أكثر دينيّةً لكن لا تزال علمانيّة بعدُ؟ العلاقة المتغيّرة بين العلماني والديني في سوريا

13 آب/أغسطس 2018
 
 ترجمة: حمزة عامر*

[نُشر هذا النصّ بالأساس على مجلّة دراسات سوريّة، عدد ٨، عام ٢٠١٦. يمكن الاطلاع على النسخة الأصليّة هنا]
دلّل الكثيرون على أن النهضة الإسلامية التي شهدها الشرق الأوسط في السنوات العشرين الأخيرة هي تجلي اندثار موجة العلمانية في الإقليم، إلا أن هذه النهضة الملموسة خلال الفترة ذاتها في بلدٍ علمانيٍّ مثل سوريا وذبول الثقافة العلمانية التي رافقتها لا يُفضي بالضرورة إلى انعدام أفق العلمانية. بل إن تقوية شوكة الدين بالتوازي مع الرؤية العلمانية للدولة كان أحد مخرجات سياسةٍ سلطويةٍ عمد النظام السوري إلى بلورتها بصورةٍ أكبر على مدار عقدين سبقا الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، إضافةً ربما إلى طبيعة الدولة السلطوية1.

يمكن القول، إذاً، بأن علمانية سوريا لم تعد تلك النواة الصلبة التي أسّس لها منظّرو حزب البعث، فتحوّلت إلى منظومةٍ أيدولوجيةٍ أكثر تعقيداً أعادت رسم وجه المجتمع السوري، آخذةً بأطرافه إلى أكثر من توجهٍ واحد، لا يمكن اختزاله بكل بساطة بصفةٍ "دينية" أو "علمانية".

يرى تشارلز تايلور بأن العلمانية تُعرف بنقلةٍ فكريةٍ يُعتبر فيها الدين والإيمان بالإله واحدةً من بين عدة وجهات نظر2. وتستند هذه الورقة، في محاججاتها، على تعريف تايلور للعلمانية وعلى الفكرة القائلة بأن العلمانية والدينية هما فكرتان متشعّبتان ومتقاطعتان نظرياً وتاريخياً. على هذا، تحاول الورقة أن تبيّن الطرق التي تفتّقت فيها العلمانية من وسط الدينية، وكيف أن تشابك الديني والعلماني قد تمخّض عنه أفكارٌ مائعةٌ في الديني والعلماني.

بمعنىً آخر، تشير الأسئلة المطروحة في الورقة إلى فرضٍ شيءٍ من النسبية على الثقافة الدينية في سوريا المعاصرة بتصويرها على أساس أنها رؤيةٌ من بين عدة وجهات نظر هي الأخرى لها وجاهتها. وبهذا تجيب على السؤال: "هل انحدرت أسهم العلمانية، أو أن ما حصل فعلاً هو إعادة رسمٍ للخط الفاصل بين العلماني والديني؟" مرجّحةً كفة وجهة النظر الثانية. وبصورةٍ عامةٍ أكثر، تحاول هذه الورقة أن ترسم فهماً للتاريخ المعقّد والمتشعّب لعلمانية سوريا في سبيل استيعاب الثقافة العلمانية في سوريا بصورةٍ أفضل، وخصوصاً بعض التحولات التي مرّت بها. 3
وما نجم عن ذلك هو حفاظ العلمانية على حيويتها دون إنكار وجود شيءٍ من التغير في ظلّ خطابٍ دينيٍّ سنيٍّ يُعاد تشكيله. لقد أصبح الدين أداةً في يد العلمانية، فلا يمكن الإنكار بأن البلاد كانت تمرّ بموجة أسلمة )يعني هذا أن مظاهر التدين الإسلامي أصبحت واضحةً أكثر. علماً أن هذه الورقة تتناول السياق السوري حتى الثورة السورية التي اندلعت في مارس 2011).

 إلا أن بين طيات هذه الأسلمة عنصراً هاماً هو تقبل وجهات النظر الأخرى والأخذ بفكرة الفصل بين الكنيسة والدولة على أساس أنها فكرةٌ معيارية. وتخلص هذه الورقة إلى أن السوريين قد يختارون نظاماً سياسياً علمانياً بعد فهمهم للعلمانية متى ما سقط نظام بشار الأسد، وطبعاً إن تبع ذلك انتقالٌ ديمقراطي. وتزداد أهمية دراسة هذه الفرضيات في ظلّ الوجه الراديكالي الذي يستحوذ على الثورة السورية بصورةٍ ساحقة، واستقطاب الحركات الإسلامية المتطرّفة4، كجبهة النصرة وداعش، للجزء الأكبر من التغطية الإعلامية.

تتناول الصفحات التالية النماذج العلمانية القومية التي قامت في سوريا على مدار المئة عامٍ الماضية، وكيف كان لها أن ترسم المجتمع السوري وثقافته السياسية.5 كما تبيّن هذه الورقة أيضاً سببية وكيفية تحول العلمانية في سوريا مع مرور الوقت. وتدرس الورقة أيضاً النقلة في العلمانية التي نظّرت لها الدولة من علمانيةٍ حاولت مداراة القومية الدينية والدينية إلى منظومةٍ علمانيةٍ، في خمسينات وستينات القرن الماضي، كانت تأمل بأن "تحدّثن" المجتمع بطريقةٍ رسمت مساراً تصادمياً بين العلمانية والدينية6. كانت هذه أوج علمانية البعث. لكن كان هناك نقلةٌ أخرى تأخّرت، وجاءت نتيجةً لإعادة تقدير وتقييم الفهم الديني الذي غذّى النموذج العلماني السابق.

ففي شكليته الجديدة استعاد الدين مكانته المؤثّرة داخل المجتمع، ولكن برزَ أيضاً لهذه الدينية وجهٌ جديدٌ أقرّ بأن رقعة العلمانية ستبقى ثابتة. ويتناول القسم الأخير كيف نجحت الدولة السورية بالفعل بالتأثير على الخطاب الديني بالدفع بمشايخ خدموا أجندتها السياسية ورؤاها السوسيوسياسية، واشتمل ذلك على الحاجة للفصل بين الدين والدولة. وتتسق هذه الفرضية مع ما خلص إليه تحليل باحثين آخرين تناولوا الحركة الإسلامية في سوريا، مثل توماس بيريه الذي رأى بأن الدولة لم تتدخّل في الخطاب الديني، إلا أنها سعت إلى الحدّ من ترتباته السياسية7. ويتطرّق كتاب Islamic Revivalism in Syria إلى أن الدولة استطاعت أن تعيد ترتيب أوراق إعادة أسلمة المجتمع السوري بحذرٍ من خلال توفير مساحةٍ تنظيميةٍ لا يمكن تجاوزها للعلماء الذين يدعمون جهاز الدولة السياسي.8

وبين طيات هذه الورقة أحاول أن أرسم تقديماً للعلمانية السورية، مبيّناً حيثياتها بالاستناد على مفهوم العلمانية كما أسّس له تشارلز تايلور. jتناول الورقة قضيتين، وتخدم غرضين رئيسين: 1- تتناول تاريخ سوريا العلماني حتى اندلاع الثورة السورية، و2- تعيد رسم الخط الفاصل بين العلمانية والدين، والعلاقة بين المنظومتين ضمن السياق السوري.9

أردت في هذه الورقة أن أقدّم سرداً تاريخياً وتحليلياً يركّز على الخطاب السني الذي وافقت عليه الدولة. وكان تركيزي على الخطاب السني آخذاً بعين الاعتبار الأهمية الديموغرافية للمجتمع السوري السني، فتشير التقارير الحالية بأن ما نسبته 71%-74% من السوريين هم مسلمون سنّة. ويكرّس هذا الخطاب ما أسميّهم العلماء السنيين "الرسميين"، والقصد هنا العلماء الذين يدعمهم النظام أو يعملون نيابةً عن وزارة الأوقاف السورية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جميع القادة الدينيين في سوريا هم نظرياً موّظفون يعملون لوزارة الأوقاف. لكن تبيّن لي في عملي الميداني في سوريا بأن الناس يمايزون بين الشيوخ، فبعضهم أقرب إلى أجندة وزارة الأوقاف من غيرهم، وبهذا يمكن اعتبارهم "رسميون" أكثر. وبالاستناد إلى الغاية التي أُريدَ لها هذا البحث، تتوّقف مدى رسمية الشيخ على دنوه من دائرة الخطاب الرسمي، وتمييز الناس لذلك.10
 
العلمانية السورية: المسارات المبكّرة

كغيرها من الدول القومية التي قامت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، صعدت أسهم القومية وحركاتها صعوداً حاداً في سوريا. وسعت بعض هذه الحركات إلى حدثنة النظام السوسيواقتصادي والسياسي مع رعايتها لرؤيةٍ أكثر محافظةً قامت في الغالب على عدم تجاهل الثقل الثقافي لماضي البلد والرغبة في مراعاة ذلك، في حين آمن البعض الآخر بأن التقدم يقتضي حتمية حلّ وثاق ممارسات الماضي وأفكاره.11 وبصورةٍ عامة، ارتكزت الرؤية التي وضعها كلا هذين التيارين الرئيسين، اللذين صعدا في سياق الحركات القومية الأولى، للدولة على العلمانية.12 وبما يتسق مع منظور فلسفة هيجل التاريخية، اتفقت النخبة المثقّفة في سوريا بأن الأنظمة الدينية تنتمي إلى الماضي في طريق نمو الروح الإنسانية، وهكذا بدأت هذه النخب بالنظر إلى المستقبل بطرقٍ جديدة.

ارتكز النموذج العلماني الذي قام في بداية القرن العشرين، إذاً، على فصلٍ صارمٍ بين الكنيسة والدولة وحصر الدين في المساحة الخاصة. ويمكن ردّ جذور هذا النموذج تاريخياً إلى السياسات العثمانية نهاية القرن التاسع العشر، والتي سعت إلى "حدثنة" الأنظمة السياسية، والقضائية، والتعليمية في الولايات العثمانية. ولم يكن سقوط الدولة العثمانية وحده كفيلاً بتجميد هذه العملية13، فتبيّن بأن هناك الكثيرين14 في الدولة السورية حديثة الولادة وقتها، سئموا من الخلافة العثمانية الثيوقراطية وادعاءاتها بأنها تمثّل السلطة الإسلامية الأعلى قانونياً وروحياً.15

وبدأ المفّكرون العلمانييون في ذاك الوقت، كشبلي شميل (1850-1917) وفارس نمر (1856-1951) وفرح أنطون (1874-1922) وعبد الرحمن الكواكبي (1855-1902)، بالنظر باهتمام إلى نماذج الحكم في أوروبا الغربية وأمريكا.16 أيضاً، كان شيوخ سوريا في ذاك الوقت يُقرَنون بالتصور الاجتماعي القائم داخل الطبقة التقليدية، وبهذا يُنظر إليهم على أنهم مؤيّدون لهذا النظام السوسيواقتصادي البائد، والوضع الراهن بصورةٍ أعم.17

وكانت هذه العوامل أحد أهمّ العناصر التي ساهمت بتغذية فكرة أن النماذج السوسيوسياسية العلمانية هي الأصلح، وهي فكرةٌ لاقت رواجاً بين الطبقة المتعلّمة الصاعدة من أبناء الطبقات الدنيا والطبقات المتوّسطة بريفهما وحضرهما. ويمكن أيضاً ردّ الرغبة بالتأسيس لنظامٍ علماني إلى أن اطلاع الكثير من السوريين على النظام الفرنسي وتاريخه كان خلال الانتداب الفرنسي على سوريا (1920-1946).18 ولا يمكن أيضاً إهمال النقلات التاريخية والأيدولوجية المتنوّعة والتغيرات الثقافية التي نشأت في ظلّ ظروف المشهد السوري في ذاك الوقت، ويُضاف إلى ذلك التنوع الديني والعرقي الكبير في الساحة السورية، فربما ساهم كلّ ذلك إلى خلق حسٍّ مشتركٍ من عدم العقلانية إزاء فرض هويةٍ دينيةٍ واحدة على الثقافة السياسية السورية بعمومها، بل وتنصيبها ركيزةً أساسيةً لدستور الدولة. 19
 
 
تشير كلّ هذه العوامل إلى أن النظام العلماني الذي قام في حقبة ما بعد الاستعمار كان تجلياً إلى توق العامة إلى تغيرٍ سياسيٍّ واجتماعيٍّ، وحاجتهم إلى الوحدة في ظلّ تبدي معالم شعبٍ جديدٍ يختصّ بتنوعه الكبير. لهذا يمكن النظر إلى بروز ثقافةٍ سياسيةٍ علمانية، ولو أن النموذج العلماني كان قد غُذّيَ بأنظمةٍ أخرى مثل الفرنسي (كما تناقش الورقة أدناه)، على أنه نتيجةٌ طبيعيةٌ للظروف التاريخية التي أحاطت بالبلاد وتجربتها الجماعية، إضافةً إلى نخبتها الفكرية والقيادية.

ويعني ذلك بأن مواطني سوريا الفاعلين سياسياً قد تقبّلوا بصورةٍ عامة (انظر أدناه) أن بلادهم قد أمست دولةً قوميةً علمانيةً في بداية القرن العشرين تشتمل على مساحةٍ عامةٍ محايدةٍ وليس لها دينٌ رسمي. وتجسّدت هذه الرؤية في دستور 1920 (فعلى سبيل المثال، كفلت المادة 14 من الدستور حرية الدين والمعتقد ما لم تنتهك حرمة الأديان الأخرى).20 وتجلى هذا الجفاء "المتقبَّل" من الماضي في عددٍ من الانتخابات البرلمانية التي عُقِدَت في نهاية الأربعينات وخمسينات القرن الماضي، حينما اختار السوريون منح أصواتهم لأحزابٍ علمانية على حساب الإخوان المسلمين.21 ومنذ ذلك الحين، لم يعد هناك دينٌ رسميُّ للدولة السورية القومية.

ولو نظرنا إلى النماذج السياسية العلمانية، فيمكن اعتبار أن العلمانية السورية، حتى بداية الستينات، مالت إلى القطب الانفصالي، أيّ أنها التزمت بفصل الكنيسة عن الدولة، وربما تكون أقرب إلى النظام الفرنسي (laȉcité)22 والنموذج التركي (الذي يستند أصلاً على النموذج الفرنسي) منها إلى قطب اعتماد "دينٍ رسميٍّ معتمد"23 الذي لا يستهجن ذكر الإله أو الدين على ألسنة مسؤولي الدولة.24 وكان النموذج أيضاً أقرب إلى النموذجين الفرنسي والتركي لأنه أراد حدّ الدين في الدوائر الخاصة، فالفصل بين الكنيسة والدولة يقتضي بالضرورة تحرير الدولة من قبضة الدين.

ولكن هذه التصورات لم تكن دقيقة، فقد اقتفى النظام السياسي، على سبيل المثال، أثر النظام العثماني في تنظيم أمور الإسلام في سوريا، إضافةً أيضاً إلى وجود أوقافٍ مسيحية التي كانت تابعةً لوزارة الأوقاف، بل إن الوزارة قامت بعلمنة بعض القوانين التي تعتبر جزءاً من أحكام الأوقاف الدينية كما ينُصّ عليها في الفقه الإسلامي. ويجدر الذكر أيضاً بأن المتبرّعين لم يعد لهم رأيٌّ في كيفية توزيع أموال الأوقاف الذي أصبح شأناً من ضمن اختصاصات وزارة الأوقاف وفقاً لقوانين جديدة سنّتها الدولة، على خلاف ما تنصّ عليه أحكام الشريعة الإسلامية التي تعطي المتبرّع حق اختيار المستفيدين من الأوقاف.25 وأحكمت الدولة قبضتها بصورةٍ أكبر على الدين عام 1949 بإصدار مرسومٍ يضع جميع المساجد، بما في ذلك المموّلة بصورةٍ خاصة، تحت سلطة الدولة وملكيتها.26
وكذلك شدّد دستورا 1950 و1953 على فصلٍ صارمٍ بين الكنيسة والدولة، كما تنصّ المادة 3: " حرية الاعتقاد مصونة. والدولة تحترم جميع الأديان السماوية. وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام." وروّج عددٌ من المفكّرين والسياسيين البارزين، من بينهم زكي الأرسوزي وأنطون سعادة وميشيل عفلق،27 لدولةٍ ومساحةٍ عامةٍ منعتقةٍ من خطاب "الخرافات" حسب تسميتهم، ولممارساتٍ ترتكز على المنطق والأخلاقيات العلمانية. وهو ما سعى حزب البعث بصورةٍ واضحةٍ لتحقيقه في الستينات (كما تستعرض الصفحات التالية).28 إذاً، كان تجلي العلمانية في سوريا انعكاساً للافترضات الليبرالية ضمن ثنائية الدين/العقل، مع حصر الدين في الدوائر الخاصة.

ومن المهم الإشارة هنا إلى النقلة التي حصلت، فحتى قادة الأديان الأورثوذكسية الذين ناهضوا سياسات العلمنة وجدوا أنفسهم مضطرين إلى إعادة صياغة دينيتهم بناءً على ثنائية الدين/العقل. وهكذا رضخت هذه القيادات إلى نداءات التوجه إلى العقل والمنطق. ويمكن القول بأن هذا كان، إلى حدٍّ ما، عاقبةً حتميةً لدمقرطة الخطاب العقلاني في القرن العشرين. ويمكن الاستدلال على هذه النزعة بجهود الكثير من العلماء السورين الذي عمدوا إلى التقليل من أهمية الجانب اللامادي من الدين بالترويج لفهمٍ أكثر دنيوي للإسلام.29 وتعكس هذه الجهود النقطة التي بيّنها تايلور، بأن الطريق إلى العلمانية سيكون "كبت ما سُميّ لاحقاً العناصر ’السحرية‘ في الدين..."30

ويمكن أيضاً رؤية مثالٍ آخر على ذلك في مواعظ الشيخ أسامة الرفاعي الذي قال بأن الإنسان لا يتبوّأ منزلة الولاية إلا عبر بذل الوسع والتعلم. مبدأ الولاية هذا أصبح أكثر "حداثة"، بمعنى أنه فقد جانبه اللادنيوي وتحوّل إلى مفهومٍ "عقلانيٍّ" دنيوي. ويقول الرفاعي بأن أباه وجد في أولياء الماضي قدوةً له نظير أفعالهم وأثرهم في هذا العالم، وليس بسبب معجزاتهم.31 وتوّقف شيوخ طريقة الشيخ الرفاعي عن تعليم الابتهالات النقبشندية لمريديهم لأن هذه الابتهالات لم تعد "متسقةً مع بلاءات العالم الحديث، التي أصبحت تتطلّب تركيزاً على البعد العقلاني للمعرفة."32

نهايةً، من المهم أن نشدّد مرةً أخرى بأن النموذج السوري كان نتاجاً طبيعياً. فمع أن مفكّري العلمانية في سوريا كانوا يحاولون دفع البلاد إلى نقلةٍ نحو النموذج الفرنسي " laȉcité"، كان هناك أيضاً أعضاء برلمان ينحدرون من خلفيةٍ أكثر دينية، أو كانوا جزءاً من منظومةٍ أوليغاركية تتسم بتوجهاتٍ محافظةٍ أكثر، وكان هؤلاء أكثر ممانعةً لنبذ الدين من الثقافة السياسية والمساحة العامة في سوريا. ويبدو بأن كلا الجماعتين قد وصلا إلى أرضيةٍ وسطى في الأربعينيات والخمسينيات، حيث لم تتسيّد أيٌّ من الرؤيتين بصورةٍ كاملة.

فبالنظر إلى دستور 1930 على سبيل المثال، يبدو بأن ذالك الدستور كان علمانياً بمعنى أنه لم يفرض أيّ نظامٍ دينيٍّ للعادات والتقاليد، ولم يفرض أيضاً ديناً رسمياً. لكن الدستور أقرّ بأن القوانين الإسلامية كانت مصدر التشريع الرئيسي. ورسم الدين أيضاً الصورة العامة لقانون الأحوال الشخصية (الذي كان يؤثّر بالدرجة الأولى على النساء والأطفال). وكان كل هذا يعني بأن النموذج السوري بقي مرتكزاً على الـ "laȉcité" حتى ثورة البعث عام 1963، فلم تُحدث ثورةً أو تنفّر العامة من فكرة الصلاح الديني، وكانت بالفعل محايدةً من ناحية المعتقدات.

علمانية البعث: علمانيةُ متشدَدة

أصبحت عقيدة سوريا العلمانية هي نفسها عقيدة حزب البعث السوري والرسمي منذ أن استولى الحزب على السلطة عام 1963.33 وسعى الحزب منذ نشوءه في بداية الأربعينات إلى "حدثنة" المجتمع السوري بالاستناد على مزايا المواطنة العلمانية بصفتها الخيار الأصلح، وسعى، نظرياً، إلى جعل جميع المواطنين متساويين تحت حكم دولةٍ لها سيادتها. وكان هذا يقتضي تحدي المنظومة الأوليغاركية التقليدية والطبقة الباتريمونالية، وفي الغالب قطع يد نفوذهما من السلطة السياسية.

ومثل معظم الأحزاب السياسية السورية في تلك الفترة، وخصوصاً الأحزاب الثورية كالحزب السوري القومي الاجتماعي والشيوعيين، كانت علمانية حزب البعث علمانيةً متشدّدة. وكان هذا يعني بأن الحزب، ولو أنه أقرّ بدور الإسلام والمسيحية ثقافياً وتاريخياً، رأى بوجوب إقامة خطٍّ صارمٍ يفصل بين الدين والدولة، مع فرض نظامٍ علمانيٍّ يروّج لثقافةٍ من العقلانية والمساواة تحت قوانين حداثيةٍ وضعية إذا ما أردنا تحرير المواطن العربي. وهكذا أسّست المادة 5 من دستور حزب البعث لسيادةٍ شعبيةٍ، مؤكّدةً بأن الشعب وحدة، وليس الدين، هو مصدر السلطة السياسية.34 أما المادة 15 فنصّت بأن " الرابطة القومية35 هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقةٍ واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية."36

وقّدّمت وثيقةٌ تحوي المنطلقات خلال المؤتمر القومي السادس عام 1963، أي في وقتٍ كان فيه الحزب يحكم قبضته على السلطة. وأعلن ذاك النصّ عن تغييراتٍ اجتماعيةٍ وتعليميةٍ في سوريا بالتوازي مع الخطوط "العلمية" و"الاشتراكية".37 ودلّل هذا على أن المنظومة العلمانية الراهنة في سوريا التي اكتفت بحرية الدولة بعيداً عن الدين لم تكن كافية، فصار هناك نقلةٌ نحو علمانيةٍ أكثر راديكالية انطوت على تحدي الخطاب الديني واستئصاله من الدولة والمجتمع إن كان هذا ممكناً، إضافةً إلى منح الدولة السلطة لتوجيه وتنظيم المساحة الدينية على نحوٍّ أكثر تغولاً في تلك الفترة.

وبهذا يمكن القول بأن وثيقة المنطلقات كانت تدشيناً لنموذجٍ علمانيٍّ سوريٍّ بغطاءٍ أكثر راديكالية. وبالفعل نادى المؤتمر القومي السادس لحزب البعث بتحولاتٍ اجتماعيةٍ راديكالية في المجتمع السوري عبر إزالة الدين من المناهج الدراسية، وعلمنة القانون السوري للأحوال الشخصية. وهذا، بدوره، لعب دوراً أكبر في علمنة النظام الاجتماعي بالتوازي مع النظام السياسي، وأيضاً نفّر الأجيال الشابة من الدينية.38

وعلى نفس الشاكلة، أريدَ لدستور حزب البعث عام 1969، الذي تمخّض عنه لاحقاً دستور 1973، أن يكون تحولاً في علمانية سوريا من منظومةٍ اعترفت بالمعتقد، إلى أخرى كانت خاليةٍ من ذكر الإيمان بالكلية. فاستبدل الدستور مُسميّي "الدين" و"الأخلاق" بـ "العلم"، فيما استعيض عن مصطلح "الإله" بـ "الإنسانية".39

وفي منتصف الستينات عمدت القيادة الجديدة في حزب البعث، الحاكم وقتها، إلى التوغل أكثر في الخطاب الديني وصياغته داخل البلاد. وترتّب على ذلك تمتّعها بالحق بتعيين القادة الدينيين وعزلهم (الذين اصطفاهم أقرانهم قبل أن يستولي حزب البعث على السلطة)، وأيضاً التحكم بمسؤولي الدين في الدولة، الذين كانوا محايدين في السابق.40 نتيجةً لهذا، كان هناك موجة عزلٍ واسعةٍ للرموز الدينية الذين تحدّوا أفكار نظام البعث وأفعاله، واشتمل ذلك على عزل المفتي أبو اليسر عابدين واختير الشيخ أحمد كفتارو، الذي تمتّع بدعم الحزب، بديلاً له، عوضاً عن الشيخ حسن حسبنكة الذي كان يتمتّع بشعبيةٍ كبيرة عام 1964.41 كما أن قيادات الحزب حرصت على عزل أعضاء الحزب الذي عُرِفَت عنهم مواقف أقل تصلباً من الجيش والحكومة عام 1966 لضمان سير هذا التحول بصورةٍ فعّالة.42
وتجلّت في كلّ هذه القرارات والثقافة العلمانية المفروضة من الأعلى العلمانية الشرسة التي أرادها قادة حزب البعث لسوريا بصورةٍ واضحة.43 وعلى الجانب الآخر، كان من الواضح في نظر المحافظين والدينيين بأن عليهم التحرك بطريقةٍ ما، في ظلّ كل ذلك، لصدّ النظام عن تطبيع الرؤية العلمانية. فاندلعت احتجاجاتٌ واسعةٌ في منتصف الستينات في سوريا، وكان معظمها بقيادة الإخوان المسلمين.
 
 
العلمانية المتشدّدة تكشر عن أنيابها

في نهاية الستينات، بدأت مصداقية حزب البعث بالانحدار في ظلّ الطرق الشرسة، بصورةٍ متزايدة، التي عملت بها لإنفاذ التحولات السياسية والاجتماعية. وكانت الطبيعة السلطوية للنظام مرعبةً للكثيرين في ظلّ التجارب السابقة للسوريين الذين تمتّعوا لسنواتٍ بتمثيلٍ برلماني وبيئةٍ سياسيةٍ ديمقراطيةٍ في الأربعينات والخمسينات.

ولمس حافظ الأسد، الذي كان وزيراً للدفاع في نهاية الستينات، الحاجة إلى سياساتٍ أكثر براغماتية وتسامحاً إذا ما أراد الحزب كسب ود رجال الدين وتهدئة الطبقة البرجوازية المدنية وتجار دمشق الذين كانوا في حالةٍ من الاحتقان في ذاك الوقت، بل وكان كثيرٌ منهم في تحالفٍ مع "الطبقة الدينية" في سوريا، إن لم يكونوا جزءً منها.44 فكانت حركة الأسد التصحيحية45 التي طرحت مقترح تهدئة رتم عجلة التغير الاجتماعي وحجمه،46 وهو ما أخذ بحزب البعث بعيداً عن التركيز على العلمانية الثورية الشرسة، ولكن مع ذلك لم يخفِ الأسد دعمه لنظامٍ علماني.47

بعد انتزاعه للسلطة في 1970، نأى الأسد عن خطابٍ علمانيٍّ يقوّض الأخلاقيات الدينية، وهي نقطةٌ تقع في سياق اهتمامات هذه الورقة. كانت أحد الأسباب التي دفعت الأسد لذلك تتمثل في إدراكه بأن لا أمل لأيّ نظامٍ في البقاء السلطة إن إدار ظهره لأوليغاركية رجال الأعمال المتنفذّين وقادة المجتمع السني الذين سيطروا على أوتار الحياة السياسية لقرون. إدراكه هذا قاده إلى أن يضيف بنداً إلى دستور 1973 الجديد يشترط بأن يكون رئيس سوريا مسلماً.

وفي بداية الثمانينات، ومع تصاعد تحدي ميليشيات الإخوان المسلمين لحكم الأسد السلطوي، بدأ الأسد نقلةً هامةً نحو نموذجٍ علمانيٍّ فهم العلمانية على أنها تعايش وتماسك مجموعةٍ من الطوائف والأديان.48 وتبع الترتيب الجديد هذا، الذي فُرض على أرض الواقع، تصاعدٌ مضطردٌ لسياسات التقييد على الأنشطة الدينية في نهاية السبعينات، وهو ما فضح تخبط النظام في تعامله مع المعارضة الدينية. وأدّى إدراك النظام بأن سياساته الدينية يجب أن تداري الطبقة المحافظة في سوريا إلى انسحابٍ تدريجيٍّ للدولة. ففي هذه المرة، لم تكن الدولة هي من قادت هذا الترتيب الجديد المفروض، وإنما قادةٌ دينيون قبلوا العمل مع النظام السلطوي وتحت إمرته.49

ويمكن الإشارة إلى هذه النقطة بأنها بداية التماس بين العلمانية والدينية، فامتدت هذه الحركة الدينية الجديدة لتشمل جميع أطراف المنظومة الدينية في سوريا خلال وقتٍ قصير. وهكذا افتتحِت مؤسّساتٍ دينيةٍ رسمية (وكانت الدولة من أشرفت على ذلك)، إضافةً إلى فتح الإعلام الرسمي، وتحديداً الراديو والتلفاز، أبوابه للخطاب الديني في برامج دوريةٍ تروّج للقيم الدينية. وصعد نجم المشايخ الموالين للدولة سريعاً، مثل سعيد رمضان البوطي50 وأحمد كفتارو51 بين الناس، فأسر هؤلاء المشايخ قلوب الكثير من الشباب وأبناء الطبقة الوسطى بفضل جاذبيتهم الإعلامية. وفي نفس الوقت، عمل النظام على تجميد أجندته الاجتماعية والعلمانية.

شهدت العلمانية، إذاً، في سوريا تحوّلاً آخر في ظلّ هذه التطورات الجديدة أخذ بها إلى نموذجٍ أقرب إلى مبادئ الاعتراف بالدين والتعايش المشترك. فلم يعد السوريون مطالبين بطمس طرقهم التقليدية. ففي منتصف الثمانينات، على سبيل المثال، لم تعد الدولة تتدخّل في قضية ارتداء البنات للحجاب في المدارس، بل وأصبحت اللحى الطويلة تُرى أكثر وأكثر في النصف الثاني من ذاك العقد، وهو أمرٌ لم يكن أحدٌ يجرؤ على فعله خوفاً من أن يظنّه الناس محسوباً على جماعة الإخوان المسلمين. وفي نفس الوقت، أصبحت الدروس الدينية تُعطى في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة في معارضةٍ صريحةٍ للأجندة البعثية، فيما استبدل الخطاب العلماني/العلمي/العقلاني/الحداثي بخطابٍ ديني في الدوائر العامة، وتُركت قوانين الأحوال الشخصية لاختصاص القادة الدينين لكل طائفة.

فكان المشهد العام هو أن الدولة قد رعت نموذجاً علمانياً لم يكن فيه دينٌ رسمي، ولكنه، في نفس الوقت، احترم جميع الطوائف. فأصبح التعايش المشترك، وليس مذهب العقلانية،52 هو الاتجاه الشائع. ولكن القصة لم تنتهِ هنا، فقد روّجت الحركة الدينية الجديدة برعاية الدولة، والتي انتزعت المساحة الدينية فعلياً من يد الإخوان المسلمين السوريين، بصورةٍ مضمرةٍ وحذقة للنظام السياسي والنظام العلماني. وأصبحت هذه الأفكار الجديدة بارزةً أكثر مع دنو حكم حافظ الأسد من نهايته (وقد يكون ذلك بسبب التأثير المنتشر والمتزايد الذي تمتّع به القادة الدينيون في وسائل الإعلام)، وخصوصاً في فترة حكم ابنه بشار الأسد. فأصبح من الملاحظ تذبذب العلمانية والدينية كأيدلوجيتين متمايزتين، في نهاية التسعينات وبداية الألفية، ليحلّ مكانها خط تقاطعٍ بين الإثنين. ويتناول الفصل التالي كيف انبثقت العلمانية من وسط الدينية في سوريا بشار الأسد.
 
إحياء الإسلام: علمانيةٌ تختبئ أمام أعين الناس

سعت الدولة إلى توطيد ظاهرة البعثنة في النظام السوسيوالسياسي على مدار التسعينيات، وكان هذا جلياً أكثر خلال حكم الرئيس الحالي بشار الأسد (الذي تقلّد منصب الرئاسة في يونيو 2000). وتمّ هذا بصورةٍ جزئيةٍ عبر مداراة مطالب دينية محدّدةٍ من الأسفل. وقد أكّد بشار الأسد في خطاب تسلمه للسلطة بأن عدم تجاهل الإسلاميين والتواصل معهم في سبيل تجنب تطرّف خطابهم هو أمرٌ هام. وتمثّلت الفكرة بأن احتمال قوة شوكة الخطاب الراديكالي يبقى أقل في بيئةٍ تقرّ بالدور الحيوي الذي يلعبه الإسلام في المجتمع.

وقد يُخيّل للمرء بأن أسهم العلمانية، في هذا السياق، كانت في انخفاض، وهذا يعني بأن تأثيرها وأهميتها كانتا تتناقصان نحو مصيرٍ غير معروف. ولكن الناظر عن كثب سيرى بأن تقويض الأسس كان لأحد صور العلمانية، وليس للثقافة العلمانية السياسية نفسها. وأرى بأن هذا هو تجلٍ للعلمانية، ولو أنه فهمٌ جديدٌ لها، ينبثق من قلب الدينية. ولا يمكن إنكار أن علمانية سوريا بقيت حيويةً، ولو أنها كانت تتغيّر مجدّداً.

ويتجلّى البارادوكس في هذا السياق بأن حيويتها كانت بفضل نفس اللاعبين الذين يُلامون في الغالب على محاربة علمنة الدولة، المشايخ الذين كانوا يشغرون مناصب مسؤولي الدين أو الذين كانوا يعتبرون من الحلفاء المقرّبين للنظام السوري53. وفي سبيل إظهار ذلك، وُجّه الاهتمام ليكون على تعاليم وخطابات عددٍ من المشايخ الذين نالوا مباركة الدولة، وكذلك الأمر مع مقابلاتهم. وأهم هؤلاء كان المفتي أحمد حسون الذي تمتّع بالأولوية كونه يقع على رأس هرم المؤسّسة الرسمية السنية في سوريا، وهو الشخص الذي كان مسؤولاً عن بثّ الرسائل للسوريين بصورةٍ عامة.54

يمكن للمرء، إذاً، أن يتلمّس الترويج لهذه الثقافة السياسية العلمانية الجديدة داخل الخطاب الديني الذي أذنت به الدولة. وكان هذا ممكناً لأن الخطاب الديني الجديد كان يركّز على التغيير الأخلاقي والروحي على المستوى الفردي.55 وطبعاً لم يكن جميع المشايخ المواليين للدولة من الذين أيّدوا هذا الخطاب، بل إن بعضهم، مثل الشيوخ المؤيّدين للرفاعي والشيخ البوطي، كانوا صريحين في رفضهم لبعض جوانب مشروع التجديد. ومع ذلك، توجّه الشيوخ، وحتى أكثرهم إيماناً بالقيم المحافظة، إلى التركيز على "الدين الشخصي" أو خلق تغييرٍ روحيٍّ على المستوى الفردي. فأصبح الإسلام حالةً يسعى المرء لتحقيقها في داخله، وتجلّى في ذلك حالةٌ من الجفاء للعالم الدنيوي.56

ويبيّن أحد الشيوخ ذلك: "فقط عندما يتمثّل المرء بصورةٍ كاملةٍ لأوامر الله يستطيع أن يزرع بذور السياسات الخيرة والعدالة."57 وهكذا، كان الالتزام الداخلي للإيمان الشخصي الذي دعا له الشيوخ السوريين دلالةً كبيرةً على التيار العلماني داخل الخطاب السني. ويمكن الرجوع هنا إلى شروح تشارلز تايلور للعلمانية الغربية، حيث يكتب: "أحد الخصائص المفاجئة لتوجّه الغرب الساحق نحو العلمانية هو أن بذوره الأولى تلقحّت بدافع التدين الشخصي... دافع التدين الشخصي كان بحد ذاته قوةً دافعةً نحو وجوهٍ أخرى للعلمانية."58

ويمكن أيضاً قراءة بعض جوانب الخطاب السني الأخرى على أنها هدفت إلى علمنة المجتمع. فروّجت وزارة الأوقاف الدينية والمؤسّسات الإسلامية الخاصة، التي تعمل عن قرب مع الوزارة (مثل مؤسّسة أبو النور الذي أسّسها أحمد كفتارو، والتي عرفت أيضاً باسم مؤسّسة أحمد كفتارو، وحركة التجديد التي قادها محمد حبش)59 لخطابٍ دينيٍّ يشدّد على أهمية الحوار، والتعايش، والتسامح بين المواطنين، وبين الطوائف المختلفة المحسوبة على الإسلام، وبين المسلمين وغير المسلمين. وقد تمّ ذلك عبر التأكيد على القيم الدينية والروحية التي يشترك بها جميع البشر، والتركيز أيضاً على الجذور الأخلاقية المشتركة لجميع الطوائف الدينية.60

فقُدّم الإسلام على أنه دين سلامٍ يرتكز على التواصل وتقبل الآخر. وعلى هذا أكّد مفتي سوريا منذ عام 2005، الشيخ أحمد حسون، بصورةٍ متكرّرة بأنه سنيٌّ في شعائره وشيعيٌّ في انتماءه، بجذورٍ سلفية ونقاءٍ صوفي، وهو نفس الخطاب الذي نادى به أحمد كفتارو مفتي سوريا الذي سبقه.61

ومن ناحية التعايش مع الطوائف غير المسلمة، عمل كلٌّ من أحمد كفتارو، وأحمد حسون، والشيخ محمد حبش على الترويج لثقافةٍ تعترف بمجموعةٍ من القيم الروحية الكونية. فعلى سبيل المثال شدّد حسون بأنه "أرى نفسي المفتي لـ 23 مليون سوري، وليس فقط للمسلمين، ولكن أيضاً للمسيحين وحتى الملحدين." وسعى حسون أيضاً إلى تعضيد هذه التأكيدات بتنظيم احتفالات المسيحيين بأعياد الميلاد، وغيرها من الفعاليات المسيحية.63

ويظهر بأن العلمانية، في هذه السياق، قد باتت بيئة عملٍ للتعددية الدينية والتعايش المشترك، وصار الإسلام ديناً يقبل أن يكون ضمن هذه البيئة. وطبعاً لا يُعتبر الشيوخ المذكورون هنا مستقلين عن الدولة، بل يمكن بأن يُقال بأن هذه الرسائل كانت انعكاساً لسردية النظام وأجندته، لكن لم يكن هؤلاء المشايخ مجرد أداءةً في يد السلطات العلمانية أيضاً. فجميعهم كان لهم تأثيرهم على المتديّنيين في دمشق، وجميعهم حافظوا على مصداقيتهم وشرعيتهم، وبرهنوا، على الأقل حتى اندلاع الثورة السورية، بأنهم يتمتّعون بشعبيةٍ واسعة.64

قام الخطاب الإسلامي الجديد أيضاً على الترويج للفضائل الإسلامية التي تصون حقّ الفرد في تطبيق شعائر الإسلام بالصورة التي يراها مناسبة (طبعاً مع وجود الآراء بأن المشايخ هم من يؤوّلون النصوص الدينية على أساس أنهم هم المتفقهون في الدين). فأصبح الدين هنا منظومةً اجتماعية يمكن فهمها بطرقٍ مختلفةٍ ومتغيّرة.65 فيكتب الشيخ أحمد كفتارو، على سبيل المثال: "لا تعلّموا الناس الكراهية والمرارة. تأويلاتكم ليست مقدّسة."66

(هذه كانت ترجمة النصّ إلى الإنجليزية، ومرةً أخرى إلى العربية) وقال في مناسبةٍ أخرى: "أنا إنسانٌ أؤمن بالحوار... ربما سيأتي لاأدريٌّ (غنوصي) يوماً ما ويقنعني بحججه التي تتفوّق على حججي، وأترك الإيمان بالدين."67 ويرسّخ الشيخ، بتصريحاتٍ كهذه، بأن الفرد له السلطة النهائية على المعنى، وأن السمات العلمانية مثل العقل والمنطق قد تتغلّب على الإيمان والمعتقد. وبصورةٍ أوسع يروّج حسون إلى تأويلٍ دينيٍّ كونيٍّ لمفهوم التقوى. ويمكن تلمس القدرة التي تتمتّع بها الأفكار التي تقول بأن للمرء الحق في اختيار معتقداته بينه وبين نفسه، بل وحتى أن يغيّر آراءه بالإسلام،68 وأن استنباط الأحكام الفقهية هي مسألة تأويلٍ بشري على علمنة الثقافة السوسيوسياسية بصورتها الأكبر.

فإذاً لم يكن الإيمان بالدين نفسه هو ما تتحداه هذه الأفكار بالضرورة، وإنما قدسية تأويل النص. وشدّد عددٌ من الشيوخ البارزين على حق الناس بالاختيار فيما إن كانوا يريدون اتباع دينٍ واحدٍ أم لا. كما أن عدداً من شيوخ سوريا، من بينهم صلاح الدين كفتارو والدكتورة الشيخة لينا الحمصي (التي كانت أيضاً من أبناء مؤسّسة كفتارو) والبروفيسور الشيخ محمود عكام، أكّدوا على أن للملحدين حق التقدير والاحترام كغيرهم من البشر الذين كفل الإسلام احترامهم.69 فلم يقم هؤلاء المشايخ بالترويج للعلمانية، ولكنهم زرعوا ثقافةً شعبيةً يكون فيها الإيمان بالإله اختياراً. وهذا أقرب إلى تعريف تشارلز تايلور للعلمانية الذي يقضي بأن الدين والإيمان بالإله هو واحدٌ من بين عدة وجهات نظر.

ومال أيضاً بعض الشيوخ السنة إلى تأييد ضرورة فصل السياسي عن الديني.70 وتمّ هذا جزئياً عن التشديد على أن تسييس الدين هي ظاهرةٌ جديدةٌ ضالةٌ ومضلّلة.71 ووُجّهت الانتقادات تحديداً للمشايخ السلفيين الذين يغشّون الخط الفاصل بين الدولة والمؤسّسات الدينية. وهكذا طولب المتديّنون بتقبل حكامهم المفروضين عليهم والعمل معهم بصرف النظر عن بؤس تصرفاتهم أو مدى شطوحها عن القيم الإسلامية، وكانت الذريعة هي أن لا أحد يملك الحق بتحدي إيمان إنسانٍ آخر.

فإن ادعّى أيّ قائدٍ سياسيٍّ بأنه مؤمنٍ بدين الإسلام (أو أيّ دينٍ توحيديٍ ضمن السياق السوري) فلا بد بمعاملتهم على أساس كلامهم بغض النظر عن تصرفاتهم.72 وفرّق الشيوخ أيضاً بين الجهاد والقتال، فالجهاد هو مبدأٌ إسلاميٌّ لا يجب استخدامه ذريعةً الصراع ضد الدولة.73 بل ذهب الشيخ محمد كفتارو إلى أن الأوقات المعاصرة تفرض وجوبية قيادة دولةٍ علمانيةٍ قومية للتوجهات السياسية، وأن إدارة الحرب توكلُ إلى جيشٍ حديثٍ محترف.74 ولم يكن الشيخ سعيد البوطي، الذي طالما انتقد الأنظمة العلمانية الغربية ولم يكن من مؤيّدي الفصل بين السياسة والدين، استثناءً، فقد أكّد بأن على رجال الدين النأي عن الانخراط في الأحزاب السياسية.

وآمن الشيخ بأن المشايخ يجب أن يتحلّوا بالحكمة في تقديم النصح، وأن يرشدوا مسؤولي الدولة ويمدّوهم بالقيم والتعاليم الدينية، إلا أنه أكّد على أن المتديّنين أن يعملوا مع حكامهم المفروضين عليهم بحكم الواقع مهما شطحت سياساتهم وتصرفاتهم عن الإسلام. وهكذا أصبحت حدود دائرة الإسلام ضبابية، وصارت مصادقة الإسلام غير مهمةٍ لبقاء رجال السلطة. إذاً، كان البوطي، بطريقةٍ أو بأخرى، يساعد في خلق ظروف نظامٍ سياسيٍّ علماني.
 
 
كانت مساهمة هؤلاء المشايخ أبعد من مجرد حماية الدولة ممن يقفون بوجها من خلال تأييدهم لهذه المبادئ بتوجيهم للمتديّنين بفصل الباطن عن الظاهر، والسياسي عن الديني، وهو ما أعاد صياغة الخطّ الفاصل بين الديني والعلماني. وبالفعل أكّد مفتي سوريا مؤخّراً على التزام المسلمين السوريين بدولةٍ علمانية. فعلى سبيل المثال، قال حسون في إحدى خطاباته في نوفمبر 2007 في البرلمان الألماني بأن "العلمانية ليست ضد الدين وأنا مسلمٌ علماني".75

ويُضفي هذا القول، كما يظهر، مزيداً من الضبابية على الخط الفاصل بين العلمانية والإسلامية، وقد يكون هذا ما أريد من قوله هذا بطريقةٍ ما، ولكن الأهم من ذلك هو أنه يتجاوز مجرد التأكيد على أن العلمانية التي لا ترفض التدين هي نموذجٌ مقبول في الإسلام، بل يقتضي الادعاء بأن الإسلام لا يتدخّل في تنظيم الحياة السياسية.76 وعلى نفس الشاكلة "صعق حسون الأساقفة الألمان (في مجلس الكنائس العالمي في ميونخ) باقتراحه على الاتحاد المسيحي الديمقراطي (CDU) بأن يُزيل حرف الـC (الذي يرمز لكلمة Christian) من اسمه، لأسبابٍ علمانية."77

وانتقد حسون أيضاً السوريين الذين يقدّمون انتماءاتهم الدينية الأصلية على انتماءاتهم المدنية حينما أشار إلى أن على المرء أن يكون مواطناً أولاً، ومن ثم مسلماً أو مسيحياً: "كلماتٌ مثل ’سني‘ و’مسيحي‘ يجب أن تكون أصغر من كلمة ’مواطن‘."78 وقد صرّح مفتي سوريا في أكثر من مقابلةٍ منذ عام 2008 بأن على المرء أن يتبنّى "نظرةً كونيةً" في أفكاره و"منهجيةً علمية" في خطابه، وأنه يفهم الإسلام وعلاقته بالعلمانية بهذه الطريقة.79
ولا يجدر بالمستمع بأن يهمل ترتبات رسائل كهذه بذريعة أن المشايخ الذين تكفّلوا بلعب دور المتحدّث باسم نظام الأسد ليس لهم أي مصداقية.

فهذه الأجيال الصغيرة السورية التي ترعرعت في ظلّ هذا الخطاب، وربطت بين المشايخ والقومية والوطنية، تقتنع بهذه المفاهيم الدينية. كما أن هؤلاء المشايخ يعملون على خلق مساحةٍ ترعى هذه المفاهيم الدينية التحولية، ومن المهم الانتباه إلى أن الثورة لم توقف هذا الخطاب، بل ربما عزّزت صدقه في نظر الأجيال الشابة التي أُذعِنت باستمرار لخطاب النظام عن التهديد الإسلامي والراديكالية الإسلامية.
 
خلاصة

شهدت العلمانية في سوريا عدداً من النقلات والتغيرات على مرّ العقود التي مضت. وكان آخرها الحاجة للنظام السلطوي في سوريا إلى توطيد أسس سلطاته داخل سياقٍ سياسيٍّ متغيّر، وهو ما ترتّب عليه حتمية إحداث تغييرٍ في البيئة العلمانية أيضاً. وبالفعل، قام النظام، منذ انتزاع حافظ الأسد للسلطة، بالعمل على رعاية علاقةٍ وثيقةٍ بين الدولة والعلماء، ولكن في نفس الوقت، يحتاج النظام العلماني إلى صون طبيعته العلمانية لاستدامة تآلفٍ حاكمٍ عريض. فقام الشيوخ في سوريا، كما يبدو، بالعمل على إعادة صياغة الدين بطرقٍ يمكن وصفها بأنها معلمنة، مقارنةً بمصر، على سبيل المثال، حيث طلب نظام مبارك من المشايخ إصدار فتاوى تشرّع سياساتٍ معيّنة من سياسات الدولة.

ومن المحتمل أن يكون لإعادة الصياغة هذه، بدورها، عواقب مهمةً لسوريا التي ستقوم على أعقاب الحرب الأهلية. فهناك الكثيرون الذين يساورهم القلق، على وجه الخصوص، بمستقبل تمثيل الإسلام السني في سوريا الذي قد يكون قد انتهى إلى الجماعات الراديكالية الإسلامية مثل جبهة النصرة وداعش، وأن هذا سيرسم نهاية النظام العلماني الذي سيقوم مكانه مجتمعٌ إسلاميٌّ راديكالي. ولكن في الحقيقة هناك احتماليةٌ غير مدروسة، هي أن المتديّنين السنة الذين أُخضِعوا "لأسلمة" مؤسّسة العلماء الرسمية قد يفضّلون تأييد نظامٍ علمانيٍّ ما عوضاً عن نظامٍ إسلامي بالرغم من أن الخطاب الديني الذي تناولته الصفحات السابقة لا يزال في عمرٍ صغيرٍ نسبياً.80

وقد يحدث هذا لأن مساعي الأسلمة التي تبنّاها المشايخ الرسميون على مدار ما يقارب 20 عاماً قد أنتجت، كما بيّنت الصفحات السابقة، أفكاراً جديدةً عن الدينية صارت ضمن الطبيعي، فغيّرت هذه الأفكار محتوى وظروف الاعتقاد.

وربما لم تُعارَض فكرة الانتماء للدين نفسها، وإنما الاعتقاد بقدسية تأويل النصّ. فتم مراجعة أفكارٍ مثل الروحانية، والأخلاقية، والجهاد التي لم تعد أفكاراً جامدة. وبصورةٍ أكثر جوهرية، قُدّم الفقه على أنه تشريعٌ بشري، وبهذا يحتوي على وجهات نظرٍ متعدّدة. وبصورةٍ عامة، قُدّم الإسلام على أنه عقيدةٌ مرنة، وخيارٌ واحدٌ صحيح من بين عدة خياراتٍ صحيحة. وكل هذا يدلّل على صياغة وإعادة صياغة الخطّ الفاصل بين العلماني والديني في سوريا، والذي حدث أكثر من مرة في التاريخ الحديث. ويُشير هذا أيضاً إلى وجود احتماليةٍ بأن يعتنق السوريون، في أعقاب الحرب الأهلية، رؤيةً دينيةً تتقبّل العلمانية وتتقبّل الآخر بالمجمل.
 
الحواشي

1- Thomas Pierret, Religion and State in Syria: The Sunni Ulama from Coup to Revolution, Cambridge University Press, 2013; Line Khatib, Islamic Revivalism in Syria: The Rise and Fall of Ba´thist Secularism, London and New York: Routledge, 2011. Pierret argues that, although the Syrian state has not interfered with the religious discourse, it has worked to limit its political implications. In Islamic Revivalism in Syria
يحاجّج بيريت بأن الدولة سعت إلى الحدّ من آثار الخطاب الديني على السياسة بالرغم من أنها لم تتدخّل في الخطاب الديني نفسه. ويرى كتاب Islamic Revivalism in Syria بأن الدولة قامت بالفعل بإعادة ترتيب أوراق أسلمة المجتمع السوري بحذرٍ من خلال خلق مساحةٍ تنظيميةٍ جذّابةٍ للعلماء الشرعيين الذين يدعمون النظام السياسي.
2- Charles Taylor, A Secular Age, Harvard University Press, 2007, p 3.
3- Craig Calhoun, Mark Juergensmeyr, and Jonathan van Antwerpen, ‘Introduction,’ in Craig Calhoun, Mark Juergensmeyer, and Jonathan van Antwerpen, eds. Rethinking Secularism, New York: Oxford University Press, 2011, p. 6.
4- الإسلامي "Islamist" هنا تشير إلى مجموعةٍ أو أفرادٍ يُطلقون على أنفسهم بأنهم "إسلاميون"، ويدعون بأن أفعالهم باسم الإسلام في سبيل الاستيلاء على الدولة وفرض معتقداتهم من أعلى الهرم.
5- يمكن العودة إلى الفصول 2، و3، 4 من كتاب Islamic Revivalism in Syria لتفصيلٍ أكثر هذا التاريخ.
6- بالرغم من أنها أقرّت بتمتّع الدين بجذورٍ تاريخيةٍ عميقة.
7- Pierret, Religion and State in Syria.
8- Khatib, Islamic Revivalism in Syria.
9- للاطلاع بصورةٍ أكثر تفصيلاً على العلمانية من ناحية معارضتها للإسلام مع التطرق أيضاً إلى ارتساماتها الإمبريالية، انظر Asad, Talal et al., Is Critique Secular?: Blasphemy, Injury, and Free Speech (The Townsend Papers in the Humanities No. 2), Los Angeles: University of California Press, 2009.
10- قد تلقى هذه الدراسة شيئاً من النقد بسبب غائيتها، فهي تركّز على خطاب أهم المشايخ الدمشقيين ودوافعهم السياسية، ولكن لا يمكن إنكار المكانة الهامة التي تحتلها هذه السردية في ظلّ شحّ المواد الثانوية التي يمكن الاستزادة منها في العلمانية السورية والعلماء الرسميون.
11- Albert Hourani, A History of the Arab Peoples, London: faber and faber, 1991, pp. 299-349; Philip Khoury, Syria and the French Mandate: the Politics of Arab Nationalism 1920-1945, Princeton: Princeton University Press, 1987.
12- Hourani, A History of the Arab Peoples, pp. 299-349. Albert Hourani, Arabic Thought in the Liberal Age, 1789-1939, Cambridge and New York: Cambridge University Press, 1983. This is notwithstanding that Islamic tendencies would remain present. هذا، ودون إنكار وجود ميولٍ إسلامية.
13- انظر على سبيل المثال دستور 1876، وللاطلاع على تأريخٍ لفترات بداية القرن العشرين بالإنجليزية يتطرّق إلى أسئلة العلمانية، والليبرالية، والقومية، انظر
Albert Albert Hourani, Arabic Thought in the Liberal Age, 1789-1939; James Gelvin, Divided Loyalties: Nationalism and Mass Politics in Syria at the Close of Empire, Berkeley, CA: University of California Press, 1998; Elizabeth Thompson, Colonial Citizens: Republican Rights and Paternal Privilege in French Syria and Lebanon, New York: Columbia University Press, 2001; Khoury, Syria and the French Mandate: the Politics of Arab Nationalism 1920-1945.
14- لم يقتصر هذا على النخب السياسية والثقافية، بل امتد أيضاً إلى الطبقة المتعلّمة من أبناء الطبقات الدنيا والوسطى في الريف والمدينة. فاشتملت الحركة العلمانية السورية في ذاك الوقت على مفكّرين من أمثال شبلي شميل (1850-1917) وفارس نمر (1856-1951) وفرح أنطون (1874-1922) وعبد الرحمن الكواكبي (1855-1902). وأرسى هؤلاء المفكّرون أسس الفكر العلماني في العالم العربي.
15- Hourani, A History of the Arab Peoples, pp. 306-307 and pp. 346-347.
16- للاستزادة في المفكّرين العرب والسوريين، انظر Binbing Wu, Secularism and Secularization in the Arab World, Journal of Middle Eastern and Islamic Studies (in Asia) Vol. 1, No. 1, 2007.
17 Rayomnd Hinnebusch, ‘State and Islamism in Syria,’ in Abdul Salam Sidahmed and A. Ehteshami, eds, Islamic Fundamentalism, Boulder, CO: Westview Press, 1996.
18- See Philip Khoury, Syria and the French Mandate: the Politics of Arab Nationalism 1920-1945, Princeton: Princeton University Press, 1987.
19- تُعرف سوريا بأنها بلدٌ متنوّع على أصعدة الأيدولوجيا، والعرق، والدين. فتحتوي سوريا على عرقياتٍ من بينها العرب، والأكراد، والأرمن، وغيرهم. كما يعيش في سوريا مسلمون سنةٌ وشيعة، وعلويون، ودروز، ومسيحيون (بمختلف طوائفهم). وهناك أيضاً مجتمعٌ يهوديٌّ صغيرٌ في دمشق، والقامشلي وحلب؟ انظر كتاب حقائق العالم التي نشرتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) على هذا الرابط
20- See: Edward W.F. Webb, ‘‘Turkey’s France, Syria’s France: la laîcité in two Ottoman successor states’ Conference on Migration, Religion and Secularism – a comparative approach (Europe and North America) Paris, June 17-18, 2005 available at Link.
 21- George Jabbour, al-Fikr al-Siyasi al-Muaser fi Suriya, Beirut: al-Manara, 1993.
 22- العلمانية الفرنسية " laïcité" مختلفةٌ عن علمانية الأنجلو-ساكستون، فالأولى تفضّل إبقاء الدين في الدوائر الخاصة، أما العلمانية الأنجلو-ساكستونية فلا تنفي مكان الدين في المساحة العامة.
23- الدولة لها دينٌ رسمي، ولكنه تابعٌ لنظام حكمٍ علماني.
24- للمزيد عن الاختلافات بين  " laïcité" والعلمانية، انظر Alfred Stepan, ‘The Multiple Secularisms of Modern Democratic and Non-Democratic Regimes,’ in Craig Calhoun, Mark Juergensmeyer and Jonathan Van Antwerpen, eds., Rethinking Secularism, New York: Oxford University Press, 2011.
25- انظر المراسم 76 و 128 بتاريخ 11 يونيو 1949. انظر أيضاً بحث شامل في الأوقاف في سوريا، لمحمد صخر، وهو متاح على هذا الرابط. ٍوللمزيد عن تاريخ المؤسّسات الدينية في سوريا انظر Pierret, Religion and State in Syria.
26- Pierret, Religion and State in Syria, p. 18.
من المهم الإشارة إلى أن الدولة نأت عن التدخل في الخطاب الديني نفسه في تلك المرحلة.
27- أحد أكبر الآباء الروحيين لأيدلوجية البعث. كان زكي الأرسوزي من المؤمنين بتأويلٍ إلحاديٍّ للعلمانية. وقد أكّد في أكثر من مناسبة في كتاباته بأنه الجاهلية (حقبة ما قبل الإسلام) كانت العصر الذهبي لللأمة العربية.
28- دستور 1 مايو 1969 على وجه الخصوص، والذي نشأ عنه دستور 1973.
29- للمزيد عن ذلك، انظر Itzchak Weisman, Taste of Modernity: Sufism, Salafiyya, and Arabism in Late Ottoman Damascus, Leiden, Brill, 2000.
30- Taylor, Dilemmas and Connections, p. 216.
 31- Pierret, Religion and State in Syria, p.122.
 32- المصدر السابق، صفحة 126.
33- See Raymond A. Hinnebusch, ‘Class and State in Ba´thist Syria,’ in Richard T. Antun and Donald Quataert, eds, Syria: Society, Culture, and Polity, Albany, NY: State University of New York Press, 1991, p. 32; Nikolaos van Dam, The Struggle for Power in Syria, London: I.B. Tauris Publishers, 1996, pp.15-16.
34- اضغط هنا للاطلاع على دستور حزب البعث.
35- في أيدولوجيا البعث، لا تُفهَم الرابطة القومية العربية على أساس كونها انتماءً عرقياً، وإنما ترتكز على اللغة والإرث التاريخي.
36- يخبرنا ويب: "يمكن مقارنة هذا بالمادة 28، الفقرة الثانية من دستور 1950 التي تنص أن التعليم يجب أن يهدف إلى إنشاء جيلٍ ’قوي بجسمه وتفكيره، مؤمن بالله’ وأيضاً ’ معتز بالتراث العربي’ و’مشبع بروح التضامن والأخوة بين جميع المواطنين.’‘" Webb, ‘‘Turkey’s France, Syria’s France: la laicité in two Ottoman successor states’ (online).
37- See Ba´d al-Muntalaqat a-Nadhariya li-Hizb al-Ba´th al-´Arabi al-Ishtiraki: Aqaraha al-Mu’tamar al-Qawmi al-Sades [Some of the Theoretical Starting Points of the Arab Ba´th Socialist Party: Adopted by the Sixth National Congress], Damascus: Ministry of Information, n.d.).
38- Khatib, Islamic Revivalism in Syria, p. 77; Olson, The Ba´th and Syria, p. 113; Raymond A. Hinnebusch, ‘The Islamic Movement in Syria: Sectarian Conflict and Urban Rebellion in an Authoritarian-Populist Regime,’ in  Ali E. Hillal Dessouki, ed., Islamic Resurgence in the Arab World, New York, N.Y.: Praeger, 1982, p. 159.
39- See Webb, ‘‘Turkey’s France, Syria’s France: la laîcité in two Ottoman successor states’ p. 22.
40- Annabelle Böttcher, Official Sunni and Shi´I Islam in Syria, Florence, Italy: European University Institute, 2002, p. 8.
41- المصدر السابق.
42- Hinnebusch, ‘The Islamic Movement in Syria: Sectarian Conflict and Urban Rebellion in an Authoritarian- Populist Regime,’ p. 159.
43- تُشير بعض التحليلات إلى النسخة الجديدة من حزب البعث بحزب البعث الجديد (Neo-Ba’ath Party) دلالةً على التغيرات الكبيرة في مرتكزات الحزب الأيدولوجية من بداية عقد الستينات إلى منتصفه. ولغايات عدم اللبس، ستستمر الورقة بالإشارة إليه بحزب البعث، خصوصاً وأن الحزب استمرّ بتسمية نفسه رسمياً بجزب البعث.
44- المصدر السابق. صفحة 161.
45- شهد حزب البعث نزاعاً على السلطة في السنتين التين سبقتا الانقلاب، وانقسم الحزب جرّاء ذلك إلى جماعة صلاح جديد، الذي كان يتحكّم بالحزب، وحافظ الأسد، الذي كان يتحكّم بالجيش، وكانت الغلبة للجيش. Tabitha Petran, Syria, New York: Praeger, 1972, pp. 239-49.
46- Basel Salloukh, ‘Organizing Politics in the Arab World: State-Society Relations and Foreign Policy Choices in Jordan and Syria,’ McGill University: PhD Thesis, 2000, p. 248.
47- Van Dam, The Struggle for Power in Syria, p. 94.
48- Khtaib, Islamic Revivalism in Syria، الفص الخامس. ويمكن أن يكون هذا لأن حافظ الأسد، وهو الذي كان ينحدر من الأقلية العلوية، قد شعر بأن تأييد علمانيةٍ متشدّدة يمكن أن يُفسّر من منظورٍ علماني. وأيضاً، هناك وجاهةٌ للقول بأن التركيز على التعايش المشترك بين الطوائف الدينية المختلفة قد يساعد على توطيد ركائز نظامٍ قد يراه البعض بأنه نظامٌ علوي.
49- من المهم الإشارة هنا إلى أن النظام شجّح بصورةٍ عير مباشرة إعادة أسلمة المجتمع كما يؤكّد المراقبون، لكن الشيوخ السوريين الذين تحدّثت إليهم في 2009 كانوا يميلون أكثر إلى الاعتقاد بأن النظام عمل فقط على الحدّ من الترتبات السياسية للحركة الإسلامية في سوريا.
50- قُتِلَ في أبريل 2013 تحت ظروفٍ غامضة.
51- توفّي في 2004.
52- كتب أحمد كفتارو، مفتي الجمهورية (1964-2004)، بإسهابٍ عن التعايش المشترك بين الطوائف الدينية في سوريا، وعن التنوع، وعن الحوار بين الإسلام والمسيحية. ورحّب نظام البعث بأفكاره. وفي نهاية التسعينات أبدى الشيخ أيضاً اهتماماً بالحوار مع العلمانية. وأصبح أحمد بدر الدين حسون مفتي جمهورية سوريا في 2005، وكان هو الآخر من الذين أيّدوا الحوار بين طوائف الدين الواحد والعلمانية، كما تبيّن الصفحات التالية.
53- يركّز هذا القسم على الخطاب الإسلامي السني في ظلّ رجوح كفة السنيين في البلاد، ولأن الافتراض يقضي بتفضيل الأقليات المسيحية والمحسوبة على الإسلام (مثل الكاثلوكيين، والعلوية، والدروز) لنظامٍ علمانيٍّ نظراً لكونهم أقلياتٍ في بلدٍ تغلب عليه الديموغرافية السنية.
54- ولكن من المهم الإشارة، هنا وبصورةٍ أعم، إلى أنه لا يوجد إلى الآن دراساتٍ بحثت تأثير الخطاب الرسمي على العامة. وفي سياقٍ مرتبط، لا يوجد إلى الآن دراساتٌ تناولت تأثير الخطابات الدينية المتناخرة، مثل داعش.
55- سواءً أكان غرض المشايخ الرسميين والذين أدناهم النظام في ترويج الخطاب الجديد هي الحاجة لمداراة النظام السلطوي أو إن كان ذلك مبنياً حقاً على نقلةٍ فكريةٍ في ظلّ الحداثة. هذا السؤال لا يقع ضمن ما تتناوله هذه الورقة.
56- Khatib, Islamic Revivalism in Syria, pp. 146-148.
57- المصدر السابق، صفحة 148.
58- Charles Taylor, Dilemmas and Connections: Selected Essays, London and Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press, 2010, p. 216.
59- عُدّ حبش، حتى قيام الثورة السورية، صديقاً مقرّباً للنظام.
60- انظر محاضزة الدكتور حسون في حماة، واسمها "سوريا: مثالٌ على الوحدة القومية". أُلقيَت المحاضرة في المركز العربي الثقافي في دمشق بتاريخ 28 يونيو 2018.
61- انظر كتاب كفتارو مبادئي الفكرية، وهو متوّفرٌ هنا. من المهم الإشارة إلى الاختلافات بين المفتيين، فيخبرنا جواد قريشي بأن كفتارو كان زعيماً روحياً، فيما كان حسون أقرب إلى متحدّثٍ باسم النظام منه إلى مفتي. انظر Line Khatib, Raphael Lefevre and Jawad Qureshi, State and Islam in Bathist Syria: Confrontation or Co-optation, Fife, Scotland: the University of St Andrews Center for Syrian Studies, 2012, p.73.
62- مقابلة مع صحيفة دير شبيغل الألمانية أجراها إريك فولاث في حلب. ‘Interview with Syrian Grand Mufti: Asad Could Step Down After Free Elections,’ Spiegel online (08/11/2011). المقابلة متاحة على هذا الرابط.
63- انظر هذا الفيديو على يوتيوب.
64- كان تصنيف الشيوخ الذين فقدوا شرعيتهم والشيوخ الذين حافظوا على تأثير كلمتهم بين العامة أمراً مستحيلاً في وقت كتابة هذه الصفحات.
65- من موقع وزارة الأوقاف السورية.
66- أُلقي الخطاب في البرلمان الألماني بتاريخ 1 نوفمبر 2007. وهو متاحٌ على الرابط (الرابط أصبح محجوباً مؤخّراً).
67- Eric Follath, ‘Interview with Syrian Grand Mufti: Asad Could Step Down After Free Elections
68- للاستزادة، انظر إشكاليات الاعتراف بالآخر، لدير مار موسى الحبشي، 2007.
69- المصدر السابق.
70- انظر خطاب حسون عن العلمانية، وهو متاح على هذا الرابط. انظر أيضاً تجفيف منابع الإرهاب، صفحة 140-141، لمحمد شحرور. انظر أيضاً Khatib, Islamic Revivalism in Syria, p. 150..
71- الملاحظة مستندة على دورس عقدت في الجامع الأموي في دمشق.
72- انظر Islamic Revivalism in Syria, pp. 150-153. المحاضرة عن مبادئ الجهاد والتكفير على هذا الرابط
73- المصدر السابق. انظر مثلاً أعمال سعيد البوطي، الجهاد في الإسلام: كيف نفهمه وكيف نمارسه، دمشق، إضافةً إلى عددٍ من الدورس في الجامع الأموي ومؤسّسة أبو النور. على سبيل المثال، محاضرة أحمد كفتارو توضيج الجهاد (16 أبريل 2004)، المحاضرة متاحة على هذا الموقع.
74- كانت هذه الأقوال قبل اندلاع الثورة السورية. انظر برنامج التجديد لمحمد حبش. متاح على هذا الرابط
75- أُلقيَ الخطاب في نوفمبر 2007 في البرلمان الألماني، وهو متاح من هنا http://www.dw- world.de/dw/article/0,,2851007,00.html (الرابط محجوب).
76- البرنامج التلفزيوني في الميادين، على قناة الميادين، 15 فبراير 2013.
77- مقابلة مع مفتي سوريا مع صحيفة دير شبيغل الألمانية بتاريخ 8/11/2011. Interview with Syrian Grand Mufti: Assad Could Step Down After Free Elections,’ Speigel online. متاحة على هذا الرابط.
78- مقابلة لأحمد حسون مع قناة الجزيرة الإنجليزية، بتاريخ 3 أكتوبر 2011. Nir Rosen, ‘A Conversation with Grand Mufti Hassoun’ al-Jazeera.com (03 October 2011), متاحة على هذا الرابط
79- البرنامج التلفزيوني في الميادين، على قناة الميادين، 15 فبراير 2013.
80- كما أشير في موضعٍ سابقٍ في هذه الورقة، لا ينطبق هذا بالضرورة على جميع طلاب المدارس والمؤسّسات الخاصة، فلم يدرس جميعهم المنهاج الدراسي الذي اعتمدته وزارة الأوقاف.


حمزة عامر
مترجم سوري.
0 تعليق 5534 قراءة
كلمات مفتاحية :
لين خطيب

أستاذ مساعد في الجامعة الأمريكية، وباحثة أولى في جامعة ماكجيل، ينصبّ اهتمامها على سوريا، وتاريخها السياسيّ والاجتماعيّ.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.