لا تزال أحداث الاحتجاج في سورية، مفتوحة على قراءات وتأملات متعددة بعضها يهتم بالنتائج السياسية والاجتماعية والتحولات البنيوية التي أنتجها هذا التغيير الواسع. والبعض الآخر يُقارب الحدث الاحتجاجي من وجهة نظر قُدرة الشعوب على التحرك في لحظة وصول الأزمة الى ما يُسمّى بالعقدة "الغوردية"، أي عندما لم يعد من الممكن أو من الوارد أن يستمر وضع الشعوب العربية كما هو عليه بسبب حالات التهميش والقمع وديكتاتورية الفاعل السياسي.
اعتمادا على هذا التمايُز المفاهيمي والاطروحات الجديدة لفهم طبيعة الاحتجاج، تعتمد هذه الدراسة على قراءة آصف بيّات Asef Bayat  للحركات الاحتجاجية في دول الربيع العربي، وخاصة منها تلك المتعلقة بما أسماه باللاّحركات الاجتماعية التي تسمح بإمكانية تجاوز الأنا والطائفة والهوية والعرق والمذهب، كما نستعين بمفهوم "الاصلاثورات Refolutions"*  لتفكيك الأبعاد السياسية والثقافية للموجة الثانية من الحراك الاحتجاجي.

كيف تُدار المراحل الانتقالية؟

نتناول في هذا المقال مشكلتين أساسيتين من مشكلات إدارة المرحلة الانتقالية في عمليات التغيير التي شهدتها بعض الدول العربية خلال موجتي التغيير عامي 2011 و2019، وهما يتصلان بمن يدير المرحلة الانتقالية، وبشرعية الانتخابات قبل التوافق.

النظم السياسية تحدد طريقة تغييرها

سارت الأمور في الحالات العربية بعد 2011 بشكلٍ مختلف. فلا شك أن نخب الأحزاب والقوى المعارضة التقليدية ساهمت في خلق المناخ الفكري والسياسي العام الذي جعل الثورات ممكنة. وتقاربت التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية في عدة مبادرات عابرة للأيديولوجيات، كحركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير في مصر، ومبادرة 18 أكتوبر في تونس، واللقاء المشترك في اليمن، وتيار ربيع دمشق في سوريا.
الصفحة 1 من 4