Print this page

هل الإسلام السياسي صوت تابع؟

29 تموز/يوليو 2018
 
ترجمة: عبير جوان.

[تُنشر هذه الترجمة، بعد موافقة كاتبها البروفيسور ديفيد تورفيل]

[هذه هي المادّة الثانية عشر والأخيرة من ملف ينشره معهد العالم عن الإسلامويّة بعد الربيع العربيّ. للاطلاع على المادة الأولى هنا، والثانية هنا، والثالثة هنا، والرابعة هنا، والخامسة هنا، والسادسة هنا، والسابعة هنا، والثامنة هنا، والتاسعة هنا، والعاشرة هنا، والحادية عشر هنا].
في مقالتها المعروفة "هل بمقدور التابع أن يتكلم؟" (1988) تحاجج غاياتري سبيفاك بنقطتين رئيسيتين؛ الحجة الأولى: أنه على الرغم من أن دراسات ما بعد الكولونيالية تهدف إلى مساعدة المقموعين، فإنها تخاطر بإدامة الاستغلال النيوكولينيالي للمهمشين سياسياً واقتصادياً. كما تحاجج سبيفاك بأن دراسات ما بعد الكولونيالية ــوياللمفارقةــ قد تسهم بإعادة ترسيم الأولويات الكولونيالية في الهيمنة السياسية والاستغلال الثقافي.

ويرغب منظرو ما بعد الكولينياليّة بمساعدة المقموعين، ولكن ينتهي بهم الأمر بارتكاب ما هو معاكس لقصدهم، ذلك أنهم يحاولون تحسين ظروف التابع من الخارج عن طريق منحه خطاباً جماعياً، حيث تخلق هذه المحاولات وضعاً يعتمد فيه التابع على المفكرين الغربيين للحديث نيابة عنهم، بدلاً من السماح لهم بالتكلم عن أنفسهم، فهؤلاء يُتَكلم عنهم.

وعلاوة على ذلك، فهم يـعاملون على أنهم مجموعة تتوافر على هوية ثقافية جماعية، هوية يجري إقصاؤها. وتحاجج سبيفاك بأن هذا الوضع سوف يعيد تكريس موقعهم الخاضع في المجتمع. ذلك أنهم، إذا لم يكونوا خاضعين، فهم ليسوا بحاجة للتكلم كمنظومة جماعية أو حتى أن يُتَكلم عنهم في المقام الأول.

وترى سبيفاك أن هذا الفهم الأكاديمي لـ"التابع"، باعتباره مجموعة موحدة بحاجة للحديث نيابة عنها، هو نوع من أشكال العنف "الإبستيمي" الذي يديم هيمنة الإمبريالية الغربية المتمركزة-عرقياً على العالم، أو بكلمات سبيفاك نفسها، يُديم "توسّع اللوغوس الغربي". الذي لا يأخذ بالحسبان التغاير وعدم التجانس السياسي للكيان المٌستَعمَر. حيث تستنتج سبيفاك أن على مفكري ما بعد الكولونيالية أن يدركوا أنّ امتيازاتهم هي محلّ خسارتهم. فما أن يشرع المفكّر بالحديث نيابة عن المقموعين، حتّى يكفّ عن كونه ممثّلاً لهم.
 
 
من شأن ذلك بالطبع أن يكون صحيحاً بالنسبة لشخص مثلي؛ كرجل، غني، وبصحة جيدة، أبيض، ومغاير جنسياً، وأكاديمي بمنتصف الثلاثينات من العمر، فأنا مثال ممتاز على أنني "غير التابع" تماماً. فلماذا أركز هنا على التعامل مع هذه المسائل؟

إنّ هذا السؤال هو ذاته الذي طرح على أساطين المنظرين الذين ارتبطت أسمائهم بفضاء  "التابع"، وهم: غاياتري سبيفاك نفسها، وهومي بابا، وإدوارد سعيد، وكل منهم أثّر بصورة كبيرة على طريقة تفكير المنظرين في هذه المسائل. فقد كتب مارتن كريمر -وهو واحد من  منتقديهم- بطريقة ساخرة عن سعيد يقول: "داخل سيارة أجرة على مسافة قريبة من مركز منهاتن الإعلامي ... [اشتكى] سعيد بأن الفلسطينيين حرموا بشكل ممنهج من ’السماح لهم بسرد’ روايتهم الخاصة ". (كريمر 1992).
 
لذلك فإن التكلم نيابة عن المحرومين، سوف يسهم في إعادة تكريس تهميشهم، وهذا يأخذني الى الحجة الثانية التي تستخدمها سبيفاك في مقالتها: بأن التابع ببساطة ليس بمقدوره أن يتكلم، وتضيف أنه إذا كنت تابعاً، فلا أحد سينصت إليك، وإذا استمع إليك أحد فأنت لست بتابع على الاطلاق. وإذا وضعنا الحجتين معاً،  فإننا سنخلص إلى نتيجة بأنّ التابع لا يُمكن أن يُسمع مهما حصل. فالتابع ليس بمقدوره الكلام عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يتكلم نيابة عنه دون اعادة تكريس هذا التهميش.

أعتقد أن سبيفاك محقة في ذلك، فمن حيث التعريف فإنه من المستحيل للتابع أن يتكلم أو يُسمَع من هوامش الخطاب. فالتابع ليس بمقدوره التكلم. ربما يكون هذا صحيحاً طالما أنّ هذا الحوار يُناقش  ضمن خطاب معين. وإذا كان المقصود أن شخصاً ما لن يُسمع ضمن ساحة صراع arena)) محددة، فهذا يعني أنه لن يستطيع التكلم ضمن هوامش هذا الصراع بالتحديد. ولكن إذا ما سألنا أنفسنا عن ماذا سيحدث لو تم تجاهل ساحة الصراع هذه كلياً؟ وتم إنشاء ساحة صراع أخرى مع رفض الانصياع للغة ولقواعد ورموز ميدان الصراع الأول؟ ماذا سيحدث إذا أصبح التابع واعياً بنتائج تبعيته؟ ولا يسعى للتموضع ضمن مركز أقصي عنه، بل لتأسيس مركز يؤسس لمركزية بديلة وجديدة؟

هذا هو سؤال هذه الورقة وهو مرتبط بتساؤل آخر، وهو: كيف بإمكاننا كمنظرين غربيين مهيمنين ولدينا اهتمام بمنظورات ما بعد الكولونيالية أن نتفاعل مع هذه المراكز البديلة  سوف أحاجج بأننا سنتعامل معها بهذا السخط، لأنها ستبدو لنا غير واعية ومُستَخفّ بها بالنسبة لما نراه في أنفسنا كنقطة مركزية في العالم. وسوف أعطي مثالاً على ذلك، من خلال حالة الإسلام السياسي.

أقصد بمفهوم الإسلام السياسي الإشارة إلى التيار السياسي والعقائدي الذي يسعى لتأسيس دول إسلامية حديثة مبنية على مبادئ الشريعة الاسلامية. إنّ الإسلام السياسي  باعتباره منتجاً في القرن العشرين، هو واحد من الاستجابات العديدة للأوضاع الكولونيالية وما بعد الكولوينيالية فيما يسمى بالعالم الإسلامي.

يمكن المحاججة أن الإسلام السياسي عبارة عن محاولة واعية لتأسيس ساحة صراع جديدة بديلة للسياسة والثقافة وللمناقشات الأكاديمية أيضاً. إن الإسلام السياسي هو محاولة لأقلمة (provincialize) أوروبا، وبالتالي جعل مناصري الإسلام السياسي قادرين على الكلام. إنّ نظرة متفحّصة لحراك الإسلام السياسي على الصعيدين النخبوي والشعبي ستدعم هذا التأويل على الأرجح.

على الصعيد النخبوي، فإن صياغات المفكرين الإسلامويين أمر مثير جداً، وأبرز مثال على ذلك هو سيد قطب. فقد بقي قطب، أحد أوائل قياديي جماعة الإخوان المسلمين، وحتى إعدامه عام 1966، أحد أكثر المفكّرين الإسلامويّين تأثيراً. وثمة فكرة مهمة في أعماله مفادها أن كل ما هو إيجابي في "الغرب" هو موجود أصلاً في الإسلام. إذ يحاجج سيد قطب أن المسلمين لا يحتاجون للالتفاف حول أوروبا من أجل تحصيل الأدوات اللازمة لبناء مجتمع صالح. وبالتالي، فإن مفاهيم حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة كلها مستقاة أصلاً من القيم الإسلامية الأصيلة ( انظر، على سبيل المثال، قطب 1974).
يعتبر روح الله الخميني مثالاً آخر، فقد كان أحد مؤسسي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو ناقد صريح للإمبريالية الغربية والأيديولوجيات العلمانية. وقد انتقد في كثير من خطاباته هيمنة الخطاب الغربي على مستوى جذري وعميق.

حيث قال الخميني في إحدى المناسبات: "إنّ مشكلة المحاججة ضدّ استعمال مفردات العصر السائدة هي أنّه يُتوقّع من المُحاجج أن يصوغ عباراته بنفس هذه المفردات". (اقتبس من سيد، 1997:114). وإنّ ما يقصده الخميني في هذا الاقتباس وفي غيره من الاقتباسات، أنه يجب التخلي عن وجهة النظر القائلة بأن الخطاب الغربي ومفرداته اللغوية -كما يسميها- هي اللغة التي يجب استخدامها في انتقاد "الغرب"، ويحاجج الخميني أنه لا يستطيع هزيمة الخطاب الغربي باستخدام مفرداته نفسها. كما حاجج أيضا أنه لا يُمكن هزيمة الإمبرياليّة الغربيّة عن طريق الأسلوب الغربي للنقد بل بأسلوب نقدي إسلامي، أثناء قيادته للحركة الثوريّة الإيرانيّة بشعاراتها (الاستقلال، والحرية، والإسلام).
 
 
أما على الصعيد الشعبي فإن التأسيس لحالة إسلاموية مستقلة تمثلت برفض النشطاء الإسلامويين الاعتراف بقواعد هيمنة الخطاب الغربي. ولعلّ أبرز مثالٍ على ذلك هو حادثة رسوم الكاريكاتور (لـلنبي) "محمد" في يناير 2006. ففي خضم هذا الجدل, حمّلت المجموعات الإسلامية الحكومة الدنماركية مسؤولية نشر هذه الرسومات من قبل الصحيفة الدنماركية المستقلة يولاندس بوستن (Jyllands – Posten ). وبهذا الصدد، إنّ القيام بذلك يعني مخالفة قواعد النظام الديمقراطي الغربي الحديث، إن صح التعبير.

ولما كانت مختلف المؤسسات العامّة  في المجتمع هي مؤسسات مستقلة عن بعضها البعض، فليس بالإمكان من حيث المبدأ تحميل رئاسة الوزراء مسؤولية نشر هذه الرسومات من قبل صحف مستقلة. وقد شكلت مسألة عدم قابلية النشطاء الإسلامويين فهم هذا المبدأ الأساسي مصدراً لخيبة أمل كبيرة بين الناس في الدول الإسكندنافية ودول أخرى. فقد ظهر الامتعاض بصورة جليّة بين الصحفيين والمشاركين في المناظرات التلفزيونية من حقيقة عدم انصياع المسلمين للقوانين. حيث تمخض الجدال حول  حق السماح للمسلمين بانتقاد صحيفة "يولاندس بوستن" لكن دون أن يحق لهم إلقاء اللوم على رئاسة الوزراء الدنماركية بخصوص هذه المنشورات. وبعبارة أخرى، فعلى المسلمين أن يخوضوا الصراع ضمن شروط ساحة الصراع الخاصّة بنا.

الأمر المثير أن كلا الطرفين من الإسلامويين والمدافعين عن صحيفة "يولاندس بوستن" يدركون تماماً بأن الإسلامويين لن يربحوا هذا الصراع مطلقاً. فالمسلمون لم يقوموا بصياغة قواعد المجتمع الحديث المجزأ، وإذا فعلوا ذلك واتبعوا هذه القواعد في صراعهم الخاص، فمن المحتم أن يعود عليهم بالفشل.

يقدم تاريخ القرن العشرين أمثلة عديدة عن مسلمين حاولوا صياغة تبعيتهم من خلال قاموس مصطلحات مختلف عن الأيديولوجيات الأوروبية. لكن النضال الديمقراطي وكل من الإشتراكيين والقوميين فشلوا في اللحاق بالغرب. فالمجتمعات الإسلامية بمجملها ما زالت متخلفة. ومع ذلك، فإن الإسلاموية وعلى الرغم من كونها تعتمد على هذه الأيديولوجيات لكنها مبنية على خصوصيتها بمسمى دين "الاسلام"  كخطاب  يؤقلم  "الغرب" في الوقت الذي يخلق مركزاً خاصاً به.

إن جوهر ما بعد الكولونيالية يتبلور كسعي يهدف إلى نزع مركزية "الغرب" أو الحداثة الغربية. حيث نجح الإسلام السياسي بتقديم مركز أخلاقي وسياسي وأنطولوجي بديل بين مناصريه. ويمكن القول بأن هذا ما جعل الإسلام السياسي من أكثر الأمثلة وضوحاً اليوم بأن الإسلام السياسي كتابع له صوت ما بعد كولونيالي.

أما بالنسبة للاستجابات الغربية لتحدي "الإسلام السياسي"، فبدون مبالغة، ثمة إجماع بخصوصها. إذ يبدو أن الجميع يتوافرون على موقف سلبي تجاهها: من السياسيين اليمينيين واليساريين، وخبراء القانون الدولي والكنائس والمنظمات غير الحكومية، فإنّ الجميع يدينون هذه الحركة باعتبارها مناهضة للديمقراطية، وذكورية شوفينية، وباعتبارها خطراً محققاً.

يبدو أن هذه الاستجابة سوف تثبت وجهة نظر سبيفاك، فالخطاب المهيمن هو خطاب كولونيالي بمواقفه وسلوكه، كما هي حاله دائما، فـ"التابع" ليس بمقدوره أن يتكلم، وهؤلاء الذين في المركز لن يُصغوا وليس بمقدورهم الإصغاء. وسوف تُنتج مركزية الخطاب الغربي الحجج التي ستشرعن تجاهلها لصوت الإسلام السياسي. وعلى سبيل المثال، سيوصم الإسلام السياسي بأنه أنه غير ديمقراطي ولذلك لا يستحق التفاوض معه. وإذا حصل أن انتخبت منظّمة إسلاميّة  ديمقراطياً (كما حصل في الحالة الجزائرية) فسوف توصم بأنّها غير ديمقراطيّة في حقيقة أمرها. ولهذا السبب سوف تُستثنى من النقاشات.

على الصعيد النظري أو الأكاديمي، يمكن القول بأن البارادايم السوسيولوجي يشرعن تجاهل الصوت الإسلامي السياسي. وأنا أشير لـ" البارادايم السوسيولوجي" لا كمنهج بحث علمي محدد كما هو في كثير من الأحيان، وإنما كفهم أنطولوجي للوضع الإنساني، ولا يتطلب ذلك أن يكون كاستتباع لهذه المنهجية. حيث يشكل البارادايم السوسيولوجي الواقع كما يشكل مفاهيمنا عما هو صحيح وخاطئ أخلاقياً، كما هي حال البنى الاجتماعية التي صيغت من قِبَل البشر والمجتمعات الانسانية. فهي تركّز على عوامل اجتماعيّة معيّنة لتستثني جوانب أخرى. إذ يتم التحدث عن العالم الديني كأعراض للعلاقات الاجتماعية وعلاقات القوة فقط. ولكونها تعبيرات اجتماعية لا يجب أن تؤخد على أنها تعبيرات صالحة للتجارب البشرية. وغالباً ما يؤخذ التابع كمثال جلي لها.

إن الأمثلة على دراسات البارادايم السوسيولوجي للإسلام السياسي لا تحصى، ويعتبر أكبر أحمد أحد الأمثلة على ذلك، حيث يحاجج بأن الأصوليّة الإسلامية هي إحدى الاستجابات على الشكوك التي تثيرها ما بعد الحداثة. فالمسلمون الذين لا يستطيعون التعامل مع واقعهم يرجعون إلى الهرميات والأساطير القديمة لتعزيز هويتهم. فالإسلام السياسي هو عبارة عن استراتيجية اجتماعية (أحمد 1992: 28- 42).

بالعودة إلى حجة سبيفاك الأولى والنظر إلى إمكانية اعتبار التفسير السوسيولوجي للتدين كمثال على العنف الإبستيمي الذي تحدثت عنه سبيفاك. هل يجب اعتبار البارادايم السوسيولجي كمطابق نظري لأكثر الأشكال الملموسة (الواقعية) للعنف الذي نجده في ميادين السياسة والقوة العسكرية ؟

على الصعيد الشخصي، فإنني أعتقد بأنّ هذا الفهم صحيح بدرجةٍ ما. حيث تجد فكرة فوكو حول العلاقة بين المعرفة والسلطة تمثيلها بوضوح في هذا الطرح. حيث يجب أن ينظر إلى التفسيرات السوسيولوجية للممارسات والمعتقدات الإسلاموية باعتبارها جزءاً من عملية نزع الشرعية التي يتم من خلالها إسكات "الآخر"، فهي تقدم حججاً  حول لماذا لا نحتاج الاستماع للآخر سواء أردنا ذلك أم لا.

ثمة العديد من الباحثين المشتغلين أنثروبولوجياً وسوسيولوجياً بدراسة الإسلام في الوقت الحاضر، (وأنا من ضمنهم)، حيث نميل إلى التفكير بأنفسنا كأصدقاء للمسلمين الذين ندرسهم. فنحن نقوم بأي شيء يجنبنا التشبه بالمستشرقين الذين ينتقدهم إدوارد سعيد. ونحن لا نحاول تصوير العالم الإسلامي تصويراً رومانسيّاً أو متجانساً. وبمعنى آخر، نحن ننظر لأنفسنا كناطقين بلسان مخبرينا  المهمشين. ولكن بما أن معظمنا يفسر تجارب مخبرينا بمصطلحات سوسيولوجية فإننا نقدم الحجج كي لا تُسمع أصواتهم، حيث نواصل عملية إعادة تكريس تهميشهم. وهذا موقف مشابه، لعملية نزع شرعية العالم المستَعمر التي قام بها مستشرقون في القرنين التاسع عشر والعشرين والذين تعرضوا لانتقادات كثيرة.
 
 
لقد أصبح من المألوف استخدام المقاربات ما بعد الكولونيالية في الدراسات الأكاديمية للدين حالياً. حيث بات هناك سعي صريح ومعلن للإصغاء للأصوات غير المسموعة ومواجهة هيمنة الفكر الغربي الحديث. إذ إنّ دراسات ما بعد الكولونيالية وصفية وبيانية. وعندما نصرح أنه "ليس بمقدور التابع أن يتكلم"، فإننا نصوغ بياناً أخلاقياً، أيّ أنّه من الخطأ أخلاقيّاً ألا يتمكّن التابع من الكلام، وأنّه يجب أن يُسمح له بالكلام. وإذا كان التحليل المطروح في هذه الورقة صحيحاً، فيبدو أن ثمة قدراً محدداً من النفاق والكذب في توجهات ما بعد الكولونيالية، ذلك أنه إذا أردنا فعلاً للتابع أن يتكلم، فسيبدو أن ما نقوله غير متسق  مع القول بأنه ينبغي على التابع أن يتكلم بما نرغب بسماعه فقط.

إنّ الإسلام السياسي صوت تابع، وربما هو أقوى الأصوات في العالم اليوم. حيث تكشف ردود فعلنا الواضحة تجاه أجندته المستقلة عن حدود طموحنا بالسماح للتابع أن يتكلم.
 
* أستاذ ومؤرخ في حقل دراسة الدين في جامعة سودرتورن (Sodertorn) في ستوكهولم ، السويد. وباحث في مجال الدراسات الإيرانية والإسلامية، الإضافة إلى حقل الدراسات العلمانية. من كتبه المنشورة "الإيمان والنهضة في مجتمع روما الاسكندنافي" و"الحياة الشيعية: أمثلة على الطقوس بين الرجال الإسلاميين في إيران المعاصرة".
 
الكتب والمراجع
أحمد ، أكبر . " الإسلام وما بعد الحداثة: الوعود والتوقعات". لندن ونيويورك : روتليدج، 1992.
كريمر، مارتن. "لطخة سعيد" ضمن: "أبراج عاجية على الرمال: فشل دراسات الشرق الأوسط في أمريكا ". واشنطن . العاصمة : معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى . 2001 . انظر الرابط.
سيد ، بوبي س .  " الخوف الأصولي : المركزية الأوروبية وبروز الاسلام " . كتب زد ، 1997.
سبيفاك ، غاياتري تشاكرافورتي . "هل بمقدور التابع أن يتكلم ؟" في " الماركسية وتأويل الثقافة ". تحرير كاري نيلسون و لاري جروسبيرج . شيكاغو : منشورات جامعة إلينوي ، 1988. 271-313.
قطب، سيد . "هذا هو دين الإسلام = هذا الدين / سيد قطب " . دلهي : المكتبة المركزية الإسلامية . 1974. 

عبير جوان
باحثة ومترجمة فلسطينية، مهتمة بالشأن النسوي.
ديفيد تورفيل

أستاذ ومؤرخ في حقل دراسة الدين في جامعة سودرتورن (Sodertorn) في ستوكهولم ، السويد. وباحث في مجال الدراسات الإيرانية والإسلامية، الإضافة إلى حقل الدراسات العلمانية. من كتبه المنشورة "الإيمان والنهضة في مجتمع روما الاسكندنافي" و"الحياة الشيعية: أمثلة على الطقوس بين الرجال الإسلاميين في إيران المعاصرة".

ذات صلة