تقديم
تُعتبرُ ساحة العلاقات الخارجية مع دول العالم، وخاصةً الولايات المتحدة، واحدةً من أكثر الساحات المليئة بالتحديات، والتي واجهتها الثورة السورية، ومَن تصدَّى لقيادتها، منذ اللحظة الأولى. وربما يُجمعُ السوريون على أن الفشل كان النتيجة التي غلَبت على طبيعة العمل في تلك الساحة مُعظم الأحوال.
فمن البداية، لم ينجح المجلس الوطني، ولا الائتلاف، ولا غيره من الهيئات التي تلت، في الخروج بنمط عملٍ مؤسسي مُحترف. وكان هذا واضحاً إن لجهة مضمون السياسة الخارجية ومحدداتها الرئيسة، أو لجهة الهيكلية التنظيمية والإدارية التي تتولى تنفيذ تلك السياسة.
لقد بدأت مسيرة العلاقات الخارجية على شكل اتصالات وعلاقات شخصية بين بعض قيادات وأفراد المؤسسات المذكورة أعلاه وبين قياداتٍ عربية وإقليمية وعالمية، واستمرت بذلك الشكل على مدى أكثر من عشر سنوات، وهي تتجلى اليوم بنفس الطريقة، وبأبشع صورها التي سمع ويسمع عنها السوريون في الشهور والأسابيع الأخيرة.
وبغض النظر عن بعض الممارسات والاجتهادات التي حصلت لصناعة سياسةٍ خارجية، خاصةً في المجلس الوطني، ويمكن إدراجها في إطار محاولات العمل المؤسسي، إلا أنها بقيت حبراً على ورق، ولم يمكن ترجمتُها على الإطلاق إلى برنامجٍ عمليٍ يظهر تأثيره الإيجابي الحقيقي على الثورة.
المفارقة أن قيادات المعارضة السياسية لم تُفلح في الاستفادة بشكلٍ حقيقيٍ وفعال حتى من السياسيين القلائل المناصرين قلباً وقالباً للثورة السورية، وللأهداف التي أعلنتها منذ انطلاقها. وكان في مقدمة هؤلاء السفير فريدريك هوف، وهو أول سياسي / دبلوماسي عينتهُ الإدارة الأمريكية للتعامل مع القضية السورية.
فعندما غادر السفير، في عام 2018، منصب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات المعروف The Atlantic Council قال ما معناه: "سأحاول أن أفعل ما أستطيع القيام به فيما تبقى من عمري لدعم ثورة السوريين" وهو يعبِّرُ عن مشاعره تجاه سوريا والسوريين. والحقيقة أن وجود هوف الداعم للثورة، كإنسانٍ وكدبلوماسي، سيبقى علامةً فارقةً حين يتعلق الأمر بمواقف الساسة والدبلوماسيين والمحللين الغربيين، وخاصةً الأمريكان، تجاه الثورة السورية. ذلك أن كل من تعامل مع أولئك الساسة من السوريين يعرف أن موقف الرجل المبدئي من الثورة السورية كان ولايزال مميزاً للغاية.
وقد يكفي مثالاً الإشارة إلى استقالته من منصبه كأول مبعوثٍ أمريكي للقضية السورية بعد الثورة احتجاجاً على سياسات الرئيس أوباما الذي تحدث عن "خطوط حمراء"، لكنه عملياً سمح لنظام بشار الأسد باختراقها، متجاهلاً بذلك موقفه كرئيسٍ لأقوى دولةٍ في العالم، ترفع شعارات دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولهذا السبب فيما يبدو، بقي الخطُّ الأكثر وضوحاً في نشاط السفير، البحثي والدبلوماسي، على مدى السنوات العشرة الماضية، يتمثل في نقد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الثورة السورية، وفي محاولة تغيير تلك السياسة، سواء كان ذلك من خلال تقديم أوراق اقتراحات سياسية مفصلة، أو من خلال الاستجابة لطلبات السوريين بتقديم نصائح تتعلق بمداخل التأثير في تلك السياسة، وخاصةً لشرائح السوريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، ويمكن لهم الحركة فيها كـ "لوبي سوري".
كما يؤكد السفير دائماً على نقطتين. تتمثل الأولى في ضرورة تأمين الاستقلالية للسوريين العاملين للثورة، وبالتالي على ضرورة أن يتخذوا كل الأسباب الممكنة ليكونوا هم أصحاب القرار النهائي في أي جزئيةٍ من الجزئيات المتعلقة بصيرورة الثورة السورية، في جميع المجالات، وعلى كل المستويات. وتتمثل الثانية في إيمانه العميق، المصحوب بالواقعية، بحتمية انتصار الثورة السورية، وحقِّ وأهليةِ الشعب السوري في تحقيق أهدافها بشكلٍ كامل. وستكون آخر عبارةٍ له في هذا الحوار مثاليةً في إطار التعريف بنظرته إلى مسار الثورة السورية ومآلاتها نهاية المطاف.
فمن البداية، لم ينجح المجلس الوطني، ولا الائتلاف، ولا غيره من الهيئات التي تلت، في الخروج بنمط عملٍ مؤسسي مُحترف. وكان هذا واضحاً إن لجهة مضمون السياسة الخارجية ومحدداتها الرئيسة، أو لجهة الهيكلية التنظيمية والإدارية التي تتولى تنفيذ تلك السياسة.
لقد بدأت مسيرة العلاقات الخارجية على شكل اتصالات وعلاقات شخصية بين بعض قيادات وأفراد المؤسسات المذكورة أعلاه وبين قياداتٍ عربية وإقليمية وعالمية، واستمرت بذلك الشكل على مدى أكثر من عشر سنوات، وهي تتجلى اليوم بنفس الطريقة، وبأبشع صورها التي سمع ويسمع عنها السوريون في الشهور والأسابيع الأخيرة.
وبغض النظر عن بعض الممارسات والاجتهادات التي حصلت لصناعة سياسةٍ خارجية، خاصةً في المجلس الوطني، ويمكن إدراجها في إطار محاولات العمل المؤسسي، إلا أنها بقيت حبراً على ورق، ولم يمكن ترجمتُها على الإطلاق إلى برنامجٍ عمليٍ يظهر تأثيره الإيجابي الحقيقي على الثورة.
المفارقة أن قيادات المعارضة السياسية لم تُفلح في الاستفادة بشكلٍ حقيقيٍ وفعال حتى من السياسيين القلائل المناصرين قلباً وقالباً للثورة السورية، وللأهداف التي أعلنتها منذ انطلاقها. وكان في مقدمة هؤلاء السفير فريدريك هوف، وهو أول سياسي / دبلوماسي عينتهُ الإدارة الأمريكية للتعامل مع القضية السورية.
فعندما غادر السفير، في عام 2018، منصب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات المعروف The Atlantic Council قال ما معناه: "سأحاول أن أفعل ما أستطيع القيام به فيما تبقى من عمري لدعم ثورة السوريين" وهو يعبِّرُ عن مشاعره تجاه سوريا والسوريين. والحقيقة أن وجود هوف الداعم للثورة، كإنسانٍ وكدبلوماسي، سيبقى علامةً فارقةً حين يتعلق الأمر بمواقف الساسة والدبلوماسيين والمحللين الغربيين، وخاصةً الأمريكان، تجاه الثورة السورية. ذلك أن كل من تعامل مع أولئك الساسة من السوريين يعرف أن موقف الرجل المبدئي من الثورة السورية كان ولايزال مميزاً للغاية.
وقد يكفي مثالاً الإشارة إلى استقالته من منصبه كأول مبعوثٍ أمريكي للقضية السورية بعد الثورة احتجاجاً على سياسات الرئيس أوباما الذي تحدث عن "خطوط حمراء"، لكنه عملياً سمح لنظام بشار الأسد باختراقها، متجاهلاً بذلك موقفه كرئيسٍ لأقوى دولةٍ في العالم، ترفع شعارات دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ولهذا السبب فيما يبدو، بقي الخطُّ الأكثر وضوحاً في نشاط السفير، البحثي والدبلوماسي، على مدى السنوات العشرة الماضية، يتمثل في نقد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الثورة السورية، وفي محاولة تغيير تلك السياسة، سواء كان ذلك من خلال تقديم أوراق اقتراحات سياسية مفصلة، أو من خلال الاستجابة لطلبات السوريين بتقديم نصائح تتعلق بمداخل التأثير في تلك السياسة، وخاصةً لشرائح السوريين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، ويمكن لهم الحركة فيها كـ "لوبي سوري".
كما يؤكد السفير دائماً على نقطتين. تتمثل الأولى في ضرورة تأمين الاستقلالية للسوريين العاملين للثورة، وبالتالي على ضرورة أن يتخذوا كل الأسباب الممكنة ليكونوا هم أصحاب القرار النهائي في أي جزئيةٍ من الجزئيات المتعلقة بصيرورة الثورة السورية، في جميع المجالات، وعلى كل المستويات. وتتمثل الثانية في إيمانه العميق، المصحوب بالواقعية، بحتمية انتصار الثورة السورية، وحقِّ وأهليةِ الشعب السوري في تحقيق أهدافها بشكلٍ كامل. وستكون آخر عبارةٍ له في هذا الحوار مثاليةً في إطار التعريف بنظرته إلى مسار الثورة السورية ومآلاتها نهاية المطاف.
معهد العالم: انتقدتَ السياسة الأمريكية تجاه الوضع في سوريا أكثر من مرة سابقاً، وخصوصاً لجهة قبول دعاوي روسيا أن "عميلها البائس" في سوريا، بشار الأسد، انتصر في "الحرب". وذكرتَ أن موقف الحياد السلبي للإدارة الأمريكية تجاه جرائم النظام السوري يُشجع دولاً مثل روسيا والصين على الاعتقاد بأن لقد تم تحييد القوة العسكرية الأميركية بسبب افتقارها إلى الثقة وافتقارها إلى الإرادة. كان هذا قبل غزو روسيا لأوكرانيا، والسؤال الآن: بعد هذا الغزو، وفي إطار التوتر المستمر مع الصين، هل يُشكِّلُ الواقع الجديد حافزاً لتغيرٍ جذري في السياسة الأمريكية في سرويا؟ أو على الأقل يدفع الإدارة لإعادة تقويم الموقف في سوريا بشكلٍ جذري؟
فريدريك هوف: غالباً ما كانت السياسة الأمريكية في سوريا، بدءاً من عام 2011، تجمع، في نفس الوقت، بين الخطاب الغاضب والاتهامي حول القتل الجماعي الذي يمارسه نظام الأسد، والتقاعس عن العمل في مواجهة الفظائع الفظيعة التي ترتكب ضد المدنيين العزل. لقد كانت هذه وصفةً سياسيةً سامّة، وليس فقط للسوريين. لقد كان ذلك جزءاً من نمط الضعف الأميركي الذي أقنع بوتين الروسي بأن الاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014 وغزو بقية أوكرانيا في عام 2022 لن يواجه سوى النحيب والقلق في واشنطن. وكان انهيار "الخط الأحمر" الذي أقره أوباما في عام 2013 مفيداً بشكل خاص في نظر بوتن في هذا الصدد، حيث أثبت نقطة مفادها أن عدم القيام بأي شيء في بعض الأحيان قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل خطير، وخاصة عندما يتم التضحية بالمصداقية الشخصية والوطنية. والآن، للأسف، لا يبدو أن أياً من الأسباب المتعلقة بسوريا والتي أدت إلى أخطر صراع مسلح في أوروبا منذ عام 1945، يحفز إدارة بايدن على حماية المدنيين السوريين من القتل الجماعي الذي يمارسه النظام والروس. وهذا أمرٌ مؤسف. إن تدمير القوات الجوية للأسد ومنع الطائرات الروسية من استهداف المستشفيات والمرافق المدنية الأخرى من شأنه أن يعطي الكرملين تذكيراً مفيداً بالقدرات القتالية الأمريكية المتفوقة والرغبة في استخدامها، وهو أمر بعيد كل البعد عن أوكرانيا.
معهد العالم: منذ أيام، هددَ كلٌ من نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، وحسن نصر الله، أمين عام حركة "حزب الله" اللبنانية، أمريكا بأنها ستُعاقب في حال إغلاق الحدود بين سوريا والعراق. يأتي هذا في ظل تصاعد الأخبار؛ حتى من مصادرنا في الداخل السوري، عن تحركات عسكرية أمريكية جديدة في سوريا. في ضوء متابعتك المستمرة لما يجري في سوريا، وعلاقاتك في أوساط الإدارة، هل تستطيع تأكيد وجود مثل هذه التحركات في سوريا وفي الإقليم حولها؟ وماذا يمكن أن يكون هدفها، سواءً المُباشر، أو الاستراتيجي بعيد المدى؟
فريدريك هوف: أفترض أن تعليقات نصر الله والمالكي تشير إلى العمليات العسكرية الأمريكية المستمرة في شمال شرق سوريا، والتي تهدف إلى استمرار قمع داعش والحدّ من قدرة إيران على إغراق سوريا بالأسلحة والأفراد الذين يتم إرسالهم عبر الأراضي العراقية. إن قيام نصر الله والمالكي بانتقاد السياسة الأمريكية أمرٌ مطمئن. فالأول، الذي يتصرف بناء على طلبٍ من طهران، كان له دورٌ فعّال في جلب لبنان إلى الخراب من خلال دعمه لطبقةٍ سياسية فاسدة تدعم "مقاومة" حزب الله الزائفة ضد "الاحتلال الإسرائيلي". ولعل الأخير هو الشخصية السياسية الأكثر موهبة التي تم إنتاجها في المنطقة على مدى العقدين الماضيين، وهو شخصٌ فاسدٌ وغير كفء، دمَّرَ الجيش العراقي وفتح الباب أمام داعش. تشير انتقادات هذين الشخصين إلى أن بعض جوانب سياسة الولايات المتحدة في سوريا، على الأقل، مناسبة وفعالة.
معهد العالم: انتقدتَ سابقاً، أيضاً، محاولات التطبيع من نظام الأسد من جهة بعض الأنظمة العربية، وما يمكن أن يُسمى سكوت الإدارة الأمريكية، عن مثل تلك المحاولات. بعدَ حضور بشار الأسد القمة العربية في جدة، وما تلى ذلك من تطورات، يظهرُ معها أن الأسد غير قادر على تنفيذ حتى أقل الطلبات العربية للتطبيع معه، والمتمثلة في وقف تهريب الكبتاجون. وإذ يعرف الجميع أن السبب هو سيطرة الإيرانيين بشكلٍ كامل على النظام السوري، ما رأيك في دلالات تلك الأحداث؟ وما هي الدروس العملية الممكنة من التجربة بالنسبة للعرب، وبالنسبة للولايات المتحدة تحديداً؟
فريدريك هوف: إن "التطبيع" مع من لايمكن وصفه بأي فضيلة [بشار الأسد] أثبت عدم تحقيق أهدافه لأولئك الذين توقعوا الأخذ والعطاء المتحضر مع عائلة إجرامية وحاشيتها، وهذا أمرٌ لا يثير الدهشة على الإطلاق. إن مطالبة نظام الأسد بالتوقف عن إنتاج وتهريب الكبتاجون أمرٌ واقعي، مثل مطالبته بالبدء في معاملة السوريين باحترام وكرامة. لو كان الإماراتيون وغيرهم من المشاركين في الزحف مرةً أخرى إلى مجرم الحرب الرئيسي في القرن الحادي والعشرين (وهو اللقب الذي يتنافس عليه الآن الروسي بوتين) لديهم أي احترام على الإطلاق للسوريين، لكانوا اشترطوا "التطبيع" مقابل الحرية لعشرات الآلاف من البشر الذين لا زالوا يتعرضون للتعذيب والجوع والاغتصاب والقتل في سجون الأسد. وكانوا سيمنحون اللجوء الإنساني للمُفرج عنهم، ويساعدوهم على التعافي جسدياً ونفسياً. ومن المحزن أن مسار العمل هذا ربما لم يخطر على بال أولئك الذين يتوقون، والله أعلم ما السبب، إلى إعادة فتح السفارات في دمشق.
معهد العالم: : لننتقل إلى التطورات الحساسة والتي تجري في شرق نهر الفرات. تتوسع في الأيام الماضية "انتفاضة" العشائر العربية ضد "قسد" بسبب ممارساتها السلبية ضد تلك العشائر، والعرب في المنطقة بشكلٍ عام. ثمة شواهد على دعم إيران لميليشيات "قسد"، والآن، الطيران الحربي الروسي يقصف بعض القرى التي حررتها العشائر العربية من "قسد" لمساعدة الأخيرة على استعادتها. هذا مشهدٌ يبدو سوريالياً إلى حدٍ كبير حين يتعلق الأمر بموقف أمريكا من "قسد". هل يمكن إلقاء الضوء على تحليلك للموضوع؟ [ملاحظة من الناشر: تزامن إجراء الحوار مع الاشتباكات بين العشائر العربية و "قسد"]
فريدريك هوف: أعرف إحدى المنظمات السورية الأمريكية التي حذَّرت وزارتي الدفاع والخارجية لبعض الوقت من أن العرب السوريين الذين يعيشون في المناطق المحررة من داعش كانوا يشعرون بالغضب تحت حكم الأكراد السوريين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني الذين يسيطر على قوات سوريا الديمقراطية. وبُذلت جهود لتعريف المسؤولين الأميركيين بالعرب السوريين الذين قد يقدمون بدائل جذابة للحكم الذاتي المحلي للمنظرين الأكراد المسلحين. ولكن، يبدو أن هذه التحذيرات والجهود قد باءت بالفشل، ويرجع ذلك أساساً إلى العلاقات المهنية والشخصية الوثيقة بين القوات العسكرية الأمريكية في شمال شرق سوريا والميليشيا الكردية التي قاتلت بشجاعةٍ وفعالية ضد داعش. تشكلت هذه العلاقة لأول مرة منذ ما يقرب من عقد من الزمن عندما سعت واشنطن إلى تشكيل قوةٍ قتالية برية محلية مستعدة لمحاربة داعش. إن قرار الشراكة مع وحدات حماية الشعب، مثل معظم القرارات السياسية المتعلقة بسوريا خلال إدارة أوباما، لم يتم دراسته بعناية. والآن، ومع محاولة النظام وحلفائه الاستفادة من الاستياء الناجم عن الحكم الكردي المفروض على المناطق العربية، ربما ستستجيب إدارة بايدن للتحذيرات وتتخذ الإجراءات المناسبة، إذا لم يفت الأوان للقيام بذلك.
معهد العالم: : نتفهم تماماً حرص الولايات المتحدة على استخدام كل الأوراق الممكنة لمحاربة إرهاب "داعش" وتحقيق هدف عدم تمكينها من الظهور بقوةٍ من جديد. ولكن، أخذاً بالاعتبار أن فصائل المعارضة الوطنية المسلحة كانت هي أولَ من حارب داعش في بداية ظهورها، وعودة الحرارة إلى العلاقات الأمريكية التركية، ودعمَ إيران وروسيا لـ "قسد"، ألا يبدو منطقياً في الوضع الراهن للولايات المتحدة أن تُعيد النظر في تركيبة التحالفات التي يُمكن أن تؤدي إلى تحقيق ذلك الهدف بشكلٍ حقيقيٍ وفعال الآن.
فريدريك هوف: نعم، كما ذكرتُ سابقاً، تم تحذير الحكومة الأمريكية من قبل مواطنين أمريكيين من أصل سوري من أن المشاكل كانت تختمر في شمال شرق سوريا بسبب حكم الأكراد السوريين من ذوي أيديولوجية معينة على العرب السوريين في المناطق المحررة من داعش. ويخشى هؤلاء الأميركيون السوريون من احتمال تأجيج تمرد داعش بسبب غياب الحكم الذاتي المحلي. لم تكن رسالتهم بأي حال من الأحوال معادية للأكراد، وقد عبّروا باستمرار عن احترامهم لدور الرجال والنساء المقاتلين الأكراد السوريين في المعركة ضد داعش، وهي منظمةٌ من المجرمين القتلة (الأجانب بشكل رئيسي) الذين عادة ما يتعايشون مع نظام الأسد. في الواقع، اشترك كلٌ من داعش والنظام في تحقيق هدف تدمير كل بقايا القومية السورية، واللاطائفية، والمجتمع المدني، وسيادة القانون، وبمساعدة روسيا وإيران، واستهدفا معارضي النظام الذين يدافعون عن تلك القيم. هل تستطيع الولايات المتحدة الآن تغيير أو تعديل تحالفاتها في الشمال الشرقي لتعزيز الاستقرار وقمع داعش؟ وبافتراض أن الوقت لم يفت بعد للقيام بذلك. قد يكون المطلوب هو سياسة وإجراءات واضحة ومبتكرة تنفذها القيادة المركزية الأمريكية.
معهد العالم: : تعلم أن حوارنا هذا يأتي في إطار مشروع مراجعاتٍ شامل لمجريات الثورة السورية، وذلك على ما يبدو أعتاب جولةٍ جديدة من تلك الثورة. وتمثل هذا في المظاهرات السلمية الواسعة التي بدأت في مدينة السويداء، وبدأت تتسع رقعتها إلى درعا ودير الزور والحسكة وأرياف إدلب وحلب، هذا فضلاً عن تصاعد أنواع مختلفة من الاحتجاجات في الساحل السوري الذي يُعتبر معقل النظام. كمتعاطفٍ مع ثورة الشعب السوري، ما هي قراءتك لهذه التطورات الأخيرة؟
فريدريك هوف:أعتقد أن نظام الأسد – عائلته وبطانته والمسؤولين الذين يوظفهم لتصويرهم على أنهم "حكومة الجمهورية العربية السورية" - يفتقر إلى الشرعية والكفاءة المطلوبة للحكم الفعال. أعرف العديد من السوريين الذين اختاروا الوقوف مع النظام على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، ويرجع ذلك أساساً إلى الخوف من أن البديل للأسد سيكون أسوأ من النظام نفسه. والحقيقة أن هذا الخوف لم ينتج عن دعاية النظام فحسب، بل أيضاً بسبب الدعم الذي قدمته بعض دول الخليج وتركيا للمجرمين الطائفيين العنيفين الذين هيمنوا على المعارضة المسلحة. إذ من المؤسف أن هذه الدول ساعدت الأسد على الادعاء بأن البديل عنه هو الإسلاموية العنيفة. لقد ساعدوا الأسد عن غير قصد على البقاء سياسياً من خلال دعم بدائل غير مقبولة لمعظم السوريين. ولكن، حتى أولئك السوريين الذين أعرفهم، والذين وقفوا إلى جانب النظام، لم تكن لديهم أية أوهام بشأن نزاهته أو أخلاقه أو كفاءته. والآن يخطر ببال العديد من الذين دعموا النظام ــ بشكل سلبي غالباً ــ أنه لا يوجد مستقبلٌ محتمل لهم أو لسوريا ما دام النظام حراً في إثراء نفسه في حين يعمل على إفقار البلاد. فهل يمكن لهذه الاحتجاجات أن تستمر إذا لجأ النظام وحلفاؤه مرة أخرى إلى القتل الجماعي وظلَّ الغرب سلبياً تجاه أفعاله؟ وهل يستمرون إذا لم يظهر بديل جذاب للنظام؟ لا أعلم.
معهد العالم: لقد عايشتَ أحداث الثورة السورية من بدايتها بعين السياسي، وبعين الدبلوماسي، وبعين إنسانٍ يدافع عن حقوق الشعوب في الحرية والعيش في نظام ديمقراطي يتمحور حول المواطنة ودولة القانون. ماذا يمكن أن تخبرنا عن انطباعاتك المتنوعة بتنوع زوايا النظر المختلفة المذكورة أعلاه؟
فريدريك هوف: كدبلوماسي، كان هدفي الأول – من أوائل عام 2009 إلى مارس/آذار 2011 – هو إحلال السلام بين سوريا وإسرائيل. كتبت كتاباً (الوصول إلى المرتفعات) صدر عام 2022 عن هذه التجربة، وهو هدفٌ كان مصيره الفشل عندما قرر بشار الأسد أن إطلاق النار على المتظاهرين السلميين أهم من استعادة الجولان. وبمجرد انتهاء الوساطة، أصبحتُ مستشاراً لشؤون سوريا لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. لكنني تركت الحكومة في عام 2012 عندما أصبح من الواضح لي أنه ليس هناك اهتمام بالبيت الأبيض بصياغة أو تنفيذ استراتيجية لتحقيق مطلب الرئيس أوباما بأن يتنحى الأسد. وباعتباري شخصاً وقع في حب سوريا عندما كان طالباً في برنامج تبادل يبلغ من العمر 17 عاماً ويعيش في دمشق، كنت أعتقد دائماً أنه من المؤسف رؤية العديد من السوريين - قبل وقت طويل من انهيار البلاد في عهد بشار الأسد – وقد وجدوا أن من الضروري مغادرة بلدهم للعثور على الحرية والفرص. كنت أعتقد دائماً أن سوريا يمكن أن تكون بلداً مزدهراً إلى حدٍ مذهل لجميع مواطنيها إذا أمكن إرساء حكم القانون غير الطائفي، المدعوم بأساسٍ قوي من المجتمع المدني، وإذا تمكنت سوريا من تحقيق السلام مع جميع جيرانها. ما زلت مؤمناً بذلك، رغم أنني أعرف الكثير من السوريين الذين لا يصدقون ذلك.
معهد العالم: رغم تعاطفك الواضح والمبدئي من ثورة السوريين بحثاً عن العدالة والحرية والكرامة، بل وربما بسبب ذلك تحديداً، لديك دائماً انتقادات جوهرية لطريقة عمل المؤسسات السياسية للمعارضة السورية. نود بمناسبة مشروع المراجعات الشامل لمجريات الثورة السورية أن تحدثنا بكل صراحةٍ وشفافية عن نقاط الانتقاد الأساسية؟ وما هي بالتحديد بعض الأولويات العاجلة التي يجب أن تبدأ المعارضة السورية العمل عليها؟
فريدريك هوف: من الأشياء التي خيبت أملي كثيراً عندما كنت في الحكومة أقوم بالتنسيق مع المعارضة السورية الناشئة هو الموقف الرافض لبعض زملائي تجاه تلك المعارضة. لقد دعوت إلى الصبر والمشاركة، وزعمت أن السياسة السورية بدأت تخرج أخيراً من غيبوبة قسرية دامت خمسين عاماً، وهي غيبوبة بدأها المصريون وأتقنها آل الأسد. لكن السخرية والازدراء من جانب بعض المسؤولين الأمريكيين تجاه المعارضة كانا ظاهِرين، في حين أن الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد لم تُثِر سوى القليل من الغضب الخاص ولم تثر أي رد فعل عملي. وبعد أن تركتُ الحكومة، شعرت بالسعادة عندما أعلن أصدقاء الشعب السوري المجتمعون في المغرب، في كانون الأول/ديسمبر 2012، أن المعارضة التي أعيد تنظيمها مؤخراً هي "الممثل الشرعي للشعب السوري". لكن تبين أن هذه هي الإيماءات الأكثر فراغاً من جهة المضمون. إذ لم يفعل الغرب شيئاً للمساعدة في إعداد تلك المعارضة للحكم، ودعمت دول الخليج العربية بالإضافة إلى تركيا الجهات الطائفية العنيفة على الأرض (وهو ما أسعد النظام). على الرغم من كل ما سبق، فشلت المعارضة في المنفى في بعض الأحيان في التصرف بما يحقق مصالح سوريا ومصلحتها كمعارضة. فلقد تم، على سبيل المثال، تهميش الأعضاء الأكثر موهبة في المجتمع السوري – النساء – إلى حد كبير من قبل المعارضة التي شلَّتها السلطة الأبوية التي تفكر بها. كما أن السؤال يبقى: لماذا تتمركز هذه المعارضة في تركيا، من بين جميع الأماكن؟ بل لماذا تتمركز في أي دولة لا تتوافق مصالحها وسلوكها مع مصالح سوريا والسوريين؟ وإذا لم تعمل المعارضة في سوريا ذاتها ــ وهذا اقتراحٌ صعب التنفيذ بكل تأكيد ــ فقد كان بوسع المعارضة أن تتمركز (وما زالت قادرة على ذلك) في مكان حيث يمكن الحفاظ على استقلالها (واستقلال سوريا). منذ سنوات مضت، اقترحتُ السعي إلى الترتيبات مع الاتحاد الأوروبي. نعم، بروكسل بعيدة كل البعد عن "الحي". لكن "الحي الذي تسكنه المعارضة راهناً" تسكنه أيضاً جهات فاعلة لا يكاد يكون اهتمامها برفاهية السوريين موجوداً، هذا إن كان له وجود على الإطلاق.
معهد العالم: ولكن، كما يقولون، ألم يكن بالإمكان أحسن مما كان؟
فريدريك هوف: حتى لو كان المجلس الوطني السوري والمؤسسات التي أتت بعده مؤلفاً من مجموعة من أمثال توماس جيفرسون، وبنجامين فرانكلين، و ألكسندر هاملتون، وجورج واشنطن، فمن غير المرجح أن يلعبوا دوراً حاسماً في انتصار الثورة السورية. هؤلاء هم منفيون في خارج البلاد نهاية المطاف. إنهم يعملون من أماكنَ تحدُّ من استقلالهم. نعم، كان بوسعهم أن يفعلوا ما هو أفضل، بل وأفضل كثيراً، في تقديم حجة متماسكة لدعم الغرب المادي الهادف للثورة السورية. لكن المعركة من أجل سوريا هي داخل سوريا. إن المعارضة الوحيدة لنظام الأسد التي لها أهمية حقيقية هي داخل سوريا. لقد فشل الغرب في تنظيم المنشقين العسكريين السوريين في قوة قتالية قادرة، وفشل الغرب في منع "شركائه" الإقليميين من إعطاء الأسلحة والأموال للمجرمين الطائفيين الجهَلَة، وهم معارضةُ الأسد المفضّلة. ونتيجةً لهذه الأخطاء السياسية الأساسية، أتساءل عما إذا كان أي شخص سيلاحظ أصلاً أو يهتمّ إذا اختفت غداً المعارضة التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها. هل كان بإمكان هيئات معارضة سورية أفضل أن تمنع هذه الأخطاء؟ ربما. ولكن بما أنني خدمت في إدارة أوباما، فإنني أشك في ذلك. لا أحسب أنني في مقام من يقول لهؤلاء المنفيين ما هي أولوياتهم السياسية. ولكن، إذا كانوا لا يعملون من أماكن تسمح لهم بالعمل بشكل مستقل، فما هو الدور الذي يمكنهم لعبه في تأمين الاستقلال الحقيقي لسوريا؟
معهد العالم: : في سياق اهتمامك المستمر بالثورة السورية، تؤكد دائماً على ضرورة أن يتحمل السوريون بأنفسهم عبء القيام بمبادرات سياسية لتنظيم أنفسهم، ولمخاطبة أمريكا والعالم بخطابٍ مُحترفٍ يرقى إلى مستوى تضحيات الشعب السوري، بدلاً من محاولة الاتكال على غير السوريين من أصدقاء الثورة، للقيام بتلك المهمة. هل يمكن أن تستفيض قليلاً في الحديث حول هذه الفكرة التي تبدو كأولويةٍ لديك دائماً؟
فريدريك هوف:ثبت أن فكرة وجود "أصدقاء للثورة السورية" هي فكرةٌ وهمية. في البداية كانت هناك وحدةٌ عربية وتركية حول مطلب الرئيس أوباما بتنحي الأسد. ولكن عندما آن أوان ترجمة هذه المشاعر إلى أفعال، كان المستفيدون الرئيسيون هم المجرمون الطائفيون، الذين أُطلق سراح بعضهم من سجون الأسد على أمل تلويث المعارضة. وقد قامت العديد من الدول التي تطالب بإسقاط الأسد بتسليح وتمويل هؤلاء المجرمين، الأمر الذي أسعد النظام. ومع وفرة من الأسلحة والأموال (مكملةً بالأنشطة الإجرامية)، قامت هذه الجهات الفاعلة بدفع المعارضة المنفية والمجتمع المدني الداخلي إلى الهامش. لقد أثبتوا أنهم غير قادرين على هزيمة النظام ولا على خلق أي نوعٍ من الحوار مع الغرب. من المؤكد أنه كانت هناك شخصيات مناهضة للنظام (يتبادر إلى ذهني أيمن أصفري والراحلة بسمة قضماني) الذين تفاعلوا لسنوات مع كبار المسؤولين الأميركيين في محاولة - غير مجدية للأسف - لحماية المدنيين السوريين وتعزيز وجود معارَضة فعالة. وأنا أرى استكمالاً لجهودهم مؤخراً من خلال تطور عمل المنظمات الأمريكية السورية. ما يميز أولئك الأفراد وهذه المنظمات أنهم لم يتعرضوا أبداً للمساس باستقلاليتهم، وقد جعلوا من مهمتهم تعلم كيفية التواصل بفعالية مع كبار المسؤولين. وليس خطأهم أن حكومة الولايات المتحدة لم تعتمد أبداً نهجاً تجاه سوريا يتوافق مع المصالح الأمريكية، بما في ذلك حماية المدنيين من القتل الجماعي.
معهد العالم: رغم هذا، ما الذي تعتقد أن بإمكان أصدقاء الثورة السورية، من أمريكان وغيرهم، تقديمه للشعب السوري بشكلٍ واقعي؟ وما هي رسالتك لأمثال هؤلاء في هذه المرحلة من عمر الثورة؟
فريدريك هوف: ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو شيءٌ تَجنَّبَتهُ منذ اثنتي عشرة سنة: التعامل الجاد مع المشاكل الناجمة عن وجود عائلة إجرامية سورية جشعة. نعم، إن إبقاء حركة داعش مقموعةً أمرٌ مهم، ونأمل ألا يؤدي التحالف مع وحدات حماية الشعب / قوات سوريا الديمقراطية إلى تقويض هذا الهدف بشكلٍ قاتل. لقد فَهِمَت الإدارات المتعاقبة فكرياً العلاقة السببية بين إرهاب دولة الأسد وصعود المنظمات الإرهابية الموازية. وما كان ينقصنا، بسبب الخوف والضعف، هو الإرادة للعمل على نحوٍ يتفق مع حقيقة مفادها أن التهديد الأعظم المرتبط بالإرهاب في المنطقة (والعالم خارجها) يكمن في دمشق. وإذا استأنف النظام المذابح الجماعية، فلابد من القضاء على قواته الجوية ومدفعيته وأسلحة إرهاب الدولة المرتبطة به. إذا كانت الدول الإقليمية المنخرطة في فاحشة "التطبيع" تنتهك العقوبات الأمريكية، فيجب أن تشعر بالآثار الكاملة للعواقب القانونية. وعلى الرغم من أن واشنطن قالت في بعض الأحيان "الكلمات الصحيحة" حول محاسبة النظام على جرائمه ضد الإنسانية وتصميمها على عدم "التطبيع" أبداً مع عصابة إجرامية، إلا أنه ينبغي لها أن تتحدث بصوتٍ أعلى في كثيرٍ من الأحيان. أما في الشمال الشرقي لسوريا، فينبغي لها أن تعمل مع سكان المناطق المحررة من داعش لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وبناء حكمٍ محليٍ قادرٍ ليس فقط على منع عودة داعش، وإنما أيضاً تقديم بديلٍ لسوء حكم النظام طال انتظارهُ. ويجب على الإدارة أن تستمر في جهودها الجديرة بالثناء لدعم وحماية اللاجئين السوريين.
معهد العالم: أشرت قبل قليل إلى المنظمات السورية الأمريكية السياسية في الولايات المتحدة، ما هو رأيك بالمستوى الذي وصلت إليه هذه المنظمات باعتبارها صوتاً وسفيراً للثورة السورية؟ هل ترى تطوراً ملحوظاً على مرور السنوات العشرة الماضية؟ وماهي، أيضاً، الأولويات التي يجب أن تقوم بالتركيز عليه تلك المنظمات في هذه المرحلة؟
فريدريك هوف: أعتقد أن المنظمات السورية الأمريكية بدأت تدرك أخيراً أهميتها في محاولة التأثير على الإدارة والكونغرس فيما يتعلق بسوريا. كما أنني على دراية بالجهود المبذولة لتقليل المنافسة وتطوير التعاون بين هذه المنظمات. أعتقد أن هذه المنظمات استسلمت، على مدىً طويل، وقَبِلَت بأن تحتل مقعداً خلفياً وراء جماعات المعارضة المتمركزة في أماكن مثل إسطنبول والرياض. ولكن، يبدو أن تلك الأيام قد انتهت. وعلى الرغم من وجود بعض وطنيين حقيقيين وجهات فاعلة في تلك الأماكن، فلا مفر من حقيقة أنهم يعيشون ويحاولون العمل في بلدان غير مهتمة بالسوريين (باستثناء جعل اللاجئين كبش فداء في تركيا). ليس الأمر خالياً من المخاطر بالنسبة للإدارة والكونغرس، إذ من الممكن أن يرفضا الأمريكيين السوريين الناجحين، كما فعلوا تجاه المعارضة في المنفى. ولكن، يبدو أن المجموعات الأمريكية السورية تركز على العديد من القضايا التي أعتبرها مهمة: حماية المدنيين السوريين (بما في ذلك اللاجئين)، وتعزيز الاستقرار والحكم الذاتي المحلي في شمال شرق البلاد، ودعم المساءلة عن جرائم الأسد ضد الإنسانية، ومعارضة "التطبيع" مع النظام الذي حول سوريا إلى بيت جثث ودولة مخدرات.
معهد العالم: هناك دائماً حديثٌ بين السوريين يؤكد على حقيقة أنهم كانوا يعيشون أكثر من نصف قرن في بلدٍ قتلَ فيه نظاما الأسد، الأب والابن، السياسة على جميع المستويات. يأتي هذا أحياناً في معرض إيجاد الأعذار لبعص الممارسات الخاطئة للمعارضة السورية، خاصةً في المجال السياسي. ما هي الرؤية المتوازنة، والتقييم المتوازن، لهذه الفكرة؟ خاصةً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كثيراً من الثورات الكبرى استمرت فترةً طويلة وكانت على مراحل.
فريدريك هوف: مرةً أخرى، سوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تتجذر السياسة الطبيعية بقوةٍ في سوريا. فمن ناحية، لن يتمكن الأسد وحاشيته من إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل منتصف مارس/آذار 2011. إذ تذوق عددٌ كبير للغاية من السوريين (ولو عابراً) طعم الحكم الذاتي المحلي والمجتمع المدني. وبهذا، انتهى إلى الأبد كل الإيمان ببشار الأسد كعامل للتغيير الإيجابي. في رأيي أن الثورة السورية ــ وهي حركةٌ نحو تقرير المصير وسيادة القانون على أساس المواطنة ــ لا تزال في مراحلها الأولى. إنها ثورةٌ سوف تستمر، ومن الناحية المثالية بشكلٍ سلمي، حتى لعقود من الزمن بعد إبعاد أسرة تعتبر البلاد ملكيتها الخاصة. من عام 1958 إلى عام 1961، ومرة أخرى من عام 1963 إلى الوقت الحاضر، كانت هناك جهودٌ متضافرة لإجبار السوريين على الدخول في غيبوبةٍ سياسية. الآن استيقظ المريض ولم يعد من الممكن الدخول في غيبوبة. لقد نجحت المرحلة الأولى من الثورة السورية.
معهد العالم: "نحن باقون في الساحة. إما أن نموت سوياً أو ننتصر سوياً". هذا ما قالته إحدى السيدات في التظاهرة التي كان الحضور النسائي كبيراً فيها في مدينة السويداء منذ أيام. إلى أي درجةٍ تؤمن بأن الثورة السورية ستُحقق النصر، وأن الشعب السوري، الذي يبدو مصراً عليها بعد أكثر من 12 سنة من المعاناة، سيحقق أهدافه المشروعة من خلالها؟
فريدريك هوف: على الرغم من كل الأهوال والممارسات السياسية الخاطئة على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، ما زلت متفائلاً بشأن قدرة السوريين - جميع السوريين، بغض النظر عن الطائفة أو العرق - على تحقيق تقرير المصير وسيادة القانون على أساس المواطنة. أظن أنني لن أعيش طويلاً بما يكفي لأرى أن سوريا ستصبح بلداً لاتُتصوَّرُ فيه أمورٌ مثل الرغبة في الحصول على تأشيرة هجرة، أو التحول إلى لاجئ، أو المعاناة من النزوح الداخلي. وأنا إذ أقدِّرُ وأُشيدُ تماماً بالمساهمات الهائلة التي قدمها الأمريكيون السوريون لبلدي على مدار الـ 150 عاماً الماضية، لكنني أعتقد بصدق أنه سيكون هناك في يوم من الأيام سوريا لن يكون لمواطنيها حاجة أو رغبة في مغادرة بلدهم الذي وُلدوا فيه. أريد بشدة أن يساعد بلدي ــ إن لم يكن لأي سبب آخر غير مصالحها الخاصة ــ السوريين على تحقيق الاستقلال الحقيقي عن إيران وروسيا والنظام الإرهابي الذي يجعل من دمشق بيونغ يانغ في العالم العربي. لو كنت سورياً، لما توقفت أبداً عن محاولة الحصول على المساعدة الأميركية، لكنني، في نفس الوقت، كنتُ سأخطط مع زملائي المواطنين لتحرير سوريا بمفردنا.
سيرةٌ ذاتية:
السفير فريدريك سي. هوف هو المدير المنتهية ولايته لمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي. يتمتع هوف بخبرة واسعة في الدبلوماسية والجيش والقطاع الخاص. وفي عام 2012، حصل هوف على رتبة سفير فيما يتعلق بواجباته كمستشار خاص لوزير الخارجية لشؤون الانتقال السياسي في سوريا.
كان هوف سابقاً المنسق الخاص للشؤون الإقليمية في مكتب المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، حيث قدم المشورة للمبعوث الخاص جورج ميتشل بشأن المجموعة الكاملة لقضايا السلام العربية الإسرائيلية التي تقع ضمن نطاق اختصاصه وتركز على سوريا وإسرائيل ولبنان.
انضم إلى وزارة الخارجية في عام 2009 بعد أن شغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة AALC، وهي شركة دولية لاستشارات الأعمال وتمويل المشاريع كانت تُعرف سابقًا باسم Armitage Associates LC.
بدأ هوف، وهو خريج كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، حياته المهنية كضابط بالجيش. وهو من قدامى المحاربين في فيتنام وعمل كضابط للشؤون الخارجية بالجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، ودرس اللغة العربية في معهد الخدمة الخارجية في تونس، وحصل على درجة الماجستير من كلية الدراسات العليا البحرية.
شغل هوف منصب ملحق الجيش الأمريكي في بيروت، لبنان، وبعد ذلك في مكتب وزير الدفاع كمدير لشؤون الأردن ولبنان وسوريا والشؤون الفلسطينية. وقد كتب على نطاق واسع عن الشرق الأوسط والدبلوماسية.
تشمل الجوائز التي حصل عليها وسام القلب الأرجواني، وجائزة الشرف العليا من وزارة الخارجية، وسام الخدمة المدنية الجديرة بالتقدير من وزير الدفاع، وميدالية الخدمة العليا للدفاع.
كان هوف سابقاً المنسق الخاص للشؤون الإقليمية في مكتب المبعوث الخاص للسلام في الشرق الأوسط التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، حيث قدم المشورة للمبعوث الخاص جورج ميتشل بشأن المجموعة الكاملة لقضايا السلام العربية الإسرائيلية التي تقع ضمن نطاق اختصاصه وتركز على سوريا وإسرائيل ولبنان.
انضم إلى وزارة الخارجية في عام 2009 بعد أن شغل منصب الرئيس والمدير التنفيذي لشركة AALC، وهي شركة دولية لاستشارات الأعمال وتمويل المشاريع كانت تُعرف سابقًا باسم Armitage Associates LC.
بدأ هوف، وهو خريج كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، حياته المهنية كضابط بالجيش. وهو من قدامى المحاربين في فيتنام وعمل كضابط للشؤون الخارجية بالجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، ودرس اللغة العربية في معهد الخدمة الخارجية في تونس، وحصل على درجة الماجستير من كلية الدراسات العليا البحرية.
شغل هوف منصب ملحق الجيش الأمريكي في بيروت، لبنان، وبعد ذلك في مكتب وزير الدفاع كمدير لشؤون الأردن ولبنان وسوريا والشؤون الفلسطينية. وقد كتب على نطاق واسع عن الشرق الأوسط والدبلوماسية.
تشمل الجوائز التي حصل عليها وسام القلب الأرجواني، وجائزة الشرف العليا من وزارة الخارجية، وسام الخدمة المدنية الجديرة بالتقدير من وزير الدفاع، وميدالية الخدمة العليا للدفاع.
"الآراء الواردة في المواد المنشورة في موقع معهد العالم للدراسات تُعبِّرُ عن رأي أصحابها، ولا تُعبِّرُ بالضرورة عن آراء المعهد والقائمين عليه"