كيف يصنع حزب العمال الكردستاني أمته في سوريا؟ (3-3)... باربي المقاتلة

28 تموز/يوليو 2017
 
نسخة باربي المقاتلة:

لطالما ادعى الكردستاني بأنه يعمل على تحرير المرأة من عبودية تلاحقها منذ خمسة آلاف عام. وطالما نادى بالحرية وإزالة الفوارق بين الجنسين.
أدبياته لا تخفي دعوته الصريحة إلى نسف نظام العائلة، ومحاربة العقلية والهيمنة الذكورية على حد وصفه. سياسية كانت أم اجتماعية. حتى أنه غير اسم دفتر العائلة في المناطق الواقعة تحت سيطرته، إلى دفتر الحياة التشاركية، في إشارة إلى إمكانية التشارك بين أي جنسين بشريين ليس بالضرورة أن يكونا مختلفين. ذكر مع ذكر أو العكس، وذلك في إشارة ضمنية الى المثلية الجنسية. لإعطاء صورة مبهرة عن مدى تطور منظومته الفكرية وتقبله لروح العصر. ولكن كعادته لا يسعى من ذلك سوى ذر الرماد في العيون ضمن ثقافة تسويق صورته في الغرب. لأن اللعبة كما قلنا سابقاً تكون في مكان آخر، ولغايات يصعب كشفها للوهلة الاولى، أو الوصول للمغزى إلا بعد فوات الأوان.

خلف هذه الصورة الساحرة تم إغواء الكثيرات للتطوع والعمل مع الكردستاني ليجدن أنفسهن سبايا لعبودية من نوع آخر. عبودية القائد وباقي قادة الصف الأول، كيف لا وحرية المرأة من حرية القائد. موضوع لا يمكن سبره بسهولة، ولدى مراجعتنا لكراسات القائد ونتاجه المتعلق بالمرأة وجدنا كيف أنه يشتم النساء الخانعات. المسحوقات. الراضيات بعبودية الذكورة (23). في أكثر من مكان، وكيف يرسم لهن طريق الخلاص. طريق واحد لا غير يمر عبر إيديولوجية الحزب وفلسفته. ومن تبقى منهن خارج هذا الإطار لا تستحق الحياة.

 بعد اعتقال القائد، بمنتهى البساطة، تحول نضال المرأة نحو تحرير القائد من سجنه. لا حرية للمرأة بدون حرية القائد. هذا الشعار لسان حال أغلب المنظمات النسوية التابعة للكردستاني، رغم أن هرم القيادات العسكرية والسياسية كلها ذكورية بامتياز، ولا نعثر على أي اسم نسوي في المواقع المتقدمة. كلهن في الصفوف الثانية والثالثة. حتى عندما تكون المرأة في شراكة القيادة كما في حزب pyd نرى الرجل يتصدر المحافل والمرأة ليست أكثر من إكسسوار لتزيين الموائد.

الكثيرون لا يعرفون أن آسيا عبد الله هي الرئيسة المشتركة لحزب pyd مع صالح مسلم الذي يتصدر الواجهة الإعلامية والسياسية. لا وجود حقيقي لآسيا عبد الله سوى في بعض المحافل الباهتة.  الأمر ذاته نلحظه في حرب مدينة كوباني (عين العرب). اذ تقصد الكردستاني أن يدفع ب "نارين عفرين" واسمها الحقيقي ميساء عبدو لقيادة المعارك. كوجه نسائي. ظهرت في بداية المعارك على بعض وسائل الإعلام لعدة أيام ثم اختفت، وفي لقاء معها في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 13 اكتوبر 2014 قالت إنها لا تجد حرجاً في قيادة المقاتلين، وهي من تضع الخطط العسكرية وأن لديها مئات المقاتلات في الصفوف الأولى للمعارك، كما وأضافت أنها قد حملت السلاح منذ سنة وشهرين فقط (24). تلك كانت الكذبة الفاقعة. لأن نارين عفرين كانت في صفوف الكردستاني بجبال قنديل، ودخلت سوريا بعد عام 2011.

ومع أن الكردستاني يتظاهر بمحاربة العقلية الرأسمالية التي تعاملت مع المرأة كسلعة جنسية، لم يتوانَ هو الآخر عن ممارسة نفس السياسة والعقلية، لكن بشكل مختلف. خاصة في الآونة الأخيرة بعد تمكنه من فرض سيطرته نهاية عام 2011 على الحياة العامة لكرد سوريا. تحولت المرأة الكردية إلى سلعة مربحة دخل عبرها الأسواق العالمية، عندما صنع نسخة باربي المقاتلة. في محاكاة للعبة باربي التي درت أرباحاً طائلة على منتجيها. باربي المقاتلة الكردية، ترتدي لباساً عسكرياً وتحمل الكلاشينكوف وتتباهى بصدرها المثقل بالقنابل والذخائر. تتحدى التطرف والإرهاب. تغني قبل المعارك وترقص الدبكة الكردية. لا وفوقها تشعل السجائر للنساء المحررات من قبضة داعش.

في الحقيقة الصورة التي قدم فيها الكردستاني نفسه للعالم. عن مدى تحضر منظومته عبر المرأة كانت أقرب للخيال. كانت خدمة العمر كما يقال. استطاع استثمار تحرر بعض الأوساط   الكردية الاجتماعية لصالحه بشكل كامل. كما هو معروف ثمة هامش معقول من الحرية داخل بعض الأوساط الكردية، وقد استفاد الكردستاني من هذا المناخ، لكنه سريعاً ما انتبه إلى نقطة مهمة. إلى فشله في كسب النساء المتعلمات أو المتمكنات. المنحدرات من طبقات متوسطة. اذ استطاعت هذه الشريحة بحكم المناخ الثقافي والاجتماعي أن ترفض سياساته في التجنيد. ضمن هذا الواقع توجه الكردستاني نحو نموذج آخر. حلقة أضعف يسهل اختراقها. تمتاز هذه الشريحة النسوية بجملة ميزات. صغيرات في السن. نسبة كبيرة منهن حرمن من التعليم نتيجة ظروف مادية أو اجتماعية. ضغط عائلي يدفعهن للزواج مبكراً. شعور هذه الشريحة بالظلم والقهر تجاه المجتمع والعائلة نتيجة عدم تحقيق الذات مقارنة بغيرهن من الفتيات. يضاف إلى ذلك مؤخراً ظروف الحرب واللجوء والتشرد وتفكك العائلات دفع بالبعض منهن للبحث عن محيط يستطيع احتوائهن. طبعاً مع عدم إسقاط دافع الحس القومي الكردي، والمخاطر الخارجية المحيطة بالمناطق الكردية خاصة تنظيم الدولة الاسلامية والجماعات السلفية المقاتلة الأخرى، ومع توافر كل هذه الظروف الموضوعية لم يكتفِ العمال الكردستاني، إنما ظل يمارس هوايته في خطف الفتيات والقاصرات وتجنيدهن لصالح حروبه المزعومة، وسجله حافل بتلك الانتهاكات، ولم يذعن للمطالب الدولية والمنظمات التي أكدت أكثر من مرة حقيقة تلك الخروقات.

والمتتبع لأرشيف الكردستاني ومنظماته يكتشف جملة المسببات التي ذكرناها كدوافع رئيسية نحو الالتحاق بجبهات القتال. وبهذا الصدد تقول إحدى صديقات المقاتلة الكردية ريفان. وهي فتاة من كوباني اسمها الحقيقي (مدينة ممو، 19 عاماً)، قامت بعملية قتالية في صفوف تنظيم داعش، كما زعم إعلام الكردستاني. تقول صديقتها روكان ولات في فيلم من إنتاج مؤسسة ypj الإعلامية، إن ريفان كانت ترفض طلب أهلها بالتزويج وترفض العقلية الذكورية (25). كذلك لدى متابعة صور وفيديوهات المقاتلة (فيان بيمان) من القامشلي. هي الأخرى ذات 19 عاماً. بدت وكأنها فتاة تبحث عن حضور لشخصيتها من خلال صوتها العذب والشجي. مزجت التراث الكردي بأغاني الكردستاني. وتظهر المواد المختلفة حولها. صور وفيديوهات، اهتماماً ملحوظاً بها. كثيراً ما تظهر مع سلاحها bkc وحولها حشد من مقاتلي الكردستاني. قتلت على يد داعش في معارك منبج حسب موقع ypj.

في مكان آخر من الموقع ذاته نجد صور مجموعة فتيات صغيرات من منبج. عرب وتركمان. كتب بجانب كل واحدة منهن نبذة قصيرة عنها وعن سبب التحاقها بصفوف الكردستاني. تقول أريان. اسم حركي، 12 عاماً حسب اعتراف الموقع نفسه "إن سبب انضمامي إلى وحدات حماية المرأة، يعود لكوني تأثرت بهنَّ وبقوتهنَّ، وبالشهيدات اللواتي دفعن أرواحهن ثمناً لحريتنا، ولكي أحارب داعش وأنتقم منه ومن جرائمه البشعة بحق جميع النساء". ثم يقول الموقع على لسان الطفلة. الآن تم فرزي إلى المركز الخاص للفتيات القاصرات لتلقي التدريبات المختلفة وتعلم اللغات. طبعاً يبدو أن الموقع نسي أن يخلع عن صدر الطفلة جعبة الذخائر والقنابل حتى تكون صورته محبوكة وذات مصداقية. بالإضافة إلى أريان يضع الموقع صوراً لعدة فتيات أغلبهن بين 15 و17عام. تسرد سلافا كوباني وهي تركمانية (15) عاماً. تتحدث عن سبب انضمامها لتلك القوات. نقلاً عن الموقع نفسه. حرفياً. "سبب انضمامي إلى وحدات حماية المرأة، هو لأن المرأة تمتلك ضمنها الحقوق ولها أهمية وشأن ولا تجبر على شيء مثلما كنا في المجتمع، حيث عانيت كثيراً على يد والدي منذ صغري، بسبب ذهنيته المتخلفة، وكان يعذبنا باستمرار من دون سبب، وعندما يرانا جالسين كان يطردنا من الغرفة، فنبقى تحت لهيب الشمس الحارقة في الصيف أو صقيع البرد في الشتاء، كما كان يقوم بضربنا بالخرطوم، بالإضافة إلى صعقنا بالكهرباء وغيرها من الممارسات الوحشية بحقنا، لدرجة أن ظلم داعش لم يشكل فرقاً لي؛ لأنني عشت هذه المعاناة قبلها على يد والدي".
هناك نموذج آخر من منبج أيضاً. أكثر قسوة. طفلة اسمها (روكن، 11 عاماً)، من قرية عرب حسن تقول: " انضممت إلى وحدات حماية المرأة لتأثري بقوتهن ومقاومتهن للتحرر من الظلم، وأيضاً تأثري الكبير بالشهداء الذين رفضوا البقاء تحت الظلم، وليس هذا فقط بل لأنتقم من زوج أختي الذي قتل أمي وطعن أختي أمامي، ولم أستطع فعل شيء، وهذا ما أثر على حالتي النفسية بشكل كبير، حيث لا يغيب عن ناظري ذاك المشهد ودم والدتي يسيل على الأرض. الرفيقات هنا يرشدوني إلى الطريق الصحيح وتعلمت منهن الاحترام والانضباط وأتعلم أشياء كثيرة (26).
 
مقر إقامة بعض المقاتلين ضمن الكردستاني في سوريا
                     
هذه بعض النماذج حسب مواقع تابعة للكردستاني، تبين إلى حد ما الدوافع التي يستفيد منها الكردستاني للإيقاع بهؤلاء القصر. وبالعودة الى باربي الكردية التي تجلت كصورة جيدة ومدخل أساسي نحو نجومية الكردستاني عبر المرأة الكردية. أو بالأصح كدمية حرب في مواجهة ظلامية تنظيم داعش وقسوته. خلال فترة قصيرة أنتج الكردستاني عدة نسخ من تلك المقاتلات اللواتي صنعن بطولات بعضها حقيقي لكنه مضخم كما قلنا، وبعضها الآخر من محض الخيال. لم تكن أكثر من إشاعات. كما في قصة ريحانة التي عرفت أيضاً باسم ملاك كوباني، في خريف 2014. فتاة في التاسعة عشر كما قيل. جميلة وتشبه إحدى نجمات هوليود. قام الصحفي السويدي كارل دورت بإجراء لقاء معها أثناء فعالية مدنية في كوباني/عين العرب، وأكد دورت أنها انضمت لقوات الشرطة التابعة للإدارة الذاتية بالمدينة لتثأر من مقتل والدها على يد داعش. فيما بعد تظهر صورة غير واضحة في تويتر لمستخدم حساب سعودي يحمل بيده رأس فتاة قال إنها لمقاتلة كردية. سرعان ما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي. ريحانة الجميلة التي قتلت المئات من تنظيم الدولة قد وقعت في الأسر ونحرت. بداية الخبر كان من موقع كردي باللغة الانكليزية بعنوان selmani times، موقع لم نعرف كنهه أثناء البحث عنه. ثم اجتاح هشتاغ ريحانة كل مواقع التواصل حول العالم خلال ساعات وتصدرت صورتها فيما بعد المواقع والصحف. حتى قناة bbc تحدثت عنها وصحيفة ديلي ميل، ومع أنهم شككوا بصحة القصة. لكنها صارت رمزاً للبطولة والشرف ولقوة العمال الكردستاني الذي التزم الصمت، ولم يكذب الخبر أو يؤكده (27). علماً أن من صنع هذه الأسطورة هم بعض إعلاميي العمال الكردستاني على صفحات التواصل. أشعلوا النار ووقفوا متفرجين عن بعد، لم يتبنوا القصة عبر صحافتهم الرسمية. تجاهلوا الموضوع وراقبوا مجريات الإشاعة وتفاعلها.

كبرت قصة ريحانة لدرجة أن معهد تاو سنتر التابع لجامعة كولومبيا بأمريكا أجرى بحثاً حول الموضوع، بإشراف البروفيسور كريغ سيلفر مان، وخرج بتقرير يقول إن قصة ريحانة ليست أكثر من كذبة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي (28). لكن القصة باتت واقعاً في الخيال الشعبي الكردي وبات من الصعب تكذيبها. في 3 حزيران 2015 ورد خبر في موقع كردي. شفق نيوز. يقول الخبر. إن ناشطين من سكان كوباني أكدوا أنهم شاهدوا ريحانة. ملاك كوباني في المدينة وأنها مازالت على قيد الحياة (29).

في حرب "كوباني" ظهرت العديد من هذه القصص، وبدت الحرب وكأنها فرصة الكردستاني لتقديم نفسه للعالم بوجه أنثوي جميل، لكسب سوق التمويل العسكري واستمالة الرأي العام الغربي للضغط على حكوماتها لتفتح لهم أبواب الدبلوماسية كلاعب يمتلك كل مقومات الحضارة في مواجهة الإرهاب. تكررت القصة ذاتها مع جيلان أوزلاب من مدينة باطمان في تركيا، حسب ما ذكرت بعض الصحف التركية. اسمها الحركي بيريفان ساسون. تتلخص قصتها أيضاً في كونها انتحرت برصاصة في الرأس حتى لا تقع في أسر تنظيم داعش بعد أن قام بمحاصرتها. لم أجد لها اسماً في قوائم شهداء الكردستاني. مع أنني وجدت اسمها مع اسم أرين ميركان ضمن بيان بتاريخ 9 اكتوبر 2014 حول الضحايا السوريين. صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان (30)، وهو اتحاد يضم أربعة منظمات سورية حقوقية من بينها منظمة ماف الكردية. ربما انتحرت فعلاً أو قتلت، وتكتم الكردستاني وقتها على القصة نتيجة مخاوفه من ربط حزب pyd بالعمال الكردستاني، لأن أوزلاب من كرد تركيا، وبذلك لا يثير حفيظة تركيا وأوروبا التي تضع الكردستاني على لائحة الإرهاب. هذه القصة أيضاً أخذت مساحة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.
 
 هناك قصص أخرى. اعترف بها العمال الكردستاني. لا بل تباهى بها. لم يلتزم الصمت كما فعل في مرات عدة. مثل قصة آرين ميركان. واسمها الحقيقي ديلار كنج من ريف مدينة عفرين. قال عنها الكردستاني أنها فجرت نفسها وسط جمع من مقاتلي داعش بعد أن تم محاصرتها. لاحظوا دائماً القصة نفسها تتكرر. حصار وأسر من قبل تنظيم داعش ثم القيام بعملية انتحارية. لكن آرين هذه المرة فتاة حقيقية، من لحم ودم. نرى عائلتها في فيلم قصير من إنتاج وحدات حماية المرأة (31). لكن مع ذلك تلف القصة الكثير من الغموض والشكوك. ليس لأن المرأة الكردية مشكوك ببطولاتها. هذا كلام ساذج. ثمة الكثيرات ممن سطرن التاريخ منذ قرون طويلة وحتى يومنا هذا في مختلف المناطق التي يتواجد فيها الكرد. حتى ضمن منظومة الكردستاني هناك الكثيرات اللواتي أبدعن في التضحية والصمود. نتيجة قناعتهن بجدوى التنظيم في تحقيق الحلم الكردي الذي يتخذه التنظيم ستاراً لسياساته الغير معلنة. لكننا هنا نناقش قضية تحويل المرأة إلى سلعة لتحقيق مكاسب نفعية وسياسية. لذا وجب التنويه إلى أن قصة أرين ميركان وملابساتها التي سنأتي على الكشف عنها لا تنوي النيل من شخصها أو من عائلتها. للأمانة وجدت خلال البحث والتواصل مع بعض القريبين من العائلة أنها محل كل احترام وتقدير، وهي تمتلك حساً صادقاً في تبنيها لشعارات الكردستاني. بغض النظر عن خلافنا مع هذه الشعارات، البراقة. الخادعة، للإيقاع بضحاياها. أرين بالنهاية ليست سوى ضحية صادقة مع نفسها وأفكارها لكنها للأسف وقعت بين براثن منظومة المافيا التي استمرأت طيبتها وبساطتها، وحولتها إلى بضاعة لا أكثر.

البداية كانت للترويج أن آرين أم لطفلين. هكذا روجت المكنة الإعلامية الخفية للكردستاني. حتى أن موقع mail online الإنكليزي وموقع Spiegel online  أكدا هذه المعلومة. علماً، وكما هو معروف ممنوع على مقاتلات الكردستاني الزواج أو حتى الوقوع في الحب. تلك قضية محسومة النقاش. فيما بعد نشرت صحيفة liberation الفرنسية الخبر بتاريخ 6 اكتوبر 2014وقالت إن فتاة كردية تدعى آرين ميركان 20 عام فجرت نفسها بعدما تم محاصرتها من قبل داعش. كذلك فعلت صحيفة the daily telegraph بعددها الصادر بتاريخ 5 اكتوبر 2014. خلال أسبوع تحولت نارين ميركان إلى أسطورة. كتب عنها الشعراء الكرد العديد من القصائد وأقيم لها تمثال في ساحة كوباني/ عين العرب، وانتشرت سريعاً الحدائق والجمعيات التي تحمل اسمها حتى أن مخيماً للاجئين بتركيا، في سروج سمي بمخيم آرين ميركان، وأزيح الستار عن تمثالها الضخم في مدينة السليمانية بكردستان العراق بحضور كبرى قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني. نحته الفنان الكردي المعروف برزان هورامي. عدا عن هشتاغ بعنوان "ليس لدي سوى خيار ميركان". اجتاح هو الآخر وسائل التواصل. عملت المكنة الإعلامية التابعة للكردستاني ليل نهار على قصة آرين حتى أن صالح مسلم زعيم pyd جاء على ذكرها في مقابلاته أكثر من مرة، وتم التذكير بخيانة كل المختلفين مع سياساته من خلال مأثرة آرين ميركان ومقارنتهم بتضحيتها الكبيرة. لدرجة أن البعض من خصوم الكردستاني غير مواقفه بعد هذه العملية، واصطف معه. للأسف بعد البحث والاستقصاء وجدنا أن القصة تنطوي على قصة أخرى مختلفة، من حيث السرد والوقائع. قصة يشوبها الكثير من الغموض، أو لنقل مشكوك في صدقيتها. لماذا الشكوك؟
 
وقعت بين يدينا مادتين إعلاميتين عن حياة آرين، المادة الأولى فيلم مدته 16 دقيقة على موقع ypj. تتحدث في المادة الأم مع شقيقيها وإحدى أخواتها عن مأثرة آرين، أما المادة الثانية من إنتاج قناة sterk وهي تابعة أيضاً للكردستاني. من خلال مشاهدة المادتين نلاحظ أو نكتشف عدة أمور. تناقضات. تصل لحد التضارب بين الفيلمين. ربما لم ينتبه إليها القائمين على إعلام الكردستاني، ويمكن تلخيص هذه التناقضات بما يلي:

1- يقول شقيق ميركان وهو مقاتل في صفوف الكردستاني: "عندما كانت في الصف التاسع عام 2007 زارنا في إحدى الأيام المدعو جهاد، من كوادر الكردستاني وعندما غادر القرية اختفت ميركان". لم يقل إنه جاء لأخذها، رغم أن المذكور كان على علاقة حزبية مع العائلة كلها، ونكر جهاد وجود ميركان عندهم. فيما بعد اعترف وقال إنها صارت في جبال قنديل.
أي أن آرين عندما التحقت بالكردستاني كان عمرها 14 أو 15 عام في حال ثبتت رواية أن عمرها 22 عام لحظة قيامها بالعملية الفدائية، وهذا يدحض فكرة أنها مقاتلة في صفوف وحدات حماية المرأة التي تشكلت بعد عام 2012، عدا عن أنه دليل قاطع على كون قوات ypj جزء من الكردستاني. ناهيكم عن انتهاك قانوني. جراء إلحاق قاصر بقوة عسكرية.

2- يقول أيضاً شقيقها أن شخصاً من قوات الكردستاني زارهم في البيت قبيل استشهاد نارين بوقت قصير وقال لهم إنها موجودة الآن في كوباني، وعليهم الاتصال بها للاطمئنان عليها. وهذه واقعة نادرة الحدوث من قبل الكردستاني. لم يسبق وأن جاء أحد ما من قبلهم يطلب من أهل المقاتلين الاتصال بهم. بالعادة هكذا أمور يلفها الغموض وتتم بشكل سري للغاية. حتى الاتصالات ممنوعة على المقاتلين، والسؤال لماذا ألح هذا الشخص على أهلها ضرورة الاتصال بها قبل الحادثة. ثم يكمل شقيق نارين ويقول: "كأنه كان يعرف أنها كانت ستقوم بعملية فدائية". والسؤال المهم، لماذا طلب هذا الشخص ضرورة الاتصال بها. هل كان ينوي إنقاذها من مصيرها المحتوم. أم ماذا؟

3-
في نفس السياق يؤكد شقيقها انه اتصل بالمسؤول عنها ثم تحدث مع نارين. إذن الاتصال كان مع المسؤول ونارين لم تكن تملك هاتفاً. وربما كان المسؤول يراقب أو يشرف على المكالمة. قال لها شقيقها أنه على استعداد للمجيء إليها وأخذها في حال كانت غير راغبة بمواصلة القتال. لأنهاكما أكد شقيقها، صغيرة وذات أربعة عشرة عاماً. لم يقل إنها ذات اثنين وعشرون عاماً، ولم يقل إنها شابة وبالغة وصاحبة قرار. قال إنها صغيرة، وكان ردها أنها مقتنعة بالقتال وبفلسفة القائد "آبو". ثم يكمل شقيقها أنه عندما سمع منها فلسفة القائد "آبو" تفاجأ بها، وأبدى استغرابه. كيف استطاعت رغم صغرها من استيعاب فلسفة القائد. أي أنه لم يعد هناك مجال لإقناعها بالعودة. ثم يقول في مساء اليوم ذاته كنت في دكانة القرية وقالوا لي أن شقيقتكم قد قامت بعمل بطولي خارق في كوباني. سمعوا ذلك من وسائل إعلام الكردستاني.

4-
في مكان آخر من الفيلم يقول شقيق آخر لنارين، غير الذي جئنا على ذكره. يقول: "عندما اتصلت بها قالوا لي إنها في مهمة عسكرية وبعد ساعات سمعت نبأ قيامها بعملية فدائية".
الملاحظات السابقة تقودنا إلى كون العملية التي قامت بها نارين كان مخطط لها من قبل، ولم تنتج عن حصار. كما قيل، وأن ميركان كانت صغيرة بالعمر. كما أكد ذلك شقيقها. حتى زميلة نارين التي تظهر في الفيلم الأول قالت إنها كانت أصغر مني في العمر. هذا يقودنا إلى أن فرضية ميركان ذات 22 عاماً مشكوك فيها. بالإضافة إلى ذلك تظهر ميركان في صورة ضمن فيديو غنائي لمطرب يمجد بطولتها مع المدعو دوران كالكان وهو أحد القيادات العسكرية المهمة لدى الكردستاني. الصورة لم يعرف مكانها وربما كانت في سوريا، وتبدو نارين بملامح مطابقة لصور الفيديو التي انتشرت بعد عمليتها الفدائية. أي أن صورتها برفقة دوران كالكان حديثة العهد.
 
 ميركان مع القيادي دوران كالكان

كذلك الأمر بالنسبة للفيديو الذي ظهر على مواقع الكردستاني.  بدا واضحاً أنه تم تصويره بشكل خفي ودون أن تلحظ ميركان ذلك. متربعة على الأرض وأمامها كأس شاي، والتصوير يتم من مستوى ملاصق للأرض حتى لا يلفت الانتباه. من قام بتصويرها كان يعرف على الأغلب أن تلك هي لحظاتها الأخيرة.

بالنهاية يمكن تلخيص الموضوع. استثمار المرأة لصالح الكردستاني. كسلعة، حققت غنائم كبيرة بجملة واحدة وردت في موقع ypj تصف فيها إحدى شهيداتها. الجملة تعبر عن حقيقة ذهنية الحزب وطريقة تعامله مع المرأة. تقول الجملة. الشهيدة هيفيدار. إحدى شهيدات الكردستاني في سوريا. تحولت إلى شعلة نور حول القائد. أوجلان. أي خلاصة القول. المرأة، مهما علا شأنها في منظومة الكردستاني ليست أكثر من شعلة نور حول القائد. الذكر.

ومن المفارقات أن اوجلان في كتابه "كيف نعيش" يحتقر المرأة الكردية لدرجة يبدو فيها بعيداً كل البعد عن قيم التحرر ونظرة اليسار إلى المرأة. حيث يقول بالحرف الواحد. "جسد معظم الكرديات ميت، تنبعث منه رائحة كريهة، بارد وبليد. خمدت فيهن جذوة الروح ولا يتمتعن بقدرات فكرية"(32). تلك الرؤية ليست سوى جزء من الحكاية.

المراجع:

(23) - راجع كتاب اوجلان. مانيفستو. حرية المرأة في القرن الحادي والعشرين.
(24) - صحيفة الشرق الأوسط. 13 أكتوبر 2014.
(25) - أرشيف موقع وحدات حماية المرأة
(26) - موقع قوات حماية المرأة ypj.
(27) - العربي الجديد. ليال حداد. "ملاك كوباني": قصة المقاتلة الكردية ريحانة.
(28) - أورينت نت. قصة ملاك كوباني. 15-2-2015
(29) - شفق نيوز. ريحانة" تظهر في كوباني لتكذب مزاعم نحرها.3 جوني 2015
(30) -المصدر من موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان 9 اكتوبر2014.
(31) - الفيلم متوفر على موقع وحدات حماية المرأة ypj.
(32) راجع كتاب كيف نعيش. عبد الله أوجلان. 1996.
عبدو خليل

كاتب وباحث في الشأن السوري والكردي

تعليقات

  • Selwa Selwa الجمعة، 28 تموز/يوليو 2017

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.