لجنة الشفقة والقارئ المتأني: كيف لا نصدق الصور النمطيّة حول النساء المسلمات

30 تموز/يوليو 2016
 
ترجمة يسرى مرعي
ترجمت هذه الدراسة عن الانكليزية بعد أخذ موافقة الكاتبة. وكانت الدراسة الأصلية قد نشرت في كتاب: Arab and Arab Feminisms: Gender Violence and Belonging الصادر سنة 2011.

تعيد موجةُ نشرٍ حول النساء المسلمات صياغة طُعمٍ استشراقيٍ قديم، الصورة النمطيّة الغربيّة عن المرأة المسلمة كضحية، والصورة النمطية المرافقة لها، أي المرأة المسلمة كمتمردة هاربة من الإسلام. تسمي المؤلفة خطاب الصورة النمطية هذه الواسع الانتشار "لجنة الشفقة" كما وتسمي رد الفعل الدفاعي ضدها، المتحيز كذلك "الكتيبة الدفاعية".
إن قراءةً متمعنةً في عمود نيويورك تايمز المعنون "حُكِم عليها أن تُغتصب" الذي يدور حول جريمة ضد امرأة باكستانية مسلمة، توضّح تقريباً كل العناصر السبعة المفتاحيّة للصورة النمطيّة المركبة ضحية/هاربة. كما تنبّه الكاتبة إلى وجود جنسوية* حقيقية موجودة بين المسلمين ولا يجب تجاهلها، ولكنها ليست بذاك الاختلاف عن الجنسوية بين بقية الشعوب. إن شيطنة اختلاف إسلامي وافتراض كون الإسلام والمسلمين بطبيعتهم أو بشكل استثنائي متحيزين جنسياً (sexist) لا يفيد العمل باتجاه عدالة الجندر. تقترح الكاتبة؛ خمس استراتيجيات، يمكنها أن تفكك الصورة النمطيّة حول النساء المسلمات وتبقي التركيز على العمل باتجاه عدالة الجندر. وهي: التفكير بشكل نقدي، والانخراط في نقدٍ مزدوج، وإيجاد تشابهات شاملة، وتذكر التاريخ، ورفض تغييب الاقتصاد.
إن النشر حول النساء المسلمات هو سلعة ساخنة اليوم. فقد كان لدينا ثلاثية الأميرة لجين ساسون، كافرة(2007) والعذراء المحبوسة(2006) ل أيان حرسي علي، شرف ضائع لنورما خوري (كتاب العام 2000 حول جرائم الشرف في الأردن والذي ثبت أنه خدعة)، وغيرها الكثير. إن "مسلم" ليس من نفس فئة "عرب"، وكتابات مثل هذه تغطي نساء مسلمات من إثنيات مختلفة. وبنظرةٍ أقرب، يتضح أن كل هذا الخطاب الجديد عن النساء المسلمات، ليس جديداً إلى هذا الحد، كما أن الكثير منه يعيد قولبة قصة قديمة: المرأة المسلمة كضحية، وجانبها الآخر، المرأة المسلمة الهاربة.
في الصورة النمطيّة للضحية، تكون المرأة المسلمة مقيدة إلى شبكة حريمٍ تتعرض للضرب، وللاغتصاب، وتُقتَل من أجل الشرف (أو اختر أي نوع اضطهاد) من قبل الأب. الزوج، والإمام المسلمين (أو اختر أي سيد حريم)، بينما الإسلام، والقبيلة، ومجتمعها، إلخ يشاهدون بموافقة؛ يمتطي "الغرب" حصاناً أبيضَ وينقذها؛ نصل إلى النهاية. يعود تاريخ هذه القصة إلى الأدب الرومانسي، والحبكة البايرونية(1) للرجل الأبيض منقذاً الفتاة في الحريم والتي استمرت بالازدهار طوال أوج الكولونيالية، كجزء من سردية عبء الرجل الأبيض. تتبع قصة الهاربة نفس الحبكة لكنها تُروى من قبل الضحية بنفسها، التي تنزع أغلال المجتمع الأبوي المسلم من خلال نانسي درو(2) ذاتها، ثم تصادف أحضان الغرب المنتظر، أو على الأقل تتبنى فورة تسوق فيكتوريا سيكريت(3).
يروّج لسردية الضحية/الهاربة من قبل ما اسميه لجنة الشفقة النيو استشراقية. وهي ليست لجنة حقيقية، لكن الاستشراق حقيقي، بغض النظر عن عدد الناس الذين يظنون أن إدوارد سعيد قد عفا عليه الزمن. وتظهر الصورة النمطية ل الضحية/الهاربة عند كل مستوى من الثقافة. إنها مهيمنة، مما يعني أنها لا تُعتَبر كصورة نمطيّة بل كحقيقة: أي أن كون الإسلام بشكل استثنائي، وعلى نحو فريد، وفي جوهره شرير للنساء؛ تبدو وكأنها واحدة من الحقائق السائدة في عصرنا، بديهية. وهي لا تعرف حدوداً: يساريون ويمينيون، نسويون ولا نسويون، معشر المتدينين والعلمانيين في الحديث الغربي العالمي يشتركون بها. يفترض المسلمون المستشرقون ذاتياً (self-Orientalizing) أن الاشياء التي يقولها هذا الخطاب لا بد وأن تكون صحيحة، بعد كل هذه "الأدلة" الساحقة. تزدهر لجنة الشفقة في سياقات امبريالية، لذلك فهي تلاقي نجاحاً باهراً اليوم بعد شن الولايات المتحدة الاميركية حرباً في أفغانستان واحتلال العراق، إذ تصبح قصتها أغلى للمشتركين بها في كل ساعة.
انضم للجنة الشفقة، ويمكنك أيضاً أن تستهلك نكهة ضحية امرأة مسلمة طازجة في كل موسم. إذا كنتِ امرأة مسلمة، فإن وظيفة جالبة الحظ للجنة الشفقة، هاربة الشهر، هي فرصة مهنية مغرية. إذا وقّعتِ فستعطيكِ لجنة الشفقة صفقة كتابٍ أكثر سمنة من الذي حصلت عليه من ناشري الصغير. كل ما عليكِ فعله أن يكون لديك حكاية إيذاء-ختان أو زواج مدبر وستفي بالغرض كما جرائم الشرف. أما إن كنتِ لا تملكين واحدةً، فيمكنكِ اختلاقها، كما فعلت نورما خوري، وستبقى حكايتك مُصدّقة من قبل جمهور قراء معبّئ عبر قرون من صور متعصبة ضد الإسلام.
إن جنسوية المسلم الحقيقي، موجودة، كالجنسوية المسيحية، واليهودية، والهندوسية، والبوذية، والعلمانية، وغيرها من الجنسويات. والنساء المسلمات الحقيقيات يملكن تجارب تضحية. لكن أن تكوني جالبة الحظ المكرمة للجنة الشفقة الاستشراقية الجديدة، فيعني أن تستخدمي قصة الهروب خاصتك لتشيطني كل العالم المسلم، أو على الأقل بلد مسلم كامل (أفغانستان، والعربية السعودية، و إيران هي خيارات جيدة اليوم). وأنتِ سوف تحددين موقع المرهم لاضطهاد النساء؛ في الغرب فقط، الذي ينال قداسة لمساواة الجندر حسب السردية الخاصة بك. أما حكايتكِ، فمن أجل أفضل تأثير، يجب أن تتماشى مع السياسة الخارجية والنزعة الاستهلاكية للولايات المتحدة الامريكية، أو على الأقل مع الحرب على الإرهاب.
جندي أميركي يسير في أحد شوارع بغداد
جندي أميركي يسير في أحد شوارع بغداد
 على أية حال، دعونا لا نستثني ما اسميه الكتائب الدفاعية، أو المدافعين عن المسلمين، المعسكر المستضعف في الخطاب العالمي المسيطَر عليه من قبل المرجعيات الغربية، ولكن كونه مستضعفاً لا يجعله أقل خطأ. لا تباع الكتب الناطقة بهذا الخطاب عادة في "بارنز ونوبل"، بل لإيجادها، يجب أن تقرأ صحف المسجد، وغرف دردشات المسلمين، وإصدارات الصحافة المحافظة في مواقع المسلمين. إن الخطاب الدفاعي غير المحسوب لهذا المعسكر عن النساء المسلمات يشيطن أي أحد يحاول تغيير الوضع الراهن، والأكثر أهمية، أنه قد فشل تماماً في معالجة القضايا الحقيقية للجنسوية في المجتمعات المسلمة.
ما الذي يتوه في التنازع الايديولوجي هذا؟ (فضلا عن الحقيقة والحسناء، الذين دائماً، كما تعرفون، مُضحى بهما). يدفع الجهاد من أجل عدالة الجندر الثمن. ومع ذلك يستمر العمل، غالباً بطرق مختلفة. في الوقت نفسه، يمكن للقراء الملتزمين بعدالة الجندر، مقاومة سحب كلا الاتجاهين، لجنة الشفقة و الكتائب الدفاعية، من دون التأثر بالشيطنة. من خلال التفكير النقدي، والنقد المزدوج والاستراتيجيات الأخرى.


دراسة حالة: لجنة الشفقة والقارئ المتأني:
  في حزيران 2002، تعرضت إمرأة تدعى مختار ان بي بي (مختار ماي)، في قرية ميروالا النائية من اقليم البنجاب في باكستان، لاغتصاب جماعي من قبل أفراد قبيلة إقطاعية قوية. وقد قررت محكمة قبلية لا تملك صلاحيات إصدار هكذا حكم أنها يجب أن تُغتصب كانتقام للاعتداء الجنسي المزعوم الذي أدّعى سادتهم الكبار أن شقيقها ذا الخمسة عشر عاماً قد ارتكبه ضد امرأة من قبيلتهم، وهي تهمة فيما يبدو أنها قد إختُلقت لتغطية اغتصاب واحد من أزلامهم للصبي.طرق والد مختار بي بي على باب المنزل الذي علم أنه كان يجري اغتصابها فيه، ثم وضع قميصه عليها ورافقها لمنزلهم، حيث واساها هو وأمها. وقد أعرب إمام القرية مولوي (الملا) عبد الرزاق، من على منبره عن غضبه من الجريمة، متحدياً القبيلة الغنية، وكذلك فعل الصحفي الباكستاني الذي كتب عن الجريمة في صحيفة محلية. لم تكسب القصة انتباه الصحافة العالمية لبعض الوقت. ولكن أتت عدالة الشريعة بسرعة: خلال أسابيع، مختاران ماي مُنحت جائزة بقيمة نصف مليون روبية للأضرار وأُعطي للمغتصبين أحكامٌ بالإعدام. على كل، فقد استأنف المتهمون في محكمة مُلتان العليا، حيث ساعدهم قانون الإثبات(البينات) "الغربي" على إلغاء قوانين الإعدام الصادرة بحقهم. ثم أخذت الآنسة ماي القضية إلى المحكمة العليا في البلد. واحتشدت مجموعات نسائية باكستانية لدعم ماي. وفي هذه الأثناء نالت ماي الجائزة النقدية وبنت مدرسةً للبنات في قريتها. فهذا هو المكان الذي اختارت البقاء فيه: في مسقط رأسها القروي. حيث تقوم بالمهمات التي أخذتها على عاتقها من أجل مجتمعها.
   أثبتت مختاران الحقائق في مقابلة ظهرت في إسلاميكا (Islamica) (العدد 15 لعام2005)، وهي مجلة ناطقة بالإنكليزية، ينشرها خليط إثني من مسلمين، مقرها في عمّان وشيكاجو وموجّهة نحو الإسلام التقليدي. أدناه رابط المقابلة، بحيث يمكن للقارئ ان يعود إليها في النقاش التالي: الرابط
 (عند كتابة المقال كان الموقع قائماً، أما الآن فيمكن للقارئ الإطلاع على نص المقابلة على الرابط التالي: الرابط)
   لقد سمعت عن حادثة ماي لأول مرة من زميلتي في المكتب المجاور في جامعة اركنساس، د.سوزان مارّن، وهي عالمة أدبية نسوية أميركية. أرسلت لي رابطاً لمقالة في نيويورك تايمز لنيكولاس كريستوف، معنونة "حُكم عليها أن تُغتصب"، والتي نشرت القصة لجمهور الولايات المتحدة الاميركية في 29 أيلول من عام 2004، بعد أكثر من سنتين على الحادثة. وهذا رابط لمقالة كريستوف: الرابط
   يفتتح كريستوف بإشارةٍ هزليةٍ إلى وجوده في باكستان ل "مساعدة بوش في اقتفاء أثر أسامة". هل نؤطّر إيذاء المرأة المسلمة ضمن الحرب على الإرهاب حتى الآن؟ كريستوف يقول، "لا أستطيع أن أقول أنني كسبت جائزة ال 25 مليون دولار. ولكنني وجدت مصادفةً شخصاً حتى أكثر استثنائية من أسامة". ليست مختاران من نوع "المحتال" الذين يكتب عنهم عادة، يقول كريستوف. (بالمناسبة، نحن لا نسمع عن نساء مسلمات محتالات في الخطاب الغربي السائد، لأن المحتال ليست صفة ضحية).

الصحفي الأميركي نيكولاس كريستوف
الصحفي الأميركي نيكولاس كريستوف
 أصدر كريستوف هذا التصريح المبشّر بالأهداف الايديولوجية: "أنا اعتقد اعتقادا راسخاً أن التحدي الأخلاقي المركزي لعصرنا، والمعادل للصراعات ضد العبودية في القرن التاسع عشر أو ضد الشمولية في القرن العشرين، سيكون معالجة التفاوت الجنسي في العالم الثالث". (لو أنه فقط وضع فاصلة بعد "التفاوت"). ويستمر كاتب العمود في نيويورك تايمز بعبارات توحي بأنه لم يطأ أبداً قسم دراسات نسائية في بلده الأصلي: "إن محنة النساء في الدول النامية لم تُعالج كثيراً في الغرب، وهي بالطبع ليست موضوعاً ساخناً في الحملة الانتخابية. ولكنها مسألة حياة أو موت في قرى مثل ميروالا، التي تبعد 12 ساعة قيادة إلى الجنوب الشرقي من إسلام آباد". ظلم الجندر هو ليس قضية حياة أو موت أبداً في الغرب، هكذا يبدو. ثم يروي كريستوف الاغتصاب بحد ذاته: "بينما بدأ أفراد من القبيلة ذات المكانة العالية يرقصون فرحاً، جردها أربعة رجال من ملابسها وتناوبوا اغتصابها. ثم أرغموها على الذهاب إلى منزلها عارية أمام 300 من القرويين".
   "في مجتمع يقدّر الاحتشام، كيف لثلاثمائة قروي أن يشاهدها وهي ذاهبة الى المنزل عارية؟" سألتني صديقتي سوزان مارّن. رغم أنها لا تملك أية خلفية في دراسات الشرق الأوسط أو ثقافة جنوب آسيا، لاحظت سوزان فوراً هذه الثغرة في قصة الصحفي في النيويورك تايمز.
   "في المجتمع الباكستاني المسلم المحافظ"، يتابع كريستوف، "كان واجب ماي واضحاً الآن: لقد كان عليها أن تنتحر". على ما يبدو، أن الباكستانيين يفكرون بالطريقة نفسها في هذه المسألة في جميع الطبقات الحضرية والقروية. في اقتباس من شقيق الآنسة ماي الذي، إذا قرأناه خارج السياق المشحون لكريستوف، فإنه يفسّر ببساطة لماذا التعرض للاغتصاب يدفع العديدات لأخذ الانتحار بعين الاعتبار، يستشهد به كريستوف بطريقة توحي أن شقيق مختاران أرادها أن تنتحر. إنه الاقتباس الوحيد لكريستوف من أي من عائلة ماي، أي أنه يلّمح تقريباً إلى أن هذا هو موقف عائلتها، وهذا تضليل فاضح مقارنة مع ما قالته السيدة ماي بنفسها في مقابلة إسلاميكا حول دعم والديها الراسخ. كما يستشهد كريستوف بضحية أخرى للاغتصاب الجماعي في القرية والتي أقدمت على الانتحار.
   إن "عمله الميداني"  لتأسيس ولاية الانتحار انتهى هكذا، يبني كريستوف الجملة التالية ليوحي أن الباكستانيين لا يجدون سلوك المغتصب صادماً أو إجرامياً: "و لكن بدل أن تقتل نفسها، فإن الآنسة مختاران شهدت ضد من اعتدوا عليها وطرحت الفكرة الصادمة القائلة بأن العار يكمن بالاغتصاب، وليس في التعرض للاغتصاب". القارئ معذورٌ لافتراضه، استنادا إلى نص كريستوف، أن الآنسة ماي أول ضحية اغتصاب تقدم شكوى في باكستان، وأن العار هو ليس مشكلة أبداً بالنسبة لضحايا الاغتصاب في أميركا.
   تغيب عن هذا الاستنتاج ضحية اغتصاب مفترضة أخرى في هذه القصة، امرأة الطبقة العليا التي اتُّهِم شقيق ماي الأصغر بالاعتداء عليها. كما ويغيب أي نقاش حول شقيق ماي الأصغر، الذي هو نفسه ضحية اغتصاب؟ تعقّد هذه الاعتداءات الأخرى الادّعاءات التي يبتدعها كريستوف حول الجندر ومواقف الباكستانيين أو المسلمين.
   بتتبّع الدليل من القراءة المتأنية لسوزان، نجد هنا منطقاً مشوشاً أكثر: إذا كان السادة الكبار لا يظنون أن الاغتصاب جريمةٌ مفجعةٌ، فلماذا قد يرتبون ثأراً وحشياً للاغتصاب الأول المزعوم؟ حتى لو كانت التهمة الأولى مختلقة، فقد كان عليهم أن يلفقوا شيئاً من شأنه أن يقدّم دافعاً وجيهاً للانتقام.
   ثم بعد ذلك، يذكر كريستوف حكم مغتصبي ماي: "المغتصبون الآن في طابور الإعدام، وقد قدّم الرئيس برويز مشرّف للآنسة مختاران ما يعادل 8300 دولار أميركي و أمر بأن تحرسها الشرطة على مدار الساعة". لا يُحكى لنا كيف أن مجتمعاً يرى بالإجماع أن ضحايا الاغتصاب جديرة بالانتحار فقط، يحكم على المغتصبين بالموت ويمنح تعويضات مالية لضحيتهم. كما يبدو كريستوف وكأنه يقلل من شأن المال عبر وضعه بالدولارات، أي بالعملة التي يظهر فيها كمبلغ زهيد، خارج سياقه في إقليم فقير بباكستان، حيث هو هناك ثروة صغيرة. ثم ينساب إلى بورتريه لما فعلته مختاران بي بي بالنقود-افتتحت مدرسة فتيات في قريتها المحرومة.
مختاران بي بي
         مختاران بي بي
 هنا يُدخِل كريستوف لحظة تعقيد الحبكة-هو يتجول حول المكان، بدراما بايرونية(1)، في "المنطقة حيث يعيش رجال القبيلة العالية المستوى"، يتخيل الشخص، ويستشعر الخطر! تقريباً كما لو أنه هو البطل في هذه القصة، هممم، كما لو أن الحكومة لم تدرك بالفعل هذا التهديد وأعطت مختار حارساً مسلحاً. يقول هنا كريستوف أنه تكلم الى "الأم الحاكمة في عائلة عالية المستوى"، التي تستهين ب ماي -يا للمفاجأة- بحقد جدير بشخصية جوان كولينز في داينستي(4). إن الإهانة من هذه المرأة تمت دون أي إحساس سخرية من كريستوف، لتمثّل وجهة نظر كل باكستان تجاه ماي.
   يختتم كريستوف بهذه الجملة المتطرفة، والتي يجب أن تبقى مقترنة بالخزي، رذاذ كراهية واسعاّ جداً يجعلها تنبعث: "إذاً رغم أنني لم أجد أسامة، إلا أنني واجهت شكلاً منتشراً أكثر بكثير للشيطان والإرهاب: ثقافة، تتمدّد عبر حوالي نصف الكرة الارضية، والتي تلتهم النساء وتبصقهم". "نحن في الغرب نستطيع أن نساعد"، يختتم هو، بموضة كلاسيكية للجنة الشفقة. في تذييل بعد عدة أسابيع، يعد بأنك إن أرسلت شيكاً لماي، فسيحرص هو على أن تستلمه، مدخلاً القارئ في دور المنقذ الغربي للضحية المرأة المسلمة.
  قالت صديقتي سوزان، القارئة المتأنيّة. "كيف يمكن لامرأة متجنّبة ومعزولة لهذه الدرجة كما يصورها هو، أن تقف وتفتح مدرسة؟ ألن يكون هناك أناس لمساعدتها على القيام بذلك؟" حقاً!. محثوثة للبحث من قبل استفسارات سوزان، وجدت على الانترنت منتديات باكستانية فيها نسخ مختلفة بشكل واسع من القصة تطفو وسط نقاش محتدم. "لايعني ذلك أنها الحقيقة كاملة أيضاً". قالت سوزان، لكن إمكانية هذه الاختلافات تجعل السرد مفهوماً أكثر. فقصة كريستوف في حد ذاتها لا تبدو منطقية لقارئ ذكي.
 
   العناصر المفتاحية للصورة النمطيّة الضحية/الهاربة:
   يرسم عمود كريستوف عدة عناصر لقصة لجنة الشفقة عن المرأة المسلمة كضحية/هاربة:
   *دمية متحركة خرساء أو هاربة استثنائية. المرأة المسلمة التابعة للجنة الشفقة هي ليست موضوعاً مُتَكلِّماً بنفسها، وإنما مؤطّرة داخل سردية الغربي التي تعطيها صوتاً. وهو وحده القادر على أن يبني ويحلل محنتها. المثال الكلاسيكي-الحديث هي الأميرة الأصلية لجين ساسون في 1992، والتي كتبتها الكاتبة الاميريكية ظاهرياً بسبب ثرائها الخرافي، موضوع رائج لا تستطيع التكلم عن نفسها.
   في أواخر الثمانينات، كان هناك صخب لأجل "أصوات أصيلة" لتمثيل الأقليات؛ كان يُعتقد أن شخصاً فقط من نفس الهوية يمكن أن "يحصل عليه". لقد تبيّن أن هذا خاطئ؛ في النهاية، فالأمر يتعلق بالخطاب، وليس الهوية. ولكن خطاباً من "الأصوات الأصيلة" للنساء المسلمات ظهر بإخلاص،
 لاعباً إلى حد كبير نفس اللعبة في بعد أقل سردية. عندما تروى القصة عن طريق المرأة بنفسها وليس عن طريق وكيل غربي، تكون مبنيّة كاستثنائية، وعمل منفرد، فهي على رغم كل الصعاب نجت من هذه الثقافة الوحشية ووجدت صوتها ليس بسبب أنه كان هناك عوامل في داخل الثقافة مكّنتها من تطوير صوت.
   *أم خانعة. تُشَكّلُ هيئات الأم المسلمة خانعة، فتحجّم أو تُجعل غير مرئية في الصورة النمطية الضحية/الهاربة. على سبيل المثال: في النسخة الانكليزية لمذكرات نسويّة الموجة الأولى المصرية هدى شعراوي (التي أُسيء تسميتها ب "عصر الحريم" في الاختصار/الترجمة الانكليزية من قبل مارغوت بدران، 1986) تستثني الشخصية القوية لوالدتها الشركسية. في بناء دور الضحية أو الاستثناء للهاربة، تميل سردية الشفقة إلى إزالة العلاقات التشجيعية مع الأخوات، الجدات، الصديقات، وتجاهل النسويات النامية محليّاً.
   مشهد كريستوف لا يعترف بأي نسويات باكستانية أهلية ويصوّر النساء الأخريات إما عاجزات أضعاف الضحية أو بيادق شر النظام الأبوي مثل "الأم الحاكمة العالية المستوى".
*الأب المانع. التربّص حول قصة الضحية أو الهاربة هو هيئة سلطة ذكرية قاسية. فهيئة الأب المسلم هي ليست هيئة السيد بينيت الاوستني (نسبة لجين اوستن)(5) اللطيف، والذي هو في نفس الوقت أبوي، ولكن بمشاعر متباينة ورغبة مفهومة في أن يرى ابنته محمية من خلال التقيد بالمعايير الاجتماعية المقبولة. بينما حوافز الأب المسلم غامضة، أو شريرة كلياً. والد ماي، الذي لعب دوراً مفجعاً في محاولته وعدم قدرته حماية ابنته، ومن ثم الإمساك بيدها ومساندتها خلال الآثار المترتبة، غائب بشكل كلي من قصة النيويورك تايمز. لقد أعطي القارئ الانطباع المبهم بأن الأب قد تخلى عنها ليتم اغتصابها.
   *دين رديء جداً. الفكرة القائلة أن القيم الإسلامية يمكن أن تؤدي أدواراً ايجابية للنساء هي غير مقبولة في منظور لجنة شفقة كريستوف. فإيمان مختاران بي بي القوي، والذي تقول عنه في مقابلة إسلاميكا أنه كان جزءا لا يتجزأ من كيفية تجاوزها التجربة الرهيبة، هو منبوذ. بشكل سائد، الإعلام الغربي، والعديد من النسويات المسلمات العلمانيات، يفترضون كلمة "شريعة" رمز ل "اضطهاد المرأة". في حالة ماي، أيّدت الشريعة المرأة، معاقبةً الجناة في الحكم الأولي بصرامة أكثر بكثير من أي قانون غربي. لكن المصطلح "شريعة" قد مُسِح من حكاية كريستوف (تذكر، معاقبة المغتصبين هي قيمة غربية فقط). أما المصطلحات الإسلامية فتُذكر فقط عندما تقف كرموز للميسوجينية (كراهية النساء). ويغيب أيضاً من نسخة كريستوف؛ الإمام المحلي، الذي تصفه مختار بي بي في المقابلة بأنه كان "مصدراً مستمراً للدعم". في فيلم عام 1993 "ليس بدون ابنتي"، هستيريا كلاسيكية معادية للإسلام، حيث يُستخدم الأذان الإسلامي كمؤثر صوتي خلال ضرب الزوجة. هذه الكناية، تقترح أن طقوس الإسلام بذاتها متورطة في الجنسوية، ولها تأثير ملموس على المسلمين الذين يعيشون في الغرب، تروّض عداوة على رموز وممارسات دينهم، مما يمكن أن يجعلهم الهدف من إجراءات قضائية، وتحرش، أو عنف إسلاموفوبي.
 
صورة من فيلم
صورة من فيلم "ليس بدون ابنتي"
 
*بلد قاسي. تقدم قصة لجنة الشفقة عن الضحية-الهاربة البلد المسلم (أياً منهم، خذ خيارك) ككاره نساء بشكل تام. عنوان كريستوف، "حكم عليها أن تغتصب"، يدل ضمناً على أن باكستان بحد ذاتها، وافقت على اغتصاب ماي الجماعي. أما شرطة البلد والأنظمة القضائية فتكاد تتوارى في بناء الجملة في كتابة كريستوف، هذه السلطات اعتقلت، وحجزت، واتهمت، وحكمت، وسجنت المغتصبين. لقد استأنفوا، كما يفعل المتهمون، حتى في اميركا. حتى استئنافهم يرتكز على أصول الإجراءات، وهو مطلب للديمقراطية، لكن باكستان لا تلقى أي استحسان لامتلاكها هذه الحماية القانونية لجميع المتهمين. ولا يعترف كاتب عمود النيويورك تايمز حتى بزميله الصحفي، الكاتب المحلي الذي كان الأول بنشر أي شيء يتعلق بالحادثة، رغم الخطر عليه (لكن ليس لكريستوف) من الثأر من القبيلة المحلية الغنية. وهنا رجل باكستاني آخر في القصة والذي لا يتصرف كوغدٍ، ممسوحٌ من نسخة النيويورك تايمز.
   مختار كريستوف، على عكس مختار التي تتكلم في مقابلة إسلاميكا، غير مرتبطة بمجتمعها عن طريق روابط الحب، والقرابة، والهوية الشخصية؛ هي من دون عون، عدا عن ذلك التي يحث الغرب عليه. يدنو مني أحياناً الجمهور الذي يسمعني أقدم هذه المادة قائلاً أنه انصرف عن قراءة مقالة النيويورك تايمز مصدقاً أن باكستان، والشريعة الاسلامية، تغاضت عن الاغتصاب الجماعي. قراءة لا مبالية، أم نتيجة الاستراتيجيات الخطابية للعمود نفسه؟
   *اقتصاد مغيّب. ما يغيب عن عمود كريستوف هو تحليل الطبقة. فإذا شُملت الطبقة، تبدأ القسوة في القصة تبدو مألوفة بشكل مرعب بالنسبة للقراء الاميركيين، و ليس "إسلامية" "Izlahmic" بشكل غريب. كلمات ماي في مقابلتها على إسلاميكا، في تناقض حاد، تدل على أنها ترى نفسها تعاني من وضعها الطبقي، وليس بسبب هويتها الدينية وفقط إلى حد ضعيف بسبب ذاتيتها الجندرية. وبينما تعبر عن ارتباكها من أن أي شخص من الممكن أن يظن أن اغتصابها متغاضى عنه من قبل الإسلام، فهي تتطرق بشكل متكرر إلى وضعها كإنسانة فقيرة. وعند سؤالها لماذا لم يساعدها أغلب القرويين، فهي تقول، "كان الآخرون خائفين. قد يفكرون: ‘نحن فقراء، وربما إذا واجهنا، السادة القبليين فسوف يسيؤون لنا بنفس الطريقة’. كان هؤلاء الناس في قلوبهم معنا، لكنهم كانوا خائفين من إظهار ذلك". وتضيف نقداً على أساس طبقي للشرطة والحكومة: "على أية حال هم لا يكترثون أبداً عندما تحدث أشياء كهذه لأناس فقراء". مُحاور إسلاميكا، عازم على إحراز نقاط كتيبة الدفاع عن الدين، ينزلق عن تحليل طبقة ماي أيضاً. ولكن نموذج المقابلة يسمح لتعبيرها عن المشكلة بالظهور. بينما يطمس كريستوف صوتها تحت وطأة زهوة نصره المتعالي و الإسلاموفوبي بصراع ثقافي في نفسٍ نسوي زائف.
   *حجاب خسيس. عنصر واحد مفقود في عمود كريستوف والذي عادة ما يوجد في سرديات لجنة الشفقة، ممثلاً دور البطولة كأكثر الأدوات اضطهادية منذ المخلعة  ”Rack”، ألا وهو الحجاب. الحجاب -وبشكل غير مفهوم لغالب الذين يرتدونه- قد أمسى رمزاً مرئياً للجنسوية الإسلامية. يمكنك بشكل دائم تقريباً أن تستجلي كتاب لجنة شفقة من خلال غلافه: صورة امرأة بوجه نصف مخفي بحجاب هو تقريباً ملزم اجتماعياً وثقافياً. رغم أن تغطية الوجه، هو طريقة لباس مفضلة من قبل العديد من النساء على هذه الأرض، وهو ليس اضطهادي بحد ذاته، لكن هذه الصورة تستخدم على أغلفة هذه الكتب ضمن مجتمع خطابي حيث علامة كهذه تعني "جنسوية إسلامية".
 
التابع يتكلم، لكن من يستمع؟
   السيدة ماي لم تطلب أبداً أن تُدرج كضحية الشهر للغرب. تفيض قصتها على حواف الصورة النمطيّة. إن كانت باكستان مثل برج حصين(زنزانة) للنساء، فلماذا، على سبيل المثال، اختارت مختار بي بي الاستمرار بالعيش هناك، الآن وهي تملك كل الوسائل للمغادرة؟، ورغم ذلك، خطابات النشر والافتتاحية التي يشتغل بها كريستوف تقولب القصة لأفق توقعات لجنة شفقتهم. تجنّد النساء المسلمات في أدوار الضحية أو الهاربة سواء ذهبت عن طيب خاطر أم لا.
 
 تهمة الكتيبة الدفاعية:
   هناك المزيد في قصة ماي، توضيح النصف الثاني من الدينامية، حيث تدخل الكتيبة الدفاعية. سريّةُ الحد من الضرر هذه (ليست قوات مسلحة حقيقية، ذهنية) هي غالباً تفاعلية، بينما لجنة الشفقة قوية، واستباقية، وتحدد الأجندة. إنه مجتمع خطابي يرى دوره ك "حماية الإسلام" في مواجهة الهجوم الغاشم الايديولوجي. إنه يشّيئ أو يجمّد الإسلام في قالب واحد، بقدر ما تفعل لجنة الشفقة، ولكن من الاتجاه المقابل. فحيث تسيء لجنة الشفقة، تجمّل الكتيبة الدفاعية، بدلاً من التماس تحليل مركب حقيقي لعلاقات الجندر في العالم الإسلامي.
   بعد أن أمسكت صحافة الولايات المتحدة الأميركية بقصة ماي، كانت هناك ردود أفعال دفاعية في الصحافة المسلمة، في باكستان وعالمياً. الرئيس الباكستاني، الذي هو في فئة الحكام المستبدين (اوتوقراطيين)، ليس مثل المعسكر الدفاعي ولكنه هنا تداخل معه، استشف بشكل صحيح المناصرة الاميركية لمختار وغرقها في أجندات لجنة الشفقة النيو استشراقية. لكن بشكل خاطئ حظر عليها السفر للخارج. عندما تجيء حركة هذه الكتيبة الدفاعية المرجعية بنتائج عكسية، صانعة صحافة أكثر سلبية لباكستان مما كانت ستفعله رحلتها للخارج، يرفع هو الحظر، متبرماً، ببرود لا يُغتفر، حول نساء تجني مالاً من تعرضها للاغتصاب.
   نتيجةً لجهود النسويات المسلمة المناصرة للاسلام مثل الدكتورة آصفة قريشي (Dr.Asifa Quraishi) من جمعية المحاميات المسلمات من أجل حقوق الانسان كرامة، لم تُردع عدة منظمات مسلمة أميركية مهمّة من قبل الكتيبة الدفاعية، وساندوا زيارتها، التي نظّمتها الشبكة الآسيوية الاميركية ضد انتهاك حقوق الإنسان. تأتي مختاران بي بي إلى الولايات المتحدة الأميركية، تتكلم في مسارح حقوق النساء، وتجمع المال من أجل ضحايا الزلزال الباكستاني ومشروع مدرستها الموسّعة. على كلِّ، أسلم عبدالله (Aslam Abdullah)، محرر (The Minaret)، من منشورات المركز الإسلامي في لوس انجلوس، يشكّك في مصداقية نسخة الآنسة ماي عن الاغتصاب في منشور على باكستان لينك (Pakistan Link)، كما استنكر بعض المسلمين الآخرين ظهورها في الولايات المتحدة معتبرينها "حيلاّ دعائية" انتهازية. هذا التحول من النقد الجوهري الى هجوم مشخصن هو حركة نموذجية للكتيبة الدفاعية. في الحالات المتطرفة، والمستهجنة، في نهاية نمط الاستجابة هذا، تصبح هدفاً لتهديدات المسلمين مفرطي الدفاعية.
   تجنّد النساء المسلمات لتكون جالبة حظ للكتائب الدفاعية أيضاً. جالبة الحظ هذه هي ابنة صالحة، على العكس من الابنة الهاربة المتمردة على الجانب الآخر. تجد المرأة المسلمة الرمز  في المجالس واللجان غالباً نفسها في أدوار مناصرة المسلم، سواء ارتاحت فيها أم لا.
  يتهم عادة المعسكر المدافع أيضاً؛ أي مبادرة لتغيير الوضع الراهن للجندر بأنه مُفسدٌ بالتمويل أو النفوذ الإمبريالي الغربي. إن تغيير الحياة، وتغيير البلاد، والعنف الوحشي الذي نُفّذ في العديد من البلاد من خلال الكولونيالية لا يمكن أن يُنتسى، ولا الإمبريالية في الماضي؛ غزواتها الجديدة تستمر. لكن هناك وقت للاعتراف أنه مهما فعل ويفعل الظلم الإمبريالي، هناك مظالم أهلية تحتاج تلافياً.
   في الأردن، على سبيل المثال، هناك حملة لتشديد القوانين ضد جرائم الشرف، وهي جريمة ليست مقبولة من قبل الشريعة، إذ أن مصدرها القيم الوثنية للقبيلة وهي تنتهك المبادئ الاسلامية. (جرائم الشرف تُعامل كجريمة في كل بلد مسلم؛ المشكلة هي نقص الصرامة التي تُعامل بها). القانون الأردني وثيق الصلة بجرائم الشرف، وفي الحقيقة، فإن المادة98، تأتي من القانون النابليوني، وليس من الشريعة الإسلامية. رغم ذلك المبادرة الأردنية المحلية ضد المادة 98 وشقيقتها، المادة 340، ملطّخة من قبل الإسلاميين الأردنيين باعتبارها هجوماّ، مُلهم غربياً، مدعوماّ صهيونياً على القيم العائلية التقليدية الأردنية.
  إن التعامل مع الآثار الضارة من الصراع العنيف بين خطاب لجنة الشفقة المتعصب وردود فعل الكتيبة الدفاعية المتعصبة هو شيء ثانوي جداً للقلق بخصوصه عندما يجب أن يكون وقتك مقضياً في محاربة جرائم الشرف بحد ذاتها. وهذا فقط مثال واحد عن كيف أن لجنة الشفقة وعدوتها، الكتيبة الدفاعية، تخلق ديناميكية سيئة تعرقل النضال الفعلي لعدالة الجندر. هكذا تشوهنا الصور النمطية كبشر؛ تأخذ طاقتنا بعيداً عن تنمية أخلاقية حقيقية. عندما نقول أن النساء المسلمات لا تلائم الصورة النمطيّة للضحية، فهذا لا يعني أن علينا الابتعاد عن التزامنا الأخلاقي بتغيير حقائق الجنسوية المسلمة، تماماً كما يجب علينا أن نعمل ضد الجنسوية المستوطنة في أميركا.
   من الممكن المشاركة في مبادرات عدالة الجندر، لإنتاج خطاب عن النساء المسلمات، ليضم قضايا الإسلام والجندر في منهج أحدهم، أو حتى ببساطة قراءة كتاب حول النساء والإسلام، وليس تعزيز خطوط المعركة؟ نعم، بقليل من التخطيط الاستراتيجي.
  
تخطي لجنة الشفقة، تجنّب الكتيبة الدفاعية:
   تقول الناشطة الأميريكية الأصلية وينونا لا دوك (Winona LaDuke) استخدموا استراتيجيات متعددة، خمس استراتيجيات قد تساعد على التصدي لخطابات لجنة الشفقة والكتيبة الدفاعية: تفكير نقدي، نقد مزدوج، تشابهات شاملة، رفض فقدان الذاكرة التاريخية، ووعي الفروق الاقتصادية.
   التفكير النقدي. منطق "اذا أ... فإن ب..." الجيد عتيق الطراز يعمل. شكراً لك، أرسطو، لا يهم كم كنت متحيزاّ جنسياً، وشكراً لك الفارابي وابن رشد، الأرسطوات المسلمين من القرون الوسطى. شكّكت زميلتي بالقصة بسبب تضاربات منطقية، وهذا أوصلها إلى البحث عن نسخ أخرى للمقارنة.
   نقد مزدوج. نقد الاضطهاد في المجتمع المسلم العالمي بينما وبشكل متزامن نقد الاضطهاد المرتكب من قبل وفي المجتمعات الغربية، شنُّ معركة مزدوجة الواجهة، وانتزاع عمل الجندر من كلا المعسكرين. هنا يمكننا أن نستعيد 4:135 من سورة القرآن عن "النساء" (بشكل ملائم)، فهو نص يفسّر أن انتقاد المرء لمجتمعه الذاتي قوة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَنْ تَعْدِلُوا ۚ وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٣٥﴾".
   أوجه الشبه الشاملة. يشيطن كريستوف ثقافة قصيّة، ثقافة يراها ممتدة عبر الجانب الآخر من الكرة الأرضية، لكن على أي بعد شاسع من نيويورك هي كراهية النساء (الميسوجينية)(Misogyny) التي أنتجت اغتصاب الآنسة ماي؟ اسأل كيتي جينوفيز (Kitty Genovese)، التي سُمعت صرخاتها من قبل ثمانية وثلاثين من جيرانها في مانهاتن عندما اغُتصبت وقُتلت في عام1964. أو اسأل ضحية الاغتصاب في غلينريدج عام 1989، نيوجيرسي، التي اغتصب فيها أربعة لاعبي كرة قدم امرأة شابة متخلفة عقلياً. هل من الصعب التصور، في بيئة أميركية، أن رياضيين نجوماّ من عائلات بارزة من الممكن أن يجدوا بعض الدعم المحلي لسوء معاملتهم لامرأة بموارد محدودة؟ "مؤيدون يحيطون مدرباً متهماً بجرائم جنسية"، اقرأ العنوان الرئيسي بتاريخ 11 آب عام 2008 حول ست فتيات في المدرسة الثانوية في وارنسبورغ بولاية ميزوري واللواتي أبلغن عن انتهاك جنسي من قبل مدربهم المحبوب، فقط ليحصلن على عداء مدرستهم و بلدتهم (انظر: "كان الرابط يعمل عند كتابة المقال، أما الآن فيمكن قراءته في مواقع أخرى"  الرابط
الجنسوية المسلمة موجودة؛ لكنها فقط ليست بذاك الاختلاف عن الجنسوية بين بقية الشعوب، على الرغم من امتلاكها أشكالها المحلية المحددة. بشكل غريب، بعض تشييء فكرة الاختلاف الثقافي والديني هو خلق مسبب للجنسوية في عمود كريستوف. الجنسوية في "مجتمع مسلم محافظ" لا تُعتبر كشبيه للجنسوية في "الغرب". إن رؤية عالم الإسلام كأجنبي تماماً بهذه الطريقة، حيث "هو(It)" بدلاً من "أنت" تتضمن فقدان ذاكرة واحد وعمى واحد، ضد ما يمكن للقارئ المنتبه أن يخططه استراتيجياً.
  
تذكر المرء لتاريخه:
إن فقدان الذاكرة التاريخية يضرب أولئك الذين يفترضون ميسوجينية إسلامية جوهرية، وهو فقدان ذاكرة متعلق بالحقيقة القائلة أن نفس المناقشات حول حقوق النساء، والتي تدور في العالم الإسلامي في آخر 110 أعوام، تحتدُّ في الولايات المتحدة وأوروبا في آخر 150 عاماً. يصل التباين إلى حوالي بضعة عقود (أقل أو أكثر) من تغيير اجتماعي، تبعاً للدولة المسلمة، حتى على الرغم من الاختلاف المضاف بأن قانوناً دينياً ما زال قائماً في العديد من الأمم المسلمة وليس في الغرب. أعرف أنه ليس صحيحاّ سياسياً القول أن البلدان المسلمة متأخرة عقدين، أو ثلاثة أو أربعة في بعض القضايا. ولا هي دقيقة في كل حالة، لكنها بداية مفيدة للمقارنة: الولايات المتحدة كانت مجتمعاً أبويّاً زراعياً تقليدياً في وقت قريب من وقت الثورة الصناعية، واجتازت مراحل طويلة من التطور مع تغيير اجتماعي ملازم. وكانت العديد من البلدان المسلمة قد بدأت كمجتمعات زراعية ما قبل صناعية منذ عدة عقود مضت. يختلف العقد المحدد حسب الدولة، لكن جميعها حشرت في مدة زمنية أقصر عدة مراحل تطورية مماثلة لتلك التي كانت بمثابة محفزات لتغيير اجتماعي في الدول الغربية. في العديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة هذه العمليات كانت معقدة، أيضاً، عن طريق التأثيرات المُوهنة للاستعباد الكولونيالي الأجنبي.
   حدثت الموجة الأولى للنسوية في الولايات المتحدة الأميركية من ستينات القرن التاسع عشر إلى عقد 1910، أما في مصر من ثمانينات القرن التاسع عشر إلى ثلاثينات القرن العشرين، وعلى الرغم من أن بعض القضايا المحددة مختلفة، لكن العمليات كانت مماثلة. الثلاثينات من القرن العشرين إلى الخمسينات من القرن نفسه كانت في الواقع أكثر تقدّميّة في العالم العربي، وشبه القارة الهندية، وإيران، و تركيا، مما في الولايات المتحدة، كعصر افتتاح أدوار جديدة للمرأة، افتتاح مثير للجدل بشكل كثيف. في هذه الأثناء في الولايات المتحدة، كان لا يمكن لامرأة أن تحصل على قرض بنكي من دون زوج، كما سادت ثقافة الحياة المنزلية الأنثوية في خمسينات القرن العشرين.
 
امرأة أميركية في الخمسينات
امرأة أميركية في الخمسينات
 
 وقد استيقظت النسوية مجددا في الولايات المتحدة الأميركية وأزهرت إلى حركة جماهيرية في سبعينات القرن العشرين. لكن الحملة النسوية لتغيير المواقف الأميركية من العنف الأسري، على سبيل المثال، لم تحصل على موطئ قدم في السياسات العامة إلا في أواخر سبعينات القرن العشرين (فيما بعد في تكساس، كما أخُبِرت). لماذا إذاً يجب أن يكون مفاجئاً أنه في عقد ال2000، تترأس الصحفية السعودية ابتهال مبارك الحملة العامة الكبيرة الأولى ضد العنف الأسري في العربية السعودية، دولة ما قبل صناعية حتى العام 1936، وأن تواجه مواقف بدائية؟ هل ببساطة لا يتذكر الأميركيون كم هي حديثة العهد المقاومة البدائية لمجتمعهم ذاته ضد الإصلاحات النسوية وأن مساواة الجندر لا تزال جهاداً مستمراً، ملاحظاّ بشكل غير متساو عبر الولايات؟.
  
الإقتصاد ليس مغيّباً:
كتب مارتن بوبر”Martin Buber” ذات مرة،"عندما لا تعود الثقافة مركّزةٌ في عيش وعملية ترابطية متجددة باستمرار، فهي تتجمد في عالم ال "هو" ”It-World” . وعالم ال "هو" يرى الناس كسلع، ويعامل قصص النساء المسلمات كقصاصات في لعبة عالمية للهيمنة والاستهلاك. هؤلاء الذين يجسدون "الإسلام" كالسبب المطلق لإساءة معاملة النساء في "العالم الثالث" يبدون معميين عن حقيقة أن الدمار العالمي للمجتمعات العضوية من خلال شركات دولية وبمساءلة قليلة بشكل مرعب، والفجوة المخيفة بين فقراء العالم وهؤلاء الذين مستويات استهلاكهم لغّمت إقتصاديات كل الآخرين، هي أكبر العوامل في الرفاهية أو عدمها للأغلبية الساحقة من النساء المسلمات. وقد قوَّضت هذه المظالم الإقتصادية بالمثل رفاهية النساء الأميركيات الفقيرات وأفقرت أفراد الطبقة العاملة في الولايات المتحدة. هذا هو أكبر تشابه شامل، وأكبر مستغل للمرأة، ونحن كلنا أقرباء في النضال ضده. لهذا السبب خيضت الحروب. وليس حول الثقافة.
   في هذه المعادلة، المرأة المسلمة الفردية يمكن أن تكون بنفس القدر الظالمة والمحتالة كما يمكن أن يكون الرجال المسلمون، والرجال والنساء الغربيون. امضي قدماً، واسألني كيف: لأن أولئك منا الذين هم مستهلكون مميزون ويحدث أن يكونوا نساء مسلمات لديهن سلطة بنفس مقدار أي شخص مميز آخر للاستهلاك و التدمير، وخاصة عندما نتحالف مع مؤسسات السلطة. وإذا كنت تعتقد أن ما نرتديه أو لا نرتديه على رؤوسنا له أي علاقة بتلك السلطة أو إساءة استخدامها، فسأحتاج الى أن أضربك على أنفك.

ملاحظات و هوامش المترجمة:
*تم ترجمة (sexism) اعتمادا على ترجمة عدنان حسن لكتاب الاستشراق جنسياً ل إرفن جميل شك، حيث وضع المترجم ملاحظات تتعلق بترجمة ومعاني بعض المصطلحات ومن بينها الجنسوية sexism وهي في ترجمته: نزعة فكرية أو معتقدية، مثل العرقية أو الطبقية...الخ، تركز على الفوارق بين الجنسين، أو تفسير السلوك البشري، والظواهر النفسية، والاجتماعية من منظور جنسي بحت.
  • نسبة إلى الشاعر الرومانسي البريطاني اللورد بايرون.
  • نانسي درو: هي شخصية خيالية في سلسلة من أدب الغموض (الروايات البوليسية).
  • فيكتوريا سيكريت: أكبر محلات وماركات أميركا للملابس الداخلية النسائية.
  • مسلسل داينستي مسلسل شهير لعبت فيه الممثلة جوان كولينز دور أليكس.
  • السيد بينيت: شخصية من شخصيات رواية "الكبرياء والتحامل" لجين أوستن و هو يمثل العنصر الذكوري الوحيد في عائلة بينيت.
يسرى مرعي
مترجمة من سوريا، تترجم عن اللغتين الإنجليزية والروسية. تركز في ترجماتها على الدراسات التي ترصد علاقة الحداثة بالعمارة في الشرق الأوسط. إضافة إلى الاهتمام بالدراسات حول الإسلام اليومي والاستشراق.

SaveSaveSaveSaveSaveSaveSaveSaveSaveSaveSaveSave

مهجة قحف

ولدت في سوريا، وهاجرت مع والديها الى الولايات المتحدة، وقد أصبحوا فيما بعد منفيين. بروفسورة الأدب المقارن و دراسات الشرق الأوسط في جامعة أركنساس، و مؤلفة الفتاة ذات الحجاب النارنجي، و هي رواية عن فتاة سورية تنشأ في الولايات المتحدة. انضمت إلى الحركة السورية السلمية (أسست في سوريا في نيسان من عام 2011) بعد دعوة من أفرادها المؤسسين.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.