مخرجات سوتشي وسيناريوهات تعامل تركيا مع التنظيمات الجهادية في إدلب

12 تشرين1/أكتوير 2018
 
ساهمت مخرجات قمة سوتشي الأخيرة في روسيا والتي جمعت بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان في 17 سبتمبر الفائت، إلى تصدر الدور التركي إلى الواجهة مرة أخرى كلاعب إقليمي ذي نفوذ متصاعد ومؤثر في المنطقة،
بعد أن توصلا إلى تجنب الحرب التي كان سيشنها النظام السوري على مدينة إدلب التي يبلغ عدد سكانها في الوقت الراهن ثلاثة ملايين نسمة، بعد أن قضى الاتفاق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح ما بين 15 إلى 20 كيلومترا على طول خط التماس، ابتداء من 15 أكتوبر الجاري، ما أسهم بدوره في تجنب الحرب في تلك المحافظة بعد أن كان العالم أجمع يكتم أنفاسه ترقبا لمعركة يقودها النظام في دمشق بدعوى مواجهة التنظيمات المسلحة خاصة الجهادية منها.

بيد أن الأمر لم يكن بالسهولة واليسر للحؤول دون شن النظام السوري عمليته العسكرية في إدلب وتفاديا لإعادة تمركزه وبسط سيطرته بشكل كامل في خاصرة تركيا الجنوبية، إذ حملت تركيا على عاتقها مهمة نزع سلاح هذه الفصائل المسلحة، وليس ذلك وحسب بل وإخراجهما من المدينة بأكملها وهو ما يمكن وصفة بالمهمة الصعبة (1) يأتي ذلك في ظل سياق دولي بات يري تركيا الأجدر على القيام بدور وازن وأكثر اعتدال نظرا لنفوذها على القوى والفصائل المسلحة في الشمال السوري وهو ما ظهر جليا في مغازلة الأطلسي ودوله الأوروبية لأنقرة نظراً لهذا التأثير و ما تمثله تلك الجغرافية من أهمية لأمن تركيا القومي. ونجاح الأخيرة في التوصل لصيغ وتفاهمات إقليمية مع موسكو وطهران".(2)

وتنقسم الفصائل المسلحة في إدلب من حيث الحجم والتأثير، إلى قطبين عسكريين وحيدين، الأول: “هيئة تحرير الشام” والثاني “الجبهة الوطنية للتحرير”، وكلاهما غير متفق سياسيا وعسكرياً،.(3) ما ساهم بدوره في مسارعة الجبهة الوطنية للتحرير التي تضم عددا من فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا نحو الإعلان عن القبول التام للتعاون مع الحليف التركي.(4)

لماذا إدلب؟

تكمن أهمية إدلب من وجهتين، أولهما أن لدى النظام رغبة جامحة في بسط سيطرتها عليها لكونها تعد المحافظة الأهم في الشمال السوري فضلا عن وجود معبر باب الهوى الإستراتيجي هناك، وثانيهما إنها تعج بكم كبير من الفصائل المسلحة الجهادية والوطنية منها.(5)وهو ما يجعلنا نتفهم ما كان من حجم التدابير والتحركات والاستعدادات لاقتحام المدينة بعد أن تحولت إلى المدينة الأهم في معارضة نظام الأسد منذ عام 2015.(6)

المجموعات الجهادية المسلحة في إدلب:

أولا: هيئة تحرير الشام

ارتبطت متوالية السرد التاريخي والحركي لهذه الهيئة منذ تشكلها الأول وتحديدا مع بدايات تدشين جبهة النصرة لأهل الشام في عام 2012 بشخص القيادي الجهادي أبو محمد الجولاني ودارت معه، حيث ولى قبلته فضلا عن تكيفات الواقع وتعاطيه معه، ما جعل تنظيمه يأخذ أكثر من تمظهر منذ بزوغ نجمه وتياره في مشهد الثورة السورية المسلحة.(7) ما دفع البعض بوصفها بـ ذات هوية ملتبسة ("(8)

بيد أن الجولاني ذاته الأقرب إلى وصفه بذي الهوية الملتبسة لتعدد ولاءاته وانتقالها من طرف إلى آخر، إذ إن حضوره في المشهد السوري ابتداء جاء بالأساس انتدابا وممثلا عن تنظيم الدولة- الصاعد انطلاقا من العراق والباحث عن إكمال دائرته بالحضور في المشهد السوري، بعد تزكية القيادي الأبرز آنذاك أبو الأعلى الأنباري نائب الأمير أبو بكر البغدادي في سورية، فيما رأى تنظيم الدولة بعد ذلك أن الجولاني لا يسير وفق رؤيته وهو ما أكده الأنباري بعد ذلك حينما حاول الوقوف على ما أحدثه الجولاني حينما تولى القيادة بوصفه " شخص ماكر"، "ذو وجهين"، وما لبث وأن اجتمع البغدادي في جولة تفقدية بكل من الجولاني، والقيادي أبا مارية القحطاني، وغيرهم وخرج بالنتيجة ذاتها بـ"فساد القيادة" ووجوب عزل الجولاني وذلك لتسرب معلومة لديهم عن عقد الجولاني اجتماعا مع المقربين منه يقضي بالتخلي عن تنظيم الدولة، والانتقال نحو تنظيم القاعدة (9)

تمثلت وجهة الجولاني خلال السنوات التي تلت الثورة خاصة حينما انقلب على الفرع الجهادي العراقي في محاولات تقديم نفسه على كونه جهاديا محليا في الداخل السوري لمقاومة النظام الأسد وهو ما يفسر خطواته المتسارعة نحو نسج علاقات مع دول إقليمية ودولية عديدة مستفيدا من فك ارتباطه بتنظيم الدولة وانقلابه على البغدادي مع الاقتراب من القاعدة بعد الدعم الذي أبداه الظواهري للجولاني في معركته مع البغدادي".(10)

أصبحت النصرة تابعة شكلانيا للظواهري بعد أن خلعت عنها رداء تنظيم الدولة وأصبح يمثل في إدلب القوة الجهادية الأبرز والأقوى ثم جاء التحول الثاني نحو فك ارتباطها بالقاعدة وبدا حينها أن الساحة الجهادية في المشهد السوري على أعتاب مرحلة إرباك جديدة محورها تحولات النصرة المتكررة من جهة وطموحات الجولاني من جهة أخرى (11)وعزى البعض هذا الانفكاك من أسر القاعدة إلى ضغوطات وإغراءات دولية وإقليمية لاستدخالها في سياق الاعتدال كانت نتيجته طهور الجولاني مرة أخرى في يوليو 2016، ليعلن تشكيل كيان جديد يحمل اسم "جبهة فتح الشام"، ويؤكد أن لا علاقة للكيان الجديد بأي جهة خارجية في إشارة لفك الارتباط بتنظيم القاعدة(12)

لم يقف الأمر عن هذا الحد وفي يناير 2017، جاء التحول الذي ظل حتى وقتنا هذا بولادة هيئة تحرير الشام؛ التي جاءت عبر إدماج جبهة فتح الشام مع أربع فصائل أخرى ضمن كيان الهيئة، وهي: كتائب نور الدين الزنكي، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، ولواء الحق، وانضمّت مجموعات منشقّة عن أحرار الشام. ما أثار حفيظة الظواهري المستاء بالأساس من تحركات الجولاني ما دفعه إلى تأسيس تنظيم "حراس الدين"بشكل رسمي (13)وبدوره انشق الصف القاعدي في الشمال السوري ما طال الهيئة نفسها وظهر ذلك جليا مع بروز "جيش البادية" و"الملاحم"، وعلى إثره ازداد المشهد تعقيدا (14) وظهر الظواهري في تسجيل صوتي موجها نقدا لاذعا إلى جبهة النصرة التي فكت ارتباطها بالتنظيم، وباتت تعمل تحت مسمى "هيئة تحرير الشام"، نافياً أن يكون قد أعفى أحدا من بيعته.(15)

الظواهري والجولاني

لم يرتض الظواهري هو الآخر كمثيله البغدادي تحركات الجولاني وباتت تتسع رقعة الخلافات بينهما، فكان التحرك السريع نحو رسم مسار مغايرا جديدا بعد أن رأى الظواهري أن الجولاني بات أسير أجندات إقليمية خاصة بعد بروز الدور التركي النافذ .(16). وعلى إثر استشعار الجولاني أن ثمة توجيهات من الظواهري تحول دون تنفيذ رؤيته فسارع باستهداف الناقمين على التحولات التي طالت تنظيمه فاعتقل قيادات عده منهم كل من إياد الطوباسي "أبو جليبيب الأردني"، وسامي العريدي، و"أبو القاسم الأردني" و"أبو همام السوري"، ما دفع بزعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، في كلمة صوتية له باتهام الجولاني بـ"نكث العهد"، وإن "هيئة تحرير الشام" منذ ظهورها حاربت كل من يظهر ارتباطه بـ"القاعدة"، وحذّر حينها زعيم القاعدة مما سماه "خطر الاجتياح التركي القادم والمحاولات الإيرانية".(17)

الدور التركي في تقويض الجولاني وتنظيمه

تحدث البعض عن تحالف جمع الجولاني وهيئته والدولة التركية بيد أن ما يمكن قوله بمقاربة واقعية أن تركيا حاولت أن تتعامل مع الهيئة بطرق براغماتية لكونها واقعا لا يمكن تجاهله ونجحت إدارة التفاهم التركي في علاقاتها التي لا تقترب من التعاون أو التحالف إلى الضغط المستمر للحؤول دون تفجر الأوضاع في إدلب بحكم موقعها الجغرافي وما تمثله من خاصرة جنوبية للدولة التركية لها من الأهمية الاستراتيجية التي تستدعى التعامل مع كافة الفصائل القائمة داخلها بحكم فرائض الواقع ومستجداته فمنذ أن دخل الجيش التركي في شمال غرب سوريا، في أكتوبر ا2017، ومخرجات مقررات "أستانة"، بات تخوف القاعدة يتزايد يوما بعد يوم وساهم الضغط التركي على الجولاني في ممارساته ضد من لازال يخضع لإملاءات الظواهري القاعدية واستمر الجهد التركي، ما بين شد وجذب مع الهيئة والجولاني إلى محاولات تطويعهما لينضويان تحت مكون جديد باسم الجيش الوطني، وهنا كانت المعضلة الكبرى التي لم يحسب الجولاني لها حساب حيث بدا موقف الجولاني وهيئته مرتبكا خاصة بعد الحديث عن استعداد النظام في دمشق لإعلان البدء في حملة عسكرية لتطهير إدلب من الجماعات المسلحة خاصة هيئة تحرير الشام، وما زاد من إرباكهما خروج التظاهرات التي أعلنت انتفاء الحاضنة التي كان يتمتع بها الجولاني في فترات سابقة ما دفعه إلى تطويقها واستهدافها بإطلاق الرصاص وتوقيف أعداد كبيرة منها (18).

وفي خضم الأحداث المتسارعة وحجم الضغط الإقليمي والدولي على تركيا والحديث المتصاعد كما أسلفنا الذكر بوصف الدور الهام الذي خاضته تركيا لتقويض الحالة الجهادية المعسكرة في إدلب، لم تجد بدا من التأكيد على موقفها الواضح بالتأكيد على تصنيف هيئة تحرير الشام منظمةً إرهابية، تبرئة نفسها وإيضاحه للعالم أجمع، فكانت بمثابة الضربة القاصمة للهيئة والجولاني-ومن قبل وضعت جبهة النصرة على لائحة الإرهاب التركية -ليتطابق مع قرار الأمم المتحدة بإضافة هيئة تحرير الشام إلى قائمة الأفراد والمنظمات التي ستجمد أرصدتهم؛ بسبب صلات بتنظيمي القاعدة وداعش.(19) بعد أن أدرجتها الولايات المتحدة الأمريكية على قائمة الإرهاب، في مايو 2018.(20) ما جعل أمام تركيا خيارا واحدا ستمليه على الهيئة بضرورة دمج أفرادها مع فصائل وطنية لكنها لم تعدّل الاسم في لوائحها بعد أن غيّر أمير الهيئة أبو محمد الجولاني الاسم، (21)مع الوعي من قبل تركيا أن ثمة وجهات نظر مختلفة داخل تحالف تحرير الشام بشأن إمكانية التعاون فقد يكونون جميعهم جهاديين، لكن ربما تكون ميولهم مختلفة فيما يتعلق بنزع السلاح(22)

وفيما يمكن تسميته بمحاولة الحفاظ على ماء الوجه من قبل الجولاني قبيل أيام من الإعلان عن استعداد النظام في دمشق لشن حملة عسكرية على إدلب نشرت "هيئة تحرير الشام" صورا لقائدها العام "أبو محمد الجولاني" خلال زيارة قام بها لتفقد قواته في ريف اللاذقية الشمالي. وظهر "الجولاني" في الصور برفقة مجموعة من القياديين بريف اللاذقية وهو يزور "غرفة العمليات العسكرية". الأمر الذي أثار حفيظة المجتمع الدولي وحينها حذر الجولاني فصائل المعارضة في إدلب من القيام بأية مفاوضات مع النظام السوري (23)

بيد أن ما جاءت به مخرجات سوتشي قد قلبت المشهد برمته وزادت الأمر تعقيدا بالنسبة للهيئة والجولاني معا خاصة بعد وقف المعركة لبرهة من الوقت وإمهال المسلحين بنزع أسلحتهم وتدشين منطقة عازلة وهو ما أوكل إلى النظام التركي ولم يصدر من قبل الهيئة بيانا واضحا حول الاتفاقية بالرفض أو بالقبول (24)وتتوارد بعض المعلومات أن «الهيئة» تبعث بإشارات سرية إلى الجيش التركي من خلال أطراف ثالثة لتوصيل رسالة مفادها أنها ستلتزم الاتفاق.(25)


ثانياً: حراس الدين

على إثر التحولات التي عايشتها الحالة الجهادية القريبة من تنظيم القاعدة وخاصة جبهة الجولاني، لم يجد الظواهري بدا من الانتقال إلى محاولة تدشين فرعا مغايرا برؤى تختلف عن سابقتها فكانت ولادة "حراس الدين ". زعامته الفقهية والفكرية رموز قاعدية كانت في سجون الجولاني، تكون هذا التشكل الجديد من فصائل قاعدية بالأساس انشقت عن جبهة فتح الشام وهيئة تحرير الشام كان منها "جيش الملاحم - جيش البادية - جيش الساحل وعدد من السرايا". فضلاً عن أفراد تابعين للتنظيم في الشمال السوري كانوا في انتظار هذا التمظهر الجديد.

ثمة خلافات فكرية وفقهية كانت بمثابة الإرهاصات الأولى داخل أروقة التنظيمات والحركات الجهادية المحسوبة على تنظيم القاعدة في الداخل السوري مهدت لأن يتمخض عنهما "تنظيم حراس الدين"، خاصة بعد توقيف واعتقال عدد من هذه الرموز الفقهية –المشرعة - من قبل الجولاني،وهيئته.ماجعل هذا الظهور الجديد لتنظيم القاعدة كردة فعل لممارساتهما (26)ثم لحق ظهوره بيعات متتالية من قبل كتائب وجماعات جهادية وبدا وكان القاعدة آخذه في التمدد وإعادة التموضع في سورية (27) أو استبدال الجولاني ومن معه ممن كانوا يدينون بالولاء الفكري للقاعدة سابقا إلى آخر يلتزم بالنهج القاعدي.

شيئا فشيئا أتمت "حراس الدين" القاعدية في الشمال السوري تشكلها التنظيمي والهيكلي، ثم أعلنت عن بيرقها الجديد الذي ستخوض به معاركها وفي رسالة ولائية لما أسماه بتنظيم إمارة أفغانستان الإسلامية، قدم العزاء لضحايا غارة جوية لـ"سلاح الجو الأفغاني" على مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، في ولاية قندوز شمال البلاد، واعتبر هذا البيان تأكيدا على تبعية التنظيم لتنظيم القاعدة في المشهد الأفغاني - المركز - وهو أول بيان تضامني من قبلها(28) ونشر أسماء قادته القاعدي ونفي الشمال السوري (29)

وفور ظهوره قام تنظيم الدولة الإسلامية "داعش "بوصف تنظيم "حراس الدين" بـ"حراس الشرك"، فيما اعتبرهم "كفارا" لـ دعوتهم قتال "داعش" حال دخولهم مناطق يسيطر عليها إخوانهم من جبهة "الجولاني"،(30)كانت العملية العسكرية الأولى لـتنظيم "حراس الدين" ضد النظام السوري (31) ونشرت بعد ذلك حراس الدين صورة لـ"أول قتيل" لها، (32)

اتفاقية إدلب موقف الحركة منها

رفضت حراس الدين القاعدية مخرجات سوتشي، وأعلنت اصطفافها في ما سمته مواجهة الخطة التركية -الروسية الرامية لنزع سلاح المعارضة المسلحة عقب تدشين المنطقة العازلة. ووصفت اتفاق إدلب بـ"المؤامرة الكبرى""".(33)

ثالثاً: الحزب الإسلامي التركستاني:


مثل هذا الحزب إشكالية دولية تعدت خطورته الواقع المحلي السوري الذي يعج بالكثير من الفصائل الإسلامية الجهادية المسلحة إذ ينتمي هؤلاء المقاتلون الصينيون «الإيغور» إلى الحركة الشرقية التي أسسها حسن معصوم في تسعينات القرن الماضي، وقد تأسست في أفغانستان في العام 1993 ومارست نشاطًا في الصين وهو السبب لرئيس لاهتمام الصين كدولة بالشأن السوري خشية تمددها بعد ذلك خاصة بعد ما تم تشكيل الحزب في سوريا مطلع العام 2014 امتدادًا للمنظمة الأم في آسيا الوسطي، وتتمثل خطورته في قربه من الفكر القاعدي لذا ظلت قريبة من «جبهة تحرير الشام» . فضلا عن مجموعات أخرى التحقت بتنظيم الدولة (34) ويمتلك الحزب “خبراء بارزين” في مجال الإعلام (35)ولديها وسائل إعلامها الخاصة مثل قناة خاصة على تلغرام تبث عبرها المنشورات العادية والتسجيلات المرئية التي تروج لأنشطتها في سوريا (36)

وظهر الحزب بقوة بسورية في إطار معركة السيطرة على مدينة جسر الشغور و مطار أبو الظهور. (37) ثم جاءت تهديدات الحزب التي أخذها الجانب الصيني بمحمل الجد حين ما هدد في نوفمبر 2017، بشكل واضح الحكومة الصينية خلال عرض عسكري ، ما اعتبرته الصين إعلانا للحرب عليها انطلاقا من جغرافية سورية (38)

ومنذ ذلك الوقت عملت الصين على ملاحقة الحزب في سوريا، ولكن بآليات مختلف لا ترتقي للعمل العسكري من خلال تقديم دعم للنظام السوري، ومراقبة هجرة الإيغور إلى سورية عبر «مكتب التعاون العسكري الدولي» الذي تتعاون معه الاستخبارات الصينية لملاحقة مقاتلي "الإيغور".(39) وذلك بغية القضاء عليهم في سوريا قبل أن يتمكنوا من العودة للصين، وترى الصين أن اكتساب حزب تركستان الإسلامي لأي نفوذ ضمن تشكيلات المعارضة السورية “المتشددة”، من شأنه أن يحول إقليم شينجيانغ إلى أفغانستان ثانية، وهنا برزت إشكالية أخرى في العلاقة الاثنية بين الدولة التركية والايغور بحكم العلائق التاريخية ودعوى الصين بحماية تركيا لهم ويسوقون تلك المزاعم من خلال الاعتراضات التركية المستمرة من قبل تركيا لشن أي حملة عسكرية ضدهم في إدلب(40)

ويبرز السجال المتقطع -الهادئ - إن جاز الوصف بين الجانبين الصيني والتركي حينما صرّح السفير الصيني في دمشق تشي تشيانجين في حديث مع صحيفة “الوطن” السورية (موالية لنظام الأسد)، أن بلاده مستعدة للمشاركة عسكريًّا إلى جانب قوات النظام في معركة إدلب،..(41)ثم الاعتراض التركي على ذلك حينما تناولت صحيفة بني شفق التركية ما أسمته بإقحام الصين نفسها في المشهد السوري ومع ارتباط تركيا بالصين عبر مشروع إعادة إحياء طريق الحرير المعروف باسم "حزام واحد...طريق واحد" يبقي الحديث عن تعثر في العلاقات بين البلدين أمرا غير واردا في اللحظة الراهنة وعززت تركيا ذلك من خلال اعترافها بالحركة الشرقية على أنها حركة إرهابية (42)

مجموعات جهادية أخرى

فيما تتناثر مجموعات جهادية أخرى لا تقارن بـ هيئة تحرير الشام " مثل "جند الملاحم في بلاد الشام" وهو تنظيم عسكري انشق عن "هيئة تحرير الشام" بعد الانضمام إليها إبان إنشائها في بداية عام2017، وذلك عقب الاقتتال بين الهيئة وفصائل المعارضة، ويضم التنظيم في صفوفه وفق مصادر قرابة ثمانمائة عنصر معظمهم غير سوريين. (43)ودلل بيانا لـ "جيش الملاحم" قال فيه إنه يقاتل في جنوب إدلب إلى جانب جيش البادية. ولم يشر إلى هيئة تحرير الشام، ما يوضح علاقة الجماعتين الباردة (44)وأيضا جيش البادية المنشق أيضا عن هيئة تحرير الشام في أواخر عام 2017، بسبب انفصالها عن تنظيم القاعدة (45)

ثم جند الأقصى الذي تأسس على يد محمد العثامنة المعروف بـ"أبو عبد العزيز القطري". الذى دخل سورية مع بدايات ثورتها، وانضم إلى جبهة النصرة (فتح الشام) ثم انشق عنها ليؤسس "جند الأقصى".وتحالف "جند الأقصى" مع "جبهة النصرة" في القضاء على "جبهة ثوار سورية" في عام 2014. وفي اكتوبر 2015، أعلن "جند الأقصى" انسحابه من "جيش الفتح" لأسباب عدة، من بينها -حسب قوله- تأييد بعض الفصائل المشاركة في جيش الفتح لمشاريع "مصادمة للشريعة الإسلامية"، كالتوقيع على بيان مبعوث الأمم المتحدة لسورية ستيفان دي ميستورا والترحيب بالتدخل التركي، ويمثل وجودها في شكل خلايا صغيرة في إدلب.(46)

تنظيم الدولة الإسلامية

لا يمكن القول إن لدى تنظيم الدولة وجود في الشمال السوري وخاصة إدلب إلا أنه شارك في الحرب ضد قوات الحكومة السورية في إدلب، ورغم طرده من قبل هيئة تحرير الشام خارج إدلب إلا أنه لازالت عينه ترنو إلى تلك المحافظة إذ لا يزال يتمتع بقوة لا يستهان بها لما يمثله من دوره كمنافس قوي للجماعات الجهادية والمعارضة المتمردة الأخرى في إدلب.(47)

ولطالما هاجم البغدادي الهيئة والجماعات التابعة فكريا للقاعدة والظواهري ويطلق عليهم صحوات الشام نظرا لممارساتهم ضد تنظيمه وفي كلمة صوتية للبغدادي وصف الهيئة بأنها سلكت غير سبيل المؤمنين، وأنهم باتوا رهن إشارة الصليبيين بعد وقوفهم صفا واحدا في قتال دولة الخلافة كما جرى في حوض اليرموك وبادية السويداء، وأنهم باتوا يسلمون قراهم للنصيرية وإيران والروس دون قتال يذكر حسب ما ورد بالكلمة. (48)

مواقف الفصائل المسلحة من اتفاقية "سوتشى":

أوضحت في السرد السابق أن ثمة اهتمام دولي بمدينة إدلب لعوامل عدة تم ذكرها في مقدمة العمل وتحدثنا عن تسابق دولي للعب دور هام في سياق متوالية الأحداث التي بدأت مع استعداد قوى النظام في دمشق لشن حملة عسكرية بدعوى القضاء على الفصائل المسلحة داخل المدينة خاصة "هيئة تحرير الشام" وعلى رأسها أميرها أبو محمد الجولاني.

بيد أن الدور الذي باتت تلعبه تركيا منذ ظهورها كقوة إقليمية سياسيا وعسكريا اتكاء على ما يمثله المشهد السوري من تحديات لأمنها الإقليمي والتي ظهرت بقوة في"عفرين" ثم مرة أخرى في "أدلب" كانت أشبه بما يمكن تسميته بـ"المهمة الصعبة" للإدارة التركية والتي بدأت مع إيقاف الحملة العسكرية علي مدينة إدلب من قبل نظام دمشق واكتمال مهمتها المتمثلة في نزع سلاح الفصائل الجهادية المسلحة، فضلا عن إخراجها عن المنطقة العازلة بعمق الـ15 كيلومترا.

ويمكننا القول إن مواقف تلك الفصائل يتلخص على النحو التالي :

أولاً: هيئة تحرير الشام

لم تفصح الهيئة عن موقفها صراحة ولم تكشف عنه حتى كتابة هذه الأسطر إلا أننا أمام سيناريوهين يمكننا التكهن بهما بعد متابعة مواقف وصيرورة هذا التنظيم وخاصة تحركات الجولاني البراغماتية :

السيناريو الأول :


وضح منذ ظهور الجولاني في ريف إدلب واجتماعه مع أفراد مجلسه العسكري أنه يحاول الظهور بكونه مدافعا عن هذه المدينة وغير راغب في إلقاء السلاح رغم محاولات التدخلات التركية وتفاهماتها عبر رسلها لكافة الفصائل وعلى رأسهم الجولاني وهيئته وتبعها بكلمته التي أكد خلالها على عدم الثقة بالأطروحات التركية وعدم إلقاء السلاح في خضم الحديث عن اختلاف في الرؤى وانقسامات باتت تعرف طريقها داخل هيئته للموقف المرتقب من اللاعب التركي حتى جاءت مخرجات سوتشي لتؤكد على حتمية إبعاد الجولاني وهيئته من المدينة لتضعهما في موقف لا يحسدا عليه.

لذا من المتوقع أن تتم المواجهة العسكرية بين الأتراك والهيئة لتضع نهايتها نظرا للوعود التي أخذتها تركيا على عاتقها وضرورة تنفيذها ونظرا لعدم تكافؤ الطرفين تكون الهيئة وإن أخذت مسار المواجهة قد رسمت نهايتها بأيدها، حتى وإن كانت المواجهة العسكرية ليست باليسيرة وستعتمد لاشك تركيا على الجبهة الوطنية العسكرية التي شكلتها من قبل، بالإضافة إلى قوتها العسكرية لتفعيل الاتفاق الذي من المقرر الانتهاء منه في الـ15 من أكتوبر الجاري وهنا ستتكرر نهاية جهادية أخرى في جغرافية سورية على غرار ما حصل لتنظيم الدولة في الرقة وأماكن أخرى.

السيناريو الثاني :

بدا من خلال المعلومات الواردة التي تتناقلها جهات مختلفة من الداخل السوري وخارجها خاصة في أنقرة أن ثمة نجاحا في المحادثات التي بدأت بعيد الاتفاق الذي جمع الرئيسين التركي والروسي في سوتشي وان براغماتية الجولاني قد تدفعه إلى تجنب الصدام مع القوى العسكرية التركية وحلفائها في الداخل السوري، بيد أننا لا يمكن أن نرى اندماجا أو تزاوجا بين الهيئة والجبهة الوطنية لتعارض وتنافر أيدلوجية كل طرف منهما عن الأخر خاصة أن الجولاني بذلك قد ينهي دوره الذي رسمه لنفسه منذ الانقلاب على البغدادي ومن ثم الظواهرى وتقديم نفسه كقائد وزعيم في مشهد الثورة السورية إذ لن يقبل بان يكون دوره ثانوي أو منضويا تحت قيادة جديدة برؤى وطنية أو ما شابه وقد يخرج من إدلب تحت ضمانات وترتيبات تركية وإقليمية لجغرافية مغايرة عن إدلب أي كانت وجهتها.

وهو السيناريو الأقرب في سيناريوهات التكهن المطروحة على الطاولة في اللحظة الراهنة أن لم يخرج ببيان واضح يكشف عن موقفه صراحة هو وهيئته.

الفصائل الإسلامية المسلحة الأخرى:

لا شك أن بزوال عقبة الهيئة - إن تحقق ذلك - يبقي ما بعدها أكثر سهولة ويسر بالنسبة لمهمة الدور التركي في تفعيل مخرجات سوتشي، إذ إن الفصيل الأوحد الذي أعلن صراحة رفضه هو حراس الدين وهو ليس بالقوة التي يمكن النظر إليها على كونها قد تمثل تهديدا كبيرا قد يفتك بالاتفاق ويمكن النظر إليها من خلال الزوايا التالية:

قد يقوم الفرع القاعدي الجديد بجمع شتات المعارضين لمسألة نزع السلاح والإبعاد من داخل الهيئة نظرا للتقارب الأيدلوجي وبحكم الرباط الفكري كقاعدة أولية لتجميع الأضداد وان اختلفت آلياتهم سابقا ويكون حراس الدين بذلك وجد الفرصة سانحة لسحب البساط من تحت أرجل الجولاني ويتحول معها لقوى أكبر تأثيرا من الهيئة تنفيذا لأوامر الظواهري الذي قام بوضع تركيا مع روسيا وإيران في سلة المتآمرين الواحدة ومن خلفهم القوى الغربية التي رأى زعيم تنظيم القاعدة أن مخرجات سوتشي تأتي تنفيذا لإملاءاتها وفي مصلحة النظام في دمشق وبالتالي يمكننا توقع أن تفعيل الاتفاق سيشهد مواجهات حتمية بين تركيا وحلفائها بالداخل من جهة وحراس الدين والفصائل المسلحة التي قد ترى ضرورة الاصطفاف معها من جهة أخرى، لأن نزع أسلحتها يعني فنائها وتواريها عن المشهد السوري وتبخرها في الهواء.


أما عن الحزب التركستاني فقد يشهد هو الآخر حالة إرباك وقد يجد أجزاء منه ارتحاله إلى جغرافيات سورية أخرى يؤمن له الحفاظ على كينونته التي حرص على تواجدها في المشهد السوري منذ اندلاع الثورة، فيما قد يتجه جزء منه نحو الإصرار على المقاومة والحفاظ على الأرض ما سيدفع نحو تفعيل حرب العصابات، ويتوقع تشظي المواجهة ولربما تأخذ مسألة وضع نهاية سريعة لمسالة إدلب وقت أكثر للقضاء نهائيا على تلك الفصائل حتى وان لم يتحالف الرافضون جميعا ويصطفون معا لمواجهة الحملة العسكرية التركية وحلفائها خاصة الروس الذين من المفترض أن يجمعهما تنسيقا امنيا ودوريات عسكرية مشتركة لتأمين الشريط الحدودي والمنطقة العازلة التي جاءت ضمن بنود اتفاقية إدلب.

ويمكننا قياس مواقف الفصائل المتناثرة الموزعة الولاءات ممثلة في الملاحم والبادية والأقصى وغيرهما على الرؤية السابقة خاصة وان حجم ردة فعلها وتأثيراتها تظل محدودة ولا يعبا بها الجانب التركي كثيرا وان كانت أيضا قد تنجم عنها في حال تعنتهم مواجهات عسكرية حتمية لا يمكن التهوين من حجم خسائرها في حال حدوثها.

أما تنظيم الدولة وهو المراقب الأبرز لخريطة التحولات والتموضعات الجهادية في الشمال السوري وفي خضم نشاطه العسكري المتصاعد في الجنوب السوري وتحركاته الرامية لملمة أوراقه مجددا وبروزه بعد إخفاقه وخسارته في الرقة هو المستفيد الأكبر من تراجع هيئة الشام بخروجها من إدلب أو القضاء عليها في حال المواجهة العسكرية معها ليطل -فضلا عن الخسارة المتوقعة لتنظيم القاعدة وتمثلاته المتمثلة في حراس الدين- القوى الأبرز في الساحة الجهادية السورية.

خلاصة القول: لا شك أن تركيا عازمة على طي صفحة الفصائل المسلحة داخل إدلب وذلك للأسباب التالية:

أولا : التأكيد من قبل تركيا على تقديم نفسها كلاعب إقليمي مؤثر مرة أخرى بعد نجاحاتها في طرد الميليشيات الكردية المسلحة والتي تحققت انطلاقا من عفرين وما تلاها من قري حدودية أخرى في خاصرتها الجنوبية من جهة والفصائل الجهادية الأخرى وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام التي لطالما تحدثت الدول المعارضة لتوجهاتها الإقليمية بأنها تؤمن حاضنة لها منذ اندلاع الثورة السورية المسلحة ضد النظام في دمشق وهي بذلك تؤكد على وقوفها أمام قوى الإرهاب المعولم بتنويعاته الإثنية والأيدلوجية.

ثانيا: إفشال مساعي النظام في دمشق في الاستحواذ على أهم النقاط الاستراتيجية في الجنوب التركي ومعابره الحدودية الهامة وخاصة معبر "الهوى" والتي كانت تستعد ضمها لحوزتها بدعم روسي وغطاء غربي وما كان يمثله من تحقق من فشل استراتيجي للسياسة الخارجية التركية الجديدة خاصة بعد انتقال النظام في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي ورغبة أنقرة في تحقيق نجاحات خارجية تؤكد من أهمية هذا التحول، ابتداء من المعضلة السورية وما تمثله من بعد أمنى إقليمي هام لتركيا وبذلك قد يكون الإدارة التركية قد نجحت لحد كبير في إبراز قوتها محليا وإقليميا ما يفتح شهيتها للعب أدوار إقليمية أخرى قد تتعدى سورية.

ثالثا: إدخال الفصائل الوطنية السورية العسكرية المدعومة تركيا إلى مساحات جغرافية جديدة من شانه أن يضيق الخناق على النظام في دمشق ويعزز من التحالف التركي الروسي على حساب التحالف التركي الإيراني الذي بدا غياب تأثيراته واضحا في مخرجات سوتشي واستفادة أنقرة من العلاقلات المتوترة بين طهران وواشنطن ما قد يدفع طهران إلى استشعار حجم الضغوطات الإقليمية على النظام في دمشق ما يجعله يعيد وجهته في علاقاته الأكثر حميمية معها وإمكانية إيجاد مخرجا للمعضلة السورية خاصة بعد تصريحات إيرانية مؤخرا تؤكد على أن مستقبل سورية مرتهن بتطلعات الشعب السوري وحده.

رابعا: تسعى أنقرة إلى إظهار تأثيراتها الإقليمية منطلقا من المشهد السوري لإدارة ترامب التي تعايش مع نظيرتها التركية محطات سياسية معقدة في الآونة الأخيرة وهو ما سيجعل الولايات المتحدة في طل دعمها للميليشيات الكردية تحسب خطواتها جيدا مستقبلا في ظل النفوذ التركي المتعدي جغرافيتها وقدرتها على إدارة الملف جيدا في حال نجاحها في إتمام بنود اتفاق سوتشي بالقضاء على جيوب الفصائل الجهادية المسلحة في إدلب ما يعني تعاظم نفوذها وقدرتها على تقويض التحركات الكردية المدعومة من واشنطن.


الهوامش :

(48) النبأ الأسبوعية-العدد145-الخميس 19 ذي الحجة 1439ه- الصفحة 15-كلمة البغدادى/تفريغ خطاب البغدادى الأخير
مصطفى زهران

كاتب وباحث مصري ، مساعد رئيس تحرير مجلة "رؤية تركية".
له الكثير من المقالات والدراسات التى تتناول الظاهرة الاسلامية الدينية بشقيها الدعوى والسياسي خاصة الراديكالية منها ، يكتب في عدد من المواقع العربية مثل موقع الجزيرة نت ، هسبريس المغربي.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.