الإثنوغرافيا في زمن الاضطرابات - مصر قبل وبعد "الربيع العربي"

ترجمة: يسرى مرعي.

ترجم هذا الحوار على موقع معهد العالم للدراسات بعد أخذ موافقة معدة الحوار (د. منى أباظة/ الجامعة الأميركية، القاهرة). والنص الأصلي منشور على الرابط التالي: opendemocracy.net
حتى ضمن أضيق بارمترات الفضاءات العامة، فإن المناقشات التي قد تؤدي إلى قضايا تتعلق بالمساءلة والشفافية لا تحظى بشعبية كبيرة في نظر الجمهور.
تأتي هذه المقابلة ضمن سلسلة مقابلات حول المعضلات والمفارقات التي يضطلع بها الباحثون عند إجراء بحث في الشرق الأوسط. وتحاول هذه المقابلات التركيز على أسئلة المنهجية، والعراقيل التي يواجهها الباحثون عندما يقومون بعملهم الميداني خلال الاضطرابات السياسية المستمرة. وفي هذه المقابلة مع ليلى زكي تشاكرافارتي، تستكشف منى أباظة كيفية تطبيق هذه القضايا في سياق مصر المعاصرة.

منى أباظة (م.أ.):
نُشِر بحثك الذي سبق الانتفاضات العربية بوصفه اثنوغرافية رسمية ومتعمقة حول مصانع الملابس في بورسعيد، بينما يتضمن عملك الأخير ما تسمينه "لقطات إثنوغرافية" أقصر للحياة اليومية في القاهرة قبل وبعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 في مصر. كم من هذا التحول في نهج البحث هو بسبب عوامل خارجية مرتبطة بانتفاضة مصر، وكم من هذا التحول هو مجرد قضية تفضيل وتطور شخصي؟

ليلى زكي تشاكرافارتي (ل.ز.):
لا أعرف مصرياً واحداً لا يمكن أن يخبرك أين كان في الوقت الذي اندلعت فيه الثورة في ميدان التحرير. أنا كنت في لندن، أتابع المشاهد المُذهلة عبر التلفاز. لم يكن ذلك مختلفاً عن زمن الحرب، عندما يتّخذ الوطن وجوداً مادياً وحيوياً من موقعك في الخارج. لقد كنت مرتبكة مثل بقية أصدقائي (بعضهم ممن ركب أول طائرة إلى الوطن ليكون جزءاً من التغيير) حول ماذا سينتج من كل ذلك، وإلى أي مدى يمكن أن تصل الأمور. ولا تزال تداعيات تلك الأيام المندفعة ملموسة في غياب الإجماع والالتباس السائد حول إذا ما شكّلت أحداث 25 يناير/كانون الثاني ثورة شعبية، أم أنها شكّلت جزءاً من أجندة اقليمية أوسع للإسلام السياسي، أو كانت ببساطة انقلاباً عسكرياً ناعماً يرمي إلى الحفاظ على النظام. حتى أصبحت  العائلات غير قادرة على التوفيق بين خلافاتها مما أدى إلى وجود انشقاق في المجتمع.

ويعكس الشقاق والاستقطاب العميق من حولنا عجزاً مستمراً، وربما حتى رفضاً، للاستقرار على إطار تفسيري معقول –وهذا كان له حتماً تأثير تكويني على محاولاتي المستمرة ل"ممارسة الإثنوغرافيا في الوطن".

كان علي تعديل طرق البحث الخاصة بي إضافة إلى أساليب النشر المفضّلة لدي. وقد كان على الطرق السابقة أن تصبح مجزأة أكثر إلى حد ما، ولكن ليس أقل تماسكاً -كما أتمنى- (وبالتأكيد ليس أقل دقة أكاديمياً). أما بالنسبة للطرق الأخيرة، فقد حاولت الكتابة بلغة أقل تخصص، وأن أنشر عبر قنوات يمكن الوصول إليها على نطاق أوسع من مجرد المجلات الأكاديمية الرسمية.

م.أ:
ما هي أول تجاربك في "مصر الربيع العربي"؟

ل.ز:
جعلتني زيارتي الأولى إلى مصر في نيسان/أبريل 2011 متناغمة فوراً مع حالة الانهيار المدني الافتراضي. كانت الشرطة في وضع "عاطل عن العمل" بشكل واضح، غير مرئية في الشوارع، وفي كل مكان حولي كان هناك ملامح محسوسة وخفية وملموسة بشكل أقل من الفوضى العامة. كان الغياب المُفاجئ للأمن العام هو الانذار الأول لتشظي أو حتّى الانهيار التام للدولة، وكان هناك حديث عن مصريين عاديين يتسلحون في منازلهم بذخيرة حيّة خوفاً من العنف تجاه أُسرهم أو أملاكهم.

كما كان هناك إشاعات وقصص منتشرة حول عصابات تشبه المافيا تمتهن سرقة السيارات، وعندما يبلغ المالكون عن سرقة سياراتهم، تخبرهم الشرطة بعقد صفقات مع وسطاء وبلطجية من أجل استعادة سياراتهم. وقد قيل أن كميات كبيرة من الأموال انخرطت في هذه المقايضات بين مختلف الأطراف المشتركة في هذه المعاملات، بما فيها الشرطة. كان لأسرة أعرفها قريبة مُسنّة تعيش لوحدها، وقد وُجِدت مقتولة في غرفة معيشتها، مما قاد الأُسرة إلى استشارة العرّافين للتأكد من العثور على القاتل وتحقّق العدالة، بدلاً من التماس مساعدة الشرطة. كانت هذه الملامح المُقلقة للفوضى العامة جزءاً من الواقع اليومي لسياسة البقاء على قيد الحياة، مع تدهور الوضع الاقتصادي إلى ركود كلي تقريباً، مما ضخّم مشاكل كهذه إلى حد أكبر.

وفي ظل هذه البيئة المضطربة (المختلفة جداً عن الظروف المستقرة أساساً -وإن كانت هشة- في موقع عملي الميداني في المصنع في بورسعيد في 2004/2005) يبدو أن مفهوم ما يشكّل البحث الاثنوغرافي أخذ يبدو مشكوكاً فيه بشكل متزايد في عقلي.

م.أ:
إذاً ما هي مجالات "البحث" التي جذبت اهتمامك؟ وكيف كان ذلك مختلفاً عن البحث الذي أجريته سابقاً في مصر؟

ل.ز:
إن أول كلمة في هتاف محتجي التحرير "عيش، حرية وعدالة اجتماعية" تؤكّد كيف أن رؤيتهم الجديدة لمصر المتغيرة تضمّنت مجتمعاً أكثر إنصاف، ومعالجة موضوعية للفجوة بين الأغنياء والفقراء.

وبطبيعة الحال، ما من شيء جديد حقاً في صلاحية الحجة الاقتصادية الأساسية. من الناحية التحليلية، فإن الموضوع يتردد بالفعل في تحليل المفكر التونسي ال"صدّيقي" لدور دعم الخبز في موجات الإصلاح الاقتصادي التي تجتاح المنطقة تحت مسمّى ديمقراطية الخبز. وما زال المصريون يذكرون "انتفاضة الخبز" في عام 1977، خلال ما عُرف شعبياً بسياسة الانفتاح الاقتصادي للسادات، كما ما زالوا يذكرون "شهداء الخبز" في عام 2008، حين أسفر تهديد مبارك برفع الدعم عن الخبز عن مقتل محتجين، ودُفِعت الحكومة إلى تغيير السيناريو. وقد وفّرت قضايا اقتصاد ضروريات البقاء تركيزاً هاماً في بحثي الاثنوغرافي السابق عن طموحات ونضالات القوة العاملة المختلطة من الجنسين والمتعلمة والشابة في مصنع الملابس في بور سعيد، العالقين في سلسلة من سلاسل التوريد التنافسية بشكل مكثّف داخل الاقتصاد المعولم.

على أية حال، لم يكن مطلب التحرير الخبز ببساطة، بل "عيش" (كلمة مصرية عامية متعددة الجوانب تعني "الحياة"). وبالفعل فإن بقيّة هتافات التحرير تبيّن بوضوح الوحدة التي لا تنفصل بين قضايا "ضروريات البقاء" الأساسية والمتأججة منذ زمن بعيد من جهة وبين الحاجة إلى اندماج اجتماعي ومشاركة سياسية ومساواة وكرامة إنسانية من الجهة الأخرى. لذلك كانت الأسئلة حول المعاني الكثيرة ومتعددة الجوانب ترتبط مع كلمة "الثورة" -تمتد إلى مفاهيم الحاجة إلى إيجاد صوت للفرد، للحرية الفردية، أو للحرية الجنسية- والتي أصبحت محور اهتمام مهم في عملي.

ولكن في حين أن تجربة العمل الميداني لنيل الدكتوراه تطلّبت انغماساً كاملاً في بورسعيد (حيث بقيت لما يقارب ال 15 شهراً)، إلا أن موضوعاتي البحثية الأحدث على النقيض من ذلك، نمت من لقاءات شخصية في حيي خلال الهفوات في القانون والنظام الذي أعقب الانتفاضة.

كان أول لقاء في صباح يوم وصولي إلى القاهرة، عندما فتحت النافذة التي تطل على حديقتي لأجد بائعاً متجولاً غير متعلم من الفيوم (وهي الواحة الريفية التي تبعد 100 كم عن القاهرة) وقد أنشأ مقهى شارعي صاخب على الرصيف الخارجي، مستخدماً حديقتي كمكان تخزين، وساحباً الماء الذي يحتاجه للطبخ والتنظيف من صنبوري الخارجي (والذي أدفع فواتيره أنا بالطبع). في الوقت الذي ملأت فيه نقاشات سياسية رفيعة المستوى شاشات التلفاز وتضمنت قوى رجعية وثورية تتصادم في سباق للحلول مكان النظام القديم، مع حث المنخرطين في غمار السياسة الشخصية على التحقق من المؤهلات الدينية والسياسية للأحزاب السياسية المختلفة.
 
 
مقهى شعبي في القاهرة

وبكل حال، كانت السياسة الشعبية في الوقت ذاته منخرطة ( بنفس الحيوية) في خوض معارك حول موارد دنيوية، كما يوضَح البحث عبر " مقاولي الثورة" هؤلاء عن عن فرصة اقتصادية، وان كان في سياسة الأحياء الأكثر حميمية ولكن ليست أقل شراسة.

م.أ:
ما هي أساليب البحث التي اتّضح أنها قيّمة لعملك البحثي الإثنوغرافي؟ وما هي الموضوعات الأساسية التي برزت؟

ل.ز:
من هذه المشاركة الشخصية في تجارب ومشاق مصر جاءت خطواتي الأولى في تجميع "لقطات اثنوغرافية" قصيرة (كما اسميتها) لأي تطورات استحوذت على انتباهي، وحول أي أشخاص كانوا مستعدين للحديث. لعب (ومازال يلعب) الحدس جزءاً كبيراً في تقييم إذا ما كان لقاء، أو شيء قاله شخص ما، يمكن أن يكون بداية مسار تحقيق جديد. أصبحت ملاحظات العمل الميداني أداة تفريغية لالتقاط مقتطفات من الحياة في الحي الذي أقطنه، وفي الأماكن المختلفة التي سافرت إليها خلال رحلاتي المتعاقبة التي قمت بها إلى مصر، إذ أنني أبقيت بمثابرة وعلى أساس يومي تقريباً ملاحظات حول كيف كان التغيير يجري على المستوى الشعبي.

أستطيع أن أرى الآن كيف أن كل لقطة متعاقبة تعكس مرحلة معينة على خارطة طريق مصر ما بعد الثورة –من خلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تليها فترة الإخوان المسلمون القصيرة في الحكومة، ومن ثم العودة في نهاية المطاف إلى الحكومة العسكرية بكل شيء عدا الاسم في ظل الرئيس السيسي. تستند كل قطعة على الملاحظة والأسئلة والمزيد من الأسئلة وصور ومحادثات طويلة داخل الأحياء.

وقد ثبت أن هذا هو الإطار المثالي لتثليث البيانات* وتدقيق المراجع، خاصة حين تكون الأحياء أماكن عرفتها جيداً خلال الطفولة. إن التشابكات المعقدة في الشبكات الأفقية (كما صاغها جون تشالكرافت) تصبح إطاراً مفيداً لاستكشاف ما وصفه روجر هاردي ب "القصة وراء القصة".

على سبيل المثال، في قضية البائع المتجول صاحب المقهى الشارعي، كان لفحص هذه الشبكات أثر إبراز الرشاوي الضخمة التي كان عليه دفعها للشرطة المحلية والموظفين حين سعى لتأمين "حماية" لأعماله التجارية غير القانونية في الشارع –لكنها أتت بنتائج عكسية لاحقاً بوصفها فرص للابتزاز عندما انتقل إلى السوق المحلي وافتتح محل فلافل، وسبّب نجاح عمله غيرة شديدة بين تجار محليين أكثر استقرار، وحتى الأسر الغنية والبارزة اجتماعياً في المنطقة.

في قضية أحدث صادفتها مؤخراً والتي ستنشر لاحقاً في هذه السنة (تتضمن تصوير مسلسلات تلفزيونية تجارية في شقق خاصة مستأجرة)، وجدت أن مثل هذه الشبكات والتحالفات يمكن حتّى أن تتجاوز انقسامات طبقية متأصلة، وأن تتضمن شراكات قصيرة الأمد مُفاوض عليها كانت ستبقى بعيداً عن الأنظار في حالات أخرى.

كما وجدت أيضاً، بالنسبة لي كباحثة، أن منهج "دراسة الحالة" المعياري كان يفسح المجال لطرق أكثر طولية للعمل الميداني بينما تابعت تقدم البائع المتجول –والنكسات- خلال زيارات متعاقبة إلى القاهرة. وهذا مكّن من استكشاف الأنماط المُتغيّرة والضغوط الأعمق داخل قضايا ضروريات البقاء، وكيف تتداخل هذه الموضوعات مع جوانب استقطاب أخرى في الأحياء والأسواق المحلية. هذا يتضمن الانقسامات ريفي/حضري وفقير/موسر التي عُثِر عليها في تجربة الباعة المتجولون الذين نزلوا على أحياء الطبقة الوسطى في القاهرة، أو السِمات الجندرية الخفية للطبقة في الأنماط الجديدة لعمالة الإناث الناجمة عن البيئة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتغيرة. كما أدركت كيف يمكن أن تتقلوب هذه الطفرات المختلفة إلى فرص إما لطّفت أو عزّزت السلطة الاجتماعية والاقتصادية الفردية.

وأذكر على وجه التحديد كيف أصبحت مسألة التحرّك عبر المدينة محور تركيز بحثي استحواذي ملح تقريباً في عام 2013، عندما أثّرت المخاوف من أعمال الثأر(الاعمال الانتقامية) العنيفة من قبل جماعة الإخوان المسلمين المخلوعين على سبل معيشة عمال القطاع غير الرسمي المتنقّلين عبر المدينة، مما اضطّر العديد إلى القيام بترتيبات للتنقّل شديدة التعقيد والتكلفة. وكان من المثير للاهتمام كيف أن ذلك أدى أيضاً إلى تطورات كاشفة أخرى، مثل الاستخدام المنتشر للتوك توك في أحياء الطبقة العاملة  والتي –في البداية وسيلة مساعدة ذاتية أُنشِئت لحماية السكان من العنف داخل محلياتهم، ولكن أُعطِيت لاحقاً وضعاً شبه قانوني من قبل الحكومة للعمل عبر مناطق أخرى محددة داخل المدينة.

بهذه الطريقة تصبح الممارسة الدنيوية البسيطة المتمثلة في "الرحلة إلى العمل" محمّلة بتضمينات جندرية وطبقية، مظهرة كيف أن العملية الكاملة لقضايا ضروريات البقاء الأساسية ليست محايدة أبداً على المستوى الشعبي، وكيف أن نضالات حياتهم اليومية تضع الجوانب المتعددة لمعاني هتافات 25 يناير في سياقها.

م.أ:
كيف تصفين صعوباتك في إجراء البحوث –وهل هناك طرق للتغلب على هذه العقبات العراقيل؟ بشكل أكثر تحديد، أين تقفين من قضية "الرقابة الذاتية" الشائكة؟

ل.ز:
كانت إعادة الاستقرار منذ البداية شعار نظام السيسي، مع تشديده الكبير على إنقاذ مؤسسات الدولة من الانهيار، وعلى "حربه على الإرهاب" التي لا نهاية لها على ما يبدو.

ولكن من الواضح بالنسبة لي أن هذا الشكل من "الاستقرار بموجب مرسوم رئاسي"، الذي نفذته بالقوة مؤسسات الدولة المرنة، كان له أثر في قمع المشاركة. لقد عنى أن الفضاءات العامة للنقاش والتفكير الحر انكمشت بشكل كبير، وعرضت مشاكل عملية، وتطلبت منهجاً مختلفاً للبحث. إن المدة الزمنية اللازمة لجمع بيانات مُقنِعة هي أطول بكثير، واكتشفت مؤخراً أن اكتساب حِس التماسك الداخلي للأبعاد المتعددة لأي قصة يتطلب أكثر من رحلة واحدة. ويبدو أن العديد من المحاورين غير قادرين –أو غير راغبين، على الأقل في البداية- للتعبير عن أفكارهم بحرية، رغم أنني لا أعتقد أن ذلك نابع عن خوف من سلطة الدولة بقدر ما هو نابع عن غياب حقائق وبيانات مقبولة من الطرفين ويمكن الاعتماد عليها. ومع ذلك، حتى في ظل أضيق بارمترات الفضاءات العامة، فإن النقاشات التي قد تؤدي إلى قضايا تتعلق بالمساءلة والشفافية لا تحظى بشعبية كبيرة في نظر الجمهور.

وهناك صعوبات أخرى ترتبط دائماً بالأمن، مع الحاجة إلى وعي مستمر حول إذا ما كانت المواد المجموعة معرّضة لأن تعتبر "سريّة" أو "تخريبية" من قبل الأجهزة الأمنية المتيقّظة جداً، والتي تبحث دائماً عن "متعاونين مع أعداء الدولة".

وهذا يتجاوز بكثير القضايا الأخلاقية الأساسية مثل الحصول على موافقة المحاورين على المقابلات والاقتباسات. وهو يمتد إلى الأشكال التي يمكن فيها نشر نتائج الأبحاث في نهاية المطاف، كالانتظار إلى أن تتوقف القضية عن كونها حساسة أو "ساخنة" (حتى عند المخاطرة بظهور العمل على أنه قديم)؛ أو ترك اللكمة السياسية إلى آخر فقرات الورقة (بدلاً من أن تتصدر البداية، كما يبدو أن بعض المحررين يفضّلون)؛ أو تطهير المرئيات مثل إزالة الحطام والغرافيتي الثوري من صور الأماكن الحضرية "المُستقرّة"؛ أو تجنّب نشر أي شيئ في المناسبات الحرجة أو بالقرب منها.

وكل باحث يعمل في ظل هذه الظروف على مدى السنوات الست الماضية لا بد وأنه وضع كتيباً إرشادياً خاصاً به لمثل هذه التدابير الاحترازية. واعتقد أن تجمّعها للوصول إلى "الرقابة الذاتية" هو في نهاية الأمر قضية حكم فردي. ما يبدو لي غير قابل للجدل هو أن مثل هذه التكتيكات تتطلّب درجة متزايدة من القوة من جانب الباحثين بالنسبة إلى ماذا وكيف هم مستعدين للالتزام بالأثر، بُغية الحفاظ على نزاهة شخصية ومهنية في تقديم أوصاف صادقة حتى عن هذه الملامح لواقع ما بعد "الربيع العربي" وهي أكثر ما يمكن أن يُشهد ويُحلل ويُسجل تحدياً وإيلاماً.

هوامش المترجمة: تثليث البيانات: التثليت (Triangulation)ويطلق عليه أيضاً (Cross Examination): استخدام أكثر من أداة أو طريقة لجمع البيانات وتحليل نفس الظاهرة/الظواهر بهدف التحقق أو التأكد من صحة النتائج في الدراسة بالإضافة إلى أنها تساهم في تقليل التحيز (Bias) الذي قد تسببه طريقة أو أداة جمع البيانات. الغاية هنا رفع مستوى الثقة في النتائج من خلال جمع البيانات بأكثر من طريقة للنظر إذا ماكانت البيانات التي تم جمعها بأكثر من طريقة تؤدي لنفس النتائج و تعزز أو تؤيّد بعضها البعض أم لا.
 
للمزيد من المعلومات: educad.me

يسرى مرعي
مترجمة من سوريا، تترجم عن اللغتين الإنجليزية والروسية. تركز في ترجماتها على الدراسات التي ترصد علاقة الحداثة بالعمارة في الشرق الأوسط. إضافة إلى الاهتمام بالدراسات حول الإسلام اليومي والاستشراق.
ليلى زكي تشاكرفارتي - منى أباظة


ليلى زكي تشاكرفارتي:

باحثة زائرة في غولدسميث، جامعة لندن، ومؤلفة "صُنِع في مصر: الطموح والهوية الجنسانية في مصنع معولم" (Berghahn Books 2016). وكانت الدراسة واحدة من بين ثلاثة متأهلين نهائيين على راديو BBC4 لجائزة الاثنوغرافيا 2017 "Thinking Allowed Ethnography 2017 Award”. وقد قامت بالعمل الميداني الإثنوغرافي الذي تستند عليه هذه الدراسة من خلال العمل لمدة عام كعاملة في مصنع ملابس مصري. كما أنها معلّق منتظم على القضايا الثقافية والسياسية الحالية في مصر لصالح موقع OpenDemocracy، كما عملت كمستشار ومترجم لصالح شركات غعلامية تنتج أفلاماً وثائقية حول الشرق الأوسط المعاصر. وهي تستكشف حالياً سبلاً بحثية جديدة لقضايا الجندر والإقصاء في "أماكن العمل" في كرة القدم (سواء لألعالب المحترفين أو الهواة).

منى أباظة:
بروفيسورة في السسيولوجيا/ قسم السسيولوجيا بالجامعة الأميركية، القاهرة. تهتم بدراسة الشبكات الإسلامية العالمية وثقافة الاستهلاك في مصر. لها عدد من الكتب والدراسات مثل “جدل الإسلام والمعرفة في عالم متغير، مصر وماليزيا أنموذجاً "، " الصورة المتغيرة للمرأة الريفية في مصر".

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.