصفته مجالاً "ترفيهياً صرفاً".  بتوكيدات مختلفة، أصبحت كل النشاطات ذات المغزى الاجتماعي تُستخدم بصفتها "جهازاً إيديولوجياً" بحسب النموذج الذي قدمه الفيلسوف الماركسي لويس الثوسير الذي يفصل بين أجهزة الدولة القمعية وأجهزتها الإيديولوجية. من هذا المنظور لا تختلف ألعاب الفيديو عن أي وسيطٍ إعلاميٍ آخر سوى كونها تقوم بهذه المهمة من خلال آليات برمجية خاصة تسمى "نماذج" أو models. في التمييز بين ألعاب الفيديو ووسائط الاتصال الأخرى تقول هيثر شابلن وآرون روبي أنه في حين يقوم الإعلام السردي بوصف العالم لنا تقوم ألعاب الفيديو بإنزالنا داخله. ولهذا ستكون عوامل الانخراط والمشاركة والتفاعل الآني أكبر مميزات لألعاب الفيديو، وهذا ما يجعلها مختلفة وربما "أكثر خطورة" كما يجادل أتباع المدرسة السلوكية عادة. في ألعاب الفيديو يقوم اللاعبون / اللاعبات بمواجهة تحدي تجربة واكتشاف منطق عالم المحاكاة من خلال فعل اللعب.[3] من هذا المنطلق سأحاول من خلال هذه الورقة دراسة النسخة المعدلة من لعبة فيديو  Grand Theft Auto 5 التي أصدرها تنظيم داعش، ووزعتها شبكات جهادية تابعة له، والمسماة GTA 5" صليل الصوارم"، وذلك من أجل معرفة مدى ملائمة هذه الخلفية النظرية لحالة الدراسة هذه.

لعبة فيديو "صليل الصوارم"
لعبة فيديوGTA 5"  صليل الصوارم" هي نسخةٌ معدلة لسلسلة ألعاب فيديو الحركة والمغامرات المسماة " Grand Theft Auto التي تصدرها شركة روكستار للألعاب.


ظهرت هذه النسخة المعدلة لأول مرة على مدونات الكترونية جهادية في سبتمبر 2014 مستهدفةً الفئات العمرية بين 12- 19 سنة، وتم تحميلها 40.000 مرة عند ظهورها قبل أن يتم حظرها الكترونياً. ظهر الجزء الثاني من اللعبة على مدونات جهادية مختلفة في سبتمبر 2015 بعد سنة من ظهور النسخة الأولى للعبة.[4] تقول المراجعة المصاحبة للنسخة المحملة على اليوتيوب أن الهدف من اللعبة هو "رفع معنويات المجاهدين وتدريب الأطفال والشباب على كيفية محاربة الغرب وبث الرعب في قلوب أولئك الذين يعارضون الدولة الإسلامية"[5] تحمل اللعبة المعدلة نفس اسم فيلم الدعاية الدموي الذي أنتجته داعش تحت اسم "صليل الصوارم"، والذي يستخدم فيه التنظيم الارهابي  تكنولوجيا عالية الجودة تحاكي تقنيات تصوير هوليوود. تم حظر الفيلم على اليوتيوب ولكن يمكن متابعة نسخة من الفيلم على هذا الرابط الداخلي.[6] في الحقيقة يطرح الاستخدام الحثيث للتكنولوجيا الحديثة من طرف جماعات أصولية متطرفة  تطرح نفسها كنقيضٍ للحداثة ومنجزاتها الثقافية سؤالاً كبيراً حول طبيعة هذه الجماعات، وموقفها المتناقض حول الحداثة ومعطياتها العملاتية والترفيهية، مما دفع بعدة منظرين للانشغال بهذه الإشكالية المثيرة. في مشهدٍ من فيلم المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساغو "تمبكتو" 2014، المرشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، يَظهر جهاديٌ شاب تم تجنيده حديثاً، بعد توبته من عمله السابق كمغني راب، يتم تدريبه على تسجيل فيديو دعائي للجماعة الإرهابية التي ينتسب إليها، لكن دون جدوى.


صورة من فيلم تبمكتو
صورة من فيلم تبمكتو


يقول مخرج الفيلم أن المشهد يعبر عن طبيعة الجهادي اليوم "كصانع أفلام مجتهد" و"مؤلف صعب المراس"[7]. من هذا المنظور يمكن القول أن الإرهابي اليوم ليس سوى الوجه الآخر للحداثة وهَوَسها بالفرجة spectacle واختلاس النظر voyeurism. تقاتل الجماعات الجهادية الحداثة بأحدث أسلحتها؛ الكلاشنيكوف، الكاميرة، ألعاب الفيديو والحروب الدعائية.  في النسخة الأصلية للعبة GTA 5 تتم الإشارة بشكلٍ طفيف للإرهاب، حيث يقوم عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية بالإتجار بالمخدرات وافتعال تهديدات ارهابية من أجل الثراء الذاتي. في هذا الصدد، لن تضيف ما تسمى بالدولة الإسلامية ولعبتها "صليل الصوارم" لإيديولوجيا الرأسمالية المتمثلة في تمجيد العنف والجنسانية والعنصرية سوى قتامة وتطرف وجهة نظرها الدينية المروعة. لا تدع المقدمة الافتتاحية للعبة مجالاً للشك حول أهداف اللعبة. الهدف الأول عمليٌ بحت يتمثل في اكتساب متعاطفين جدد، إضافة لاستخدام أجهزة تشغيل الألعاب كمنصات تواصل بين المقاتلين والخلايا الإرهابية التابعة للتنظيم عبر العالم. الهدف الثاني يتمثل في استخدام الألعاب "كجهاز إيديولوجي" لنشر الأفكار، وهنا لن يكون تنظيم داعش بدعاً من الأمر. الأمر الوحيد الغريب هو كون التنظيم الإرهابي يستخدم أداةً ينظر إليها على أنها تشكل الأطروحة المضادة له، ولم يكن ذلك متاحاً قبل تغير النظرة التقليدية لألعاب الفيديو كآلةٍ وكتجربة. في هذا الصدد، يُجادل ناقد الألعاب أيان بوغوست، في كتابه "كيف نفعل الأشياء بألعاب الفيديو"، أنه تم إضفاء نفس القيمة على الألعاب "كما لو كانت تتوفر على نفس المنطق والأجندة" مثل أي مكينةٍ حربية أخرى. في كتابٍ آخر حول طريقة استخدام وتطوير الجيش الأمريكي سلسة  ألعاب الفيديو الخاصة به يجادل كوري ميد في كتابه "لعبة الحرب" أن الجيش الأمريكي "استخدم ألعاب الفيديو بشكلٍ منظم للغاية لمجموعةٍ واسعة من الأغراض" أبرزها: تجنيد مجندين جدد، ثم تدريبهم، ومؤخراً معالجة اضطراباتهم النفسية مثل اضطراب الاكتئاب التال ي للصدمة النفسية المعروف ب ال PTSD.[8]


يقوم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية بطريقةٍ مماثلة باستخدام ألعاب الفيديو لأغراض مماثلة: التجنيد، كما يصرح التنظيم بشكلٍ صريح في المقدمة الافتتاحية للنسخة المعدلة للعبة، بالإضافة لكون أجهزة اللعب توفر منصات تواصل آمنة للخلايا النائمة حول العالم. في الهجمات الأخيرة على باريس ظهرت ادعاءات غير مؤكدة باستخدام المهاجمين منضدات تحكم Consoles للعبة بلايستايشن 4 للتواصل قبل تنفيذ هجمات باريس في نوفمبر 2015.[9]

تحليل شكلاني


نظراً للطبيعة الحساسة للعبة المعدلة لصليل الصوارم، حيث تم حذفها بسرعة بعد فترة وجيزة من تحميلها على المنصات الجهادية، سأعتمد في التحليل الشكلي للعبة على نسختها الأصلية إضافةً لمقطعٍ دعائي مُحمَّل في أحد المواقع الالكترونية الجهادية يُفصل آليات اللعبة ومهامها. لذالك سوف أبحث هنا في هذا الجزء ما يسمى أوليات primitives أو ميكانيكا mechanics اللعبة؛ مكونات، إجراءات وأهداف لعبة GTA 5، وكيف قام التنظيم الجهادي بتعديل هذه المكونات لخدمة أغراضه الإيديولوجية الخاصة في اللعبة. سيكون الظرف المثالي لإجراء البحث العثور على اللعبة المعدلة ولعبها لفهم أولياتها ومنطقها والتعديلات التي تم إدخالها على النسخة الأصلية للعبة، لكن حذفها من المدونات التي نشرتها يُشكل حجر عثرة دون ذلك. إضافة لسبب ذاتي اخر هو كوني شخصيا لست من هواة ألعاب الفيديو وخصوصا الألعاب ذات المحتوى العنيف.

لكن ذلك لن يُشكل عائقاً أمام المنهجية التحليلية التي سأتبعها في تحليل المادة المتوفرة المتمثلة في اللعبة الأصلية ومقاطع دعائية من النسخة الجهادية، وهو ما سيكون كافياً للتوصل لغرض البحث المتمثل في تحليل طريقة اختطاف محتوى إعلامي، كان يُنظر إليه تقليدياً على أنه "ترفيهي بحت" يُستخدم للهو وإضاعة الوقت، إلى مجالٍ جديد للصراع والفتوحات الايديولوجية بين قوتين متناقضتين إيديولوجياً، تفرقهما الأهداف وتجمعها الوسيلة؛ المحتوى الغربي "الترفيهي البحت" والمحتوى الدعائي الجهادي. سيكون التركيز هنا على الطرف الأخير الذي يضع نفسه خارج إطار الحداثة وسياساتها الترفيهية.

  1. الأبطــــال
لعبة GTA 5 هي لعبة فيديو حركة ومغامرة بمحتوى جريمة وجنس، يتيح للاعبين فرصة التجوال والمغامرة في بيئة مفتوحة، والقيام بمهام متعددة تشمل إطلاق النار وقيادة السيارات والشاحنات والحافلات وسيارات الشرطة والمدرعات الثقيلة، بالإضافة لملاحقات الشوارع والطيران بالمروحيات والطائرات.


اللعبة متعددة الأبطال بثلاث شخصيات: "مايكل شاب في منتصف العمر يمتهن الجريمة مهووسٌ بالأفلام يحصل على صفقة من الشرطة  تحت بند حماية الشهود بعد قيامه بعملية سطوٍ فاشلة قبل سنوات. عند رجوع شريكه تريفور للمدينة، وهو شخصٌ مختلٌ اجتماعياً يمتلك معمل تحضير مخدرات في الصحراء، يشكلان تحالفاً مع فرانكلين، وهو شابٌ أسود هارب من حيه الذي تعمه الجريمة وتسيطر عليه العصابات"[10] خصوم هذا الثلاثي هم أعضاء عصابة موازية تقوم بخيانة أو تخريب مخططات وأهداف الأبطال الثلاثة. يمكن للشخص حسب رغبته اختيار أسلوب السارد الغائب أو العليم، إضافةً لإمكانية خوض المغامرة بلاعبٍ واحد أو ثلاثة لاعبين خلال أو بعد انتهاء المهام. ينطوي خوض المغامرة بشخصية تريفور على ميزات جسدية ومهام غريبة وعنيفة، في حين تكمن ميزة مايكل في عمله على رأب صدع عائلته المفككة. تتوفر اللعبة على خلفيةٍ سردية تقوم الشخصيات بتطويرها عندما لا يكونون منخرطين في مهام قتالية أثناء الرحلات الطويلة على الطريق السريع مثلاً. يدور الجزء الأكبر من القصص الشخصية للشخصيات الثلاثة حول ماضي حياتهم كأفراد عصابات، إضافةً لمشاكلهم العائلية. تُشكل هذه القصص مجتمعةً الحبكة السردية للعبة.

  1. المحيط
تتوفر اللعبة على محيطين مكانيين داخلي وخارجي. وتجري أحداث النسخة بلاعبٍ واحد داخل مدينة سانت أندرياس، في حين تجري أحداث النسخة الأخرى في المناطق الريفية خارج سانت أندرياس، وفي مدينةٍ خيالية أخرى تسمى لوس سانتوس. يحدد اختيار المحيط بقية عناصر اللعبة مثل نوعية العربات والأسلحة المستخدمة في المهام.

  1. المهــــام
تتوفر لعبة GTA 5 على أكثر من 70 مهمة يمكن للاعبين تجربتها، بعضها اختياري وبعضها الزامي. توجد في اللعبة مهام رئيسية يتوجب على اللاعب إنهاؤها من أجل التقدم في المراحل. وبموازاة ذلك، يمكن للاعب الاستمتاع بمهام أقل أهمية أو تحضيرية، مثل تجميع النقود من خلال المتاجرة في الأسهم، أو مهام التوصيل، وحل مشاكل صغيرة تم تصميمها لتشكل حبكة متكاملة تجمع الحركة والمغامرة ولعب الأدوار التمثيلية. آليات تصميم اللعبة معقدة بحيث لا تجعل قواعد النظام واضحةً للاعب. في بعض المراحل مثلاً لا يمكن للاعب تخطي مرحلة معينة بنجاح قبل أن يقوم بالخطوة الصحيحة بعد تنبيهٍ معين في اللعبة، في حين لا تتوفر بعض المراحل على أية تعليمات، مما يعرض اللاعب للفشل عند تخطي إشارةٍ الزامية. تتوفر اللعبة أيضاً على قاعدة تعرض بشكلٍ فوري تعليمات مهام عن طريق حوارات داخلية للعبة ونصوص توجيه على الشاشة، مما يعني أن اللاعب سيُفوِّت بعض تفاصيل حبكة اللعبة على أقل تقدير، وفي أسوأ الأحوال قد يجد نفسه يتساءل ماذا يجري بحق الجحيم لسبب كونه كان يتابع التعليمات الخطأ. توفر آليات تصميم اللعبة مجموعةً واسعة من الخيارات للاعبين لإنجاز المهام، بما في ذلك تغيير سيناريوهات اللعبة وشخصياتها، وكذا السيارات والأسلحة والخرائط والموسيقى التصورية. كما يمكن للاعبين إنجاز المهام في الليل أو النهار في نموذج الزمن الواقعي أو الزمن المجمد.

  1. الأسلحة والمركبات
يعطي جانب الحركة في لعبة  GTA 5اللاعب خيارات واسعة بخصوص الآلات والمركبات، حيث يتيح للاعب فرصة القيادة السريعة وكماً هائلا من أنواع الأسلحة. وبخصوص السيارات والمحركات، تُوفر اللعبة كماً هائلاً من الخيارات تبعاً للسيناريو والمحيط، حيث تتنوع خيارات المحركات من سيارات الشرطة لسيارات الأجرة التاكسي والدراجات النارية والشاحنات وسيارات الإسعاف والإطفاء والمدرعات والجيبات المصفحة، وصولاً للمروحيات والطائرات الخاصة والكبيرة. كمُّ وحجم الأسلحة مريع، حيث الاشتباكات المسلحة العنيفة وطلقات الرصاص القاتلة، كما يتم التزود بالذخيرة بشكلٍ منتظم من مخازن أسلحة Ammu-Nation. المعارك انسيابية للغاية مع كمٍ متنوع من خيارات التصويب المرضية والعملية وميكانيكا تغطية تصل درجة الدقة. معظم المعارك المبرمجة محدودةٌ بخيال اللاعب أكثر من قدرته، إذ ليست صعبة للغاية لكنها مذهلة وهذا هو الأهم. على اللاعب أن يفهم أن نقطة قوة GTA 5 ليست كونها لعبةً حول قصة أو آليات، حتى لو زعمت ذلك، بل هي لعبة تدور حول الاستعراض والتجربة.[11]
  1. جماليات التصميم
بالإضافة لبُعد الحركة والمغامرة يقدم تصميم لعبة GTA5 قدراً كبيراً من المتعة البصرية. في المدينة، يمكن للاعب الاستمتاع باستكشاف ناطحات السحاب والفيلات الفخمة والفنادق الراقية والبارات وأنماط العمارة العصرية والطرق السريعة، أما في الريف فيمكن للاعب التجوال في الطبيعة البرية التي تأخذ الأنفاس من متنزهات برية لتلال وأنهار جارية وأجواء الغروب على الشاطئ وألوان قوس قزح، كل هذا مع الاستمتاع بالموسيقى والبرامج الإذاعية من حينٍ لآخر.

GTA5 النسخة الجهادية

في تصريح مثير للجدل قال الفنان البريطاني الشهير داميان هيرست أنه: "يجب تهنئة منفذي أحداث 11/9" لكونهم أنجزوا فنياً ما لم يستطع أحدٌ حتى تخيل إمكانية حدوثه". يضيف هيرست: "كثيرٌ من الناس 'سيخجل' من النظر لهذه الأحداث كعملٍ فني"، لكن هيرست يرى أن الهجمات على مركز التجارة العالمي "كانت عملاً فنياً بحدّ ذاته. صحيحٌ أنها عملٌ شرير، لكن تم ابتكاره بهذه الطريقة ليحقق هكذا تأثير. لقد كان إبداعاً بصرياً"[12]. في نفس سياق الدهشة، يمكن أيضاً قراءة اختطاف ما يسمى بالدولة الإسلامية للعبة GTA 5 سياسياً كعملٍ فنيٍ مقاوم للتمثيل المهيمن للإرهابي، وردٌ هجومي على إيديولوجيا الحرب على الإرهاب، وفنياً كاقتطاف أو تجميع فني bricolage للنمط السائد من ثقافة ألعاب الفيديو. في ألعاب الفيديو ذات المضمون المعادي للإرهاب يكون التمثيل السائد للإرهابي بصورة القوة الشيطانية التي يتسابق اللاعبون لتدميرها والقضاء عليها، لكن التجربة في لعبة فيديو صليل الصوارم تعكس هذا القاعدة ليأخذ الارهابيون أنفسهم زمام المبادرة ليقاتلوا العالم من وجهة نظرهم.

 
هنا تحل الطريدة محل الصياد. الإرهابي الذي كان موضوعاً للفعل العنفي، حيث كان يتم قصفه وقنصه وتصفيته، أصبح هو ذاتاً فاعلة في خيارٍ غير اعتيادي من تبادل الأدوار تتيحه ألعاب الفيديو كأنظمة محاكاة للواقع الثقافي والسياسي للعالم. من ناحيةٍ أخرى، إذا كانت ألعاب الفيديو قد كسرت افتراضياً "الاحتكار الشرعي للعنف" من طرف الدولة، حسب أطروحة ماكس فيبر، وذالك بإتاحتها استخدام العنف للأفراد والجماعات، فقد ضاعفت ما تسمى بالدولة الاسلامية باختطافها للعبةGTA 5  هذا الإنجاز، أولاً من خلال كسرها لاحتكار الدولة الفعلي للعنف قبل كسرها لاحتكار الشركات والدولة معاً للعنف الافتراضي.

يقدم الفيلسوف والطبيب النفسي  فليكس غاتاري تفسيراً للنقلة النوعية في طريقة تعاطي الجماعات الدينية المتطرفة مع التكنولوجيا الحديثة، باعتبارها الوريد النابض للحداثة وقيمها التي تناصبها هذه  الجماعات العداء وتسعى لتدميرها بوصفها مصدراً للانحلال والرذيلة. في محاججةٍ ثاقبة حول الذوات متعددة الأوجه في العالم الحديث يجادل غاتاري أن التكنولوجيا الحديثة تمنح الناس القدرة على إنتاج وتحويل وتخطي ذواتهم الاعتيادية. يضيف غاتاري: "من خلال التفاعل مع بعضهم البعض ومع الكائنات الأخرى ومع ''وسائل تعبير'' أخرى، أصبح بإمكان الأفراد بناء خيارات هوياتية جديدة تماماً مثلما ما يمكن ''للفنان أن يفعل باستخدام الألوان على اللوح''.[13] تقوم الألعاب بنفس الدور، كونها تسمح للفرد باستكشاف عوالم خارج ذاته الاعتيادية لأنه "عندما نلعب بالأشياء على سبيل المثال تتبدل طبيعة هذه الأشياء، وعندما نلعب مع الآخرين ستتغير طبيعتهم الآنية ليصبحوا غيرهم، وعندما نلعب مع ذواتنا تتغير تلك الذوات عن طبيعتها الاصلية لتصبح ذاتاً مضادة"[14]. من هنا، يمكن أن تصبح هذه القدرة على التحول التي تتيحها تجربة اللعب تفسيراً للطريقة التي مَكَّنت مجموعةً جامدة التفكير، متورطة في أبشع وأكثر أنماط العنف الديني توحشاً مثل داعش، من تجاوز النظرة النمطية للألعاب بوصفها نموذجا للتفاهة، وربما عرضاً من أعراض سخافة وانحلال الثقافة الغربية، إلى موقفٍ أكثر واقعية ونفعية يرى في الألعاب قدرتها الكامنة على تجنيد المتعاطفين وقتال العالم بها ومن خلالها. في العادة يتم تشفير المحتوى الايديولوجي بطريقةٍ مموهة، بحيث يقبل المواطن العادي هذا المحتوى بحذافيره دون تمحيص في مرحلةٍ أولية، قبل أن يقوم باستبطان هذه الرسائل لا شعورياً، وهذا تماماً عكس النموذج الدعائي الذي يتبعه تنظيم داعش. عندما يتساءل المرء عن الرسالة التي تخبرنا بها داعش في اللعبة عن العالم الذي تحاكيه فإن الإجابة بسيطة: في لعبة صليل الصوارم العالم ليس سوى ساحة معركة، واللاعب مقاتل، والبقية تفاصيل. وبما أن الشيطان يكمن في التفاصيل، فقد اعتنى مطورو داعش بتفاصيل اللعبة،  وأعادوا تصميمها لكي تلائم العقيدة الجهادية للجماعية.

  1. السيناريو الجهادي في GTA 5
تَركزَ التعديل الرئيسي في نسخة "صليل الصوارم" من GTA 5 حول تغيير سيناريو اللعبة لكي يلائم الأجندة الجهادية لتنظيم داعش، حيث لم يذهب التعديل على ما يبدو لما هو أبعد من ذلك لكي يشمل بقية آليات اللعبة الأصلية ،وربما يعود السبب لطول وتعقيد اللعبة، كما تم توضيحه سابقاً في التحليل الشكلي لآلياتها وبنيتها الفنية. لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن المصممين الجهاديين لم يبذلوا جهدهم. على العكس تماماً، فقد عمل التعديل الجديد على جميع العناصر الفنية الممكنة لجعل التجربة الجهادية مقنعةً ومثيرة بقدر الامكان. في اطار هذا الجهد يأتي التركيز على حبكة وسيناريو اللعبة. يُشكل اختيار تنظيم داعش للعبة GTA 5 دلالةً خاصة، حيث يقول هذا الاختيار كل شيء عن طبيعة التنظيم واللعبة معاً؛ عن تنظيم داعش كفكرة، ولعبة GTA 5 كوسيلة. هنا يُعتبر المضمون العسكري العنيف، إضافةً للشعبية الكبيرة للعبة، مصدر الإلهام الأول لتنظيم داعش في اختياره للعبة GTA 5 وليس أية لعبة تجريدية أخرى على سبيل المثال. عمل مصممو نسخة "صليل الصوارم" على تعديل بعض العناصر التي تتعارض من الطبيعة الطهرانية للتنظيم الديني في حين حافظوا على العناصر التي تخدم منهجهم الدموي العنيف. في هذا الصدد تم استبدال عناصر الشهوة والعنف والعنصرية والعسكراتية والجريمة والانحلال المجتمعي، كعناصر تمويه إيديولوجي في الثقافة الشعبية الغربية، بالنظرة الدينة المروعة لما يسمى بالدولة الاسلامية مع سبق إصرار، كما يظهر في الرسالة الاستهلالية في المقطع الدعائي للعبة "نحن نقوم بالأشياء التي تقومون بها في الألعاب على أرض المعركة"[15]

  1. الجهاديون والمهام الجهادية
يُظهر الشريط الدعائي للعبة، بطول ثلاثة دقائق، صورةً ثابتة لجهاديٍ شابٍ أبيض البشرة منقب يرتدي جلباباً أسود، وسروال تمويه فضفاض، ويحمل سلاحاً رشاشاً ثقيلاً.


في الجزء الخلفي للملصق تظهر صورة انفجار مع عبارة Grand Theft Auto مكتوبة على الراية الإسلامية بالخلفية السوداء والكتابة البيضاء وعليها شعار "لا إله إلا الله محمد رسول الله. يرمز الشكل الدائري في الصورة لختم النبي محمد الذي وُجد في العديد من الوثائق التاريخية، ويرمز ترتيب العبارتين في الجملة على أسبقية الله على الرسول".[16] يُمثل الحضور الكثيف لهذا العلم الأسود في الإصدارات الدعائية البصرية، وفي لعبة الفيديو خاصةً، رداً مباشرا على الحضور المماثل للعلم الأمريكي في ألعاب التصويب من المنظار الذاتي التي يستخدمها الجيش الأمريكي بشكل مكثف في ألعاب  "محاربة الإرهاب" الخاصة به. على شاشة تحميل لعبة "جيش أمريكا" مثلاً تظهر "عقيدة الجندي"، وقبل البدء في أية جولة  من اللعبة يقرأ اللاعب العقيدة العسكرية التي تقول: "أنا محاربٌ وعضو في فريق. أخدم شعب الولايات المتحدة الأمريكية، وأعيش قيم الجيش الأمريكي"، وتختتم الرسالة بالقول: "أنا جاهزٌ للانتشار والانخراط وتدمير أعداء الولايات المتحدة الأمريكية في معارك الالتحام المباشر. أنا حارسٌ للحرية ونموذج الحياة الأمريكية. أنا جندي أمريكي"[17]. انطلاقاً من هذا المنظور العقائدي الأمريكي، سيكون الرد في "GTA 5 صليل الصوارم" واضحاً ومباشراً. في المقطع الدعائي للعبة فيديو صليل الصوارم تظهر خمسة مراحل يمكن اعتبارها المهام التي يتوجب على اللاعب إنهاؤها. في المهمة الاولى للعبة يظهر قناصٌ جهادي شاب يختبئ وراء الأشجار، يصوب على جنود أعداء من مسافةٍ بعيدة من بندقية قنص وعنوان المهمة "قنص مجموعة من الجنود الأمريكيين".

 
في المهام الأربعة الأخرى التي يمكن للاعبين القيام بها تتلخص المهام المتبقية في، المهمة الثانية: تفجير عبوات مؤقتة على جانب الطريق ضد قوافل عسكرية. عنوان المهمة "عبوات صليل الصوارم...افجع". المهمة الثالثة: ملاحقة سيارات مدنية على طريق عام وإطلاق النار عليها. عنوان المهمة "استهداف الجيش الصفوي من الجهاديين"، في إشارةٍ طائفية للجيش العراقي. المهمة الرابعة: يظهر شابٌ ملثم يسحب ضابط شرطة من سيارته ويطلق عليه النار من مسافةٍ قريبة حتى الموت. عنوان المهمة آية قرأنية تقول: "ويشفِ صدور قوم مؤمنين". إضافةً لهذه اللعبة، يستخدم التنظيم الارهابي هذه الآية القرآنية في العديد من إصداراته الدعائية الوحشية، مثل الإعدامات المسرحية التي قام بها التنظيم ضد بعض المقاتلين الأكراد بحرقهم بالنار في أقفاص، إضافة لإعداماته الجماعية للأسرى من جيش النظام السوري في المسرح الروماني في تدمر في يوليو / تموز 2015.[18] في المهمة الأخيرة، يمكن للاعب الاستمتاع بقنص أهداف بشرية غير واضحة المعالم في منشأة محاطة بجدران كبيرة تشبه قاعدة عسكرية. عنوان المهمة: "كتم أنفاسهم بالقناصات". ثلاث من هذه المهام الخمسة مستوحاة من فيلم دموي حقيقي يحمل نفس اسم اللعبة "صليل الصوارم" أصدره التنظيم يستلهم التقنيات الفنية لأفلام هوليوود. حتى المحيط الجغرافي للعبة يشبه لحدٍ بعيد المحيط الجغرافي الذي يسيطر عليه التنظيم الارهابي. يظهر المقطع الدعائي للعبة مناظر جغرافية طبيعية جميلة غير متضررة من آثار الحرب، وهو أمرٌ بعيد عن الواقعية، نظراً للدمار الكبير الذي لحق بالمناطق التي يسيطر عليها التنظيم الديني في العراق وسوريا.

  1. الأبطال الجهاديون
في النسخة المعدلة للعبة صليل الصوارم يتم استبدال العصابة المكونة من مايكل وتريفور وفرانكلين بشخصيات مختلفة نسبياً، لم تتم تسميتها في المقطع الدعائي للعبة. الشخصية الأكثر ظهوراً في المهام الخمسة هو الجهادي الشاب المقنع بقناعٍ أسود، والذي يظهر على الصورة الدعائية للعبة. الفرق الأبرز بين النسخة الأصلية والنسخة المعدلة من اللعبتين فيما يتعلق بالبطولة هو كون أبطال صليل الصوارم قادرين على قتل أي شخص معادي بدون استثناء، في حين أن أبطال النسخة الأصلية للعبة غير قادرين على ذلك، حيث يحظر قانون اللعبة قتل رجال الأمن بل حتى ضربهم. "يمكنك الفرار من رجال الأمن لكن لا يمكنك طرحهم أرضاً، وأي محاولة لمواجهتهم بشكل مباشر ستؤدي حتماً للموت، لكون الشرطة سيفوقونك عدداً دائماً. الشرطة في GTA 5 أغبياء كأفراد، لكن لا يمكن التغلب عليهم كمجموعة، ويتم التعامل معهم في اللعبة كمؤسسةٍ مكتملة لا يمكن قهرها بأي حالٍ من الأحوال".[19] يعترض معلقٌ في مدونة، يبدو أنها لأفريقي أمريكي، على وضعية الحصانة التي تظهر بها الشرطة في لعبة GTA 5 قائلاً أنها أسطورة.[20] من هنا يمكن فهم المطالب الحقوقية التي ترفعها حركةٌ قاعدية، كحركة "حياة السود مهمة"، في وجه حالة الحصانة – القانونية على الأقل-  التي يتمتع بها رجال الشرطة بعد حوادث القتل خارج القانون المتكررة، والتي راح ضحيتها أمريكيون سود من طرف رجال الشرطة البيض. الرسالة التي تبعث بها اللعبة في هذا الجزء جلية، حيث تقول أنه لا يمكن مقاومة السلطة، في حين تبقي الوضع صامتاً عندما يتعلق الأمر بالمسؤولية القانونية لرجال الأمن. هنا تقدم أطروحة ميشيل فوكو"المراقبة والمعاقبة" تفسيراً مفيداً في هذا الصدد. في كتابه المعنون "ألعاب الإقناع: القوة التعبيرية لألعاب الفيديو"، يقدم أيان بوغوست تفسيراً إضافياً لطريقة زرع الأفكار في اللاشعور الفردي عن طريق الألعاب والنتائج المترتبة على ذالك. يجادل بوغوست أن الألعاب تتوفر على قدرة إخبار وإقناع خاصة تتم عن طريقة آلية يسميها "البلاغة الاجرائية" Procedural Rhetoric، وتعني الطريقة التي تؤدي بها آليات لعبة معينة الغرض المنوط بها من خلال "التمثيل الإجرائي"[21]. هنا تقدم لنا "البلاغة الاجرائية" تفسيراً مفيداً لسبب اختيار تنظيمٍ متوحش متعطش للدماء، مثل تنظيم داعش، للعبةٍ مثل GTA 5، وليس أية لعبة فيديو أخرى استراتيجية أو تعليمية مثلاً. حسب هذه الأطروحة، لم يكن للمطورين الذين اختاروا العمل على لعبة مثل GTA  اختيار هذه اللعبة لو لم تكن ضوابطها متماشية مع مبادئ الكره والعداوة وثنائيات الـ 'نحن' مقابل الـ 'هم'، وميزة الاستخدام المفرط للعنف. ماذا لو كانت اللعبة في نسختها الأصلية تتيح خيارات مختلفة كالتفاوض والنقاش لحل الاختلافات على سبيل المثال بدل العنف كسبيل لتحقيق الأهداف؟ هل كان مطورو داعش ليختاروا لعبةً من هذا القبيل؟ في نفس السياق يضيف بوغوست:

"احتفى العديد من اللاعبين والنقاد بلعبة Grand Theft Auto III كلعبةٍ تتيح للاعب "فعل أي شيئ والذهاب لأي مكان". هذا الموقف خاطئ لعدة أسباب. أولاً: في الواقع لا تسمح اللعبة للاعب أن يفعل "أي شيئ"، بل على العكس من ذلك، وعلى لسان أحد المراجعين "تسمح  GTAIII للاعب فعل أي شيئ يرغب في فعله ضمن ضوابط  اللعبة". تم تصميم "ضوابط اللعبة" عبر العمليات التي تقبلها اللعبة أو تستثنيها".[22]
علاوةً على ذلك، يكمن الفرق الأخير بين أبطال GTA 5 والنسخة الجهادية من اللعبة في الحالة المادية المزرية لأفراد العصابة أبطال النسخة الأصلية، مما يدفعهم لتنفيذ المهام التي يقومون بها في جميع مراحل اللعبة، في حين يكمن الدافع الأكبر للأبطال في نسخة صليل الصوارم في عقيدتهم الدينية المتعصبة. من ناحيةٍ أخرى، يوجد عاملٌ مشترك بين النسختين يتمثل في الحضور الكبير للذكورة المفرطة. في لعبة GTA 5 "يتم تقديم النساء مرةً أخرى في أدوار ثانوية كزوجات غير مخلصات، مومسات أو معتوهات. المرأة الناجحة الوحيدة في اللعبة تحوم حولها شبهة تخريب المشوار المهني لمرءوسها[23]. أما في النسخة المعدلة لصليل الصوارم فلا يوجد أي أثر للنساء على الإطلاق، أو حتى أي تمثيل لهن في اللعبة، وهو أمرٌ غير مستغرب أخذاً بعين الاعتبار العقيدة الأصولية الميساجونية التي يُعامل بها التنظيم النساء. كنقطةٍ أخيرة، تُعتبر الموسيقى التصورية إضافةً أخرى أضافتها نسخة صليل الصوارم، والتي استبدَلت على ما يبدو سيناريو حياة العصابات في GTA 5. فبدلاً من البرامج الإذاعية وموسيقى البوب يتم تنفيذ كل المهام الجهادية على وقع الموسيقى "الحلال"، من أناشيد تتغنى بمجد وشجاعة المجاهدين، وتحمل نفس عنوان اللعبة صليل الصوارم. في المقطع الدعائي من ثلاث دقائق يظهر صوتٌ ملفت لصيحات ابتهاج لبعض المقاتلين يصيحون "الله اكبر...الله أكبر"، في نبرةٍ تمزج شعور الفرحة بالبكاء بعد تنفيذ مهمةٍ جهادية.

خاتمة

ابتداءً بالمدرسة السلوكية، مروراً بنظرية المعرفة، وانتهاءً بالنظرية النقدية، ظلت الألعاب وتجربة اللعب محل جدل واهتمام كبيرين من ناحية التأثير والفائدة والمخاطر. ينظر كل فريق للألعاب وتجربة اللعب من منظورٍ خاص تركَ أثره على الثقافة الحديثة، حيث تحظى الألعاب، سواء لمن يرونها مجرد وسيلة تسلية، أو لمن يعتبرونها وسيلة تعليم، أو جهازاً إيديولوجياً بدورٍ مركزي. كانت الألعاب كجهازٍ أيديولوجي محور اهتمام هذه الدراسة من ناحية انفتاح وقابلية تعديل جميع المحتويات الاعلامية. كان الاستخدام الخاص للألعاب كمظهرٍ من مظاهر الثقافة الحديثة من طرف جماعة دينية أصولية، تقدم أطروحةً عدمية دموية، وترى نفسها على نقيضٍ من  الحداثة ومنجزاتها العملية والثقافية، ظاهرةً مثيرة تستحق التوقف والدراسة. في هذا السياق، تمت دراسة نسخة GTA 5 صليل الصوارم كحالةٍ تُقدم إضاءةً مفيدة للعديد من النقاط المتعلقة بهذا السؤال الإشكالي بخصوص الألعاب وتجربة اللعب، إضافةً لتحليل طبيعة الخطاب الديني للجماعات المتطرفة في مجالات كانت حتى وقتٍ قريب هامشيةً ومتجاوزة بالنسبة لهذه الجماعات، لتناقضها الشكلي مع فكرها  ونظرتها الدينية الاصولية المتحجرة للعالم. تتمحور النقطة الأولى حول الألعاب في قدرتها على حمل مضامين وأغراض متعددة وحتى متناقضة. يتضمن سيناريو النسخة الأصلية للعبة إشارةً خاطفة للإرهاب وفساد الشرطة ورجال الأمن الذي يلفقون تهديدات ارهابية من اجل الثراء الشخصي. طبعاص لم يخطر ببال أحد أن الارهابيين أنفسهم سيقومون باختطاف محتوى اللعبة وتحويله لمادةق دعائية لاكتتاب المتعاطفين. في حين تركز النقطة الثانية من البحث على البعد البراغماتي في تعامل التنظيم الديني المتطرف مع التكنولوجيا، وقدرته على استخدامها لتكوين سرديةٍ مضادة للخطاب السائد حول الإرهاب والإرهابيين، وتمكنه من الاستفادة ومعارضة عقيدة الحرب على الإرهاب. النقطة الثالثة والمتعلقة بالنقطة السابقة تتمثل في المرونة المفاجئة وغير المتوقعة في ذاتية الارهابي وقابليتها للانفتاح والاختيار الانتقائي لأنماط التعبير الثقافي الحديثة، عكساً للموقف الأصولي الجامد نظرياً تجاه الثقافة المعاصرة، التي تُصنف في القاموس القيمي لهذه الجماعات بوصفها فاسدةً، منحلة ومعاديةً للأخلاق. هنا، تُعتبر الإفادة التي يقدمها الفيلسوف الفرنسي أليكس غاتاري حول التكنولوجيا كمحفزٍ للانتقال الهوياتي الذاتي ذات أهمية خاصة في هذا الصدد. النقطة الأخيرة تتمثل في التشابه الغير مدرك بين عقيدتي العنف الكامنة في ثقافة العاب الفيديو، سواء التي يتم إنتاجها لصالح المستهلك الغربي، أو مماثلتها التي يتم إنتاجها من طرف جماعات دينية متطرفة، مثل ما يسمى بالدولة الإسلامية، رغم التناقض الشكلي بين النموذجين. في النسختين يتم تمجيد العنف واستخدام القوة والعسكراتية ومعاداة المرأة والإثارة الفرجوية، إضافةً للعب على الثنائيات المتعارضة من قبيل "نحن" و "هم". يكمن الفرق الوحيد في كون بعض الألعاب تقوم بكل ذلك بشكلٍ ذكي وغير مباشر، باستخدام "بلاغةٍ إجرائية"، كما توضح أطروحة أيان بوغوست، في حين يفضل النموذج المقابل تقديم دعايته بشكلٍ فج وفاضح لانتفاء الوسيلة أو الضرورة أو كلاهما معاً.

المراجع:

[1] Simple Definition of gaming: http://www.merriam-webster.com/dictionary/gaming
[2] Kit, Borys. "'Star Wars' Han Solo Spinoff In the Works With 'Lego Movie' Directors (Exclusive)". The Hollywood Reporter. Prometheus Global Media.
[3]  Heather Chaplin and Aaron Ruby, Smartbomb: The Quest for Art, Entertainment, and
Big Bucks in the Videogame Revolution (Chapel Hill, N.C.: Algonquin Books, 2005), 2.
[4]  http://islammemo.cc/vedio-images/vedio/2015/10/04/265776.html#1
[5] Grand Theft Auto: ISIS? Militants reveal video game 
[6]  https://pietervanostaeyen.wordpress.com/2014/06/02/al-furqan-media-salil-as-sawarim-part-iv/
[7] Timbuktu's director: why I dared to show hostage-taking jihadis in a new light: http://www.theguardian.com/film/2015/may/28/timbuktu-movie-jihadist-fighters-abderrahmane-sissako
[8]  Playing War: How the Military Uses Video Games: http://www.theatlantic.com/technology/clonechive/2013/10/playing-war-how-the-military-uses-video-games/280486/
[9]  http://foreignpolicy.com/2015/11/16/terrorists-video-games-and-us/
[10]  GTA 5 review: a dazzling but monstrous parody of modern life: http://www.theguardian.com/technology/2013/sep/16/gta-5-review-grand-theft-auto-v
[11]  GTA 5 review: a dazzling but monstrous parody of modern life: http://www.theguardian.com/technology/2013/sep/16/gta-5-review-grand-theft-auto-v
[12]    9/11 wicked but a work of art, says Damien Hirst: http://www.theguardian.com
[13]  Guattari, F. Chaosmosis: An Ethico-aesthetic Paradigm, trans. P. Bains and J. Pefanis (Sydney: Power Publications, 1995)
[14]  Bernard Perron, Mark J.P. Wo. Ed. The Video Game Theory Reader 2 (New York: Routledge, 2009), p. 48.
[15] SIS terror group releases trailer for GTA-like recruitment and training video game: http://www.polygon.com/2014/9/19/6559243/isis-terror-group-releases-trailer-for-gta-like-recruitment-and
[16] David Wroe; James Massola (December 16, 2014)."Flag being held by Lindt Chocolat Cafe hostages is not an Islamic State flag". The Sydney Morning Herald.
[17] Nieborg, D. R. (2009). Empower yourself, defend freedom! Playing games during times of war. In M. Van den Boomen, S. Lammes, A.-S. Lehmann, J. Raessens, & M. T. Schaefer (Eds.), Digital Material: Tracing new media in everyday life and technology (pp. 35-49). Amsterdam: Amsterdam University Press.
[18] المكتب الإعلامي لولاية حمص : يقدم : الإصدار المرئي : ويشف صدور قوم مؤمنين: https://akhbardawlatalislam.wordpress.com/
[19] How Video Games Reflect Ideology – Slashdot: games.slashdot.org/story/09/10/07/.../how-video-games-reflect-ideology
[20] 7 Bullshit Police Myths Everyone Believes (Thanks to Movies): www.cracked.com › Movies & TV
[21] Bogost, I. (2007). Procedural Rhetoric, Persuasive Games: The Expressive Power of Video Games (pp. 1-64). Cambridge: MIT Press.
[22] Ibid, p. 43.
[23] http://www.theguardian.com/technology/2013/sep/16/gta-5-review-grand-theft-auto-v
SaveSaveSave
الحاج ولد إبراهيم

باحث موريتاني ، يعد رسالته للدكتوراه في قسم دراسات التلفزيون والسينما ، جامعة اسطنبول

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.