Print this page

الصراع السوري والمقاربة الأردنية الجديدة: الخلفيات والتحديات

15 تموز/يوليو 2017
 
تجاور مدينة درعا السورية الحدود مع الأردن على مسافة أقل من ثمانية كيلومترات، وكانت هذه المدينة من أوائل المدن التي انطلقت منها الحركة الاحتجاجية في منتصف مارس/آذار 2011؛ وتتميز التركية السكانية لمحافظة درعا عموما بغلبة الانتماء القبلي والمناطقي خاصة في سهل حوران الذي يغطي معظم المساحة الواقعة جنوب العاصمة إلى مناطق التماس مع الجولان، والحدود الأردنية ومناطق شمال الأردن التي تقطنها عشائر الزعبي والرفاعي والحريري والنعيمي والمسالمة والمحاميد والمقداد وغيرها من العشائر التي يتوزع المنحدرون منها بين سوريا والأردن.
وعلى الرغم من واقع الانسجام القبلي وأثره في تماسك فصائل المعارضة المسلحة المعتدلة، لكن الجبهة الجنوبية عموماً لا تخلو من صراعات بين المجموعات المسلحة المعتدلة والإسلامية منذ دخول جبهة فتح الشام وتنظيم الدولة وحركة أحرار الشام وغيرها من التنظيمات الإسلامية إلى محافظة درعا؛ التي ظلت خلال الأعوام الثلاثة الأولى معقلاً لفصائل الجيش السوري الحر. هذه الصراعات أخذت تنعكس بشكل محدود على التماسك الاجتماعي في مجتمع يغلب عليه طابع العلاقات القبلية.

ومنذ سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة في العراق بعد أحداث يونيو/حزيران 2014 واتساع مناطق نفوذه في الأراضي السورية وتمدده جنوباً في عام 2015 من خلال التحاق فصائل عدة بالتنظيم، أصبحت الأردن على تماسٍ مباشر مع مناطق سيطرة التنظيم على الحدود المشتركة مع سوريا والعراق.

ولذلك فقد سعت الأردن للحد من انتقال تهديد التنظيم إلى داخل الأراضي الأردنية، عبر سلسلة من التحالفات مع الولايات المتحدة وفصائل سورية من المعارضة المسلحة في الجبهة الجنوبية ومقاتلين عشائريين من مناطق غرب العراق ومحافظتي درعا ودير الزور في سوريا؛ ووفرت الأردن لهم معسكرات تدريب بإشراف أمريكي في معسكرات أردنية خاصة، استضافت أيضاً متدربين من الشرطة العراقية وجهاز مكافحة الإرهاب الذي شكلته الولايات المتحدة بعد غزو العراق عام 2003.

ويمكن تلخيص مخاوف الأردن من النشاط على حدودها في عدد من النقاط، من بينها:

1- تهديد تنظيم الدولة بالدرجة الأولى، وتهديد جبهة فتح الشام وتنظيمات قريبة منهما بالدرجة الثانية.
2- تهديدات بعيدة المدى مصدرها التنظيمات السلفية "الجهادية" أو الذين التحقوا في هذه التنظيمات في العراق وسوريا وبلدان أخرى يخشى عودتهم مستقبلاً.
3- تواجد وانتشار المجموعات الشيعية المسلحة المرتبطة بإيران والتي تتحالف مع قوات النظام السوري على مقربة من الحدود الأردنية. كما أن تداعيات معركة الموصل، قد زادت من مخاوف الأردن، خاصة بعد سيطرة الحشد الشعبي على مناطق في تلعفر غرب الموصل ومناطق أخرى جنوب غربها على الحدود السورية؛ وترى الحكومة الأردنية في ذلك "مخططاً إيرانياً يهدف إلى تركيز حزام بري يبدأ من إيران، ليمر عبر العراق فسوريا، لينتهي بلبنان الذي تسيطر ذراعها الرئيسية حزب الله على مفاصل الحياة فيه" [1]، لذلك تكرر الأردن مطالبتها في مناسبات عدة لإخراج المجموعات المسلحة الحليفة لإيران من سوريا كونها عنصراً أساسياً في بناء الحزام البري.

وكانت الأردن قد أبدت في مناسبات عدة استعدادها للتدخل العسكري في الحرب السورية، استجابةً للقلق الإقليمي والدولي من تداعياتها، وهو موقف مشابه للموقف التركي، طالما أن هناك تهديد جدي للأمن القومي وفقا لرؤية هذه البلدان. اذ انخرطت تركيا في الصراع السوري بشكل مباشر منذ في أغسطس/آب 2016 للحد من قدرات القوى الكردية لإقامة كيان كردي بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا، ومنع تهديدات تنظيم الدولة على المدن الحدودية وفي العمق التركي.

وفي هذا السياق، ترتكز السياسات الأردنية عموماً على علاقات تحالف وثيقة مع الولايات المتحدة، تعززها معاهدة سلام طويلة الأمد مع إسرائيل وشراكة حقيقية في مشاريع الولايات المتحدة بالمنطقة؛ وتشارك الأردن بتنفيذ ضربات جوية ضد مواقع تنظيم الدولة في العراق وسوريا في إطار عمليات التحالف الدولي لقتال التنظيم؛ وقد بلغت الضربات الأردنية ذروتها بعد احراق تنظيم الدولة الطيار الأردني معاذ الكساسبة في 3 فبراير/شباط 2015. كما يعد الأردن من بين أهم الدول المنخرطة في التحالف الدولي الذي يضم 68 دولة تقدم خدمات ودعم متنوع، فيما تقتصر الضربات الجوية على 21 دولة فقط من بينها الأردن التي تقدم إضافة إلى ذلك خدمات لوجستية متعددة، من بينها عمليات التدريب وتقديم المشورة بمشاركة الولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى لفصائل المعارضة المسلحة ضمن ما يعرف بغرفة العمليات المشتركة (الموك) والتي مقرها العاصمة الأردنية، لقتال تنظيم الدولة حصراً ومنع تمدد المجموعات الحليفة لإيران إلى مناطق الحدود الأردنية.

وفي إطار تنسيق هذه الجهود أيضاً ضمن التحالف الدولي، تبنت الأردن تدريب مقاتلين من المعارضة المسلحة المعتدلة في الجبهة الجنوبية. وتشير بعض التقديرات إلى تواجد ما لا يقل عن 3000 مقاتل من المعارضة المسلحة في الجبهة الجنوبية سبق أن تلقوا تدريبات في الأردن على يد ضباط أميركيين لقتال تنظيم الدولة.

لكن في الآونة الأخيرة أخذت الأردن تتبنى سياسات جديدة بعد سيطرة قوات النظام على مدينة حلب نهاية عام 2016، ودخول النظام مع فصائل المعارضة المسلحة في سلسلة من الاتفاقات في العاصمة الكازاخستانية لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته تركيا منتصف ديسمبر/كانون الأول 2016 بين روسيا والمعارضة المسلحة.

السياسات الأردنية الجديدة بالتنسيق مع روسيا خففت أو انهت "الخصومة" المباشرة بين الأردن والحكومة السورية، لتتخذ مساراً يركز فقط على تدريب مقاتلين لقتال تنظيم الدولة فقط وتقديم الدعم والاسناد لهم؛ وشملت التدريبات "نحو 500 عنصر من الجيش السوري الحر في منطقة المفرق الأردنية المحاذية لسوريا برعاية أمريكية على يد مدربين أمريكيين دون تدخل الجانب الأردني"[2]؛ ومقرر لهذه القوات أن تتوزع على مناطق تمتد من الحدود الأردنية في الجبهة الجنوبية الى منطقة التنف السوري على الحدود الأردنية الشمالية مع العراق وسوريا، استعداداً لمهاجمة تنظيم الدولة في مناطق الشريط الحدودي بين معبر التنف السوري ومدينة البو كمال، 220 كم شمال شرق التنف، بموازاة الحدود العراقية السورية التي تخضع مسافات طويلة منها لسيطرة ونفوذ تنظيم الدولة.

وكانت الأردن قد شهدت حراكاً داخلياً مؤيداً للتنظيمات "الجهادية" التي تنشط في ساحتي سوريا والعراق؛ فعلى سبيل المثال، شهدت مدينة معان 200 كيلومتر جنوب العاصمة عمان في 20 يونيو/حزيران 2014، بعد نحو أسبوع من سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل، تظاهرات نظمها "التيار السلفي الجهادي" تحت مسمى "جمعة نصرة الدولة الإسلامية في العراق والشام" رفع المتظاهرون أعلام تنظيم الدولة وشعارات مثل "معان فلوجة الأردن" وأخرى تدعو لإزالة حدود سايكس بيكو؛ واتخذت الجهات الأمنية الأردنية إجراءات مشددة عزلت المدينة بالكامل عن المدن الأخرى؛ لكن قيادات في التيار وصفوها بـ "المشبوهة" في إشارة إلى "انقسام في أوساط التيار"[3].

ولم يقتصر نشاط مؤيدي التنظيمات "الجهادية" في الداخل الأردني على الجانب السلمي، بل تعداه إلى عمليات مسلحة تعد امتداداً لسلسلة تفجيرات شهدتها فنادق العاصمة الأردنية في عام 2005، ففي يونيو/حزيران 2016 تبنى تنظيم الدولة هجوماً نفذه مسلح تابع له على مبنى المخابرات العامة داخل مخيم البقعة شمال العاصمة أدى الى مقتل خمسة ضباط، وفي يوليو/تموز من نفس العام فجر تنظيم الدولة سيارة مفخخة في مخيم اللاجئين الذي يضم قاعدة الركبان العسكرية على المثلث الحدودي المشترك بين الأردن والعراق وسوريا، أدت الى مقتل ستة جنود أردنيين وغيرها من العمليات التي كان أبرزها الهجمات التي تعرضت لها مدينة الكرك أواخر ديسمبر/كانون الأول 2016.

كما تعرضت مدينة الكرك الى نحو أربع هجمات خلال العام 2016 آخرها في 18 ديسمبر/كانون الأول 2016 والتي تبناها تنظيم الدولة في 20 من الشهر نفسه؛ حيث نفذ مقاتلو التنظيم هجمات بمختلف أنواع الأسلحة على مركز أمني واشتبكوا مع دورية أمنية في شوارع المدينة، قبل أن يتحصنوا في قلعة الكرك التي شهدت مواجهات استمرت عدة ساعات انتهت بمقتل المسلحين الأربعة الى جانب سبعة من الأمن الأردني ومدنيان اثنان وسائحة كندية.

وتأتي أهمية نشاطات تنظيم الدولة في محافظة الكرك لموقعها 80 كيلومتر جنوب العاصمة عمّان، وعلى أقل من 30 كيلومتر من الحدود مع إسرائيل التي تتخوف من أي نفوذ أو سيطرة لمثل هذه التنظيمات الى الجوار منها سواء في جنوب سوريا على الحدود مع الأردن في محافظة درعا وهضبة الجولان في محافظة القنيطرة؛ أو في سيناء المصرية مركز "ولاية سيناء" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تتشارك الحدود في منطقة طابا المصرية مع ايلات الإسرائيلية والعقبة الأردنية وأهمية أي نفوذ في هذا الميناء الوحيد على البحر الذي يمكن أن يعطل التجارة الأردنية عبر البحار بشكل كامل.

وتتواجد عشرات الفصائل المسلحة في مناطق قريبة من الحدود السورية مع الأردن والجولان المحتل من بينها تنظيم الدولة وجبهة فتح الشام ومجموعات قريبة منهما فكريا تشكل تهديداً جديا للأمن الأردني طالما هناك مقاتلون أردنيون في هذه المجموعات التي تنتشر على طول وادي نهر اليرموك الذي يشكل جزءا ًمن الحدود السورية الأردنية ويقع نحو 47 كيلومترا منه داخل الأراضي السورية من أصل 57 كيلومترا طوله الكلي.

كما تسيطر جبهة فتح الشام على معظم المناطق الواقعة على وادي نهر اليرموك على الحدود مع الأردن؛ وتشهد هذه المناطق انضباطاً أمنيا "بشكل نسبي" لمنع التهريب والتسلل المتبادل عبر الحدود في شبه توافق مع الأردن الذي هو الاخر يضع الحرب على تنظيم الدولة في مقدمة أولوياته لما يشكله التنظيم من تهديد على الأمن الأردني على خلاف جبهة فتح الشام التي تتبنى منهج القتال القطري داخل الأراضي السورية فقط؛ لكن الأردن تعاني من مشكلة وجود مؤيدين لتنظيم الدولة في الداخل، إضافة إلى ما قد يترتب من تحديات ستواجه الحكومة الأردنية مع عودة المقاتلين الأردنيين في صفوف التنظيمات الإسلامية بعد التوصل إلى تسوية أممية للحرب في سوريا.
 
تفاهمات وأجندات جديدة على الحدود الأردنية / السورية:
 
طيلة السنوات الماضية فقدت قوات النظام جميع المناطق المحاذية للحدود مع الأردن وبذلك باتت حركة التجارة بين الأردن وسوريا خاضعة لنفوذ فصائل المعارضة المسلحة وتسهيل حركة الدعم التسليحي الدولي بشكل آمن عبر الحدود الاردنية؛ شكل هذا الأمر مصدر قلق لروسيا التي تسعى هي والنظام لشمول مناطق المعارضة المسلحة باتفاقية "المنطقة الآمنة" لتيسير التبادل التجاري ضمن نطاق سيطرة قوات النظام، وللحد من تدفق الأسلحة إلى الداخل السوري "لصالح المجموعات المناهضة للحكم في سوريا الذي يمثل أهم التحديات في هذه المرحلة"3.

وفي 22 يونيو/حزيران 2017، وقعت كل من الأردن وروسيا والولايات المتحدة على مذكرة تفاهم لإقامة "منطقة آمنة" في مدينة درعا وريفها خالية من أي تواجد لقوات غير سورية بعمق يصل إلى 30 كيلومتر عن الحدود الأردنية، وتلعب روسيا دور الضامن لقوات النظام والقوات الحليفة التي تشمل قوات إيرانية ومقاتلي حزب الله اللبناني والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، لكن لم يتم تحديد المناطق المشمولة بمذكرة التفاهم. لاحقاً تم التوافق في جولة مفاوضات استانة 5 التي عقدت في 5 يوليو/تموز 2017 على ترسيم خرائط منطقتي حمص وسط سوريا والغوطة الشرقية في ريف دمشق، مع خلافات حول ادلب وسحب خرائط المنطقة الجنوبية من التداول؛ لكن اتفاقاً بين الرئيسين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ وضع المنطقة الجنوبية تحت مظلة الاتفاق بينهما اعتباراً من 9 يوليو/تموز 2017 ، مع استبعاد إيران التي تحاول هي والقوات الحليفة استغلال انحسار مناطق سيطرة تنظيم الدولة والصراع الذي تشهده جميع الأطراف على تركة التنظيم الذي يسجل خسارات متتالية في العراق وسوريا؛ وبموجب هذا الاتفاق سيكون أقرب تواجد لقوات النظام والقوات الحليفة بما فيها المجموعات الشيعية الممولة من إيران على مسافة لا تقل عن 30 كيلومتر عن الحدود مع كل من إسرائيل والأردن.
 
وستكون المنطقة الآمنة في حال تم التوافق على تحديد خطوطها وتطبيقها على أرض الواقع من قبل الأطراف الدولية الثلاث بمثابة مناطق اتفاق لوقف العمليات الهجومية بين الطرفين، كما تهدف الأردن من هذه المناطق في أن تكون خاليةً من أي تواجد للمجموعات الحليفة لإيران أو تنظيم الدولة وأن تجعل لها امتداداً جغرافياً من القنيطرة غرباً مرورا ًبصحراء شرق السويداء إلى منطقة التنف شرقاً بمحاذاة حدودها الشمالية لمنع إيران من تشكيل جسر بري بين طهران وبيروت مروراً بالأراضي العراقية، وصولاً إلى معبر التنف السوري. كما تهدف الأردن من هذه الاتفاق إقامة منطقة إنسانية آمنة جنوب سوريا للحد من تدفق النازحين إلى الداخل الأردني، الذي يعاني من أزمات مالية وأعباء أمنية، وللحد أيضاً من استغلال تنظيم الدولة الإسلامية عمليات النزوح لتشكيل خلايا تابعة لها في الأردن، والذي يصنف نظام الحكم فيه كأكثر أنظمة الشرق الأوسط استقراراً والحليف الموثوق للولايات المتحدة التي تقدم مساعدات عسكرية بشكل مستمر ومساعدات مالية بلغت قيمتها 1.3 مليار دولار للعام 2017 "تقديراً للدور المحوري للأردن".

 
مخيم الزعتري/ الأردن
 
وبكل الأحوال، ترى الأردن أن الاتفاقيات بين المعارضة المسلحة وقوات النظام برعاية خارجية، قد تخفف من حدة الصراع المسلح في الحرب السورية، من هنا لا بد من دعم هذا المسار عبر تهدئة الأمور في الجبهة الجنوبية بالشكل الذي يضمن تحقيق ومواجهة عدد من الأهداف والتحديات، لعل من أهمها:

أولاً:
تتخوف الأردن من عودة مواطنيها المنخرطين بالقتال في العراق وسوريا وتبنيهم نهجا ًجديداً باستخدام العنف لتقويض النظام القائم، خاصة إذا استمر تواجد الجنود الأجانب على الأراضي الأردنية، ما قد تفسره بعض الجماعات انتقاصاً من السيادة الوطنية مما يستدعي تبني منهج عنيف من قبل المقاتلين المُرتقب عودتهم مع اقتراب التسوية الأممية في سوريا، ونهاية سيطرة تنظيم الدولة على المراكز الحضرية بالعراق، ثم في سوريا بعد انتهاء معركة الرقة، والاتجاه نحو دير الزور المعقل الأخير للتنظيم.
 
ثانياً:
من المهم للأردن عدم وصول القوى الإسلامية إلى السلطة في سوريا حيث سيشكلون امتداداً طبيعياً للإسلاميين في الأردن الذين تمثلهم أحزاب وحركات محسوبة على جماعة الاخوان المسلمين الذين يشغلون مواقع مهمة في مؤسسات الدولة وفي البرلمان ويقودون في الغالب حملات انتقاد موجهة ضد الأداء الحكومي على الرغم من ثبوت ولاؤهم للقصر الملكي.
كما أن الأردن معنية بإبعاد أي قوى إسلامية محسوبة على الاتجاه السلفي عن الوصول إلى مراكز القرار في دمشق لما يشكله أيضا من امتداد طبيعي لتيار سلفي يشغل حيزاً من التيارات السائدة في الأوساط الاردنية، وهو تيار يشكل تهديداً على الأمن والاستقرار في الأردن طالما أن هذا التيار الفكري يقع ضمن دائرة الفكر الذي انتج تنظيمات تصنفها الأردن على قائمة الإرهاب مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وهما من التنظيمات ذات الصلة بمنظري السلفية الجهادية وقيادتها حول العالم من الأردنيين أمثال أبو قتادة ومحمد المقدسي وأبو مصعب الزرقاوي وعبد القادر شحادة الملقب بأبي محمد الطحاوي وآخرين شغلوا مواقع قيادية في سوريا مثل قائد جبهة فتح الشام في دمشق ودرعا اياد طوباسي المعروف باسم "أبو جليبيب الأردني" ورفيقه "أبو خديجة الأردني" وأبو أنس الصحابة وغيرهم.  
 
ثالثاً:
تدرك الأردن أن خسارة تنظيم الدولة لمعاقله الحضرية لا تعني نهاية تهديدات التنظيم الذي يتمتع بقدرات عالية على التكيف مع البيئة التي ينتشر بها سواء اختار العودة إلى معسكرات صحراوية سبق أن تواجد فيها غرب وشمال غربي العراق بين عامي 2007 و2013؛ أو الذوبان في المجتمعات السكانية في المدن الكبرى والقرى والبلدات.
 
رابعاً:
التواجد الإيراني المباشر أو من خلال قوى حليفة على الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل يشكل هاجساً أمنياً لكليهما؛ لذلك لا تجد الأردن نفسها في وضع مريح إذا ثبت حزب الله اللبناني موطئ قدم له على الحدود مع الجولان يضاف الى التواجد المكثف له في جنوب لبنان؛ ولذلك يشكل تحقيق السيطرة والاستقرار على مثلث، محيط دمشق القنيطرة درعا، هدفاً استراتيجيا ترجو الأردن تحقيقه بما يضمن ابتعاد إيران وميليشياتها عنه.

الهوامش:

[1] الأردن يحذر من حزام بري يصل إيران بلبنان، صحيفة العرب، 31 ديسمبر/كانون الأول 2016، انظر الرابط.

[2] الأردن يقر بتدريب عناصر "الجيش الحر" في المفرق، وكالة جراسا الاخبارية، 28 يونيو/حزيران 2017، انظر الرابط.

[3] مسيرة في معان "لدعم داعش" تربك جهاديي الأردن والسلطات تدق ناقوس الخطر، سي ان ان العربية، 22 يونيو/حزيران 2014، انظر الرابط.

رائد الحامد

باحث ومحلل سياسي عراقي. سبق أن عمل رئيساً لوحدة البحوث والدراسات في مركز بغداد للبحوث الاستراتيجية، وبعد ذلك كرئيس تحرير مجلة "نوافذ الثقافية" وعمل أيضا كمستشار في مجموعة الازمات الدولية. ساهم بتأليف كتاب بعنوان "الاحتلال الامريكي للعراق المشهد الاخير" الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2007.

مواد أخرى لـ رائد الحامد

ذات صلة