الأطراف الفاعلة في معركة الرقة: تناقض الأهداف واحتمالات التصادم
ملخص:
مع تعدد الأطراف المحلية والإقليمية المعنية بمعركة الرقة، وتناقض أهدافها وغاياتها المستقبلية من المشاركة في المعركة، تبدو مسألة توحد هذه الأطراف في إطار جبهة قتالية واحدة امرا مستبعدا في المرحلة الراهنة على الرغم من أن قتالها جميعا سيكون ضد عدو واحد مشترك يمثله تنظيم الدولة الذي يسيطر على المدينة منذ أغسطس/ اب 2014.
ستكون قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات الحماية الشعبية رأس حربة معركة الرقة في حين ستساهم قوات أخرى، مثل درع الفرات بمهمة عزل المدينة وحصارها من محور أو أكثر مع أن القوتين تقفان على طرفي نقيض وتتقاتلان بين فترة وأخرى.
كما سيظل العنوان الأبرز بين القوى المتنافسة هو السيطرة على المزيد من الأراضي في إطار المسارعة في اقتسام تركة تنظيم الدولة الذي أشَّر السياق العام لخسارات متتالية في العراق وسورية منذ شتاء 2015، ومن المرجح ان يستمر هذا السياق في المدى المنظور.
تستعرض هذه الورقة أهم الأطراف المحلية وغير المحلية الفاعلة في معركة الرقة المنتظرة، مع التركيز على العلاقات البينية ونقاط التلاقي والافتراق، وغايات كل طرف من مشاركته في معركة تلتقي على هزيمة عدو مشترك مع جملة من التناقضات بين هذا الطرف أو ذاك، وأحيانا العداء تبعا لتضاد الأهداف البعيدة لكل طرف من انخراطه في ساحة الصراع السوري.
أولاً: لأطراف المحلية
يقف تنظيم الدولة منفردا في مواجهة عدة أطراف تسعى لهزيمته واخراجه نهائيا من ساحة الصراع السوري، بما فيها أطراف إقليمية ودولية؛ ويعد التنظيم، في ضوء هذا، الطرف الأهم من بين أطراف أخرى محلية وغير محلية.
تنظيم الدولة الإسلامية
تشكل مدينة الرقة أهمية استثنائية عند تنظيم الدولة لأسباب منها:
من المتوقع أن يدافع تنظيم الدولة عن مدينة الرقة دون الانسحاب منها إلاّ بهزيمته عسكريا؛ وفي سياق تكتيكاته العسكرية، يمكن رصد أهم الأساليب والإجراءات الدفاعية وفقا لمتابعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض ما تنشره وسائل الاعلام في:
جر العدو إلى حرب شوارع تضع حدودا لاستخدام الطيران الذي ظل يشكل عاملاً حاسماً في أغلب معارك المدن التي خسرها التنظيم، كما أن وجود سكان مدنيين داخل هذه الأحياء يعد عاملا مضافا للحد من استخدام الطيران خشية وقوع المزيد من الضحايا المدنيين.
الاعتماد بشكل مركز على استخدام السيارات المفخخة في مهاجمة القطعات المهاجمة أو الأرتال على طرق الامداد وغيرها من مراكز ومعسكرات ومقرات
استخدام وسائل التمويه والخداع لتشتيت الضربات الجوية من خلال هياكل خشبية تحاكي الدبابات والاليات المدرعة وغيرها.
اللجوء إلى حفر المزيد من الأنفاق التي توفر لمقاتلي التنظيم حماية من الضربات الجوية، كما أنها تسهل عملية انتقالهم مع بعض المعدات القتالية بشكل أقل خطورة.
توفر الأنفاق بؤر مهمة لنصب الكمائن للقوات المهاجمة قبل إحكامها السيطرة على الأحياء السكنية.
بناء سواتر ترابية وحفر خنادق حول المدينة لعرقلة حركة الاليات المدرعة أثناء اقتحام المدينة وإمكانية إيقاع المزيد من الخسائر بها.
نقل مقرات قياداته الرئيسة إلى أماكن سرية استعدادا لهجوم دولي محتمل على الرقة.
إشعال إطارات السيارات لتعمية الرؤية على طيران التحالف عن الأهداف المتحركة لمقاتلي واليات التنظيم.
احتمالات لجوء التنظيم إلى استخدام أسلحة كيمياوية في حال ثبت حيازته عليها لأن معركة الرقة هي الأهم من بين كل معاركه.
في حال خسر تنظيم الدولة معقله الأهم في مدينة الرقة، وهو متوقع لكن ليس في المدى القريب، فانه سوف يلجأ للاعتماد على ذات الأساليب التي كان يتبعها في العراق قبل عودته من معسكراته الصحراوية في 2014، حيث يشن هجمات عنيفة بسيارات مفخخة، أو يهاجم معسكرات وتجمعات للشرطة والجيش، أو يقوم بهجمات خاطفة على بعض المدن الصغيرة لتصفية مسؤولين محليين أو قادة في الأجهزة الأمنية.
خروج مدينة الرقة عن سيطرة التنظيم لا تعني نهاية تهديداته الأمنية على المدينة نفسها، والقوات المتواجدة فيها أو في محيطها ما لم يتم تطهير كافة المناطق من أي وجود لمقاتلي التنظيم وتوفير ما يكفي من مقاتلين للسيطرة على الطرق البرية المتشعبة والقرى والبلدات في المحافظة أو جوارها.
قوات سوريا الديمقراطية
تشكلت قوات سوريا الديمقراطية أوائل العام 2015 وسيطرت على مساحات واسعة من الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة حتى مسافة تقل عن 30 كيلومترا من مركز مدينة الرقة، حسب خرائط منشورة اوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
تتشكل قوات سورية الديمقراطية من تحالف فصائل سورية من العرب والأكراد والسريان والتركمان ينتمون إلى قوات الصناديد والمجلس العسكري السرياني ووحدات حماية المرأة وجيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات والوية الجزيرة وغيرها، إضافة إلى وحدات الحماية الشعبية الكردية التي تقود هذه الفصائل في إطار قوات سورية الديمقراطية؛ وقد قدر عددها عند الإعلان عنها بحدود أربعة آلاف مقاتل يتلقون دعما من الولايات المتحدة واسناداً جوياً من طائرات التحالف الدولي؛ وتقتصر مهامهم القتالية على قتال تنظيم الدولة بهدف استعادة المدن والأراضي في شمال وشمال شرقي سوريا.
تتميز قوات سورية الديمقراطية بخليط من المقاتلين العرب والأكراد، ويمثل العرب فيه قوات الصناديد، وهي قوة عشائرية من قبيلة شمر العربية، وجيش الثوار، الذي يتكون من مقاتلين عرب من فصائل الجيش السوري الحر، وتجمع ألوية الجزيرة وغرفة عمليات بركان الفرات وهي في مجموعها تضم مقاتلين عرب متحالفون مع وحدات حماية المرأة. تتلقى جميع هذه القوات الدعم من الولايات المتحدة التي ترى فيها الحليف البري الأكثر قوة في قتال تنظيم الدولة.
تنوعت وسائل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لقوات سورية الديمقراطية ابتداءً من التدريب إلى تزويدها بالأسلحة قبل معركة الشدادي في ريف الحسكة منتصف ديسمبر/كانون الأول 2105؛ كما وفرت لها غطاءً جوياً في معركة استعادة منطقة الهول شرق المحافظة في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وبعدها في معارك عديدة اخرها معركة منبج التي استعادتها قوات سورية الديمقراطية في 13 أغسطس/اب 2016.
درع الفرات
تتشكل قوات "درع الفرات" من فصائل عدة تابعة للجيش السوري الحر مثل لواء السلطان مراد والفرقة 13 وفيلق الشام، ويقدر عددها بنحو 15 ألف مقاتل.
مقاتلين من درع الفرات
لكن انسحاب تنظيم الدولة من جرابلس قد يفهم منه التأسيس لصيغة تنافسية بين عدوين لدودين له، قوات سورية الديمقراطية ودرع الفرات، وهما في ذات الوقت خصمين لبعضهما البعض، ما قد يؤدي إلى صدام مسلح بينهما يقود إلى اضعاف واستنزاف كلا القوتين.
وقد أعلنت قوات درع الفرات عن عملية لاستعادة مدينة الباب شمال حلب، 75 كيلومترا عن الحدود التركية، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 استعادت خلالها عدد من القرى المحيطة بالمدينة على مسافة قريبة دون أن تصل إلى اطرافها؛ ومن المتوقع أن يدافع تنظيم الدولة عن معقله الأخير في شمال حلب الذي أصبح مركزا لتجمع مقاتليه الذين انسحبوا إلى المدينة بعد خسارته مدينتي منبج وجرابلس.
وتؤكد تركيا التي ترعى هذه القوات على انها ستتجه بعد تحرير مدينة الباب إلى مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد وفي مرحلة لاحقة للمشاركة في عزل مدينة الرقة تمهيداً لاقتحامها.
وفي حال أنجزت قوات درع الفرات استعادة منبج ومضت قدما باتجاه الرقة، فإنها ستكون بحاجة إلى الالتفاف حول بحيرة الأسد من ضفتها الجنوبية، كما سيتطلب ذلك عبور جسر الثورة والمرور بمناطق دفاعات تنظيم الدولة للسيطرة على أهم خطوطه الدفاعية عن مدينة الرقة في دير حافر ومسكنة وجوارهما؛ كما ان عليها التنسيق مع الولايات المتحدة لتحديد محاورها القتالية بعيدا عن الاحتكاك والصدام مع قوات سورية الديمقراطية.
العنصر العربي
شكلت الولايات المتحدة التحالف العربي السوري أواخر عام 2015 للقتال إلى جانب وحدات الحماية الشعبية وتشكيلات أخرى تقاتل تنظيم الدولة قبل تشكيل قوات سورية الديمقراطية لتكون إطاراً جامعاً لها تقوده وحدات الحماية الشعبية.
يتشكل التحالف العربي السوري من مقاتلين عرب من محافظة الرقة، ومناطق أخرى في سوريا، ويسعى بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية والقتال تحت قيادتها لاستعادة مدينة الرقة.
يقدر عدد مقاتلي التحالف العربي بحوالي 4 آلاف مقاتل، من بينهم مقاتلين من فصائل الجيش الحر التحقوا في برنامج أمريكي خاص لتدريب المقاتلين العرب من أجل خلق توازن عرقي في قيادة قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما يساهم في تشجيع المزيد من أبناء العشائر العربية من محافظة الرقة وغيرها في صفوف قوات سوريا الديمقراطية من خلال عمليات التجنيد في التحالف العربي السوري. كما أن زيادة العنصر العربي في قوات سورية الديمقراطية سيساهم في تخفيف الخلافات بينها وبين تركيا، والقوات الحليفة لها في درع الفرات.
قد تسعى الولايات المتحدة إلى وضع خطة قتال لأطراف متعددة على جغرافيات متعددة الأطباق على مدينة الرقة قبل اقتحامها؛ لكنها لا تفضل أن يكون أي طرف من تلك الأطراف كقوة اقتحام للمدينة بديلا عن التحالف العربي السوري الذي تنسجم طبيعة تشكيله العرقية والطائفية، وحتى العشائرية، مع طبيعة غالبية سكان الرقة، الذين هم أيضا من المكون العربي وينتمون للطائفة السنية، ما يخفض إلى حد بعيد من احتمالات اندلاع اقتتال داخلي بين باقي الأطراف التي هي حليفة للولايات المتحدة رغم تباين أهدافها.
ثانياً: الأطراف الإقليمية والدولية
مع تعدد الأطراف ثمة تباينات واضحة في غايات كل طرف تختلف عن غايات الطرف الاخر، لكن الأطراف جميعا تلتقي على هدف واحد يتمثل في استعادة الأراضي من تنظيم الدولة والقضاء عليه.
الولايات المتحدة
قدم الأكراد في العراق وسورية الجهد الأكبر في مواجهة تنظيم الدولة، وهو محل تقدير الولايات المتحدة التي تسعى لأن يكون الأكراد هم الشريك الإقليمي الأكثر ثقة من بين شركاء عدة، والأكثر قوةً وتسليحاً من باقي الأطراف المحلية المسلحة؛ وهي حاجة أمريكية في حربها الطويلة ضد الجماعات الإرهابية.
تهدف خطة الولايات المتحدة لحرمان التنظيم من الحواضر المدنية والمدن الكبرى، ولذلك تعمل على تحقيق:
عزل الرقة في بعض جوانبها لقطع إمدادات تنظيم الدولية بين أكبر تجمعين سكانيين لها يمثلان خزاناً بشرياً للتجنيد.
من شأن عزل الرقة جعلها جغرافية محاطة بأطراف معادية للتنظيم قادرة في مرحلة ما استعادة المدينة من خلال طول فترة الحصار حولها وقطع الامدادات منها وإليها.
أبدت الولايات المتحدة رغبتها في تشكيل قوة من المقاتلين العرب لاستعادة مدينة الرقة، ونسقت في ذلك مع بعض الفصائل السورية وتركيا، لكن مع بدء عملية استعادة الموصل برزت الحاجة لبدء معركة مماثلة في الرقة لحرمان مقاتلي التنظيم من ملاذ متوقع لهم في حال فرارهم من الموصل، وتجنب رفض السكان المحليين لسيطرة القوات الكردية وتقليل مساحة الاعتراض التركي على استعادة الرقة بمشاركة الأكراد، طالما أنهم لا يشاركون في اقتحامها أو السيطرة عليها مستقبلا، وإناطة ذلك إلى المقاتلين العرب في التحالف العربي السوري، وهو ما لا تعترض عليه تركيا.
تركيا
تنظر تركيا إلى وحدات الحماية الشعبية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني التي تقود قوات سورية الديمقراطية بأنها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني ما جعل هذه الوحدات في موقع العداء مع تركيا.
وخاضت تركيا نقاشات مع الولايات المتحدة لاستبعاد قوات سورية الديمقراطية عن المشاركة في معركة الرقة وتولي الفصائل السورية الحليفة لتركيا مهام المعركة، لكن الولايات المتحدة لم تستجب للطلب التركي.
مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تفاهمت قوات سورية الديمقراطية مع الولايات المتحدة على حسم موضوع مشاركة تركيا بعملية استعادة الرقة "على عدم وجود أي دور لتركيا أو للفصائل المسلحة المتعاونة معها في عملية تحرير الرقة"[6]؛ لكن الموقف الرسمي الأمريكي يؤكد على تنسيق بعيد المدى مع تركيا "لإعداد خطة لتحرير الرقة والمحافظة عليها وادارتها"؛ كما أن الولايات المتحدة تدرك أن "قوات سورية الديمقراطية ليست كافية لتحرير الرقة وما بعدها"[7] لحاجة المدينة إلى العنصر العربي لإدارتها والسيطرة على الملف الأمني فيها طالما ان سكانها هم من العرب فقط، وذلك لتجنب أي صراع عرقي عربي كردي مستقبلا.
ثالثاً: الصدامات المحتملة
وإذا أصرت قوات سورية الديمقراطية على اقتحام مدينة الرقة خلافا لرغبات جميع الأطراف الأخرى، فان من شأن هذا أن يؤدي إلى صدامٍ قوميٍ عربي كردي واسع النطاق، وذلك على خلفية النظر إليها من سكان الرقة كقوة احتلال عُرفت بارتكاب انتهاكات ذات طابع قومي سبق أن مارستها في مناطق أخرى يعيش فيها سكانٌ عرب.
بالإضافة لذلك ، من المحتمل أن تشهد الأسابيع القليلة التي تعقب الانتهاء من معركة الموصل انتقالاً لعشرات آلاف من مقاتلي الحشد الشعبي المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني ووحدات الحماية الشعبية عبر محافظة نينوى في شمال العراق للقتال إلى جانب قوات النظام والميليشيات الشيعية، وهذا ما يعني إمكانية توسيع رقعة عمليات قوات النظام لاستعادة السيطرة على كل الأراضي السورية بعد الانتهاء من معركة حلب أولاً، وتعزيز قواته بقوات قادمة من العراق ثانياً، ما يفرض حالةً من الصراع المسلح مع الفصائل السورية ودرع الفرات.
المراجع:
[1] "سوريا الديمقراطية" تطلق تحرير الرقة بمشاركة 30 ألف مقاتل و200 جندي أمريكي، روسيا اليوم، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 انظر الرابط.
رائد الحامد
مواد أخرى لـ رائد الحامد
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.