الأطراف الفاعلة في معركة الرقة: تناقض الأهداف واحتمالات التصادم

04 كانون1/ديسمبر 2016
 

ملخص:

انطلقت عملية استعادة الرقة في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بمشاركة 30 ألف مقاتل إلى جانب "أكثر من 200 جندي أمريكي يشاركون على الأرض في حملة تحرير الرقة، التي بدأت بدعم مكثف من التحالف الدولي"[1]؛ في حين "تشير التقديرات لوجود 3500 مسلح من تنظيم الدولة بالرقة"[2].

مع تعدد الأطراف المحلية والإقليمية المعنية بمعركة الرقة، وتناقض أهدافها وغاياتها المستقبلية من المشاركة في المعركة، تبدو مسألة توحد هذه الأطراف في إطار جبهة قتالية واحدة امرا مستبعدا في المرحلة الراهنة على الرغم من أن قتالها جميعا سيكون ضد عدو واحد مشترك يمثله تنظيم الدولة الذي يسيطر على المدينة منذ أغسطس/ اب 2014.

ستكون قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات الحماية الشعبية رأس حربة معركة الرقة في حين ستساهم قوات أخرى، مثل درع الفرات بمهمة عزل المدينة وحصارها من محور أو أكثر مع أن القوتين تقفان على طرفي نقيض وتتقاتلان بين فترة وأخرى.

كما سيظل العنوان الأبرز بين القوى المتنافسة هو السيطرة على المزيد من الأراضي في إطار المسارعة في اقتسام تركة تنظيم الدولة الذي أشَّر السياق العام لخسارات متتالية في العراق وسورية منذ شتاء 2015، ومن المرجح ان يستمر هذا السياق في المدى المنظور.

تستعرض هذه الورقة أهم الأطراف المحلية وغير المحلية الفاعلة في معركة الرقة المنتظرة، مع التركيز على العلاقات البينية ونقاط التلاقي والافتراق، وغايات كل طرف من مشاركته في معركة تلتقي على هزيمة عدو مشترك مع جملة من التناقضات بين هذا الطرف أو ذاك، وأحيانا العداء تبعا لتضاد الأهداف البعيدة لكل طرف من انخراطه في ساحة الصراع السوري.

أولاً: لأطراف المحلية

يقف تنظيم الدولة منفردا في مواجهة عدة أطراف تسعى لهزيمته واخراجه نهائيا من ساحة الصراع السوري، بما فيها أطراف إقليمية ودولية؛ ويعد التنظيم، في ضوء هذا، الطرف الأهم من بين أطراف أخرى محلية وغير محلية.

تنظيم الدولة الإسلامية

يسيطر تنظيم الدولة على مناطق واسعة في سورية تشير حيازتها الى أراض متصلة معظمها زراعية قليلة الكثافة، أو صحراوية غير مأهولة، مع جيوب متناثرة جغرافيا من المناطق الحضرية التي تتوزع على شمال حلب في معقل واحد تمثله مدينة الباب، وبلدات صغيرة، ومحافظة الرقة ومعظم محافظة دير الزور ومدنها؛ وستظل المناطق الصحراوية والقرى والبلدات الصغيرة تشكل موارد بشرية واقتصادية للتنظيم وبيئة امنة وطرق انتقال وامداد بين المدن التي يسيطر عليها في العراق وسورية، ومن بينها مدينة الرقة.

تشكل مدينة الرقة أهمية استثنائية عند تنظيم الدولة لأسباب منها:

الرقة هي أولى المدن الكبرى التي سيطر عليها في سوريا واتخذها عاصمة مفترضة لدولته دون ان يعلن عنها رسميا.

المحافظة الأولى من بين المحافظات السورية التي تخرج بالكامل عن سيطرة قوات النظام وانعكاسات ذلك على معنويات قواته والراي العام.

تشكل الكثافة السكانية للمدينة من العرب السُنّة خزانا بشريا يوفر للتنظيم العنصر البشري اللازم لإدامة معاركه في العراق وسورية وخارجهما، وتعويض خسائره البشرية.

يشكل وجود سد الثورة في مدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة مصدرا لتزويد الطاقة الكهربائية، كما يعد جسرا يسمح لمن يسيطر عليه حرية الحركة بين غرب الفرات وشرقه.

تعد الرقة المدينة الأكبر من حيث عدد السكان من مدن سيطرة التنظيم في سورية، وتشكل مركزا اقتصاديا مهما لإدامة الموارد المالية للتنظيم من خلال الضرائب والتجارة والموارد الزراعية والثروة السمكية.

يتميز موقع الرقة على نهر الفرات بأنه عقدة تواصل بري لعدد من الطرق السريعة بين المحافظات السورية والشمال السوري عموماً.

من المتوقع أن يدافع تنظيم الدولة عن مدينة الرقة دون الانسحاب منها إلاّ بهزيمته عسكريا؛ وفي سياق تكتيكاته العسكرية، يمكن رصد أهم الأساليب والإجراءات الدفاعية وفقا لمتابعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض ما تنشره وسائل الاعلام في:

جر العدو إلى حرب شوارع تضع حدودا لاستخدام الطيران الذي ظل يشكل عاملاً حاسماً في أغلب معارك المدن التي خسرها التنظيم، كما أن وجود سكان مدنيين داخل هذه الأحياء يعد عاملا مضافا للحد من استخدام الطيران خشية وقوع المزيد من الضحايا المدنيين.

الاعتماد بشكل مركز على استخدام السيارات المفخخة في مهاجمة القطعات المهاجمة أو الأرتال على طرق الامداد وغيرها من مراكز ومعسكرات ومقرات

استخدام وسائل التمويه والخداع لتشتيت الضربات الجوية من خلال هياكل خشبية تحاكي الدبابات والاليات المدرعة وغيرها.

اللجوء إلى حفر المزيد من الأنفاق التي توفر لمقاتلي التنظيم حماية من الضربات الجوية، كما أنها تسهل عملية انتقالهم مع بعض المعدات القتالية بشكل أقل خطورة.

توفر الأنفاق بؤر مهمة لنصب الكمائن للقوات المهاجمة قبل إحكامها السيطرة على الأحياء السكنية.

بناء سواتر ترابية وحفر خنادق حول المدينة لعرقلة حركة الاليات المدرعة أثناء اقتحام المدينة وإمكانية إيقاع المزيد من الخسائر بها.

نقل مقرات قياداته الرئيسة إلى أماكن سرية استعدادا لهجوم دولي محتمل على الرقة.

إشعال إطارات السيارات لتعمية الرؤية على طيران التحالف عن الأهداف المتحركة لمقاتلي واليات التنظيم.

احتمالات لجوء التنظيم إلى استخدام أسلحة كيمياوية في حال ثبت حيازته عليها لأن معركة الرقة هي الأهم من بين كل معاركه.

في حال خسر تنظيم الدولة معقله الأهم في مدينة الرقة، وهو متوقع لكن ليس في المدى القريب، فانه سوف يلجأ للاعتماد على ذات الأساليب التي كان يتبعها في العراق قبل عودته من معسكراته الصحراوية في 2014، حيث يشن هجمات عنيفة بسيارات مفخخة، أو يهاجم معسكرات وتجمعات للشرطة والجيش، أو يقوم بهجمات خاطفة على بعض المدن الصغيرة لتصفية مسؤولين محليين أو قادة في الأجهزة الأمنية.

خروج مدينة الرقة عن سيطرة التنظيم لا تعني نهاية تهديداته الأمنية على المدينة نفسها، والقوات المتواجدة فيها أو في محيطها ما لم يتم تطهير كافة المناطق من أي وجود لمقاتلي التنظيم وتوفير ما يكفي من مقاتلين للسيطرة على الطرق البرية المتشعبة والقرى والبلدات في المحافظة أو جوارها.

قوات سوريا الديمقراطية

تشكلت قوات سوريا الديمقراطية أوائل العام 2015 وسيطرت على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة حتى مسافة تقل عن 30 كيلومترا من مركز مدينة الرقة، حسب خرائط منشورة اوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

تتشكل قوات سورية الديمقراطية من تحالف فصائل سورية من العرب والأكراد والسريان والتركمان ينتمون إلى قوات الصناديد والمجلس العسكري السرياني ووحدات حماية المرأة وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات والوية الجزيرة وغيرها، إضافة إلى وحدات الحماية الشعبية الكردية التي تقود هذه الفصائل في إطار قوات سورية الديمقراطية؛ وقد قدر عددها عند الإعلان عنها بحدود أربعة آلاف مقاتل يتلقون دعما من الولايات المتحدة واسناداً جوياً من طائرات التحالف الدولي؛ وتقتصر مهامهم القتالية على قتال تنظيم الدولة بهدف استعادة المدن والأراضي في شمال وشمال شرقي سوريا.

تتميز قوات سورية الديمقراطية بخليط من المقاتلين العرب والأكراد، ويمثل العرب فيه قوات الصناديد، وهي قوة عشائرية من قبيلة شمر العربية، وجيش الثوار، الذي يتكون من مقاتلين عرب من فصائل الجيش السوري الحر، وتجمع ألوية الجزيرة وغرفة عمليات بركان الفرات وهي في مجموعها تضم مقاتلين عرب متحالفون مع وحدات حماية المرأة. تتلقى جميع هذه القوات الدعم من الولايات المتحدة التي ترى فيها الحليف البري الأكثر قوة في قتال تنظيم الدولة.


تنوعت وسائل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لقوات سورية الديمقراطية ابتداءً من التدريب إلى تزويدها بالأسلحة قبل معركة الشدادي في ريف الحسكة منتصف ديسمبر/كانون الأول 2105؛ كما وفرت لها غطاءً جوياً في معركة استعادة منطقة الهول شرق المحافظة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وبعدها في معارك عديدة اخرها معركة منبج التي استعادتها قوات سورية الديمقراطية في 13 أغسطس/اب 2016.

وتخضع قوات سورية الديمقراطية لقيادة وحدات الحماية الشعبية ما زاد من مخاوف تركيا، ولعل ما عزز من هذه المخاوف إعلان عملية "غضب الفرات" دون مشاركة قوات تركية أو قوات حليفة لها مثل "درع الفرات"؛ وتتوافق المخاوف التركية من أن تكون الرقة معقلا جديدا للقوى الكردية الانفصالية على حدودها الجنوبية مع مخاوف العرب من سيطرة الأكراد على الرقة التي تقطنها أغلبية عربية تحاول الولايات المتحدة أن تبعث لهم برسائل مطمئنة بأن القوات التي ستقتحم المدينة  لن تكون قوات كردية، بل قوات عربية موجودة أصلا ضمن قوات سورية الديمقراطية يمثلها التحالف العربي السوري الذي أعلن عن نفسه في 12 اكتوبر/تشرين الأول 2015.

في الجانب العسكري، لا تملك قوات سورية الديمقراطية في هذه المرحلة ما يكفي من القدرات والموارد البشرية والتسليحية لاستعادة الرقة مع استبعاد قوات درع الفرات من المشاركة في العملية؛ ويدرس البنتاغون الأمريكي إمكانية "تسليح وحدات الحماية الشعبية ليجعل قوات سورية الديمقراطية أكثر فاعلية" في ثنائية العمل الوثيق مع "الحلفاء الأتراك، للتأكد من أن بوسع الولايات المتحدة تنفيذ عمليات فعالة وحاسمة في الرقة مع قوات سورية الديمقراطية، وفي الوقت نفسه تبديد المخاوف التركية بشأن أكراد سورية على المدى البعيد"[3]، ومن بينها أن "لا يؤدي الهجوم على مدينة الرقة مستقبلا إلى تغيير ديموغرافي في المدينة التي تعد ذات غالبية سُنّية عربية"[4].

ومع الاعتراضات من أطراف عدة على دخول قوات سورية الديمقراطية مدينة الرقة، يمكن للولايات المتحدة ان تعتمد عليها في عزل الرقة واحكام الطوق عليها واضعاف قدرات تنظيم الدولة لمدة زمنية تمتد عدة أشهر تعطي للولايات المتحدة الفرصة لتدريب المزيد من المقاتلين العرب الذين تناط بهم مسؤولية السيطرة على المدينة وحفظ الأمن فيها إلى جانب فصائل عربية أخرى.

درع الفرات

تتشكل قوات "درع الفرات" من فصائل عدة تابعة للجيش السوري الحر مثل لواء السلطان مراد والفرقة 13 وفيلق الشام، ويقدر عددها بنحو 15 ألف مقاتل.

تتلقى قوات درع الفرات دعما مباشرا من قوة المهام الخاصة المشتركة التركية واسناداً برياً بالمدفعية بعيدة المدى، وجوياً بالطائرات المقاتلة التركية، وفي أحيان قليلة من طائرات التحالف الدولي؛ وقد سارعت تركيا للتدخل العسكري والسيطرة على مدينة جرابلس لقطع الطريق أمام وصول القوات الكردية إليها بعد سيطرتهم على مدينة منبج وتحركهم باتجاه جرابلس.

انطلقت عملية درع الفرات في 24 أغسطس/اب 2016 لتأمين الحدود التركية من ضربات تنظيم الدولة على مدن تركية حدودية انطلاقا من مدينة جرابلس القريبة عن الحدود؛ كما جاءت العملية استباقاً لاحتمالات توسيع قوات سورية الديمقراطية رقعة سيطرتها شمالاً إلى جرابلس بعد سيطرتها على مدينة منبج 35 كيلومترا إلى الجنوب منها، حيث تشكل مدينة جرابلس أهمية خاصة لدى القوات الكردية لوقوعها بين عين العرب (كوباني) شمال وسط سورية، وبلدة عفرين أقصى شمال غربي البلاد.

مقاتلين من درع الفرات

بعد دخول درع الفرات لسوريا، انسحب تنظيم الدولة من مدينة منبج بعد حصار أكثر من شهرين وقصف مكثف لطيران التحالف الدولي؛ وخاض التنظيم معارك عنيفة مع قوات سورية الديمقراطية قبل سيطرتها على المدينة؛ لكن التنظيم انسحب من جرابلس دون أن يبدي أي مقاومة للدفاع عن المدينة بعد ان وجهت "المدافع وراجمات الصواريخ التركية، 294 ضربة ضد 81 هدفا، ضمن عملية "درع الفرات" شمالي سورية، مع استمرار القصف من طائرات F 16 على الأهداف التي يتم تحديدها أولا بأول"[5].

لكن انسحاب تنظيم الدولة من جرابلس قد يفهم منه التأسيس لصيغة تنافسية بين عدوين لدودين له، قوات سورية الديمقراطية ودرع الفرات، وهما في ذات الوقت خصمين لبعضهما البعض، ما قد يؤدي إلى صدام مسلح بينهما يقود إلى اضعاف واستنزاف كلا القوتين.

وقد أعلنت قوات درع الفرات عن عملية لاستعادة مدينة الباب شمال حلب، 75 كيلومترا عن الحدود التركية، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 استعادت خلالها عدد من القرى المحيطة بالمدينة على مسافة قريبة دون أن تصل إلى اطرافها؛ ومن المتوقع أن يدافع تنظيم الدولة عن معقله الأخير في شمال حلب الذي أصبح مركزا لتجمع مقاتليه الذين انسحبوا إلى المدينة بعد خسارته مدينتي منبج وجرابلس.

وتؤكد تركيا التي ترعى هذه القوات على انها ستتجه بعد تحرير مدينة الباب إلى مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد وفي مرحلة لاحقة للمشاركة في عزل مدينة الرقة تمهيداً لاقتحامها.

وفي حال أنجزت قوات درع الفرات استعادة منبج ومضت قدما باتجاه الرقة، فإنها ستكون بحاجة إلى الالتفاف حول بحيرة الأسد من ضفتها الجنوبية، كما سيتطلب ذلك عبور جسر الثورة والمرور بمناطق دفاعات تنظيم الدولة للسيطرة على أهم خطوطه الدفاعية عن مدينة الرقة في دير حافر ومسكنة وجوارهما؛ كما ان عليها التنسيق مع الولايات المتحدة لتحديد محاورها القتالية بعيدا عن الاحتكاك والصدام مع قوات سورية الديمقراطية.


العنصر العربي

شكلت الولايات المتحدة التحالف العربي السوري أواخر عام 2015 للقتال إلى جانب وحدات الحماية الشعبية وتشكيلات أخرى تقاتل تنظيم الدولة قبل تشكيل قوات سورية الديمقراطية لتكون إطاراً جامعاً لها تقوده وحدات الحماية الشعبية.

يتشكل التحالف العربي السوري من مقاتلين عرب من محافظة الرقة، ومناطق أخرى في سوريا، ويسعى بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية والقتال تحت قيادتها لاستعادة مدينة الرقة.

يقدر عدد مقاتلي التحالف العربي بحوالي 4 آلاف مقاتل، من بينهم مقاتلين من فصائل الجيش الحر التحقوا في برنامج أمريكي خاص لتدريب المقاتلين العرب من أجل خلق توازن عرقي في قيادة قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يساهم في تشجيع المزيد من أبناء العشائر العربية من محافظة الرقة وغيرها في صفوف قوات سوريا الديمقراطية من خلال عمليات التجنيد في التحالف العربي السوري. كما أن زيادة العنصر العربي في قوات سورية الديمقراطية سيساهم في تخفيف الخلافات بينها وبين تركيا، والقوات الحليفة لها في درع الفرات.

قد تسعى الولايات المتحدة إلى وضع خطة قتال لأطراف متعددة على جغرافيات متعددة الأطباق على مدينة الرقة قبل اقتحامها؛ لكنها لا تفضل أن يكون أي طرف من تلك الأطراف كقوة اقتحام للمدينة بديلا عن التحالف العربي السوري الذي تنسجم طبيعة تشكيله العرقية والطائفية، وحتى العشائرية، مع طبيعة غالبية سكان الرقة، الذين هم أيضا من المكون العربي وينتمون للطائفة السنية، ما يخفض إلى حد بعيد من احتمالات اندلاع اقتتال داخلي بين باقي الأطراف التي هي حليفة للولايات المتحدة رغم تباين أهدافها.


ثانياً: الأطراف الإقليمية والدولية

تقف أطراف إقليمية وأخرى دولية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في إطار الحرب على الإرهاب؛ ولكل طرف من هذه الأطراف حليف محلي يقاتل على الأرض ويتلقى الدعم من هذا الطرف أو ذاك.

مع تعدد الأطراف ثمة تباينات واضحة في غايات كل طرف تختلف عن غايات الطرف الاخر، لكن الأطراف جميعا تلتقي على هدف واحد يتمثل في استعادة الأراضي من تنظيم الدولة والقضاء عليه.


الولايات المتحدة

ستظل الولايات المتحدة اللاعب الأقوى من بين لاعبين عدة في الشمال السوري من خلال شبكة من التحالفات، إضافة إلى وجود عدد من جنودها لدعم قوات حليفة لها، مثل قوات سوريا الديمقراطية.

قدم الأكراد في العراق وسورية الجهد الأكبر في مواجهة تنظيم الدولة، وهو محل تقدير الولايات المتحدة التي تسعى لأن يكون الأكراد هم الشريك الإقليمي الأكثر ثقة من بين شركاء عدة، والأكثر قوةً وتسليحاً من باقي الأطراف المحلية المسلحة؛ وهي حاجة أمريكية في حربها الطويلة ضد الجماعات الإرهابية.

تهدف خطة الولايات المتحدة لحرمان التنظيم من الحواضر المدنية والمدن الكبرى، ولذلك تعمل على تحقيق:

عزل الرقة في بعض جوانبها لقطع إمدادات تنظيم الدولية بين أكبر تجمعين سكانيين لها يمثلان خزاناً بشرياً للتجنيد.

من شأن عزل الرقة جعلها جغرافية محاطة بأطراف معادية للتنظيم قادرة في مرحلة ما استعادة المدينة من خلال طول فترة الحصار حولها وقطع الامدادات منها وإليها.

أبدت الولايات المتحدة رغبتها في تشكيل قوة من المقاتلين العرب لاستعادة مدينة الرقة، ونسقت في ذلك مع بعض الفصائل السورية وتركيا، لكن مع بدء عملية استعادة الموصل برزت الحاجة لبدء معركة مماثلة في الرقة لحرمان مقاتلي التنظيم من ملاذ متوقع لهم في حال فرارهم من الموصل، وتجنب رفض السكان المحليين لسيطرة القوات الكردية وتقليل مساحة الاعتراض التركي على استعادة الرقة بمشاركة الأكراد، طالما أنهم لا يشاركون في اقتحامها أو السيطرة عليها مستقبلا، وإناطة ذلك إلى المقاتلين العرب في التحالف العربي السوري، وهو ما لا تعترض عليه تركيا.


تركيا

ترتكز السياسات التركية في سورية على منع المقاتلين الاكراد من ربط مناطق سيطرتهم على الشريط الحدودي شرق نهر الفرات في سورية، عين العرب (كوباني)، مع مناطق أخرى سيطروا عليها مؤخرا غرب الفرات، مثل مدينة منبج 80 كيلومترا شمال شرقي حلب، أقل من 40 كيلومترا عن الحدود التركية؛ أو مناطق ذات كثافة سكانية كردية قائمة بالأصل، مثل منطقة عفرين التي يبلغ عدد سكانها تقديرياً بأقل من نصف مليون يعيش منهم 50 الفاً في مركز مدينة عفرين التي تبعد 63 كيلومترا عن مدينة حلب، وتشكل منطقة عفرين أقصى نقطة على الحدود الشمالية الغربية السورية مع تركيا.

تنظر تركيا إلى وحدات الحماية الشعبية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني التي تقود قوات سورية الديمقراطية بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ما جعل هذه الوحدات في موقع العداء مع تركيا.


وخاضت تركيا نقاشات مع الولايات المتحدة لاستبعاد قوات سورية الديمقراطية عن المشاركة في معركة الرقة وتولي الفصائل السورية الحليفة لتركيا مهام المعركة، لكن الولايات المتحدة لم تستجب للطلب التركي.

مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تفاهمت قوات سورية الديمقراطية مع الولايات المتحدة على حسم موضوع مشاركة تركيا بعملية استعادة الرقة "على عدم وجود أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتعاونة معها في عملية تحرير الرقة"[6]؛ لكن الموقف الرسمي الأمريكي يؤكد على تنسيق بعيد المدى مع تركيا "لإعداد خطة لتحرير الرقة والمحافظة عليها وادارتها"؛ كما أن الولايات المتحدة تدرك أن "قوات سورية الديمقراطية ليست كافية لتحرير الرقة وما بعدها"[7] لحاجة المدينة إلى العنصر العربي لإدارتها والسيطرة على الملف الأمني فيها طالما ان سكانها هم من العرب فقط، وذلك لتجنب أي صراع عرقي عربي كردي مستقبلا.


ثالثاً: الصدامات المحتملة

ستبذل الولايات المتحدة كل ما لديها من إمكانيات لمنع وقوع أي صدام بين القوات الحليفة لتركيا والقوى الكردية في سوريا طالما لم تنته من حربها. بيد أن تعدد القوات التي تحاول الوصول إلى الرقة مع غياب التنسيق بينها وتناقض أهدافها ومصالحها قد يؤدي في مرحلة ما إلى صدامات مسلحة بين قوة أو أخرى، بما فيها قوات النظام التي اتخذت بعض الخطوات العملية للتحرك باتجاه الرقة قبل أن يتراجع زخم تحركها بانتظار ما ستؤول إليه نتائج معركة مدينة حلب.

وإذا أصرت قوات سورية الديمقراطية على اقتحام مدينة الرقة خلافا لرغبات جميع الأطراف الأخرى، فان من شأن هذا أن يؤدي إلى صدامٍ قوميٍ عربي كردي واسع النطاق، وذلك على خلفية النظر إليها من سكان الرقة كقوة احتلال عُرفت بارتكاب انتهاكات ذات طابع قومي سبق أن مارستها في مناطق أخرى يعيش فيها سكانٌ عرب.

بالإضافة لذلك ، من المحتمل أن تشهد الأسابيع القليلة التي تعقب الانتهاء من معركة الموصل انتقالاً لعشرات آلاف من مقاتلي الحشد الشعبي المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الشعبية عبر محافظة نينوى في شمال العراق للقتال إلى جانب قوات النظام والميليشيات الشيعية، وهذا ما يعني إمكانية توسيع رقعة عمليات قوات النظام لاستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية بعد الانتهاء من معركة حلب أولاً، وتعزيز قواته بقوات قادمة من العراق ثانياً، ما يفرض حالةً من الصراع المسلح مع الفصائل السورية ودرع الفرات.

المراجع:

[1] "سوريا الديمقراطية" تطلق تحرير الرقة بمشاركة 30 ألف مقاتل و200 جندي أمريكي، روسيا اليوم، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[2] "سوريا الديمقراطية" تتقدم تجاه الرقة بغطاء من التحالف، الجزيرة نت، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[3] واشنطن تدرس تسليح الفصائل الكردية لطرد داعش من الرقة، وكالة انباء اونا، 22 سبتمبر/أيلول 2016 انظر الرابط.
[4] تركيا تحذر من اي تغيير ديموغرافي في الرقة، فرانس 24، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[5] مصادر عسكرية تركية: المدفعية التركية ضربت 81 هدفا ضمن عملية "درع الفرات"، وكالة الاناضول، 24 أغسطس/اب 2016 انظر الرابط.
[6] "سوريا الديمقراطية" تقود معركة الرقة دون تركيا، سكاي نيوز عربية، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
[7] واشنطن “تنسف” طموحات “قسد”: لتركيا دورٌ فاعلٌ في معركة الرقة، عنب بلدي أونلاين، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
رائد الحامد

باحث ومحلل سياسي عراقي. سبق أن عمل رئيساً لوحدة البحوث والدراسات في مركز بغداد للبحوث الاستراتيجية، وبعد ذلك كرئيس تحرير مجلة "نوافذ الثقافية" وعمل أيضا كمستشار في مجموعة الازمات الدولية. ساهم بتأليف كتاب بعنوان "الاحتلال الامريكي للعراق المشهد الاخير" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2007.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.