حوار حول "ما بعد الاسلاموية والدولة الحديثة في الشرق الأوسط"
تقديم:
أثار الإعلان الأخير لحركة النهضة التونسية حول فصل العمل السياسي للحركة عن الأنشطة الدعوية ، جدلاً واسعا داخل الأوساط الفكرية والسياسية العربية وحتى الغربية.
وقد تباينت الاراء حول هذا الموقف بين مشكك بهذه الخطوة بوصفها تعبر عن نوايا براغماتية من حركة النهضة لاعادة تموقعها سياسيا، من خلال الأخذ بموقعٍ دائم ومريح في الدولة بدل الاحتجاج عليها . وهو ما يعني أن الخطوة الأخيرة ليست سوى استبدال لثوب الحركة السابق بلونٍ فاقع يسر الناظرين الليبرالين والغربيين، كي ينال رضاهم. بينما يرى آخرون أن هذه الخطوة لا يمكن النظر اليها بوصفها حالة من "التكيف" مع إكراهات الواقع الذي تعيشه المنطقة، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر والاطاحة بحكم الاسلاميين ، والذي بلا شك أثار قلق الإسلاميين وغير الإسلاميين . بمقدار ما هو يعبر عن استمرار لحالة من المراجعات التي سبقت الربيع العربي بما يربو على ثلاثة عقود، ومن ثم فان اندلاع الثورات العربية ونجاح الحركات الاسلامية في الحصول على ثقة الناخبين في عملية ديمقراطية، دَفَعها بحكم ممارستها للحكم والاقتراب من الواقع الى الإعلان عن هذه المراجعات بشكل أكثر عملياتياً وتنظيمياً مقارنةً بالمراجعات السابقة على مستوى الخطاب. وبالتالي فاننا على أعتاب مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة "ما بعد الاسلاموية" وفق مفهوم السوسيولوجي الأميركي / الإيراني اصف بيات ، والتي من سماتها العامة تبني الحركات الاسلامية التقليدية لمفاهيم وأطر استراتيجية جديدة لبناء منعطف ونموذج متجاوز لرؤيتها التقليدية في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية.
واستمراراً لهذه النقاشات حول الحدث الإسلامي التونسي، والذي أثار عددا من التساؤلات ليس فقط حول مستقبل حركة النهضة، بل حول مستقبل السياسات الدينية في الشرق الأوسط في ظل التغيرات العميقة التي يشهدها، وبروز جمهور جديد على الساحة بنزعة ما بعد ايديولوجية وما بعد إسلاموية. نسعى في هذه الحوارية الى اعادة البحث من جديد في مستقبل مراجعات الاسلاميين على المستوى السياسي والتنظيمي، من خلال وجهتي نظر مختلفتين. الأولى هي للباحث والأستاذ المغربي في جامعة محمد الخامس د. عبد الاله اسطي، والذي يمكن القول أنه يعكس من خلال ورقته حالة البلد التي يعيشها فيها (المغرب) وذلك على الاستقرار السياسي مقارنة بالعديد من بلدان المنطقة، كما أن هذا البلد يعيش حالة من التوافق والانسجام بين حزب العدالة والتنمية (ذو الجذور الاسلامية) و"المخزن" (تعبير مغربي عن الأجهزة الادارية والسياسية المحيطة بالملكية والحاكمة للبلاد). حيث ينطلق د. أسطي في ورقته من مفهوم "ما بعد الاسلاموية" كوحدةٍ تحليلة للاشارة الى الاختلاف وجذور التغير الذي شهدته الحركات الاسلامية في المغرب العربي.
في المقابل، نعثر في وجهة النظر الأخرى للباحث السوري سحبان مشوح، على حالة من القلق والتوجس المشروع حيال أي قبول للحركات الاسلامية أو غيرها من القوى المؤيدة للثورات العربية، لشروط ومنطق الدولة الحداثوية العربية التي برأي مشوح "تدفع بقوة وعنف نحو إلغاء الجماعات الشمولية، أو تحويرها وقولبتها وتفتيتها إلى أذرع خدمية تصبّ في نهاية الأمر في صالح الدولة ودعم وجودها، بل إضفاء مزيد من الشرعية عليها". من هنا فإنه، وفقا لمشوح، يغدو طرح سؤال "هل من صالح الحركة الإسلامية تقوية الدولة" مشروعاً ومهما للغاية، وخاصة أن الإنقلاب العسكري في مصر لم يُطح فحسب بجماعة الإخوان المسلمين، بل بكل القوى الثورية التي قبلت في ظل ظروف وخيارات محدودة القبول بشروط اللعبة السياسية التقليدية التي تديرها أجهزة "الدولة العميقة". أو حتى على مستوى ما كشفته مؤخراً الأحداث الأخيرة في تركيا من محاولة بعض المجموعات العاملة المحسوبة تاريخيا على مؤسسات الدولة التركية الحديثة، إعادة الوضع في البلاد إلى حكم مجلس شبه عسكري كبديل عن حزب العدالة والتنمية الذي وصل للحكم بعملية ديمقراطية، ونجح في الاستمرار بإدارة المجال العام لعدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية.
وكي لا يبقى الحوار مجرد طرح كل باحث لوجهة نظره، دون فسح المجال للنقاش حول مقاربته. فإننا قد آثرنا في هذه الحلقة الاولى من الحوارات، والتي تأتي ضمن سلسلة من الحوارات ننوي في معهد العالم اثارتها، أن نقوم بنشر ورقتي كلا الباحثين، ومن ثم افساح المجال لكل باحث للتعقيب على رؤية الباحث الآخر ، وهو الأمر الذي يساهم برأينا في تقويم و فهم مقاربات الحوار بشكل أفضل.
محمد تركي الربيعو/ معهد العالم للدارسات.
ما بعد الإسلاموية: الإسلاميون في حالة تحول
باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري / جامعة محمد الخامس، المغرب. صدر له مؤخرا عن دار افريقيا الشرق بعنوان " ما بعد الإسلام السياسي في المغرب "
أضحى مفهوم "ما بعد الإسلاموية" في صلب النقاش الفكري والأكاديمي الإسلامي بشكل عام، نظراً لما يُحيل عليه من دلالات معرفية ونظرية تضع تجربة الحركات الإسلامية لما يربو عن ستين سنة في محك المساءلة المعرفية. فلا يمكن حصر تيارات الإسلام السياسي في مجموعة من النصوص التاريخية الجامدة، كما سيكون من الصعب تحجيم هذه التيارات في نصوصها التأسيسية الأولى التي أملتها ظرفية سياسية واجتماعية خاصة.
لهذا لا مرد لفهم تيارات الإسلام السياسي المعاصرة؛ إلا من خلال الحكم على ممارساتها السياسية ونظرتها لمؤسسات الدولة الحديثة، وللشعارات التي تؤثث برامجها السياسية والاقتصادية. فهل لا تزال هذه التيارات تحتفظ بنفس التصورات الدينية لشكل الدولة ومؤسساتها، كما تشكلت عليها أول مرة؟ أم نحن إزاء عملية تحول مورفلوجي (شكلي) في أشكال تعاطي هذه التيارات مع قضايا الديمقراطية؛ والحريات العامة، ومرجعيات البنيات القانونية للدولة؟
من المؤكد أن حركات الإسلام السياسي عُرفت منذ نشأتها كرد فعلٍ على انهيار دولة الخلافة العثمانية في بداية العشرينات من القرن الماضي، ضمت معتدلين ومتطرفين، وأنصار دعوة السلم والجانحين نحو العنف. لكن بالموازاة مع ذلك سوف تدخل الممارسة السياسية لهذه الحركات، العديد من التراجعات والمراجعات التي شكلت البنية التنظيرية والتنظيمية التي قامت عليها هذه الحركات أول مرة. وهو ما سيتجلى بشكل واضح وثابت إبان أواسط التسعينات إلى الفترة الحالية؛ خصوصا في تصور هذه الحركات لشرعية الدولة الوطنية، ولمسألة الحق والواجب. فانتقلنا من شعار "الإسلام هول الحل" و"الدولة الإسلامية هي الحل"، الذي يقوم على أساس أن إقامة أي شكل من أشكال الدولة، من المفروض أن يقوم على المرجعية الإسلامية؛ إلى الانغماس في شكل الدولة الوطنية بمؤسساتها المدنية المعاصرة. وهو تحول يمكن رصده لدى معظم تيارات الإسلام السياسي المعتدل من المغرب وتونس، مروراً بجماعة الإخوان المسلمين في شقها الإصلاحي، إلى حزب العدالة والتنمية التركي...إلخ.
وهنا تجدر الإشارة لمسألة القانون الوضعي، فهذه الحركات التي كانت تنادي بضرورة إنزال شرع الله، وإحلال حاكميته في ترتيب العلاقة بين المسلمين بالدولة الواحدة، أضحى شعارُها أكثر تمسكاً بالقانون الوضعي، بل الأكثر من ذلك؛ فهذه الحركات ظلت تبحث عن شرعية وجودها عبر القنوات القانونية التي أخرجتها مؤسسات مدنية لحيز الوجود.
أما فيما يتعلق بالمسألة الاقتصادية فالمتتبع للبرامج التي تسطرها هذه الحركات في حملاتها الانتخابية، سوف يلاحظ درجة النزوع نحو الليبرالية الاقتصادية القائمة على اقتصاد السوق والخصخصة ودعم المبادرة التجارية الحرة. وكلها توجهات تحيل في نهاية المطاف على أننا أمام حالة تحول لدى حركات الإسلام السياسي المعتدل، سواء على المستوى التنظيمي أو على المستوى التنظيري؛ فعلى المستوى التنظيمي: يلاحظ التوجه المدني في الحركية التي غلبت الجانب السري في بدايات ظهورها. ثم الجانب التربوي المحض القائم على التراتبية العمودية ما بين الشيخ والمريد، إلى تحول نحو تنظيمات مفتوحة بمقرات معلومة ومرخص لها قانونيا.
أما فيما يخص الجانب التنظيري: فقد يلاحظ المتتبع لأدبيات هذه التيارات الاجتهادات الفكرية والفقهية لدى منظريها، فيما يتعلق بالتمييز ما بين العمل الدعوي والعمل السياسي، فحين نكون إزاء العمل السياسي فهناك منطق يحكم الممارسة والفعل السياسي، وحين نكون إزاء العمل الدعوي فهناك مرجعيات وأدبيات، لا شأن للسياسة بها غير البعد الأخلاقي والتوعوي.
الجدير ذكره هنا، أن هذه الحالة الإسلامية الجديدة قد شهدت تفسيرات عديدة، رغم أنها جميعها انطلقت من مقولة واحدة، وهي مقولة "ما بعد الإسلاموية" التي وضعها الباحث الفرنسي "أولفييه روا" محل اختبار لما يزيد عن عشرين سنة، كتعبير عن حالة انتكاسة لمشروع الدولة الإسلامية، وتفوق منطق السياسية على منطق الدعوى لدى الحركات الإسلامية. فقد فشلت هذه الحركات في إقامة الدولة الإسلامية سواء لدى ممارستها للسلطة السياسية كما في الحالة الإيرانية، أو جراء المضايقات والقمع الذي تعرضت له كما في الحالة المصرية. وهو ما اعتبر في نظر "روا" تآكلاً للمشروع السياسي الذي قامت عليه هذه الحركات، وفاتحةً للانفصال التدريجي ما بين الشعارات السياسية لهذه الحركات وخطابها الديني. كان توجه "أولفييه روا" في بسطه لهذه الأطروحة يقوم على الانطلاق من سؤال مركزي: هل يقدم الإسلام السياسي خيارا بديلا للمجتمعات الإسلامية؟ الجواب جاء في نظر "روا" بالإخفاق، فهذه الحركات لم تستطع بناء الدولة الإسلامية التي اعتبرت السند الفعلي في التعبئة لمشروعها السياسي. وذلك لاعتبارين اثنين،
أولاً: الإخفاق الفكري للمشروع السياسي لهذه الحركات، فتشبثها بالقيم الأصيلة للمجتمع الإسلامي بدون مسايرة التطورات المجتمعية المعاصرة، أفقدها أحد أهم محركاتها الأساسية في التعبئة.
ثانياً: الإخفاق التاريخي، حيث لم تستطع الحركات الإسلامية التي وصلت للحكم، لا في إيران أو أفغانستان من تأسيس مجتمعات جديدة بقيم إسلامية، فبخلاف الخطاب الأخلاقي السائد تخضع ميكانزمات العمل السياسي والاقتصادي لهذه الحركات في جزءٍ كبير منها للعلمنة. بيد أن دلالات الإخفاق هاته في نظر "روا" لا تعني انحسار انتشار الإسلام السياسي، بقدر ما تعني نكوص أطروحة الإسلام كإيديولوجية سياسية واقتصادية، القادرة على حل كافة المشاكل المجتمعية التي يطرحها الواقع المعاصر.
من أرضية هذه الاستنتاجات سوف ينتقل "جيل كبيل" لتدعيم عملية التحول الذي عرفته الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي برمته، من خلال عمله الموسوم، ب"الجهاد: توسع وتراجع الإسلاموية" Jihad : Expansion et declin de l’islamisme فبالنسبة لكبيل؛ وجد الإسلاميون من إندونيسيا إلى الجزائر، بعد مأزق مشروع إقامة الدولة الإسلامية، أنفسهم بحكم طغيان ميزان الممارسة السياسية، إزاء خطاب يتبنى مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان انسجاماً مع مسألة العدالة الاجتماعية. إذ وصل الحد بقادة بعض هذه الحركات الإسلامية إلى التبرؤ من أفكارهم المتطرفة سابقا، والعمل على تلميع صورتهم ومواقفهم تجاه القضايا المجتمعية، بما يتماشى في كثير من الأحيان مع الفلسفة التنويرية التي تعتبر الحضارة الغربية منبتها الأصلي. وهو ما يعني بشكلٍ مباشر أنه ليس هناك عملية لاندثار الفاعل الحركي الإسلامي، ولكن هناك سيرورة من التحولات الفكرية والتنظيمية لدى هذه الحركات، تأثراً بتجربتها التاريخية في غمار السياسية كحركات معارضة تحمل خطاباً يستعلي على المجتمع والدولة. قبل أن تقع في حالة من الانتكاسة، جراء طوبوية شعاراتها التي اصطدمت بحقيقته في أول تجربة حكم سياسي عرفته مع الحالة الإيرانية والسودانية.
وقد انصب اهتمام "جيل كبيل" في هذه الدراسة على محاولة رصد وتتبع المسار الذي اتخذه انتشار الإسلام السياسي الجهادي في العالم الإسلامي، خلال الربع الأخير من القرن المنصرم ومجالات تطورها وتراجعها على المستوى الأفكار السياسية المؤطرة لها من جهة، وعلى مستوى الممارسة السياسية التي تعبر عنها من جهة ثانية، ثم في علاقة هذه الحركات بمحيطها الداخلي والخارجي. ويرى الباحث أنه رغم الزخم الذي ارتبط بهذه الحركات في حقبة الثمانينات كإيديولوجية تضم فئات اجتماعية مختلفة متكتلة حول مشترك الإسلام السياسي، فإن الأحداث والهجمات التي عرفتها سنوات التسعينات بدأت تنبئ بحالة التفكك التي تعرفها هذه التنظيمات. وبسبب ضغوطات الأنظمة القمعية والتوجس الدولي من هذه الحركات، سوف تظهر اتجاهات فقهية من داخل هذه المرجعيات المتطرفة، قصد إحداث مراجعات مع اختياراتها المتطرفة والقطع مع سنوات العمل السياسي المسلح، عبر إفراز اجتهادات توفيقية بين قيم الإسلام وروح الديمقراطية.
وقد شكلت أبحاث الباحث الأمريكي ذي الأصول الإيرانية "آصف بيات" أحد المحاور التي اعتمدت التجربة الإيرانية كتعبير عن رؤية سوسيولوجية بديلة لمفهوم "ما بعد الإسلاموية"، ففي عمله الموسوم بـ"جعل الإسلام ديمقراطياً: الحركات الاجتماعية و التحول ما بعد الأسلمة" Making islam democratic social movements and the post-islamist turn الصادر سنة 2007،
يُعيد "بيات" قراءة واقع الحركة الإسلامية في مرحلة ما بعد الخمينية بإيران، وتأثير ذلك على باقي تجارب الحركات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي. فبدأ بالنظر لمدى تأثير الخطاب الإسلامي لهذه الحركات على المستوى السياسي والاجتماعي، ثم الفكري داخل المجتمع والدولة. ليخلص في نهاية المطاف أن هذه الحركات تتجه نحو "محاولة لدمج التدين بالحقوق، الإيمان بالحريات، الإسلام والحرية. إنها محاولة لتحويل وقلب المبادئ الأساسية للإسلام رأساً على عقب بواسطة التأكيد على الحقوق بدلاً من الواجبات، وعلى التعددية بدل الصوت الأحادي السلطوي، وعلى التاريخية بدلاً من الكتاب المقدس الثابت، وعلى المستقبل بدلاً من الماضي". فما بعد الإسلاموية بذلك عند "بيات" تُحيل على دلالتين اثنتين، فهي أولاً تُعبر عن "حالةٍ" وليدة لأزمة مرت وتمر بها ظاهرة الإسلاموية، مشرِعة المجال للأسئلة والشكوك والمراجعات حول هذه التجربة "المرهقة". وثانياً عن "مشروع" بديل ومحاولات واعية لتخطي الخطاب الإسلامي التقليدي "الإسلاموي" في المجالات الفكرية والسياسية والاجتماعية (1). ولا يقصد "آصف بيات" بما بعد الإسلاموية مثل ما اتجه لذلك "أوليفيه روا"، نهاية انتشار وتطور الحركات الإسلامية، بل هو يؤكد على درجة التطور الذي لحق الخطاب السياسي لهذه الحركات في تعاملها مع الواقع السياسي السائد. فالتحولات المجتمعية والسياسية الذي تعرفها الدولة الوطنية المعاصرة، أضحت تفرض على هذه الحركات أن تواكبها بتجديد نفسها، وإلا سقطت في الجمود الفكري والسكون السياسي في ظل التغيرات الحاصلة، مما قد يؤدي بها إلى السقوط في التناقض مع ما تطمح إليه ومع ما يقدمه مشروعها السياسي.
تحيل التوجهات السابقة حول أطروحة "ما بعد الإسلاموية" على ثلاث مستويات من التحليل: المستوى الأول يقارب تحولات حركات الإسلام السياسي من زاوية "طوبوية" المشروع السياسي الذي تحمله، فكان للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية أثرٌ بليغ في تحول هذه الحركات من التكلم باسم الدين والشريعة، إلى الانغماس في واقعية الخطاب السياسي. المستوى الثاني: يقارب الأطروحة من زاوية تحول التفكير السياسي عند الإسلاميين المتشددين بفعل حالة التفكك الإيديولوجي الحاصل في بنياتها التنظيمية، والانتقال من تعبئة قائمة على تصريف العنف كوسيلة لتحقيق مشروعها السياسي إلى التصالح مع روح الديمقراطية واعتماد الاعتدال كوسيلة للتدافع السياسي. المستوى الثالث: تناول أطروحة "ما بعد الإسلاموية" من مقترب الأثر الذي تتركه الممارسة السياسية اليومية على الحركات الإسلامية داخل الحقل السياسي، حيث يكلفها ذلك إعادة تكوين خطابها المتعالي عن الواقع، وتبسيط نظرتها للفعل السياسي القائمة على النسبية بدل الحقيقة الدينية المطلقة.
إذا كان الطرح الذي قدمه "آصف بيات" بخصوص تحولات الحركات الإسلامية؛ قد اتخذ مذهباً مغايراً عما اعتمده "أولفييه روا" و"جيل كبيل"، فإن ذلك يمكن إيعازه إلى المقاربة الأبستيمية التي اعتمدها "بيات" في تعريف مشروع "الما بعد إسلاموية". إذ أنه إذا كانت الإسلاموية "تستخدم للإشارة إلى الأفكار والحركات التي تسعى من أجل إقامة "نظام إسلامي" يتمثل في دولة دينية، وإقامة حكم الشريعة، وفرض القوانين الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية. فإن الما بعد إسلاموية لا تحيل على أفول المشروع الإسلامي أو إحداث قطائع فكرية ومذهبية مع مشروع الحركات الإسلامية، كما قدمها "أولفييه روا" و"جيل كبيل"، وإنما هي تعبيرُ عن تحول في الدينامية التصورية لهذه الحركات سواء في نظرتها لمسألة الدولة، ومسألة الأسلمة، أو في نظرتها للتعددية السياسية والمسألة الحقوقية للأفراد داخل المجتمع. إنها تُحيل ببساطة على الانخراط الفعلي لهذه الحركات من موقعها الإيديولوجي في العمل من خلال الدولة الوطنية، وتبني الآليات الديمقراطية في المنافسة للوصول إلى الحكم، وفق القواعد الدستورية المسطرة داخل الدولة.
وقد شكلت هبَات الحراك الثوري العربي فرصة لتثبيت عناصر هذه الأطروحة، سواء في التجربة المصرية مع "الإخوان المسلمين" أو التجربة التونسية مع "حركة النهضة"، أو مع التجربة المغربية مع "حزب العدالة والتنمية". هذا بالإضافة إلى النموذج الاسترشادي الذي قدمته بشكلٍ سابق التجربة التركية مع "رجب طيب أردوغان" من خلال مسيرة "حزب العدالة والتنمية" التركي. بالرغم من تعدد المسارات التي اتخذتها كل تجربةٍ على حدة، إلا أن القاسم المشترك بينها يبقى في درجة التحول في الفكر والممارسة السياسية لدى هذه الحركات الإسلامية. فإذا كانت الما بعد الإسلاموية التركية شكلت استجابة للتكيف مع بنية العلمانية للدولة ومظاهر الحرية الفردية المضمونة بقوة الحق والقانون. كما الحركة الإسلامية المغربية والتونسية التي اجتهدت للتماهي مع توجهات الدولة الوطنية القائمة، عبر التعبير بالفكر والممارسة أنها تشكل جزءاً من الخريطة السياسية المتنافسة على احتلال مراتب متقدمة في اللعبة السياسية القائمة، وفق ما هو مخطط ومرسوم لها سلفاً من قبل السلطة السياسية للدولة فإن مسار "حركة الإخوان المسلمين" بمصر عرف بعض التأرجح في تعبيرها عن تحولاتها البنيوية، سواء في تصوراتها نحو الدولة الوطنية أو للمجتمع القائم في حد ذاته.
فقد دفعتهم الأحداث السياسية وحقائق أوضاعهم الجيوسياسية لتغيير خطابهم وفق "آصف بيات"، دون الشروع في إعادة تقييم منظمة للأيديولوجيا السياسية. إذ لا زال الحرس القديم في الجماعة مستمراً في حديثه عن "الأسلمة"، فيما تميل بعض الفئات الشابة الى اتخاذ رؤية ما بعد إسلاموية. لكن رغم اختلاف مسارات الما بعد إسلاموية من بلد لآخر إلا أن هذه الحركات الإسلامية تبقى في جلها على العموم متفقة حول ثلاث ركائز أساسية متمثلة في: الواقعية السياسية، والاعتدال في الطرح السياسي، ثم الخيار الديمقراطي كقاعدة للدولة الحديثة.
وعليه إذا كانت من خلاصة واجبة مما سبق، وهي أن قراءة واقع التحولات الفكرية والسياسية والتنظيمية لدى الحركات الإسلامية المعاصرة، على ضوء مفهوم "ما بعد الإسلاموية"، يحيل مباشرة على تغير المشروع السياسي الذي على ضوئه بلورت هذه الحركات مبنى ومعنى وجودها. وذلك بالتحول من مشروع استعادة دولة الخلافة وإقامة الشريعة وفق منظور تاريخي، إلى مشروع قائم على مبادئ الدولة الوطنية بمؤسساتها الحديثة وقوانينها الوضعية، مع إقرار التعددية المجتمعية والمذهبية، بل والدخول في تحالفات سياسية تحكمها المصلحة الظرفية كما وقع في حالة "حركة النهضة التونسية" لما تكتلت مع قوى علمانية، حول حكومة انتقالية. ثم تحالف "حزب العدالة والتنمية" المغربي مع أحد الأحزاب اليسارية المحسوبة في بداية تأسيسه على التيار الشوعي، داخل ائتلاف حكومي أملته المصلحة السياسية للبلاد. وهي عمليةُ تحول تدفع في اتجاه تبني قواعد ومفاهيم الديمقراطية. هل هذا هو المشروع الذي قامت عليه الحركات الإسلامية في بدايتها التأسيسية؟ الجواب بكل تأكيد بالنفي، وهو ما يبرر طرح فرضية التحول والمراجعات التي عرفتها هذه الحركات. وهو ما يؤدي أيضا إلى طرح مسألة أخرى تتعلق بضرورة دمج هذه الحركات في عملية التطور الديمقراطي، إذا أن أي جهد في اتجاه إحلال الديمقراطية بنفي أو بإقصاء هذه الحركات المعبرة عن سلميتها واعتداليتها، هو خروجٌ عن المسار السليم لترسيم أي شكل من قواعد الديمقراطية الحقيقية.
"الانعطافة الكليّة نحو الدولة".. ليس خيار الحركة الإسلامية الأمثل..!
سحبان فاروق مشوح
باحث سوري ، ماجستير في التفسير وعلوم القران من جامعة كوالامبور ماليزيا، رئيس تحرير سابق لوكالة مسار برس، يشرف حاليا على ادارة وحدة مضامين الخطاب الاعلامي في شبكة مسار الإعلامية، اسطنبول.
فتحت حركة النهضة التونسية بقيادة زعيمها الشيخ راشد الغنوشي؛ باتخاذها خطوة جريئة لفكّ الاشتباك بين الدعويّ والسياسيّ، والاتجاه نحو التخصص الوظيفيّ كما أسمَوه؛ باباً واسعاً ومثيراً للجدل أمام كثير من المتابعين؛ إسلاميين وغير إسلاميين؛ لإدلاء كلٍّ برأيه في مسألة لم تستقرّ على رأي واحد بعد، وليست في طريقها إلى الاستقرار ضمن حالة السيولة التي يعيشها الراهن الإسلاميّ اليوم.
في واقع الأمر؛ هناك شِقّ من هذا الإجراء يغيب عند الحديث عن خطوة النهضة، وهو المتعلق "بالانخراط في الخصوصيات الوطنية بصورة كاملة"، ما يعني بتعبير آخر؛ قطعَ الصلة؛ لا التنظيمية فحسب؛ بل بقية الوشائج التي تربطها بعموم الحركات الإسلامية، ما يعني كذلك؛ انكفاءً نهضوياً يقتصر في علائقه مع الآخر "الإسلاميّ" على ما كان عبر بوابة الدولة وتحت مظلتها.
فصل أو تمييز السياسيّ عن الدعويّ أو الدينيّ في التنظيمات الحزبية الإسلاميّة الشموليّة؛ هو محلّ نزاع قديم بين الدولة العربية الحديثة وبين الإسلاميين، وهو مما دفعت وتدفع إليه هذه الدولة بعامة، والأمنيّة في الشرق الأوسط بخاصة؛ حيث ترفض هذه الأخيرة أن تشاركها مؤسسة أو مجموعة من الأفراد؛ أيَّ دور من الأدوار السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها من المناشط الإنسانية بالعموم، فالدولة تحتكر جميع صور العمل الإنساني، وتنتزع الصلاحيات مُلغيةً دور الجماعات الوسيطة التي ينبغي أن تقوم بالمهام المختلفة بين الدولة والمجتمع أو النظام السياسي وعموم الناس، كما كان فيما مضى من أشكال النظم السياسية القديمة.
كذلك؛ فإن الدولة الحديثة بطبيعتها ترفض العمل من خارجها، وتدفع بالأطراف الفاعلة على كافة الصعد إلى العمل في دوائرها الداخلية، وتحت مظلتها الشمولية. وبالشمولية التنظيمية التي انتهجتها الحركات الإسلامية تبعاً لفهمها للتصوّر الإسلامي؛ فإن المنافسة قطعًاً ستحتدم بين الطرفين، منتجةً حالة من الصراع الذي أخذ أشكالًا مختلفة منذ غياب الخلافة مطلع القرن الماضي وحتى اليوم.
إذًا؛ فالدولة تدفع بقوة وعنف نحو إلغاء الجماعات الشمولية، أو تحويرها وقولبتها وتفتيتها إلى أذرع خدمية تصبّ في نهاية الأمر في صالح الدولة ودعم وجودها، بل إضفاء مزيد من الشرعية عليها؛ كما كان الشأن في انتفاع الدولة المصرية إبّان حكم الرئيس السابق حسني مبارك من الخدمات الاجتماعية التي كانت جماعة الإخوان المسلمين تقدمها لشرائح متنوعة من المجتمع المصري، حيث فُسرت هذه الخدمات على أنها الترياق الذي يحول بين الناس وبين حافة الهاوية التي تدفعهم إلى الثورة على نظامهم العاجز عن أداء الحد الأدنى مما يتوجب عليه تجاه مواطنيه، ضمن العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.
وقد برعت الدولة العربية بوصفها حديثةً من جهة، وأمنيةً من جهة أخرى؛ (يأتي هذا التفريق بين السمتين على الرغم من أن الدولة الحديثة أمنيّةٌ بالضرورة، غير أن الدولة العربية استخدمت الأمن في سياق أفسد منتج الحداثة الأمني الناعم)؛ في دفع الحركات الإسلامية إلى الزوايا التي تراعي مصلحتها في نشر سطوتها؛ كلُّ توجُّهٍ منها أو تخصص بحسب استعداده، وكلُّ ذلك من أجل تعزيز سلطتها على مختلف شرائح المجتمع.
وقد استجابت الحركة الإسلامية "عمليًّا" لهذه الضغوط بوعيٍ أو دون وعي، وإن ظلت تحمل عبء الشمولية شعاراً من غير تطبيق فاعل، كما أضعفت بمعونة من الدولة أذرعَها الوظيفية، بل جعلت ما كان منها قويًّا في خدمة الدولة؛ حتى صارت دريئةً بينها وبين المجتمع، تَحملُ أوزار الأولى وتحتمل سخط الثاني!
فإذا كان أمر التخصص الوظيفي الذي تتجه الحركة الإسلامية إليه بجهدٍ حثيث؛ يصبّ في مصلحة الدولة ويقوّي من سلطانها على الناس، وينشر مزيداً من السطوة لها على زوايا مظلمة لم تكن يد الدولة لتصل إليها إلا بمعونة الجماعات الوسيطة التي تشكل الحركات الإسلامية عمودَها؛ إذا كان هذا الأمر كذلك؛ فإن السؤال المشروع: هل من صالح الحركة الإسلامية تقوية الدولة، عبر الفصل أو التمييز ما بين "أبعاد المشروع الإسلامي"، أو من خلال التخصص الوظيفي الذي يسهّل على الدولة ابتلاع هذه الأذرع الشتيتة؟
وهل تحقق النُقلة "من جماعة إلى حركة تقود الدولة وتؤسس فكر الدولة" كما جاء في كلام الغنوشي؛ الفاعليةَ المنهية للصراع معها؟ وهل كل أنواع الصراع بين الدولة والمجتمع سلبية وتنتهي بانتصار الأولى على إرادة الناس؟
للإجابة عن هذه التساؤلات (ولا أدعي أني أملك الإجابة الشافية) لا بد من التعريج ولو بصورة عجلى على مفهوم الدولة وما تمثله هذه الدولة، وعلى العلاقة بينها وبين المجتمع، والأطوار التي مرت بها هذا العلاقة المتشابكة، ولأن غرض المقال إلقاء الضوء على فاعلية خطوة الفصل بين السياسي والدعوي، فإني سأكتفي بالإلماع والإيماء الخاطف.
الدولة بوصفها كيانًا قانونيًّا مؤلفًا من المؤسسات والأفراد؛ فإنها تمثل شبكة بيروقراطية معقدةً من المصالح الداخلية أولاً؛ عبر تمثيلها لنخب مجتمعية معينة، وطبقات من رجال المال والأعمال، يدخل فيها جميع أشكال التراتبيات الإدارية المتعلقة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بمنظومة الهيمنة والسيادة، وتمثيلها أيضاً "للمجموعات التي تميل الدولة إلى محاباتها، وكذلك أنواع النماذج الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية التي تميل أفعال الدولة إلى إحداثها أو إعادة إنتاجها في المجتمع". وشبكة أخرى من المصالح الخارجية ثانياً؛ عبر الانسجام مع المنظومة الدولية المهيمنة، والوفاء بالتعهدات التي يفرضها مجموع العلاقات المختلفة مع الدول والكيانات والأحلاف وغيرها، وما بين الشبكتين من علائق متشابكة ومعقدة ثالثاً.
هذا الصورة المعقدة من العلائق المختلفة التي تضطر الدولة إلى تمثيلها والوفاء بما تقتضيه؛ تنفي نفياً قاطعًا حياديّة الدولة، وتؤكد انحيازها التام لمصالح الشبكتين المذكورتين، وانشغالها الكامل بالتوفيق بينهما، ما يجعل من وصفها بأنها "آلية لتنظيم الشؤون الاجتماعية المشتركة، أو أنها التعبير عن نجاح المجتمع في الوصول إلى توافقات وبناء مؤسسات تعكس تجاوز تجربة العنف، وتضمن استمرار السلام، ومن ثم الاستقرار والتعايش المديد بين السكان"، يجعل من هذا الوصف؛ يوتوبيا حالمة لا حقيقة لها على أرض الواقع. كذلك فإن هذه الصورة الموصوفة آنفاً؛ تخلق من الدولة كياناً غير وفيٍّ لاختيارات الناس، مُلغيةً دورهم في حكم بلادهم أو التأثير الفاعل في سياساتها، ومؤثرةً بصورة يقينية في صلب العقد الاجتماعي بينها وبينهم؛ لتتحول لاحقاً وبعيداً عن بوادر النشأة الأولى لها؛ إلى مؤسسةٍ مستبدة تُعنى أولَ ما تُعنى بتوفير مصالح هذه التوليفة المكونة من الأفراد والمؤسسات، وضمان استمرار تدفق المصالح إليها دون انقطاع، في حالة تشبه الآلة التي تُشكّل جميع مسسنناتها؛ وباختلاف صورها وأحجامها؛ على الهيئة التي تخدم الهدف المقصود والمنتج المطلوب.
فهذا يجعل من دخول أطراف غريبة عن الدولة إلى صلبها عسيراً، ويجعل من تمايز هذه الأطراف؛ في حال نجاحها في التماهي مع الدولة؛ عن بقية المكونات أمراً مستحيلاً أو شبيهاً بالمستحيل.
فإذا علمنا هذا، وكنا قد علمنا أن ثقل الإسلاميين ونشاطهم يجب ألا يغيب عن المجتمع والناس؛ تبعاً لما ينشئه التصوّر الإسلامي من مفاهيم وقواعد وتشريعات في عقول المسلمين؛ فإنه لا محالة أن يكون مآل الإسلاميين هو التلاشي والذوبان واللافاعلية إن هم انحازوا بكليتهم إلى الدولة الحديثة التي تخلق تلك السدود والحدود بينها وبين المجتمع؛ مخلفين وراءهم الناس والبيئة التي شكلت لهم عبر عقود؛ الظهير والرافعة؛ الأمر الذي يجعل من توجههم الحثيث نحو الدولة محفوفاً بأخطار الإلغاء والاختزال.
انقلب الإسلاميون في السودان على الرئيس المنتخب، وتسلموا أزِمّة الحكم عام 1989 وإلى اليوم، وظاهرتهم حينذاك شرائح مجتمعية واسعة، عملت الحركة على إعدادها وتنشئتها عقوداً طويلة لتكون الرافعة والظهير، وتمكنوا من بسط الهيمنة على السودان كاملاً؛ ثم دبّ الخلاف بين الشركاء، وآل الأمر اليوم إلى تفكك اجتماعي، وخلاف سياسي حادّ، وفقدان نحو ثلث البلاد، وما زالت أجزاء أخرى تقع تحت تهديد الاقتطاع والتقسيم، ولم تصل التنمية في السودان إلى الحد الأدنى الذي رسمته الخطة الطموح، إضافة إلى فقدان السيادة على القرار السوداني، إلى درجة العجز عن التعبير بمساندة ثورة هنا أو مظلوم هناك. كل هذا والحكم الإسلامي يبسط نفوذه على جميع مفاصل الدولة أو أغلبها. حيث إن الآلة/الدولة تمكنت من تدجين المكونات الدخيلة لتقع أسيرة لرغبات الشبكتين اللتين تمثلهما، ما بين مصالح داخلية والتزامات خارجية.
أما محاولات اقتحام الدولة عبر صناديق الاقتراع؛ فقد شهدنا نتائجها في كل من الجزائر ومصر، إضافة إلى المحاولات الجزئية عبر المشاركة الفاعلة في البرلمانات، التي شهدتها الأردن والكويت وعدد من الدول التي تحكمها أنظمة شبه سلطوية.
من هذين المنطلقَيْن؛ الفهم النظري للدولة، والتجرية التاريخية القريبة؛ وبالرغم من الخيبات التي مُنيت بها الحركة الإسلامية خلال العقود الماضية؛ فإننا نجد أن الانعطافة الكاملة نحو الدولة لن تكون الحل الذي ينتشل الحركة من رَدَغة الفشل الملازم، وحمأة التلاشي المتسارع؛ ما يضطرنا إلى التفكير بعيداً عن موقع الإسلاميين بين ثنائية الدولة/ ضد الدولة، في إعادة للنظر بتموقعهم في المجتمع من خلال صناعة تيارٍ إسلامي "يحمل الفكرة ويتجاوز التنظيم والحزب في آن معًا؛ في تحوّل صريح من التنظيم إلى المنظومة، ومن الحزب إلى التيار، ومن المجموعة إلى الأمة".
تدفع هذه الخطوة الجريئة إلى تعديل كفة الصراع بين المختلفين؛ لتصير بين فئتين متكافئتين نوعاً ما؛ المجتمع متضمناً التيار الإسلامي من جهة، والدولة من جهة أخرى؛ عوضاً عن أن تكون بين ثلاث فئات غير متكافئة؛ المجتمع والحركة الإسلامية والدولة. ولعل من نتائج هذه التوسعة المتوخاة في مفهوم "الإسلامية"، إضافةً إلى التحوير في تركبية المتصارعين، ونتيجة للتدافع المحتوم، والتنازع المستمر بين الأخصام؛ فإنّ حياةً جديدة ستدِبُّ في أوصال الشعوب المسلمة، في فهمٍ لا يتجاوز الواقع إلى المثالية في علاقة المجتمع بالدولة التي لم تبلغ نهايةَ توحشها، وليس في طبيعتها التبرؤ من أخصّ خصائصها اللصيقة بها وهو العنف، ولا ينحو بها كذلك إلى صراعٍ أشبه ما يكون بحربٍ أهلية مستعرة بين الطرفين!
وما يزيد في فرصة توسيع التيار وتقويته، وضمّه مكوناتٍ إسلاميةً مختلفة، تعمل على جمع شتات المجتمع من مختلف التوجهات، وزيادة تمثيليته، وتوزيع الأعباء عليه، بوصفه المخاطَب بالتشريع الإسلامي، والمسؤولَ في مقابل الدولة، والندّ لها لانتزاع الصلاحيات منها؛ ما يزيد في ذلك كله؛ هو ألا يستجيب الإسلاميون إلى ما تدفعهم إليه الدولة من قطع الصلات مع شعوب المنطقة، وتكريس المحلّية التي تحرم التيار الإسلامي العريض من طاقات هو بأمسِّ الحاجة إليها، وعليه أن يعمَد إلى إيجاد "صيغة اتحادية" لا تتجاوز الواقع ولا تقفز عليه، مستغلًا حالة السيولة الراهنة التي آلت إليها المنطقة عقب الثورات العربية.
كل هذه الخطوات الواجب عملها من قبل الإسلاميين هي المرحلة الأولى في صياغة علاقة سويّة بين المجتمع والدولة، تفضي شيئًا فشيئًا إلى تغييرٍ حقيقي في جوهر الأخيرة، إعدادًا لمرحلة قادمة أشدّ وأعسر؛ تعالج علاقة الدولة بالمنظومة الدولية، لتغيير موازين القوى أو التأثير عليها في الحد الأدنى؛ بما يجلب المصالح ويوقف عجلة الارتكاس في حمأة التبعية واستنزاف الموارد.
تعقيب عبد الإله اسطي على ورقة سحبان مشوح
الدعوة شيء والدولة شيء آخر
إن مسألة الفصل بين العمل الدعوي والممارسة السياسية، أضحت من الأولويات التي تلتزم بها بعض تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، أسوة ببعض النماذج السباقة لهذا الفصل بكل من تركيا وإندونيسيا. وبالرغم مما تثيره من إشكاليات في المنهج الحركي الذي قامت عليه هذه التيارات في بداياتها التأسيسية، إلا أن منطق الحركة السياسية يقتضي التكيف والانضباط لتحولات الحياة السياسية المعاصرة. فإذا كان الرأسمال الرمزي الذي استكانت إليه هذه التيارات من أجل توسيع قاعدتها الجماهيرية، قام في السابق على منطقٍ دعوي يتخذ من الهوية الإسلامية ومرجعيتها العقائدية شعاراً لوحدة صفها، وفكراً لتعبئة أتباعها، فإن منطق السياسة الذي يقوم على تجدد قواعد الممارسة وأشكال التعاطي مع الخصوم السياسيين، يفرض نفسه فرضاً من أجل الاستمرار كفاعلٍ مشارك في اللعبة السياسية، أن تقوم هذه الحركات بمراجعات وتجديد للفكر المتحكم في هذه الممارسة، حتى تتمكن من إعادة التموقع السياسي داخل الخريطة السياسية، بالشكل الذي لا يسمح بإقصائها أو تهميشها خارج اللعبة برمتها كما حدث لبعض تيارات الإسلام السياسي داخل المنطقة العربية.
المراد من هذا الاستهلال التفاعل مع ما خلص إليه الأستاذ "سحبان فاروق مشوح" في مقالته السابقة بكون التخصص السياسي لحركات الإسلام السياسي وترك الشأن الدعوي للحركات المدنية، فيه انتكاسةٌ للمشروع المؤسس للمنطق الحركي لهذه التيارات، وسيكون مآلهم "هو التلاشي والذوبان واللافاعلية". مستنداً في ذلك على النموذج السوداني للمحاججة على استنتاجه، ومع أن الباحث لم يضع لنا معايير موضوعية مبنية على قواعد ثابتة تساعده على تأكيد أطروحته، إلا أن إشارته للتجربة الحركة الإسلامية السوادنية، جعلته يحيد عن جادة الصواب في تحليله. خصوصاً أن الحركة الإسلامية السوادنية، لم تعلن إبان تسلمها للحكم سنة 1989 إلى غاية اليوم، عن أي مراجعة فكرية أو تجديد نظرتها لمسألة الحكم وفق التمييز بين العمل الدعوي والعمل السياسي، وحتى الاجتهادات التي قدمها سليل هذه الحركة "حسن الترابي" حول طبيعة الحكم الإسلامي وفق الدولة المعاصرة، لم تلقَ أي ترحيب من قبل القيادات الإسلامية الحاكمة بل زجت بصاحبها غير ما مرة في سجون السلطة، التي سيتحول فيما بعد إلى أحد معارضيها. وهو ما يعني أن النموذج الذي يقدمه لنا الكاتب، لا يرقى لكي يصبح سنداً لتفسير مخاطر تجديد رؤية الحركة الإسلامية لمسألة الدولة الحديثة. في الوقت الذي تقدم نماذج كل من المغرب وتركيا وإندونيسيا أحد التجارب الناجحة في الحفاظ على مدنية الدولة، حيث تنفصل فيها شؤون الدين عن شؤون السياسية. مما خلف تعايشاً سياسياً داعماً لوجود هذه الحركات، التي استطاعت بفضل سياسيتها الاعتدالية أن تفرض وجودها القانوني والشعبي داخل الخريطة السياسية للدولة.
إن أهم النتائج التي تفرزها عملية الفصل بين المشروع الدعوي والمشروع السياسي لدى الحركات الإسلامية، هو تعزيز مسار التحول الديمقراطي داخل البلدان التي تنشط فيها هذه الحركات. إذ يساعدها هذا المنطق ليس في الاندثار أو التلاشي كما يذهب السيد "سبحان فاروق مشوح" في مقالته، ولكن في إعادة ترتيب أولوياتها وأدوارها داخل المجتمع. الذي لا مجال فيه الآن لأي أشكال من الصدامية مع الدولة الوطنية الحديثة، أو تكريس أي شكل من أشكال مفهوم المغالبة، فالدين له قواعد دستورية ومعيارية تحميه، والأحزاب وفق مبادئها وأخلاقياتها التي تستمدها من هذا الدين عليها أن تنخرط كليةً في بوتقة الدولة الوطنية، من أجل إبراز الحلول المجتمعية والاقتصادية التي تواجها. إنها الواقعية السياسية التي تقطع مع دابر شعار إقامة "الدولة الإسلامية" القائم على نظرةٍ تاريخية من خلال المباحث الفقهية التقليدية، إلى التوفيق ما بين المبادئ العقائدية ومدنية الدولة كمجال مشترك بين الجميع تُحدد من داخله القواعد الدستورية المتفق عليها ديمقراطياً، العلاقة المؤسساتية بين مختلف التيارات السياسية.
تعقيب سحبان مشوح على ورقة عبد الإله اسطي
مناهج البحث الغربية لا تفي بغرض تفسير الحالة الإسلامية المركبة
لا أدري إن كنت قادرا على إنزال هذه المقدمة المختزلة في سياق التعقيب على مقال الدكتور عبد الإله دون أن أخل بمضمونه.. غير أني أرى أن من الملزم التذكير بأن الباحثين الغربيين وهم ينظرون إلى الحالة الإسلامية ويحاولون دَرْسها وتفسيرها؛ فإنهم لا يزالون يقْبِسون -اعترفوا بذلك أم أنكروا- من مناهج المستشرقين التي أصبح - برأي الكثير منهم- من المخل النظر إليها على أنها المنظار الذي ينظر به الغربيون إلى الحالة الإسلامية وهم يشرِّحونها.
غير أن هذه المناهج -أعني مناهج الاستشراق- التي تراكمت عبر نحو قرنين أو أكثر، ثم تراكمَ عليها في العقود الثلاثة الأخيرة مناهجُ مختلفة وحقول جديدة من السسيولوجيا والأنثروبولوجيا وغيرها؛ لا تزال تشكل عمود الصورة في البحث الغربي الحديث.
وأعني باختصار دون إطالة؛ أن البحث الغربي للحالة الإسلامية؛ بكل صنوفه وعلى تنوعه؛ لم يزل يعيش ذلك الوضع النفسي القائم على التعامل مع "آخر" مختلف معادٍ، ولم يزل يحمل في ثناياه تلك المركزية الغربية التي تحدث عنها محمود محمد شاكر في كتابه الموسوم بـ "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا"؛ حين وصف مهارة وحذق المستشرق في إقناع القارئ الأوروبي المثقف بانحطاط الحضارة الإسلامية انحطاطَ القرون الوسطى التي عاشها هو قبل سنوات قليلة من نهضته التي قامت على أكتاف حضارة المسلمين وأنماط عيشهم ... "ليزداد؛ أيْ أوروبي القرن السابع عشر؛ زهواً بأن أسلافه من اليونان والآريين كانوا هم ركائز هذه الحضارة المزيفة الملفقة ديناً ولغة وعلماً وثقافة وأدباً وشعراً، ويزداد بذلك الأوروبي؛ أياً كان؛ غطرسة وتعالياً وجَبَرِيّة، ولا يرى في الدنيا شيئاً له قيمة إلا وهو مُستمَدٌّ من أسلافه اليونان والآريين...".
كما أعني؛ أن مناهج البحث الحديثة لم تزل متأثرة؛ وإنْ من وراء الحجب الكثيفة؛ بالهدف الذي نشأ من أجله الاستشراق؛ حيث كتب المستشرقون كل ما كتبوا؛ للمثقف الأوروبي وحده، لا للوصول إلى الحقيقة المجردة، "بل للوصول إلى حماية عقل هذا الأوروبي المثقف من أن يتحرك في جهةٍ مخالفة للجهة التي يستقبلها زحف" المستعمرين آنذاك.
هذا حقائق يجب ألا تغيب اليوم ونحن نقرأ ما يكتبه الباحثون الغربيون عن الحالة الإسلامية بمناهج متعددة تحمل صواباً أو خطأ، إلا أن تأثير الهدف لم يزل قائماً.. يدفعني إلى هذا ملاحظتان اثنتان؛ يقف عندهما من يتتبع قراءة المنتج الفكري الغربي في دراسته للحركات الإسلامية.
الأولى: أن هناك إغفالاً مرتبكاً للفاعل الحقيقي وراء تفكك الحركة الإسلامية، أو انسياقها وراء حلول ورؤى تخرجها عن سياقها الفكري والثقافي والاجتماعي، أو المآل الذي وصلت إليه، أو في الإخفاق الذي منيت به في حالَتيْ المعارضة والسلطة، أو في عجزها عن الوصول إلى الحكم، وعزوُ كل ذلك إلى حراك داخلي، وتفاعل بين مكونات الحركة، ومراجعات وتراجعات سببها "تطور الوعي الإنساني". غير أن هناك سبباً؛ دائما ما يختفي في كل تحليلاتهم الفكرية والسياسية، وهو الفاعل الخارجي الدائب في تفكيك الكتل الإسلامية، وحَرفها عن هدفها، أو توريطها في مزالق تجعلها تنشغل عن غايتها، وتضع دائبةً العصي في عجلات الحركة الإسلامية لتعطيل سيرها في سبيلها لتحقيق هدفها المرسوم.
كما يختفي في التفسير الغربي حقيقة أن هذا العامل الخارجي هو الحائل الفعلي بين الحركات الإسلامية وبين مجتمعاتها، والمانع الحقيقي من الاندماج الطبيعي بين الطرفين لحدوث التحوير اللازم والمفضي إلى تغييرٍ شامل وفاعل في شكل الدولة، وصيغة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وآليات ذلك ووسائله.
والعامل الخارجي يتمثل اليوم أكثر ما يتمثل في الدولة الحديثة، ومن يديرها، أو من تديره هي، إذ أصبحت اليوم المركز الذي تدور حوله المصالح والقوة والسياسة والاقتصاد، والكتل الاجتماعية بكل ما تحمله من خصوصيات.
ولعل من أبرز الأمثلة على غياب الفاعل الحقيقي في الدراسات الغربية؛ واقع الإخوان المسلمين في مصر، والمآل الذي صارت إليه حركتهم، وبرغم صدق بعض التحليلات التي تعزو السبب إلى عوامل داخلية؛ غير أن الإهمال المتعمد لعامل السلطة أو الدولة من جهة، والعاملَيْن الإقليمي والدولي من جهةٍ أخرى، في تفسير ما وصلت إليه الجماعة؛ يُعد نوعًا من التحيز المخلّ.
وقريباً من ذلك فإن واحداً من أهم الأسباب التي دعت النهضة التونسية إلى قرارها الأخير وخطوتها المتمثلة في فصل السياسي عن الدعوي؛ كان عامل الدولة ومنطقها القسري الذي ُيقولب من يدخل فيه أو يقترب منه في قالبه، وقلْ مثل ذلك في خطوة المصالحة التركية الإسرائيلية التي قادها حزب العدالة والتنمية بقيادة طيب رجب أردوغان.
الملاحظة الثانية: غياب النموذج التفسيري المنطقي والمقبول في تناول قضية العنف، ويلاحظ المتتبع للمنتج الفكري الغربي أن التفسيرات التي يوردها الدارسون الغربيون في مواجهة استعصاء فهم هذه القضية، غالباً ما ترتكز على ظلمٍ اجتماعي أنتجته بيئة التطرف نفسها، في غفلةٍ متمعدة عن ظروف نشأة هذه البيئة والسياقات التي أنتجتها والعوامل الحافة بها والتي هيأت لها الاستمرار والاستقرار.
وأغلب الظن أن هناك تعامياً مقصوداً عن واحدٍ من أهم أسباب التطرف، وهو الاعتداء على ثقافة المسلمين وعقائدهم والاستخفافُ بقناعاتهم الموروثة، بل ومحاربة كل ذلك خلال عقود طويلة وعبر مستويات مختلفة، تبدأ من استهداف هذه القناعات من قبل الغرب المهيمن، ولا تنتهي بالنخب الإسلامية التي تهاوى تماسُكها عند أول المنعطفات الحادة التي أودت بهذه القناعات، وجرت متساوقةً مع المعتدين تُبرر وتُشرعن، مروراً بالسلطات الحاكمة والنخب العلمية الشرعية التي أيدت هذا الاعتداء وباركته.
يظل أمر أخير أود ذكره في سطور هذا التعقيب؛ وهو أن التعويل على تحوير خطاب الإسلاميين، والانتقال به من الخطاب الإسلامي التقليدي "الإسلاموي"، إلى خطاب التنوير المنبني على دمج التدين بالحقوق والإسلام بالحرية، "مع قناعتي التامة بأن هذا اجتراءٌ صفيق وعدم فهم لمفردات هذا الخطاب الذي لم يُعط الفرصة للتجلية عن نفسه"؛ إن هذا التعويل إنما هو تعويلٌ على الوهم، بل هو تعويلٌ مبنيٌ على الغرر؛ حيث إن تبني نخبة إسلامية لهذا الخطاب، سيترك مربع الخطاب التقليدي فارغا ليأتي من يملأه، وهذا الآتي الجديد لا يمكن في هذه الظروف السياسية والاجتماعية السائلة ضمان ماهيته أو هويته، حيث إن منبع الخطاب التقليدي ليس اجتهادات أبناء الحركة الإسلامية فحسب، بل إن هناك منظومةٌ معقدة ساهمت في إنتاجه، يعتمد جزءٌ كبير منها على النص الشرعي والفهوم التي توارثها المسلمون لهذا النص، حتى وصلت إلى أيدي الحركة الإسلامية لتكون المنطلق الذي بنت عليه شرعية وجودها، والغاية التي رسمت للوصول إليها، وهو ما لقي القبول عند أجيال من المسلمين، ستعدُ حتما أي تخلٍ عن مفردات هذا الخطاب، تخلياً عن جزء من الشريعة يجب ملؤه.
وفي ختام هذا التعقيب فإني أرجو ألا أكون قد أخللت في العرض أو أطلت من غير فائدة، مع رجاء أن يجد هذا التعقيب في صدر الدكتور عبد الإله سعة ليمنحه شيئاً من تأمله مشكوراً متفضلاً.
المراجع:
-
آصف بيات، عن التغيير والثورة واللاحركات اجتماعية، ورد في: الرابط
محمد تركي الربيعو
رئيس تحرير موقع معهد العالم للدراسات
تعليقات
اترك تعليق*
* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:
- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.
- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.
- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.