الإسلاموية في سياق الربيع العربي

11 تموز/يوليو 2018
 
[هذه هي المادّة الثامنة من ملف ينشره معهد العالم عن الإسلامويّة بعد الربيع العربيّ. للاطلاع على المادة الأولى هنا، والثانية هنا، والثالثة هنا، والرابعة هنا، والخامسة هنا، والسادسة هنا، والسابعة هنا].
تأطير: تتناول هذه الورقة مآلات الحركة الإسلاموية[1] في سياق الربيع العربي وما بعد الربيع العربي. ستكون الفِكرة الناظِمة لهذه المداخلة أنّ هذه المآلات تتوزّع على عدّة خيارات وسيناريوهات تتراوح ما بين تجاوز الشكل التقليدي للإسلاموية إلى أشكالٍ بلاطيّة وثورية ومعلمنة وانتخابيّة وما بعد إسلاموية. إنّ تقديم هذه المداخلة في سياق ما بعد الربيع العربي لا يعني أنّ هذه التعدّد جديدٌ على الإسلام السياسي، فرغم الطابع الأميري والحركي والاجتهادي والتُراثي لهذه المجموعات إلاّ أنّها كانت تتبعثَر دوماً في التقاليد والخصوصيات، نتيجةً لتناقض السياقات الوطنيّة وتجارب الهجرة وتشعّب التقاليد والمراجعات، الخ.

رغم ذلك فإنّ للتحوّلات السياسيّة في سياق الربيع العربي الأثر الأقوى، برأيي، في بلورة شكل مختلِف للحركة الإسلاميّة عمّا كانت عليه سالِفاً. سينصبّ التحليل أدناه على تقديم النظر في بعض هذه المسارات. ولتضييق مجال الرؤية فإنّ معيار التحليل سيكون حركات الإخوان المسلمين والحركات المتأثِّرة بها عربياً، وإنْ لن نبتعِد عن الإشارة، وأحياناً الإسهاب، في تقاليد إسلاموية أو محافِظة غير عربيّة وغير إخوانيّة.

ستعتني هذه الورقة أيضاً باستصحاب القراءات التحليلية للحركة الإسلاموية في الأدبيات الأكاديمية الغربية. وبهذا المعنى فإنّ هذا المبحث، بقدر ما هو تحليليي، هو أيضاً ممارسة في القِراءة تؤمي إلى ضرورة انتباه المُحلِّلين العاملين بالفصحى إلى ضرورة التحاور مع التقاليد البحثية باللغات الأخرى. ولعلّ ما بهذه الورقة من مركزية أجنبية في الإحالات لا يسلم من نقد مُضمَر بالقصور للأدبيات البحثية العربية للحركة الإسلاموية في السنوات الأخيرة. ورغم أنّ معظم المادّة الأولية والمراجع لدراسة الإسلام السياسي العربي تبقى، طبيعياً، بالعربيّة، بحكم عربيّة الانتفاضات العربية، إلاّ أنّ المصادر والقراءات الثانوية تتطوّر أكثر خارج هذا المجال.
 
1-الإسلام السياسي: ما هو؟

لا يخلو تعريف الإسلام السياسي الإخواني والمستأنِس بالإخوان من إشكال لما في هذه التقاليد من تاريخية وتشعّب. وثمّة حتّى مشكلة أصلاً في تأريخ المصطلح. فالقانوني المصري محمد سعيد العشماوي (ت 2013) يرى أنّه أوّل ممن سكّ هذا المصطلح في ثمانينيات القرن الماضي، وذلك في كتاب له بهذا العنوان[2].

وما أمِله هذا التشريعي الذائع هو التظليل على حركاتٍ تستظلُّ بالإسلام لأغراض يبدو أنّها تسيسية ولا تستقيم أمام النقد المهني المحترِف وأمام ضبط المصطلح وتنقيحه. وإذا كان المصطلح يحوي صفة قيّميّة لدى العشماوي، وبالأخصِّ أنّه توصيف لحالة من الشعبوية والحِسّ العام غير المُسنَد، فإنّه يبدو أكثر إجرائية ووصفية في الدراسات اللاحقة. ويصف كليفورد غيرتز الإسلامويين السياسيين بأنّهم يعملون من داخل أزمة في الإسلام انهارت فيها السنن والرموز التقليدي وتمّ استعواضها بالنصّانية؛ وهو يقرأ هنا الفصاميات ما بين الدِّين، الذي هو جملة من الرموز الاجتماعية والنفسية، والحياة الحديثة[3].

 وإذا كان يُنظر على نطاق واسع للإسلامويين بأنّهم مستخدِمو الرّموز الدِّينية في المجال العام فإنّ هذه المفهمة ليست مفيدة كثيراً بالنظر إلى وجود استنادات تراثيّة في السياسية اليومية غير إسلاموية بالضرورة. والواقع أنّ اتجاهاً واسِعاً من دارسي الإسلام السياسي المعاصرين أصبحوا ينظُرون إليه في إطار عملية قومية متقادِمة وُطنِنَ فيها الدِّين وأُمِّم في إطار تفتّق الدولة الوطنية والوعي القومي الحديث[4]. ولم تخف أنماط قوممة الدِّين حّتى دارسي حياة المُعلمِنين الأوائل[5].

وينظر أوليفر روا إلى الإسلام السياسي أنّه طريقة حياة توحيدية. وليست الإشارة فقط إلى التوحيد الإسلامي الثيولوجي وإنّما إلى توحيد السياسة بالدِّين وتوحيد أنماط التصرّف وفق رؤية حياة مخصوصة[6]. ومرّةً أخرى فإنّ الدولة المُسلِمة الحديثة قد قامت ليس فقط على وطننة الرموز والهويات الدِّينية وإنّما على تديين الحياة العامة (انظر الإشارت أدناه)؛ إلاّ أنّه يُنظَرُ إلى الحركات الإسلامويّة باعتِبارِها مستوىً راديكالياً من هذه العمليّة يرى أنّ ما تمّ من الأسلمة غير كاف[7].

أما اليسار الثوري فقد نظر إلى الإسلاموية باعتِبارها حركة تسعى، دونما جدوى، لاستيعاب تناقضات الرأسمالية، وبالأخصّ ما وصفه تروتسكي بأنّه "التطوّر الموحّد اللامتكافي". كان بعض هؤلاء أمثال كريس هارمان، المتوفّى بالقاهرة 2009، أليفاً بالإسلاموية المصرية وقد حلّلوا بأنّها لن تقدر على امتصاص كافّة هذه التناقُضات، ولذا قاربوها دوماً، كما هو دأبُهم إزاء الحراكات الاجتماعيّة، في تحليل  تناقُضاتها، وهو ما يرومون به تنافر العلاقات الاجتماعيّة فيها.

حلّل هارمان في النبي والبروليتاريا، الذي غدا نبراساً لحركة الاشتراكيين الثوريين في مصر، بأنّ الحركة الإسلاموية هي مزيج من الطبقة الدينية الوقفية القديمة مع الرأسماليين الجُدد الورِعين (يُشار دوماً إلى أنّ عثمان أحمد عثمان، رمز الرأسمالية التجارية بمصر كان متعاطِفاً مع الإخوان؛ أمّأ حديثاً فيتمّ الهمس بامبراطورية خيرت الشاطر). وقد خلطَ هارمان هنا ما بين طبقة البازار الإيرانية والرأسمالية المُحدثة؛ وفقراء الرِّيف الذين نقموا على التحوّلات في حياتِهم الأهليّة، بما فيه الإصلاح الزراعي الذي دمّر أنماط حياتِهم القديمة؛ والطبقة الوسطى المُحدُثة[8].

ورغم أنّ تحليل هارمان ليس حاضِراً دوماً في كلّ تحليلات الإسلاموية الأكاديمية إلاّ أنّه مجزّءٌ في كثيرٍ منها. لقد نظر حُسام تمّام إلى تسليف الإخوان المسلمين، الذين كانوا طبقة ليبرالية قبل أنْ تؤدِّي بهم تحوّلات اجتماعية معيّنة إلى الترييف[9]. وكما هو مألوف في تحليلات ترييف المدينة فإنّ التظليل يكون هنا على أنماط التصرّف التي جعلت من الإسلاموية حركة مقاومة ثقافية لأنماط من التصرّفات الحداثوية.

ولعلّ هذا النوّع من الأدبيات هو ما أولَد تُراثاً علمانوياً من تحليلات تناقضات الإسلام السياسي مع الحداثة. وواضِح من هذه التحليلات في أنّها تغفل أنّ الحركة الإسلامويّة هي مُنتَج حداثي في الصّميم، بلورتها الإشكاليات الحداثية وأنّها لذات السبب معدودة غالباً في مقاومات أو سلطويات الجنوب وأنّها في نفس الوقت تشكّله في السياق الرأسمالي[10]؛ وإنْ كان بعض دارسي الإحياء الإسلاموي، وبالأخصِّ في منطقة غرب إفريقيا، وجد في هذه الحركات مثابرة على منوال الإصلاحويات التاريخية في القرن السابِعة عشر والثامن عشر (بما فيها مثلاً حركة ناصر الدين في موريتانيا)[11].

يعتقِد البعض أنّه على أهميّة هذه التحليلات الهيكلية، فإنّها لا تُظلّل على عامل مهِمٍّ هو الطابِع الأخروي لهذه الحركات، مشيراً إلى أنّ جزءاً من استقطابِها لجماهيرِها يتمّ من خلال بحث هؤلاء عن الدِّين وعن الخيارات الدِّينية التي تنفعُهم ليس فقط في الدنيا، وإنما في الآخرة كذلك. ويُشير هؤلاء إلى أنّ هذا النوع من الخيارات لا يعدم عقلانيّة، على عكس التقديمات العلمانوية الاعتيادية، ذلك أنّ الخيارات الأخروية هي أقصى حالات العقلانيّة[12]. وعلى أهميّة هذا العامل النفسي، إلاّ أنّ الدّارسين يُحبّون التحليلات البنيوية، التي تنظر في البُنى الكبيرة، السياسيّة والاجتماعيّة، والتي في واقِع الأمر تُنتِجُ هذا الوضعيات النفسيّة وتُعقلِنها.

2-1 الإسلاموية والربيع العربي

لقد أخذ الربيع العربي الحركات الشعبية الإسلاموية، وبالأخصِّ الإخوانية والمستأنِسة بها، على حين غِرّة. فرغم وجود تقاليد ثورية إسلاموية، حتّى في داخل الإخوان المسلمين (الاتجاه القُطبي مثلاً)، إلاّ أنّ هذه الحركات لم تكن حركات ثوريّة أصلاً، وإنّما كانت حركاتٍ إصلاحيّة تنافِح عن صعودِها من داخل الأنظِمة القائمة؛ وقد حرصت الاتجاهات الرسمية والمُهيمِنة في هذه الحركات على نفي التقاليد القُطبيّة، على مثابرتها في خريطة الخطاب الإخواني[13]. وفي سوريا مثلاً نجحت الحركة الإخوانيّة في التخلّص من اتجاهها الثوري، الذي مثلّه سعيد حوّا، نظير قُطب في الإخوانيّة السورية، رغم أنّ هذا الاتجاه كان قد نجح في السبعينيات في تحييد الاتجاه الليبرالي والاشتراكي المعتدِل فيها، الذي مثله اتجاه، الأب المؤسِّس، مصطفى السباعي[14].

 ورغم أنّ الأنظمة السائدة كانت تتهمّ الإخوان بمحاولة قلب الأحكام، إلاّ أنّها، باستثناءات، لم تكن تُبشِّر دوماً بقلب الأحكام. وعلاوة على هذا فقد بدا أنّها تخلّت عن تاريخها الثوري الأصولي، كما في سوريا ومصر من خلال اقتراح الجماعة الإسلاميّة والإخوان المسلمين الالتحاق بعمليّة سياسيّة مفتوحة. وكانت سنوات التسعينات فرصة لهجرة الاتجاه القطبي إلى السلفيّة الراديكاليّة متمثِّلة في اتجاه من الجهاد الأفغاني هو القاعِدة. لقد أصبح الإسلام السياسي المعتدل جزءاً من العملية الدِّيمقراطيّة الإصلاحيّة منذ عقود، على استثناءات شكوك كثيرة من خصومه. غير أنّ تفتّق الانتفاضات العربيّة بما فيه إعادتها للخريطة السياسية والاستقطاب العربي قد أعاد أشكلة هذه الحركات. 

2-مآلات الإسلاموية في الربيع العربي:

2-1-إخفاق الإسلام السياسي

كان أوليفييه روا قد طرح فكرة فشل الإسلام السياسي في 1992 في كتاب بنفس العنوان (تُرجِم للعربية بعنوان آخر هو: تجربة الإسلام السياسي). وقد ظهر هذا الكتاب في وقت كانت فيه الحركات الإسلاموية في عزِّ صعودِها، وهو صعودٌ حلّل روا أنّه سيتقادم، إلاّ أنّه خمّن أنّ فشله سيكون على منوال الاشتراكيّة الدِّيمقراطية من ناحية أنّه سيكون تحوّلاً ثقافياً في العادات والتقاليد، ولكن ليس في الأنظمة والبرامِج والإمكانيات التنموية والاجتماعية[15]. ويتشابه هذا الطرح مع ما ذهب إليه عزيز العظمة من أنّ الإسلاموية تُفهم أنّها قوميّة ثقافية جذرية[16]؛ كما يتشابه مع ما ذهب إليه فريد الأنصاري أو طه عبد الرحمن من أنّ الحركات الإسلاميّة قد التحقت بالإطار الأخلاقي للعلمانوية من خلال فصل الدعوي عن السياسي أو تغلّب التسيّد فيها[17].

عموماً، أجمل روا تحليله لإخفاقة الإسلاموية في أنّها لن تنجح في استبدال أفق الدولة الوطنية وتُوحِّد العالم الإسلامي ولن تنجح في استبدال النمط الاقتصادي القائم، بل ستقوم بإعادة الأنماط الذائعة من اقتصاد الدّولة أو اقتصاد السّوق إضافة إلى التسلّف (وستتطور تحليلات تسلّف الإخوان لاحقاً)[18]. وفيما تبدو هذه التحليلات مقبولة اليوم، حتّى في أوساط الإسلاموية، التي ترى أنّ من محامِدها الوسطيّة وعدم تهديد المنهاج العام للحداثة، إلاّ أنّها كانت صادِمة في مطلع التسعينيات لتيار قُدِّم أنّه طريقة ثالثة وآخريّة، إن لم تكن أخروية، في الحياة والتنظيم[19].

 بيد أنّ ما يُقصدُ به عادة فشل الإسلام السياسي في سياق الربيع العربي يتعلّق بنقاط تبدو مختلِفة نسبياً. صحيحٌ أنّ مشكلة الثقافة أو الهوية كانت في صميم أزمات الإسلاموية في مصر وتونس، وحتّى في السعودية، إلاّ أن القصد يتوجّه عادةً إلى عدم الكفاءة السياسيّة، وبالأخصِّ لحركة الإخوان المسلمين في مصر، وبالأخصِّ فشل رهاناتها في استبقاء الحُكم الذي انتُخِبت له. نمتلك الآن عدّة تحليلات أكاديمية لهذا الفشل تتوّزع بين لوم الإخوان أو الظروف (وأوّلها تحالف الثورة المضادة)؛ ولكنّها عموماً تُلقي باللائمة على استراتيجيات الإخوان. في فصل صدر 2016 بعنوان أسباب فشل الإخوان المسلمين في السلطة،  وهو من كتاب حرّره الباحثان برنار روجييه وستيفان لاكروا، يُحلّل باتريك حايني أنّ الإخفاق الإخواني جاء بسبب أنهم

1-دخلوا في مواجهة مع البيروقراطية دون تمييز ما بين الثورة المضادة ومقاومة المؤسّسات العتيقة للتوجهات الحادثة؛ و2- أنّهم واجهوا ثورة دائمة من الشباب والنقابات قدّموا أنفسهم في مقابلِها ممثلين للأمن وحكم القانون؛ و3- أنّه رغم أنّ الولايات المتحِدّة راهنت على حكم الإخوان في استقرار مصر إلاّ أنّها لم تتدخّل لصالحهم ضدّ حلفائها العسكر الذي أرادوا استرداد الحُكم منهم[20]. وتميل بعض التحليلات الأخرى إلى التظليل إمّا على تيوقراطية الإخوان أو ديمقراطية الأغلبية لديهم[21]؛ أو إلى تغوّل المؤسّسة العسكرية وأطماعها؛ أو إلى البرنامج النيوليبرالي للإخوان المسلمين[22].

ومهما يكن من أمر، فإنّ نكبة الإخوان بمصر قد ألقت بظلِّها على بقية الممارسات الإسلاموية في الربيع العربي وجعلتهم يُغيّرون من تصرّفهم. فعلاوة على أنّ هذه التجربة كانت فرصة الأنظمة في السعودية والإمارات في استعداء الإخوان والتنكيل بهم ومتابعة شبكاتهم في مصر وليبيا (وليس بالضرورة في اليمن، على الأقلِّ من قِبل السعودية التي تحالفت معهم)، فإنّ الحركات الإسلاموية في تونس والمغرب قد بدأت تتخلّصُ من الارتباط الإخواني ومن سياسات استظلّت بالإخوان. لقد كان هذا الارتباط قوياً في الثمانينيات والتسعينيات[23]؛

وصحيح أنّ تجافياً حدث في الطريق إلى الربيع العربي ولكنّه لم يتبلور إلاّ فيه. ففي المغرب فُهمت محاولات الاستفراد الأولى لحزب العدالة والتنمية المغربي في سياق الأخونة، ما حدا بخصوم الحزب المُنتخَب في 2012 أنْ يراهِنوا على خصوم الإخوان في مصر؛ فبعث الملك المغربي تهنئة لعدلي منصور بمناسبة إسقاط الإخوان وتبعه في ذلك حزب الأصالة والمعاصرة داعماً إسقاط مرسي. ويذهب مُحلِّلون إلى أنّ خلع مرسي كان سبباً أساسياً في خفض جناح رئيس الوزراء الإسلاموي عبد الإله بن كيران بعد تمنّع أوّلى ضدّ شركائه السياسيين، خصوصاً أن الحزب ربّما خشي مشروع إسقاطه بعد انسحاب حزب الاستقلال من التحالف معه[24].
 
 
 أما في تونس فقد كان لانتكاسة الإخوان بمصر الأثرَ الأهمّ في تقويض المسار الثوري لحركة النهضة. فقد بدا جلياً أنّ تياريْن تصارعا بحزب النهضة أحدهما يدعو للتثوير والثاني يدعو للبرلة. أراد الاتجاه الثوري إدماج الشريعة في الدستور وتجريم نخبة بن علي وحماية الثورة بالكتائب الأصولية؛ أما الاتجاه الليبرالي فقد أراد سياسات إجماعيّة تقبل بالأفق العلماني وتحلّ الكتائب العنيفة وتقبل العمل السياسي مع النخب السياسيّة القديمة. لقد ظهرت هذه الخلافات في مؤتمر النهضة التاسع في 2012.

ومع مقتل شكري بلعيد وبرهامي بدا أن حركة النهضة تواجِه ثورة شبيهة بانتفاضة 30 يونيو على حكم الإخوان بمصر. ويُحلِّل أغلب دارسي الربيع العربي التونسي أنّ مصير الإخوان في مصر كان داعياً لانتصار تيار الاعتدال في وسط حزب النهضة، الذي قبِل مباشرة بدستور علماني وبمطاردة الكتائب الأصولية كأنصار الشريعة إضافة إلى عدم تجريم رموز النظام المخلوع، وما هو أهَمّ بالتنازل عن منصب رئاسة الحكومة وقيادة بقية المرحلة بحكومة تكنوقراطيّة[25]. لاحقاً سيقبل حزب النهضة، بعد حلولِه ثانياً في الانتخابات الائتلاف مع حزب نداء تونس البورقيبي، الذي استكمل، بمباركة النهضة، أكثر القرارات علمانية.
 
حاصل القول إنّ أفق إخفاق الإسلام السياسي يعني إما إعادة دخول السياسات الإسلاموية في خطِّ الدولة الوطنيّة، كما ذهب إلى ذلك أوليفييه روا أو إعادة دخول إسلاموية الربيع العربي في الخط الاعتيادي المحافِظ للأنظمة التقليدية وتنازلاتها للمقاومة العلمانوية أو للسياسات التنموية التي سمّها سمير أمين بالتنميّة الرثّة (lumpen development). ولا شكّ أنّ هذا التطبيع أو إعادة الإنتاج للإسلاموية فيما بعد الربيع العربي ليدرك في أفُقٍ تحليلي آخر هو: ما بعد الإسلاموية.

2-2- ما بعد الإسلاموية

منذ 1996 بدأ أفق ما بعد الإسلاموية يُطرَحُ كمقاربة مهمّة لفهم التحوّلات الحثيثة التي بدأت الحركات الإسلامويّة تشهدُها في التسعينيات. ورغم أنّ هذا الأُفُق كان واضِحاً للمختصِّين في الألفيّة، إلاّ أنّ تبلوره الأهمّ، تماماً كما أشكلتُه، كانت في الربيع العربي. ويعود لآصف بيات الفضل في طرح هذا المصطلح، الذي رامَ به رصد تحوّل الحركات الإسلامويات من حركات شريعتيه إلى حركات ديمقراطيّة. وفي واقِع الأمر لم يُقدِّم بيات هذا التحوّل دوماً بهذه اللغة الصلفة، وإنّما تحدّث عن الانتقال في هذه الحركات من خطاب الواجِبات إلى خطاب الحقوق؛ ومن خطاب الأسلمة بالدولة إلى خطاب إعفاء الدولة من الأسلمة.

فإذا كان العدول إلى أمرِ الله كان مُعرِّفاً أساساً للحركات الإسلاموية، وبالتأكيد حركة الإخوان المسلمين، التي كان من أسباب تأسيسها إعادة تنظيم المسلمين في نظام الخلاقة الذي أُسقِط في 1924 (وكان حسن البنا نفسه يقود عمليات حصب ورشق الملاهي والمراقص التي اعتُبِرت غير إسلاميّة)، فإنّ خطاب التنميّة والاعتدال سرعان ما صار المُعرِّف الأساس لهذه الحركات في ظلّ تحوّلاتِها السياسيّة[26]. بعبارة أخرى إنّ ما بعد الإسلاموية هي تقليد الانتقال من إصلاح المسلمين على منوال الكِتاب والسنّة إلى تقديم البرنامج التنموي الأفضل بالنسبة لهم في السياق الدِّيمقراطي والحقوقي.

كما بيّن بيات ورفاقه فإنّ جزءاً أساساً من التحوّلات إلى ما بعد الإسلامويّة تعلّق بالتحوّلات الجيليّة للإسلامويين وبالأخصّ ظهور اتجاه أجيال جديدة ورعة فيهم من الطلاب والشباب والنساء والمفكِّرين، الذي شُكِّلوا بالوعي الحداثي والحقوقي العلماني. إلاّ أنّ جزءاً آخر تعلّق بخطابات ورِعة ليست بالضرورة منضوية في صفوف الإخوان المسلمين، ويتعلّق الأمر مثلاً بالتقاليد الخطابيّة للوعاظ التلفازيون والخُطباء والمنظِّرين والمُمارسين الورِعين أمثال جمال البنا وعمر عبد الكافي ومحمد سعيد عشماوي ومحمد شحرور وعمرو خالد وعدنان إبراهيم، الظاهِرة المؤثِّرة في سياق الرّبيع العربي. لقد كانت مساهمة هؤلاء هي إقناع الطبقة الوسطى بإمكانيّة أن تعيش الحياة الحداثيّة بطبيعية، مع تقديم تنازلات طقوسيّة طفيفة.

ويُعدّ عادةً من بين هؤلاء، الذين يوصَفون بالتساهل بعض الإخوان، كحسن الترابي ويوسف القرضاوي مثلاً. ورغم أنّ الإطار العامّْ الذي اشتغل فيه هذان الأخيران كان إطاراً إسلاموياً أكثر مما كان إطاراً ما بعد إسلاموي، إلاّ أن الإشارة عادةً ما تكون إلى الفتاوي المتصالحة مع أنماط الحياة الحديثة التي أتاحها هذان كزواج فريٍند لعبد المجيد الزنداني، الذي أجاز نمطاً من المواعِدة بمنافِعها الجنسيّة[27]. أمّا كتاب القرضاوي الحلال والحرام فقد وُصِف أحياناً، هزؤاً، بالحلال والحلال[28].

بيّن بيّات أنّ ما بعد الإسلامويّة يتعلّق بعدّة ظواهِر منها فشل التجربة الإٍسلامويّة الإيرانيّة على السواء كما ظهور أنماط حياة مدينية أتاحتها الإعمارات الإسلامويّة في إيران. وكان من آثار هذه الإعمارات تغيير العلاقات الجندرية وإتاحة أنماط جديدة من التلاقحات الجنوسيّة قوّضت الأساس المجتمعي للإسلاموية، وبالأخصِّ الفصل ما بين الجنسيْن وأسلمة العلاقات الاجتماعيّة[29]. إلاّ أنّ آخرين بيّنوا الاشتغالات المشعِّبة لهذه التحوّلات، وبالأخصِّ خارِج إيران. ففي ما يتعلّق بمصر أظهر دارسون أمثال آصف بيات كيف أنّ انتزاع الدّولة المصريّة لمجالات الفِعل الاجتماعي والخيري من الإسلامويّة قد ولَد أنماطاً جديدة من الفِعل السياسي انتزعت الحركات الإسلاموية من مجال شبه الدولة أو الدولة العميقة إلى مجال المشاركة الدِّمقراطيّة[30].

أمّا في باكستان فقد أشار دارسون أمثال إحسان داغ إلى الأثر الذي لعبَه القمع العلماني للإسلامويّة في إجبار الإسلامويين على القبول بقواعِد اللعبة الدِّيمقراطيّة، مؤدِّياً إلى خروج تيارات نقدٍ ذاتي في أوساط الإسلامويّة لم تسلم ندمن انشقاقات وأنماط نقد جذري للتقاليد الإسلاموية. ولعلّ الحالة الأبرز لهذا هي انشقاق العدالة والتنمية من حزب الرّفاه. لقد سُمي هذا الاتجاه من ظهور اتجاهات إسلاموية مختلِفة عن التنظيم الحزبي ذي الطبيعة الإخوانية بالإسلاموية البديلة، وإذا كان العدالة والتنمية الباكستاني مثالها الأبرز في باكستان فإنّ حزب الوسط كان مثالها الأبرز في مصر[31].

هوجِمت أطروحة ما بعد الإسلاموية من عدّة زوايا، ما سمح لطارحيها أنْ يُرمِّموها ويُحصِّنوها من بعض الفهوم الابتدائية، وبالأخصّ من ناحيّة النظر إليها أنّها إطارٌ تأريخي يُقدِّم قصة متقادِمِة لنمو الإسلاموية. فكما بيّن بيّات فإنّ ما بعد الإسلاموية ليست شرطاً ختامياً للإسلاموية؛ بل يحدُث أنْ تسبق الأولى الأخيرة، كما حدث في التجربة المهديّة في السودان. إنّ ما يبدو من التاريخ السوداني هو أنّ الحركة الإسلاموية السودانيّة قامت على أنقاض آراء ما بعد إسلاموية سواء كانت أفكار محمود محمد طه أو كانت التراث المهداوي من خلال ورثة المهدي[32].

وفي واقِع الأمر فإنّ هذا واضِح لحسن الترابي، الذي غالباً ما يُنسى السياق الفكراني لأطروحاتِه. فأصالته تكمن في التسليم بأن ماضي الإسلام عِلماني، من حيث أن الدولة فيه استقلّت عن الفقه وعن الشريعة، واقتراح إنهاء ذلك الماضي بإتاحة دولة إسلاميّة حداثيّة[33]. إذاً ليست ما بعد الإسلاموية أطروحة خِطيّة؛ وإنمّا هي أطروحة تحليلية. ولذا فإنّ بعض طارحي مفهوم ما بعد العِلمانيّة، وهم يعون هذه التداخلات ما بين الإسلاموي وما بعد الإسلاموي، قد اقترحوا في واقِع الأمر النظر إلى ما بعد الإسلامويّة أنّها إمكانيّة من إمكانيات الإسلاموية. وفي هذا السياق يقول إحسان داجي دارساً التجربة التركية:

عندما يتجه الإسلامويون إلى الديمقراطية بصفتها استراتيجية ديمقراطيّة ناجعة للتعامل مع خصومِهم المستبدِّين وذلك بدعوة الجماهير بالوسائل الشرعية وبـالتعددية باعتبار أسس النفاذ إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة والعمل معها بدون استهداف اختلافها، فإنّهم يصابون بذلك إلى ما بعد الإسلاموية. وبهذا المعنى فإنّ ما بعد الإسلاموية ليست "أطروحة مناقِضة" للإسلاموية ولا هي "إسلاموية متنكِّرة"، وإنّما هي بالأحرى إسلاموية مُفعمة بالدِّيمقراطيّة والتعددّية (1). إنّها تُمثِّل إمكانيّة الإسلاموية أنْ تُنمي لغة واستراتيجية سياسية جديدة وأنْ تُولِّد فاعلين جُدداً"[34].

اتفق إحسان داجي في دراسته لتحوّلات الإسلام السياسي في تركيا في 2013 مع عاصف بيّات في العوامل المُحدِّدة لما بعد الإسلاموية وبالأخصّ الانتقال من خطاب الهوية الإسلامية المتعارضة مع الحداثة إلى خطاب الدِّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والتعدّديّة وحكم القانون. إلاّ أنّ داجي رأى أنّ عدّة سيناريوهات أتاحت هذا التحوّل في التاريخ الحديث لتركيا ومن بينها التأطير العلمانوي للإسلام السياسي وإكراهه من خلال المؤسّسة العسكريّة على أدبيات سياسيّة بعينها[35].

فبعد أربع تجارب سياسيّة للأحزاب الإسلاموية متمثِّلة في تقليد الرؤية الوطنية الذي قادَه نجم الدِّين أربكان منذ السبعينيات، وبالأخصِّ منذ ما سُمي بـ"الانقلاب ما بعد الحداثي" في 1997 انقلب الإسلامويون في حزب الفضيلة فجأة من رافضين للحداثة العلمانيّة إلى قابلين لها، ومن رافِضين للأوربَة إلى منافِجين عنها. وإضافة إلى عامل التأطير العلمانوي، ولو بالقسر السياسي، فإنّ عوامل أخرى غير سلبيّة ساهمت في بلورة هذا التحوّل كظهور طبقة وسطى إسلاموية واسِعة في تركيا لم تعد متناقِضة مع الممارسات الحداثيّة (بما فيها المنافِع الربوية) كما لم تعد مخاطِرة بمكانتِها وحظوتها في صراعات سياسية أيديولوجيّة مع العِلمانية؛ وإنّما وجدت نفسها في إطارات هذه العلمانيّة.

ويُحلِّلُ داجي بأنّ جزءاً من هذا عاد إلى كون الإسلاموية ظلّت شذوذاً سياسياً يفتقِر للشرعيّة، رغم فوزه بالانتخابات. وهكذا ظهَر اتجاهٌ في داخل الإٍسلامويين يسعى للعدول عن الرّاديكاليّة الدِّينية أو الخطابيّة التي مثّلتها تجارب أربكان. وكان من أولى ضربات هذا التيار، الذي قاده عبد الله غول ورجب طيّب أردوغان في مطلع الألفية، التمايز في حزب الفضيلة ما بين متعلمنين ومحافِظين.

ورغم أنّ داجي حلّل أنّ حزب الفضيلة الذي قاده أربكان من وراء الكواليس كان أوّل حزب ما بعد إسلاموي في تركيا، إلاّ أنّه انتبه إلى صراعات المتعلمنين فيه مع المحافِظين، ما أسفر عن تحدِّي تقاليد البيعة والطاعة وأدّى إلى انتزاع عبد غول للزعامة من تيار أربكان في مؤتمر حزب الفضية في مايو 2000. كان ما بعد الإسلامويون هؤلاء، الذين سيشتهرون لاحقاً بحزب العدالة والتنمية، تعبيراً عن عدّة حاجات خطابيّة وطبقيّة. ويبدو أنّ السلطة العلمانيّة ساعدتهم مرّة أخرى عندما حلّت حزب الفضيلة فانخذل المحافِظون الأربكانيون إلى حزب السعادة واستقلّ ما بعد الإسلامويين بحزب العدالة والتنمية[36].

لقد اتكَأت ما بعد الإسلاموية في تركيا على التعريف العسكري-الليبرالي لعلاقة الدِّين بالدولة وعلى الرافِعة العلمانوية والرافعة الأوروبيّة (حيث كان طلب الالتحاق بالاتحاد الأوروبي سقفاً تنموياً راهنت عليه الطبقة السياسية التركيّة) وعلى ظهور طبقة وسطى ورِعة ولكن متسقة في الاقتصاد ونمط الحياة الليبرالية. إلاّ أنّ التحوّلات الفكرية لم تندر في هذه الوجهة. فقد بدأ المنظِّرون الإسلامويون الأتراك، أمثال علي بولاتش، يعون الأفق المسدود للإسلاموية، ويخلصون إلى أنّ "مشروع الدولة الإسلاموية قد انهار"[37]. ويمثّل بولاتش باعتِبارِه صوتاً بارِزاً في الصحافة الإسلاموية هذا الاتجاه الذي، برغم دعوته لفهم الحياة من منظور الكتاب والسنة وتقديم نواة عائلية إسلامية، إلاّ أنّه يبتعِد عن مقاربة الدّولة في سياق الدين التي طبعت التفكير الإسلاموي التقليدي[38].

وإذا كان التمايز ما بين جماعة أردوغان والأربكانيين كان جوهر الانتقال ما بعد الإسلاموي فإنّ هذا ظلّ لوقت يُميِّز ما بعد الإسلامويّة عن الحركات الإخوانيّة، التي نُسِب إليها أحياناً ببعضِ التجوّز حزب السعادة الأربكاني. وما يُشارُ إليه في هذا السياق عادَةً هو زيارة أردوغان للقاهِرة، التي نصَح فيها الإخوان المسلمين بالمصالحة مع العِلمانيّة، قائلاً إنّ العلمانيّة صفة المؤسّسات بينما الدِّين صفة الأفراد، ما أثار امتعاضاً إخوانياً[39]. وصحيح أنّ الأثر ما بعد الإسلاموي، كما في ظهور التقليد الإصلاحي الإيراني منذ محمد خاتمي، كان ذا أثر على الإخوان المسلمين في مصر[40]؛ إلاّ أنّ معظم التحوّلات ما بعد الإسلامويّة في الأحزاب التي نُسِبت في ففترة معيّنة للتقليد الإخواني قد تمّ بالتمايز عن الإخوان. ويتعلّق الأمرُ بالأخصّ باتجاه حركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب.
 
 
 ورغم أنّ التحليلات الرائجة عن ما بعد إسلاموية العدالة والتنمية في تركيا لم تعد تستجيب لكافة المستجدّات السياسيّة في تركيا وبالأخصِّ منذ مظاهرات غزي في إسطنبول في 2013، التي سرّعت من المنعرج السلطوي والمُحافِظ في حزب العدالة والتنميّة التركي[41]؛ إلاّ أنّ هذا الأفق ما زال صالِحاً حتى الآن- برأينا- ليس لفهم التجربة التركيّة فحسب وإنما لفهم التجربة الإسلاموية في الربيع العربي كذلك. فقد تخلّت الحركات الإسلاموية الوسطيّة، التي تقدّمت للانتخابات في الربيع العربي عن برامِجها الشريعيّة وتبنّت لغة الحقوق والتنمية والدِّيمقراطيّة.

وفي كلّ هذه التحوّلات كانت الحركة الإسلامية مُقادة بتنظير فِكري جديد أو بتحوّلات جماهيرية غير مألوفة. ولعلّ هذه التحوّلات، التي لم تشهد انقلاباً إلاّ في مصر، حيث ساهمت في إحقاق قطيعة ما بين تيارات الإسلام السياسي بالمغرب العربي، وبالأخص تونس والمغرب والجزائر (وليس بالضرورة ليبيا) وتياراتِه بالمشرق، وبالأخصِّ بمصر وسوريا واليمن وفلسطين.
 
2-3- العلمنة

لا تختلِف أطروحة العلمنة كثيراً عن أفق ما بعد الإسلاموية، التي لا تختلِف بدورِها عن مقاربة فشل الإسلام السياسي؛ وإنّما أفردنا لكلِّ من هذه المداخِل باباً للتظليل على اتجاهات تحليلية بعينِها. فأمّا العلمنة فهي تنزع بالحركات الإسلاموية إلى قبول خصخصة المعتقدات الدِّينية والانتقال من أسلمة المجتمع بالدّولة إلى تقديم برنامِج تنموي واقتصادي مستقِلٍّ عن الدِّين، وبالأخصّ التنازل عن الشريعة الإسلامية، التي أيضاً اختُزِلت، في عملية معقّدة شرحها وائل حلاّق، في جانبها القانوني والجنائي[42]. لقد عبّر عبد الله العروي، أحد أهمّ المفكِّرين العرب الأحياء عن هذا عندما قال إنّه لا يرى أيّ شيء إسلامي في الحزب الإسلاموي العدالة والتنمية المغربي[43]. فهذا الحزب يحكم المغرب منذ 2011 ولكن رصيده في حكم الأسلمة لا يختلِف عن سوابِقه.

وفي الحقيقة فإنّ عدّة قوانين "علمانيّة" قد أٌقرّت في ظلّ هذا الحزب، ومنها إبعاد الأئمة والخطباء من ممارسة السياسة[44] وتحريم النقاب[45]. وفي تونس تواصل حركة النهضة، بشراكِتها السياسيّة مع البورقيبيّة المُحدثة، مسار الدّولة البورقيبيّة العِلماني، كإعلان حرية الضمير والاعتناق والتخلي عن أحكام الزندقة والردّة[46]، ودعم تشريع زواج غير المسلمة من المسلم[47] إضافة إلى قوانين مساواة الجنسيْن في الميراث. وفي مصر قام نظام السيسي، بعد السيطرة على مدارس الإخوان بحظر النقاب فيها، كما أُلغيِت منها إجبارية الحِجاب. ويبدو أنّ الإخوان في تسييرِهم لهذه المدارس كانوا يفرضون بها نمطاً تقوياً.[48]
عموماً، لا تسلم الحركات الإٍسلاموية من ملامسة الهيمنة العلمانيّة في مقاربة الدِّين. وقد بيّن أكثر من دارس كيفيّة اعتمال الأفق العِلماني من داخل الخطاب الإصلاحي الإسلامي وكيف أنّ فكرة الدِّين في العصر الحديث هي تصوّر تأديبي أو مفاهيمي علمانوي[49]. إنّ انتصار فكرة ما وُصِف بالدولة المدنية، التي صارت شعراً عاماً في الربيع العربي هي شاهِد على هذا التشخيص. غير أنّ تصالح الإٍسلامويين مع العلمانيين قد حدث في ظلّ النضال ضدّ الأنظمة الاستبداديّة فيما قبل الربيع العربي. ففي تونس وُقِّع اتفاقAix-en-Provence  في فرنسا، الذي سمِح بتقارب إسلاموي علماني في 2003 سيكون أساساً لقيادة الأحزاب اليسارية والإسلاموية للمرحلة الانتقالية في 2011؛

وفي مصر دأبت الإخوان على تحالفات مع من سيكونون لاحقاً نواة الرفض العلمانوي لهم، كمحمد البرادعي مثلاً. وقد صفّت هذه الاتفاقات الإسلاموية إلى جنب الأحزاب العلمانيّة أكثر ما رصّتهم إلى جانب الأحزاب الأصوليّة كحزب التحرير التونسي، ولاحقاً حزب النّور المصري. ومن الجلي أنّ هذه العلمنة تُفهَمُ ليس فقط في إطار القسر الذي شكّلت به النُخب العلمانية الجذرية السياسة، كما في تركيا؛ وإنما أيضاً بالاختيار، وبالأخصِّ بالدمقرطة. يكون الكلام فيما يلي على الإسلاموية الانتخابيّة باعتبارها تقليداً في الربيع العربي.

2-4- الإسلاموية الانتخابيّة

لعلّ الإسلاموية المُشارِكة أو الإسلاموية الانتخابية هي أُفقٌ حوّرته ما بعد الإسلاموية. وبطبيعة الحال فليس تبني خيار الانتخابات في أوساط الإسلامويين جديداً. لقد شارك حسن البنا في الانتخابات، وإنْ لم يكن المشروع الدِّيمقراطي مركزي لديه. وفي سوريا العشرينيات بدأ الإخوان المسلمون حركة ليبرالية.[50] والواقِع أنّ عدّة دارسين للإسلاموية في مصر والأردن أتاحوا بأن الإسلاموية تتطبّع في أجواء الأنظمة القمعية وتتحوّل إلى حركات ليبرالية انتخابية[51].

 غير أن بعض الدّارسين نبّه دوماً إلى أنّ الإسلامويين تبنّوا، بدل أن يعتنِقوا الدِّمقراطيّة. بل إنّ النضال من داخل السقف الضيّق الذي حدّدته الأنظمة العلمانيّة القهرية لهم قد أصبح يُحدّد لهم برنامجاً وأفقاً للاعتدال وللبراغماتيّة[52]. وبدوره فقد أوحى هذا التحليل بأنّ الأوضاع قد تتغيّر في الشرق الأوسط في ظلِّ ترتيبات جديدة. فإذا كان دارسو ما بعد الإسلاموية في تركسا قد أعطوا للمؤسّسة العلمانية العسكرية دوراً في دمقرطة الإسلامويين كما رأينا فإنّ سؤالاً سينطرِح حول شكل الإسلاموية وما بعد الإسلاموية في غياب مؤسّسات علمانيّة قويّة.

ليس هذا النقاش جديداً. فقد اعتبرَ خصوم الإسلامويين أنّ ديمقراطيتَهم إمّا غير ليبرالية على المنوال الإيراني أو ديمقراطيّة أغلبية على منوال تجربة محمد مرسي الوجيزة أو، ما هو أسوأ، أنّها ديمقراطيّة وصولية كما حدث في السودان[53] وقطاع غزة والجزائر (وإنْ كانت هذه الهواجس قد استُخدِمت أحياناً للانقلاب على الإسلامويين كما حدث في الجزائر ومصر). وفي مقابل هذه الرؤية توجد رؤية إسلاموية تقليدية أنّ الإسلام السياسي هو روح الأمّة وأنّ الأمّة تُصوِّت في الأحوال الطبيعية للإسلامويين. من الجلي أنّ ما نحن بصدده هو عملية نشوء وارتقاء انتخابيّة.

ما أريدُه بالإسلاموية الانتخابية هو دخول الإسلامويين في الدورة الانتخابيّة كتيار رئيس في الطيف الانتخابي يُغلبَ حيناً ويغلب حيناً آخر. لقد أتاح الربيع العربي هذه الخيارات. فإذا كانت التجربة الانتخابية الأولى في الربيع العربي قد أسفرت عنما سُمي بالخريف الإسلاموي، ويُقصد به الانتصارات الانتخابية (كما الميدانية العسكرية) للإسلاموية عموماً، فإنّ واقِع الأمر أنّ هذه الحركات قد مُنيت أحياناً بانتكاسات انتخابية كما حدث لتحالف الإخوان في ليبيا، التي حلّوا فيها مُصلِّين خلف الليبراليين مرتيْن، 2012 و2014، هذا إضافة إلى تراجع النهضة في النيابيات التونسية 2014.

لا يعني هذا أنّ الإسلامويين لن يُحاوِلوا إحقاق ديمقراطيّة غير ليبراليّة أو حتّى محاولة الانقلاب على التجربة الانتخابيّة؛ ففي ليبيا حاول الإسلامويون الإخوان بالتحالف مع الميليشيات وفرض قانون للعزل السياسي يسمح بإزاحة خصومِهم الليبراليين الذين تقدّموا عليهم في الانتخابات، ما أدّى إلى زيادة الاستقطاب العسكري، وأعطى في النهاية ذريعة لحليف السي آي أيه السابق المشير خليفة حفتر في القيام بعملية الكرامة ضدّ الإسلاميين[54]. لقد وُصِفت هذه السياسات أحياناً بالأخونة.

3-5- الأخونة

إحدى سيناريوهات الربيع العربي للحركات الإسلاموية هو ظهور حركات إسلاموية غير خيريّة ومُتخصِّصة سياسياً. ويبدو أنّ هذا يُفرض بعدّة سيناريوهات لا تخلو من عنف الأنظِمة إزاء الإخوان. وبطبيعة الحال فلم تخل الحركات الإخوانية أو المستأنسة بالإخوان من ماضٍ عنيف أو تجارب عنف، غير أنّها عموماً ظلّت حركات معتدِلة، ونقصُد بهذا أنّها ظلّت عموماً تنافِحُ عن برامِجها في السياقات القانونية التي أتاحتها الأنظمة السلطوية العِلمانية. غير أنّ هذه الأنظمة في سياق الربيع العربي صارت تطلب من الإخوان وأشباههم التزامات أكبر. من ذلك مثلاً تفكيك نظام عبد الفتاح السيسي لقواعد العمل الخيري والتعليمي الذي كان مُشرّعاً في عهد مبارك وكان وسيلة لتمدّد شعبية الإخوان المسلمين. ولعلّ ستيفين بروك من أهمّ من قصّ هذا في السياق المصري؛

فمع وصول الجنرال السيسي للحكم، عشيّة مذبحة راح ضحيتها حوالي 800 قتيل في رابعة العدوية، تمّ استتباع هذا بمصادرة جمعيات الإخوان الخيرية (وصلت هذه الجمعيات في استعلام ابتدائي إلى 1142 عامِلة في 27 مديرية). وما بيّنه بروك بهذا الصدّد هو التوظيف الحكومي للقوانين من أجل قطع الصِّلة ما بين الإخوان وجماهيرهم. كان إخوان مصر يُسيّرون 22 مستشفىً وسبعة مراكز طبيّة مختصة ومركزاً لطب العيون ومركزاً للإخصاب ومركزاً لذوي الاحتياجات الخاصة. تمّت مصادرة هذه الخدمات وإيكالِها لعهدة خصم الإخوان اللدّود، علي جمعة، رئيس الأزهر السابق[55].  أما في يخصّ الهيئات التعليمية الإخوانيّة فيُبيّن بروك كيف تمّ استخدام ألعاب قانونية خاصة لانتزاعِها من الإخوان وإدارتها بإدارات غير إخوانية[56].



بعبارة أخرى يبدو أنّ الأفق الحوكمي في الرّبيع العربي يُطالب الإسلامويين بعملية فصل ما بين أعمالِهم الخيريّة وتلك السياسيّة. ولا يتعلّق هذا فقط بالممارسات القمعية لنظام السيسي. ففي تونس أقرّ الإسلامويون بضرورة هذا الفصل ما بين الاجتماعي والسياسي. ويبدو أيضاً أنّهم أقرّوا بهذا بالاستدراك في مصر. وفي حقيقة الأمر فإنّ جماعة الإخوان المسلمين كانت تُقرّ دوماً بضرورة تمرير أعمالِها الخيريّة في ظلّ دولة مبارك، بما فيه إخضاع مدارسها للمقرّرات الوطنيّة وتعهيد هيئاتِها الخيريّة للنُظم المعمول بها. غير أنّ ما نحن بصدده هنا هو تحارب دولتان عميقتان على الشعبيّة، وبالأخصِّ محاولة الدولة العميقة للعسكر استبدال التاريخ الرّيعي والخيري للإخوان برأسمال عسكري. وكما بيّن بروك فإنّ العسكر حاولوا تعويض دور الإخوان الخيري بتقسيم المساعدات وتوزيعها بأنفُسِهم[57].

 إنّ هذا الصّراع بين دولة مركزية تريد استعادة الحُكم الأهلي من الجماعات الإسلامويّة ليس جديداً على تاريخ مصر الحديث. فواقع الأمر أنّ ما يمكن تسميته بالحرب الأهلية في التسعينيات ما بين الدولة والجماعة الإسلاميّة كان سببه أنّ هذه الجماعات فشت في ضواحي القاهرة حيث ينعدم حضور الدّولة وأقامت نظاماً خيرياً وأمنياً وجمائياً صارت تحكم به القاهرة؛ ولمّا استشعر نظام مبارك الخطر ودخل على الخطِّ لاستبدال الجماعة الإسلاميّة، ولاحقاً الإخوان، شبّت الحرب التي لم تنتهِ إلاّ في مطلع الألفية بانهزام الجماعة الإسلامية وجنوحِها للسلم[58].

يأتي كثيرٌ مما ينقمُه بعض خصوم الإسلام السياسي عليه في هذا الباب ما اندرج عليه النقد العِلماني التقليدي بأن يكون مجال السياسة مجالاً إقناعياً وليس امتنانياً؛ وأن حركات الإسلام السياسي، بكونها حركات خيرية، تمتلك رأس مالٍ تمويلي غير متاح لبقيّة الأحزاب ما يجعل المنافسة معها غير عادلة، ما لم يُفصل بين الخيري والسياسي. جزءٌ من هذا النقاش هو الفصل ما بين الحزب والحركة؛ والمجتمع والسياسة. ومن نافل القول إنّ إخوان مصر هم الأكثر امتحاناً في هذا الباب لفشلِهم في إحقاق الفصل ما بين الحزب والحركة وما بين الفِعل الخيري والفعل السياسي. فأعمال الإخوان الخيرية كانت مُدارة من قبل السياسيين (ولذا سهل على خصومِهم اتهامهم بتدريس سرديّة سياسيّة عن انقلاب 3 يوليو تختلِف عن سرديّة الدولة).

أمّا الحركات المستأنِسة بالإخوان فإنّها أقلّ ابتلاءً في هذا الباب. ففي المغرب تمّ الفصل قديماً ما بين الحركة (التوحيد والإصلاح) والحزب (العدالة والتنمية)، رغم ما دعاه هذا الفصل من انتقاد بالعلمنة[59].  أما في تونس حيث ثمّة مسارٌ فريد تتطابق فيه الحركة مع الحزب فثمّة إقرار بضرورة تجافي الحركة الحزب عن الأعمال الخيريّة[60]. أما في الإسلامويات الخليجيّة، الممنوعة غالباً من الانتظام الحركاتي أو الحزبي، حتّى في قطر، حامية الإخوان في الرّبيع العربي، فإنّ الدولة الراعية في الخليج تمنع هذه السيناريوهات بحكم طبيعتها كدولة خدمات اجتماعيّة تُقدِّم، وبالتالي تسحب البساط من الحركات الأصولية في جانب تمدّدها الأذيع[61]. وليس صُدفة أنّ طرد الإخوان من راعيتِهم الأولى، السعوديّة، يتلازم مع تفكيك دولة الرِّعاية في السعوديّة.

إذاً ثمّة طريقٌ في الرّبيع العربي لتسريع عملية كانت قد بدأت قبله وهي إرادة الدولة الأحاديّة بناء تنافس سياسي لا تبزّها فيها الجماعات الإخوانيّة بأجهزتِها الخيريّة. إن لهذا مساران: المسار القهري للأنظمة القمعية والمسار الإرادي للنقد الذاتي الإخواني أو شبه الإخواني. فجزءٌ من فصل الدعوي عن السياسي أو الخيري عن السياسي والدِّفاع عن تمفصل المجتمع عن السياسية جاء نتيجة وعي الإسلامويين بضرورة عدم تسييس الدِّين، وبالأخصِّ لتحرير الخيارات السياسيّة من الحُرمات. من الجلي أنّ هذا التطويع لن يمرّ دون مقاومة، وبل وحتّى ثورة.

2-6- تثوير الإسلام السياسي

رغم أنّ الحركات الإسلامويّة لم تكن حركات ثوريّة، بل وعاضدت المعسكر الغربي في الحرب ضدّ التيارات الثوريّة العربيّة في إطار عقيدة أيزنهاور[62] إلاّ أنّ هذه الحركات لم تخلو من إرث ثوري راديكالي مثّله بالأخصّ اتجاه سيّد قطب في مصر وسعيد حوّى في سوريا. لقد بيّن ميتشل كيف جمع الإخوان المسلمون بين المشروع الدعوي المسالم وبين العنف السياسي من الأربعينيات حتّى الستينيات[63]. ولقد استغرق الأمر مجهوداً كبيراً من الإخوان المسلمين التخلّص من هذا الإرث والعودة للمجتمع الليبرالي والبرجوازي الذي طردتهم منه السياسات الناصريّة.

إنّ دور النقمة في الانتقال بالحركة الإسلاموية، وأولّها سيد قطب، في الانحدار من المجتمع الليبرالي البرجوازي إلى مشروع نقض الحداثة، التي أضحت جاهلية، واضِح لحسن حنفي في تأريخِه الفِكري لتحوّلات سيد قطب[64]. وبل إنّ فكرة التدهور من حركة ليبرالية في العهد الملكي إلى حركة فظّة هي أيضاً صورة أصبحت شعبية يقدّمها كذلك مسلسل الجماعة الذي أُخرِج في سياق الصراع الإخواني الليبرالي بعد انتفاضة يونيو 2013 على حكم الإخوان بمصر.

تُشير الدِّراسات التي تناولت حركة الإخوان المسلمين في مصر فيما بعد انتفاضة يونيو 2013 إلى أنّ الحركة وإنْ بقيَت وفيّة لتاريخها الاعتدالي إلاّ أنّ شقاً من هذه الحركة أراد خياراً ثورياً يُزعِج النظام. ويُفهَم هذا في إطار تبعثر أجندة الإخوان واضطرارهم إلى العمل السرِّي والصراعات، ذات البعد الجيلي غالباً، فيما بينهم على المقاربة الاستراتيجية الأنجع لمواجهة حُكم السيسي. وفي واقِع الأمر فإنّه يبدو أنّ نظام السيسي يستخدِم سياسات النظام في أيام مبارك لشراء هذه الشرائح العنيفة والدفع مقابل أمنها[65]. وإذا كان العنف استراتيجية جناح من هؤلاء فإنّه يبدو أنّها لم تنزع بعد إلى تغيير الهويّة الإخوانيّة المصريّة ذات الموصوفة بالاعتدال.

على العكس من هذا يبدو أنّ اتجاهاً من حركات الإخوان في سوريا وليبيا واليمن قد أخذ السلاح في الاحتدامات الأهلية هنالك. في المقابل لا يبدو أنّ الإسلام الإخواني أو الشبيه بالإخوان في المغرب العربي آخذ طريق الثورة. فالجزائر التي تحرّرت من وهم الجهادوية السياسيّة قد قدمت للتو من حرب أهلية طاحنة ربّما كان من آثارها عدم إدخال البلاد في موجة الاحتجاجات الشعبية التي أرادت التغيير من أسفل، والتي حدّدت لوقت الربيع العربي. أمّا في تونس فيبدو أن تحالف الغنوشي مع السلفيين قد مُنيَ بهزيمة في 2014 جعلت النهضة تعود إلى المسار الليبرالي. لقد اعتقد دارسون أمثال أنّ هذا التاريخ النضالي للنهضة قوّض مزاعِم ما بعد الإسلاموية[66]، غير واقِع الأمر أن اتجاهات ما بعد إسلاموية فيها، سواء كانت مورو أو حمادي الجبالي كانت مساهِمة أساسية في غلبة الاتجاه الغنوشي الدّاعم للسلفيين.

2-7-الإسلاموية الريّعيّة

جزءٌ أساسٌ من سيناريوهات الإسلاموية في الربيع العربي يتعلّق بحظوظ وأداء هؤلاء في الأفق السلطوي للممالك الخليجيّة. والنقاش هنا يتعلّق بمجالات الفِعل والحظوظ لدى الإسلام السياسي الخليجي. ويُستحسن نقاش هذه الإطارات في علائقها الافتراضيّة والنظرية. مؤخّراً أعادت كورتني فريير زيارة فكرة الإسلاموية الرّيعية؛ فهذه الأطروحات تناولت علاقة الإسلامويات بالسياسات البلاطية [67]. فالسياق الذي نوقِشت فيه نظريّة الرّيع يتيح مجالاً محدوداً للفعل الإسلامي. فطارحو النظريّة، سواء في شكلِها الابتدائي، أمثال حُسين مهداوي، أو الذين عمّقوا أطروحته أمثال حازم الببلاوي وجياكومو لوسياني وهوتان شامتاياتي، لم يروا أمكانية للإسلاموية في ظلّ أنظمة تحتكر الرّيع.

تقول نظرية الرّيع أنّ الدولة الرّيعية باعتبارِها معتمدة على المداخيل من الخارج وباحتكارها لتلك المداخل لا تجد نفسها في بُدٍّ من التنازل للمجتمع المدني (أي القوى الحداثية المستقلّة عن الدولة)، وبالأخصِّ لا يدفعُها هذا لفتح المجال العام في شكل ديمقراطي يسمح للخصوصيين وللمجتمع بالنضال الحقوقي. والسبب في ذلك أنّ المجتمع لا يصنع الثروة؛ وإنّما يتلقّى الحظوة والأفضال من الأمراء الحاكِمين، فلا يشعر بحقِّه في الثروة العمومية [68].

اعتمدت فريير، محاججة ضدّ هؤلاء، على عدّة أعمال من أهمّها عمل مايكل هيرب في نقد التصوّرات للبرلمان باعتِبارِه قوة ضريبية عندما أحال إلى تاريخيّة هذه الحقيقة وعدم نجاعتِها لوصف السياسات الحداثية[69]. وعموماً تتمّ الشكوى لدى هؤلاء الباحثين من الحتمية الاقتصادية في نظرية الدّولة الريعية لأنها لا تُتيح مجالات للفعل للجماعات الأصولية ذات القوة الثقافية. وتريد فريير في بحثِها أنْ تُشير إلى الدّور الذي يلعبُه الإسلامويون في السياسات الخليجيّة. وهي تُحيل إلى مسألتيْن: تأسلُم الدولة نتيجة لوجود حركات إسلاموية في الخليج. وثانياً عمل الإسلامويين من خلال الفضاءات غير الرسمية وبالأخصِّ المجالس والملتقيات الدعوية التي تستطيع فيها هذه الحركات خلق وعي ومجال للضغط.

تكمن جِدة بحث فريير في أنّه يُطرحُ في وقتٍ يبدو فيه أنّ ثمّة عملية تاريخيّة للتخلّص من الإسلامويين في السعودية والإمارات.  رأينا أنّ دوراً سياسياً، وإنْ لم يكن سلطوياً، لإسلامويي الخليج ليس هو أهمّ أوجه تغيّرات الإسلام السياسي فيما بعد الرّبيع العربي. وعلاوة على هذا فإنّ تصارع السعودية مع هؤلاء الإسلامويين لا يبدو أنّه يُنتِج عملية أسلمة وإنّما يبدو أنّه يُنتِج عملية إصلاحات علمانوية، على الأقلّ في السعودية، وإنْ كانت لا تُقدِّم نفسَها كذلك[70].

وما يهمّنا هنا هو انتقال مركز ثقل الإسلام السياسي إلى مجال بلاطوي هو قطر، التي وإن طردت بعض الإخوان نتيجة ضغوط سعودية، إلاّ أنّ وصول الخلافات بين البلديْن إلى نقطة قصوى قد شجّع على الاستقلال القطري وقوّى من مضيها في إيواء الإسلام السياسي الإخواني وتقويتِه. إن الإسلاموية الرّيْعية قد تكون اليوم وجهة جديدة لإعادة إطلاق الإسلام الإخواني كما سبق وأنْ أطلقته السعودية في تاريخ الحروب الباردة العربيّة بين الجمهوريات والملكيات. ولاشكّ أنّ لهذه البلاطوية مترتباتها ليس فقط على سياسات الإسلام السياسي الإخواني وإنّما حتى على خطاباته ومثقّفيه.

3-مثقّفو الإسلاموية الجُدد

شهد الربيع العربي ظهور أنماطِ جديدة من التنظير للإسلاموية تتميّز ليس فقط بأنّها غير أرثودوكسيّة وإنّما أنّها لا تأتي حتّى من إسلامويين أو مسلمين. فمع تراجع الأسلمة الشمولية وظهور استدخالات للفصل ما بين السياسي والدّعوي ودعوات استبدال أسلمة المجتمع بتقديم البرامج الانتخابيّة المعيشية، لم يعد التنظير الإسلاموي متصدّراً من قبل أصوات طويلة الأمد كيوسف القرضاوي وسفر الحوالي وعلي الصلابي وغيرهم؛ وإنما قفزت للمجال الأصوات التنظيريّة الإصلاحية ليس فقط في الإسلامويين (كالأصوات المنبرية لعبد الفتّاح مورو) وإنّما التنظير السياسي للعلمانويين. إنّ قناة الجزيرة، التي انفكّ تحالفها القومي-الإسلامي-اليساري إلى خلاصة شبه إسلاموية، قد صارت تقود هذا التبلور الجديد من خلال صدحها بالدِّفاع الدؤوب عن الإسلاموية في لغة علمانية. لقد ظهر في هذا المجال منظِّرون علمانويون ولكنهم متعاطفون مع الإسلام السياسي كعزمي بشارة وغيره.

أمّا في مصر فإنّ جزءاً من هذا التنظير الجديد جاء من التحالفات السياسية مع غير الإخوان أمثال رفيق حبيب، القبطي، الذي صار أبرز منظِّري الإخوان المسلمين قبيل وبعيد انقلاب السيسي. جزءٌ من هذا يأتي من طرائق استخدام الوسائط الإعلامية الجديدة، التي لم تؤسلَم على منوال السبعينيات والثمانينيات وإنّما استُدخِلت بريشِها في الخطاب الإسلاموي المُحدث ما نفي التداخلات التقليدية أو النمطية ما بين الإسلامية والعلمانوية[71]. يمكن فهم هذه التحوّلات إمّا في سياق التعلمن الذي أشرنا إليه أعلاه أو في إطار ما سمّاه دانييل بل بما بعد الأيديولوجيا[72]؛ ولكنّه بالتأكيد معلم صار بارزاً فيما بعد الرّبيع العربي.

4-إسلاموية الدّولة

لئن كان تعلمن الإسلاموية أو إعادة تدويرها من قبل علمانويين قد صار ملمحاً بارزاً من ملامح المشهد على جبهة الإسلام السياسي فإنّ عكس ذلك صحيحٌ عن الدّولة العلمانوية. لقد ذهب محمد أركون إلى المسعى غير البديهي بأنّ الإسلمة هي منتج الدولة الناصرية[73]. وواضحٌ لجوزيف مسعد سياق الحرب البارِدة في تفعيل وتفعيم الإسلاموية[74]. إنّ اعتراف الأمير السعودي والحاكم العملي للملكة، محمد بن سلمان، بأنّ انتشار الدعوة والأسلمة السعودية قد كان بمبادرة أميركية ليس إلاّ مثالاً أقرب على هذا. عاد جزءٌ من هذه العملية إلى تاريخ استشفاع الدولة العلمانية الحديثة بمؤسّسات دينية من العلماء ومؤسّسات تعليمية دينية ذات وزن تاريخي (كالأزهر والزيتونة والقرويين الخ).

ولكنّ جزءاً منه يعود إلى تواريخ احتواء الدولة الحديثة للإسلام السياسي أو توظيفه ضدّ خصومِها العلمانويين، وبالأخصِّ اليساريين. يشتهر في هذا الإطار سياسات "الرئيس المؤمن"، أنور السادات في ضرب الاتحاد الاشتراكي وتقويّة الإخوان المسلمين[75]؛ وسياسات الحسن الثاني ضدّ اليسار في السبعينيات؛ وسياسات الملك حسين ضدّ التيارات الثوريّة، التي قوّت الإسلام السياسي المحلِّي[76].

في هذا الاحتدامات وأخرى متعلِّقة بالتنافس مع الإسلاموية الصاعِدة في استخدام الإسلام كرأس مال سياسي، نشأت تقاليد دولتيّة من الأسلمة. لقد انتبه الدّارسون في مصر إلى أنّ الجزء الأبرز في أسلمة الشارع (مثلاً أعيد العمل، بسياسات الدولة، بالحجاب بعد أنْ كاد يختفي من الحياة العامة المدنية في مصر) تعلّق بسياسات الدّولة المصرية في عهد مبارك.[77] ورغم ما يُقال عن لائكيّة نظام بن علي فإنّه في واقِع الأمر لم  يشذ كثيراً عن هذه العملية في   بن على؛ ففي إطار حربه على التطرّف الدِّيني افتتح إذاعة الزيتونة الدِّينية ورخّص الحجاب في المدارس وانطلق في خطاب يُحاول استعادة الخطاب الدِّيني من الطفرة الورِعة الشعبية التي استفاد منها السلفيون والنهضة في مطلع الألفية[78].
 
 
خاتمة

لعلّ الوقت ما زال مبكِّراً لاستشراف أي شكلٍ معياري سيؤخذه الإسلام السياسي فيما بعد الرّبيع العربي، لعدّة أسباب منها أنّ هذا الربيع ما زال في مسيرتِه ولم يستخلِص كلّ إمكاناته. غير أنّ عدّة بوادر تتشكّل في هذه اللحظات. وما يعين على رصدها هو نمط العود الأبدي الذي يُنبئ تبلورات الإسلام السياسي. لقد آن الأوان لدراسة الإسلام السياسي أنّه تواريخ ثريّة بالتقاليد والتجارب، وأنّ هذه التجارب والتقاليد تعود في أشكال ودورات فيكوية (نسبة إلى فيكو). وكما في ألان باديو إنّ أهمية الحدث، الربيع العربي في هذه الحالة، هو قدرته على إعادة توجيد الأحداث قبله وإعطائها شلاً مديداً جديداً. إن مذهبنا هو أنّ الحدث المسمّى بالربيع العربي ربّما لم يستقِدم نزعة إسلاموية جديدة من العدم ولكنّه يعيد تفعيل وصياغة وتوجيه كثير من هذا التقاليد. والأرجح أنّ الإسلام السياسي لن يبقى كما كان بعد الرّبيع.

الهوامش:

[1] نقطة بخصوص مصطلح "الإسلاموية". إنّ كاتب هذه الأسطر على وعي بأنّ هذا المصطلح قد استُخدِم بطريقة قدحيّة تروم تمييز الإسلامويين عن الإسلام أو نسب مقولات ظنيّة وزعميّة لهم عن الإسلام، إلاّ أنّه بديهي أنّ توظيفنا لهذا المصطلح ليس هذا المذهب، وإنّما هو: 1-المصالحة مع اتجاه بارز في الترجمات والأدبيات الأكاديميّة أصبحت تأخُذ بها المصطلح. 2-التصاعد المتنامي للتقاليد الأكاديميّة بالفصحى التي رامت تمييز النسبة الأيديولوجيّة للإسلام عن النسبة الصميمة له. من ناحيّة أخرى يبدو أنّ اتجاهاً مهماً في الحركات الإسلاموية أصبح ينتبِه لإشكالية مصطلح الإسلاميين وبدأ يتخلّى عنه، كما في تونس وموريتانيا مثلاً.
عن تمييز الإسلاموية عن الإسلام، انظر مقال بسّام الطيبي، الناقِد للمقاربات المفاهيمية لهذه المصطلحات:
Bassam Tibi, “The Islamist venture of the Politicization of Islam to an Ideology of Islamism: A Critique of the Dominating Narratives in Western Islamic Studies” Soundings, 2013, 96:4 431-449.
[2] سعيد العشماوي، الإسلام السياسي، القاهرة: دار سينا، 1987.
[3] كليفرد غيرتز، الإسلام من وجهة نظر علم الأناسة- التطوّر الدِّيني في المغرب وإندونيسيا، ترجمة أبو بكر باقادر، دار المنتخب، بيروت، 1993.
وعن نقد غيرتز انظر أعمال طلال أسد في مطلع التسعينات، وبالأخصّ، جينيالوجيات الدِّين: تأديبات وعقلانيات السلطة في المسيحية والإٍسلام:
Talal Asad, Genealogies of religion: Disciplines and Reasons of Power in Christianity and Islam, Baltomore: John Hopkins University Press, 1993.
وعن نقد تقديمات أسد لغيرتز انظر:
Steven C. Caton, “What is an Authorizing Discourse”in David Smith and Charles Hirschkind, Powers of the Secular Modern: Talal Asad and His Interlocutors, Stanford: Stanford University Press, 2006, 31-57.
وعن ردود أسد، انظر في نفس الكِتاب:
Talal Asas, Responses, 210-216.
[4] انظر مثلاً أعمال جوسلين سيزاري، التي تقرأ الإسلام السياسي كنتيجة للإصلاحات الدِّينية التي ميّزت عملية التحديث، حتّى العِلمانية، في البُلدان الإسلامية، وبالأخصّ، جوسلين سيزاري، ما هو الإسلام السياسي؟:
Jocelyne Cesari, What is Political Islam? Boulder, CO: Lynne Rienner Publishers, 2017.
وعن تقديم صحفي سريع لهذا النوع من المقاربات عن أنّ الإسلام المعاصر هو نتيجة عملية إصلاح ديني أو تنوير إسلامي  أو أنّه لا يحتاج لإصلاح أو تنوير على المنوال الغربي انظر مثلاً مقال مهدي حسن المنشور في الغارديان بعنوان: لماذا لا يحتاج الإسلام إلى إصلاح ديني:
Mehdi Hasan, Why Islam Doesn’t Need a Reformation, The Guardian,
على الرابط....نُفِذ إليه في 4 يوليو 2018.  
ودوماً في هذا التصنيف الأخير، انظر مقالي الخفيف: أبو العباس ابرهام، هل يحتاج الإسلام إلى إصلاح لوثري، حكمة، 25 ابريل 2016، على الرابط....نُفِذ إليه في 4 يوليو 2018.
 
[5]انظر مثلاً فروز أحمد، الأتراك الفتيان والقوميات العثمانية: الأرمن واليونانيين والألبان واليهود والعرب 1908-1914
Feroz Ahmad, The Young Turks and Ottoman Nationalities: Armenians, Greeks, Albanians, Jews, and Arabs 1908-1914, Utah: Utah University Press, 2014.
و عن طلعت باشا انظر مثلاً هذا العمل الصادر حديثاً لهانز-لوكاس كيسر: طلعت باشا: أبٌ لتركيا الحديثة ومهندس المذبحة
Hans-Lukas Kieser, Talaat Pasha : Father of Modern Turkey, Architect of Genocide, Princeton: Princeton University Press, 2018.
انظر كذلك السيرة الفِكرية لأتاتورك التي كتبها حديثاً مي شكري هانيوغلو
Şükrü Hanioğlu, Atatürk: An Intellectual Biography, Princeton: Princeton University Press, 2011.
[6] أوليفييه روا، تجربة الإسلام السياسي، ترجمة نصير مروة، بيروت، دار الساقي، 1996.
[7] عُدْ إلى عمل جوسلين سيزاري المشار إليه أعلاه.
[8] كريس هارمان، النبي والبروليتاريا، ترجمة مركز الدراسات الاشتراكية، القاهرة، 1996. وعن قراءات العلاقة ما بين طبقة البازار والثورة في إيران سواء الثورة الدستورية أو الثورة الإسلامية انظر أعمال نيكدي كيدي وحميد ألغار وسيد أمير أرجماند:
Hamid Algar, Religion and State in Iran: 1785-1906, Berkeley: University of California Press, 1969; Nikki Keddie, Modern Roots and Results of Revolution, Yale: Yale University Press, 2003; Said Amir Arjomand, The Turban for the Crown: The Islamic Revolution in Iran, Oxford: Oxford University Press, 1988.  
[9] حسام تمام، تسلّف الإخوان: تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية في جماعة الإخوان المسلمين، الإسكندرية: مكتبة الإسكندرية، 2012.
[10] انظر مثلاً فرانسوا بورغا، الإسلام السياسي في المغرب: صوت الجنوب
François Burgat, L‘Islamisme au Maghreb ; la voie du Sud (Paris : Karthala), 1988.
وعمل جيل كيبيل، ضواحي الإسلام
Gilles Kepel, Les banlieues de l‘islam(Paris : Édution du Seuil), 1991.
أمّا عن التصوّر الإسلاموي للشريعة باعتبارِه ترجمة لأنماط الحكامة الحديثة وتقنيات الذات وتمايز المجالات فانظر إلى وائل حلاّق، الدولة المستحيلة:
وائل حلاّق، الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة عمرو عثمان، المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة، 2015.
[11]انظر مثلاً دراسات عثمان كان الأخيرة في الموضوع،
Ousmane kane, 2012, «L‘«Islamisme» hier et d’aujourd‘hui : quelques enseignements de l‘Afrique de l‘Ouest,» Cahiers d‘Etudes Africaines, 52 : 206/207, 245-574.
وعن حركة ناصر الدِّين وتغلغلها في غرب إفريقيا انظر كتابي في التاريخ العام لموريتانيا:
أبو العباس ابرهام، آلاف السنين في الصحراء: تاريخ موريتانيا من البواكير حتى القرن العشرين، مركز نماء، 2018.
[12] شادي حامد، الاستثنائية الإسلامية: كيف يعيد التنازع على الإٍسلام تشكيل العالم:
Shadi Hamid, Islamic Exceptionalism: How the Struggle Over Islam is Reshaping the World, New York: St. Martin, 2018.
[13] انظر مثلاً، حسن الهضيبي، دعاة لا قُضاة: أبحاث في العقيدة الإسلامية ومنهج الدعوة إلى الله، القاهرة، دار الطباعة والنشر الإسلامية،
وعن مسار حسن الهضيبي، مرشد الإخوان وخليفة البنا انظر عمل باربارا زولنر الصادر 2008 بعنوان: الإخوان المسلمون: حسن الهضيبي والأيديولوجيا:
Barbara Zollner, The Muslim Brotherhood : Hasan al-Hudaybi and ideology, Taylor & Francis Group, 2008.
[14] Ignacio Alvarez-Ossorio and Naomi Diaz, “Understanding the Muslim brotherhood in Syria” in
Ferrani Izquierrdo Britchs et al, 2017, Political Islam in a Time of Revolt, London: Palgrave MacMillan, 81-103.
[15] روا، مصدر سبق ذكره.
[16] انظر مثلاً، عزيز العظمة، سؤال ما بعد الحداثة في الهوية (سلسلة مفاهيم عالمية، إشراف نادية التازي)، تأليف عزيز العظمة، وانغ بين، دافيد أ هولينجر، ن، جايرام، محمود ممدني، إيمانويل رونو، ترجمة عبد القادر قنيني، المركز الثقافي المغربي، الدار البيضاء، المغرب، 2005، ص 13-30.
[17] فريد الأنصاري، الأخطاء الستة للحركة الإسلامية: انحراف استصنامي في التصوّر والممارسة، مكناس، الكلمة للطبع والنشر، 2007، 22-60.؛ طه عبد الرحمن، روح الدين: من ضيق العلمانية إلى سعة الانتمائية، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2012، 91 فما بعدها.
[18]  أوليفييه روا، مصدر سابق؛ انظر أيضاً حسام تمّام، تسلّف الإخوان، مصدر سابق؛ انظر أيضاً، فريد الأنصاري، مصدر سابق، 116-174.
لا يختلِف هذا التحليل كثيراً عن تحليل حسام تمام عن تسلف الإخوان، كما أحلنا أعلاه. انظر أيضاً تحليله الآخر للإخوان المسلمين في مصر فيما قبل الثورة: حسام تمّام، الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة، القاهرة: دار الشروق، 2012.
أمّا عن أولى انتقادات النظرية الإسلاموية في الاقتصاد، أو بالأحرى في المصارف، والنظرية الإسلاموية القانونية في السياق العربي، انظر عمل محمد سعيد العشماوي، الإسلام السياسي، القاهرة: دار سينا، 1987. أما النقد الاقتصادي الأعمق فيوجد في أعمال سمير أمين وغيره. انظر أدناه.
[19] لأخذ فكرة عن التطوّر الأيديولوجي للحركات الإخوانية قارن بين الخطاب الإخواني كما مثلّه المنظِّرون المعياريون أمثال يوسف القرضاوي وبين خطابها الديمقراطي الإصلاحي فيما بعد الربيع العربي. انظر محاضرات يوسف القرضاوي في مطلع الثمانينيات، مثلاً يوسف القرضاوي، المحنة في واقع الحركة الإسلامية المعاصرة، القاهرة، مكتبة وهبة، 2001.
[20] Patrick Haenni, “The Reasons for the Muslim Brotherhood’s Failure in Power” in Bernard Rougier and Stéphane Lacroix, Egypt’s Revolutions: Politics, Religion, And Social Movements. Trans. Cynthia Schoch, London: Palgrave MacMillan, 2016, 19-41.
[21] انظر مثلاً كامران بخاري وفريد سنزاي، الإسلام السياسي في عهد الدمقرطة (2014)
 Karman Bokhari and Farid Senzai, Political Islam in the Age of Democratization, London: Palgrave Macmillan, 2014,69-70.
[22] عن نيوليبرالية الإخوان المسلمين انظر مواقف سمير أمين
“The Movement in Egypt: A Dialogue with Samir Amin”, Boundary, Spring 2012, 167-206.
و:
Samir Amin Reflects on Egypt, Pambazuka News, Sep 05, 2013.
على الرابط....نفذ إليه في 5 يوليو 2018.
وانظر كذلك زيدان مريبوت، الربيع العربي: تأثير الإخوان المسلمين ورؤيتهم على التمويل الإسلامي والدولة
Zidane Meriboute, “Arab Spring: The Influence of the Muslim Brotherhood and Their Vision of Islamic Finance and the State” in G. Carbonnier et al (eds) 2013, International Development Policy: Religion and Development, London: Palgrave MacMillan, 128-148.
انظر أيضاً عمل مريبوت في 2010: الإسلاموية، الصوفية والأنجليكانية: حربٌ أم سلام؟
Zidane Meriboute, Islamisme, soufisme, évangelisme : la guerre ou la paix, Genèves : Labor et Fides, 2010.
[23] أوليفييه روا، مصدر سابق، ص، 107-109.
[24] انظر مثلاً تحليلات أوضاع الحركة الإسلاموية في المغرب وتونس والأردن وفلسطين ومصر قبل وأثناء الربيع العربي في عمل كامران بخاري وفريد سنزاي، الإسلام السياسي في عهد الدمقرطة (2014)
 Karman Bokhari and Farid Senzai, Political Islam in the Age of Democratization, London: Palgrave Macmillan, 2014,69-70.
[25] Guadelupe Martinez Fuentes,  “Political Islam in Tunisia : A Comparative Approach” in Ferrani Izquierrdo Britchs et al, 2017, Political Islam in a Time of Revolt, London: Palgrave MacMillan, 177-203.
[26] Asef Beyat, ed. Post-Islamism: The Changing Faces of Political Islam, Oxford: Oxford University Press, 2013; Asef Beyat, The Post Islamist Revolutions. Foreign Affairs, 26, April 2011.
[27] الجزيرة، زواج فريند حل بديل أم مشكلة جديدة،
[28] انظر مثلاً النقد السلفي لكتاب القرضاوي: صالح بن فوزان الفوزان، الإعلام بنقد كتاب الحلال والحرام، الصادر 1976. نص الكتاب على هذا الرابط.
نُفِذ إليه بتاريخ 05 يوليو 2018.
[29] Asef Beyat, “Egypt and Its Unsettled Islamism” in Asef Beyat, 2013, Post-Islamism: The Changing Faces of Political Islam, Oxford: Oxford University Press, 168-228.
[30] نفسه.

[34]إحسان داجي، ما بعد الإسلاموية بالطريقة التركية (النص من ترجمتي؛ أما الإشارة بالرقم فهي إحالة في النص).
Ihsan Dagi, “Post-Islamism à la Turca,” in Beyat, Asef, ed. Post Islamism p. 71.
[35] Ihsan Dagi, “Post-Islamism à la Turca,” in Beyat, Asef, ed, 2013, Post Islamism, 71-107. n
[36] نفسه.
[37] علي بولاك، مُحالاً إليه في إحسان داجي، نفسه، 87.
[38] عن النموذج الصحفي لعلي بولاتش وغيره من الصحافة الإسلامية بتركيا انظر بحث ميشل أنجلو غويدا بعنوان: مفاوضة القيم في الصحافة الإسلامويّة بعد 2013:
Michelangelo Guida, “Negotiating Value in the Islamist Press After 2013,” Middle East Critique, 2018, 27:2, 193-206.
[40] Beyat, 2013, op cit.
[41] مثلاً تغيّرت التصنيفات الرائجة في الغرب لحزب العدالة والتنمية من حزب عِلماني إلى حزب محافِظ، وأحياناً إسلاموي. انظر مثلاً نيويورك تايمز في مقال داجي
[42] وائل حلاّق، الدولة المستحيلة، مصدر سبق ذكره.
[43] انظر أثر هذه المقابلة، الأخبار، "عبد الله العروي لم ينطل  عليه الربيع العربي"، 10 ابريل 2012، العدد 1680. 
[44] هسبرس، ظهير ملكي يمنع الأئمة والخطباء من ممارسة السياسة والنقابة، 02 يوليو 2014 على هذا الرابط.
نُفِذ إليه بتاريخ 05 يوليو 2018.
[45] الصباح، الداخلية تبدأ تدابير منع النقاب بالمغرب، 09 يناير 2017, على هذا الرابط.
نُفِذ إليه بتاريخ 05 يوليو 2018.
[46] الجزيرة نت، دستور تونس مع حرية المعتقد وحماية المقدسات، 05 يناير 2014 على هذا الرابط.
 نُفِذ إليه بتاريخ 05 يوليو 2018.
[47] القدس العربي نائب رئيس حركة النهضة: زواج التونسية من غير المسلم «اختيار شخصي»، على هذا الرابط.
نُفِذ إليه بتاريخ 05 يوليو 2018.
[48]Steven Brook, ”Egypt” in Shadi Hamid and William McCants, eds, Rethinking Political Islam 9Oxford: Oxford University Press), 2017, p. 24.
[49] انظر مثلاً طلال أسد، تشكّلات العِملاني وبالأخصِّ الفصليْن الأخيريْن:
Talal Asad, Formations of the Secular: Christianity, Islam, Modernity, Stanford: Stanford University Press, 2003.
وانظر كذلك الكتاب الهام لويلفيرد كانتويل سميث في 1991 بعنوان: معنى الدِّين ونهايته:
Wilfred Cantwell Smith, The Meaning and End of Religion, Minneapolis: Fortress Press, 1991.
[50] Ignacio Alvarez-Ossorio and Naomi Diaz, “Understanding the Muslim brotherhood in Syria” in
Ferrani Izquierrdo Britchs et al, 2017, Political Islam in a Time of Revolt, London: Palgrave MacMillan, 81-103.
[51] انظر عمر شادي حامد، إغواءات السلطة: الإسلامويين والديمقراطيّة الليبرالية في شرقٍ أوسط جديد (2014)
Shadi Hamid, Temptations of Power: islamists and Liberal Democracy in a New Middle East, London: Oxford: Oxford University Press, 2014.
انظر أيضاً كامران بخاري وفريد سنزاي، الإسلام السياسي في عهد الدمقرطة (2014)
 Karman Bokhari and Farid Senzai, Political Islam in the Age of Democratization, London: Palgrave Macmillan, 2014
[52] كامران بخاري وفريد سنزاي، مصدر سبق ذكره.
[53] لعلّ من أهمِّ الأعمال عن التجربة الإسلاموية في السودان ودور حسن الترابي فيها هو كتاب السودان الثوري: حسن الترابي والدولة الإٍسلاموية 1989-2000، تأليف جي ميلارد بَرْ وروبرت أو كولينز (2003):
Millard Burr and Robert O Collins, Revolutionary Sudan: Hasan al-Turabi and the Islamist State 1989-2000, Leiden: Brill, 2003.
[54] عن تحليل الإسلام في السياسي في ليبيا في أفق الربيع العربي انظر:
Laura Feliu and Rachid Aarab, “Political Islam in Libya: Transformation on the Way of Elitisation” in Ferrani Izquierrdo Britchs et al, 2017, Political Islam in a Time of Revolt, London: Palgrave MacMillan, 153-177.
[55] Steven Brook, 21.
[56] نفسه 22-25.
[57] نفسه.
[58] انظر تحليل آصف بيات لما بعد الإسلاموية في مصر:
Beyat, 2013, 168-228.
[59] فريد الأنصاري، مصدر سبق ذكره.
[60] Steven Brook, oct.
[61] انظر عمل كورتني فريير عن الإسلاموية في الخليج العربي، محال إليه مراراً في هذا المقال.
[62] جوزيف مسعد، الإسلام في الليبرالية، مصدر سابق.
[63] R. P. Mitchell, The Society of the Muslim Brothers, London: Oxford University Press, 1969.
[64] حسن حنفي، فلسفة لإسلامٍ ما بعد أصولي:
Hasan Hanafi “Philosophie d’un islam post-fondamentaliste,” Maghreb-Machrek, 244-225, 2016, 105-112.
[65] الجزيرة، "هل يدفع السيسي لمصالحة مع الإخوان"، 9 فبراير 2018. نُفِذ إليه بتاريخ يونيو 28 2018 على هذا الرابط.

[67][67]Courtney Freer, Rentier Islamism: The Influence of the Muslim Brotherhood in Gulf Monarchies, Oxford: oxford University press, 2018.
[68] عن مدخل سريع لأعمال هؤلاء، انظر الكتاب الذي حرّره حازم ببلاوي وجياكومو لوسياني في 1987 بعنوان الدولة الريْعية:
Hazem Beblawi and Giacomo, eds. The Rentier State. London & New York: Routledge, 1987. 
[69] Freer, 16-17.
[70] انظر أعمال ستفن لاكروا في ما بعد الوهابيّة، والتي تعود إلى منصف العشرية الماضية، مثلاً:
Stephen Lacroix, “Post-Wahhabism in Saudi Arabia?” ISIM Review, Spring 2005, 17.
[71] عن أشكلة الطبيعية العلمانية للنقد انظر، هل النقد علماني
Is Critique Secular?Blasphemy, Injury, and Free Speech
[72] دانييل بل، نهاية الأيديولوجيا: في استنهاك الأفكار السياسية في الخمسينيات (2000)
Daniel Bell, The End of Ideology: On the Exhaustion of the Political Ideas in the Fifties, Harvard: Harvard University Press, 2000.
[73] محمد أركون، نحو تاريخ مقارن للأديان التوحيدية، بيروت: دار الساقي، 2010.
[74] جوزيف مسعد، الإسلام في الليبرالية، ترجمة جوزيف مسعد وأبو العباس ابرهام (دار جداول)، 2018.
[75] انظر عمل كاري ويكهام عن الإخوان المسلمين بمصر (2013)
Carrie Rosefsky Wickham, The Muslim Brotherhood Evolution of an Islamist Movement, Princeton: Princeton University Press, 2013.
[76] Karman Bokhari and Farid Senzai, op cit.
[77] عن هذا انظر عمل ليلي أحمد، الثورة الصامِتة
Leila Ahmed, A Quiet Revolution: The Veil’s Resurgence, from Middle East to America, Yale: Yale University press, 2011. 
[78] عن هذا انظر أن وولف، الإحياء الإسلامي، 103-106 و125-فما بعدها
Anne Wolf, Political Islam in Tunisia: The History of Ennahda, London: Oxford University Press, 2017.
أبو العباس ابرهام

باحث وكاتب. ألّف كتاب "آلاف السنين في الصّحراء: تاريخ موريتانيا من البواكير حتّى القرن العشرين" (2017)، وترجم بالتشارك "الإسلام في الليبرالية" لجوزيف مسعد (2017). يعمل على دراسة تاريخ العلمنة والتشكّلات الدِّينية في العالم العربي كما في تاريخ الأفكار الإسلاميّة والغربية. نشر عدّة مقالات وأبحاث في صحف ومجلات. يُدرِّس حالياً بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.