هنا، لقاءٌ مع جون ألترمان، نائب أول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لاستعراض القضايا الرئيسة المتعلقة بهذا الموضوع.
س 1: كيف ترى استجابة دول الشرق الأوسط لغزو روسيا لأوكرانيا؟
ج1: لقد اتخذت إيران وسوريا مواقف معادية للغرب كما هو متوقع. فأعلن بشار الأسد أن سوريا ستعترف باستقلال منطقتين انفصاليتين تدعمهما روسيا في شرق أوكرانيا، أما وزير الخارجية الإيراني فقد قال إن الأزمة "متجذرة في استفزازات حلف شمال الأطلسي".
لكن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الرئيسيين في المنطقة كانوا حذرين بشكلٍ مدروس. فبينما أدان وزير الخارجية الإسرائيلي روسيا، امتنع رئيس وزرائها، وبشكلٍ ملحوظ، عن القيام بذلك. إن إسرائيل تعتبر روسيا شريكا مهماً، والمهاجرون الروس يُعتبرون شريحةً انتخابية مهمة في صفوف الناخبين الإسرائيليين.
أما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر فإنها تعتبر روسيا مُنتجاً مهماً للطاقة، ومصدراً مُحتملاً للأسلحة والاستثمار والسلع الأخرى. وإن كانوا قد عبروا عن قلقهم من اندلاع النزاع، إلا إنهم تجنبوا إلقاء اللوم على روسيا. كما يحاول أمير قطر الاستفادة من العلاقات مع الأطراف على جانبي الصراع للتوسط.
وفي الخلاصة، يبدو رفض إدانة الهجوم الروسي كأنه انعكاسٌ صارخ لاستراتيجية القوى الإقليمية الجديدة المتمثلة في التحوط للبقاء متحالفين مع الولايات المتحدة، ولكن في نفس الوقت تجنب المواجهة مع الصين أو روسيا.
س 2: كيف سيؤثر ارتفاع أسعار النفط على دول الخليج؟
ج2: لقد ارتفع سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2014 بعد الغزو الروسي الأسبوع الماضي. وبالنسبة للدول المصدرة للنفط في المنطقة، سيوفر ارتفاع الأسعار هذا إنعاشاً مرحباً به في الميزانية على المدى القصير بعد الضربة الاقتصادية لجائحة كوفيد-19.
إن من غير المتوقع، على المدى الطويل، أن يؤدي استمرار ارتفاع أسعار النفط إلى تسريع انتقال طريقة الاعتماد على الطاقة في دول الخليج، وذلك من خلال جعل مصادر الطاقة المتجددة والكهربية أكثر جاذبيةً من الناحية الاقتصادية. فهناك دائما توجهٌ لدى الدول المصدرة للنفط لتوجيه المكاسب غير المتوقعة واستخدامها أساساً في مجالات الرواتب العامة والإعانات الداخلية، إلا أن بعض الحكومات الخليجية قد تستخدم جزءاً من الأرباح المتحصلة حديثاً للاستثمار في الجهود الرامية إلى تنويع استثماراتها في الطاقة، ولا سيما في مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين.
وعلى الرغم من أن دول الخليج ستواجه تحديات في صياغة علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة، إلا أن بعضها قد يستفيد سياسياً من الأزمة. فمثلاً، سعت المملكة العربية السعودية لمحاولة تفعيل شراكتها السياسية مع أميركا بشكلٍ أعمق بكثير مما هو عليه الحال الآن، لكن القيادة شعرت، ولاتزال، بالإحباط لأن كبار المسؤولين الأميركيين يترددون في التعامل مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. لكن أزمة الطاقة العالمية الراهنة قد تعزز موقف السعوديين في هذا الصدد.
س 3: كيف سيؤثر الصراع على الأمن الغذائي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
ج3: لقد ارتفعت أسعار السلع العالمية لأن روسيا وأوكرانيا تُنتجان معاً حوالي ربع صادرات القمح العالمية. وقد أدت جائحة كوفيد، والتحديات اللوجستية الناتجة عنها، إلى زيادة أسعار القمح بنسبة 80٪ منذ أبريل 2020. فمثلاً، ارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح في باريس بنسبة 16٪ في 24 شباط / فبراير. فضلاً عن ذلك، قطعت روسيا صادرات سماد نترات الأمونيوم. ولكل هذا، فالعديد من البلدان في الشرق الأوسط معرضةٌ بشكل خاص لارتفاع الأسعار وتعطل الإمدادات.
نذكر هنا أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، والعديد من وارداتها تأتي من منطقة البحر الأسود. وعلى الرغم من أن الحكومة حاولت تنويع إمداداتها ومخزونها في الفترة التي سبقت الغزو، إلا أن علامات نقص الإمدادات باتت واضحة بالفعل. لقد تلقت مصر عددا كبيراً من العطاءات لمناقصات القمح الأسبوع الماضي، لكن هذا الأسبوع شهد إلغاءها والاقتصار على تلقي عرض واحد فقط باهظ الثمن. لهذا، سيستمر مخزونها الاستراتيجي من القمح لمدة تقل عن خمسة أشهر. ونحن نعلم طبعاً أن ما يقرب من 30٪ من سكان مصر يعيشون في فقر، وأن العديد من الفقراء يعتمدون على الخبز المدعوم للتغذية.
وفي أماكن أخرى من شمال أفريقيا، يتزامن ارتفاع الأسعار وانقطاع الإمدادات مع موجات جفاف شديدة. وفي تونس مثلاً، ستأتي التحديات الاقتصادية في وقت صعب بالنسبة للرئيس قيس سعيد، الذي يجدد محاولاته لتوطيد السلطة بعدما حلَّ البرلمان في الصيف الماضي، والبلاد تواجه بشكلٍ عام ركوداً اقتصاديا عنيداً بدرجةٍ متزايةد.
وعموماً، سيضرب نقص القمح الدول الهشة في المنطقة بشكل أكبر. فقد قوضت الأزمة الاقتصادية في لبنان بالفعل قدرة سكانه على شراء المواد الغذائية، خاصةً مع ارتفاع الأسعار بنسبة 1000٪ في أقل من ثلاث سنوات. ويستورد لبنان القمح لتلبية معظم احتياجاته، حيث يأتي نحو 60٪ منه من أوكرانيا. ولدى لبنان حالياً من المخزون ما يقرب من شهر واحدٍ فقط من القمح.
وبنفس الطريقة، ستكون ليبيا واليمن اللتين مزقتهما الحرب معرضتين لنقص القمح.
س 4: ماهي تبِعات تدهور العلاقات بين روسيا والغرب في الشرق الأوسط؟
ج4: لقد وعد الرئيس بوتين الدول التي تتدخل في العمليات الروسية في أوكرانيا "بعواقب لم ترها من قبل". ولدى روسيا فعلاً العديد من الخيارات لإلحاق الأذى بالغرب في الشرق الأوسط رداً على العقوبات.
يمكن أن تؤدي التوترات، مثلاً، إلى قيام روسيا بدور المُخرِّب لأي ترتيبات سياسية قادمة في سوريا. فقد حذَّر قائد القيادة المركزية الأميركية الجديد، اللفتنانت جنرال مايكل كوريلا، من أن روسيا انتهكت بشكل متزايد بروتوكولات عدم الاشتباك مع الولايات المتحدة في شرق سوريا خلال الأشهر الأخيرة. وإذا ما تدهورت العلاقات أكثر، وتجاهلت روسيا آليات وقواعد فك الاشتباك الموجودة حالياً، فإن خطر حدوث مواجهة أكثر خطورة سيتصاعد بشكلٍ كبير.
كما أن بعض دول المنطقة أيضا تخشى أن تفتقر روسيا بشكلٍ متزايد إلى الموارد اللازمة للحفاظ على دورها في سوريا، مما سيترك فراغاً ستملأه القوات الإيرانية، خاصةً إذا تم إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، ووَضع ارتفاعُ أسعار النفط المزيد من الأموال في الخزانة الإيرانية.
فوق هذا، ستتاح لروسيا فرصة واضحة لتقويض خطط الغرب في تموز / يوليو القادم، عندما يصوت مجلس الأمن الدولي على استئناف العمليات الإنسانية عبر الحدود في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا. وفي هذه الحالة، فإن من شأن الفيتو الروسي أن يعرض للخطر 4 ملايين سوري يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويزيدَ الضغط بشكل حادٍ على تركيا، بل قد يؤدي إلى موجةٍ كبيرة من الهجرة القسرية في شرق البحر الأبيض المتوسط. نحن نعرف أن إدارة بايدن ركزت بشكلٍ كبير حتى الآن على دبلوماسية المساعدات الإنسانية في سوريا، ومن المرجح أن يلغي الفيتو الروسي، في حال حصوله، أي آمال في التعاون الجاد بشأن الملف السوري بين الولايات المتحدة وروسيا.
إلى هذا، قد تسعى روسيا لزيادة الضغط على أوروبا من خلال تأجيج الصراع في ليبيا في وقتٍ حساس جداً بالنسبة لعملية السلام في البلاد. كما يمكن لروسيا أن تستغل تهديد الهجرة غير النظامية من ليبيا لزعزعة استقرار أوروبا، في الوقت الذي تحاول فيه هذه الأخيرة التعامل مع مسألة اللاجئين المستجدة من أوكرانيا.
أخيراً، يمكن لروسيا أن تُعقِّدَ الدبلوماسية الدولية بشأن الملف النووي الإيراني. وفي حين أن غزو أوكرانيا لم يُخرج مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا، والمتعلقة بأي اتفاق نووي قادم، عن مسارها حتى الآن، فإن المفاوضات الناجحة ستظل تتطلب عملية تنفيذ جماعية دقيقة، ويمكن لروسيا، بطبيعة الحال، أن تسعى إلى لعب دور المعطل.
جون ب. ألترمان هو نائب أول للرئيس، ويشغل كرسي زبيغنيو بريجنسكي في الأمن العالمي والجيو/استراتيجية، وهو مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.
المصدر الأصلي للحوار:
انظر الرابط.