البلاغة والأيديولوجيا عن الحركة الوسطية بمصر

12 آذار/مارس 2018
 
ترجمة: سامي الرّياحي
 
[نُشرت هذه الدراسة في مجلة ارابيكا (Arabica) عدد 57 .2010. ص251ـ266. وقد تمّ الإيذان بنشرها من قبل المؤلف]
مقدمة المترجم*:

يتمحور الإشكال الأساسي المطروح في هذا المقال حول مساءلة المسلمة الشائعة في الإعلام وسوق الكتب الإسلامية عن مدى صحّة المزاعم التي ترى في التيار "الوسطي" تيار حوار وانفتاح على سائر التيارات المختلفة عنه. فتلك المسلمة هي من مزاعم الخطاب "الوسطي" الشائعة التي يعمل على نشرها وبثها بين الجمهور. وسعيا لتبيّن  مدى تطابق صحة هذه الإدعاء مع  ما يميّز الخطاب الإسلامي في الساحة الفكرية المصرية تخيّر جاكوب هويجيلت (Jacob Høigilt) إطارا نظريا  يعتمد على  مقاربة لسانية/ بلاغية تعمل على رصد كيفية إبلاغ  هذا الخطاب إلى الجمهور وطرق الإقناع المتداولة . وقد اتضح  لديه أنّ توظيف لسانيات الخطاب واستثمار المبادئ التي وضعها مايكل هاليداي(Michael Halliday) في النحو الوظيفي (functional grammar) من شأنهما أن يقودا إلى تبيّن كيفية استعمال اللغة للتأثير على القرّاء وتحويل عقولهم والتلاعب بأذهانهم ومشاعرهم عبر إستراتيجية محدّدة للإقناع، وقوام هذه الاستراتيجية في الغالب توظيف لسبل شتى من بلاغة الخطاب وأساليبه المتنوعة.

ولذلك كان المنطلق الاعتماد على فرضية بلاغية ولسانية ترى في اللّغة  فعلا وحدثا اجتماعييْن أولا. ومن ثم فإنّ استخدامها للتواصل مع الآخرين يقتضي تفاعلا لقواعد النّحو مع المسارات الاجتماعية التي ننخرط فيها، ومن أهم تلك المسارات عملية الإقناع التي تترجم فعلا نوعية العلاقة بين المؤلف والقارئ/ السامع ضمنيا عند تأليف النص أو صياغة القول.

بحث جاكوب هويجيلت في شكل الخطاب "الوسطي" وطرقه المعتمدة في الإقناع وحمْل القارئ على التصديق والموافقة من خلال بعض نماذجه المشهورة. وقد خصص الجزء الأوفر لكل من محمد عمارة وفهمي هويدي. فأبرز قدرتهما على التلاعب بأذهان القرّاء من خلال اختيار صيغ نحوية وبلاغية تكسب الخطاب ميسم المجادلة العنيفة  وتكرّس في نهاية المطاف دلالات الانقسامية الجذرية والعداء نحو الآخر المختلف، وهو ما يزيد في تأجيج الصراع ويرفع من حدّة التوتر ويعمّق الاستقطاب الأيديووجي من ناحية، ويدعم اتجاه المحافظة على الرؤية التقليدية المتكلسة في مناقشة المسائل الدّينية دون العمل على التقدّم بها أوتطويرها أو إبداء الاستعداد للحوار مع الآراء المخالفة والمغايرة من ناحية أخرى.

 وقد يكون أهم ما يمكن أن يستخلصه قارئ هذا البحث بصرف النّظر عن مختلف المقاربات والمناهج المتبعة هو الحاجة الأكيدة إلى دراسة المناخ الفكري العام السائد في العالم العربي خصوصا في البلدان التي عرفت انتفاضات وثورات وتعثرت في ترسيخ الانتقال الديمقراطي، وذلك بالانطلاق من رصيدها البلاغي الذي يوفر سبلا إضافيّة لفهم الديناميكيات والعمليات الثقافية والسياسية في العالم العربي اليوم. وهي ـ في رأينا ـ من البحوث الغائبة والنادرة في أفضل الأحوال داخل الساحتيْن العربيّتين الأكاديمية خصوصا والثقافية عموما.

 ملخص:

 عادة ما يتمّ تقديم الوسطيّة الإسلاميّة على أنها شكل من الإسلام المنفتح الموجّه نحو الحوار. وهذا المقال يطرح تساؤلاً حول ذاك التصور عبر  تحليل نصوص  كتبها  علمان من أعلام الوسطيّة:  هما محمد عمارة وفهمي هويدي. ومن خلال التركيز على التقنيات البلاغيّة يبرهن المقال على اتسام نصوصهما بميسم المجادلات العنيفة التي لا تفضي إلى نقاش عام تعدّدي. فرّغم اعتمادهما المكثف على وابل من الأسئلة البلاغية والحجج الضمنيّة فإنهما يتجنبان النقاش الجدّي للقضايا الصعبة. وسيقع إبراز خصائص نصوصهما من خلال تحليل خطاب معتمد على اللسانيات الحديثة للنص، وتحديداً على النحو الوظيفي كما وضعه مايكل هاليداي (Michael Halliday) . إن هذه المقاربة الموجهة نحو الإسلاموية جديدة ومساعدة على فهم سبب فشل الوسطية رغم انفتاحها الفكري المزعوم في التخلّص من حدّة التوتر الأيديولوجي في المجادلات المصريّة حول الإسلام في المجتمع والمساهمة في دفعها إلى الأمام.

الكلمات المفاتيح:

الوسطية، الإسلامويّة، البلاغة، النّحو الوظيفي.

مقدّمة:

كيف تبدو بلاغة الوسطية؟ هذا هو السؤال الرّئيسي الذي ستسعى هذه الورقة للإجابة عنه. فالدراسات السابقة حول الإسلام في مصر تعرض صورة ملتبسة إلى حدّ ما عنها. فهي تُقدّم من قبل مؤيديها وباحثيها على حدّ سواء باعتبارها اتجاها تقدّميّا في الإسلام.  ويفترض أن يدعم التيار الوسطي المتشكّل من مفكرين إسلاميين وبارزين وغزيري الإنتاج مثل يوسف القرضاوي وفهمي هويدي وطارق البشري ومحمد عمارة الحوار بين مختلف الاتجاهات الأيديووجيّة.  فهؤلاء المثقفون  يزعمون احترام الفضاء العام التعدّدي في الوقت الذي يسعون إلى إيجاد الطريقة المثلى في المسائل الدّينية والثقافية والسيّاسيّة. ومن ناحيّة أخرى فقد خلصت عدّة دراسات عن الإسلام والمجتمع والسياسة بمصر إلى أنّ الفكر الدّيني متسم بالرّكود والاستقطاب. وهذا الاستنتاج يدفع المرء إلى التساؤل عن سبب فشل الوسطيّة باعتبار انفتاحها المفترض، في التخلّص من حدّة التوتر الأيديووجي ودفع النقاشات الدّينيّة إلى الأمام.

سأسعى للإسهام في الإجابة عن هذا السؤال بتحليل التقنيات البلاغيّة للوسطيين. والمسلمة التي أنطلق  منها في هذا المبحث هي أن شكل النصّ لا يقل قيمة عن محتواه. فجلّ الدراسات الإسلامية تعتمد على المحتوى لمعرفة طبيعة رؤاها. واستكمالا لهذه المقاربة، فإنّي أعتبر دراسة الرّصيد البلاغي للخطاب الإسلامي ستوفر سبيلا إضافيا وهامّا لفهم ديناميكيات (dynamics) العمليات الثقافية والسيّاسيّة الحاليّة في العالم العربي اليوم. إنّ المقاربة البلاغية  التي سنطبقها على الوسطية تترجم بواسطة الفرضية التاليّة: إنْ كانت الطريقة التي يقدّم بها الوسطيون حججهم لا تُفضي إلى الحوار، فإن الاستقطاب في الميادين الدّينيّة والثقافيّة سيستمرّ رغم تأكيدات الوسطيين أنهم يرحبون بالتعدّدية والاختلاف.

سأقدّم في هذه الورقة مقتطفات من النصوص التي كتبها محمد عمارة وهو من أعلام الوسطيّة البارزين وأحلّلها. لقد وقع اختياره لأنّ مجرّد القراءة السطحية لكتبه تكشف عن أسلوب كتابته السّجالي بشكل ملحوظ.  فالتحليل المعمق لتقنياته البلاغيّة تبدو مؤثرة ومنفّرة في الآن ذاته وعلى حدّ سواء، وهو ما يعيق النقاش البنّاء مع خصومه الفكريين وحتى داخل الحركة الإسلاميّة. ولذلك فإنّ التحليل البلاغي يكشف عن سبب فشل الوسطية في نزع فتيل التوترات الأيديووجية في مصر والعالم العربي رغم زعمها بأنّها أصبحت منفتحة فكريا. وإضافة إلى ذلك يقدّم التحليل البلاغي صورة جديدة وأكثر دقة للوسطيّة. ويبيّن أيضا أنّ تأثير الأيديووجيا الإسلامويّة في المجتمعات العربيّة ينبغي أن يُفهم انطلاقا من شكل خطابها وليس من مضمونها فحسب.

السياق: الوسطية والفضاء العام في مصر:

استنادا إلى ذكر القرآن للمسلمين أنهم أمة وسط "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" (البقرة2/ 143) فإنّ الوسطية عبارة حاملة لدلالات إيجابيّة، وقد استخدمها المسلمون  بفاعليّة في القرن العشرين لإبراز استحسان الإسلام للطريق الوسط. ومن ثمّ يقابلون  هذا الطّريق الذهبي بسائر الثقافات والأديان (فصل الدين عن المجتمع في المسيحية ورأسمالية الغرب وشيوعية الشرق) علاوة على اتجاهات الفكر داخل المجتمع العربي الإسلامي مثل الليبرالية العلمانيّة والأصولية الدّينية العنيفة.

وتستعمل "الوسطية " في البحوث الراهنة حول الحركات الإسلامية وبين الإسلاميين أنفسهم أيضا للدلالة على الأيديووجيا الدينية في مصر المعاصرة، وترتبط  ببعض الشخصيات البارزة في  المجال العام  في العالم العربي، ومن أشهرهم يوسف القرضاوي وطارق البشري وفهمي هويدي ومحمد سليم العوّا ومحمد عمارة. وفضلا عن ذلك فقد انشق أعضاء عن جماعة الإخوان المسلمين وشكّلوا حزبا جديدا ـ هو حزب الوسط (الذي لازال غير معترف به من السلطات المصريّة) .[1] ويضمّ الأقباط والنّساء من ضمن مؤسّسيه. ويرتبط ارتباطا وثيقا بعدد من مثقفي الفكر الوسطي، ويعدّ إلى حدّ بعيد  القوة الإسلامية الأكثر تقدّما في مصر.

إنّ غاية كل من الحزب والمثقفين الوسطيين هو المساهمة ظاهريا في الإصلاح الدّيني والاجتماعي والسياسي في مصر. فالوسطيون يرفضون تقليد سلطات السلف في الفكر الإسلامي ولكنّهم يدافعون في الآن ذاته عن مبادئ التفسير في الفقه. ويدعمون الديمقراطيّة والتعدّديّة إلاّّ أنهم يطالبون باحترام الشريعة. وحينما يختلفون مع المفكرين الإسلاميين سواء من اليسار أو اليمين فإنّهم يؤكّدون على الحاجة إلى الحوار والتسامح.  فعلى سبيل المثال يصرّح يوسف القرضاوي أن الخطاب الإسلامي ينبغي أن يكون متسامحا مع الآراء المتعارضة وأن يساهم في نشر المحبة والخير لا بين المسلمين من مختلف المشارب فحسب بل أيضا تجاه غير المسلمين ماداموا لا يسعوْن إلى الإضرار بالإسلام.[2] ويشدّد محمد عمارة من جانبه على أنّ التعدّدية الفكرية في الإسلام تشمل العلمانيين، وأنّه ينبغي السّماح للجميع بالتعبير عن آرائهم في المسائل الدّينيّة.[3]
وبغض النّظر عن بعض الاستثناءات فإن المدونة العلمية المتعلقة بهذا الاتجاه تقطع شوطا مهمّا في اتجاه الاتفاق مع ما يقدّمه الوسطيون عن أنفسهم. وهكذا توصّل ساجي بولكا (Sagi Polka) إلى نتيجة مفادها  "أنّ مسعى الوسطيين للفصل في النزاع الأيديووجي بين العلمانيّة المعتدلة والإسلام المعتدل (...) مذهل".[4] ومن الأمثلة الأخرى دراسة مونوغرافية حديثة  تتعلق بـ"الإسلاميين الجدد" أي الوسطيين الذين يتخطون الحدود مثلما هو مذكور في  عنوانها " إسلام دون خوف".[5] ورغم  الملاحظات التي أبداها بعض المفكرين حول عدم تجديد الوسطيين للمجادلات الثقافية واستمرار معارضتهم للغرب  وجنوحهم إلى مجادلة العلمانيين فإن صورة الوسطيين  في العموم هي صورة ثقافة إسلاميّة منفتحة  تبدي استعدادا للدخول في نقاش مع من له وجهات نظر مختلفة حول العالم.[6]
ومع ذلك تشير البحوث القائمة حول الدّين والثقافة في مصر في الآن ذاته إلى أنّ البلاد تعرف ركودا دينيا وثقافيا واسع النّطاق. فالأفكار المحافظة بشدة حول الأخلاق  العامةوالتقوى تهيمن على الفضاء العام وتراقب بشكل دائم المنتجات الثقافية، ويتعرّض منتجوها للاضطهاد والملاحقة كما هو الحال في قضيّة نصر حامد أبو زيد سيئة الذكر.[7]  ويتعرّض المجادلون العلمانيون للقتل مثل فرج فودة أو  ببساطة إلى الاختفاء من المشهد العام بعد التهديدات مثل سيّد القمني. ويزداد الاستقطاب تدريجيا في المناقشات الفكرية  المصرية فيخسر الليبراليون فعليا على الميدان. وقد رضخت الجامعة الأمريكية التي كانت تقليديا معقلا للثقافة التحرّرية لمطلب إخراج بعض الكتب من منهج الدراسة، وهو ما أملاه الغضب الأخلاقي الإسلامي. ويبدو أنّ مصر كما لاحظ آصف بيات (Asef Bayat) قد مرّت بثورة سلبية حيث وقعت أسلمة المجتمع بموافقة ضمنيّة من السلطات "العلمانيّة".[8]
إن معظم  الوسطيين  هم من الشخصيات العامة التي لها صيت عال  بنفاذها إلى مختلف وسائل الإعلام في عدد من البلدان العربيّة. وبما أنّها تتبنى ثقافة إسلاميّة منفتحة تقبل بالتعددية فلماذا فشلت في إحداث تأثير صلحي في الخطاب العام والثقافة في مصر؟ صحيح أنّ الوسطيين كثيرا ما يؤكدون بصريح العبارة  على النقاش المنفتح والتسامح.  لكن قد تكمن المشكلة في مجال آخر، وتحديدا في طريقة إبلاغ وجهات نظرهم ـ في خطابتهم.

منهج التّحليل:

قمت بدراسة عدد من نصوص محمد عمارة الأخيرة[9] لاختبار هذه الفرضيّة: ما مدى انفتاحه على الحوار؟ وإلى أي حدّ يبدو خطابه شفّافا؟ وإلى أي مدى يتيسّر على قرّائه التفاعل نقديا مع نصوصه؟ وكيف يؤوّل وجهات النّظر التي تعارضه؟ إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة  تقدّم دليلا واضحا على مدى تطبيق عمارة للانفتاح و التسامح في طريقة كتابته.  وسبب اختيار عمارة هو تذكيره بأنه وسطي، ولكنّه قلما يتم التعامل معه بأي تفصيل. فحينما يقع التعليق على نصوصه في بعض الأحيان فإن الانطباع الحاصل هو أنّه مجادل متفان وعنيف. ولا يسهم في حوار مفتوح.[10] فالتناقض البارز هنا يثير فضول المرء. ونطاق هذه الورقة لا يسمح لي بالتعامل مع سائر الوسطيين  بالتفصيل. ولكنني سأدرج مثاليْن من نصوص فهمي هويدي في نهاية التّحليل لبيان أن عمارة ليس متفرّدا عن المثقفين الوسطيين.

لقد قاربت هذه النصوص من وجهة نظر لسانيات النصّ التي تركز على اللغة باعتبارها فعلا وحدثا اجتماعييْن. وطبقا لهذه الوجهة فإنّ أحد أهم مظاهر اللغة هو وظيفتها فيما بين الشخصيات (interpersonal function  its) . ومثلما يبيّن مايكل هاليداي (Michael Halliday ) ، فنحن نستخدم اللغة للتواصل مع الآخرين، وهذا يقتضي  تفاعل قواعد النحو مع المسارات الاجتماعية التي ننخرط فيها.[11] ومن ضمن هذه المسارات فعل الإقناع الذي تتخصّص فيه البلاغة.

ومنذ خطابة أرسطو وقع الاتفاق عموما على أنّ علاقات ما  تنشأ بين المؤلف والقارئ ضمنيا من خلال صياغة النصّ. وقد ذهبت  لسانيات النصّ الحديثة إلى ما أبعد من تصنيفات البلاغة الكلاسيكيّة واستكشفت سبلا معاصرة تتعلق بالقرّاء في النّصوص الإقناعيّة تشمل  خصائص القواعد النّحويّة. ومن ضمن الأدوات في هذا الصدد استخدام الاستفهام. فقد يُستعمل لإدراج القارئ في الحجاج بالإشارة إليه/ها لما سيقع مناقشته إثر ذلك، والحصول على الرّدود المرجوّة منه/ها.[12] وهناك أداة مركزيّة أخرى هي التراكيب المنطقية المتنوعة مثل  إذا.. فـ ، والظروف (adverbials the)  مثل "عل الرغم من" و "رغم" و"لسوء الحظ" و"بناء على ذلك" إلخ. وهذه هي كافة الأدوات التي تصنع تماسك النصّ وتظهر في الوقت ذاته  موقف الكاتب من المسائل التي طرحها للنقاش. إنّ نصوص محمد عمارة على درجة عالية من الإقناع  فهي تطرح عددا من الأسئلة وتعرض الكثير من الحجج المطولة. وعليه، يبدو مناسبا دراسة الطريقة التي يستخدم بها الاستفهام  ومختلف علامات التماسك في نصوصه.

فرض الموافقة من خلال الاستفهام:

هناك بعض الاستفهامات الحوارية (dialogic questions) في نصوص محمد عمارة، أي الأسئلة التي يطرحها القارئ المتخيل ليجيب عنها الكاتب. ومنها ما يهدف إلى إشراك القارئ في الحوار مع الكاتب وخلق الانسجام بينهما كما هو الحال في المثال الموالي الذي يعرض مقطعا عن التّاريخ الحديث.

ولكن.. ماذا حدث في عصرنا الحديث؟[13]
ومع ذلك فإنّ الذي يهيمن فعلا على كتبه هو نوع مختلف من الاستفهام، وأعني الاستفهام البلاغي. وفي بعض الأحيان هناك كم هائل من هذه الأسئلة ـ ما يشير إليه كل من روبرت وسوزان كروفروفت (Robert and Susan Cockroft)  بالأسئلة المتراكمة (pysma) للبلاغة الإغريقية.[14] وبالطبع، فهذه الأسئلة هي أداة تفاعليّة مثل غيرها من الأسئلة، ولكنّ الأسئلة البلاغية تحمل معها إمكانيّة التلاعب اللّغوي. وعلى سبيل المثال يستفهم محمد عمارة:

فهل نعيد النظرة في "المسلمات العلمانيّة" الخاطئة في هذا الميدان؟![15]
يطرح هذا الاستفهام في ختام فصل له غاية وحيدة، وهي إثبات المزاعم الخاطئة للعلمانيين، ومن ثمّ فإنّ الإجابة المتوقعة هي "نعم". وهذا الصنف من الأسئلة شائع بكثرة في نصوصه. وفي بعض الأحيان يجيب عنها صراحة بنفسه.[16] وبدل إشراك القارئ في حوار نقدي فإنّ  حقيقة مثل هذه الأسئلة  هي مطالب الكاتب للقارئ للنظر إلى ما هو بديهيّ.

 يعبّر مقطع من هل الإسلام هو الحلّ؟ متعلق بالمرأة وبالمساواة بين الجنسيْن حصرا عن هذا الصدد.  فليس من المستغرب أن يشكّل تحرير المرأة إلى جانب مسألة حقوق الإنسان مثار جدال في البرنامج الإسلامي حيث يتخذ الخطاب الإسلامي دوما موقفا دفاعيّا. ويستشهد الليبراليون العرب بمختلف الآيات القرآنيّة والأحاديث النبوية للاستدلال على أنّ الفهم الحرفي لهذه المصادر يؤدّي إلى اضطهاد المرأة. ومن  ضمن هذه الأحاديث المأخوذة عن صحيحيْ البخاري ومسلم ما يذكر عن الرسول في قوله عن النّساء إنّهن ناقصات عقل ودين لأنّ شهادتهن لا تساوي سوى نصف شهادة الرجل، وأنه لا يمكنهن الصوم والصلاة عند الحيْض.

وخلافا لذلك يرى عمارة أن الإسلام يحرّر المرأة، ويحسب له أنّه يتصدّى دون هوادة لتحدّي الليبراليين العرب. ففي هل الإسلام هو الحلّ؟ يتعامل مع شبهات (شكوك) "التغريبيين" الذين يدّعون أنّ الإسلام لا يمكن أن يؤدّي إلى تحرير المرأة.[17] ونظرا لعدم القدرة  أو  الاستعداد لاتخاذ موقف نقدي تاريخي تجاه أحاديث النبي فإن عمارة مضطر إلى وضع تفسير لهذا الحديث يحفظ الإسلام والمرأة من التهم الخاطئة، ومن ثمّ يثبت أن اتهامات الليبرالية خاطئة. وقد نقلت قسما كبيرا من التفسير باعتباره مثالا يلخّص طريقة عمارة في الجدل.

ونحن نودّ أن نتساءل، هل حديث الرسول (ص) هنا، عن نقص العقل والدّين يعني الذمّ؟ أم أنّه يعني تقرير واقع غير مذموم؟"... بل قد يكون هو "الواقع المحمود"؟!

إنّ النّقص ـ المذموم    في أيّ أمر من الأمور، هو الذي يزول بتغييره...فهل يجوز للمرأة أن تجبر النّقص في شهادتها عن شهادة الرّجل، فتزيل الذمّ عنها؟ بالطبع لا.. فهي مثابة ومحمودة على هذا النّقص ، لأنها به تمتثل لشرع الله..فهو ليس بالنّقص ـ المذموم، وإنّما هو محمود؟ !

وهل يجوز للمرأة الحائض أن تصلّي وتصوم فتزيل "نقص الدّين"؟ كلاّ..فهي إذا أزالت هذا النّقص في الدّين كانت مذمومة، بارتكابها حراما دينيّا...وهي تؤجّر دينيّا على التزامها هذا النّقص في الدّين؟! فهو "نقص محمود"! فالمقام في الحديث النّبوي، مقام تقرير واقع شرعي، تؤجّر عليه المرأة، وتحمد بالتزامه...وليس مقام ذم وانتقاص من قدرها ومساواتها بالرّجال...وإلاّ فهل يعدّ ناقصي عقل عندما لا تجوز شهادتهم بالمرّة، فيما لا تجوز فيه إلاّ شهادة النّساء؟! وهل يعدّون ناقصي دين عندما يستخدمون "الرخص" فيفطرون في المرض والسّفر ويقصرون الصلاة في الأسفار؟.[18]

ويواصل بأسئلة مثل هذه في أكثر من فقرتيْن قبل أن ينهي المقطع بإدعاء أنّ  مغزى الحديث من إبراز ضعف عقل المرأة هو إفساح المجال لطبيعتها العاطفية القوية، فلا تغلّب عقلها بل تغلب عقل الرجل الحازم أيضا. وهكذا فإن غرض الحديث وفقا لرأيه إثبات أنّ الاختلاف في الطبائع بين المرأة والرّجل هو من أجل التكامل بينهما في أفضل الأحوال الممكنة.[19] ويبرز هذا المقطع كيف يتهرب عمارة من مواجهة القضية الحقيقية ـ في  أنّ النبي نفسه قد  يكون تحدّث عن المرأة ناقصة إلى حدّ ما في الدّين وأنه ـ  من خلال التلاعب بالطريقة الطبيعية لقراءة الحديث يقع تحويل العبارة السلبية الظاهرة في الحديث "ناقصات" إلى قيمة إيجابيّة تؤكّد الحكمة الإلهيّة.

إن هذا التفكير خلاّق إلى حد ما، لكنه ذو طبيعة مصطنعة محتجبة من خلال إثقال القارئ بالأدلة وذلك عبر إلقاء الأسئلة البلاغية في كافة الأنحاء. وفي هذه العمليّة يقفز عمارة بشكل غير واع من مسألة خاصة بالمرأة دائما إلى مسائل عرضية تتعلق بالرجال (الترخص من الصوم في حال المرض والسفر) ، ومن ثمّ المطابقة بين وضعيّتين مختلفتيْن تماما. ويختم الحجّة بالتساؤل:" فأين من هذه المعاني "الشبهة" التي يتعلق بها بعض الدّعاة؟[20]  وطوال هذا المقطع لا يمنح للقارئ أيّة فرصة للتفكير، وعلى خلاف ذلك يتم قصفه بالأسئلة التي تجبره/ها على تصديق الكاتب. وفي هذا السيّاق فإنّ ما يطلق عليه  مايكل هاليداي " البديل التقديري" (discretionary alternative) للقارئ أي الردّ عليه بـ"لا" في حين أنّ "نعم" هي المطلوبة[21] بوضوح ليست خيارا فعليّا لأنّها سوف تؤدّي إلى تعطيل التواصل بين الكاتب والقارئ.

فإذا كان عمارة قد اختار عوضا عن ذلك عرض قضيته بفرضيات يعلن فيها عن رأيه فإنّه كان من الأيسر على القارئ أن يختلف معه ويستمرّ في الشعور بأنّ هذا الجدل قد يؤول إلى نتائج  مثمرة. فالأسئلة  لها تأثير في تحدّي القارئ مباشرة من خلال طرح السؤال " هل أنت معي أم ضدّي؟" وهذا ما يجعل الخلاف معه صعبا دون هدم العلاقة بين الكاتب والقارئ. وبهذه الطريقة يسعى عمارة إلى إجبار القارئ على مسايرته في حججه. ومثلما كتب جيف  تومسون (Geoff Thompson) وبولنغ ثيتيلا (Puleng Thetela) عن بناء مماثل في سياق مختلف، "هكذا يمكن أن ينظر إلى النّص على أنّه انتخاب لقرّائه، هؤلاء الذين لا يقدمون "إجابة خاطئة".[22] وبعبارة أخرى فمن المحتمل أن تكون نصوص عمارة ملاحقة  لهؤلاء الناس الذين لا يتفقون معه بالفعل.

أيديولوجيا الظروف:

كي يكون النص الحجاجي واضحا، فإنّه يتوجب الإعلان عن مسلماته بالشكل الذي يتيح  مناقشتها.  وعمارة يقّدم الانطباع على أنها هذه هي الطريقة التي يقتفيها لاسيما في استخدام التركيب الشرطي: إذا (كان) ...فـ في عدد  من مواطن نصوصه. وهذا هو الرّابط المنطقي الذي يدلّ على التسليم أو الشرط، ويمكن أن يعني معا: "إذا" "كما"، و"رغم أنّ" في الكتابة العربيّة الحديثة.[23] وبناء على ذلك يبدو أنّ عمارة يدعو القارئ إلى الأخذ بعين الاعتبار السلسة المنطقية من الحجج، ومن ثمّ إلى قيام نصّه على الوضوح والحجج القابلة للنقاش.

ومع ذلك فإنّ دراسة دقيقة لبنية النصوص تكشف أنّ المسلمات خارج العلاقة المنطقية إذا ..فـ   لا تقلّ أهمّية عن غرضه الجدالي مثل الحجج التي تشكّل مشغله الرئيسي. وغالبا ما يدرج  الظروف السابقة للجملة (fronted adverbials) والجمل التفسيرية الطويلة نسبيا في منتصف الجمل الحاملة لدلالة خاصة بها. ولأسباب تتعلّق بالمساحة فإنني سأركز على الظروف هنا. فمن الأدلة التي درستها ضمن المواد أزعم أنّ الظروف المطوّلة لها صلة بوظيفتيْن بلاغيّتيْن. إحداها تقديم حجج متنازع فيها في موطن لا يكون فيه الباب مفتوحا  للنّقاش. والآخر هو مجرد تكرار المعلومات والحجج التي لا أهمّية ضرورية لها في محتوى الجملة الرئيسية التي تسبقها. وتكون بالأحرى من أجل التوصل إلى بعض التأكيدات السابقة دوما حول الإسلام والغرب والمسيحيّة إلخ.

لننظر في السلسة المطولة من الظروف التي تلقي الضوء بيسر على الوظيفتيْن في الآن ذاته. فقد أُخذ النصّ من كتاب الشريعة الإسلاميّة والعلمانيّة الغربيّة المتعلّق بالاختلافات الدّينيّة والحضاريّة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي ـ العلماني ـ وهي إحدى أكبر السرديّات في خطاب عمارة. فالجملة الرئيسية ترد في النّهاية لتعرض حجة تغيير الغرب الإمبريالي لموقف الأقليّات الدّينيّة  في العالم الإسلامي من كونها جزءا لا يتجزّأ من المجتمع لتصبح جسرا للغزاة الغربيين. وتلك الحجة هي موضوع مقطع تام مقتبس منه هذا الجزء:

رغم أنّ الفتوحات الإسلامية هي التي أنقذت نصارى الشرق من الإبادة التي مارسها ضدّهم الرومان والبيزنطيون على امتداد ستة قرون... حتى لقد جعلت هذه الفتوحات من النصرانيّة هبة الإسلام...كما فتحت هذه الفتوحات أبواب المدن الشرقية ـ بما فيها القدس ـ أمام اليهود، بعد الإبادة والطّرد والسبي، وبعد أن كان مطلب أهل القدس ـ يوم فتحها عام 15هـ، 616م [ هكذا] ـ من أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، أن لا يسكن بها أحد من اليهود أو اللصوص.

ورغم أنّ التسامح الدّيني الذي تميّز به الشرق عن الغرب قد بدأ بالإسلام، لأنّه وحده الذي يؤمن أهله بكلّ النبوات والرّسالات والكتب السماوية والشرائع الإلهيّة، ويحترم ويقدّس كلّ مقدّسات أبناء كلّ الملل والنّحل الأخرى، انطلاقا من فلسفته في التعدّدية، التي يراها سنّة من سنن الله وقانونا كونيّا لا تبديل له ولا تحويل [...]

ورغم خلوّ تاريخ الشرق الإسلامي من أي حروب دينيّة، لأنّ الإيمان الإسلامي هو تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين ولا يأتي بالإكراه، بل ولا بالترهيب[...] ولأنّ شريعة الإسلام قد قرّرت للمخالفين في الدّين، منذ دولة النبوّة، أنّ لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وعلى المسلمين ما عليهم، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم وفيما عليهم...

على حين امتدت الحروب الدّينيّة داخل النصرانية الغربيّة ذاتها ـ بين الكاثوليك والبروتستانت ـ أكثر من قرن أبيد فيها 40% من شعوب وسط أوربا! فخلت المجتمعات الغربيّة، عندما سادت فيها النصرانيّة، من التعدّديّة الدّينيّة.

رغم كلّ ذلك، جاءت الغزوة الاستعماريّة الغربيّة الحديثة إلى عالم الإسلام، لتحوّل الأقليات الدّينية والقوميّة من لبنات في جدار الأمن الوطني والقومي والحضاري إلى ثغرات اختراق... [24]
نلمح في هذا المقطع أنّ الظروف المقدّمة من خلال "رغم أنّ"  قد تحوّلت إلى حجّة قويّة من تلقاء نفسها، وهي مستقلة جزئيا عن موضوع الجملة الرئيسية أو محور اهتمامها. وتشمل الجملة الرّئيسيّة خمسة أسطر إلى النهاية. وخلافا لذلك فإنّ ما يمكن أن يُلمح إليه هو أنّ ثلاثة ظروف متوازية في البداية تشمل ما لا يقلّ عن أربع فقرات. وهي تتألف من عدّة جمل متضمّنة لمزاعم تتعلق بالتّاريخ والدّين. وليست كافة  تلك المزاعم بعيدة كلّيا عن الجدل. فالتأكيد على أنّه لم تكن هناك حروب دينية  في العالم الإسلامي معرّض للطعن بسهولة ، وكذلك الشأن في القول بأنّ الشرق كان متميّزا بالتسامح الدّيني خلافا للغرب. إنّ التأكيد الضمني على أنّ الإسلام يمتلك "فلسفة في التعدّدية" يحتاج إلى الوضوح أيضا، إلاّ إذا تمّ تعريف التعدّدية بأنها القبول بتواجد الدّيانات الأخرى غير الإسلام في المجتمع، وهو ما سيكون على أقلّ تقدير الحدّ الأدنى من التعريف في هذا السيّاق.

ومع ذلك، لا يمكن مساءلة أي من هذه الحجج ما لم يتكبّد القارئ جهدا لصرف النّظر عن المقاصد الطبيعيّة والأوّلية في أي نصّ كان وفي الفاعل والفعل الأصلي وهي من صميم أيّ مركب إسنادي فعلي (verbal clause) ، وعليه فإنّ الحجة المطروحة فورا للنّقاش في هذا المقتطف هي ما إن كان الغزو الإمبريالي الغربي للعالم الإسلامي قد "حوّل" أو لم يحول الأقليات الدّينية والعرقية. ومثلما يُلحظ فإنّ هذه الحجّة لم تقدّم إلا في ختام الخطبة الكبرى.

أمّا المزاعم الأخرى التي  تثير الجدل على الأقل مثل حجّة الجملة الرّئيسيّة فإنها تعدّ ببساطة من المسلمات باعتبارها أجزاء من مختلف الظروف (رغم أنّ) . وهذا ما يتطلب جهدا من القارئ لإعادة صياغة رموز هذه الظروف باعتبارها افتراضات منفصلة، ومن ثمّ جعلها قابلة للنّقاش. وبعبارة أخرى فإنّ عمارة يعسّر على القارئ  النّظر في عدد من المزاعم التي تتصل اتصالا وثيقا بموضوعه الأصلي (بما أنّ موضوع الكتاب هو الاختلافات بين الإسلام والغرب) وذلك بتقديمها كحقائق خارج حجّة الجملة الرّئيسيّة.

لننتقل الآن إلى الوظيفة الثانيّة التي ذكرتها سابقا، فالحقيقة الوحيدة هي أنّ عمارة يحشد كمّا هائلا من المعلومات المتكررة في الظروف. ففي هذا المقتطف وغيره ينتهز الفرصة لتقديم قائمة طويلة من الآراء التي لا تمثّل جزءا من الحجة بل مجرّد رؤى  عن صراع متواصل ـ في  مثل هذه الحالة، بين الغرب والإسلام. والآراء نفسها مذكورة تكرارا ومرارا في  العديد من كتبه. فما  الآثار المترتبة عليها؟

في مقال يتعلق بالمدائح الستالينية  يحللّ كارين غاميلغارد (Karen Gammelgaard) استنادا إلى فرانتيساك دانيس (Frantisek Danes) مقالا أكاديميا تشيكيا يتمحور تفسيره حول الانقسامية (dichotomy) بين تاريخ الأدب التقدمي وتاريخ الأدب البورجوازي، وتبدو الملاحظات الموالية مفيدة جدّا لهذه الدّراسة:

حينما يقع التلفّظ بالانقسامية الجذرية (the basic dichotomy)  فإنّ كمّا هائلا من حشو الكلام يظهر[... ] وغالبا ما يؤدّي الإفراط في استعمال الحشو إلى تكرار الظروف وحروف الجرّ وأدوات العطف والأفعال. وهذا ما يسمح له بمحاكاة  مواضيع جديدة ورد ذكرها، في حين أنّ ما يحدث هو التكرار النمطي دون سواه [...].[25]
وفي مقطع عمارة السابق تتكرّر الأفكار عن تسامح الإسلام وعن تمتع الأقلّيات الدّينّية الدائم بالحرّية والسلام  في ظلّ حكم الإسلام بصيغ تختلف عن بعضها قليلا، مع ما يرافق ذلك من تكرار للعبارات الظرفية "رغم أنّ". وبطبيعة الحال فإنّ نقيض هذا هي المسيحيّة الغربية والحضارة الغربيّة عموما. فلا جديد يضاف. وبدلا من ذلك فإنّ عمارة يصارع من أجل الفكرة ذاتها التي تُعدّ جزء لا يتجزّأ من الثنائية الجذريّة الإسلام/ الغرب، وهي المسألة التي يدور حولها الكتاب برمّته.

ودون  إجراء مقارنة موسعة جدا، فإنّه جدير بالتذكير أنّ غاميلغارد يسم ثقافة النص بالخضوع  للهيمنة القمعية الأيديووجية (والماديّة!) ، وبعدم القدرة على تجديد نفسها وانتاج أعمال علمية إبداعيّة.

هل إنّ محمد عمارة  متفرّد؟

هناك اختلافات صارخة جدّا بين أنماط المثقفين الوسطيين، ومحمد عمارة لا يُعدّ بأية حال من الأحوال ممثلا لهم. إلاّ أنه  ليس متفرّدا عنهم أيضا كما يتضح من خلال بعض المقاطع التي كتبها فهمي هويدي، وهو صحفي وكاتب وسطي لامع. وقد يتعدّى التحليل المفصّل نطاق هذه الدراسة ومع ذلك تبدو بعض الأمثلة من نصوصه مفيدة . ففي  مقال بعنوان:" النّصوص الثابتة في زمن متغيّر" كان طرحه أنّ العلمانيين لم يفهموا جيدا طرق الفقهاء، وأنّ إدّعاءهم  حول ضرورة تحديث العقيدة الإسلاميّة والفقه يقوم على رفض فكرة صلاحية الأحكام الشرعية لمختلف الأزمنة والأمكنة.[26] ويوضّح أنّ خلاف ذلك هو ما شهده تاريخ المسلمين، وعليه فلا أساس للمزاعم القائلة بأنّ الفكر والعقل الدّينيْن قد عفا عليهما الزمن. وهو يطرح الجدل من خلال استفهاميْن بلاغييْن:

فهل يترك الإسلام المسلمين والإنسانيّة جمعاء لمتغيّرات الزّمان طوال القرون إلى قيام السّاعة، دون نهج فكري شرعيّ يعين على مواجهة ما يتعاقب في مختلف البيئات والأزمان من المتغيّرات؟[27]

إذا كان الأمر كذلك، والسّعة بهذا القدر، ففيم يجادل الناقدون والنّاقمون؟ وأين القضيّة التي يترافعون فيها، وينقضون الشريعة استنادا إليه؟[28]

إنّ الإجابة عن السؤاليْن الأخيريْن هو بالطبع أنْ ليس ما يدعو إلى إثارة ضجّة وليس ما يدعو فعلا إلى النقاش. ويرد هذا الاستنتاج بعد أن أخذ فهمي هويدي القارئ في جولة بعيدة عن الموضوعيّة حول مغامرات الشريعة. لكن ما يثير الاهتمام فعلا من وجهة نظر شخصية أنّه يجعل كلاّ من العلمانيين والقرّاء الذين يظنون  في احتمال وجود قضيّة للنقاش في مظهر الأحمق. أما الجواب عن السؤال الأوّل فلن يكون سوى "لا" بالنّظر إلى كيفيّة صياغة السؤال. قلّة هم في مصر باستثناء  الملحدين الأكثر إخلاصا سيعترضون على أنّ القرآن والسنّة يمثلان أدلّة إلى طريق أبدية صالحة للآخرة. وما ينتقده الليبراليون والعلمانيون هي المنظومة المعرفية المخصوصة وطريقة من طرق مقاربة النصوص الدّينية أكثر من النّصوص ذاتها. ومع ذلك ففي كل من الشواهد المقتطفة المذكورة أعلاه وفي مجمل المقال أيضا يتهرب فهمي هويدي أو هو غير قادر على فهم المسألة المعرفية  الأساسية التي هي الأصحّ هنا. وبدلا من ذلك فإنّه يُظهر الليبراليين والعلمانيين  غير مُلمّين بموضوع الحديث.

وكثيرا ما يستخدم فهمي هويدي أداة بلاغيّة أخرى لتقييم أشخاص آخرين وآرائهم مسبقا أو دون تقديم حجج حول تلك الآراء، ومن ثمّ يوجّه تعاطف القارئ أو نفوره باستعمال تقنيّات بلاغية بحتة. والمقطع اللاّذع الموالي مأخوذ من مقال يناقش فيه دراسة عن العرق في العالم العربي من قبل عالم الاجتماع المصري المعروف والصريح سعد الدّين إبراهيم:

ثمّة ثغرات عديدة في الدّراسة التي بشرنا فيها بأن التهديد الأكبر للأمن المنطقة العربية في التسعينات سيكون من نوعيّة الصراعات الدّاخليّة (إسرائيل النووية لم يعتبرها تهديدا!)  في الوقت الذي قرّر فيه أنّ العالم العربي يعتبر أكثر المناطق تجانسا من النّاحيّة الإثنيّة في العالم![29]

إنّ المقصد الواضح من القوسين وهو ضرب من "التعليق" على أطروحة إبراهيم الرئيسيّة هو انتزاع لمصداقيته الفكرية، وهو ما يعني فشله في النّظر إلى أكثر الأمور وضوحا. ومع ذلك فلا توجد أيّة حجّة تثبت موضوعيا أن إسرائيل أكثر خطرا من الصراعات الداخلية على أمن المنطقة العربيّة. وفضلا عن ذلك يتجاهل التعليق حقاّ أنّ إبراهيم هو عالم اجتماع، وأنّ مسائل الأسلحة النووية تختلف عن موضوع مقاله. وختاما، ليس هناك ما يبرّر تساوي "الصراعات الدّاخليّة" مع المسألة الإثنيّة. فالانقسامات الدّينّية في العالم العربي لها قدرة على التحوّل إلى مؤشرات خطيرة في الصراعات مثلما هو واضح في مثال العراق المعاصر. وباختصار فهي طريقة مغرضة في عرض ادّعاءات إبراهيم.أمّا علامات التعجب  فهي تؤكّد على  طبيعة مزاعم إبراهيم اللامعقولة وتدعو القارئ للانضمام إلى فهمي هويدي في استخفافه بافتراضات ابراهيم.

خاتمة:

أبرزت هذه الورقة أنّ النظرة السائدة عن الوسطية باعتبارها اتجاها منفتحا وموجها نحو الحوار داخل الثقافة الإسلاميّة مفتقدة للدقّة في أفضل الأحوال ومضلّلة في أسوئها. إنّ بعض الوسطيين يستخدمون لا محالة بلاغة تنفّر القرّاء الناقدين من خلال توظيف استراتيجيات للتأثير. وتشمل هذه الاستراتيجيات حججا وتقديرات بعيدة عن موضوع النصّ، وكما هائلا من الأسئلة البلاغية بدل الحجج الصريحة الواضحة. ومن خلال  الاعتماد على مثل هذه التقنيات البلاغيّة يفتّت محمد عمارة وفهمي هويدي صورة الوسطيين باعتبارهم مجموعة متجانسة من المفكرين الإسلاميين المنفتحين.

إنّ الدافع إلى عدم التشديد على هذا التناقض بين النّظري والعملي عند الوسطيين في الدراسات السابقة يكمن على الأرجح في عدم الاهتمام باللغة والبلاغة داخل الدراسات  المتعلقة بالإسلاموية. وإنّ المحتوى الأيديووجي  للخطاب الإسلامي هو الذي يحظى دائما  باهتمام الباحثين ـ وهو أمر مفهوم بالنظر إلى التأثير الكبير للإيديولوجية الإسلاميّة أو ما شابه ذلك في المجتمعات الإسلاميّة على مدى السنوات الثلاثين الماضية.  ومع ذلك فمن خلال تجاهل صيغة النقاش يخاطر البحث حول الإسلاموية بتجاهل عامل مهم في تفاعل الإسلاميين مع مجتمعاتهم.

فقد كانت مصر على وجه الخصوص منذ سنوات عديدة مسرحا لخلافات ثقافية ودينيّة كبيرة، حيث جرت محاربة القضايا في برامج الحوار على شاشات التلفزيون وعلى صفحات الصحف والمجلاّت المتنوعة. ورافقت هذا الجدل أحيانا أحداث عنيفة كانت فيها الثقافة الليبرالية مستهدفة، وهي أحداث تقع في سياق التدهور المستمر  للثقافة الليبرالية المصريّة. وبعبارة أخرى فإنّ الخطاب العدواني لا يمكن صرف النّظر عنه باعتباره  عبارات كثيرة جوفاء. فقد يكون مترافقا أيضا بأحداث جسيمة جدّا. وفي مثل هذه الحالة فإن الإصغاء إلى بلاغة كافة الأطراف ومن جميع الجوانب قد يكون مسعى يستحق الثناء.

إنّ نطاق هذا المقال محدود ولا يمكن الحكم على الحركة الإسلامية السلمية في مصر برمتها، ناهيك  عن المثقفين الليبراليين الذين يظهرون غير متجانسين ربما في أسلوب حوارهم مثل الإسلاميين.[30] وتظل العديد من الأسئلة المثيرة للاهتمام دون إجابة وتنتظر المزيد من البحث: فهل تتشكّل  البلاغة الإسلامية من ثقافات بلاغية متعددة؟ وماذا عن نظيرتها العلمانية التي يجادلها الوسطيون؟ وهل يمكن تمييز الاختلافات البلاغية ذاتها بين هؤلاء الكتاب؟ هناك بعض الأدلّة على أنّ الأمر قد يكون كذلك، وفي هذه الحالة سيكون من الجائز الحديث عن ثقافة النصّ التي تتجاوز الفوارق الأيديووجيّة . ومن ثم إبعاد الإشكال عن الإسلاموية في حدّ ذاتها وتوجيهها إلى المناخ الفكري العام في مصر والعالم العربي بدلا من ذلك.

تمثّل محاولة التحليل هنا خطوة أولى للإجابة عن هذا النّوع من الأسئلة. إذْ لا يزال التحليل البلاغي العربي ميدانا غير متطوّر بالنّظر إلى التقدّم الكبير الذي تحقّق في البلاغة الحديثة القائمة على  الشكلانيين الرّوس ومدرسة براغ والنحو الوظيفي على مدى السنوات الثلاثين الماضيّة. وبقدر اعتناء اللسانيات العربية الحديثة بالبلاغة فإن الاهتمام لم يتعدّ في العموم دراسة قواعد البلاغة العربية القديمة.[31] فإذا سلمنا أنّ شكل الخطاب يسهم في تحديد معناه، فإنّه لا يوجد مبرّر يحول دون أن يكون الخطاب المستنير اجتماعيّا وسياسيّا أوسع انتشارا بين الأكاديمين في العالم العربي والإسلامي. وبربط شكل النصّ بمعناه وبالسياق الاجتماعي الذي أنتجه يمكن أن تؤدّي هذه التحاليل إلى تسليط الضوء على الاتجاهات الاجتماعيّة والكشف عن الخصائص المقاربات الأخرى التي لا تملك ما يلزم من مقومات للتوصل إليها. والتحليل البلاغي للوسطية في المقال يُظهر أنّ هذا التوجّه في المجتمع المصري أقلّ تجانسا وأقل تعبيرا عن الجدل النّقدي مما يفترض أن يكون عليه.
 
قائمة المصادر والمراجع

أ/  باللسان العربي
 
(أبو زيد) نصر حامد ، نقد الخطاب الدّيني، القاهرة، مدبولي، 2003
(ذياب) محمد حافظ: الإسلاميون المستقلّون، الهويّة والسؤال، ميريت، 2002.  
(عمارة) محمد ، الإسلام والتحدّيات المعاصرة، القاهرة، دار نهضة مصر، 2005.
ـــــــــ الشريعة الإسلامية والعلمانيّة الغربيّة، القاهرة دار الشروق، 2003.
 ــــــــ النصّ الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتّاريخيّة، بيروت،دار الفكر المعاصر،2000.
 ــــــــ هل الإسلام هو الحلّ،القاهرة، دار الشروق، 1995.
 ــــــــ التفسير الماركسي للإسلام، القاهرة، دار الشروق، 1996.
(القرضاوي) يوسف، خطابنا الإسلامي في عصر العولمة. القاهرة، دار الشروق، 2004.
(القمني) سيد، الفاشيون والوطن، القاهرة، المركز المصري لبحوث الحضارة، 1999.
(هويدي) فهمي، المفترون، خطاب التطرف العلماني في الميزان.القاهرة، دار الشروق.
ــــــــ  تزييف الوعي، القاهرة، دار الشروق، 2005.
 
ب/ باللسان الأعجمي
 
(Abaza) Mona, Debates on Islam and Knowledge in Malaysia and Egypt   Shifting Worlds, London, Routledge Curzon, 2002.
(Abdul-Raof) Hussein, Arabic Rhetoric: A Pragmatic Analysis, London, Routledge, 2006.
(Baker) ,Raymond William Islam Without Fear. Egypt and the New Islamists, Cambridge, Massachusetts, Harvard  University Press, 2003.                                              
(Bayat) Asef  , Making Islam Democratic. Social Movements and the Post-Islamist Turn, Stan ford, Calif., Stanford University Press, 2007.
(Cockroft)  Robert and Cockroft Susan M., Persuading People. An Introduction to Rhetoric, Basingstoke, Macmillan.                                                                    
(Gammelgaard) Karen, "Coping with Stalinist Panegyrics, a semantic and pragmatic analysis of a Czech text", Journal of Historical Pragmatics, 9/1 (2008) .
(Hafez ) Sabry: "The Novel, Politics and Islam", New Left Review, 5 (2000) .
(Halliday) Michael A.K., An Introduction to Functional Grammar, 3rd edition.
(Hatina) Meir, "The 'Other Islam: The Egyptian Wasat Party", Critique, 14/2 (2005) .
 (Holes) Clive, Modern Arabic. Structures, Functions, and Varieties, Washington, D.C.,      Georgetown University Press, 20042, p. 297.
(Hyland ) Ken, Metadiscourse, Exploring Interaction in Writing, London and New York, Continuum, 2005.
(Ismail) Salwa  Rethinking Islamist Politics: Culture, the State and Islamism, London, Tauris, 2003 .
(Polka) Sagi, "The Centrist Stream in Egypt and its Role in the Public Discourse Surrounding the Shaping of the Country's Cultural Identity", Middle Eastern Studies, 39/3 (2003) , revised by Christian Matthiessen, London, Arnold, 2004.                                                                                                                                                                                
(Thompson) Geoff  and (Thetela) Puleng, "The Sound of One Hand Clapping. The Manage ment of Interaction in Written Discourse", Text, 15/1 (1995) .
(Thompson) Geoff "Interaction in Academic Writing, Learning to Argue with the Reader", Applied Linguistics, 22/1 (2001) .
(Utvik) Bjorn Olav, "Hizb al-Wasat and the Potential for Change in Egyptian Islamism", Critique, 14/3 (2005) .
(von Kiigelgen) Anke,  Averroes und die arabischen Moderne: Ansatze zu einer Neubegrundung des Rationalismus im Islam, Leiden-New York-Koln, Brill, 1994.
 
 الهوامش:

*  نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير والعرفان للزميل محمد المعتز بالله غضباني أستاذ الآداب الإنجليزية بجامعة جندوبة (الجمهورية التونسية) على ما أبداه من ملاحظات قيّمة حول الترجمة.
[1] ـ التحاليل المتعلقة بهذا الحزب وموقعه في المشهد الإسلامي المصري موجودة في:
 Bjorn Olav Utvik, "Hizb al-Wasat and the Potential for Change in Egyptian Islamism", Critique, 14/3 (2005) , p. 293-306; and Meir Hatina, "The 'Other Islam': The Egyptian Wasat Party", Critique, 14/2 (2005) , p. 171-184.
[2] ـ يوسف القرضاوي، خطابنا الإسلامي في عصر العولمة. القاهرة، دار الشروق، 2004، ص 100 ـ 107.
[3] ـ محمد عمارة، التفسير الماركسي للإسلام، القاهرة، دار الشروق، 1996، ص 11.
[4]- Sagi Polka, "The Centrist Stream in Egypt and its Role in the Public Discourse Surround ing the Shaping of the Country's Cultural Identity", Middle Eastern Studies, 39/3 (2003) , p. 60
[5]ـ Raymond William Baker, Islam Without Fear. Egypt and the New Islamists, Cambridge, Massachusetts, Harvard  University Press, 2003
[6] ـ للإطلاع على الآراء الأكثر أهمّية انظر: محمد حافظ ذياب: الإسلاميون المستقلّون، الهويّة والسؤال، ميريت، 2002. و:   . " Hatina, "The 'Other Islam 
[7] ـ حول تيار المحافظين في الفضاء العام انظر سلوى اسماعيل:
  Rethinking Islamist Politics: Culture, the State and Islamism, London, Tauris, 2003 .
خصوصا الفصل الثالث حول ظروف الثقافة الليبراليّة عموما، وصبري حافظ:
Sabry Hafez: "The Novel, Politics and Islam", New Left Review, 5 (2000) , p. 117-141,
فهو يقدّم لمحة واضحة عن المناخ السائد في الميدان الثقافي.
[8] -Asef Bayat, Making Islam Democratic. Social Movements and the Post-Islamist Turn, Stan ford, Calif., Stanford University Press, 2007.
[9] ـ  بنيت هذا التحليل  استنادا إلى الكتب التاليّة: محمد عمارة، الإسلام والتحدّيات المعاصرة، القاهرة، دار نهضة مصر، 2005. الشريعة الإسلامية والعلمانيّة الغربيّة، القاهرة دار الشروق، 2003. النصّ الإسلامي بين الاجتهاد والجمود والتّاريخيّة، بيروت،دار الفكر المعاصر،2000، و هل الإسلام هو الحلّ،القاهرة، دار الشروق، 1995.
[10] -  Mona Abaza, Debates on Islam and Knowledge in Malaysia and Egypt   Shifting Worlds, London, Routledge Curzon, 2002, p. 159-160.  Anke von Kiigelgen,  Averroes und die arabischen Moderne: Ansatze zu einer Neubegrundung des Rationalismus im Islam, Leiden-New York-Koln, Brill, 1994, p. 182
[11]-  Michael A.K. Halliday, An Introduction to Functional Grammar, 3rd edition,
 revised by Christian Matthiessen, London, Arnold, 2004, p. 24.
[12] ـ  حول هذه الوظائف انظُر
  Ken Hyland, Metadiscourse, Exploring Interaction in Writing, London and New York, Continuum, 2005. Geoff Thompson, "Interaction in Academic Writ -ing, Learning to Argue with the Reader", Applied Linguistics, 22/1 (2001) , p. 58-78.
[13] ـ عمارة، هل الإسلام هو الحلّ، ص 122.
[14]-   Robert Cockroft and Susan M. Cockroft, Persuading People. An Introduction to Rhetoric, Basingstoke, Macmillan, 1992, p. 157.
[15] ـ الإسلام والتحدّيات المعاصرة، ص 122.
[16] ـ على سبيل المثال، النص الإسلامي بين الاجتهاد والجمود و التّاريخيّة، ص 49 ـ 50.
[17] ـ هل الإسلام هو الحل؟ ص 150 ـ 152.
[18] ـ م ن
[19] ـ م ن
[20] ـ م ن.
[21]- Halliday, Functional, p. 108-109.
[22]- Geoff  Thompson and Puleng Thetela, "The Sound of One Hand Clapping. The Manage ment of Interaction in Written Discourse", Text, 15/1 (1995) , p. 18.
[23]-Clive Holes, Modern Arabic. Structures, Functions, and Varieties, Washington, D.C., Georgetown University Press, 20042, p. 297.
[24] ـ    الشريعة الإسلاميّة والعلمانيّة الغربيّة، ص 45 ـ 46، التشديد في الأصل [...] يحيل على حذف شواهد الآيات القرآنيّة.
[25]- Karen Gammelgaard, "Coping with Stalinist Panegyrics, a semantic and pragmatic analysis of a Czech text", Journal of Historical Pragmatics, 9/1 (2008) , p. 55.                         
[26] ـ  فهمي هويدي، تزييف الوعي، القاهرة، دار الشروق، 2005. ص 69 ـ79.
[27] ـ م ن، ص 73.
[28] ـ م ن، ص 78.
[29] ـ فهمي هويدي، المفترون، خطاب التطرف العلماني في الميزان.القاهرة، دار الشروق، ص 83.
[30] ـ تأمّل على سبيل المثال الفارق في النبرة بين سيد القمني ونصر حامد أبو زيد (مثلا سيد القمني، الفاشيون والوطن، القاهرة، المركز المصري لبحوث الحضارة، 1999، ونصر حامد أبو زيد، نقد الخطاب الدّيني، القاهرة، مدبولي، 2003 [ 1990]. فكلاهما أكاديميان، وكلاهما تعرّض للاضطهاد بسبب آرائهما الدّينيّة التحرّرية، إلاّ أن أسلوبيْهما لا يكادان يتقاربان.
[31] ـ وعن أمثلة حديثة، انظر: Hussein Abdul-Raof, Arabic Rhetoric: A Pragmatic Analysis, Lon don, Routledge, 2006.
ويرد الحديث  أيضا في  النسخة الجديدة  من المجلدات الأربعة لـموسوعة اللغة العربية و اللسانيات  ( Encyclopedia of Arabic Language and Linguistics, Leiden, Brill, 2006-2009 ) ألاّ وجود إطلاقا لأي باب للبلاغة باستثناء باب موجز منه عن تحليل الخطاب.

سامي الرّياحي
أستاذ الحضارة الحديثة بجامعة تونس (المعهد التحضيري للدراسات الأدبية والعلوم الإنسانيّة)، مبرّز وحائز على شهادة الدكتوراه في الحضارة العربيّة الإسلامية بأطروحة حول العرف أصلاً من أصول الفقه إلى حدود القرن الثامن الهجري. عضو بوحدة البحث: الظاهرة الدّينيّة في تونس.(جامعة منوبة). ومترجم.
جاكوب هويجيلت

باحث بمعهد أوسلو لبحوث السلام حاليا ومعهد فافو للدراسات التطبيقية سابقا. مهتم بتحليل خطاب الإسلاميين المصريين ودراسة السياسات في منطقة الشرق الأوسط.نشر العديد من المقالات في هذا الصدد. ويعتبر كتابه المنشور سنة 2011 والمخصص لتحليل بلاغة  خطاب الإسلاميين الأشهر من ضمن منشوراته:
ـ Høigilt, Jacob (2011) Islamist Rhetoric: Language and Culture in Contemporary Egypt. London: Routledge. Routledge Arabic Linguistics Series.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.