Print this page

"لا بد من الدم": ترقُّب العنف وأخلاقياته في موسم مصر العاصف

18 تموز/يوليو 2018
 
ترجمة: مصطفى الفقي

[هذه هي المادّة العاشرة من ملف ينشره معهد العالم عن الإسلامويّة بعد الربيع العربيّ. للاطلاع على المادة الأولى هنا، والثانية هنا، والثالثة هنا، والرابعة هنا، والخامسة هنا، والسادسة هنا، والسابعة هنا، والثامنة هنا، والتاسعة هنا].
الملخص

كيف برز سفك الدماء كَحلٍّ مرجوّ لتوترات واضطرابات الفترة الثورية؟ وكيف تفاعل أناس مختلفون، اتخذوا موقفاً محدداً من أحداث عام 2011 إلى عام 2013، مع العنف المروّع الذي وقع في صيف وخريف عام 2013؟ بهذه الأسئلة، أودّ أن أساهم في نقاشٍ بدأه أكاديميون مهتمون بقضية الثورة يكتبون عن مصر، من أجل محاولة فهم الدعم واسع النطاق الذي حظِيَ به القتل الذي برز في مصر في صيف العام 2013.

وحجتي الأساسية هي أنه على الرغم من أنَّ العنف الذي انتشر في أعقاب 30 يونيو 2013، والذي كان من الواضح أنه نتيجة لمناورة متعمدة، وتصعيد من قِبَل أقوى اللاعبين المعنيين، إلا أن كثيراً من دعم المصريين الفعلي لهذا العنف كان أخلاقياً في طبيعته، كنتيجة لتكثيف حالة الاستقطاب، حيث تصاعدت الحاجة إلى الدفاع عن الحق في مواجهة الباطل في مسار مستمر مشحون بالتوتر والإرتباك والقلق.

في هذا السياق من "الخوف المكسور"، لم يكن هناك شيء يماثل التغلب على هذا الخوف، وكان توقّع أن "سيكون هناك دم" هو الوعد بالوصول إلى الوضوح والنقاء والحقيقة من خلال معركة حاسمة. يمكن وصف حالة التحريض على سفك الدماء ودوامة العنف بأنها شكل من أشكال التأهيل الأخلاقي حيث يتم تأسيس شعور بالنقاء من خلال المواجهة الدراماتيكية الجذرية. وللمفارقة، خلال صيف 2013 الدامي، كان من المرجح أحياناً أن تفتح لحظات الإرباك، والتشوش، والذهول، وفقدان الأرضية الصلبة، طرقاً للخروج من دائرة الكراهية والمواجهة أكثر مما تفعل المبادئ الثابتة والواضحة.

إن الشر والعنف قريبان من الاستقامة والنقاء، وثمّة أوقات يمكن أن يكون فيها الضعف والإرتباك هما الموقف الأخلاقي الأفضل.ربما فشل المعلقون على الأحداث (وأنا منهم) في ملاحظة التأهيل للعنف المتضمن في مسيرة الحركة الثورية، إلا أنه كان موجوداً وظاهراً، ولكننا لم نرغب في رؤيته. كونه لا يلائم الصورة الرائعة للمقاومة الثورية. لكننا لا نستطيع فصل المقاومة الرائعة عن سفك الدماء المروّع، تماماً كما لا يمكننا عزل ازدهار الحياة الثقافية عن انتشار جرائم الشوارع العنيفة في عام 2011 وما بعده، لأنها تنتمي إلى الحالة الواحدة ذاتها.
التمهيد

في أوائل شهر يونيو 2013، كتبتُ آخر مشاركة لي في مدونتي عن الحياة اليومية والسياسية في مصر وقت الثورة. تحدثت في هذه التدوينة عن المعارضة المتزايدة ضد محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من جانب حملة تمرد التي كانت قد ظهرت قبل شهر، وكان التوقع الذي أعرب عنه كثير من الناس الذين تحدثت إليهم بأنه "سيكون هناك دم" أو حتى بأنه "لا بد من الدم". كانت هذه الفكرة معلومة لدى الجميع لدرجة أنني فكرت في البداية في استخدامها كعنوان لتدوينتي الأخيرة. ولكنني كنت متفائلا حيال قدرة حملة تمرد على توفير بديل مدني سلمي، ترددت، وبدلاً من ذلك، عنونت التدوينة بـ"أمسك بالفرصة". وبعد بضعة أسابيع، أُمسك بتلك الفرصة، وكان هناك دم.
طوال شهر يوليو، وقعت سلسلة من المصادمات العنيفة والمذابح. وكان معظم القتلى من مؤيدي الرئيس المعزول، وكانت نيران القناصة هي أكثر أسباب الوفاة شيوعاً. وبلغ التصعيد ذروته في 14 أغسطس 2013، عند فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة بالقاهرة، وهو ما أدى إلى مقتل ما بين 600 و 1400 شخصاً، وتَبِع ذلك اشتباكات وهجمات على مراكز الشرطة وممتلكات مسيحية خاصة في العديد من المدن.[1] ومنذ تلك الفترة، استمر العنف من مختلف الأطراف، مع قتل المتظاهرين ضد السلطة الجديدة، والتعذيب والاختفاء في السجون، والتفجيرات الجهادية التي استهدفت دوريات الشرطة والأهداف العسكرية، وتدمير الجيش لقرى بأكملها في قتاله ضد الجهاديين فيغرب شمال سيناء، ومعارك المواطنين العاديين مع بعضهم البعض.

بعد الاستيلاء على السلطة في سلسلة من أحداث سماها أنصار الأطراف المختلفة بمسميات مختلفة حسب موقفهم منها، أحكم النظام الجديد بقيادة عبد الفتاح السيسي قبضته على السلطة وقام بشرعنتها عن طريق إجراء انتخابات وكتابة دستور جديد. استمر وجود مستوى أقل من المواجهات والقتل. واستمرت أصوات عديدة في الدعوة إلى قمع وقتل الإخوان المسلمين وحلفائهم بلا هوادة؛ لأن "الناس دول مينفعش معاهم غير كدا"[2]. ومن وجهة نظرهم، تتعرض مصر لهجوم من قبل أشخاص عنيفين وأشرار، والطريقة الوحيدة للتعامل مع هؤلاء الناس هي إما سجنهم أو قتلهم.

لا أنوي القول إن هذه هي النوبة التي انتابت جميع المصريين أو معظمهم، بل ربما أغلبهم ليس كذلك.شكك كثيرون في حالة الاستقطاب هذه واستنكروا سفك الدماء إيا كان فاعلوه وضحاياه، ويظل آخرون متعاطفين مع قضية الإخوان المسلمين. ولا يزال معظم المصريين يعيشون في سلام مع بعضهم البعض على الرغم من خلافاتهم السياسية المتضاربة. ولكن هذه كانت الحالة التي اعتمد عليها النظام الحالي للاستيلاء على السلطة.

كيف برز سفك الدماء كحلّ مرجوّ لتوترات واضطرابات الفترة الثورية؟ وكيف تفاعل أناس مختلفون اتخذوا موقفاً محدداً من أحداث عام 2011 إلى عام 2013 مع العنف المروّع الذي وقع في صيف وخريف عام 2013؟ بالطبع لا أدّعي الحديث عن مصر أو المصريين بشكل عام. ما أرويه هنا هي مواقف بعض اليساريين أو الليبراليين الذين وصفوا أنفسهم في الفترة من عام 2011 إلى عام 2013 بأنهم "ثوريون" من خلال المعارضة المزدوجة لنظام حسني مبارك من جانب، وللحركات الإسلامية السياسية من جانب آخر.

أروي ذلك عن مجموعة من الشباب وبعض الرجال الأكبر سناً في إحدى قرى دلتا النيل، معظمهم من ذوي التعليم العالي ولكنهم أصحاب موارد اقتصادية محدودة، ومجموعة من الشابات والشباب الناشطين في التظاهرات وغيرها من الفعاليات في الإسكندرية، ومعظمهم ينحدر من العائلات البرجوازية والطبقة الوسطى. ويمكن أن نستمع إلى رواية أخرى من مؤيدي الإخوان المسلمين، أو المتعاطفين مع غيرها من الحركات الإسلامية الأخرى، أو جماعات الألتراس، أو الموالين للنظام، أو الكثير من الأشخاص الذين لم يتخذوا مواقف راسخة كهذه. مصطلح "الثوار" هو مصطلح مضلل وإقصائي، لأن الكثير من أصحاب المواقف المختلفة شاركوا في الثورة أيضاً.

ومع ذلك، فإن ما يميز تلك الجماعات في الفترة من 2011-2013 كانت الطريقة المشتركة التي عرّفوا بها الثورة في حد ذاتها كهدف رئيسي لهم، وليس فقط كوسيلة لتحقيق رؤية مثالية أو برنامج سياسي معين. ومن أجل تقرير الطريقة التي اتبعوها في الثورة كهدف في حد ذاته بدقة، ومن أجل إقرار حقيقة أنهم كانوا من بين تيارات كثيرة أخرى للثورة، أسميهم في هذه المقالة "الثوريين". حجتي الأساسية هي أنه على الرغم من أن العنف الذي انتشر في أعقاب 30 يونيو 2013، والذي كان من الواضح أنه نتيجة لمناورة متعمدة وتصعيد من قبل أقوى اللاعبين المعنيين، إلا أن كثيراً من دعم المصريين الفعلي لهذا العنف كان أخلاقيا في طبيعته، كنتيجة لتكثيف حالة الاستقطاب، حيث تصاعدت الحاجة إلى الدفاع عن الحق في مواجهة الباطل في مسار مستمر مشحون بالتوتر والإرتباك والقلق والتشجيع.

في هذا السياق من "الخوف المكسور"، لم يكن هناك شيء يماثل التغلب على هذا الخوف، وكان توقّع أن "سيكون هناك دم" هو الوعد بالوصول إلى الوضوح والنقاء والحقيقة من خلال معركة حاسمة. يمكن وصف حالة التحريض على سفك الدماء ودوامة العنف بأنها شكل من أشكال التأهيل الأخلاقي؛ حيث يتم تأسيس شعور بالنقاء من خلال المواجهة الدراماتيكية الجذرية. وللمفارقة، خلال صيف 2013 الدامي، كان من المرجح أحياناً أن تفتح لحظات الإرباك، والتشوش، والذهول، وفقدان الأرضية الصلبة، طرقاً للخروج من دائرة الكراهية والمواجهة أكثر من المبادئ الثابتة والواضحة. إن الشر والعنف قريبان من الاستقامة والنقاء، وثمّة أوقات يمكن أن يكون فيها الضعف والإرتباك هما الموقف الأخلاقي الأفضل.



موسمٌ عاصفٌ


سمى البعض الأحداث منذ سنة 2011 بـ"الربيع العربي". ولكني أعتبر الربيع استعارة مجازية موسمية مضللة لِما حدث. أن أردنا مجازاً موسمياً لوصف الحالة العاطفية في تلك الفترة، ليكون شهر أمشير القبطي هو الأرجح والأصح. تعرّف الحكمة الشعبية المصرية شهر أمشير(من 8 فبراير حتى 9 مارس) بالعواصف والطقس المتقلب، وعكس التفاؤل المرتبط بفكرة الربيع، في شهر أمشير لا تعلم صباحاً كيف قد يكون الطقس مساءً.

بحلول ربيع وصيف العام 2013، اعتبر اليساريون الثوريون في القرية جماعةَ الإخوان المسلمين عدواً أكبر من النظام القديم. بالنسبة إليهم، لم تنحصر المسألة في التضاد بين السياسات المدنية أو العلمانية مقابل السياسات الدينية. ولم يكن خط الصراع الذي فصل الإسلامويين عن أنصار الدولة المدنية أبداً كافياً لإنشاء تحالف 30 يونيو. بالنسبة للثوريين كان السبب الأهم هو التعاون بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري في سنتي 2011 و2012 ومحاولتهم للوصول إلى السلطة من خلال ذلك التعاون بدلاً من التصعيد الذي رغب إليها الثوريون.

أما الجمهور الأوسع نطاقاً ممن ربما تعاطفوا مع الثورة لكنهم لم يأملوا في تصعيدها كهدف من أجل ذاتها، فبالنسبة لهم، لم يكن الاتهام الأقوى والأكثر نجاحاً ضد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين هو رميهم بالأصولية أو عدم الكفاءة، بل بأنهم كانوا خائنين للوطن. كان التحالف ضد الإخوان المسلمين في العام 2013 ناجحاً لأنه تم التعبير عنه بشكل أساسي بخطاب الوطنية.

فاجأ الواقع المصري في أعقاب 30 يونيو 2013، العديد من الأكاديميين الغربيين وغيرهم؛ لأنهم لم يتوقعوا قدرة القوموية على فعل ذلك. وفي وقتٍ كانت فيه دراسات العولمة والحركات العابرة للقوميات هي التوجه السائد، لم تكن القومية موضوعا شائعا للبحث[3]. في دراسات الأنثروبولوجيا والتاريخ الحديثة عن الشرق الأوسط، حظي فكرة الأمة أو الوطن ببعض الاهتمام الكبير في مقابل مفهوم الدولة ذات السيادة والأصداء والصراعات بين الحركات الدينية والقومية[4].

ومع ذلك، فإن الاهتمام المنصب على مفهوم الدولة ذات السيادة غالباً ما اكتنفته الفكرة الثنائية عن الدولة بوصفها سلطة خارجية في مقابل المجتمع وقيمه الأخلاقية والمعنوية، وهي فكرة مؤسَّسَة على الثنائية الليبرالية بين الدولة القسرية والمجتمع الحر[5]. بينما تمتلك الشعوب في الشرق الأوسط غالباً علاقة أكثر تبايناً مع الدولة. إنهم يتعرضون للاضطهاد ويقعون على طرف نقيض من بعض مؤسسات الدولة مثل الأجهزة الإدارية والأمنية. في الوقت نفسه، يعبرون في الغالب عن حبهم الراسخ للوطن، والجيش، والنضال المسلح من أجل التحرر الوطني. وفي أجهزة القطاع العام المتضخمة، يعمل عدد كبير من المصريين أيضاً كموظفين حكوميين بطريقة أو بأخرى.

مصر بلد متدين، بحيث تُعَدُّ طاعةُ الله والثقة به بحسب العقائد الإسلامية والمسيحية جزءاً أساسياً من عوالم الناس الأخلاقية والروحية. ولكنها أيضاً دولة عسكرية قومية ما بعد استعمارية ذات تاريخ من الحروب والانتفاضات القومية. يعبّر معظم المصريين (وبينهم غالبية أصحاب الميول الإسلاموية) عن إيمانهم بالوطن والجيش وحرب أكتوبر المجيدة. تم تضخيم وتعزيز القيم الوطنية بشكل كبير في الانتفاضات الثورية في العالم العربي في العام 2011. فقد كان العلم الوطني رمزاً مركزياً ومتباينا يمكن استخدامه في المطالبة بالوحدة الوطنية من أجل أهداف ومُثُل متعارضة تماماً[6].

كانت الثورة سيرورة من إعادة اكتشاف وتقوية حب الوطن الذي أبدى حتى ذلك الحين القليل من الحب لأبنائه وبناته. في العام 2011، كانت تلك العاطفة لا تزال موجَّهة نحو كائن مجرد من الوطن و"الشعب" في غياب لافت للنظر لزعيم ثوريّ. وفي صيف العام 2013، تجسّد حبّ الوطن بشكل كبير في شخصية القائد المبجل: عبد الفتاح السيسي، الذي تم تمجيده كمنقذ للوطن في الأغاني والملصقات التي غطت المنازل والأماكن العامة والمتاجر في جميع أنحاء البلاد.

جادلت عالمة الأثروبولوجيا المشهورة صبا محمود فيما يتعلق بأزمة الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية عام 2006 بأن الرأي العام الغربي فشل في فهم "الحب الخالص" المُستثمَرَ في شخص النبي محمد (ص)، والذي جعل الهجمات الرمزية ضد شخصه مسألة غضب وضرر معنويّ جسيم[7]. بالنظر إلى السلوك الحسّاس الذي تفاعل به الكثير من المصريين مع أي نوع من أنواع انتقاد الجيش المصري والدولة القومية (سواء النقد الموجَّه من قبل الأجانب أو من قبل منتقدي القيادة العسكرية من المصريين) منذ العام 2013، يبدو أن مفاهيم النزاعات العسكرية كحرب أكتوبر، والجيش، ووحدة الوطن والدولة، لديها نوع مماثل من الحب الخالص مُستَثمر فيها، على الرغم من أن حبّ شيء ما بلا مقابل ليس أمراً سهلاً في كثير من الأحيان.

كما توجد أيضاً عملية تأهيل مستمرة للغضب الأخلاقي على أولئك الذين يتصرفون أو يتحدثون بطريقة غير محترمة تجاه الأشياء التي يستثمر فيها الناس الكثير من الحب. الحب ليس أمرا عذبا لطيفا فحسب. إنه سببٌ أيضاًا في الشعور بالغيرة، والشعور بالإهانة بسهولة والرغبة في الثأر. بين عامي 2011 و2013، تحوّل حب الوطن والدولة والجيش معاً في مصر بشكل متزايد في اتجاه الشعور بالتهديد والتخندق والاستياء والانتقام.

على الرغم من الحفاوة التي حازتها انتفاضات 25 يناير بادئ الأمر بوصفها ثورة سلمية، قُتل 1000 شخص تقريباً في العنف السياسي الذي ساد خلال الثمانية عشر يوماً الأُول التي أدت إلى تنحي الرئيس حسني مبارك وكانت الغالبية العظمى لهذا العدد من المتظاهرين الذين قتلوا بأيدي قوات الأمن. وأثارت الأحداث حالة من تقديس شهداء الثورة. وفي السنوات التالية، تلاحقت الأحداث العنيفة يتبع بعضها بعضا وخلقت شهداء جدد، ارتبط كلٌ منهم بصراعات ومطالبات ودعوات محددة لتحقيق العدالة. ومع تحول العنف إلى سمة معتادة في السياسة، أصبح النضال السياسي مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بخبرة أو توقع الطبيعة العنيفة للطرف الآخر.

بعد 11 فبراير2011، سرعان ما تشظى الائتلاف الثوري، حيث كانت بعض المجموعات أكثر نجاحاً من غيرها في المصارعة من أجل الحصول على حصة من السلطة، في حين كان الآخرون أضعف من أن يقوموا بذلك، وبدلاً من هذا، اختاروا المقاومة والتصعيد. بدءاً من أوائل شهر مارس 2011، ظهر الشقاق بين الحركات الإسلاموية الكبرى المنظمة تنظيماً جيداً والناجحة في بدايتها، وبين مختلف الجماعات اليسارية والليبرالية والإسلاموية الأقل شهرة. كانت هذه المجموعات الأخيرة أكثر ضعفاً وغير منظمة بما يكفي للاستيلاء على السلطة، ولكنها كانت قوية بما يكفي لقيادة سلسلة من الاحتجاجات والأزمات الجديدة. وفي غضون العام 2011 أصبحوا يطلق عليهم اسم "الثوّار" أو "الثورجية". في العامين التاليين، تطور هذا الشقاق إلى عداء بين الثوريين والإخوان المسلمين ومعهم معظم الحركات الإسلامويىة الأخرى، ونظر الطرف الأول بشكل متزايد إلى الإخوان كخونة للقضية. بينما حاول الإخوان إما دمج أو تهميش الطرف الأول.


مثّل صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة من خلال الانتخابات الرئاسية عام 2012 نقطة التحوّل في هذا الاستقطاب. ونتج عن ذلك أن وجد الموالون للنظام السابق والثوريون في الجانب نفسه لإعادة تنظيم حدود السلطة والمعارضة. وفي هذه الأثناء، أصبحت الجماعات الإسلاموية الثورية مثل حازمون حليفا للحكم الجديد الذي يقوده الإخوان[8]. تبنّى أنصار آخرون من التيار الثوري خطاب أنظمة مبارك وعبد الناصر ضد الإخوان المسلمين. في نفس الحين بدأ أولئك الذين قد شكوا حتى تلك اللحظة في بالثورةوالتظاهرات أن يتبنوا شعارات وتكتيكات ثورية.

لقد اتحد غضب أولئك الذين رأوا امتيازاتهم مهددة من قبل القاعدة الناشئة للإخوان المسلمين وحلفائهم، مع غضب من رأى أنَّ الثورة قد سُرقت وخانها الإخوان المسلمون. عند هذه النقطة، برزت سردية تصوِّر جماعة الإخوان المسلمين كحركة طائفية أجنبية غادرة، لا تمثل الشعب المصري ولا تستطيع أن تمثله. وبحسب هذه السردية، كان الإخوان المسلمون أعداء الوطن، وهم بحاجة إلى توقيفهم قبل أن يستحوذوا على البلاد بأسرها. بذل عدد من القنوات التلفزيونية الفضائية المقربة من النظام القديم جهداً كبيراً في خلق وبثّ هذه السردية[9]، وعلى الأرجح ساهمت بعض الأجهزة الأمنية أيضاً في هذا العمل. وجهت هذه السردية غضب المعارضة (الذي كان حتى ذلك الحين موجها ضد "النظام") ضد جماعة محددة في المشهد السياسي. وعلى الجانب الآخر من خط الصراع، خلق أنصارالإخوان وحلفاؤهم سردية مختلفة من الاستقطاب، مدّعين أن أولئك الذين عارضوا مرسي كانوا إما مسيحيين، أو ليبراليين ملاحدة، أو من نخب النظام القديم الفاسدة، وهكذا، مرة أخرى، وليس الشعب المصري المسلم الحقيقي.

ارتبطت أعمال العنف والاستقطاب بمزاج أوسع تميزت به ثلاث أو أربع سنوات من "أمشير" الثوري العاصف . وُصِف هذا المزاج غالباً بأنه "كسر لحاجز الخوف". فقد اعتمدت الأنظمة السلطوية مثل نظام مبارك وبن علي والأسد على الخوف كقوة محركة دفعت المواطنين إلى تجنب المواجهة المباشرة مع النظام والامتثال له، حتى لو كانوا يكرهونه. بعد المزاج الراكد في عهد مبارك، أصبح مزاج الحياة أكثر راديكالية وصراحة. والأمثلة المضروبة لذلك شائعة نوعاً ما: حياة فنية وثقافية مزدهرة، والرفاق المتحابون يظهرون عواطفهم علانية، وتعدد الرؤى المختلفة للحياة ووجهات النظر، وسلسلة متواصلة من التظاهرات والإضرابات الهادفة إلى تصحيح الأخطاء بدلاً من تحملها. ولكن هذا الحس المشجع كان يعني أيضاً زيادة في جرائم الشوارع، وتحرشاً جنسياً اتخذ أشكالاً أكثر عنفاً، وصار الناس يسوون صراعاتهم الشخصية بالأسلحة في الشوارع، وتعالت نبرة تفاعلية عدوانية خشنة، وانتشرت الفكرة القائلة بأن أفضل طريقة للتعامل مع الخصوم السياسيين هي محوهم من على وجه الأرض.

يقول الروائي مختار شحاتة، الذي أعمل معه في مشروع بحثي عن حياة الكتّاب في الإسكندرية، إن كسر حاجز الخوف لم يعنِ زوال الخوف نفسه. بدلاً من ذلك، يقول في مقال كتبه في ربيع العام 2013 بأننا بحاجة إلى أن نسأل ما الذي حل محل الخوف الذي وسم عصر مبارك:

الحقيقة هكذا، لا خوفَ كُسر ولا غيره من العواطف تم تنحيتها، إنما هي عواطف جديدة تولدت نتيجة لفوضى العواطف السابقة، .. وهكذا يتم استبدال عاطفة الخوف المباشر الطبيعي، بعاطفة جديدة تماما لا نعرفها لكننا نسميها "الخوف المكسور"[10].

بعبارة أخرى، الخوف المكسورعاطفة في حد ذاتها: إنه خوف، لكنه مكسور، أعيد تشكيله بطريقة تبدو فوضوية. ويمكن وصفه بأنه تركيبة عاطفية تنطوي على القلق والإثارة والإرهاب والشجاعة والاضطراب والأمل والتعسف في الاستمساك بوجهة نظر المرء. لا يسمح لنا الخوف المكسور كنبرة عاطفية لـ"أمشير" الثوريّ العاصف أن نميز بدقة بين الآثار الإيجابية والسلبية للثورة. إنه ينتمي إلى السيرورة ذاتها، والمشاعر ذاتها.

وبمرور الوقت، أصبح الجانب المدمِّر لهذه العملية أكثر وضوحاً في شكل التوترالعصبي والعدوان والارتباك والقلق. وفي هذه الحالة من "فوضى العواطف" الصادمة، برز مسار العمل الحازم والعدواني كمخرج. عندما بدأت حملة تمرد في جمع التوقيعات من أجل إقالة شعبية لمرسي في ربيع العام 2013، قدّمت نفسها بوصفها حركة سلمية في إطار القانون تسعى لجعل صوت الشعب مسموعاً. ولكن عندما كنت في مصر في شهري مايو ويونيو 2013، كنت أسمع باستمرار أشخاصاً يتحدثون عن إراقة الدماء المتوقع حدوثها. وكان المتوقع وقتئذ هو أن الإخوان لن يرحلوا طواعية. وأنهم سوف يقاومون بشراسة. وسيحتاجون إلى أن يُجبروا على ترك السلطة.

كان الخوف المكسور هو شرط إمكانية تحويل مثل هذه التوقعات بإراقة الدماء إلى سفك فعليّ للدماء. ولم يتغلب على الأشكال الراسخة من العنف الممنهج الذي واصل الرواج في مصر والمنطقة. بل وفّر المزيد من النماذج الإضافية للعمل العنيف (مثل حرق مراكز الشرطة ومكاتب الأحزاب). والأهم من ذلك، أنه أثّر أيضاً على العديد من الحواجز والموانع التي كانت تدور حول الحفاظ على السِّلم المجتمعي.

السِّلم ليس أمراً طبيعياً. إنه بحاجة إلى الحفاظ عليه. وفي كثير من الأحيان يتم الحفاظ عليه بتكلفة ما. وفي الحالات التي يعيش فيها الناس متجاورين ويعتمدون على بعضهم البعض بشكل متبادل، بينما يكره بعضهم بعضاً بشدة، فإن السلم يكون أكثر أهمية من العدالة. على سبيل المثال، غالباً ما تهدف المجالس العرفية القروية في المقام الأول إلى الوصول إلى تسوية ما واستعادة السلم بدلاً من إثبات الحقيقة أو تحقيق العدالة. ولكن في الحالات الحاسمة التي يمازجها القلق، يصبح من الصعب على نحو متزايد التمسك بآليات حفظ السلم، ويصبح خيار المعركة الحاسمة المريعة خياراً جذاباً ومرجحاً بشكل متزايد. وتستند فكرة المعركة الحاسمة إلى الوعد القائل بأنها ستحدد كيف ستسير الأمور، وتظهِر من هو القائد، وتستبدل حالة السلم الغامضة والمشكوك فيهابحالة من اليقين والوضوح من خلال المعركة[11].
عِش ودعهم يموتون

صاحبت فترةَ مرسي الرئاسية القصيرة سلسلةٌ من الأحداث العنيفة التي تواجَه فيها الحلفاء الثوريون السابقون كأعداء، حيث اتهم أنصار الأطراف المتنازعة بعضهم البعض على نحو متبادل بسفك الدماء. وسادت دوّامة من الاتهامات المتبادلة؛ بحيث أصبح تبادل الآراء خارج نطاق اللغط الغاضب أمرا شبه مستحيل، حيث نظر كل طرف إلى الطرف الآخر كممارس للعنف. كما هي الحال على سبيل المثال مع الشخص "مـ"، وهو خريج جامعة في أوائل العشرينات من عمره، ينتمي إلى دائرة من اليساريين في إحدى قرى دلتا النيل.

يسكن في الإسكندرية، ويعتبر نفسه اشتراكياً، ويعارض بقوة جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات الإسلاموية.. في 28 يونيو 2013، شارك في واحدة من الاشتباكات في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية، وهي من المعارك التي اشتعلت قبل وبعد 30 يونيو2013[12]. وقعت هذه الاشتباكات إلى حد كبير في غياب الشرطة، استُخدِم فيها عدد صغير من الأسلحة النارية. وكالعادة، ادعى كلا الطرفين أن الطرف الآخر كان مسؤولاً عن العنف واستخدام الأسلحة النارية. وهذه هي تجربة "مـ" مع اشتباكات 28 يونيو:

"... ولما طلع علينا البلطجية بتاع الإخوان يوم 28، ساعة ما إحنا نزلنا سيدي جابر، (...) لا إنت لازم. وصلت للمرحلة إن إنت عملتله رعب، وهمة جايين دلوقت عشان يرهبوك، أو عشان يهزوك شوية، والناس اللى انضربت قدام عنينا.. يمكن.. كان في راجل عجوز جوة النفق في سيدي جابر، أنا مطلعه من جوة واخد رصاصة فى كتفه، فى دراعه من هنا العضم حصل فيه.. مش باين مفضلش في عضم. (...) لما تيجي تشوف ده.. وداناه للمستشفى الميدانى، فقال لك ده رصاص دمدم، اللى هو نفس الرصاص، الدكتور هناك قال: نفس الرصاص اللى انضرب بيها الشهيد حسام أبو ضيف.[13]

فإحساس إنك.. يعنى.. إنت وصلت ليعنى، لو كنت عندك شك قبل كدا أو عندك أمل إن الناس دول [الإخوان المسلمين] كانوا بيعملوا كدا، للدفاع عن الحاجة، هُمَّة دلوقت بقى للدفاع عن المكان اللى همة في، هما دلوقت بقى، اللى عملها قبل كدا وبيكررها معندوش استعداد، أو معندوش أي خوف يكررها بعد كدا معاك أو مع غيرك (...) أنت بتكمل بعد كدا [أي الانضمام إلى التظاهرات منذ 30 يونيو حتى 3 يوليو] وإنت معترض على إن ناس نازلة تقول "إنزل يا سيسى" بس إنت برده في ناس معاك جوة سيدي جابر مش عند المنطقة الشمالية،[14] (...) إنت معاك ناس تحب تهف للشهداء ورافعة صورها. مش نازلة عشان شخص."[15]
أخبرني "مـ" كيف أن تجربة العنف اتحدت جنباً إلى جنب مع تاريخ النضال السياسي لتخلق لحظة من الحقيقة والحسم على الرغم من الشكوك التي لازالت لديه. وهذه إحدى أكثر الجوانب جاذبية ورعباً من الدخول في مواجهة عنيفة.

ثم جاءت لحظة 30 يونيو 2013. بدعم من المظاهرات الكبيرة، قام الجيش بعزل مرسي في 3 يوليو، وسمّى حكومة مدنية بدلاً منه. وتم اعتقال مرسي وقيادات الإخوان، بينما نزل أنصاره إلى الشوارع. اتخذت ديناميكية الاستقطاب والعنف منحى مختلفاً. بعد 3 يوليو، اتبع الإخوان المسلمون وحلفاؤهم استراتيجية الاحتجاجات الجماعية والاستشهاد، واستفزوا الجيش عمداً في بعض الأحيان. وقاموا بتحويل كل مذبحة ترتكب ضد المتظاهرين –وكان هناك العديد من المذابح- إلى ادّعاء أخلاقي من أجل عدالة قضيتهم المتعلقة بـ"الشرعية"[16].

وأعلنت الحكومة العسكرية الجديدة بحكم الأمر الواقع وتحالف 30 يونيو من جانبهم أنهم كانوا يحاربون الإرهاب. كان هناك فعلاً أعمال عنف ضد حركة 30 يوليو السلطة الجديدة وحلفائه، وإن كانت أقل قوة وأكثر عشوائية من العنف الذي مارسته الجهات الأمنية. لكن خطاب "محاربة الإرهاب" بدأ قبل تلك الهجمات، أي سبقت المحاربة الإرهاب. وتعني "محاربة الإرهاب": أن يكون خصمك خارج نطاق القانون والتفاوض والمعاملة العادلة. و"الإرهابي"، بغض النظر عما إذا كان قد ارتكب بالفعل أي أعمال إرهابية من عدمه، هو، بحكم التعريف، شخص يجب القبض عليه أو قتله قبل أن يتمكن من التصرف. خطاب محاربة الإرهاب تقدم رسالة بأن القوة والسلاح هما الحاكم فيما يأتي وسيتم تصفية من يعارض، بشكل جسديّ أو معنويّ.

نفّذت مختلف أطراف المواجهة في مصر سلسلة من الإجراءات الرمزية القوية في شهري يونيو ويوليو 2013 كان من شأنها ألا تترك للطرف الآخر خياراً سوى الاستسلام المهين أو تصعيد المواجهة. وكان اعتصام رابعة العدوية هو الأكثر مأساوية في هذه المواجهات. لم يستطع أنصار مرسي، الذين أعلنوا أنهم ثابتون على موقفهم حتى الاستشهاد إذا لزم الأمر، التراجع عن موقفهم. ولم يكن بإمكان الجيش وحلفائه، بعد أن أعلنوا أعداءهم إرهابيين يجب القضاء عليهم حتى يتمكن الوطن من الحياة، السماح لهم بالاستمرار. قبل المذبحة بوقت طويل، كان الجميع يعلم أن المواجهة ستؤدي إلى مجزرة. كان كل تحرك رمزي باسم الوطن أو الدين أو الشعب أو الثورة أو الشهداء يجعل الأمر أكثر صعوبة من التراجع فيه.

على الرغم من أن كلا الطرفين واصل نظرته للآخر بوصفه المرتكب الرئيس للعنف، فإن "الحرب على الإرهاب" جلبت منطقاً مختلفاً للعنف: عنف السيادة الذي لم يعد يتناسب مع المنطق الأخلاقي للنضال الدفاعي والاستشهاد. ولم يعد يتقيد مثل هذا العنف بمنطق المساواة النسبية في الاستجابة. حتى في ظل غياب العنف فعلياً، فإن مجرد كون الطرف الآخر يتصرف بطريقة مثيرة، يصبح ذلك تهديداً وجودياً يشرعِن الدعوة إلى استئصاله. وكانت وسائل الإعلام هي الميدان الأهم لشيطنة الطرف الآخر.

يتذكر "مـ" النقاشات التي دارت على نحو متزايد في تلك الأيام حول الرغبة في وضع نقطة نهاية واضحة للمواجهة بغض النظر عن التكلفة، من أجل العيش وترك الآخرين يموتون:

"وصلت بعد كدا إن إنت كل يوم بتقول بكل المهازل والمسرحيات اللى كانت بتحصل جوة اعتصام رابعة واعتصام نهضة، والمجازر اللى كانت بتحصل، سواء فى ميدان إسعاف أو فى رمسيس، أو فى الحرس الجمهورى، كل الأحداث اللى حصلت دي كانت بتخلى واحد يقول: لازم المهزلة دي يبقى ليها حد. بس تحدها إزاي؟ ناس يقول لك لا يا عم خش! خلّص! كان أكتر إن واحد بيتكلم هو: فى إيه لو نخلص عليهم! فى نفس المنطق بتاع مرسي: فى إيه لما حد يموت عشان تانين يعيشوا؟ لأ! هو مهما كانت الناس عايزة تخلص، يعنى إنت شايف إن دول أعداءك وأنت شايف إن خلاص دول ميستحقوش العيشة عشان إنت كرهتهم. مينفعش إنك تتعامل معاهم توصل لمرحلة الإبادة عشان تخلص معاهم خالص، أو عشان إنت تعرف فعيش وتاخد مكانك."[17]
ولكن كما تظهر شكوك "مـ" القوية، لم تكن هذه عملية سلسة، ولم يكن الجميع يصدقها تماماً. "أ"، شاب في منتصف العشرينات في ذلك الوقت، من عائلة برجوازية في الإسكندرية، شارك في التظاهرات منذ 25 يناير 2011. وكان في الشارع في يناير وفبراير 2011، وخلال احتجاجات محمد محمود في نوفمبر وديسمبر 2011، وفي العديد من الأحداث الأخرى. وقد أصيب مرتين، ونجا من الموت. كانت تلك الأيام هي أجمل أيام حياته على حد وصفه. كما شارك أيضاً في حراك 30 يونيو. وفي 5 يوليو 2013، كان من بين مجموعة كبيرة من المتظاهرين الذين واجهوا مجموعة كبيرة من أنصار مرسي في منطقة سيدي جابر بالإسكندرية. وتسببت الاشتباكات التي أعقبت ذلك في مقتل 12 شخصاً، معظمهم من أنصار مرسي. وفي الليلة التي تلت تلك الصدامات، كتب على صفحته على فيسبوك:

"اللى حصل انهارده فى إسكندريه ولا هو انتصار لينا عشان جرينا الإخوان عالبحر ومسكنا وموتنا كام واحد منهم ولا هو انتصار للإخوان عشان ضربوا علينا خرطوش وموتوا كام واحد فينا، اللى.. اللى حصل انهارده كان مأساه إنسانيه، الناس من الطرفين مبقتش حاسة هي بتعمل ايه، خلاص فقدت إنسانيتها بقى عندها شره وحب للدم والحرق والقتل بقوا بيستمتعوا لما يقتلوا أكتر، وبيتباهوا إن هما ضربوا واحد بسكينة فى راسه أو ولع فى عربيته .. يعنى لما الإخوان يرموا واحد من سطح عمارة يدشدش وبعد ما مات بيكبروا احتفالا بالدم ..

ولما الثوار يمسكوا واحد من الإخوان بيحاول يهرب ويتجمعوا عليه ولا 100 واحد زي الحيوانات الجعانة اللى مصدقت لقت حتة لحمة كل واحد عايز حتة ومبسوطين فششخ إن همة قتلوه واتخلصوا منه الخاين العميل .. اللى وقفني عند كل اللي بيحصل ده لما شوفت الراجل السلفى وهو متقطع قدامى والدم مغرق الشارع وعينيه مرعوبة وساعتها اتخيلت أخويا السلفي إن هو ممكن يكون مكان الراجل مقدرتش ساعتها أتمالك أعصابي ومبقتش فاهم أى حاجة وبقى الموضوع بالنسبة لي ولا ليه علاقة بالدين ولا ليه علاقة بالثورة والمواطنه .."[18]
وُلِدَت حالة الصدمة والارتباك التي عاينها "أ" من معايشته الواقع القبيح والشرير للمعارك الحاسمة. لكن الغالبية العظمى من المصريين عايشوا تلك الأحداث من خلال وسائل الإعلام؛ المُفَلترة بشدة في أحسن الأحوال، والمزيفة والملتوية في أسوأها. بالنسبة لأولئك الذين يتابعون الأحداث من خلال شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يكن سُعار القتل ولا التمتع به ولا التجربة المربكة جزءاً من خبرتهم في منطق التصعيد.

وبدلاً من ذلك، تلقوا رؤية مريحة حول الصواب والخطأ، وهي رؤية ترتكز على كون أعدائهم يتصرفون بجنون دموي شرير، بينما يتخذ جانبهم خطوات مدروسة وضرورية للدفاع عن الوطن ضد تهديد وجودي. عندما تصبح فانتازيا إراقة الدماء حقيقية، يجب فلترتها بشكل كبير لتجعل المرء يشعر بأنها ضرورية ومناسبة، من أجل منع لحظات الصدمة والارتباك كتلك التي عاشها "أ". ساعد وهمُ التصرف بطريقة ضرورية ومحدودة، تجاه الأعداء الأشرار اللاإنسانيين، الناسَ على التذبذب بين موقفين متعارضين ظاهراً: الدعوة لقتل أعداء، والإصرار على أن الأعداء هم من كانوا يمارسون العنف. أنْ يدعو المرء إلى مذبحة شيء، وأنْ يعترف بأنه شارك فيها شيء آخر. من السهل بكثير أن يفقد المرء إنسانيته أمام شاشة التلفاز.



لا دموع على رابعة

تلك هي اللحظة التي انهار فيها ما اعتُبِر تيار الثوريين في القرية. إذ لم يختلفوا بشأن أحداث 30 يونيو، ولم يختلفوا حول عداوتهم للإخوان المسلمين (في هذا الصدد كانوا مختلفين عن بعض الدوائر التي أعرفها في الإسكندرية، حيث رفض عدد من الثوريين الانضمام إلى حركة 30 يونيو؛ لأنهم استاءوا من الدور البارز الذي لعبه الموالون لنظام مبارك في تلك الحركة). ولكن انقسمت آراؤهم فيما يتعلق بالعنف ودور المؤسسة العسكرية. في قرية دلتا النيل، التي جاء منها "مـ"، كان الحدث الحاسم هو دعوة السيسي المصريين لمنحه تفويضاً شعبياً لمحاربة الإرهاب. كان التفويض الشعبي، الذي أعقبه مجزرة ضد أنصار مرسي في صباح اليوم التالي[19]، بمنزلة آلية الشرعنة الأساسية لاقتحام رابعة والنهضة بعد أقل من ثلاثة أسابيع فيما بعد.

ونظر أولئك الذين انضموا إلى التظاهرات واسعة النطاق المؤيدة للتفويض الشعبي إلى من لم يشاركوا بوصفهم جبناء وخونة. واعتقد الذين لم يشاركوا في تظاهرات التفويض الشعبي (وهم قلة في العدد) أن من شاركوا فيها برروا القتل وباعوا مبادئ الثورة.

لجأ المعارضون للتفويض الشعبي إلى خطاب مضاد مناهض للاستقطاب والقتل الذي برز في يونيو 2013، مستغلين الطرح الإنسانوي عن الإنسانية، والطرح الإسلامي عن حرمة الدماء. من بين الأصدقاء اليساريين لـ"مـ" في القرية، أوضح رجل في منتصف العمر، وعضو سابق في الحزب الشيوعي، هذا الموقف بشكل صريح من خلال التأكيد على أن موقفه لم يكن سياسياً، بل أخلاقياً:

"لو سألنا عن اللي اتقتلوا في رابعة: "إيه اللي وداهم هناك؟" يبقى اللي اتقتلوا في 25 يناير إيه اللي وداهم هناك، واللي اتقتلوا في محمد محمود إيه اللي وداهم هناك، وإيه اللي وداهم كلهم هناك أصلا؟"[20]
من الخطأ ادّعاء أنّ من رفضوا الدعوة إلى التفويض الشعبي كانوا يتصرفون على نحو أخلاقيّ، بينما من استجابوا لتلك الدعوة لم يكونوا كذلك. ففي لحظة المواجهة المباشرة، يمكن أن يكون فقدان الموانع الأخلاقية وإثارة الغضب الهستيري حالة متفجرة لا يمكن السيطرة عليها، حيث يخرج الناس عن أطوارهم فحسب.

ولكن الحفاظ على مزاج غاضب مُبرَّر أخلاقياً لأسابيع وشهور يتطلب عملاً تأهيلياً أكثر وعياً. تتموضع الأخلاق حيث تلتقي الانفعالات التلقائية مع تربية النفس، وحيث تتلاقى ردود الأفعال البديهية مع التفكير. إن الرحمة والحب والغضب والخوف والشجاعة والصداقة والعداوة يمكن لجميعها أن تكون عواطف تلقائية ومواقف أخلاقية مبنية على تربية النفس في ذات الحظة، ويمكن بسطها أو تقييد تأثيرها على عدد أكثر أو أقل من الناس. يمكن للاحتفاظ بحالة غضب صلبة أن يكون أخلاقياً مثلما هو الإصرار على حرمة الدماء. هؤلاء الثوريين الذين في صيف العام 2013 أصروا على ضرورة القضاء على الأعداء أصرُّوا أيضاً أن موقفهم كان هو الصحيح أخلاقياً.

تحرّك "سـ" في نفس دوائر الثوريين اليساريين مثل "مـ" في القرية. وكان من بين أولئك الذين شاركوا في التفويض الشعبي، ولعدة أشهر، لم يكن يحتفظ بعلاقة جيدة مع من رفضوا ذلك التفويض. في يوليو 2013، كتب إليّ غاضباً مما اعتبرتُه من وجهة نظري معارضة لعمليات القتل العشوائية، بينما اعتبرها من وجهة نظره دعماً لجماعة الإخوان المسلمين الفاشية. وبنبرة يسارية أممية ملحوظة، انتقدني بسبب فشلي في دعم النضال ضد الفاشية، الذي يجب أن يكون قضية مشتركة لليسار في جميع أنحاء العالم. وعندما التقيته أخيراً في زيارتي التالية إلى مصر في أكتوبر 2013، كانت انفعالاتنا قد هدأت لدرجة كان يستطيع معها أن يشرح لي وجهة نظره.

نعم، لقد كان يدعو "يسقط حكم العسكر" إبان حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة في سنتي 2011 و2012، لكن الوضع الآن كان مختلفاً على حد قوله. فقد كان كشخص يساري علماني يواجه حركة فاشية عنيفة في الأساس، وكان لا بد من سحق تلك الحركة. وقال إنه كشخص متعلم، لم يستطع محاربتهم بنجاح في الشوارع. ومن أجل القيام بذلك، كان من الضروري أن تتدخل قوة وتنظيم الجيش. وبالنسبة إلى "سـ"، لم يكن هذا مجرد خيار استراتيجي. بل كانت مسألة مبدأ. وباعتباره ناصري وقومي، فإنه أيَّد وحدة الجيشوالوطن. ومع ذلك، رأى أن دور الجيش هو حماية الوطن وليس زعامتها. فبالنسبة إلى "سـ"، وهو من المؤيدين الناشطين للسياسي الناصري حمدين صباحي، اتخذ السيسي الموقف الصحيح في صيف العام 2013، لكنه لم ينبغِ له أن يصبح رئيساً.

حتى بعد عدة أشهر، عندما بدأت الشكوك المتزايدة تنتشر بين الثوريين السابقين، الذين وجدوا صعوبة في إنكار حقيقة عودة النظام القديم على نطاق واسع، أوضح موقفه على حسابه على فيسبوك قائلا: "ربما تقولون إني مطبلاتي ومن الفلول، ولكن الإخوان ليسوا مصريين مثلنا تماماً، وليس كل الدم حراما"[21].لم يتلازم دعم أعمال العنف بالضرورة مع تأييد أو احترام دور الجيش. لم تعلق "ر"، وهي امرأة من الإسكندرية ناشطة في حراك الثوريين، أي أمل على الجيش، لكنها أيضاً لم تذرف دمعة على من قتلوا في رابعة. عندما التقيت بها في ربيع العام 2014 وقمنا بتوضيح وجهات نظرنا المختلفة، أصرّت على أن ما حدث هو "عصابتين مسلحة بيخلصوا على بعض". وأخبرتني أن اعتصام رابعة كان مسلحاً. جميعهم كانوا جناة، ولم يكن ثمّة ضحايا[22].

لقد بذلتْ مع كثيرين غيرها الكثير من الجهد من أجل التأسيس خطابياً لصورة العنف المتناظر، بما يسمح للمرء أن يتخذ موقفاً مبرَّراً أخلاقياً من الخارج ولا يطرح بعض الأسئلة غير المريحة. وسواء كان ذلك عن طريق التأييد المباشر كما عبّر عنه "سـ"، أو بالطريقة التي انتهجتها "ر" عن طريق اتخاذ مسافة متساوية من الأحداث، وإلقاء اللوم المتساوي على الأطراف المعنية، فإن هذه المواقف تتطلب التفكير والنظر في الصواب والخطأ، والوسائل والغايات.
لقد انخرط هؤلاء وآخرون غيرهم فيما يسميه الدرس الأنثروبولوجي المعاصر بالأخلاقيات أو بالإيتيقا (ethics، من الكلمة اليونينية ethos ἦθος "الخُلُق" وهو المصدر لصفة ethikos ἠθικός "الخُلُقي" وجمعها ta ethika τὰ ἠθικά أي "الأخلاقيات" أو فلسفة الأخلاق)[23]: النظر في العلاقة بين القيم والأفعال، وبلورة تلك القيم كسلوك. تبدو الأخلاقيات شيئاً إيجابياً بطبيعة حالها لأنها مرتبطة بكون المرء شخصاً طيبا، صالحا،، ثابتا على مبدأه، مسؤولا، ويعرف كيف يفعل الصائب ويتجنب الباطل. ولكن عندما يجادل الناس بأن الصالح والصحيح والمسؤول هو قتل أعدائهم، فإن الأخلاقيات تكشف عن الجانب المظلم من الخبث الإنساني الذي يجب أن يُؤخذ على محمل الجد.

في كتابها "أيخمان في القدس"، تحاول المفكرة السياسية حنة آرنت، والتي هربت من ألمانيا إلى الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي كي لا تقع ضحية للنازيين، أن تفهم عقلية آدولف أيخمان، والذي كان المخ الإداري لتنفيذ المجزرة على اليهود الأوروبيين على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية، والذي تمَّت محاكمته وحُكم إعدامه في القدس الغربية سنة 1961. تقول آرنت إن الجانب الأكثر رعباً حول أيخمان أنه لم يكن ذلك الوحش المتعصّب كما حاولت الدعوى القضائية أن تصوره، بل موظفاً إدارياً تافهاً نفذ إبادة جماعية للملايين دون التفكير فيما يفعله، وهذا ما قصدت آرنت بمقولتها المشهورة عن "تفاهة الشر".

ولكن في بعض فقرات تقريرها، يبدو أن أيخمان نظر إلى نفسه كمواطن يحترم القانون، قرأ كتاب نقد "العقل العملي" لإيمانويل كانط، ولكنه استبدل لاحقاً الفكرة الكانطية عن الواجب المحض بالفكرة النازية عن الواجب تجاه الزعيم[24]. بالنسبة إلى آرندت، ظل تفكير أيخمان في الواجب سطحياً وتافهاً، فأصبح عدم تفكيره فيما يفعل هو الجريمة التي استحق الأعدام بسببه. من الصعب الاختلاف معها في ذلك. ولكن بمصطلحات الأنثروبولوجيا المعاصرة، انخرط أيخمان في النظر في شكل وعلاقة المبادئ بالأعمال. كان تفكيرهمقصوراً على الحفاظ على واجبه المطلق تجاه الزعيم، والتغلب على إغراء عدم القتل،وهذه حقيقة مروعة وإجرامية، ولكنها ليست استثنائية. المواقف الأخلاقية دائماً متحيزة وغير شاملية، وتبني عادةً على مزيج من التقاليد والقيم والأهداف المحددة. بهذا المعنى، ربما كانت آرندت متفائلة في تحليلها لسطحية وتفاهة الشر. هناك الكثير من حالات القتل الجماعي، التي ارتكبها أشخاصٌ عملوا بجد من أجل الحق، ولم يستسلموا للإغراءات التي قد تعيقهم عن أداء عملهم الذي كان على رأيهم من أجل الحق.

في العقدين المنصرمين، أصبح الأنثروبولوجيون الغربيون جيدين بشكل معقول في التغلب على إحساسهم بـ"البغضاء"[25] والاعتراف بالأخلاقيات المتضمَنة في الحركات الدينية الإسلاموية على سبيل المثال، حتى وإن كانت غايات وأهداف تلك الحركات يمكن أن تتعارض بشكل جذري مع ما يؤمن به معظم الأنثروبولوجيون. ومع ذلك، لم يكن هؤلاء الأنثروبولوجيون جيدين عند تقبّلهم للحركات القوموية المتشددة على ما هي عليه. ويمكن للمرء أن يتكهن بأسباب ذلك. في حدسي، يرجع ذلك إلى أن علماء الأنثروبولوجيا الغربيين في مجتمعاتهم غالباً ما يخوضون صراعات سياسية وأيديولوجية في مجتمعاتهم ضد مؤيدي القومية الشعوبية المتشددة. من الأسهل التحدث أكثر عن أشخاص نختلف معهم لكنهم ليسوا بأعداءنا المباشرين. ولكن هذا ليس مبرِّراً.

فإذا كان باستطاعتنا قبول الطبيعة الإيتيقية للتشدد الديني، فيجب علينا أن نقبل الأمر ذاته عند تناول القومية العسكرانية militarist nationalism. بالطبع لا أقصد القول إننا يجب أن نكون نسبيين؛ أي أن نقرّ بأنه كل ما يدّعيه الناس فهو صواب إن كان يبدو كذلك بالنسبة لهم، فهو صواب بالنسبة إليهم فحسب. بالتأكيد لا أقصد ذلك. بل العكس، الأخلاق تدور حول العيش مع الآخرين. إنها مسألة اتصال وتواصل وصراع. لا توجد جزر أخلاقية نسبية منعزلة عن بعضهم البعض. ويعتبر لجوء "سـ" إلى الخطاب الأممي اليساري المناهض للفاشية مثالاً على ذلك. ما أعنيه هو أننا يجب أن نأخذ على محمل الجد أن الشر والخبث الإنساني متجذر إلى حد ما في الرغبة في العمل الصالح والدفاع عن الخير. لا يوجد عالم آمن قوامه الخير المحض.
دعوة للإرباك والضعف

لكي يكُونَ للمرء موقفاً أخلاقياً متسقاً، يحتاج إلى الانخراط في التفكير -وحده، أو في الغالب مع الآخرين- فيما هو صحيح، وما هو مهم، وما الذي ينبغي عمله. يحتاج المرء إلى تأهيل ملكة التفكير في أعماله وسلوكه. ولكن التفكير الأخلاقي يتطلب أيضاً تغافلاً أخلاقياً moral oblivion. أنْ تؤمن بشيء ما، فإنك بحاجة إلى الارتياب في الأشياء التي قد تزعزع هذا الإيمان. والأفضل من ذلك، ألا يفكر المرء في مثل هذه الأشياء على الإطلاق.

يمكن للمرء أن يطور الحساسيات والمواقف التي تجعله ساخراً أو متعالياً أو غاضباً من الأفعال والادعاءات التي قد تشكّل حسّاً منافساً للحق والخير. ويمكن للمرء أن يستخدم معايير مزدوجة دون أن يعي بذلك. باختصار، قد يستثني المرء نفسه من وجهات النظر وأساليب المعيشة التي من شأنها زعزعة مفهوم الحق والخير الذي عمل المرء جاهداً لامتلاكه. يمكن لتيار اليسار الأكاديمي الرائج بين علماء الأنثروبولوجيا في الغرب أن يكون مثالاً على ذلك. فقد يكون هؤلاء الأنثروبولوجيون منتقدين بشدة لعدم المساواة في نظام القوى العالمي، في حين أنهم لا يهتمون كثيراً بالطريقة التي تتجذر بها مسيرتهم الوظيفية في مجتمع طبقي.

يكون التغافل الأخلاقي أمراً حاسماً في وقت النضال المبرَّر أخلاقياً أكثر من أي وقت آخر. فهذه، إن وجدت، هي لحظة المواقف الواضحة الثابتة، لحظة العمل، لحظة النقاء. إنها لحظة من الضروريّ فيها ألا ترى الأشياء من وجهة نظر عدوك، وألا تشكك في موقفك، بل يجب أن تسير مع تيار الغضب المبرر أخلاقياً. عندما تذكّر أحدهم أن الرجل السلفي الذي يرقد في الشارع يمكن أن يكون أخاه، زعزع هذا حالة تماسك النضال وأفسد نقاوته غير الواعية. النقاء مسألة قذرة جدّاً. هيمنت أخلاقيات النقاء والنضال هذه على المشهد في مصر في صيف العام 2013، بينما سبقها ومهّد لها عامان ونصف العام من "الخوف المكسور".

ساد شعور من الغضب وعدم الثقة بين أولئك الذين اصطفوا إلى جانب "محاربة الإرهاب" التي أعلنها السيسي تجاه أولئك الذين وقفوا على الجانب الآخر -الكاذبين، الإرهابيين، غير المصريين مثلنا جميع. وكان هذا الشعور مقروناً بحالة من التغافل الملائم حيال شكل ومدى القتل والتعذيب اللذين ارتكبهما الطرف الأول، الذي تحرك نحو الشعور باليقين المرتكز على القيمة الإيجابية للوطن، والشعور بالإلحاح المرتكز على تهديد الإرهاب. وهذا ما جعل سفك الدماء لاحقاً ليس أمراً ممكناً فحسب، بل مبرَّراً أيضاً ومناسباً وضرورياً من وجهة نظر أولئك الذين انحازوا إلى جانب "محاربة الإرهاب".

إذا كان من الممكن ارتكاب جرائم مروِّعة باسم القيم السامية، وإذا كان يمكن لأي موقف أو لأي عمل أن يكون أخلاقيّاً عن طريق بعض العمل الشاق من التأهيل والتفكير والتغافل، وإذا كان الغضب والحنق طريقة ناجحة لمنع الشك المحتمل، فما هو الأمل الذي يمكن أن يكون هنالك؟ هل يمكن أن يكون هناك موقف أخلاقي قد يرفض، في الظروف المناسبة، الانضمام إلى حملة القتل الجماعي لأصحاب الموقف الخاطئ؟

لا توفر لنا آلية الاتساق والتأمل مخرجاً. إذ يمكن لرفض العنف السياسي باسم "الإنسانية" و"حرمة الدماء" أن يكون متسقاً ومدروساً مثله مثل الدعوة "لمحاربة الإرهاب" بلا شفقة من أجل دولة قوية. وينطبق الشيء نفسه على الالتزام بالاستشهاد والمواجهة من أجل "الشريعة الإسلامية والشرعية الانتخابية"، أو على حملة التفجيرات الجهادية "الهجمات الاستشهادية".

يعتمد كل موقف من هذه المواقف على أن أصحابه يتساءلون ويتأملون في بعض الأمور، ويعتبرون بعض الأمور الأخرى من المسلمات، ويغافلون أموراً غيرها. ويعتمد أيضاً أصحاب كل موقف على تربية وتقوية بعض العواطف وردود الأفعال الغريزية، وعلى قمع البعض الآخر منها. بالطبع، البشر نادراً ما يتسقون مع أنفسهم. يتطلب الاتساق نضالاً؛ بمعنى أنه يجب على المرء في بعض الأحيان أن يناضل من أجل الحفاظ على "وهم الاتساق"[26]، وكذلك بمعنى أن النضال ذا هدف ومعنى هو أقوى وسيلة للحفاظ على ذلك الوهم. وفي المقابل، السلام شأن مشوَّش وزائف من التنازلات والصفقات المشكوك فيها.

ومع ذلك، لا يخلق النضال لحظات من الوضوح فحسب، بل أيضاً لحظات من الارتباك، لحظات يفشل فيها صقل حالة اليقين والتغافل. إحدى هذه اللحظات كانت صدمة "أ" عندما تحول جمال النضال إلى نشوة بالقتل. ومثال آخر على هذه الحظة، هو وصف "مـ" لردود فعله الأولى على اقتحام اعتصام رابعة العدوية:
"كنا ساعتها فرحانين إنه يتفض، فى أول الفض ما اتفض. أول الفض ما ابتدى، كنا قاعدين كلنا، وكنا قاعدين نتفرج. وشايفين "الله!” ومبسوط إن ده بيطلعهم ومبيعملوش فيهم حاجة، وبيضربوا عليهم غاز بس، وكل الكلام اللى اتقال ده فى الأول وكل الصور اللى كانت بتتزاع سواء ع الontv أو القنوات كلها اللى كانت بتتصور.[27] (…) إحنا كلنا.. أو بلاش إحنا، أنا مليش دعوة بحد خلينى أنا فى النص. أنا كنت قاعد بأتفرج ومأنكرش إن أنا مبسوط إن الموضوع خلص، إن الموضوع كله ضرب غاز بدون تدخل عنيف.

وقلت إن إنت كدا فعلاً بتعمل.. بتعمل حاجة، بتقلل الشحن اللى جوة الناس على الإخوان عموماً، وبتخلص إنت وبتريح الناس من العنف اللى كان بيتشحن جوة اللى موجودين جوة رابعة، أو النهضة. بعد كدا لما طلعت الأرقام والعداء العنيف اللى كان بيحصل جوة، والتعامل البشع اللى اتعامل مع الناس اللى موجودين جوة رابعة، والأخطر من الأرقام بتاعة القتل (…) قد إيه البشر اللى كانوا زعلانين قبل كدا على التعامل العنيف مع أي حد، دلوقت لما بقى (كلمتان غير واضحتين) وهو بعيد عنهم.. يعرفك إن أنت قبل كده ما كنتش ضد العنف.. علشان أنت ضد العنف بس.. يعرفك إن الناس اللي طلعت ضد العنف قبل كده..طلعت علشان هو بس كان عليهم.. لما بقى بعيد عنهم وبقى حد هما بيكرهوه.. بقى حلو، بقى هُمَّة عايزينه، وهمة بيتفضلوه، وهمة بيطلبوا إنه بيتعمل مع الناس دى. بيقول لك إن الناس دي مينفعش معاهم غير كدا."[28]
م يحاول "مـ" تصوير قراراته وخياراته على أنها متسقة، لأنه عانى من لحظة ارتباك لم يستطع، أو لم يشأ، أن يخفيها من خلال التبرير والتفسير. وعلى عكس "سـ"، الذي كان حازماً في موقفه من النضال المبرر أخلاقيّاً بكافة الوسائل الضرورية، حُرم "مـ" من فرحة أن يرى عدوه مهزوماً بمجرد أن أدرك ما يعنيه ذلك عملياً. لم يستطع مقاومة إغراء رؤية أعدائه كذوات بشرية مثله.

في محاولة مهمة لفهم ذلك العام الدموي 2013 في مصر، يركز عالم الأنثروبولوجيا المشهور طلال أسد على مفهوم التقاليد أي السنن والأساليب من الحياة والتفكير والمجادلة الأخلاقية والسياسية التي نرثها ونبني عليها ونعيد إنتاجها وأحيانً نقوم بتعديلها وتطويرها[29]. يقول أسد إن التقاليد وعملية تعلم العيش من خلالها، تساعدنا على فهم المواجهة الحالية بشكل أفضل، وقد توفر لنا أيضاً طريقة للتغلب عليها. لم أركز في هذه المقالة على التقاليد، لكنها قد تكون مفيدة بالفعل في مفصلة التقاليد السياسية والأخلاقية المتضمنة في الوضع الحالي، كالاشتراكية والقومية المناهضة للاستعمار.

على عكس الليبرالية (العدو النظري الرئيسي لأسد)، تتمتع كل من القومية المناهضة للاستعمار والاشتراكية بسجل حافل من الدعم العلني للعنف من أجل القضية الصحيحة[30]، ولطالما ساهما في تطوير رؤية عالمية ثنائية للإمبرياليّ مقابل المعادي للإمبرياليّ، وهي الثنائية التي وفرت للكثير من اليساريين المصريين مخططاً لدعمهم السيسي ضد الإخوان المسلمين. وقد يكون من المفيد أيضاً النظر في اتحاد التقاليد الأخلاقية المختلفة في موقف مشترك عند الحديث عن خطابات "الإنسانية" و"حرمة الدماء".

يحدد أسد الدولة ذات السيادة كسبب رئيسي للعنف القسوة في عالمنا المعاصر. وأتساءل عمّا إذا كان هذا صحيحاً بالنسبة إلى جميع الدول، لكنه جلي بالفعل بالنسبة إلى التاريخ الخاص بـ"هيبة الدولة" في مصر[31]. ومع ذلك، فإن الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في مداخلة أسد هو بحثه عن بدائل للدولة ذات السيادة. يقترح أسد أن في عالمٍ أفضل، بعد الدولة ذات السيادةي، "يمكن أن يشكل تقليد الأمر بالمعروف توجهاً للحرص المتبادل على الذات، على أساس مبدأ الصداقة (وبالتالي على المسؤولية تجاه وبين الأصدقاء) وليس على الأساس القانوني للمواطنة"[32].

من الواضح أن أسد لا يقصد هنا أية بدائل قائمة حالياً بالفعل للدولة ذات السيادة، مثل الرأسمالية العالمية التي تسببت بالفعل في تآكل سيادة معظم الدول إلى حد كبير، أو الكيانات السياسية في مرحلة ما بعد الدولة ذات السيادة مثل لبنان، حيث تمتلك السلطة السياسية جماعات طائفية ترتكز على تقاليد مذهبية. فالخيار الأول، بالنسبة لأسد، قوة مدمرة، بينما لا يذكر الخيار الآخر. إن عالم ما بعد السيادة الذي يقترحه أسد، هو رؤية مثالية لعالم يرتكز على الأخلاقيات، وتخيُّل هذا العالم يتطلب قفزة من الخيال لا تقل جذرية عن تخيل عالم خالٍ من العقيدة التوحيدية. إنني أقدر اقتراح أسد بسبب طبيعته الجسورة الطوباوية تحديداً.

ومع ذلك، سأكون أكثر تشككاً حيال قدرة تقاليد الأخلاقيات (أو الإيتيقا) على توفير بدائل بنّاءة. فعندما انتقدني "سـ" بسبب فشلي – على رأيه - في الوقوف إلى جانب التحالف المناهض للفاشية في محاربة جماعة الإخوان المسلمين، نجد أنه قد انخرط تماماً في ذلك النوع من التفاعل الأخلاقي المتبادل الذي يدور حوله تقليد الأمر بالمعروف في قراءة أسد. لقد بحث وعثر على لغة التقليد الذي نشترك فيه ونعترف به: الأممية اليسارية. ودعاني للعودة إلى مسار التضامن والنضال الذي وضعه هذا التقليد. أخيراً وليس آخراً، كان انتقاده الإيتيقي مرتكزاً على صداقتنا. وفي وقت لاحق، بذل جهداً كبيراً في استعادة صداقتنا بعد الفتق الذي نجم عن خلافنا السياسي والأخلاقي.

ولكن إذا كان تصرفه الإيتيقي الخاص بـ"الحرص المتبادل على الذات" قد نجح، لربما كنت الآن أكتب مقالاً لتبرير استخدام كل الوسائل الضرورية للدفاع عن مصر ضد الفاشية والإرهاب.التفكير والعمل الأخلاقيان جزء من المشكلة ومن الحل أيضاً. والسؤال إذن هو أي نوع من التفكير والمجادلة الأخلاقيين، وأي نوع من تعامل الأخلاقي قد يكون مفيداً لاستعادة السلام والحفاظ عليه بين البشر، وربما حتى منع تدمير الذات العسكري والاقتصادي والإيكولوجي الذي أوشك الجنس البشري أن يواجهه. بخلاف طلال أسد، لا أستطيع تقديم رؤية طوباوية، ولكن لديّ اقتراح:

قد نحتاج إلى الكثير من القوة والنزاهة الأخلاقيتين لتحصين أنفسنا ضد الاستقطاب المتصاعد والتحريض على الغضب الأخلاقي، وللمحافظة على الإنسانية واحترام حرمة الدماء، تماماً كما فعل أولئك الذين كانوا ضد التصعيد وسفك الدماء في صيف العام [33]2013، ولكن في وقت الذي يُستثمَر فيه الكثير من العمل الوجداني والإيتيقي لخلق العداوة والنقاء والحفاظ عليهما، قد يصبح الضعف أيضاًا فضيلة. يمكن للجبن أن ينقذ المرء من المواجهة المدمرة للمجابهات الجسورة[34]. إن الشعور بالإرباك الذي أخبرني عنه الكثير من الناس في عام 2013، يمكن أن يكون مناقضاً بشدة لحس العزيمة والتغافل.

بالطبع، هناك جبن سلبي، وإرباك مدمر. ولكن في عالم مزدحم بأفكار نقية وإقصائية، يمكن أن يكون الارتباك بمثابة أرضية هذا النوع المحدد من التفكير الذي افتقر إليه أيخمان في قراءة آرندت: وهو الارتباك الناتج عن الفشل في الحفاظ على خطوط النقاء والعداوة، وهو الذي يجبر المرء عند النظر في عين عدوه أن يرى نفسه. ليس ارتباكاً يؤدي إلى اعتراف مثالي سعيد بـ"هم" ليكونوا طيبين ولطيفين تماماً "مثلنا". فذلك اعتراف زائف بالنسبة إلى الذات والآخرعلى السواء. "نحن" أيضاً لسنا طيبين ولا لطيفين. للوصول إلى السلام، يجب على المرء أن يدرك واقع العداء.وكما هي الحال في رواية "مـ" لردود أفعاله على مجزرة رابعة العدوية، قد يبدأ طريق السلام من الإدراك "أننا" شريرون وعنيفون "مثلهم"، وأن الوضع يجب ألا يبقى كذلك.
(قد عدّل وحدّث المؤلفَ المقالة بعد ترجمتها إلى العربية، ويشكر المؤلف المترجم ومحرري معهد العالم للدراسات لإتاحة الفرصة لذلك، كما يشكر مختار شحاتة للاستشارة والتصحيح اللغوي في تنفيذ التحديثات) [المؤلف]
المراجع:

Agrama, H. (2012) Questioning Secularism: Islam, Sovereignty, and the Rule of Law in Modern Egypt (Chicago,
IL: The University of Chicago Press).
Ali, A. (2013) Marching to Sidi Gaber: Alexandria’s Epicenter of Upheaval. Jadaliyya, July 22. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Armbrust, W. (2013) The Trickster in Egypt’s January 25th Revolution, Comparative Studies in Society and
History, 55(4), pp. 834–864.
Arendt, H. (2006 [1963]) Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil (New York, NY: Penguin).
Asad, T. (2014) Thinking about Tradition, Religion, and Politics in Egypt Today. Critical Inquiry. Available at: Link, accessed
May 17, 2017.
Ewing, C. (1990) The Illusion of Wholeness: Culture, Self, and the Experience of Inconsistency, Ethos, 18, pp.
251–278.
Geer, B. (2011) The Priesthood of Nationalism in Egypt: Duty, Authority, Autonomy, PhD. Dissertation, School
of Oriental and African Studies, University of London.
Goldberg, E. & Zaki, H. A. (2012) After the Revolution: Sovereign Respect and the Rule of Law in Egypt, Yearbook
of Islamic and Middle Eastern Law, 16, pp. 17–32.
Harding, S. (1991) Representing Fundamentalism: The Problem of the Repugnant Cultural Other, Social Research,
58(2), pp. 373–393.
Human Rights Watch (2013) Egypt: Security Forces Used Excessive Lethal Force: Worst Mass Unlawful Killings in
Country’s Modern History. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Human Rights Watch (2014) Egypt: 183 Death Sentences Confirmed in Minya: Case Makes Mockery of Right to
Fair Trial. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Jackson, M. (1982) Allegories of the Wilderness: Ethics and Ambiguity in Kuranko Narratives (Bloomington, IN:
Indiana University Press)
Laidlaw, J. (2013) The Subject of Virtue: An Anthropology of Ethics and Freedom (Cambridge, UK: Cambridge
University Press).
Lambek, M. (ed.) (2010) Ordinary Ethics: Anthropology, Language, and Action (New York, NY: Fordham University
Press).
Mahmood, S. (2009) Religious Reason and Secular Affect: An Incommensurable Divide?, in: Asad, T., Brown,
W., Butler, J. & Mahmood, S. (eds) Is Critique Secular? Blasphemy, Injury, and Free Speech (Townsend Papers
in Humanities, 2), pp. 64–100. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Mepschen, P. (2016), Everyday Autochthony: Difference, Discontent and the Politics of Home in Amsterdam, PhD
Dissertation, University of Amsterdam.
Shehata, M. S. (2013a) Al-’atifa wa al-siyasa [Emotion and Politics]. al-Hiwar al-Mutamaddin, 18 June. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Shehata, M. S. (2013b) Ana jaban, wa-anta al-shuja,’ hadhihi kull al-hikaya [I’m A Coward, and You are the Courageous One: That’s the Whole Story]. al-Hiwar al-Mutamaddin, 27 July. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Verkaaik, O. (2004) Migrants and Militants: Fun and Urban Violence in Pakistan (Princeton, NJ: Princeton University Press).
WikiThawra (2013a) Hasr qatla fadd i’tisamay Rabi’a wa al-Nahda wa-tawabi’iha [The Count of People Killed
in The Storming of The Sit-Ins of Rabea and Nahda and Their Aftermath]. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
WikiThawra (2013b) Hasr qatla ‘ahd al-Sisi/’Adli Mansur (muhaddath) hatta Yanayir 2014 [The Count of People Killed during the Reign of el-Sisi / Adli Mansur (updated) until January 2014]]. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Winegar, J. (2014) Ambiguous Symbols in the Egyptian Uprising. Stanford University Press Blog, January 21. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
Youssef, B. (2013) Alas, Nobody Lives There Anymore. Tahrir Squared. Available at: Link, accessed July 7, 2013.

الهوامش:

[1] للإطلاع على تقديرات مختلفة لتعداد القتلى، انظر:
Human Rights Watch (2013); WikiThawra (2013a); and WikiThawra (2013b).
[2] سمعت هذه العبارة في عدة حوارات في مصر منذ صيف العام 2013.
[3] للإطلاع على نظرة إثنوغرافية للقومية الشعبوية، انظر:
P. Mepschen (2016) Everyday Autochthony: Difference, Discontent and the Politics of Home in Amsterdam, PhD dissertation, University of Amsterdam.
[4] See, e.g., H. Agrama (2012) Questioning Secularism: Islam, Sovereignty, and the Rule of Law in Modern Egypt (Chicago, IL: The University of Chicago Press); and B. Geer (2011) The Priesthood of Nationalism in Egypt: Duty, Authority, Autonomy, PhD dissertation, School of Oriental and African Studies, University of London.
[5] See, e.g., F. von Hayek (2001 [1944]) The Road to Serfdom (Abingdon, UK: Routledge), pp. 17–19, 73–77.
[6] J. Winegar (2014) Ambiguous Symbols in the Egyptian Uprising, Stanford University Press Blog, January 21. Available at: Link, accessed May 17, 2017.
[7] S. Mahmood (2009) Religious Reason and Secular Affect: An Incommensurable Divide?, in: T. Asad, W. Brown, J. Butler & S. Mahmood (eds) Is Critique Secular? Blasphemy, Injury, and Free Speech (Townsend Papers in Humanities, 2), pp. 64–100.
[8] أصبحت الصورة أكثر تعقيداً في بداية العام 2013 عندما غيّر حزب النور السلفي، الذي كان أهم حليف للإخوان المسلمين سابقا، خياره وانضم إلى المعارضة. ومنذ العام 2013، وقف حزب النور (الذي يهيمن عليه دعاة لديهم تاريخ من الولاء لنظام مبارك) إلى جانب السيسي، وهو تذكير جيد بأن الصراع بين السياسات الدينية والعلمانية ما هو إلا مجرد أحد خطوط الصراع المهمة.
[9] W. Armbrust (2013) The Trickster in Egypt’s January 25th Revolution, in Comparative Studies in Society and History, 55(4), pp. 834–864.
[10] مختار سعد شحاتة (2013)، العاطفة والسياسة، الحوار المتمدن، 18 يونيو، متاح على الرابط.
[11] O. Verkaaik (2004) Migrants and Militants: Fun and Urban Violence in Pakistan (Princeton, NJ: Princeton University Press), p. 140.
[12] A. Ali (2013) Marching to Sidi Gaber: Alexandria’s Epicenter of Upheaval, Jadaliyya, July 22. Available at: Link , accessed May 17, 2017.
[13] كان الحسيني أبو ضيف مصوراً صحفياً قتل في أحداث قصر الاتحاد في نوفمبر 2012. لم يتم التعرف على قاتليه مطلقاً، ولكن في الأوساط المعارضة لمرسي، كان من المؤكد أن القتلة من جماعة الإخوان المسلمين.
[14] يقع مقر قيادة المنطقة الشمالية العسكرية على بعد أقل من كيلومتر واحد من محطة سيدي جابر. وكان نقطة محورية للاحتجاجات المناهضة للجيش في عامي 2011 و 2012، ولمؤيدي الجيش منذ 30 يونيو 2013.
[15] مقابلة مع الكاتب في 11 أكتوبر 2013.
[16] تشير "الشرعية" إلى الاستحقاق الانتخابي لرئاسة مرسي.
[17] مقابلة مع الكاتب في 11 أكتوبر 2013.
[18] لضمان الخصوصية وإخفاء الهوية، لم أقم بوضع رابط المشاركة الأصلي.
[19] حاول متظاهرون من اعتصام رابعة توسيع منطقة الاعتصام باتجاه نصب الجندي المجهول وقتل ما يقرب من 100 شخص عندما تم تفريقهم بالذخيرة الحية في ساعات الصباح الأولى من يوم 27 يوليو 2013.
[20] مقابلة مع الكاتب، 11 أكتوبر 2013
[21] لضمان الخصوصية وإخفاء الهوية، لم أقم بوضع رابط المشاركة الأصلي.
[22] مقابلة مع الكاتب، 27 فبراير 2014.
[23] M. Jackson (1982) Allegories of the Wilderness: Ethics and Ambiguity in Kuranko Narratives (Bloomington, IN: Indiana University Press); J. Laidlaw (2013) The Subject of Virtue: An Anthropology of Ethics and Freedom (Cambridge: Cambridge University Press); M. Lambek (ed.) (2010) Ordinary Ethics: Anthropology, Language, and Action (New York: Fordham University Press); and S. Mahmood, ‘Religious Reason,’ op. cit.
[24] H. Arendt (2006 [1963]) Eichmann in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil (New York: Penguin), pp. 136–137.
[25] S. Harding (1991) Representing Fundamentalism: The Problem of the Repugnant Cultural Other, Social Research, 58(2), pp. 373–393.
[26] C. Ewing (1990) The Illusion of Wholeness: Culture, Self, and the Experience of Inconsistency, Ethos, 18, pp. 251–278.
[27] لم يشاهد "مـ" وأصدقاؤه قناة الجزيرة التي لا يثقون بها بسبب تحيزها لجماعة الإخوان المسلمين.
[28] مقابلة مع الكاتب، 11 أكتوبر 2013
[29] T. Asad (2014) Thinking About Tradition, Religion, and Politics in Egypt Today, Critical Inquiry Link.
[30] هذا لا يعني أن الليبراليين (بالمعنى الأوروبي لمؤيدي الليبرالية السياسية) ليسوا داعمين للعنف. بل غالباً ما يدعمونه، لكن الدعم الليبرالي للعنف يحتاج إلى مزيد من الصمت والنفي أكثر من الدعم الثوري الاشتراكي.
[31] E. Goldberg and H. A. Zaki (2012) After the Revolution: Sovereign Respect and the Rule of Law in Egypt, Yearbook of Islamic and Middle Eastern Law, 16, pp. 17–32.
[32] Asad, Thinking About Tradition. Available at: Link accessed: May 17, 2017.
[33] B. Youssef (2013) Alas, Nobody Lives There Anymore, Tahrir Squared, July 17. Link
[34] مختار سعد شحاتة، أنا جبان وأنت الشجاع .. هذه كل الحكاية، متاح هنا.

مصطفى الفقي
كاتب ومترجم مصري.
صامولي شيلكه

ولد في هلسنكي عام 1972، وحصل على ماجيستير الدراسات الإسلامية والفلسفة والعلوم السياسية من جامعة بون بألمانيا عام 2000، ودرس الدكتوراه في المعهد الدولي لدراسات الإسلام في العالم المعاصر بهولندا في الفترة من عام 2001 وحتى عام 2005، وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أمستردام عام 2006، ويقوم حاليا بتدريس الفوتوغرافيا والأنثروبولوجيا في برنامج دراسات الماجيستير بقسم الأنثروبولوجيا البصرية والإعلامية في جامعة برلين الحرة.

ذات صلة