إسلام السوق: مداراة ما بعد الإسلاموية

24 تموز/يوليو 2018
 
[هذه هي المادّة الحادية عشر من ملف ينشره معهد العالم عن الإسلامويّة بعد الربيع العربيّ. للاطلاع على المادة الأولى هنا، والثانية هنا، والثالثة هنا، والرابعة هنا، والخامسة هنا، والسادسة هنا، والسابعة هنا، والثامنة هنا، والتاسعة هنا، والعاشرة هنا].

بدايةً، لا بد من القول أن قيماً مختلفة متعلقة بالديمقراطية والليبرالية والعلمانية، وغيرها، لا يمكن أن تنشأ في أصول الديانات، بل تأتي نتائج تجارب اجتماعية مختلفة في مجتمعاتٍ يشكل الدين جزءاً من ثقافتها، وتخوض تجربة النشوء هذه ضمن ظروفها التاريخية والواقعية والعملية المختلفة.

ومن هنا يأتي سؤال بسيط: هل هذا هو سبب الاصطدام بين بعض هذه القيم، وبين الإسلاموية إن صح التعبير؟، ولو كانت الإجابة ضرورية، فما هو دنيوي (secular) لا يمكن أن يخدم مصالح متعلقة بطروحات ما هو ديني أو عُقَدي (religious).

ولكن، يرى بعض الباحثين، كنادر هامشي، أو تشارلز تايلور مثلاً، إن افتراض فكرةٍ استباقية لضرورة حصول اصطدام بين ما هو اجتماعي  ودنيوي بما هو ديني. من ناحية القيم المذكورة، فهو أمر بات اليوم مستحيلاً بل ولا لزوم له فعلياً أو إنه لا يستحق الذكر. وهو ما التقطته بعض الجماعات الإسلامية العربية (مثل الغنوشي وحزب النهضة)، أو تأثرت به أحياناً من أخواتها  شبه الأوروبيات أحياناً (تركيا)، اللواتي يعشن في كنف دولٍ لم تعد فيها أي قيمٍ دينية أو غير دينية مقدسة، أو غير قابلةٍ للنقاش.
 
 
إن طرح ما بعد الإسلاموية، يركز كما هو معلوم، على التخفف من قيم كبرى بعينها، ويضعها في عينِ النقاش، أو يتجاوزها إن صح التعبير، ومنها مبادئ سياسية أو غير سياسية، كالجهاد أو الخلافة أو التخفف من الجبرية مثلاً، إضافةً إلى التركيز على مبادئ بعضها اقتصادي، تتعلق بصعود الفرد على حساب الجماعة.

وفي كتابه "إسلام السوق"، يؤكد مؤلفه باتريك هايني  أن "اللحظة الثورية في العالم العربي أسهمت بدرجاتٍ متفاوتةٍ في تسييس قراءة ظواهره الدينية"، ثم يدفع هايني بقوله أن "الإخوان مثلاً أثبتوا مدى ليبراليتهم اقتصادياً" وكأن الإنسان العربي لا يعاني أصلاً من غياب الليبرالية في كل شيء، عدا الاقتصاد، فلم يسعَ إخوان مصر مثلاً خلال تجربتهم القصيرة بين عامي 2012 و2013 للبرلة أي حقيقة اجتماعية صلبة كانت موجودة قبل (الربيع العربي)، خاصةً تلك التي كانت عليها جماعة الإخوان ذاتها.
 
وأبسط مثالٍ على ذلك، يكمن في كون الجماعة التي يصفها هايني على أنها تموذجٌ لمؤسسةٍ استقرت في عالم النضالية، بلا رأسٍ ولا قيادة. قامت فعلياً بالانتقال من حالةِ الصلابة التي تتمتع بها قبل الربيع كحركةٍ تضع نفسها موضع المعارضة، إلى مجرد حالةٍ صلبةٍ جديدة، تقبع في الحكم.
 
وبصورةٍ عامة، لا بد من لي من القول بكل وضوح، أن رؤية هايني ليست في محلها ككل، وأن التفكك في خطابات مؤسسةٍ لجماعاتٍ إسلاموية مختلفة، هو أمرٌ حاصل نظرياً، لكنه لا يعني أبداً انفكاكاً أيديولوجياً في إطار ما يمكن تسميته إسلام السوق، فهذه المظاهر عادت أكثر عنفاً خلال الربيع العربي، واشتدت بعد انفلات السلطة من أيدي جماعة الإخوان في مصر، وغيرها من البلدان العربيّة.
 
 
وبالنظر إلى إعادة موضعة مقولات وسرديات الجماعات الإسلاموية من جديد خلال الربيع العربي، ونشر (الجهاد) كوسيلةٍ فعالة، لا تشير سوى إلى أن (الحل الإسلامي)  على أنه هو الوحيد القادر على نصرةِ المظلومين من ناحية، أو الذين تم تنحيتهم كما في مصر، أو أولئك المقموعين المعرضين للقتل في كل لحظة في سوريا.
 
أما القيم الفردية المتعلقة بالسوق، فإن صوتها خفت في الحال، وهي في الأساس متعلقةٌ بأهواء فردية طبيعية في الظاهر على الأقل، وليست نوعاً من التغير ولا التطور في خطاب الجماعات الإسلاموية. ببساطة، لا يدل التناول البرجوازي أو السِلعي أو البروتستانتي في بعض فرديته، لا يدل أي من هذا كله، على تجاوز الخطاب الإسلاموي، وكونه ما بعداً، لما قبله من ناحيةٍ فلسفية حتى.

وإذا كان الدين، من ناحيةٍ أخرى، ومثلما يشير نادر هاشمي في حديثه عن راشد الغنوشي في كتابه "الإسلام والعلمانية والليبرالية الديموقراطية" أن "مدار أو هدف الدين الرئيسي ليس امتلاك الدولة، بل القناعات الفردية للأشخاص، ذلك أن واجب الدولة هو خدمة البشر قبل أي شيء".

ما يفيدنا هنا عما ينقله هاشمي عن الغنوشي، هو انتفاء أي دورٍ لأطروحةِ هايني وكتابه في تثبيت هذه المقولة من جهة، أو نفيها من جهةٍ أخرى. فهنا؛ نعود إلى الدولة التي تخدم البشر، وهي هنا تتشكل كما يبدو من خلال مجموعةٍ من إرادات الأشخاص وحاجاتهم الفردية. وبالطبع يقبل الغنوشي ضمنياً أن تحمل جماعة إسلاموية لواء الحكم، بشرطٍ نظري هو أن تحقق شيئاً من هذه الإرادات الفردية وتخدم المواطنين على اختلافهم، وبالطبع لم نشهد هذه التجربة عربياً حتى اليوم. لكن مقولة الغنوشي تقود إلى أن الإرادات المتوجب تحققها هنا، لا تعني (إسلام السوق) وربما تعني الجماعات الإسلاموية نظرياً وهو ما لم يتم اختباره.

أما من جهة ما يشير إليه هايني، فهذه إراداتٌ تتحقق في حال كانت لا تتعارض مع قيم السوق من جهة، ولا تتعارض مع إرادة الجماعة الإسلاموية في حال كانت هي الحاكمة، وإرادتها لا تتمثل في الأفعال فقط، بل وعلى صعيد الخطاب كذلك. إذن، لا يوجد حديثٌ عن العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الفرص ومنحها كما بقول هايني نفسه في الكتاب.

فهل تبقى قيمة إسلام السوق إذن؟ في كونه مجرد تسويقٍ و (شرعنة) للرأسمالية مثلاً. وتؤَسلمِ فضاءاتٍ عامة وسلعاً، أو لنقل على الأقل، تؤسلم جزءاً منها، فتمنحها قابليةً أعلى لدى المستهلك المسلم تحديداً، الذي يشترط أن يكون قادراً مادياً قبل كل شيء. وألا يكون فقيراً بحسب هايني، حيث يصبح الفقر مصدراً لكل الشرور، من ناحيةِ هذا المسلم الذي لا يمكن دمجه مع سلعته المؤسلمة.

إسلام السوق، يمكن القول إنه "رأسمالية أخذت دمغة إسلامية"، أو ربما نيوليبرالية مؤسلمة، حيث يحلو للكثيرين في العالم العربي، تعليق أي مشكلة سياسية واقتصادية في عنقها. لكن الفكرة التي تعد مفيدة عند، هي تلك التي تتحدث عن أسلمة معظم ما هو مرفوضٌ عند غير الإسلاميين من جماعاتٍ وقوى محلية وطبقية عربية، وذلك لأن الدين لا زال يشكل جزءاً لا بأس به من ثقافة وهوية المسلمين، فلماذا لا يتم وضع قيم فردية و سوقية (من السوق بما يحمل) في صلب هذه الثقافة. والقفز عن أي مصطلحٍ معولم ومجرد متعلقٍ بفتح أسواق العالم على بعضها البعض لتكون مزارع لمن يملك الثمن.

هذا كله، ليس فيما بعد الإسلاموية في شيء، وهذا كل ما أبتغي الحديث عنه، فإسلام السوق ليس سوى تأقلمٍ في أحسن الأحوال، يخدم مصالح زمانية ومكانية عملية لأصحابه، ويعود بالفائدة على مروجيه، ولا يختلف عن الإسلاموية في شيء، من ناحية خدمة الأنظمة التي تود أن يتم نزع فتيل (السياسي عن الديني)، وهذا مستحيلٌ بالطبع لأن هذه الأنظمة نفسها جزء من تثبيت هذين معاً، ومن ناحيةِ القدرة العالية التي ملكها الإسلامويون خلال عقودٍ طويلة على تحويل النقاش السياسي إلى ديني، من خلال افتراض حلول أخروية تؤجل المشاكل كلها، ولا تكاد تحل منها شيئاً، وهذا غني عن الشرح، على الأقل فيما يخص قضايا مثل فلسطين، أو فيما يخص مرحلة بن لادن التي رأت الحل في تدمير العالم الشرير (كما يقال) وليس الاندماج فيه. والتي سرعان ما انسلخ عنها إسلامويون ولو نظرياً، ولاذوا بالإسلام المعتدل، ثم أدرك البعض ربما، أن التوجه إلى حلولٍ أخرى غير تلك التي تطرحها القاعدة، هو الأفضل.

وبشكل عام، الفشل الإسلاموي في الاندماج مع الذات العربية، وعدم القدرة على إيجاد سردياتٍ تحمل دوافعاً ذاتية من أجل التواصل بصورة عادلة ومتكافئة مع العالم، جعلت مشاريع كثيرة للإسلامويين لا تقود إلى شيء، ويتم إلحاقها بالفشل. خصوصاً أن مشكلاتٍ كثيرة لما تجد طريقها نحو الحلول المتصورةِ إلى اليوم.

وبالمقابل، يعبر إسلام السوق، عن فشلٍ آخر لا أكثر، لأنه تمثل في القفز عن معظم ما تعرض إلى الفشل، إلى نوعٍ من القيم الفردية، التي لا تعني خلاصاً فردياً على أي حال، إنما مجرد مكاسب، في بيئاتٍ غارقة في مشاكلها البنيوية في الحالة العربية، بينما توجد بيئاتٌ في حالاتٍ أخرى، لا تعنيها الجماعات والأفراد على حدٍ سواء، ولا مكانهما أو زمانهما بقدر ما هو مطلوبٌ أن يكون كل شخصٍ في مكان وزمانٍ مناسبين قدر الممكن، من أجل بناء علاقاتٍ على أساس المصلحة، ليس فيها جماعاتية أساسها القداسة، حتى يعتبر فيها الفرد أسطورة بمجرد أنه عثر لوحده على طريقه الخاصة إلى النجاح الدنيوي والأخروي!

لكن الإسلاموية التي طرحت نفسها منذ بداياتها، على أنها تواجه الإمبريالية إن صح التعبير، تقبل بأن تكون عالمية بطريقةٍ أو بأخرى، من خلال السوق. وبالتالي يتركز في لا وعيها ضرورة تبادل سلعتين أساسيتين، تلك المادية، والأخرى المادية ذات الصبغة الإسلاموية، وبالطبع المعنوية التي تؤسس لها، كالمحبة والخير وبر الوالدين، ومعاملة الزوجة معاملةً حسنة، ولا يمكن نسيان جلب الهدايا من المتاجر لأجل هذه الغايات، خصوصاً لو كانت إسلامية، أما لو كان المرء مسلماً فقيراً، فسوف يعود إلى المربع الأول، الطوباوي أو المستحيل، ألا وهو؛ الإسلام هو الحل.

وبمعنى آخر، ربما يعني إسلام السوق كما يرى هايني طبقةً ما برجوازية. تؤمن "بتحرير المرء لمصيره من خطاب الجماعات الإسلاموية والمؤسسات الدينية" ليمسك زمام مصيره بنفسه، ويكون ناجحاً أو غنياً" وبالتالي يتمكن من العيش برفاه، والتصدق على الفقراء، وتطبيق القيم الدينية المريحة من منظوره كفرد. وبالطبع سوف ينتمي إلى جماعةٍ أعلى تضمن مصالحه رأسمالياً، وهذا إجباري، وليس شرطاً أن تكون جماعة تريد الوصول إلى السلطة، أو توهم الفرد أن قدره محتوم لدى الله مهما فعل، فيكون الأسهل له أحياناً أن يفجر نفسه في هذا العالم على أن يكون جزءاً منه.
 
 
لكن هذه الجماعة السائلة ربما، المعنية بأينما وجد الكسب فذاك هو موطني، وسواء كانت المعاملات باسم الله وعلى بركته أم لا، فإن معاناة مواطني الدول العربية الأفراد، من تحرير أسواقهم وعملات بلادهم وتوفر فرص العمل في أيادي قليلة سوف يعود ليتجدد. وبصورةٍ أوضح، لا بد أن أصحاب الأموال هم طبقة محددة أو معينة، سوف تتحول إلى جماعةٍ تحكم اقتصادياً، وبالتالي، سوف تفرض نوعاً من التدين العام، سواء من خلال إسلام السوق والقيم التي يضمها أو من غيره، وهي بهذا لن تخرج من إطار الحركات الإسلاموية من جهة، ولن تخرج بالطبع عن إطار الدولة، بمعنى أنها الدين، وهي التي تفرض مثلاً نوعاً معيناً من التدين، لا يقبل سواه، لأنه لا يضمن المصالح.

في هذا المقال، فضلت عدم التطرق كثيراً إلى كتاب باتريك هايني، وأقصد تفاصيل التفاصيل فيه، فمقدار وهم التحول إلى نموذجٍ معتدلٍ وأكثر تقدمية ورخاءً للإسلام، يبدو غريباً، عربياً على الأقل، أما ذاك المتعلق بالإسلام في أوروبا وغيرها، فيبدو مختلفاً، ويبدو إسلام السوق مجرد غزوةٍ لا بد منها للإسلامويين على أمريكا وأوروبا، حتى يأتوا بقيمٍ ليبرالية قديمة وأخرى اعتبرها بعض الباحثين بروتستانتية، ليأتوا ويقولوا لنا أنهم غنموا كل ما هو جديد ومثير، اجتماعياً واقتصادياً.

ويعد هذا مجرد قفزٍ لا أكثر، عن الوضع العام في المجتمعاتِ العربية، بما يخص الحريات العامة، السياسية، الشخصية، الدستورية، والدينية حتى، فالمعضلة مع (الدولة) والفضاء العام، لم تحل، أو لم يتم السعي لحلها على الأقل، وإذا كان تقديم نموذج اقتصاد ناجح ومعتدل، هو الحل أو جزء منه، فإنه يقدم لمصلحة الإرادات العامة التي تشكل الدولة، وليس من قبل طبقةٍ معينة، لتعود مصالحه إلى هذه الطبقة ذاتها كما يبدو واضحاً في (إسلام السوق).

وهذا، يقود إلى أن الحل الإسلاموي، في ثوبه الفردي وصبغته الاقتصادية، وحمله للدافع الذاتي المبني على النجاح وامتلاك الفرد مصيره، فهو إن بدا تملصاً من الجماعة الإسلاموية من ناحية شكلها ومعظم مضامينها، خاصةً السياسية، إلا أنه يقفز بالطبع عن الصراع المؤجل بين العلمانوية والإسلاموية والدولة الواقعة فيما بينهما. ومن جهة أخرى، هو مجرد فشلٍ آخر باعتبار أنه مثله مثل الإسلاموية، فكليهما لا يعكسان مخاوف وطموحات الطبقات الفقيرة أو البسيطة أو متوسطة الحال من الشعب. وفي الأصل، الإسلاموية معظم الاحيان تطرح نفسها على أنها جامعة، فهناك هوية توحد كل هؤلاء من خلال الدين، لكنها بالطبع مشروطة بالانتماء إلى الجماعة معظم الأحيان.
 
أما في إسلام السوق فبالطبع لا أحد يمثل مصالح أحد، فلا يهم إن كانت السلعة أو المنتج أو الفكرة مؤسلمة، المهم أن تحقق مكسباً، وعالمية ربما، وأن يتم تداولها. لكنه ليس مهماً أن تعود بالخير، إلا على أفرادٍ معينين.
 
وبالعودة إلى هاشمي، فإنه يرى في كتابه أن الأصولية الدينية أو الإسلام السياسي، والجماعات الإسلاموية المنبثقة عنها كالقاعدة، شكلت بعد الحرب الباردة ما أسماه "بالخطر على الديمقراطية الليبرالية"، وبالطبع لن أكمل هنا بقية طرح هاشمي، لكن إسلام السوق يمكن له أن يعبر من جهته عن ليبرالية للأفراد، أولئك القادرين أن يمسكوا بزمام أمورهم فيستهلكون ويصدرون ويتبادلون مع العالم كل منظورٌ إليه من زاويتهم الإسلامية، لكنهم في النهاية (وربما لا يملكون الفرصة) لن يملكوا أن يقدموا حلولاً جماعية تمثل إرادات مجتمعاتهم وطموحاتها مهما تنوعت مالياً وعرقياً ودينياً أيضاً.

وبالتالي سوف يصبحون خطراً على الديموقراطية المتعلقة بمجتمعاتهم، أما عالمياً، ومن زاوية طروحات أوليفييه روا في كتابه عولمة الإسلام السياسي، فإن الديموقراطية والليبرالية بكل بساطة يتم الإفصاح عنهما عالمياً بقدرٍ معين، ذاك الذي يخدم الأسواق، وسيتم بالتالي كما أظن، الإفصاح عن إسلام معولم كإسلام السوق، بقدر ما يخدم مصالح رعاته فقط.
 
 
الخلاصة، تكمن في أن الجماعات الإسلاموية، وسلسلة طروحاتها خلال القرن العشرين وما بعد الألفية، اتجهت في اتجاهات متنوعة، لكنها لم تنطلق من دوافع ذاتية، والقول بتحسيناتٍ عامة أبطالها إسلامويون، تمتعوا بمشاريع اقتصادية شفافة أو متقدمة، لم يتحقق على الأقل في سياق الربيع العربي وتجربتي تونس ومصر رغم قصرهما عملياً. أما إسلام السوق، فهو ظاهرة، تتعلق بطرح مجموعة من البدائل، في مجتمع يتفرج، من خلف واجهات المحال، وفي الشاشات، وغيرها، على أنماطٍ تبدو مثالية، لأفرادٍ يرتدون ملابس إسلامية من ماركةٍ شهيرة مثلاً. أو معنوياً، يحضرون برنامجاً دينياً، يديره شيخ مبتسم يحث على محبة الناس للناس، وأشياء كثيرة تدور في فلكٍ مثالي، لكنها بالطبع كلها، مدفوعة الثمن، وتدر لأصحابها الأرباح، مما يجعل الدين الإسلامي بكل وضوح، موضوعاً للكسب المالي مجدداً.

وهذا مجرد دليلٍ آخر، على فشل ما هو إسلاموي، من الصحوة، مروراً بمشروع الدولة، وليس انتهاءً بوهم القيم العلمانية التي يقال زوراً أن إسلام السوق نجح في تبنيها مثلاً. وليس انتهاءً بالربيع العربي، الذي اشتغل فيه المال والدين معاً، وجنباً إلى جنب، على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي وعلى أرص الواقع، فحقق المال ما حققه من مكاسب، أما الدين، والمقصود به هنا كل ما يتعلق بالإسلاموية، فعاد إلى مربعه الأول، فكل ما هو غير إسلاموي في نظر الجماعات، لا يمثل الإسلام، وكل ما هو إسلاموي لكنه لا يحكم، أيضاً لا يمثل الإسلام، بينما يأتي هايني بعد الربيع العربي، ليضيف في مقدمته قائلاً أن بعض القيم المعلمنة تأسلمت أو تمت أسلمتها. ربما نعم، ولا بد أنها أُسلمت بالقدر الكافي، الدال على فشل مشروع الإسلاموية وكل ما جاء بعدها حتى الآن.
عاصف الخالدي

كاتب ومترجم أردني.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.